شرح اللمعتين

هوية الکتاب

الكتاب: شرح اللمعتين

المؤلف: الشيخ عباس ابن الشيخ حسن آل كاشف الغطاء قدّس سرّه.

الناشر: مركز تراث سامراء.

المدقق اللغوي: الشيخ عقيل علي الدراجي

التصميم و الإخراج الفني: الحاج مسلم شاكر المطوري

المطبعة:

الطبعة: الأولى.

عدد النسخ: 1000 نسخة.

سنة الطباعة: 1441ه- / 2020م.

رقم الإصدار : 43.

رقم الإيداع في دار الكتب و الوثائق ببغداد لسنة 2020م.

ISBN:

جميع الحقوق محفوظة لمركز تراث سامرّاء.

ص: 1

اشارة

الكتاب: شرح اللمعتين

المؤلف: الشيخ عباس ابن الشيخ حسن آل كاشف الغطاء قدّس سرّه.

الناشر: مركز تراث سامراء.

المدقق اللغوي: الشيخ عقيل علي الدراجي

التصميم و الإخراج الفني: الحاج مسلم شاكر المطوري

المطبعة:

الطبعة: الأولى.

عدد النسخ: 1000 نسخة.

سنة الطباعة: 1441ه- / 2020م.

رقم الإصدار : 43.

رقم الإيداع في دار الكتب و الوثائق ببغداد لسنة 2020م.

ISBN:

جميع الحقوق محفوظة لمركز تراث سامرّاء.

ص: 2

ديوان الوقف الشیعی

العتبة العسکریة المقدسية

شرح اللمُعْتَين

مَبَاحِث من كتاب الطهارة

تأليف

الشيخ عباس ابن الشيخ حَسَن الكَاشفِ الغِطَاءَ

ت 1323ه-

تحقیق

مُحَمد جَلِيل الحسناوي

مُراجَعَة و تَدقِيق

مركز تراث سامرّاء

ص: 3

ص: 4

مقدّمة المرکز

ص: 5

ص: 6

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين و صلّى الله على محمد و آله الطاهرين.

لقد أولى السيّد محمّد حسن الشيرازي رضی الله عنه عناية فائقة و اهتماماً بالغاً بتلامذته، و كانت هذه إحدى الجوانب المشرقة من حياته المباركة، فقام بإرشادهم إلى ما يكتبون، و رعايتهم فيما يصنّفون، مظهراً بذلك حرصه الكبير على تنمية قابلياتهم، و تطوير قدراتهم، و حتّهم على ارتقاء درجات الكمال (بعد أن كان يفيض عليهم العلم و يسبغ عليهم الفضيلة، و يمرّنهم على المثابرة، و یلزمهم بالمجاهدة، و يهذّب أخلاقهم، و ينشر فضلهم، و يُعطي كلَّ ذي حقّ حقّه، و يوقفهم على الطريقة المثلى، و يغمرهم بسيبه الهامر، و عطائه الشامل، و يؤدّبهم بأدبه الزاهي، و يكلأ عزّهم، و يحفظ شرفهم، و الرجل وحيدٌ في هذه الخصال) (1)

و قد حصلنا على شواهد عديدة تمثّل حنّه للنابهين منهم على الكتابة و التأليف، و منهم:

1) السيّد حسن صدر الدين العاملّي (1272 - 1354ه-) كما صرّح بنفسه في رسالته (إبانة الصدور في موقوف ابن أذينة المأثور)، و كذا في (مسألة تعارض الاستصحابين) (2).

2) الشيخ محمّد باقر القائيني البيرجندي (1276 - 1352ه-) حيث ألّف كتابيه (وثيقة الفقهاء) و (إيضاح الطريق) بأمر أستاذه المجدّد (3).

3) الميرزا أبو الفضل كلانتر الطهرانيّ (1273ه- - 1316 ه-)، فقد ألّف كتابه (شفاء

ص: 7


1- الأوردوباديّ، الموسوعة: 29/11.
2- حسن صدر الدين، تكملة أمل الآمل : 339/5، رسائل من إفادات المجدّد الشيرازيّ: 111.
3- محمّد باقر البيرجنديّ، فاكهة الذاكرين: 10؛ المرعشيّ، المسلسلات في الإجازات: 13،9/2.

الصدور في شرح زيارة عاشور) بناءً على طلب السيّد المجدّد (1).

4) العلّامة شيخ الشريعة الأصفهاني (1266 - 1339 ه-)، حيث كتب رسالتين بإشارة من السيّد المجدّد الشيرازيّ و هما:

أ- (رسالة في بعض فروع الجنابة في شهر رمضان).

ب- (رسالة في تعيين العدول في الصلاة إلى سورة يحسنها من التي لا يحسنها) (2).

5) الشيخ الميرزا محمّد رضا الهمدانيّ الخطيب (1261 ه- - 1318 ه-)، حيث ألّف کتاب (هدية النملة إلى مرجع الملة) امتثالاً لأمر السيّد المجدّد (3).

6) الشيخ علي الخاقاني (ت 1334 ه- ) حيث ألّف كتاب (رسائل في الأصول العمليّة) بطلب من السيّد المجدّد (4) .

7) الشيخ محمّد باقر الاصطهباناتي (1256 - 1326ه-)، حيث ألّف (رسالة حدوث العالم) بأمر السيّد المجدّد (5).

(8 السيد أسد الله القزويني (ت 1327 ه-)

قال في الذريعة: (... المأخوذة من حواشي الرسائل العملية مثل «نجاة العباد» و «سرور العباد» و «سراج العباد» و «صراط النجاة» و «طريق النجاة» و «النخبة» و السؤال و الجواب كلها من فتاوى السيد المجدّد الشيرازي، جمعها بأمره) (6).

ص: 8


1- محمّد أمين الخوئي، مرآة الشرق: 1/ 200.
2- المصدر السابق : 2 / 1046.
3- الميرزا محمّد رضا الهمدانيّ، هدية النملة (مخطوط) الورقة الأولى.
4- علي الخاقاني، رجال الخاقانيّ: 29.
5- الاصطهباناتي، رسالة حدوث العالم : 46،8.
6- الطهراني، الذريعة: 43/20.

9) السيّد محمّد بن محمود العصّار (1264 - 1356ه-) كتب عدّة رسائل في سامراء بتشجيع من السيّد المجدّد كما يظهر ذلك من مذكرات المؤلّف.

10) العلّامة النوري (1) (1254 - 1320ه-)، حيث أجاب على عدّة إشكالات وجّهت إليه بأمر السيّد المجدّد.

و كذا «البدر المشعشع في أحوال ذرية موسى المبرقع» ألّفه بطلب السيّد المجدّد (2).

11) الشيخ عبّاس ابن الشيخ حسن آل كاشف الغطاء (1251 - 1323ه-)، و هو مؤلّف كتابنا هذا، و قد صرّح في مطلعه: (قد أمرني أُستاذي، و ذو المنن، الحاجّ ميرزا محمّد حسن الشهير بالشيرازيّ (دام بقاؤه) - حين قراءتي عليه - أن أشرح اللّمعتين؛ مزجاً و مختصراً، مع بيان ما سمعته أذناي من بعض إفاداته، و ما أو دعنيه من فذلكاته، فامتثلت ما أمر، و استعنت الله على ذلك، و شرعتُ فيه).

و الظاهر أنه ألّفه في سامراء؛ لأن الشيخ الطهراني يقول: (و يظهر منه أنّه ألفه بأمر أستاذه المجدّد الشيرازي في حدود سنة 1293 ه-) (3). و بيّن المؤلّف أنّه كتبه حين قراءته على السيّد المجدّد و أنّه امتثل أمر أستاذه بالتأليف، و معلوم أنّه في تلك المدّة كان السيّد المجدّد في سامراء، فيكون هذا الشرح حينئذ من التراث السامرائي.

ولكن لم أعثر على شواهد مؤيّدة (4) لهذه النتيجة من خلال متابعة سيرته المباركة في المصادر و خصوصاً (5) ما سطره يراع العلّامة الكبير آية الله الشيخ محمد حسين آل كاشف

ص: 9


1- الطباطبائي، الشريعة إلى استدراك الذريعة: 2/ 134.
2- موسوعة فهرستگان نسخه هاي خطي ايران (فنخا): 863/5.
3- الطهراني، الذريعة: 294/13.
4- إذ لم يذكر أحدٌ أنه هاجر إلى سامراء حتى ممن دأبه الاهتمام بذلك كالشيخ آقا بزرك الطهراني في هدية الرازي: 267.
5- و كذا ما ذكره الشيخ عليّ آل كاشف الغطاء في الحصون المنيعة كما نقل ذلك عنه السيد محمد صادق بحر العلوم في الدرر البهية: 482/1.

الغطاء في العبقات العنبريّة، و لذا يترجح في النظر حصول تصحيف في التاريخ المذكور و لعل الصحيح هو سنة 1283 ه- و يؤيده أن السيد المجدّد كان يباحث كتاب الطهارة في النجف في تلك المدة كما بيّنا ذلك في كتاب مباحث من كتاب الطهارة (1) و لا بأس بنقل بعض ما ذكر في العبقات؛ لأنّ هذا القسم من الكتاب لا يزال مخطوطاً، حيث قال في ترجمة المصنّف: (بقيّة السلف الماضين، و خليفة آبائه و أعمامه الأطيبين، ناصر الملّة و الدين، و كاسر ألوية المبتدعين، الطود الأشم، و البحر الخضم، و المنادى في الفضل بالمفرد العلم، الشيخ الأجل المؤتمن العلم، العبّاس نجل العلّامة الحسن ابن الشيخ الأكبر قدّس سر المطهرّ، و هذا العلم الهمام في هذه الأيّام هو الخلف عن أولئك السلف، و هو البقية من تلك النبعة الزكيّة، و هو الجذوة المقتبسة من أنوار تلك الصفوة، فلا أ فجعنا الله بفيض وجوده، و لا أراه مكروهاً إلّا في عدوه و حسوده، وُلِدَ سلّمه الله تعالى سنة الواحدة و الخمسين بعد سنة 1200 ه- (2)؛ لأنّ عمره في وفاة والده إحدى عشرة سنة، فبمقتضى هذا يكون عمره الآن - و هي سنة 17 بعد 1300 ه- - ستّة و ستّين سنة، فيا أطال الله عمره، و شدّ بالقوّة - أزره، و ولادة سميه المتقدّم (3) قبل ولادته بأشهر و أيام يسيرة، و قد تربّى بعد وفاة أبيه في حجر ابني عمّه محمّد و المهدي المتقدّم ذكرهما، و كان القيم عليه و وصي أبيه الثاني منها (4)، و قد حضر وقرأ عليهما و على معاصر هما علم الهدى الثاني الشيخ مرتضى الأنصاري تغمّدهم برحمته الباري، و بعدهم استقل بالحضور على حجّة الإسلام الميرزا حسن الشيرازي قدّس سرّه إلى أيّام هجرته، ثمَّ استغنى عن الحضور على أحدٍ، و كتب كثيراً من مباحث درس أستاذيه الشيخ مرتضى و الميرزا حسن، كتبه في مجموع كبير يشتمل على مسألة الضدّ، و مقدّمة الواجب،

ص: 10


1- الدامغاني، مباحث من كتاب الطهارة، مقدمة المركز : 8.
2- ذكرت بعض المصادر أن ولادته كانت سنة 1253ه-، ينظر موسوعة الأوردبادي: 128/16.
3- يقصد الشيخ عباس بن علي آل كاشف الغطاء (ت 1315ه-).
4- محمد حسین آل كاشف الغطاء، العبقات العنبرية : 398.

و الواجبات التخييرية و الكفائية، و المفاهيم، و مباحث الاجتهاد و التقليد...) (1).

و أمّا الحديث عن الكتاب و أهميته فهو من أروع الشروح لكتابي اللمعة الدمشقية و الروضة البهية، فهو يحاكي أسلوب الشهيدين رضوان الله تعالى عليهما) في مراعاة الاختصار من جهة، و الهيمنة على أمهات المطالب الشرعيّة و مهمّات المسائل الدينية من جهة أخرى.

و يمثْلُ طلبُ السيّد المجدّد من المصنّف التصدّي للشرح و بطريقة المزج والاختصار إشارة واضحة لأهمية هكذا شرح، و حاجة الوسط العلميّ آنذاك إليه بالرغم من كثرة شروح اللمعة و الروضة (2)، و اشتهار بعضها ك- (الأنوار الغروية في شرح اللمعة الدمشقية) للشيخ محمد جواد ملّا كتاب في تلك الفترة، كما أنه يكشف عن ثقة السيّد المجدّد بقدرة المصنّف و أهليته لذلك، و قد توفّرت فيه مؤهّلات عديدة (و قد خصّه الله بمنحة عجيبة و قوة غريبة في جزالة التحرير و حسن التحبير، و فصاحة ما تنفثه أقلامه، و بلاغة ما تحكيه أرقامه، و تشهد له بذلك تقريراته و تحريراته و إنشاءاته و مراسلاته.. و لصاحب الترجمة - سلّمه الله - رسائل في الفقه و الأصول، كلّها تشتمل على فوائد تبهر الفحول، منها ما استخرجه بنور فطرته، ومنها ما استفاده من أفواه أساتذته) (3).

لكن الشرح - للأسف - لم يكتمل، فقد خرج منه مجلدان من أوّل الطهارة إلى أواسط أحكام الحيض (4)، و نسختنا هذه من أوّل الطهارة إلى بداية أحكام الحيض.

و لقد دأب (مركز تراث سامراء) على تسليط الضوء على حوزة سامراء المشرّفة و عميدها سيّد الطائفة المجدّد الشيرازيّ و أعيان تلامذته، و ذلك بالبحث و التنقيب عن

ص: 11


1- محمد حسین آل كاشف الغطاء العبقات العنبرية (مخطوط): 36.
2- الطهراني، الذريعة: 292/13.
3- محمد حسین آل كاشف الغطاء، العبقات العنبرية (مخطوط): ص 37.
4- الطهرانيّ، الذريعة: 13 / 294. و ينظر أعيان الشيعة : 413/7، فقد ذكر أنه وصل إلى كتاب الصلاة.

12

المؤلّفات القيّمة و النادرة، و جعلها في متناول أهل العلم و الفضل.

و في الختام، أتقدّم بالشكر و التقدير إلى الأخ المحقق محمّد الحسناوي الذي تصدى لتحقيق هذا الشرح، كما أتقدم بالشكر إلى جميع الأحبّة في المركز لما بذلوه من جهد و خصوصاً شعبة التحقيق، و لا سيّما الأخ العزيز الشيخ أياد حميد الطائي، لتجسّمه عناء مراجعة الكتاب من أوله إلى آخره مع ما أبداء من ملاحظات قيمة.

و ختاماً، يبقى الشكر موصولاً لمؤسسة كاشف ال ختاما، يبقى الشكر موصولا لمؤسسة كاشف الغطاء العامة و العاملين فيها؛ لتعاونهم الدائم، و نسأل الله تبارك و تعالى أن يتقبل من الجميع، و يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم.

الأقل

كريم مسير

النجف الأشرف 27

جمادى الأولى/ 1441ه-

ذكرى تفجير مئذنتي مرقد الإمامين العسكريين علیهما السلام

ص: 12

مقدمة التحقیق

ص: 13

ص: 14

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين و أفضل الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين.

و بعدُ:

يُعدّ الفقه عصب الحياة و شريانها الذي يغذيها و يرفدها و ينير لها سُبلها، وقد جُعل بمعرفته و العمل به سعادة الدارين، فبه (حفظ الشريعة و تصحيح الأعمال، و إقامة الوظائف الشرعية، و الإرشاد إلى المصالح الدينية و الدنيوية، و الارتقاء عن حضيض الجهل و ربقة التقليد، و مرجعها إلى تكميل القوى النفسانية و استجلاب المراحم الربانية) (1).

و من نعمه سبحانه أن من علينا بالإسلام ديناً، و بمحمد صلّی الله علیه و آله نبياً و رسولاً، و هيّأ هذا الدين أئمة هداة مهديين يرشدون الأمة و يأخذون بيدها إلى سُبل النجاة، و أورث الفقهاء علومهم و معارفهم، فكانوا نِعمَ الخَلف لنعمَ السّلف، فتصدوا إلى بيان أحكام الشريعة و تفصيل مجملها، و إزالة ما يرد عليها من شبهات دخيلة، فتركوا لنا إرثاً عظيماً كان لزاماً علينا و عرفاناً منّا - نحن الباحثين و الدارسين - أن نتصدى لذلك الإرث الكبير لعلمائنا الماضين (قدست أسرارهم) دراسةً و تحقيقاً، فكان نصيبي منها تحقيق كتاب (شرح اللمعتين) لمصنفه الشيخ عباس ابن الشيخ حسن آل كاشف الغطاء.

ص: 15


1- ينظر مقدمة مدارك الأحكام.

ترجمة المؤلف

اسمه و نسبه:

هو الشيخ عباس ابن الشيخ حسن (1) ابن الشيخ جعفر (2) ابن الشيخ خضر ابن الشيخ محمد يحيى المالكي، النجفي، من آل كاشف الغطاء (3).

ولادته و وفاته:

ولد سنة 1251ه- - 1835م، في النجف الأشرف، و توفي في الثاني عشر (4)، و قيل (5). الثامن عشر من رجب سنة 1323ه- - 1905 م، وشُيّع بكل تبجيل، و دُفن في النجف الأشرف في مقبرة آبائه، و أَرّخ وفاته ولده الشيخ مرتضى، فقال:

بسحابِ الرَّحمةِ الله بجِنانِ الخُلْدِ مَثواهُ يا له من مرقدِ خصه طابَ للعباسِ أرّخَه

وصفه:

قال السيد محسن الأمين الله رحمة الله: رأيناه في النجف، و كان بهی الطلعة، بشوش الوجه، سليم الصدر، لطيف العشرة، و توفي بعد خروجنا من النجف بخمس سنين، و كان يظن من يراه أنه أسن من ابن عمه الشيخ عباس ابن الشيخ علي؛ لأنه كان أبيض الرأس و اللحية ليس فيهما شعرة سوداء.

و مرّ بالسماوة فأنشده قاضيها بيتي القاضي أحمد المعروف بالأخفش، فشطرهما و هما مع التشطير:

ص: 16


1- صاحب كتاب (أنوار الفقاهة).
2- صاحب كتاب (كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء).
3- ينظر: القمي، الفوائد الرضوية: 220؛ حرز الدين معارف الرجال: 399/1 برقم 194؛ محسن الأمين، أعيان الشيعة: 413/7؛ آل محبوبة، ماضي النجف و حاضرها: 156/3 برقم 12.
4- محسن الأمين، أعيان الشيعة: 413/7، رقم الترجمة: 1433.
5- موسوعة طبقات الفقهاء: 291 - 292، رقم الترجمة: 4591.

المرتضى للمصطفى نفسه و قل تعالوا فيه نص قوي

أما ت---راه اه في الهدى مثله يهدي البرايا للصراط السوي

لک---ن--ه في ح--ك--م--ه ت-اب-ع يتبعه في كل حكم روي

مستوجب للنصب من بعده لأن---ه ت--وك---ي---ده الم---ع---ن----وي (1)

مكانته العلمية:

كان فقيهاً أصولياً متقناً، أديباً، منشئاً، شاعراً، من كبار علماء الإمامية، حَسَن الذهن متوقد الذكاء قوي الحافظة، و كان سريع البديهة في النظم، و قد درس المقدمات، و هو ابن عشر سنين، و قد جدّ في درسه حتى نبغ فيها، و له في مدح أمير المؤمنين علیه السلام النصيب الأوفى، نال مكانة سامية في كثير من العلوم، و برع في الإنشاء و الكتابة، و الشعر و تصدّى للتدريس و التأليف، و صار من العلماء البارزين، و انتهت إليه زعامة أسرته بعد وفاة ابن عمه عباس بن علي كاشف الغطاء سنة 1315ه- (2)

شیوخه:

حضر على جماعة من علماء عصره و فقهاء مصره، حيث قرأ المبادئ من النحو و الصرف و المنطق و البيان و المعاني و الباب الحادي عشر على الشيخ إبراهيم قفطان، و قرأ المعالم و الشرائع على الشيخ محمد حسين الأعسم، و حضر البحث الخارج على ابن عمّه الشيخ مهدي الشيخ عليّ كاشف الغطاء، و على علم الهدى الثاني الشيخ مرتضى الأنصاري، و المجدّد السيد الميرزا محمد حسن الشيرازي، كما عاصر كثيراً من العلماء و استفاد منهم كالشيخ محمد الزريجي و الميرزا حبيب الله الرشتي و الحاج ملا علي الخليلي و السيد مهدي القزويني و غيرهم (3).

ص: 17


1- محسن الأمين، أعيان الشيعة : 413/7، رقم الترجمة: 1433.
2- محسن الأمين، أعيان الشيعة : 413/7؛ الطهراني، الذريعة : 81/8 برقم 295 ، 238/13 برقم 862، 25/ 64 برقم 347؛ الخاقاني، شعراء الغري: 503/4 ؛ الأميني، معجم رجال الفكر و الأدب: 3/ 10422.
3- القمي، الفوائد الرضوية: 220؛ آل محبوبة، ماضي النجف و حاضرها : 156/3 برقم 12؛ الطهراني، نقباء البشر : 3/ 992 برقم 1493؛ مكارم الآثار : 4 / 1427 برقم 814؛ الأميني، معجم رجال الفكر و الأدب : 1042/3.

تلامذته:

تتلمذ عليه و روى عنه جماعة، منهم:

1- ولده الفقيه مرتضى

2- و السيد نجم الحسن الهندي.

3- و الشيخ محمد حرز الدين.

4- و الشيخ هادي بن عباس بن علي كاشف الغطاء.

5- و الشيخ سلمان بن كاظم الهدابي الخفاجي (1).

من مؤلّفاته:

1- منهل الغمام في شرح شرائع الإسلام في المعاملات.

2- منظومة في الصوم و الخمس و الحجّ.

3- الفوائد الجعفرية، يحتوي على مئة فائدة في الأصول و الفقه.

4- رسالة في الإمامة.

5- الردّ على الرسالة اللاهورية لمفتي بغداد السيد محمود أفندي الآلوسي.

6- شرح اللمعتين، و هو هذا الكتاب الذي بين يديك.

7- رسالة في الاجتهاد و التقليد المعروف باسم (الدر النضيد في أحكام التقليد).

8- رسالة في مواليد الأئمة و وفيّاتهم.

9- رسالة في الأخلاق و المواعظ.

ص: 18


1- ينظر: حرز الدين، معارف الرجال: 347/1، رقم الترجمة 170؛ الطهراني، الذريعة: 201/23، 13 / 294 ، و فيه: إنه توفي يوم 28 رجب.

10- كتاب في المسائل الأصولية، أطنب فيه الكلام في مسألة الضد، و مقدمة الواجب و اجتماع الأمر و النهي، و غيرها.

11- نبذة الغري في ترجمة الحسن الجعفري والده.

12- الفوائد العباسية، في جملة من الفوائد الفقهية و الأصولية من: الرضاع، و الوقف، و بیع الأراضي الخراجية، و بيع المغبون و غير ذلك، و جملة من مباحث الأوامر و الأداة الأصولية من الاستصحاب.

13- شرح نجاة العباد للفقيه الأعظم صاحب الجواهر، لم يتم (1).

14- منظومة في شرح منظومة سيدنا العلّامة بحر العلوم (الدرة النجفية).

15- الورود الجعفرية في حاشية الرياض الطباطبائية.

16- مباحث علم الأصول.

17- رسالة كشف الالتباس بين الحيض و الاستحاضة و النفاس.

18- رسالة في الزكاة و الخمس.

سبب التأليف:

ذكر المؤلف رحمه الله في مقدمة كتابه هذا سبب تأليفه مشيراً إلى منهجيته في الكتاب، حيث قال: قد أَمَرَني أُستاذي، و ذو المنن، الحاجّ ميرزا محمّد حسن الشهير بالشيرازي (دام بقاؤه)، حين قراءتي عليه، أن أشرح اللُّمعتين؛ مزجاً و مختصراً، مع بيان ما سمعته أذناي من بعض إفاداته، و ما أودعنيه من فذلكاته، فامتثلت ما أمر.

ص: 19


1- محمد أمين، مرآة الشرق: 2/ 980.

منهجية التحقيق:

اعتمدت في تحقيق هذا الكتاب على النسخة الخطية الوحيدة المتوفرة، و هي مصورة من مؤسسة كاشف الغطاء قدّس سرّه و المحفوظة في المجلد المرقم 620، و عدد صفحاتها 445، طول الصفحة 21 سم، و عرضها 15سم، و عدد الأسطر 17، و قد زودني بها مركز تراث سامرّاء.

و النسخة مكتوبة بخط النسخ، و هي بخط ناسخ بقرينة وجود نسخة بدل، و التعبير في آخر الكتاب بقوله: (انتهى قلمه الشريف دام بقاه)، كتبت بخط جيد، و قد اشتملت على بعض الأغلاط الإملائية و اللغوية، عولجت من خلال مقابلة النصوص المنقولة مع مصادرها الأصلية، و إثبات الصحيح في المتن، و الإشارة إلى ذلك في الهامش.

و ملخص ما قمتُ به من عمل التحقيق في هذا الكتاب:

- تخريج الآيات القرآنية المباركة، تشكيل الآيات القرآنية الكريمة، و بعض المفردات الواردة في الكتاب و تكميلها بحسب ما تقتضيه الضرورة.

- تخريج الأحاديث الشريفة من مصادرها الأصلية أو الفرعية. مع مقابلة متونها مع المصادر، و إثبات الاختلافات - إن وجدت - في الهامش.

- تخريج أقوال الفقهاء و العلماء من مصادرها الأصلية غالباً.

- تقويم النصوص و تصحيحها و ضبطها لغوياً و إملائياً، فضلاً، عن التصحيح الصرفي و النحوي، مع الإشارة إلى ذلك بحسب بحسب ما تقتضيه الضرورة.

- تتميم السقطات الموجودة في الكتاب بحسب ما يناسبها مع الإشارة إلى ذلك في الهامش.

- ضبط أسماء الأعلام و الرواة، و تصحيحها إن لزم الأمر.

- تقطيع النص و تمييز عباراته باستعمال علامات الترقيم المناسبة.

- تبويب الكتاب، من خلال وضع عناوين رئيسة و ثانوية بحسب ما يقتضيه النص.

- تمييز النصوص الواردة في الكتاب، حيث قمتُ بوضع متن اللمعة بين قوسين بولد ()،

ص: 20

و وضعتُ متن الروضة بين قوسين عاديين ()، و الشرح خارج الأقواس.

و أخيراً..

أتقدم بالشكر و العرفان إلى كلّ العاملين في مركز تراث سامراء لما يبذلونه من جهود كبيرة في إحياء تراث أهل البيت علیهم السلام و تراث العلماء الماضين، فجزاهم الله تعالى عن ذلك جزاء المحسنين العاملين، إنه نعم المولى و نعم النصير.

ص: 21

باسمه تعالى

قد استعرته من مصنفه جناب العم (دام ظله) .

و أنا الأقل عبد الهادي 15 / شوال/ 1308ه-

هذا هو المجلد الأول من شرح اللمعتين للشيخ عباس نجل المرحوم الحاج حسن بن الحاج الأكبر الشيخ جعفر (رحمه الله) .

قد استعرته من المستعير بإذن الفحوى من المعار منه (أدام الله ظلهما).

و أنا الأقل أحمد

في حيازة الأحقر موسى المرتضى الكاشف الغطاء.

ذي القعدة سنة 1350ه-

نظر فيه الفقير إلى رحمة ربه (1).

ص: 22


1- هذه العبارات جميعاً موجودة على الصفحة الأولى من المخطوط.

الصورة

صورة الصفحة الأولى من المخطوط

ص: 23

الصورة

صورة الصفحة الأخيرة من المخطوط

ص: 24

ديوان الوقف الشیعی

العتبة العسکریة المقدسية

شرح اللُمْعتين المشرفاوي

مَبَاحِث من كتاب الطّهارة

تأليف

الشيخ عبّاس ابن الشيخ حَسَن الكَاشفِ الغِطَاءَ

ت 1323ه-

تحقیق

مُحَمّد جَلِيل الحسناوي

مُراجَعَة و تَدقِيق

مركز تراث سامرّاء

ص: 25

ص: 26

مقدمة المصنف

ص: 27

ص: 28

رب يسّر و لا تعسّر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يقول العبد المذنب الأحقر عبّاس، نجل المرحوم المؤتمن الشيخ حسن، بن علّامة الدّهر كاشف الغطاء الشيخ جعفر النجفي (نوّر الله مرقدهما): قد أمرني أستاذي، و ذو المنن، الحاجّ ميرزا محمّد حسن الشهير بالشيرازي (دام بقاؤه)، حين قراءتي عليه، أن أشرح اللّمعتين؛ مزجاً و مختصراً، مع بيان ما سمعته أذناي من بعض إفاداته، و ما أودعنيه من فذلكاته،

فامتثلت ما أمر، و استعنت الله على ذلك، و شرعتُ فيه، فجاء من منن الله علىّ ما يراد، فأقول و على الله أتّكل:

ص: 29

ص: 30

بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

الحمد الله ربّ العالمين و صلّى الله على محمد صلّی الله علیه و آله الطيّبين الطاهرين علیهم السلام، و اللّعنة على أعدائهم و مخالفيهم إلى قيام يوم الدّين.

كتاب الطهارة

(الطهارة) (مصدر طَهُر بضمّ العين و فتحها) أفصح و أقيس؛ لأنها خلاف طمثت (1)، و يُقال: طاهر، مثل قائم و قاعد (و الاسم الطُهر بالضمّ) و هو الحالة التي للطاهر ضدّ النجس (2).

و هما: إمّا مشتركان لفظاً، و في الاسم أشيع، أو حقيقة في الثاني مجاز في الأوّل.

(و هي لغةً: النظافة) (و) لعلّها (النزاهة من الأدناس) (3) و الأوساخ من: ثوب أو بدن، أو عِرض أو خُلق، كلّ بحسبه.

و السابقان هما الأصل في الدَّنَس في الثلاثة (4)، و في الكتاب: ﴿ وَ طَهِّرْ بَيْتِي ﴾ (5)

ص: 31


1- و هي مفتوحة. (منه قدّس سرّه).
2- یُنظر: الأزهري، تهذيب اللغة: 6 / 101؛ الفيروزآبادي، القاموس المحيط: 814؛ الطريحي، مجمع البحرين: 66/2.
3- علي خان المدني، الطراز الأوّل: 320/8، مادة ( طهر)؛ ابن منظور، لسان العرب: 506/4. مادة (طهر).
4- على الاشتراك، أو الحقيقة و المجاز. (منه قدّس سرّه).
5- سورة الحجّ: 26.

﴿وَ طَهَّرَكِ وَ اصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ﴾ (1)، ﴿وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (2)، (وَ أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ) (3)، (و أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) (4).

و مرجع الجميع الخلوّ من الدَّنَس المعنوي، و الرّجس الباطني على وجه الاشتراك بأحد قسميه، أو الحقيقة و المجاز.

و عن الأساس (5) و الطراز (6): أنها حقيقة في نقيض النجاسة، مجاز في غيره من النزاهة عن الإثم أو العيوب، أو مدانس الأخلاق، و كذا العصمة و الحفظ في قوله تعالى: ﴿وَ مُطَهَّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا) (7).

(و) تطلق (شرعاً) إما في عرف الشرع، أي أهله، أو (بناءً على ثبوت الحقيقة الشرعيّة)؛ لظاهر النقل فيهما كما زعمه جمع (8) ، و منهم القميّ في غنائمه (9).

و الأكثر أنّها: اسم لما يبيح العبادة من المطهّرات الثلاثة (10).

و قيل : هي الحالة الحاصلة (11).

ص: 32


1- سورة آل عمران: 42.
2- سورة الأحزاب: 33.
3- سورة آل عمران: 15.
4- سورة الأعراف: 82.
5- الزمخشري أساس البلاغة : 473، مادة (طهر).
6- علي خان المدني، الطراز الأوّل: 320/8، مادة (طهر).
7- سورة آل عمران: 55.
8- العاملي، مفتاح الكرامة: 20/1.
9- القمي، غنائم الأيام: 69/1.
10- المحقق الحلي، المعتبر: 1 / 35؛ السيد العاملي، مدارك الأحكام: 1 / 6؛ النجفي، جواهر الكلام: 1/ 75.
11- الشهيد الثاني، روض الجنان : 1/ 218، مسالك الأفهام: 1/ 97.

و الاستعمالان، اصطلاحيّان، و الثمرة بين الأخيرين تظهر في الشكّ ببعض الأجزاء و الشرائط.

فعلى الأوَّل يمكن أن تجري البراءة في موارد وجوب الطهارة، دون الثاني؛ لأنه شكّ في المكلّف به، و الوسط أجود، غير أنّ الإطلاق على وجه الاشتراك المعنوي فيها بينها دون اللّفظي، و إن ظهر من آخرين، و عليه فليس لها معرّف يشمل مسمّياتها.

و على المعنوي عرّفت بتعاريف، فببيان الماتن تطلق على: النزاهة من الأدناس، و على رفع الخَبَث، و على كلّ واحد من: الوضوء، و الغُسل، و التيمم إذا أثّر في استباحة الصلاة، و هو المعنى الذي استقرّ عليه اصطلاح علماء الخاصّة (1)، و بذكراه: استعمال الماء أو الصعيد لإباحة العبادة (2).

و بألفيته: هي اسم لما يبيح الصلاة من: الوضوء، و الغسل، و التيمّم (3).

و هي هنا: (استعمال طهور مشروط بالنيّة)، و زاد لإباحة الصلاة بدروسه (4).

(فالاستعمال بمنزلة الجنس)، و اللام جنسيّة، فإنّ مطلق الاستعمال جنس بعيد لها، أو للعهد، و المراد منه القريب بقرينة الإضافة المخصصة لمطلقه باستعمال الطهور الخاص.

و حيث إنّ الاستعمال لم يكن جنساً حقيقياً؛ إمّا لاعتباريّة ماهيّاته، أو لعدم اختلاف ما تحته من أفراد الطهارة المزيلة للخبث أو الحَدَث إلَّا بالنية، وسّط رحمه الله المنزلة بينه و بين الجنس، فكأنّه جعل الصنف - و هو الأفراد المقرونة بالنيّة - نوعاً، و مطلقها جنساً تنزيلاً.

(و الطهور) ، بالضمّ مصدر كالشكور بمعنى التطهير، و بالفتح اسم، و عن سيبويه:

ص: 33


1- الشهيد الأول، البيان: 35.
2- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1 / 69.
3- الشهيد الأول، الألفية و النفلية: 41
4- الشهيد الأول، الدروس: 86/1.

مصدريّة المفتوح (1)، و منه: «لا صلاة إلَّا بطهور» (2)، فإن كان اسماً كان لما يتطهّر به كالوضوء، و إن كان صفة فهو صيغة مبالغة في الطاهر، كالصبور في الصابر، و غيره في غيره.

(و المراد منه هنا) و في أضرابه (الطاهر في نفسه المطهّر لغيره).

و خصّه بالأوّل قوم (3) لآية: ﴿شَرَابا طَهُورا ﴾ (4)، و أنّه من اللازم فهو لازم، و المعظم على التالي؛ لأنّ الزيادة في أمثلة المبالغة من تمام وضعها اصطلاحاً، و ليست هنا إلا المطهريّة للغير، و يصححه إطلاق الطهور لغةً على الماء و التراب، دون الثوب، فلولا زيادة التطهير لبطل الإطلاق، و لنصّ اللّغويّين به؛ قال الأزهري: الطهور الطاهر المطهّر (5).

و ذكر الجوهري : الطهور ما يتطهّر به (6) . و الآية مؤوّلة، و القاعدة ممنوعة بما يأتي.

نعم، تعيين حمل الطهور في المتن على الوصفية كما هو ظاهر الشرح، مع أنّه لم يقع صفة لشيء، كما ترى؛ إذ لو قصره على الاسميّة لما يتطهّر به أراح و استراح (7).

كما أنّ الطهور في المتن إن أريد به الطهارة الشرعيّة توقّفت معرفته عليها كتوقّفها عليه، هذا خُلفٌ، أو اللّغويّة دخل في المحدود بعض ما تحصل به النظافة فقط كالتذكية فيما تقبلها، و السكّين في ذبح الأضحية و الهدي؛ للنصّ: بأنها تورث النظافة (8).

و الجواب: بإرادة البالغ في الطهارة مبالغة في النظافة ، فلا تشمل ما ذكر، ساقط؛ لكونه:

ص: 34


1- نسبه في لسان العرب إلى سيبويه: 4 / 505.
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 58 ح129.
3- ينظر المحقق الحلي، المعتبر : 36/1.
4- سورة الإنسان: 21.
5- الأزهري، تهذيب اللغة: 172/6.
6- الجوهري، الصحاح: 2 / 727.
7- يُنظر في المقام ما أفاده السيد علي خان المدني: الطراز الأوّل: 319/8، 320، فقد تجد فيها أفاده الشهيد شارح اللمعة وجهاً في ذلك.
8- لم أقف عليه.

إما تعريفاً بمجهول، أو حصراً بالماء، أو أنظفه؛ لأنه أشدّ في النظافة من غيره.

فلو ردّ بأنّ معناه ما يحصل به الطهارة المقابلة للنجاسة، أو محصّلها، و هو معنى شرعي مغاير لمعنى المعرّف، لكان أجدر في معناه حينئذ الموسوم بالطهور في الاستعمال الشرعي، و لعلّ التنكير تلميح لتعدّد الموسوم به.

و بالجملة، فالطّهور (جعل بحسب الاستعمال) الشرعي أو الاصطلاحي (متعدّياً)، أو بحسب الوضع كذلك، و اقتصاره على شرعيّ الاستعمال دون الباقي كأنّه لأصالة عدم نقل الشارع، أو المتشرّعة له، فعليه ردّ مدّعي تبادر المعنى المفروض منه، و كونه حقيقة شرعيّة كما حمل كلام الماتن عليه، و الحمل غير سديد منه؛ لعدم معلوميّة مذهبه.

و قوله: (شرعاً) لا يقضي به؛ إذ لا تأمل في أنّ إطلاق الطهارة على نفس الأفعال التي جعلها الشارع أسباباً لحصول تلك النزاهة اصطلاح من أصحابنا، و عليه ينزّل قوله: (شرعاً) لا على تخيّل الشارح.

و الحاصل، فالتعدية فيه بالاستعمال ثابتة (و إن كان بحسب الوضع اللّغوي لازماً كالأكول)، فإنَّ التعدية في معناهما، و اللّزوم فيهما سواء، غير أنّ التعدية المزبورة خلاف المعروف من معناها ، و هو التعدّي للمفعول به بلا واسطة، أو بها.

و الأكول كالطهور لا يتعدّيان، فلا يقال: طهور الحَدَث أو منه، و لا أكول كذا، فوصفها به وصف معنوي من باب الإلحاق؛ إذ التعدية حقيقة للطهر، و ألحقا بهما، و ليسا كضروب من ضارب ليكون التعدّي لفظياً، مثل: ضروب زيد، و في المعتبر (1) النصّ بالمجرّد، و هذا اشبه وجوه الشبه .

و يحتمل فيها أنَّه كما أنّ الأكول مع كون فعله متعدّياً جعل لازماً، و تعدّيه بالمعنى استعمالاً، فكذا الطهور و عكسه، و التناسب في تطابق الوزن، و جعل اللازم متعدّياً و بالعكس، و الاتّفاق في التعدية معنىّ، فالطهور للمتطهّر، و الأكول لكثرة الأكل، مع قطع النظر عن المأكول.

ص: 35


1- المحقق الحلي، المعتبر: 36/1.

و مقالة الشارح في المراد أنه: (الطاهر في نفسه... إلخ)، يريد به إطلاق اسم الملزوم على اللازم؛ إذ المطهّر لا يكون غير طاهر، لا أنَّه يطلق على اللازم و المتعدّي؛ لمنافاته قصره على التعدية فيه استعمالاً، و إلّا فتعدّي الكلمة لا ينافي اشتمالها على معنى لازم، أو لبيان عدم صدق الطهور على الأرض النجسة المطهّرة للنعل، فالشركة حينئذٍ في أصل اللّزوم، الذي هو أصل في أحدهما عارض في الآخر.

و يحتمل أنّ التشبيه في مجرّد التعدّي بلا نظر إلى خصوصية أنّه بحسب المعنى دون اللّفظ.

(و خرج بقوله: مشروط بالنيّة) - الذي هو كالفصل - استعمال الطهور ل- (إزالة النجاسة عن الثوب، و البدن، و غيرهما، فإنّ النيّة ليست شرطاً في تحقّقه)، الضمير مذكّراً للاستعمال أو للإزالة، و لا عبرة بتأنيث المصدر المؤوّل بالمذكّر، و ههنا ظاهر (و إن اشترطت) النيّة (في كماله و ترتّب الثواب على فعله).

و لو قرن الضمير بعلى كان أوجز، و كأنه إشارة إلى لحوق الثواب للواجب التوصّلي بواسطة الأصلي المنويّ، فلو قال: عليه، شمله، و هو خلاف المقصود، و هي مسألة أصولية) (1).

و المختار فيها عدم اللّحوق، و إنّما الثواب و العقاب يتبع ذا المقدّمة، و لا يتعدّدان بتعدّدها تركاً أو فعلاً؛ و لذا أُلغيت هذه الثمرة في مقدّمة الواجب، و بني على عدم مخالفة من أوجد مقدّمات الزّني و لا زني، و عدم إطاعة من حصلت منه مقدّمات الصلاة مع تركها، فما فرَّ منه لا ثواب فيه، فالفعل مستدرك، (و بقيت الطهارات الثلاث) المشروطة بالنيّة (مندرجة في التعريف) بكلّ أقسامها: (واجبة و مندوبة، مبيحة) للصلاة و نحوها مما هو شرط له، و بإباحة التجويز لا بالمصطلح فيها؛ لعدم جريانه في الصلاة الراجحة.

أو كانت (غير مبيحة) كالمجدّد، و كغسل الجمعة أو الإحرام، أو في قضاء صلاة الكسوف، و التيمّم للنوم، أو لصلاة الجنازة، فلا تبيح حتى على رأي من أوجبه فيها (2).

ص: 36


1- ينظر القزويني، تعليقة على معالم الأصول: 634/4.
2- الكليني، الكافي: 41/3 ، (باب وجوب غسل الجمعة)؛ الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 61/1، المقنع: 45؛ و حكاه عن والد الصدوق في الحبل المتين: 78.

و كذا المنذور في جميعها مطلقاً، و وضوء الحائض، و المسنون من الغسل و أخويه (1).

و التعميم للأخير (إن أريد بالطهور مطلق الماء و الأرض، كما هو الظاهر) من الماتن؛ لتعقيبه إطلاقه عليهما مطلقاً.

و فيه: إنّ إعادة الاسم معرّفاً نصّ لا ظاهر.

و ردّهّ: إمّا بأنّهما ظاهران بالآية (2) و الرواية في العموم (3)، فلا يكون المقسم نصّاً.

و إمّا بأنَّ الإعادة ليست في كلام واحد، و هو في نفس الأمر كذلك؛ كي لا يدور إذا ساوى المشتقّ المبدأ كما مرّ.

(و حينئذٍ ففيه: اختيار أنّ المراد منها ما هو أعمّ من المبيح للصلاة) و نحوها، (و هو خلاف اصطلاح الأكثرين (4)، و منهم المصنّف في غير هذا الكتاب) (5).

و هنا تبع ابن إدريس، و المحقّق في السرائر (6) و النهاية (7).

و الثاني أخرج وضوء الحائض، و أدخل التجديدي في مسائله المصريّة (8)؛ و لعلّه لأنّ الإباحة تقبل الشدَّة و الضعف، و إحراز الأكمل منها يكون بالتجديدي منه، كتوقّفه على الإسباغ، فلا مخالفة.

ص: 37


1- أي: الوضوء و التيمم.
2- قوله تعالى: (وَ أَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً) سور الفرقان: 48.
3- قول النبي صلّی الله علیه وآله: «جعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً»، الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 240/1 ح 724.
4- منهم: الطوسي، النهاية: 196/1؛ المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 3/1.
5- الشهيد الأول، الدروس: 86/1، البيان: 35.
6- ابن إدريس، السرائر: 1 / 50.
7- المحقق الحلي، النهاية و نكتها: 196/1.
8- المحقق الحلي، المسائل المصريّة (ضمن كتاب الرسائل التسع): 201.

و قوله علیه السلام: «أمّا الطهر» فلا حجّة عليهم، (أو) لم يختر ذلك، (ينتقض) حدّه (في طرده) فلا يكون مانعاً (بالغسل المندوب)، لا الواجب المنوي فيه استباحة مندوب، و بالمنذور منه، (و) بدخول (الوضوء غير الرافع) للحدث (منه)، و الضمير له باعتبار الفرديّة و الكليّة، و غير الرافع منه و هو منصوب على الحاليّة؛ لتنكير غير و إن أُضيفت، أو بالجرّ على الوصفيّة بالوضوء، فإنّ المعرّف باللّام التي للعهد الذهني بمنزلة المنكر، أو لأنها معرّفة؛ لإضافتها لأحد النقيضين، أعني الرافع و غيره، نحو: عليك بالسكون غير الحركة.

و منه يظهر أنّ كلّ رافع للحدث منه مبيح للصلاة، و بدخول (التيمّم بدلاً منهما إن قيل به)، و بالتجديدي منه، و بالمندوب العاري عن البدليّة، و به للخروج من المسجدين.

و النسبة إلى القيل في البدليّة مطلقاً تُؤذن بالميل لعدمها وفاقاً لجمع، و منهم الماتن في غيره (1)، ولكن المعتمد خلافه بعد ثبوت أنَّه، أحدها، و رجحانه مطلقاً محقّق، فإيقاعه مطلقاً مطلوب للشارع.

و النصّ إن لم يكن صريحاً به يقتضيه بإطلاقه، وَ نَدْبُه مع عدم وجود المبدل في بعض الفروض دليل واضح.

و ما كان المندوب المشروط بالطهارة ليزيد على الواجب باختصاصه بأحد الطهورين، و لولاه لسقط ما وجب منه بمقتضيه عند فَقْد الماء، مع أنّ المنكر لا يزعمه هناك، و ليس له مستند إلّا عموم البدليّة.

اللهمّ إلّا أن يدّعى أنّ قصد الشارع فيها إزالة الوسخ و النظافة، كإزالة النجاسة، و لا برهان لها، و اشتراط النيّة على عدمها، و التفصيل آت في بابه إن شاء الله تعالى.

و كأَنَّ الشارح معلوم لديه عدم إرادة المبيح منهما للماتن، فأعرض عن الاعتذار عنه به، و ما رآه حسن، و لو فرض عدم الشمول البيّن عدمه من العبارة بضرب من التأويل.

(و ينتقض في طرده أيضاً بأبعاض كلّ واحد من الثلاثة مطلقاً) المبيح منها و غيره،

ص: 38


1- كما في ذكرى الشيعة: 77/1.

أو وجهه أنّ النقض على كلا التقديرين (فإنَّه) الضمير للأبعاض، و تذكيره للخبر، و إفراده لكونه مصدراً أو كُلاً من الأبعاض (استعمال للطهور مشروط بالنيّة)، فيشمله الحدّ، (مع أنَّه لا يسمّى طهارة).

و اعتذر للماتن رحمه الله بأنّ المشترط فيها استدامة حكم النيّة لا نفسها، فإنّها للكلّ.

و أمّا كون نيّة الكلّ عين نيّة الأجزاء فتتمّ الشرطيّة فيها و لا يقبل العذر، ممنوع؛ بعدم لزوم تعلّق النيّة بالجميع، بمعنى إخطار كلّ جزء بالبال، بل الظاهر كفاية تصوّر جملة الوضوء إجمالاً، و نيّة الأبعاض ضمناً، أو بأنّ المعروف من اشتراط الشارع جعل الشرط للعبادات المقصودة بالذات، و الأبعاض إنّما قصدت تبعاً، فلا تكون مشروطة بالنيّة بالذات، و إن لزم من الاشتراط بها الشرطيّة لها، لكن لا يقال: إنّها شرط فيها.

و أيضاً المتبادر من الاشتراط بالنيّة أن تتعلّق نيّة واحدة مستقلّة به، و لا كذلك هنا.

و ينتقض أيضاً بالتطهير الحاصل (و بما لو نذر تطهير الثوب و نحوه) بأحد الطهورين (من النجاسة) حال كونه ( ناوياً) لا مطلقاً؛ لتحقّق الامتثال بدونها و إن غفل عن النذر، (فإنّ النذر) كذلك عبادة و (منعقد لرجحانه).

و اللام هنا للتعليل أو التوقيت، و المعنى إذا رجح ذلك، و الرجحان طوراً لنفسه كتطهير المساجد، أو لغيره كالمثال إذا كان الدخول فيما يشترط بالخلوّ عن النجاسة.

و ضميره إمّا إلى المنذور، أو إلى جملة التطهير مع ما بعده أو إلى النيّة المفهومة من ناوياً، و صحّ تذكيره لعدم التلفّظ بها، و النقض حسن لولا أنّ المتبادر من الشرطيّة ما كانت بأصل الشرع، لا ما أوجبها فعل المكلّف، أو ما تعلّق بها خطاب وضعي خاصّ دون ما تعلّق به خطاب شرعي مستقلّ كالمنذور.

و ينتقض أيضاً بالوضوء الفاقد للنيّة، أو بعض شرائط الصحّة إذ يصدق عليه الحدّ، و إن لم يكن مقروناً بها، فإنّ الاشتراط غير الاقتران.

و كذا برمي الجمار التي يصح بها التيمّم، و باستلام الأركان، و بالسجود على الأرض للشكر، أو السهو بلا نيّة، و بتناول التربة للشفاء، و بالشرب من زمزم، و بالمضمضة،

ص: 39

و الاستنشاق بالغسل و الوضوء.

و لو قصر استعمال الطهور على مسمّاه، أو المزيل للنجاسة منه، سقطت بعض النقوض و جاء الدور.

(و مع ذلك فهو من أجود التعريفات؛ لكثرة ما يرد عليها من النقوض) و الاعتراضات (في هذا الباب) متعلّق بالأجود، و الأجود تقديمه على الكثرة، و التعرّضُ للتعاريف و ما يرد عليها طرداً و عكساً قضيّته التطويل، و لا فائدة.

قال الوالد في أنوار فقاهته: و اختلاف حدودهم [في المقام] (1) ناشئ عن اختلافهم في المعنى الشرعي الموضوع له اللّفظ شرعاً، لا [ناشي] (2) عن تباين اصطلاحاتهم في المنقول إليه (3). انتهى.

و أقول: إنّ تحديد الطهارة المصطلحة عندي متعذّر؛ لأنها مشترك لفظاً بين الثلاث (4)، أو الترابيّة و المائيّة، و رسوم البعض و إن قضت باختصاصها بالمبيح منها، لكنّها محمولة على الطهارة التي هي نوع من العبادة لا مطلقاً، و إلّا لم يتمّ استدلالهم على الأعمّ بلا قرينة، و لكان بحثهم عنها استطرادياً، و تأباه السليقة المستقيمة.

ثمّ إنّ الطهورين متباينان قطعاً، و لا جامع بينهما إلّا ما يتراءى من استعمال الطهور، و إحراز جامعيّته لو كان اشتراكه بينهما معنويّاً، و لم يكن متناولاً بمفهومه لغيرهما، و لا كذلك؛ إذ لو أريد المسمّى بالطهور فهو عين الاشتراك اللّفظي، أو أريد مزيل النجاسة تناول غيرهما من الشمس و النار، أو أُريد مزيل الحدث لم يشمل التراب، مضافاً إلى عدم الصدق فيهما بالنسبة إلى إزالة الحَدَث و لو أُريد بإزالته حكمه.

و لو قصر على المبيح للصلاة تناول غيرهما ممّا يتوقف عليه إباحتها، و لا يصدق على

ص: 40


1- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
3- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 4/1.
4- أي: الغُسل و الوضوء و التيمم.

شيء منهما إلا مجازاً ، و قصارى ما يجمعها قولنا: استعمال مزيل للنجاسة مشروط بالنيّة في أصل الشرع مبيح للصلاة في أصله، و هو كما تراه.

و بما اخترناه نصّ المحقّق في ناصريّاته (1)، قال: و التحقيق أنّ اللّفظ الواقع على المعاني المختلفة بالاشتراك اللّفظي لا يمكن إيضاحه بالتعريف الواحد، كلفظ العين مثلاً، فإنه لما وقع على الباصرة، و الماء، و الذهب (2)، لم يمكن تعريفه إلّا بذكر موضوعاته، لكن إذا اتّفق اشتراك تلك الموضوعات في لازم خاصّ بها أمكن تعريفه بذلك اللّازم، كما يقال: الذات اسم لما يعلم بعينه بانفراده، فالموضوعات مختلفة بالحقائق، و وقوعه عليها بالشركة اللّفظية، لكنّها تشترك في ذلك اللازم، فأمكن أن يعرّف الاسم به، لكن إن جعل الاسم واقعاً عليها - بحسب ذلك اللازم - خرج الاسم عن كونه مشتركاً، و دخل في كونه متواطئاً؛ لأنه يعود كالموضوع لما له ذلك اللازم المشترك لها، و ليس كذلك (3)، [أما] (4) الطهارة فإنها تقع على الوضوء تارةً مع إرادة الاستباحة، و تارةً لا بحسب ذلك الاعتبار، كتجديد الوضوء من غير حدث، و تارةً تقع على الغسل المراد به الاستباحة، و قد تقع عليه لا بحسب ذلك، كالغسل المندوب مع طهارة البدن من حكم الحدث، و تارةً على التيمّم لاستباحة الصلاة، و تارةً لا لها.

و هذه حقائق مختلفة لا يجمعها شيء مشترك، فكأنَّ تعريف اللّفظ الذي يصلح وقوعه على كلّ واحد منها بالتعريف الواحد الحاصر متعذّر (5). انتهى.

و الاستباحة و عدمها وإن كانا قيدين خارجين لكن لهما دخل في انتفاء الجامع، و إلّا

ص: 41


1- كذا في المخطوطة، و لعل الصحيح: (مصريّاته)؛ لأنّه لم يعرف للمحقّق كتاب أو رسالة باسم الناصريات، أو الناصريّة، و ما ذكره الشارح هنا موجود في المسائل المصريّة، المطبوع ضمن مجموعة رسائل طبعت بعنوان: الرسائل التسع للمحقق الحلي.
2- في المصدر : (المال) بدل (الذهب).
3- لفظ: (لها، و ليس كذلك) لم ترد في المصدر.
4- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
5- المحقق الحلي، الرسائل التسع: 201 - 202.

لأمكن الجمع بين الوضوء و الغسل باستعمال الماء لرفع الحدث، و عطفه ب- (أو) في الشرائع (1) إقرار بما اخترناه؛ لعدم إمكان حملها على الترديد، و جواب المدارك من: أنّ الترديد إشارة إلى أقسام مفهوم الحدّ، و هو مفهوم أحد هذه الأمور (2).

فمع أنَّه عدول عما اختاره من الاشتراك دون التواطؤ، لا يرجع إلى محصّل.

و من معانيها: الخلوّ من النجاسة؛ نصّ عليه العلّامة في المنتهى (3)، و ابن الطوسي بشرح النهاية (4) ، و أبو المكارم في الغنية (5)، و غيرهم (6).

فما في مفتاح الكرامة (7) من عدم العثور عليه من أحد سوى شرح النهاية، غريب.

و في االجواهر (8) الميل لعدمه و التزام بعض التمحّلات، كمنع التبادر الظاهر، و استناده في غير المقام إلى ما هو أخفى منه، و حمل الاستعمال في الكتاب و السّنّة على لغويّ المعنى، و جعل المعروف في لسان المتشرّعة خلاف ما قلنا؛ لمجرد قول الشهيد (9)، و قد تلونا عليك مقالة غيره، و كون المقسم أعمّ من المعرّف، و لا وقفنا عليه في غير هذا التقسيم.

و الظاهر سقوط (لا) قبل يعارضه في كلامه، و خروج بعض أفراد الوضوء عنها بعد

ص: 42


1- المحقّق الحلي، شرائع الإسلام: 1/ 5.
2- السيد العاملي، مدارك الأحكام: 7/1.
3- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 137.
4- هو الشيخ الجليل الحسن ابن شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي، الملقّب بالمفيد الثاني (ح 435ه- 511 ه-). له كتاب «المرشد إلى سبيل التعبّد»، و هو كتاب مفقود لم يصل إلينا، و هو شرح لكتاب «النهاية» لوالده. و للمزيد راجع الذريعة: 14 / 110 ، 20 / 305، الثقات العيون: 67،66.
5- و نصّ عبارته: و أمّا الطهارة عن النجس - التي هي شرط في صحة أداء الصلاة - فعبارة عن إزالة النجاسة عن البدن و الثياب. ابن زهرة الغنية: 1 / 40.
6- الخوانساري، مشارق الشموس: 256؛ القزويني، ينابيع الأحكام: 1 / 400.
7- العاملي، مفتاح الكرامة: 21/1.
8- النجفي، جواهر الكلام: 1/ 76.
9- يُنظر الشهيد الأول، غاية المراد: 24/1.

إطلاقها على كليّه مصادرة مقلوبة، و إبداء الفرق بينها و بين سائر المشتقات بخيال أنَّه وجه للجمع، خبط مخالف للقواعد النحوية، بل قد ادّعي أن الشمول فيها أوضح.

قوله: (و لا يلزم ... إلخ). لا تقوله النحاة، و عسى أن يكون تأمله إشارة لما قلنا، فيا حبّذا الاتّفاق.

و على ما اخترنا من مغايرة معنى الطهارة عندنا للمعنى اللّغوي في الكتاب و غيره مفهوماً و مصداقاً يلزم إجمال كلّ خطاب متعلّق بالطهارة و ما يشتقّ منها، من غير فرق بين البناء فيه على الصحيحي أو الأعمّي؛ قضاءً لحقّها، و لخفاء معنى الشرعي و إن زعم وجودها لبعض الأبدال (1)، إلَّا أن يبنى على أنّ المستعمل فيه في الأدلّة نفس الأسباب، فيمكن تحصيل خطاب يتعلّق بإطلاقه بناءً على مذهب الأعمّي؛ و لذا يقلّ الجدوى في البحث عن ثبوت الحقيقة الشرعيّة فيها؛ لعدم الثمرة المترتّبة ههنا _ كغيرها _ منها.

و ثمرة الإجمال و عدم الحمل على المعنى العرفي، أعني الخلوص من الأقذار و الأوساخ المحسوسة، لا تعدّ ثمرة، و لا يتعلّق بالبحث عنهما كثير غرض.

(و الطَّهور) في الحدّ (بفتح الطاء) و ضمّها صفة و مصدر، و بالأوّل اسم، و ذكره الفتح منفرداً لعلّه لاختيار الأخير، ففي الذخيرة: قد جاء الطهور لما يتطهّر به باتفاق من وصل إليّ كلامه من أهل اللغة (2).

و هو بالفتح لا غير، بخلافه مصدراً، فإنّه بالفتح و الضمّ، فعليه يتهافت اختياره.

و (هو) بها (الماء) الذي يعبّر الطبيعي عنه بالجسم السيّال البارد بالطبع، (و التراب) من أوضح المفاهيم العرفيّة، (قال الله تعالى) في الفرقان و سورته : ( (و َأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورا) (3)، وهو دليل طهورية الماء) بحسب صدق الطهور عليه في الشرع؛ لأنه مطهّر، و إن

ص: 43


1- ينظر تقريرات آية الله المجدّد الشيرازي للروزدري: 1/ 327.
2- المحقق السبزواري، ذخيرة المعاد: 1، ق 1/ 114.
3- سورة الفرقان: 48.

لزمه بعمومه، و المطر؛ لأنه في مقام الامتنان، و للتنكير القاضي بالجنسيّة فيه، و لفهم محقّقي (1)الأصحاب الطهوريّة منها، فلا يضرّ وقوع النكرة في الإثبات بالعموم، و لا ماء من غير السماء، و قوله تعالى: ﴿وَ أَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) (2) كافٍ فيه.

(و المراد بالسماء هنا جهة العلوّ)، من السموّ، و هو كذلك، فإنَّ المقادير و الأقضية الإلهيّة كلّها منها، لكن هذه الطهوريّة والمطهريّة قضيّة مهملة تفيد ثبوت المطهّريّة في الجملة، فيتوقّف بيان كيفيتها من: العصر، و علوّ ماء الغسالة و الاكتفاء بالاتصال أو عدمها كُلاً، و كذا تعدّد الصبّ و عدمه إلى دليل آخر غير إطلاق طهوريّته.

و يحتمل أنّ قضيتها مطلقة بمنزلة العامّ فتفيد المطهريّة على أيّ نحو كان، و على أيّ طريق لابس المتنجّس، و بأيّ طريق كان إلّا ما قام الدليل فيه على الاحتياج إلى كيفيّة خاصّة، و الأوّل أقوى، و به حكم الوالد في أنوار فقاهته (3).

(و قال النَّبي صَلَّى اللهُ علیه و آله) برواية الخاصّة و العامّة في طرق: «جعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً» (4).

و زيدَ في أُخرى: «ترابها» (5)، و ضرب عنه مع أو فقيبته تنبيهاً على المساواة بينهما.

(و هو دليل طهوريّة التراب)، (و كان الأولى) للماتن (إبداله بلفظ الأرض كما) صنعه غيره، و (يقتضيه الخبر)؛ ليعمّ (خصوصاً على مذهبه)، (من جواز التيمّم مطلقاً بغير

ص: 44


1- ينظر: المفيد، المقنعة: 63؛ السيد المرتضى، الناصريات: 41؛ الطوسي، الخلاف: 51/1؛ ابن البراج، المهذب: 1/ 19.
2- سورة المؤمنون: 18.
3- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 18.
4- الكليني، الكافي: 17/2 ح1.
5- الصدوق، الخصال: 426.

التراب من أصناف الأرض)، من الحجر، و الرمل، كما سيجيء، و في الذكرى (1)، و البيان (2)، و الدروس (3)، كذلك.

و لعمري إنّ العبارة في غاية اللّطافة؛ لاشتمالها على تماثل التراب و الأرض في الرخصة بجواز التيمّم، و أنّهما بمعنى، و بعض النصوص (4) قاض به، و إبداء ما لا يجوز التيمّم به منهما، فكأنّه صححه بالحجر و الرمل ونحوهما مما يعمّه التراب المرادف للأرض، و منعه بمثل النورة، و الكحل، و الزرنيخ من المعادن التي يطلق عليها الأرض، و لا يقال لها: ترابف فأعرض عن خبر التراب و جاء بالأرض، و الأولوية حينئذ مقلوبة عليه.

(فالماء) المنزل (بقول مطلق) الظاهر تعلّق الموصوف بال- (مطهّر)، فيرجع إطلاق التطهّر من الحَدَث و الخَبَث إليه، فيمتاز عن التراب الذي لا إطلاق في تطهيره منهما مطلقاً، بل عند تعذّر أخيه من الأوبل و بعض أفراد الثاني.

و لعلّ الفرق هو السبب في إفراده له بالحكم هنا، أو للإشارة إلى مطهريبته في الجملة لا مطلقاً؛ لمسلوبيّة الحكم عن مضافه، و اختلاف مطهريّته للأشياء بالصبات في قليله.

و ما يقضي السرب في عدم قوله: مطلقاً بعده فراراً من ظنّ التعميم.

و لو فرض أنّ الحاليّة تنفي الإضافة، فما عبّر به أحسن.

و يمكن تعلّقه بالماء، فالمعنى: الماء ما يقال ماء قولاً مطلقاً، لا مضافاً كالمضاف.

و فيه حينئذ تلويح إلى غناء الماتن عن تقييده بالإطلاق البيّن من إطلاقه.

ص: 45


1- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 177، 178.
2- الشهيد الأول، البيان: 85.
3- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 130.
4- منها ما رواه الطوسي في تهذيب الأحكام: 1/ 190 ح 549، قال: أخبرني الشيخ (أيده الله تعالى) عن أبي القاسم جعفر بن محمد، عن أبيه عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن علي بن مطر، عن بعض أصحابنا قال: «سألت الرضا علیه السلام عن الرجل لا يصيب الماء و لا التراب أيتيمم بالطين؟ فقال: نعم صعيد طيب و ماء طهور».

[تعريف الحدث]

و مطلقه (مطهّر من الحدث)، و هو اصطلاحاً لمعنيين:

[المعنى] الأوَّل: (الأثر الحاصل للمكلّف و شبهه) الذي لم تكن له فعليّة التكليف كالصبيّ، و النائم، و المغمى عليه، (عند عروض أحد أسباب الوضوء)، أو موجباته، أو نواقضه، (و) مثله (الغسل المانع) ذلك الأثر تقديراً، أو عناية (من الصلاة) و شبهها، (المتوقّف) صفة بعد المانع للأثر (رفعه على النيّة).

و الحدّ جيّد لولا عموم المانع، المقتضي لبطلان صلاة المتيمّم على الأشهر في عدم رافعيّته للحدث.

و عليه يلزم زيادة: في الجملة، فلو أثبتها فيه عوض (و شبهه) كان جيّداً؛ لأنّ الحدث الحاصل لغير المكلّف ممبن قدّمنا يصدق أنَّه مُحدِث أيضاً إذا انقلب للتكليف؛ إذ ليس المفهوم من الحصول ابتداءه، اللهمّ إلّا أن يكون القصد صدق المحدث عليه قبله، أو لإدخال عبادة المميّز المشروطة بالرفع.

و هذا الأثر معنوي يكشف عنه المنع من الصلاة و نحوها، و إزالة النجاسة، و هو المسمّى بالنجاسة المعنويّة و الحكميّة.

و اختيار السبب دون الموجب و الناقض هنا لعمومه مطلقاً لهما، كما في الروض (1)؛ إذ التسمية بالنواقض لجهة النقض، و الحدث أعمّ، و بالموجبات باعتبار وجودها عند التكليف، و هو أعمّ أيضاً، فالثالث متعيّن للشمول، لكن الظاهر أنها بمعنىً بلحاظ الصلاحية فيهما فتساوي الأسباب؛ إذ المقصود الإيجاب الوضعي لا التكليفي، فالحدث المصادف لفراغ الذمة مقتض في ذلك الحال بشرط دخول الوقت، و كذا الحدث له صلاحية النقض لو وردَ على آخر.

ص: 46


1- الشهيد الثاني، روض الجنان: 71/1، 72.

المعنى الثاني: إطلاقه على نفس تلك الأسباب، وربه صرّح الماتن في قواعده (1)، و لعلّه الأصل في نقل الحدث من لغويّ المعنى، فإنّه الحادث فيه حقيقة أو تجوّزاً.

و عليه فإطلاقه على الأثر اصطلاح منقول من آخر، أو يرتكب فيما يراد فيه الأثر حذف المضاف، أو التجوّز في الإسناد، أو الإيقاع، أو تجوّز في اللّفظ كي لا يلزم نقل ثانٍ، ففي العبارة يراد رفع حكمه أو أثره؛ لأنّ نفسه غير قابل للرفع.

و يفهم من قوله: (للمكلّف)، تعلّق حكم الحدث به، فلا يتعلّق بالأعضاء، و لازمه: عدم ارتفاع الحَدَث عن العضو الواحد بغسله قبل تمام الباقي؛ لأنّ المنع من الصلاة لا يتعلّق به، فلو بقي لمعة من الأعضاء، فالمنع بحاله و الحدث موجود، و لا يجوز مس الكتاب بالعضو المغسول قبل الإتمام (2). و هو متين، لكن يبقى الإشكال في رافعيّة وضوء الجنب للحدث الأعضاء التي جرى عليها الماء بالنسبة إلى النوم دون الباقي، فالكلّيّة ممنوعة.

و يدفعه: التزام رفعه عن الكلّ أوّلاً، و لا غضاضة في رفعه كذلك لتلك الحالة.

قولك: ما معنى رفع الحدث لحالة النوم، فمتى كان النوم عبادة أو مشروطاً بالطهارة ليكون الحدث مانعاً فيها منها؟ (3)

قلت: هو كالطواف المندوب و الزيارة، فإنّ الحَدَث غير مانع منهما، و الوضوء المنوي فيه الرفع مندوب لهما، و كذا صلاة الجنازة.

و ثانياً: هذا الوضوء غير رافع للحدث، بل هو تعبّد محض، أو لإيقاع النوم على [الوجه ] الأكمل، و على الأمرين الظاهر أنَّه لا ينقضه الحدث الأصغر مطلقاً، ك-هو في الحائض؛ لأنه رافع للأكبر، و لا يلزمه رفع الأصغر.

فظهر أنّ الحَدَث من أسباب الوضوء الموجبة له، و لا ينافيه شرطية الطهارة للصلاة

ص: 47


1- الشهيد الأول، القواعد و الفوائد: 1 / 40 ، القاعدة: 11؛ 2/ 88، القاعدة: 177.
2- الشهيد الأول، القواعد و الفوائد : 2/ 88، القاعدة: 177.
3- المصدر نفسه.

مع قطع النظر عنه، أو مع خلوّ المكلّف عنها، و منه بالغرض، أو كما قيل في آدم علیه السلام (1)، فإنّ الوضوء واجب إذا ذاك و لا حدث؛ للإطلاق في آيته؛ إذ بعد الإذعان بلزوم اشتراط الوضوء للفرض المزبور لا شكّ في ناقضية الحدث، و بحصوله يعاد الوضوء، و هو كافٍ في السببيّة؛ لأنّ الأسباب الشرعيّة معرّفات، بمعنى أن حصولها يعرف وجوب الوضوء، و لو من جهة شرطيّته، فلا ضير من أنّ الطهارة كما أنّها شرط وجوديّ من حيث هي، لا من حيث رفع الحَدَث، فالحدث أيضاً مانع وجودي من حيث هو، و حصول كلّ منهما يستلزم رفع الآخر؛ لمكان التضادّ شرعاً، فالشرط كما يجب معه تحصيله المانع يلزم رفعه، و إحراز العلم بعدمه و لو بحكم الأصل، و قد حصر الشارع رفعه هنا بالوضوء، فلحالة الحَدَث جهتان: الإحراز و الرفع، و لحالة عدمه جهة واحدة و هي الشرطيّة.

[تعريف الخبث]

(و) كذا الماء مطهّر لكلّ فرد من (الخَبَث) محرّكة، و هو في اللغة: خبث الحديد و الفضة ممّا نقّاه الكير (2)، و به أتى :

سبكناه و نحسبه لجيناً فأبدى الكير عن خَبَث الحديد (3)

من خبث بالضمّ خلاف طاب.

(و هو) في الاصطلاح: (النجس بفتح الجيم) كالنجاسة، (مصدر قولك: نجس الشيء - بالكسر - ينجس) بالفتح كعلم يعلم، و بالضمّ ككرم يكرم، (فهو نجس بالكسر)، و الفتح كما سبق.

(و ينجس) (الماء مطلقاً) جارياً، راكداً، قليلاً، كثيراً، آباراً، و غيرها، قليلة كانت النجاسة الواردة عليه أو كثيرة، مائعة أو جامدة، تحت الماء أو فوقه، أو ممزوجاً به.

ص: 48


1- العلّامة المجلسي، بحار الأنوار: 229/77.
2- الزبيدي، تاج العروس: 204/3.
3- ابن عبد ربه، العقد الفريد: 26/2.

(بالتغيّر) و بائه للمصاحبة، و المعنى: أنّه مع التغيير نجس، سواء كان نجساً قبله أو لا، و لا كذلك، [و] لو جعلناها للسببيّة - كما هو المنساق إلى الذهن أوّلاً - كان المعنى: الماء المطلق أحد أسباب نجاسته التغيير (بالنجاسة)، سواء تنجّس بغيرها أو لا، فالمتنجّس بغيرها يمكن أن يتنجّس بالتغيير؛ قضاءً لحقّ العموم المستفاد من السببيّة، مع أنّ المتنجّس بالملاقاة لا يعقل تنجّسه بالتغيير في شيء من الفروض و الاحتمالات؛ لسبقها و لو في زمان غير محسوس.

و لعلّ المراد بالتغيير الورود المغيّر لعين ما سبق، فهو حينئذ نجس إذا تغيّر بالنجاسة.

[تعريف النجاسة]

اشارة

و هي في الأصل: القذارة (1).

و في الاصطلاح عرّفها الماتن بقواعده (2): إنّها معنى قائم بالجسم يوجب اجتنابه في الصلاة، و التناول لعينه.

قال: و فيه تنبيه على أنّ الجسم من حيث إنه جسم لا يكون نجساً، و إلّا لعمّت النجاسة الأجسام، بل لمعنى قائم به من: قذارة، أو إبعاد عن الحرام.

و قوله: لعينه، احتراز عن الأعيان المغصوبة؛ فإنّه يجب اجتنابها في الصلاة لا لعينها، بل باعتبار تعلّق حقّ الغير بها.

و عطف التناول، لتخرج محرّمات الصلاة منها مثل: الكلام، و الاستدبار، و الحدث، و الفعل الكثير، فيطّرد الحدّ، فإنّها لا تحرم في التناول.

لكنه رحمه الله نسبه إلى القيل، فعرّفها ب-: ما حرم استعماله في الصلاة، و الأغذية للاستقذار، أو للتوصل إلى القرار (3).

ص: 49


1- الراغب الأَصْفَهَاني، المفردات: 791، مادة (نجس).
2- الشهيد الأول، القواعد و الفوائد: 2/ 86، القاعدة: 175.
3- كذا في المخطوطة، و في المصدر: (الفرار).

و أخرج بالاستقذار: السموم ، و الأغذية الممرضة.

و بالتوصّل إلى القرار [ليدخل] (1): الخمر و العصير، و أدخل الطواف و نحوه بالصلاة، و الأشربة بالأغذية.

قال: فحينئذٍ مرجع النجاسة [إلى] (2) التحريم، و الطهارة [إلى] (3) الإباحة، و هما حكمان شرعيّان، و موضوع الحكم فيهما هو فعل المكلّف، فهما متعلّق الحكم من حيث الاستعمال، و ظاهر أن لا واسطة بينهما.

و فيه: شمولهما لمثل: الحرير أو غذاء ما لا يؤكل لحمه، و الكلّ بحكم الطهارة، فلا بدّ من التمحل فيه، و المقصود بيان إجمال معناها.

و اعلم: أنّ التغيير بالنجاسة إنّما يورثها إذا كان ب- (أحد أوصافه الثلاثة: اللّون و الطعم و الرّيح)، و لولا وجود الأوّل بالنصّ و سائر كتبهم لكان الحكم باستدراكه جيّداً؛ إذ السبر أنّ اللون لا يتغيّر منفرداً عنهما، بل هما قبله.

و تأمّل فيه بعضُ (4) معلّلاً له بخلوّ النصوص الصحيحة عنه، فيبقى ما تغيّر به مع فرض استقلاله بالتغيّر على أصل الطاهرة، و كأنّهم أعرضوا عنه، و حكموا (5) بالمساواة، و قالوا: إنّ غير الصحيح المنجبر بالفتوى و العمل يزيد على الصحيح، على أنّ رواية [ابن] (6)

ص: 50


1- أثبتناه من المصدر.
2- أثبتناه من المصدر.
3- أثبتناه من المصدر.
4- لم أعثر على هذا البعض.
5- ينظر التستري، مقابس الأنوار: 23.
6- أثبتناه من المصدر.

الفضيل (1) ظاهرة بالانفعال به، و ما فيها غير محمّد بن سنان (2).

و رواية صفوان عنه - مع أنَّه لا يروي إلّا عن ثقة (3) - قرينة على الاعتماد على خبره، مضافاً إلى الانجبار بما قضى بنجاسة مطلق التغيير، و الجمّ الغفير عليه، و مع ذلك لي فيه تأمل.

و النجاسة تتحقّق بالثلاثة (دون غيرها من الأوصاف) كالسخونة (4)، و الوزانة، و الحرارة و البرودة و غيرها.

و الحكم بالتنجيس فيها مطلقاً كأنّه لا شبهة فيه، و يشكل في الكثير المتغيّر خصوصاً بالأوّل؛ لخلوّ نصوص الخاصبة عنه، و لكن مخالفة المعظم ممّا تعظم ، إذ قيل: إنّ عليه إجماع من يحفظ عنه العلم (5).

و أمّا إطلاق أخبار الباب فيمكن المناقشة فيها سنداً و دلالةً، كصحيحة حريز (6)، و موثّقة سماعة (7)، و رواية زرارة (8) و [ابن] الفضيل، و خبر بصائر الدرجات (9).

نعم، إن ثبت ما حكاه ابن أبي عقيل (10)، قال: (تواتر عن الصادق علیه السلام أنّ الماء طاهر

ص: 51


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1 / 415 ح 1311، و نصّ الرواية: عن العلاء بن الفضيل قال: «سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الحياض يبال فيها؟ فقال: لا باس إذا غلب لون الماء لون البول».
2- قال الشيخ: محمد بن سنان مطعون عليه ضعيف جداً، و ما يختص بروايته و لا يشاركه فيه غيره لا يعمل عليه. تهذيب الأحكام: 361/7.
3- السيد العاملي، مدارك الأحكام: 57/1
4- كذا في المخطوطة، و لعل الصحيح: الثخونة.
5- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 20.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 216 ح 625.
7- الطوسي، الاستبصار: 1/ 8 ح8.
8- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 42 ح 117.
9- الصفار، بصائر الدرجات: 259 ب 8 ح 13.
10- ابن إدريس، السرائر: 1 / 64 ، و فيه: (و من قول الرسول صلّی الله علیه وآله المتفق على روايته أنه قال: «خلق الله الماء طهوراً لا ينجسه شيء إلا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه»).

لا ينجسه شيء إلّا ما غيّر لونه، أو طعمه، أو ريحه)، و ما صحّحه العلّامة في بعض كتبه (1) من رواية الجمهور، عن النبي صلّی الله علیه وآله: «خلق الله الماء طهوراً لا ينجسه شيء إلّا ما غيّر لونه، أو طعمه، أو ريحه» (2)، فالظاهر كفايتهما في إثبات المطلوب.

ثمّ إنّ المناط في التغيير المحكوم بالنجاسة به هو تغيير الماء بأثر النجاسة الواردة عليه، لا تغيير عين النجاسة للماء، فيتفرّع عليه:

أنّه لو حصل للماء لون باجتماع نجاسات متعدّدة لا يطابق لون أحدها، أو رائحته، أو طعمه، فالحكم فيه النجاسة؛ لصدق حصول التغيير في أحد الأوصاف بسبب غَلَبَة النجاسة، و عدم موافقة الاسم غير قادح؛ لأنّ الاعتبار بالصفات إنّما هو لأجل تحقق الغلبة و الاستيلاء.

لكن الجواهر (3) اختار حينئذ القول بالطهارة؛ للاستصحاب، و الاقتصار على المتيقّن، للشك في اندراج الفرض فيما هو الميزان في حصول النجاسة، و ينتصر له أيضاً بسلب الاعتبار بسائر الأوصاف غير الثلاثة، و هذه الكيفية داخلة فيها إلَّا في أوصاف النجاسة.

و ممّا حرّرنا يظهر ضعفه؛ إذ المراد بسائر الأوصاف ما كان منها خارجاً عن الثلاثة، لا الأوصاف التي من جنس الثلاثة.

و نظيره ما ذكروا [من] أنّ المتولّد من نجسين نجس، و إن لم يوافق أحدهما، بل و لو وافق اسم طاهر (4)، و هو لا يدّعي الطهارة هناك قطعاً، على أنّ المدار صفة جنس النجاسة دون الشخص، و الكيفية الثالثة الحاصلة من المجموع موافقة لها في صفات النجاسة.

ص: 52


1- العلّامة الحلي، أجوبة المسائل المهنائية: 59.
2- إسماعيل بن يحيى، مختصر المزني: 9؛ السرخسي، المبسوط : 1/ 52 ؛ الرافعي، فتح العزيز : 1/ 100.
3- النجفي، جواهر الكلام: 218/1.
4- الفاضل الهندي، كشف اللثام: 416/1؛ الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 95؛ الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 499/1.

و يظهر هنا من عدّها أنّ ظاهر المصنفين و صريح غيرهما (1)، و هما في غيره (2): عدم الاعتبار بسائر التغيّرات سواها، و كأنّ الشهرة محققة على ذلك إن لم يكن إجماعاً.

لكن حدث لبعض المعاصرين (3) القول بإمكان تطرّق الخلاف فيها، بل وجوده؛ نظراً إلى إطلاقات بعض الكلمات؛ ففي الشرائع (4) لم يصرّح بالثلاثة، بل جعل المدار على تغيير الأوصاف، و كذا الجُعفي (5)، و ابنا بابويه (6) لم يصرّحوا بها ، بل اعتبروا غلبة النجاسة، بل كلّ من أطلق الاستيلاء، أو التغيير، أو الغلبة، من دون قيد يستشمّ منه الخلاف.

قلت: ما سبق لذهنه لعلّه ممنوع، فإنّ صيغة الجمع في الشرائع (7) شاهد على إرادة المعهود من الأوصاف و هو الثلاثة، فاستغنى به عن التصريح، و في المعتبر (8) صرّح بالثلاثة، فهو شاهد ثان على مراده.

و أمّا غيره كمن ذكرنا فلم يظهر منها مخالفة، و مقالة الماتن بذكراه (9): إنّهما لم يصرّحا بالأوصاف الثلاثة، بل اعتبرا الأغلبيّة، و هو موافقة في المعنى، لم يكن غرضه الذي احتمله المورد من مخالفة إطلاقهم لتقييد الأوصاف، بل الاعتبار التغيير في مقابلة من اكتفى بمجرّد

ص: 53


1- كالعلّامة الحلي في تذكرة الفقهاء: 1/ 15، قواعد الأحكام: 1/ 182.
2- الشهيد الأول الدروس: 1/ 119، ذكرى الشيعة: 1 / 80؛ الشهيد الثاني، حاشية المختصر النافع: 14، حاشية شرائع الإسلام: 9.
3- ينظر القزويني، ينابيع الأحكام: 57/1.
4- المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 1/ 4.
5- حكاه عنه في ذكرى الشيعة: 76/1.
6- علي بن بابويه، رسالة الشرائع: 126؛ الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 11، كما حكاه عنهما في ذكرى الشيعة: 76/1.
7- قال في شرائع الإسلام: 4/1: (لا ينجس إلا أن تُغيّر النجاسة أحدَ أوصافه).
8- قال في المعتبر: 40/1 : (و نريد باستيلاء النجاسة عليه استيلاء ريحها على ريح الماء، أو طعمها على طعمه، أو لونها على لونه).
9- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 76/1.

الغلبة (1)، و لذا نبه على الموافقة في المعنى؛ بناءً على عدم حصول الغلبة سابقة على التغيير؛ كي لا يتوهّم من أنّ مرادهم أنّ الغلبة منجسة و إن لم يحصل التغيير.

ثمّ إنّه ذكر بعد ذلك أنَّه لا عبرة بغير الأوصاف الثلاثة، فلو كان هناك مخالف لعيّنه و لو تلويحاً.

سلّمنا الإطلاق، لكنّها مقيّدة بالنبويّ الحاصر بالثلاثة، و المسألة فيها غموض، خصوصاً بعد نفي الشيخ الخلاف فيه على حصول النجاسة بالتغيير بالأوصاف (2)، و لم يقيّدها، فينبغي التأمل.

نعم، ينبغي لمن يزعم كفاية مطلق التغيير في النجاسة أن يخصّه بما يحسّ منه، و إلّا يلزمه أن يكون مجرّد الملاقاة كافية فيها، فإنّها لا تخلو عن نوع تغيير و لو بزيادة ما غير محسوسة، و لا قائل به، و متى خصّه طالبناه بدليله، أو يرجع إلى ما قلنا.

و في المنتهى (3) أنّ غير الثلاث من الكيفيّات لا عبرة به؛ لأنه لا يحصل بها امتزاج، انتهى في المعنى.

(و احترز) الماتن رحمه الله (بتغييره (4) بالنجاسة عمّا لو تغيّر بالمتنجّس خاصّة)، يعني بما له من الصفات الذاتيّة لا بالوصف العارض له؛ (فإنّه لا ينجس بذلك، كما لو تغيّر طعمه بالدبس النجس (5) من غير أن تؤثّر نجاسته فيه)، بمعنى سراية نفس النجاسة التي هي من العوارض، فإنّ الماء المتغيّر بها ينجس كما سبق.

كما سيق.

ص: 54


1- ينظر البحراني، الحدائق الناضرة: 1/ 182.
2- الطوسي، الخلاف: 193/1.
3- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 24/1. و نصُّ عبارته: (و أعلم أنه لما كانت هذه الكيفيّات الثّلاث إنّما تحصل غالباً بالممازجة للنّجاسة، لا جرم كانت مؤثّرة في زوال الوصف السّابق من حصول الطّهارة، أمّا غيرها من الكيفيّات فلا اعتبار به؛ لأنّه قد يحصل و إن لم يقع امتزاج).
4- في المصدر: (بتغيّره).
5- في المصدر: (المتنجس)

مثاله: لو وقع بالدبس قطرة بول فنجس، ثمّ تغيّر به الماء، بأن صار حلواً أو أحمر، لم ينجس الماء كذلك.

فهنا أُمور:

[الأمر] الأوّل: تأثير أوصاف المتنجّس و انقلاب الملاقي إلى النجاسة فيه، و كان العدم مسلّم بينهم، و الخلاف منسوب إلى المبسوط (1)، و الجواهر (2) نسبته إلى السرائر، و عبارته غير صريحة في عدم التنجيس.

و في المصابيح (3) نسبة القول به إليه و نسبه في المناهل إلى السيّد في الجمل نقلا عن الكشف (4)، و نسخته التي عندي مقتصر فيها على الشيخ، و لم أرَ في الجمل ما يفيد ذلك.

و نسبه أيضاً إلى التحرير و المعتبر، و لم نعثر عليه في الأوّل، و أضاف في المناهل له القول المشهور (5). و الثاني نقل فيه عبارة المبسوط و سكت، فظنّوا أنّ سكوته علامة الرّضا، و إلّا لأنكر مع أنَّه أعمّ، و عليه فيتمحّض الخلاف للشيخ في ظاهر عبارته، قال في المبسوط بعد تقسيمه الماء، و تحديد المضاف ما نصّه:

فهذا الضرب من المياه لا يجوز استعماله في رفع الأحداث بلا خلاف بين الطائفة، و لا في إزالة النجاسات على الصحيح من المذهب، و يجوز استعماله فيما عدا ذلك، مباح التصرّف فيه بسائر أنواع التصرّف ما لم يقع فيه نجاسة، فإذا وقعت فيه نجاسة لم يجز استعماله على حال، سواء كان قليلاً أو كثيراً، و سواء كانت النجاسة قليلة أو كثيرة، تغيّر أحد أوصافه أو يتغيّر، و لا طريق إلى تطهيره بحال إلّا أن يختلط بما زاد على الكرّ من المياه الطاهرة.

ثمّ ينظر فيه، فإن سلبه إطلاق اسم الماء لم يجز أيضاً استعماله بحال، و إن لم يسلبه إطلاق

ص: 55


1- نسبه إليه في جواهر الكلام: 1/ 230.
2- النجفي، جواهر الكلام: 1/ 230.
3- السيد بحر العلوم، مصابيح الأحكام: 79/1.
4- لم أقف على تلك النسبة.
5- السيد المجاهد، المناهل: 435.

اسم الماء و غيّر أحد أوصافه إمّا لونه أو طعمه أو رائحته فلا يجوز أيضاً استعماله بحال (1). انتهى.

و في الجواهر الحكم بعدم ظهور نجاسة الملاقي للمتنجّس منه، خلافاً لمن أسند ذلك للشيخ من المعتبرين، و على ما نقله من العبارة ظاهر مطلبه، حيث أسقط منها ما فيه الظهور على المراد، و هي قوله: (و إن لم يسلبه... إلخ).

قال ما نصّه : فلم تكن عبارته دالّة على ما إذا بقي الاسم و تغيّرت الأوصاف (2) انتهى. مع أنّ ذلك نصّ ألفاظ الشيخ رحمه الله .

و أحسن محاملها عندي هو إرادة التغيير بأوصاف النجاسة لا المتنجّس، و يؤيده إطلاقه الأوصاف في صدر العبارة على أوصاف النجاسة.

و يشكل الحمل بعد فهم العلّامة في المختلف (3) من التغيير بأوصاف المتنجّس، فأورد عليه بلغويّة زيادة الكرّ، و بأنّ العبرة في التغيير حصول صفات النجس لا المتنجّس.

و جوابه: إنّ الأوّل على المبالغة، و الثاني يحتمل الأمرين، فحمله على أحدهما منه تحكّم.

و الحاصل: عبارة الشيخ في نظري صريحة في المضاف إليه من التنجيس؛ و لذا لم يؤولها من وقف عليها من محقّقي أصحابنا رحمه الله.

و أقول: إن لم يقم إجماع على خلافه يشكل الأمر، فإنّ أقصى ما لهم في ردّه أُمور:

منها: إنّ النجاسة بعد أصالة الطهارة محتاجة إلى قاطع يقضي بها، و غايته الأخذ بإطلاق النبويّ (4) المعمول عليه، المفيد للحصر، و لا دلالة فيه؛ لأنّ المغيّر هو الطاهر المتنجّس لا النجس، و قضيّته إلَّا ما غيّر، أي: إلَّا النجس الذي غيّر، المفروض عدمه.

ص: 56


1- الطوسي، المبسوط: 21/1.
2- النجفي، جواهر الكلام: 231/1.
3- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1 / 240، 241.
4- ابن أبي جمهور، عوالي اللآلئ: 76/1.

و بتقریر آخر:

المغيّر الموجب للتنجيس ليس مذكوراً في الخبر، سواء كانت (ما) الواقعة بعد الاستثناء مبنية للفاعل أو المفعول، فيرجع فيه إلى دليل آخر، فإن حملناه على العموم تمّ الاستناد إليه، لكن يلزمه تخصيص الأكثر؛ إذ الكليّة ممنوعة بالبداهة، و إن حملناه على المعهود احتجنا إلى دلیل آخر غير الخبر يقضي بالنجاسة.

و فيه: إنّ ظهور الموصول بالعموم كافٍ، لا أقلّ من الإطلاق، و لزوم التخصيص المزبور ممنوع؛ لرجوعه إلى تقييد التغيير بالأكثر لا التخصيص به، و هو غير بديع.

اللهمّ إلَّا أن يكون الشكّ في خصوصيّات المغيّر لا في خصوصيّات التغيير.

و يتفرّع عليه:

إِنَّه لو شكّ أنّ المدار في الطعم مثلاً هو طعم النجاسة، أو مطلقاً، صحّ التمسّك بإطلاق الطعم على النجاسة، لكن لا ريب أنّه مسبّب عن الشكّ في عموم في عموم المغيّر، المدلول عليه بالالتزام، فلو قصرناه سقط الإطلاق في الأوصاف.

و الحقّ: إنّ العموم لا يكاد ينكر، و لأجله حكمنا بنجاسة المتغيّر بسبب ملاقاة ما علم كونه مغيّراً معتبراً، لو حصل للملاقي لون ثالث غير لون النجاسة و الماء، كما سبق.

و لولا صراحته في العموم لما أعرض في الرياض (1) عن الدلالة، و ناقش في السند، و كذا غيره (2).

و منها: إنّ التغيير بالنجاسة إنّما أثر لقوّة النجاسة و استيلائها عليه، و هنا ليس كذلك.

و منها: لزوم زيادة الفرع على الأصل، كما لو لاقَت النجاسة الماء، ثمّ تغيّر بالمضاف الطاهر، فإنَّه لا ينفعل.

و ردّهما ظاهر؛ لتساوي النجسين بالقذارة، و زيادة الفرع على الأصل بحكم الشرع لا

ص: 57


1- الطباطبائي، رياض المسائل: 13/1.
2- القمي، غنائم الأيام: 501/1.

بأس به.

و الفرق بين حالتي الاتّصال و الانفصال بيّن؛ لأنَّ الأوّل ملاقاة نجس قاهر، و الثاني ملاقاة نجس مقهور، و ينتصر له الظاهر بمعاقد بعض الإجماعات التي مصبّها كالنبوي، كمعقد إجماع الغنية (1) و غيره، و ببعض إطلاق أخبار الباب (2)، و انتفاء الفرق بين نجس العين و المائع الذي تنجّس، فإنّ النجاسة كما عرفت حكم شرعيّ مفاده حرمة الاستعمال في الصلاة، و التناول، و هو مشترك بين الأمرين، و عدم الافتراق بينهما في التطهير، فافهم.

[الأمر] الثاني: إنّ الحكم منوط بالتغيير، فلا عبرة بالمجاورة بلا شكّ، و لم أر متأمّلاً فيه، و هو الموافق للأصل، و ليس منه السطح العالي المتغيّر بوقوع النجاسة في أسفله؛ لصدق الماء على المجموع، و عدم انفصال العالي عن السافل الملاقي، و يحتمل قويّاً الطهارة، فكأنّه تنجّس بالمجاورة، لولا أنّ عمومات التغيير توجب النجاسة، فتأمل.

[الأمر] الثالث: لا فرق في انفعال الماء في تغيير أوصاف النجاسة له بين حصوله بواسطة النجس أو المتنجّس على ما حقّقناه.

و حمل عليه كلام الشيخ رحمه الله لعموم الأدلة السالفة، و ظهور عين النجاسة فيها غير ضارّ بعد وضوح المناط المصرّح به في المعتبر (3) و غيره، حتّى الأخبار، أعني الاستيلاء و الغلبة الموجودين في المقام، و لقد أطنب في المسألة في المصابيح (4)، فراجع.

(و) لمبا كان التغيير سبباً للنجاسة و له فردان حكم الشارح رحمه الله بأنّ: (المعتبر من التغيير) الذي يدور الحكم مداره هو (الحسّي) المشاهَد (لا التقديري) الشأني (على الأقوى)، وفاقاً للماتن في غيره (5) مطلقاً، إلا صورة واحدة، ننبّه عليها إن شاء الله تعالى، و تبعه أكثر من لحقه.

ص: 58


1- ابن زهرة غنية النزوع: 46/1.
2- الكليني، الكافي: 14/3 ح2.
3- المحقق الحلي، المعتبر: 40/1.
4- السيد بحر العلوم، مصابيح الأحكام: 1/ 67، 86.
5- كما في البيان 98، و نصّ عبارته: (و المعتبر في التغيّر المحسوس لا المقدّر)، و الدروس: 118/1 ، و نصّ عبارته: (و لا ينجس الا بتغيّر لونه أو طعمه أو ريحه بالنجاسة، تغيّراً محقّقاً لا مقدّراً).

سواء كانت النجاسة عديمة الصّفات أو بعضها، فعدم التغيير لنقصان المؤثّر كبول سلب الثلاث، أو موافقة للماء فيها؛ لجهة نقصانه و خروجه عن صفاته الأصليّة، و مثّل له بالمياه الزاجية، و الكبريتيّة، و المالحة الشديدة، لو حكمنا بعدم الإضافة فيهما، و الثالثة و اتّفق موافقة النجاسة لها، أو لوجود مانع من التأثير كالمطلق المصبوغ بطاهر إذا مازجه نجس أو متنجّس مثله في اللّون (1).

و يظهر الخلاف من العلّامة، و ابنه (2)، و عميد الدين (3)، و ابن فهد في الموجز (4) مطلقاً؛ لفهم غير واحد من عدا ذلك، و منهم الماتن، و ثاني المحقّقين، و إن لم يستحسن التعبير في الجواهر (5) حمل كلامه على آخر الصور؛ استناداً لما لا يسمن من إطلاق الموافقة.

و قول الكركي في شرحها: كان حقّ العبارة أن يقول: لو وقعت نجاسة مسلوبة الصفات (6)؛ لصدقها على أخيرة الصور المفروض خروجها.

و أنت خبير بصراحتها، فإنّ سياقها يقضي قطعاً بشمولها للبول المسلوب الصفات الثلاث الموافق للماء، و ليس للحامل إنكاره فيأتي فيه ما ذكر من التقدير.

و الماتن على غزارة فهمه في الذكرى، لمّا حكم ببقاء طهارة الملاقي للنجس الموافق في الصفات، و نسبه إلى ظاهر المذهب، قال: و العلّامة على أصله السابق (7)، و أشار به إلى التقدير

ص: 59


1- ينظر البهائي، الحبل المتين: 106.
2- العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 1/ 183؛ فخر المحققين، إيضاح الفوائد: 16/1.
3- عميد الدّين الأعرج، كنز الفوائد: 29/1.
4- ابن فهد، الموجز الحاوي ضمن كتاب (الرسائل العشرة): 36.
5- النجفي، جواهر الكلام: 220/1.
6- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 113/1، 114.
7- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 76/1.

الذي ذكره (1) في المضاف المسلوب الأوصاف الثلاثة، مثل: ماء الورد العريّ عن الرائحة، فبقرينة المثال لا ريب في صراحته في عموم التقدير.

و في البيان (2) حكم بالنجاسة في الصورة المحمول عليها كلام العلّامة، فكيف يلتئم مع نسبة الطهارة إلى ظاهر المذهب، فلا جرم من أنْ يكون مراد العلّامة فيما فهمه الصورة المخالفة لما نسب طهارته لظاهر المذهب.

و الشارح في محكي الروض (3) فهم مثله، فلا ينبغي التأمّل في مخالفة العلّامة، و حكمه بالنجاسة مطلقاً.

سلّمنا، لكن لا يجديه في شيء؛ لفساد أصل المبنى؛ لظنّه أنَّه بالحمل المزبور وافق العلّامة المشهور في مقابلة الطهارة فيما يقدر فيه تأثير النجاسة من الصورتين، فالنسبة واهية، ولكنَّه واقع؛ لأنّ التنجيس لا يخلو:

إما بالقهر و الغلبة التي ربّما يلغى فيها ظهور الأثر للمُنجس، أخذاً ببعض الإطلاقات، و أنّ التغيير المقيَّد بالثلاثة كاشف عنها، فلو حصل بغيرها حصل التنجيس؛ لتحقّق الكشف، وفاقاً لظاهر بعض (4)، و الصورة المفروضة من الأخير، فهو كلام آخر خارج عن مفروض البحث، و المشهور، و هو منهم على خلافه، و عسى أنّ مدّعيه يزعمه في كلّ ما أمكن تقدير النجاسة فيه، فيعود النزاع إلى تحقّق القهر بالغلبة و عدمها.

و إمّا لجهة أنّ التغيير في الصورة المفروضة محسوس منع منه مانع - كالظلمة مثلاً - كما هو ظاهر كلامه، بل صريحه تبعاً لغيره (5)، فهو في حيز المنع، بل النجاسة فيها عين القول

ص: 60


1- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1 / 74، 75.
2- الشهيد الأول، البيان: 98.
3- الشهيد الثاني، روض الجنان: 391/1.
4- البحراني، الحدائق الناضرة: 347/1.
5- الشهيد الأول، البيان: 98، ذكرى الشيعة: 1/ 75.

بالتقدير، و يتمّ في غيرها باتّحاد المناط، كيف و العقل القاطع يمنعه (1).

بيان ذلك:

إنّ المستفاد من الأخبار (2) إناطة نجاسة الماء بظهور أثر النجاسة فيه الموجب للتغيير، و لو بإزالة صفاته العارضة، فإذا خالف الماء النجاسة في نوع اللّون، أو شخصه، فتلوّنه بلونها ليس بانتقال نفس العرض إليه منها، بل لانتشار أجزاء ذي اللّون في الماء، فتخال تلك الأجزاء كالمتّصل الواحد، فيحصل التأثير و التأثّر من الجانبين.

ثمّ إن غلب لون أحدهما على الآخر يترتّب الحكم عليه من النجاسة و الطهارة، و لو استهلك اللّونان و تولّد لون ثالث تبع الحكم الوارد المغيّر.

و أمّا إذا ساواه في اللّون نوعاً و شخصاً كالمثال المزبور فلا يحصل تأثّر، و لا استهلاك أصلاً، فإنَّ ورود الماء على الماء لا يورث تفاوتاً في اللون قطعاً؛ لاستحالة الترجيح من غیر مرجّح، فلون كلّ جزء قائم بنفسه (3).

و مقالة: إنَّه محسوس لكنّه مستور، لم يفهم محصّله، و ليس بأولى من العكس (4)، و كيف يعقل انفعال أحد الجسمين المتساويين في اللّون بلون الآخر، بل كلّ جزء من المجموع مركّب من جزئين، لون كلّ منهما قائم بنفسه غير مؤثّر في الآخر، فأيّ معنى لظهور وصف النجاسة، و تحقّق التأثير بالحسّ المستور.

و أما ما زعم (5) من أنّ: الاشتداد المحسوس کاشف عن التأثير لا معنى له؛ ضرورة أنّ الاشتداد إن كشف عن التأثير بحيث صار معه قطعيّاً تمّ المطلوب، و انكشف الغطاء، فلا

ص: 61


1- يُنظر: كلام الشيخ الشارح في الورود الجعفريّة في حاشية الرياض الطباطبائية: 6.
2- كما في الخبر عن الإمام الصادق علیه السلام: «الماء طاهر لا ينجسه شيء إلا ما غيّر لونه، أو طعمه، أو ريحه». الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1 / 101 ح 9 باب 1.
3- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 86/1.
4- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 87.
5- لم أقف عليه.

معنى للستر، و إن كان مشكوكاً فما كان اللّون ليؤثّر في مشاكله، فزيادة الحبر عليه و اللبن عليه لا تؤثّر في بياضه و سواده قطعاً، و معه كيف يمكن بعد حمل كلام العلّامة و متابعيه على غير التغيير التقديري.

لكن مع هذا نسب الماتن القول بالطهارة إلى ظاهر المذهب، و غيره إلى الأكثر (1). و منشأ الأوَّل انصراف التغيير في كلمات القدماء و ظاهر متون الأخبار إلى الحسّي، و قصد الأخير إلى من بعد العلامةرحمه الله، و هم بين مطلق و مخصّص بالأولى من الصور، أو مع ما بعدها.

و الأوّل يقتضيه إطلاق الماتن في الذكرى، و السرائر (2)، و الشارح، و استقربه في المفاتيح (3)، و جزم به [في] الحدائق (4) على القول به في الصورة الأولى، و سيّد الرياض (5) كذلك.

و الثاني للطباطبائي (6)، حيث ساوى في أخيرتي الصور في وجوب التقدير، و ذهب إلى الحسّي في أصل المسألة.

و المعتمد الطهارة مطلقاً؛ قضاءً لأصلها القاهر المؤثّر، و التغيير القاضي بالنجاسة في غير الأوصاف مطلقاً مشكوك يدفع بالأصل.

و ما اقتصر فيه على الغلبة من ظهور خبر ابن أبي عقيل المدّعى تواتره، و من إطلاق بعض العبارات، يلزم حمله على خلاف المدّعى، و إلّا لاحتجنا في نجاسة القليل المغيّر الذي يقطع بعدم الغلبة فيه إلى دليل غير التغيير، أو الحكم بالطهارة.

و الأوّل منفيّ قطعاً، و الآخر باطل بالضرورة، و لفزعنا إلى إخراج ما استولى و غلب

ص: 62


1- ينظر: المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 113؛ النجفي، جواهر الكلام: 1/ 220.
2- ابن إدريس، السرائر: 57/1.
3- الكاشاني، مفاتيح الشرائع: 86/1.
4- ينظر البحراني، الحدائق الناضرة: 181/1 و ما بعدها.
5- الطباطبائي، رياض المسائل: 13/1.
6- السيد بحر العلوم، مصابيح الأحكام: 2/1 ، 73.

و لم يغيّر ، أو غلب و غيّر بغير الثلاث إلى غير أصالة الطهارة، أو القول بالنجاسة.

و دعوى التلازم لا محصّل لها، أو رجوع لاختيارنا بتغيير عبارة، و استحسان قولهم إنّه: لو لم تقدّر النجاسة أدّى إلى جواز الاستعمال و إن تضاعفت حتّى استهلك الماء، و هو باطل مجرّد استبعاد، كما ذكره الشارح في الروض (1)، لا يبتنى عليه حكم، هَبْ أن ذلك كذلك، فقد صدر الإذن من المطاع بجوازه، و مثله غير عزيز في الشرع.

و أيضاً فقد أجمعوا (2) على حصول النجاسة و لو بلغ المغيّر مثقالاً في القلّة و الملاقي كرّاً.

و اتّفقوا (3) أيضاً على عدم الاعتناء بغير الثلاث، فبملاحظة الإجماعين يتمّ ما قلنا.

و أيضاً فالتنجيس في المياه أمر واحد، و القاضي به أحد فردي الغلبة:

إمّا مطلقها، أو المقيّدة بالثلاث، و قاعدة الحمل يقضي بالأخير وإن كانا مثبتين؛ إذ العمل بهما غير ممكن؛ للزوم تعدّد المتنجّس، و لو قصرنا حصول النجاسة على أحدهما فقط ألغينا الآخر، و الجمع ممكن بالتقييد، على أنّ الغلبة المرادة لا بدّ و أن تكون من حيث الكيف؛ لعدم إمكانها هنا من حيث الكمّ أو الأعمّ منهما للإجماع (4)، وعليه لا بدّ من تخصيصها بالأوصاف الثلاثة.

و حينئذٍ فالمنجّس هو قهر النجس على الماء في إحدى الكيفيّات الثلاث، فحيثما لم يكن تأثير تنتفي الغلبة، و قضيّة ذلك الطهارة في الثلاث؛ لظاهر الإجماع (5).

ثمّ الغلبة المقيّدة المعتبرة هنا إمّا لكونها علّة، أو من جهة الاقتضاء؛ فإن كان الأوّل لزم الحكم بالطهارة في الثلاث، و إن كان الثاني اختصّ كالصورتين، و الثالثة بالنجاسة؛ لوجود المقتضي فيها لولا الحمرة.

ص: 63


1- الشهيد الثاني، روض الجنان: 361/1.
2- ينظر المحقق السبزواري، كفاية الأحكام: 1 / 48.
3- ينظر الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 84.
4- ينظر الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 88.
5- ينظر: المحقق السبزواري، ذخيرة المعاد: 1 / 116؛ النجفي، جواهر الكلام: 1/ 80.

و أمّا فيهما فلعدم قابليّة الفاعل للتأثير في الأُولى، و عدم قابلية القابل - و هو الماء - لخروجه عن لطافته الأصليّة في الثانية، فالنجاسة الواقعة في الماء في الصورتين غير واجدة لشرط التأثير، إمّا النقصان في الفاعل كالبول المسلوب الصفة، أو النقصان في القابل؛ لخروج الماء عمّا تقتضيه طباع المياه بالثخونة، و الكدر، و غيرهما.

و الحاصل: الشرط في تأثير المقتضي المعبّر عنه بالغلبة هو قابليّة القابل و الفاعل، و الثاني منتف في الأولى، و الأوَّل في الثانية، و هما موجودان في الثالثة، لولا عروض المانع.

و ما يزعم من تساوي الأخيرتين في وجود المانع، فالماء من جهة صفائه و لطافته الذاتيّة في الثانية كان قابلاً للانفعال، لكن منع من تأثير المقتضي طول المكث، أو مروره على الأرض الزاجية ممّا أخرجه عن الصفاء (1).

مردودٌ بأنّ إسناد الغلظة إلى أمر عارض لا ينافي عدم المقتضي، فإنّ قابلية المحلّ من شرائط الاقتضاء، و هو غير قابل، لا أنّ التأثير منع منه مانع كالثالثة. و ما يزعم أيضاً من أنَّ المقتضي هو المقدار الذي يحصل به التأثير، أو أن من شأنه ذلك، و هو موجود في الثلاثة (2).

مدفوع أيضاً؛ بأنّ اقتضاء النجاسة للقهر في الأوصاف الثلاثة إنّما هو بواسطة ما فيه منها، فبفرض انتفائها - و لو لعارض - لا يكون هنا ما يقتضي القهر.

و ظنُّ أنّ الصفات الثلاث لا مدخليّة لها في تأثير الأعيان النجسة؛ لأنَّ التأثير من خواصّ أعيانها، ترجّمُ بالغيب؛ إذ النجاسة حكم توقيفي - و كذا التنجيس - لا يفهم إلّا بدلالة الشارع، و لم يظهر منه مساواة أفراد البول في التأثير، و إن علم نجاستها سواء.

فيمكن أن يكون أفرادها مختلفة في القذارة، و يكون صدق النجس عليها من قبيل التشكيك دون التواطؤ، كاختلاف مراتب الدّماء باختلاف ألوانها في الجملة.

ص: 64


1- القزويني، ينابيع الأحكام: 1/ 85.
2- أي: الأوصاف الثلاثة: اللون و الطعم و الرائحة.

و هذا و إن لم يفد في تأسيس حكم شرعي، إلّا أنّه يكفي في دفع الاعتبار الذي عوّل عليه بالتقدير من عدم الفرق بعد التساوي في المقدار بين واجد الأوصاف و فاقدها.

تحقيق الحال:

إنّا إن بنينا على اعتبار مطلق الغلبة أخذاً بلفظها الوارد في خبر ابن أبي عقيل، بل و لو لم يحصل التأثير صحّ القول بالنجاسة في الصور الثلاث، و احتمال حصول التغيير الفعلي في الأخيرة و إن لم يدرك بالحواس؛ لطريقيّة الحسّ إلى إدراك الأحكام الواقعيّة الثابتة للأشياء من حيث هي، فالمناط الوجود الواقعي، و الحسّ طريق لا عبرة به في تعلّق الحكم، وجد أو لم يوجد، ضعيف بما قدّمناه من الاستحالة، فالتغيير مفقود بالظاهر و الواقع.

و أمّا إذا استظهرنا العدم - كما هو الحقّ - و أنطنا النجاسة بحصول التغيير الفعلي لولا المانع، خصّصنا التنجيس بصورتين، و تمّ كلام العلّامة فيهما.

و لكنّك عرفت أنّ الأدلّة لا تساعد عليه، و ظاهر توصيف المستثنى بالتغيير الفعلي منه، و إرادة المقتضي منه خلاف ظاهر «ما غيّر» في الخبر و إن أطلقت الأوصاف على المقتضيات شرعاً و عرفاً، كحمل الإحراق على النار في قولنا: النار محرقة في صورة قابليّة المحلّ و عدم الإحراق الفعلي.

و لعلّه السرّ الذي أدّى إلى الخلاف؛ لبُعد إناطة الحكم بالخلوّ عن أُمور خارجة، باعث وجودها على عدم التأثير بعد ثبوته للمغيّر، فينبغي ثبوته له مطلقاً من جهة الصلاحيّة، و إلّا لما علّق الحكم عليه.

بل قد يقال بوجود التأثير لكن المانع منع من ظهوره، فإنَّ مرجع النجاسة في الملاقي إلى تخلّل أجزاء النجس في الطاهر، و ليس هو كصبغ الحنّاء - مثلاً - ليكون التأثير هو حلول أجزاء الصبغ في المصبوغ، و التخلّل بالمعنى المفروض لا ينكر، لكنَّه يتمّ في التغيير اللّوني دون الطعم و الرائحة؛ لعدم الفرق في القابل فيهما بين جريانه على الأرض الكبريتيّة، فيكتسب الاثنين، أو لممازجته بماء اكتسبها بالمرور و تنجّس.

فعلى كون المناط التغيير أو المقتضي له، الجامع الشرائط حالّاً و محلاً لا ينجس في الفرض

ص: 65

المزبور.

فظهر إلى هنا سقوط اختيار المصابيح (1)، ككلام العلّامة، خصوصاً في أوّل الصور، فإنّه لا يكاد ينطبق على ظاهر الأدلّة و لا باطنها.

و ذكر في تقريبه وجوه:

منها: إنّ التغيير الشأني كافٍ بالقهر الفعلي، فالماء في صورة التقدير مقهور للنجاسة؛ إذ كلّ ماء لم يكن مقهوراً لم يتغيّر على تقدير المخالفة، و ينعكس بعكس النقيض إلى قولنا: كلّما تغيّر على تقدير المخالفة كان مقهوراً، فالمقهوريّة محقّقة بالتغيير التقديري، و لا يلزم من عدم أمارتها عدمها.

و منع في المدارك (2) الكبرى بمنع التلازم بين عدم المقهوريّة و عدم التغيير، فقد يتغيّر تقديراً و لا قهر.

و زاد في المصابيح (3): بعد حصول المقصود من الثانية؛ لعدم تسليم عليّة القهر للتنجيس مطلقاً.

و الجواب: إنْ أُريد بالقهر ما كان سبباً للنجاسة لا مطلقاً منعنا الكبرى؛ لأنّ المتغيّر تقديراً غير مقهور فعلا عند المشهور (4)، و إن أريد مطلقه لا يفيد عكس النقيض؛ إذ غايته ثبوت القهر بالتغيير التقديري، و سببيّته للنجاسة مع وصف التقديريّة للتغيير ممنوع.

و منها: إنّ قهر النجاسة للماء حاصل، و هو مقتض للانفعال، و إن لم يحسّ به.

و الجوابُ: إنّ حصول القهر كذلك ممنوع؛ إذ معنى قهره استيلاؤه عليه، إمّا كمّا أو كيفاً، و الأوّل قد مضى أنَّه غير معتبر إجماعاً، و الثاني هو التغيير في الأوصاف الموجب للقهر،

ص: 66


1- السيد بحر العلوم، مصابيح الأحكام: 1/ 73.
2- السيد العاملي، مدارك الأحكام: 1/ 29.
3- السيد بحر العلوم، مصابيح الأحكام: 1/ 74.
4- ينظر التستري، مقابس الأنوار: 50 ، 81.

فيرجع النزاع إلى ادّعاء وجود التغيير واقعاً لا حسّاً، فيقهر و ينجس، و قد سلف ما فيه.

و قد يوجه بإمكان حصول التنجيس من القهر الشأني؛ لوجود مقتضيه، دون الفعلي، و هو معنى قول الفاضل رحمه الله في الكشف: حاصل و إن لم يحسّ به (1).

فكأنّه ما أشرنا إليه سابقاً من إطلاق الوصف على المقتضي، و عليه لا يشمله دليل الصورة الأولى من صور التقدير؛ لعدم وجود القهر الشأني من جهة عرائها عن الأوصاف كما غَبَر، فلا يرد عليه تبادر القهر الحسّي دون غيره، و لا أنّ الحقيقي منه لم يعتبر، و الشرعي لم يوجد، و لا أنَّه لو كان مناط القهر الأوصاف لما اقتصر على الثلاثة، لاشتراك غيرها معها في الكشف؛ لمنع الأوَّل بإمكان شمول «ما غيّر» في الخبر للقهر الشأني، و الثاني بوجوده كما عرفت، و الثالث بالإجماع على أنّ المدار الأوصاف الثلاثة فقط، لكن سبق منّا اختيار التغيير فعلاً بالأوصاف المعهودة؛ جموداً على ظاهر الأدلّة، و هو غير موجود في كلّها، فالرجوع للطهارة عار عن الأقذار المدّعاة.

و منها: مقالتهم: إذا اختلط الماء بمسلوب الأوصاف من المضاف فتوافقا، أو اتّحد الوصف فيهما و امتزجا قدر مخالفاً في الوصف في قول، فإذا وجب اعتبار المضاف فالنجاسة أولى بالاعتبار (2).

و رُدّ بمنعها، و وضوح الفرق؛ إذ الإضافة و الإطلاق يقتضيان الاسم عرفاً، فعساه يسلب بتقدير الإضافة، و الاسم لا يتبع الأوصاف الظاهرة (3).

و أمّا النجاسة فهي حكم شرعيّ لا تثبت إلّا بما علّقها الشارع عليه. و أيضاً لا تقدّر الإضافة إلّا عند استهلاك الإطلاق، و هنا كذلك. و أيضاً الماء فيما نحن فيه على إطلاقه، و التردّد في وصفه، فالأصل طهارته.

و أمّا في امتزاجه بالمضاف يتعارض الأصلان من بقاء الإضافة و الإطلاق فيتساقطان،

ص: 67


1- الفاضل الهندي، كشف اللثام: 263/1. و نصّ عبارته: (حصل و إن لم يُنجّس به).
2- ينظر العاملي، مفتاح الكرامة: 1/ 356.
3- ينظر التستري، مقابس الأنوار: 43.

فيبقى الشكّ في الدخول بما وجبت فيه الطهارة.

و لا يتحقّق يقين الفراغ بالتطهير بالماء المزبور؛ و لذا حكم بالإضافة، و لا كذلك النجاسة؛ إذ ليس الأصل بقاءها مطلقاً، بل الأصل زوالها مع الملاقاة الموجبة للزوال، إلَّا أنْ تغلب، و الأصل عدمها.

و لو سلّم التعارض بقي جواز الاستعمال بحاله ممّا لا يكون المشروط بالطهارة، و هو موافق للطهارة.

فتلخّص: أنَّه ليس للقول المزبور وجه يعتمد، و على تقديره يجب معرفة ميزان التقدير الباعث على النجاسة في الصور.

و الظاهر لزوم مراعاة ما عليه تلك النجاسة الشخصيّة من الصفات اللّازمة لطبيعتها لو خُلِّيت و نفسها، سواء كانت بأعلى درجات الشرط، أو أدنى مراتب الخفّة؛ لوجود المناط في الفرض الشخصي، فتقدّر كذلك.

و لو جهل الحال كما في زائلة الصفات لعارض، و لم يعلم ما تقتضيه تلك النجاسة من الثقل و الخفّة يجب مراعاة القدر المعلوم من صفاتها الطبيعيّة، و مقايسة التقدير إليه، و كأنّه لا إشكال فيه، إنّما الخلاف في فاقدة الأوصاف.

فالموجز (1) و الكركي (2) على تقدير أوسط أوصاف النجاسة، و التذكرة (3) على الأشدّ للاحتياط، و النهاية (4) لم يرجّح أحدهما في احتمالهما، و المعتمد العلّامة؛ للأصل و الغلبة، و الخلاف منه في أصل الدعوى، فهو أعلم بموضوع المدّعى.

و أمّا الماء فالكركي (5) على تقدير الغالب فيه؛ لاختلاف أفراده في الصفاء و الخفّة

ص: 68


1- ابن فهد الحلي، الموجز الحاوي: 36.
2- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 115.
3- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 18.
4- المحقق الحلي، النهاية و نكتها: 1/ 200.
5- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 110.

و مقابلهما، و اختلاف الانفعال فيه حسب ما يلاقيه من أصنافه، لكن التقدير في غير ما بقي فيه على صفته الأصليّة، أو على أقوى أوصافه؛ إذ لا وجه للإعراض عن الموجود و تقدير المفقود.

كما أنّ مراعاة الغالب مقيّدة فيما إذا لم يكن المانع من القهر وصفاً كسبياً للماء، و إلّا يقدر عدمه، ثمّ مراعاة الماء بعده كالمصبوغ.

و أمّا على الحقّ من عدم التقدير، فلو مازجت الماء نجاسة بحيث استهلك في جنبها فيحتمل القهر، و هو الأقوى.

و يمكن ادّعاء الملازمة بين الطهارة و عدم التغيير، فإن لم يتغيّر رسم الماء كان طاهراً أو طهوراً، و إن تغيّر رسمه و ما استهلك جسمه فحصل رسم ثالث، فالاحتمالان.

و الأقوى منعكس؛ لتعارض الاستصحابين، فيسلم الأصل عن المعارض، لكن فرض زوال الاسم مع تساوي الصفات فرضي ظهوره في الخارج مشكل.

و كما ينجس الماء مطلقاً بالتغيير المعهود (يطهر) مطلقاً (بزواله) (أي زوال التغيير) الذي لا يطهر معه (1)، (و لو) زال (بنفسه) من غير أن يكون بتبادل المياه، أو تصفيق الرّياح، أو دفع إنسان له، أو بتمويجه إيَّاه، أو بورود المطهّر عليه إن تصوّر في الجاري، (أو بعلاج) كما لو ألقي فيه أجسام أزالت تغييره.

و الباء في المتن و الشرح تحتمل السببيّة أو المصاحبة فيهما، أو الأخيرة في الأوّل، و الأولى في الأخير، أو العكس، فتتربّع الصور؛ فإنَّ زوال التغيير قد يكون سبباً للطهر، و قد لا يكون.

و الأوَّل في الجاري بنفسه عند تدافع المياه، و في غيره بملاقاته أو الكرّ، فإنّه ليس إلّا عبارة عن أثر المطهّر، و الثاني في غير الجاري بنفسه، أو بتصفيق الرّياح.

و من الأوَّل طول المكث، أو في الجاري، أو في غيره إذا كان بعلاج، فإنّ الزوال فيها غير سبب ألبتّة.

ص: 69


1- ضمير (معه) عائد على التغيير.

نعم، هو معدّ للطهر بمجرّد الملاقاة، أو بها مع الامتزاج بلا توقّف على أمر آخر.

و حينئذ إن حملنا الباء في المتن على السببيّة شمل صورة التسبيب، و خرج عنه ما إذا زال تغيير الجاري و غيره بعلاج، و ما إذا زال تغيير غيره بنفسه لطول مكثه، أو لغيره، أو بتصفيق الرِّياح أو غيره مما لا يسمّى علاجاً؛ لعدم كون الزوال مستنداً إلى الجريان بنفسه، و عدم زواله بملاقاة الكرّ في مفروض الأمثلة، و ظاهر السببيّة الاستناد إليهما فقط.

و أوهم أيضاً أنَّ نفس التغيير سبب، إلَّا أن يجعل هو مع ملاقاة الكرّ، فيكون أحدهما جزء سبب.

و إن حملناها على المصاحبة شمل الصور بأسرها؛ إذ المعنى: طهره مع زوال التغيير مطلقاً في الجاري و غيره، بعلاج و غيره، و غيره بملاقاة الكرّ أو الجاري لا مطلقاً.

و أمّا النفس و العلاج (1) المجرورين في الشرح فيصحّ أن يتعلّقا بالجاري فقط، و ينزّل العلاج منزلة السبب على الاحتمالين في باء زواله، فالمعنى: إنّ التدافع أو العلاج سببان لزوال تغيير الجاري، فتكون سببيّة.

و يمكن تعلّقهما بغير الجاري دفعاً لتوهّم أن تكون طهارته مشروطة بزوال تغييره بالكُرّ الملاقي له أو الجاري عليه، فهي للمصاحبة، و لو كانت سببيّة تعيّن أن يكون التوهم المراد.

و يحتمل تعلّقهما بالجاري و غيره، و باؤهما حينئذ للمصاحبة كالسابقة، و إن أمكنت السببيّة في الجاري لما قلنا من أنّ زوال تغييره بالعلاج مقروناً بالطهر من غير تخلّل شيء آخر، فإنّ لقاء الجاري و الطاهر الطارئ لازم له، فنزّل منزلة السبب.

و على هذه و ما قبلها يجب جعل باء زواله في المتن للمصاحبة أيضاً؛ لما عرفت من أنّ زوال تغيير غير الجاري بنفسه ليس سبباً للطهارة.

و يحتمل أيضاً تعلّق بنفسه بغير الجاري، و بعلاج بالجميع، و باؤها في الجميع للمصاحبة.

و لعلّ الشارح بقرينة مجيئه بالعلاج عالج سقم حملها على السببيّة في المتن بالمصاحبة.

ص: 70


1- أي: في قوله: (بنفسه، بعلاج).

ثمّ إن اختصّ [قوله :] بنفسه بغير الجاري، أو عمّه و الجاري، و أريد به ما يعمّ الزوال بالتدافع لم تكن فيه إشارة لشيء، و لو أريد به ما يقابل التدافع - كما هو الأظهر - كان إشارة إلى ردّ مَن خصّ زوال التغيير بالتدافع في الجاري، كما في الروض، قال: لأنّ زوال التغيير في الجاري لا يتحقّق إلّا مع تدافع المياه، و لا شكّ أنّ له مَدْخَلاً عظيماً في زوال التغيير، بل لا يعلم له سبب إلّا ذلك إذا لم يكن هناك سبب خارج (1).

ولكن الكركي في حاشية الشرائع قال: ينبغي تعليق طهر الجاري بزوال التغيير لمكان المادّة و إن كان تجدّد الماء الطاهر عليه من اللّوازم (2).

و في التحرير بعد ذكر تطهير كلّ من الجاري و الكثير و القليل قال: و لا يطهر المتغيّر من هذه المياه بزوال التغيّر من نفسها، أو من طول المكث، أو من تصفيق الرّياح، أو من إلقاء أجسام طاهرة غير الماء (3).

فيظهر منه المقابلة، و أنّ زوال التغيير بنفسه من دون تدافع متصوّر، إلّا أن تحمل على إرادة غير الجاري، و لا يتمّ في الأخير، فيكون قرينة على إرادة الجاري و غيره.

و احتمل الكركي (4) أنّ بناء ذلك لعلّه لجهة أنّ النجس لا يطهر بمجرّد اتّصاله بالطاهر، بل لا بدّ من الامتزاج مع صلاحية الممتزج للتطهير.

و فيه: إنّ شرطيّة الامتزاج في الطهارة لا توجب أن يكون زوال التغيير منحصراً بها.

و على كلّ حال لا تعقل الطهارة مع بقاء التغيير، و بزواله يطهر (إن كان) (الماء ) (جارياً)، و الشرط هنا لا مفهوم له، و إن لم يقصد الحصر، و إلّا لكان مفهومه عدم الطهر بزوال التغيير إذا لم يكن جارياً، و لا لاقى كرّاً، فيصدق على عدم طهر غير الجاري الذي لاقى جارياً؛ إذ هو غير جار، و لا لاقى كرّاً.

ص: 71


1- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 368.
2- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 135.
3- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 47.
4- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 135.

و الجاري في الأصل: ما لم يستقرّ في قرار، تجدّد نبعه من الأرض شيئاً فشيئاً أم لا، و هو الجاری لا عن مادّة.

و أكثر كلماتهم خاليّة عن تحديده شرعاً، و كأنّه لوضوح معناه العرفي، و ليس للشارع تصرّف فيه، و لازمهم أن يعتبر فيه السيلان و النبع؛ لسلب اسم الماء الجاري عمّا خلا عن الوصفين، و إن صدق عليه الثاني.

و جماعة منهم عرّفوه، قال جدّي في كشف غطائه (1): هو السائل النابع من الأرض لتكوّنه فيها بالأصالة أو بالعروضيّة (2)، و عمّي (3) کذلک باختلاف لفظ.

و قال الوالد بأنوار فقاهته: و المراد من الجاري - على ما يظهر من الأخبار و كلام الأصحاب - معنىً يغاير المعنى اللغوي، فكأنّه حقيقة عرفيّة خاصّة فيه، و هو كلّ ماء اتّصل بمادّةٍ في الأرض غير معلوم حصرها عرفاً، و لا يصدق على محلّه عرفاً أنَّه بئر (4). انتهى.

و في الشرح: (هو النابع من الأرض مطلقاً) كثر أم قلّ، دامَ النبع أم لا، جرى حقيقةً أم لا، و إطلاقه على الأخير تغليباً، و لولا قوله: (غير البئر)، لأمكن القول بتمام التعريف قبل الإطلاق، و يكون الإطلاق للحكم الذي في المتن، و هو: طهر الجاري بزوال التغيير مطلقاً.

و يحتمل على بُعد أنّ (غير البئر) ليس من الحدّ، و إن فهم غير واحد (5) ممّن بعد الشهيد أنّها مع الإطلاق من قيود التعريف، و على ما احتملنا يكون استثناء من الحكم في المتن،

ص: 72


1- الشيخ جعفر، کشف الغطاء: 2/ 400.
2- في المصدر: (العروضه).
3- الشيخ موسى ابن الشيخ الأكبر الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء، صاحب كتاب (شرح بغية الطالب في معرفة المفروض و الواجب)، و هو شرح مزجي كبير في مجلدين سمّاه «منية الراغب» خرج منه إلى آخر صلاة الجماعة، و له على الشرح تعليقات أيضاً، ألّفه سنة 1234ه-. نسخة منه في (مكتبة أمير المؤمنين علیه السلام العامة) في النجف، و نسخة أخرى تأريخ كتابتها سنة 1142ه-. راجع: الذريعة: 13 / 127؛ أعيان الشيعة: 10 / 178؛ موسوعة طبقات الفقهاء: 13/ 668.
4- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 31.
5- كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة: 250/1.

فكأنّه قال: إنّ الجاري يطهر بزوال التغيير مطلقاً إلَّا البئر، فتدخل حينئذ في الجاري، لكنّه غير معهود، فالأحرى دخولهما في التعريف كما صنعه في شرح الدروس (1) و غيره (2)، غير أنّ الإطلاق على إطلاقه مشكل، لكن المعنى المزبور (على المشهور) فهو متعلّق بالإطلاق، و يحتمل تعلّقه بغير البئر أيضاً، أي بهما معاً، فإنَّ من غير المشهور طهارة مائها، و كونه جارياً اسماً و حكماً.

و لو كان القيدان للحكم كان التعلّق بهما أظهر، و المخالف للمشهور في الحكمين جماعة (3).

أمّا الجاري فقد (اعتبر المصنّف في الدروس (4) فيه دوام نبعه)، فكأنه يرى أنّ النبع مطلقاً لا يغني في الحكم بالطهارة.

قيل: أراد به استثناء المياه التي تجري في فصل دون فصل عن الحكم (5).

و ردّ: بأنّ اعتبار جريانه إن كان بكلّ الأزمنة لا طريق لمعرفتها، مضافاً إلى عدم الدليل عليها، و إن خصّه بفصل خاصّ فهو تحكّم.

و قيل: أراد به استمراره حال ملاقاته النجاسة (6).

و ردّ: بأنّ مرجعه إلى حصول المادّة و لا يزيد على اعتبار أصل النبع، و عليه فنسبة الشارح التي تشعر بالخلاف خلاف الإنصاف.

و في الغنائم (7): أراد به عدم انقطاع الجريان؛ لاستمرار النبع، و للاحتراز عن الرشح.

ص: 73


1- الخوانساري، مشارق الشموس: 108.
2- كالشيخ حسين آل عصفور في سداد العباد و رشاد العباد: 63.
3- حكاه في الروضة البهية: 252/1، عن العلّامة و جماعة.
4- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 119.
5- لم أقف على قائله.
6- السيد العاملي، مدارك الأحكام: 33/1.
7- القمي، غنائم الأيام: 1/ 519.

و قيل: لإخراج ما يكون نبعه ضعيفاً كما في بعض العيون النزرة؛ لأنّ عدم انفعال الجاري من أجل أنّ له مادّة متّصلة به، و فتور النبع يقضي بضعف المادّة، أو عدم اتّصالها (1).

أو أراد به إخراج بعض العيون التي تظهر في حفر الأرض و لا تجري، فإذا أخذ منها َنبَعَ الماء، و إن تركت بقيت على حالها، فلو اكتفى بالنبع دخلت، و دوامه لازمه الجريان فتخرج لعدمه (2).

و تأمّل في الأخير بعضُ؛ لإعراضه عن اعتبار الجريان في الجاري، قال رحمه الله: لكن فيه أنَّه لا يظهر وجهه للاحتراز عنها إذا كان نبعه قويّا، و ليس على سبيل الرّشح (3)، انتهى.

و الذي يظهر أنه أراد بدوام النبع هو اشتراط الجريان في النابع؛ للتلازم بينهما، فكفى به عنه؛ ليخرج ما سال لا عن مادّة، كما في بعض مياه الثلوج؛ إذ السائل لا عن مادّة لازمه الانقطاع، و حينئذ فيدخل في الجاري كلّما جرى من الماء عن مادة، بأيّ نحو كان، و يكون موافقاً لنا في المذهب، أو ليخرج ما جرى على الأرض عند انقطاع نبعه، بأنْ نَبعَ حتى اجتمع بمكان، ثمّ بعد انقطاع نبعه جری و سال؛ ضرورة عدم لحوق حكم الجاري له مع صدق التعريف عليه لو لم يقيّد بدوام النبع، و الأخير أظهر، و لم أرَ مَن تفطّن له.

و على كلّ حال، المحقق في موضوع الماء الجاري لدينا هو النبع مع السيلان، و صريح الشارح خلافه هنا، و بمسالكه (4).

و الظاهر عدم صدق الاسم مع عدم الجريان عرفاً، و عدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة، و يثمر في العين الواقفة النابعة التي لم تبلغ الكرّ إذا لاقت نجاسة، فإنّها لا تنجس على قول الشارح، و على قولنا يكون الحال فيها كالحمّام إن كانت كريّة المادّة معلومة، فيمكن الحكم بالطهارة مطلقاً؛ لكفاية الاتّصال بما بلغ حدّ الكرّ ، لكن يقوى عندي الحكم بالنجاسة هنا:

ص: 74


1- محمد تقي الأصفهاني، تبصرة الفقهاء: 1/ 94.
2- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 49.
3- جمال الدين الخوانساري، التعليقات على الروضة البهيّة: 10.
4- الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 1/ 12.

أمّا في اشتراط تساوي السطحين، أو عدم ارتفاع المادّة، فظاهر.

و أمّا في عدمه؛ فلأنّ الشرط في اعتصام القليل اتّصاله بالكرّ أو بما يعدّ مع الاتصال به كرّاً واحداً، و وجوده هنا غير معلوم إن لم يعلم العدم وإن وجد الاتّصال إلَّا أنَّه لا يكفي حتّى يعدّ المتّصلان ماءً واحداً ، و لا ريب بأنّ الاتّصال بالمادّة الموجودة تحت الأرض ليس كذلك.

نعم، لو حكمنا بطهارة ماء البئر القليل أمكن اختيار الطهارة هنا، أمّا لو كان للعين المزبورة جريان لحقها حكم الجاري قطعاً و لو كان الجريان تحت الأرض كالقنوات كما نبّه عليه الماتن في غيره (1) سواء صدق عليه اسم البئر أم لا بحكم أصالة الطهارة، إنّما الإشكال فيما لو نجست ثمّ جرَت، و الظاهر أنّها كالأولى؛ لخروجها بالجريان عن اسم البئر فيلحقها الحكم لكن لا مطلقاً، بل مع مراعاة حصول التدافع و اختلاف المائين و العلم بكرّية المادّة الموجودة.

و على المختار فهل تترتّب فائدة لدوام النبع بالمعاني السالفة أم لا؟ فيجب التنبيه على أمور يتنوّر بها الالتباس:

منها: خروج الجريان لا عن مادّة عن حكم الجاري كما مرّ، و عساه منفيّ الرّيب فيلحق بالقليل الملاقي و ينجس، و في شرح الدروس الاتّفاق عليه (2).

نعم، يفارق الراكد في نجاسة بعض الملاقي، و الراكد ينجس أجمع، و خيال الفاضل (3) المعاصر صدق اسم الجريان عليه فيلحقه الحكم كما ترى بعد ظاهر الاتّفاق على عدمه و مساواته القليل في حكمه، و كأنّه نظر إلى مقتضى تعليل حكم الجاري في بعض الأخبار (4) بأنّ بعضه يطهّر بعضاً، فطرده في غير ما كانت له مادّة، و لم يراع الجمع بينه و بين ما قضى منها باعتبار المادّة وفق الأصول في رجوع المطلق لمقيّده، فلو كان دوام النبع في كلام المصنّف

ص: 75


1- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 88.
2- الخوانساري، مشارق الشموس: 201.
3- البهبهاني، حاشية مدارك الأحكام: 1/ 104.
4- الكليني، الكافي: 3/ 14 ح1.

إشارة إلى استثناء هذا الفرد، و كناية عن السيلان من حيث الملازمة، العاري عنها حذف القيد كان وجيهاً كما مرّ.

قال جدّي في كشفه: أو تكوّنه على ظهرها من ثلج مع تكثّر سيلانه دون قلّته، فإنّ عصمته تتوقّف على بلوغ الكرية كالراكد، و الثمرة تظهر فيما يتعلّق باسمه من السنن (1). انتهى.

و منها: وجود المادّة حال الملاقاة بلا سير على الأرض و لا جَري، و مثّلوا (2) له بالعيون المستنبطة في جنب الأودية ممّا لا يلحقه اسم البئر عرفاً، و حينئذ فإمّا أن يعلم بكرية المادّة حال الملاقاة، أو عدمها، أو يشك، و مع العلم لا ريب في الطهارة عند الشارح و لحوقه بالجاري اسماً و حكماً، فإن كان دوام النبع إشارة له لحق الماتن الشارح فيه.

و الحقّ عندي خلافه، و خروجه عن اسم الجاري، و دخوله في ذي المادة الذي تسمع حكمه في ماء الحمّام و البئر من الحكم بالطهارة بمجرّد الاتّصال من دون امتزاج أو اعتبار الامتزاج معه على ما يأتي إن شاء الله تعالى؛ إذ إنكار انصراف الجاري بالأخبار إلى ما كان بالفعل جارياً مصادرة، و منه يعلم حالة الشكّ و العلم بالعدم.

و أمّا المترشّح الذي يخرج من الأرض شيئاً فشيئاً بحيث يعلم أنّه حين الملاقاة و حين زوال التغيير كانت له قوّة و اتّصال بالمادّة المعلوم كريتها فلا يبعد الحكم بطهارته، و خروجه بالقيد المزبور عن الجاري إن كان لمكان الصدق فحسن؛ إذ هو بهذا الاعتبار ملحق بذي المادّة، فهو خارج عن التسمية و إن حكم بطهارته، و إن كان للحكم بالنجاسة فلا.

و أمّا ما يترشّح قليلاً قليلاً، و لم يعلم اتّصال المترشّح بالمادة و لا كرّيتها، سواء في حالة الشكّ أو العلم بالعدم، فالحكم النجاسة.

قال الوالد في أنوار فقاهته: و يدخل الجاري كلّما اتّصل بالمادّة اتصالاً ظاهراً أو خفيّاً، بجذب أو جريان أو من دون جذب و جريان؛ لتساوي السطوح، سواء اتّصل بها بينبوع أو

ص: 76


1- الشيخ جعفر، کشف الغطاء: 2/ 400.
2- كما في مشارق الشموس: 207.

رشح أو نزيز، إلَّا إذا قلَّ الرّشح جداً و كان كالعرق الخفيّ، فإنّ إدخاله باسم الجاري أو حكمه لا يخلو من إشكال (1)، انتهى. و هو على إطلاقه مشكل و إن وافقنا في الأخير.

و في المعالم (2) الردّ على الشهيد باعتبار دوام النبع بخروج المترشّح الذي له قوّة التدافع و لا يعتريه الدوام.

و ممّا ذكرنا يظهر عدمه؛ إذ الطهارة لا من حيث إنّه جاري كما توهّم، بل حيث اتّصاله بالمادّة، و بينهما بَوْن.

و منها: إنّ ما كانت له مادّة من الماء - جرى عنها أو دام نبعه منها - فإمّا أن يعلم بكرّيتها، أو العدم، أو يحصل الشكّ، و في صورة العلم لا إشكال في الطهارة؛ إذ هي القدر المتيقّن من الأدلّة، و الصورتان سواء، أما فيهما فوجهان:

من احتمال اعتبار الكرّية فيما خرج من الأرض شيئاً فشيئاً ببلوغه حدّ الكرّ؛ لاستظهار ذلك من أدلّة الجاري الذي لا ينفعل، أو للشكّ في اندراج المادّة القليلة تحت تلك الأدلّة، فيفزع إلى أصالة الانفعال في القليل، و حينئذ الحكم فيها النجاسة.

و من احتمال أنّ النبع لما كان من انقلاب الهواء في باطن الأرض ماءً شيئاً شيئاً و بروزه كذلك على ما تقوله الحكماء (3) ، فله مادّة تحتها لا تنفعل [ف-] الحكم الطهارة و إن لم تدرك بالبصر الكرّية، و أدلّة الجاري عامّة، و لو خصّصت بالمفروض لزوم خروج كثير من أفراد الجاري، بل هو عين مذهب العلّامة (4)، مضافاً إلى اشتهار أمر الجاري بينهم حتّى كاد يفوق الكرّ ، فلا جرم من سقوط اشتراط الكرّية قطعاً، و لا يضرّ قوله علیه السلام: (ماء الحمّام كالجاري) (5)

ص: 77


1- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 21/1.
2- المحقق الشيخ حسن، معالم الدين (قسم الفقه): 1/ 301.
3- ملا صدرا، الحكمة المتعالية: 4/ 427.
4- ينظر العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 229.
5- نسبه صاحب جواهر الكلام: 99/1، إلى الإمام الصادق علیه السلام و لم أقف على لفظه في كتب الحديث، و قد نسبه صاحب الحدائق: 1/ 202 إلى الأصحاب (رضوان الله عليهم). نعم ورد عنه علیه السلام قوله: «هو بمنزلة الماء الجاري». تهذيب الأحكام: 1/ 378 ح 1170.

و إن كان أظهر أفراد المشابهة بالمادّة، و معلوم اعتبار كرّيتها هناك؛ إذ يكفي احتمال أن لا تكون المشابهة من هذه الجهة، و لا تلازم بين المائين في كلّ حكم، فتأمل.

و منها: إذا شكّ في النبع في حال الجريان عند ملاقاة النجاسة؛ حكم الوالد رحمه الله (1) بطهارته، و توقّف من إزالته الحَدَث و الخَبَث.

و الظاهر حكومة أصالة عدم النبع الموجبة للانفعال على أصالة الطهارة، ثمّ التفكيك مشكل.

و بالجملة، كون المتغيّر يطهر بزوال التغيّر عند ملاقاة الجاري كان الإجماع (2) عليه، و المشهور (3) على عدم اعتبار الكرّية فيه، ولكن المرتضى رحمه الله في ظاهر الجمل (4) أطلق الانفعال بالملاقاة في القليل، فيعمّ الجاري، و اختاره المقداد في التنقيح (5)، و إن استحسن بعد ذلك ما نقله من القول بالاشتراط إذا لم يجر عن مادّة، و ارتضاه في معارج السؤول و مدارج المأمول (6) .

(و جعله العلّامة) في القواعد و التذكرة و المنتهى و النهاية و الإرشاد (7) كالقليل المنفعل.

ففي الثاني: لو كان الجاري أقلّ من كرّ ينجس بالملاقاة، و الباقي كذلك.

ص: 78


1- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 22.
2- الشهيد الثاني، الروضة البهية: 1/ 253.
3- المصدر السابق.
4- السيد المرتضى، جمل العلم و العمل: 49.
5- المقداد السيوري، التنقيح الرائع : 1/ 38.
6- تفسير في خمسمائة آية من آيات الأحكام، (مخطوط) في مجلدين، للمولى كمال الدين الحسن بن المولى شمس الدین محمد بن الحسن الاسترآبادي النجفي، شارح «الفصول النصيرية»، موجود في الخزانة الرضوية، و نسخة في مدرسة فاضلخان بالمشهد خراسان. راجع الذريعة : 181/21، 182.
7- العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 1/ 182، تذكرة الفقهاء: 1/ 17، منتهى المطلب: 1/ 27، نهاية الإحكام: 1/ 228 ، إرشاد الأذهان: 1/ 235.

(و) مثله (جماعة ) (1) لم يبلغوا الجمع في السير جعلوه (كغيره) من قليل الماء ( في انفعاله) بالنجاسة الظاهرة و التقدير في المقدّرة دون المتنجّس (بمجرّد الملاقاة) المقتضية للانفعال، لكن (مع قلّته) و عدم بلوغه الكرّ، (و الدليل النقلي) من عموم ما يقضي باعتبار الكرية من عاليات السند المعنعن و غيرها (يعضده)، و متابعيه ممّن تأخّر عنه و الشارح منهم، و في المسالك (2) أصرح، و في متأخّر المتأخّرين من ينعق مع كلّ ناعق، و المحرّر منهم، و الدليلُ المنيع للمشهور الإجماع المحكي على لسان الشيخ بخلافه (3)، و المحقّق بمعتبره (4)، و العلّامة في بعض زبره (5) على عدم تنجيس الجاري بالملاقاة مطلقاً، و ابن زُهرة نفى الخلاف في تساوي قليله و كثيره في غنيته، قال: فإن خالطه و كان راكداً كثيراً ليس من مياه الآبار أو جارياً قليلاً كان أو كثيراً و لم يتغيّر بهما أحد أوصافه فإنّه طاهر مطهّر بلا خلاف (6)، انتهى.

فيحصل من الإجماعين ما يروق في العين، و للعلّامة الأخبار (7) القاضية بتنجيس النجاسات لما لاقتها، خرج من عمومها ما لم يتغيّر من الكثير، و بقي الباقي مطلقاً، و الأخبار (8) الواقعة في جواب السؤال عن الماء الذي لا ينجّسه شيء، و الأخبار (9) الناطقة بعدم نجاسة الماء إذا بلغ كراً.

و الأولى ممنوعةٌ؛ إذ المعثور عليه منها أنّ النجاسات تنجّس ما لاقته، و لا شبهة في إمكان تنجيس الراكد لا مطلقاً.

ص: 79


1- منهم: الفخر في إيضاح الفوائد: 1 / 15؛ و الشهيد الأول في البيان: 98.
2- الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 12/1.
3- الطوسى، الخلاف: 1/ 195.
4- المحقق الحلي، المعتبر: 1 / 42.
5- العلّامة الحلي، إرشاد الأذهان: 1/ 235، تبصرة المتعلّمين: 16.
6- ابن زهرة، غنية النزوع: 46.
7- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 225 ح 646.
8- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 41 ح114.
9- الكليني، الكافي: 3/ 2 ح2.

80

و القيل الثاني إنّما يفيد لو كان التفسير فيه يفيد الحصر؛ ليكون بمنزلة التحديد، و ليس كذلك؛ إذ غاية مفاده أن يكون القليل ممّا يتنجّس في الجملة لا مطلقاً، فكأنّه قال علیه السلام: إنّ الماء الذي لا ينجّسه شيء مطلقاً هو الكُرّ، و أمّا الناقص فينجّسه شيء في الجملة، و هو ما كان راكداً.

و منع الثالث بخلوّه عن لفظ عام يدل بعمومه على المدّعى إلّا بالمفهوم بناءً على ما هو الظاهر من حمل إذا على الشرطيّة، أو استفادة الحصر من تقديم الظرف حسب القاعدة النحويّة (1)، و الأوّل ليس بمتعيّن و الثاني.

نعم، إذا لم يكن داع غير الحصر، و الاهتمام هنا محتمل.

و لو سلّمنا، فالمفهوم أنَّه إذا لم يكن قدر كُرّ نجسه شيء، فيصدق في الراكد القليل كما سبق.

سلّمنا، لكن عمومات (2) طهارة الماء ما لم يتغيّر كافية في المطلوب، و حاكمة على عموم المفهوم المتقدّم؛ إذ بينهما عموم من وجه، و مقتضى الجمع ترجيح عمومات الطهارة؛ لكونها أقوى دلالةً من جهة المنطوق، و أكثر ترجيحاً في المرجّحات الداخلية و الخارجيّة كالشهرة، كذا قرّر (3).

و ردّه في حاشية المدارك (4) بأخصّيّة أدلّة انفعال القليل من العمومات، و العموم في جانب عمومات الطهارة، إلّا أن يقال: إنّ العمومات الدالّة على الطهارة مخصّصة بما دلّ على انفعال القليل من المحقون بالمنطوق، فيكون المراد من هذه العمومات أنّ غير الراكد القليل لا ينفعل، و العام المخصوص حجّة في الباقي، و دلالته من باب المنطوق و إن كان مجازاً من جهة قصره على بعض الأفراد، لكن لا معارضة بين المعنى المراد من العموم و بين ذلك

ص: 80


1- الدسوقي، الحاشية على مختصر المعاني: 2 / 146.
2- الكليني، الكافي: 3/ 1 ح 3؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 215، 216 ح 620، 621.
3- ينظر الميرزا الطهراني، مطارح الأنظار: 4 / 782.
4- البهبهاني، حاشية مدارك الأحكام: 42/1، 43.

المفهوم الذي يمكن فيه عدم إرادة بعض الأفراد، فيقتصر على الفرد المتيقّن، و تدخل باقي الأفراد في العام كما هو قضيّة العموم.

ولكن يخدشه أنَّه موقوف على تقديم النصوص بالخصوص على المفاهيم، و الحالة أنّ الخاصّ مطلق، و العام مثله و كلّ واحد منهما أخصّ مطلقاً من صاحبه، إذ غاية ما ثبت أنّ الراكد القليل خارج منها، و هو لا ينفي خروج غيره، نعم لو ظهر ذلك من الخارج كان الأمر كذلك.

نعم، يمكن أن يُقال: إنّ أقربيّة المجازات ترجّح عدم الخروج، إلَّا أنّها لا تقاوم العمومات التي في الخاص، و لا توجب تخصيصها؛ لأنّ بقاء العام على عمومه أقوى من أقربيّة المجاز، و إلّا يفسد الأمر في العام و الخاص المطلقين، فتأمل.

إلَّا أن يقول حينئذ: إنّ عموم المفهوم ضعيف يعارضه و يقاومه الأقربيّة و ترجّح عليه أو تساويه، و حينئذ يحصل الاحتمال النافي للاستدلال، لكن يرد على المدارك أيضاً عند استدلاله بالمنطوقات العامة إلّا أنَّه التزم بما ذكر على ذلك التقدير فقال رحمه الله: عمومان تعارضا (1)، انتهى .

مع أنّ عموم المفهوم بالنسبة إلى القليل الجاري أضعف ألبتّة، لندرة تحقّقه في بلد السائل و المسؤول و فيما بينهما أيضاً غاية الندرة، بل غير ظاهر التحقّق.

و الأولى في الجواب أن يقال: إن اختار العلّامة العموم من وجه كان على ما ذكره في المدارك، و إن اختار العموم المطلق كما هو مقتضى استدلاله.

قلنا: الخاص مقدّم إذا كان دلالته قويّة، بل أقوى؛ لأنّ عموم المفهوم على تقدير تحقّقه ليس بحيث يقاوم المنطوق، فضلاً عن أن يكون أقوى، سيّما مع اعتضاده بأمور كثيرة:

منها الكثرة، و منها الغلبة المخصوصة، و منها ما سنذكر في ماء الحمّام، و مثل ذلك نفي البأس أصلاً و رأساً في البول في الجاري كما ورد في غير واحد من الأخبار (2) سيّما بملاحظة

ص: 81


1- السيد العاملي، مدارك الأحكام: 1/ 28.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 31 ح 81.

الحكم بالكراهة في الراكد، و منها الإجماع (1) المنقول، و منها اشتهار الفتوى و شذوذ الفتوى في الآخ، و منها الأصول المتعدّدة التي مرّت، و منها الأوفقيّة في الشريعة السمحة السهلة، و الإطلاقات في إزالة الأحداث و الأخباث، و قوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا ﴾ (2)، و منها وهن العموم في المفهوم بأكثر في مباحث البئر و ماء المطر، و منها الاعتضاد بظواهر القرآن، فظهر عدم التخصيص على مذهب الآخر أيضاً، و هو كفاية المقاومة و المقابلة للخاصّ مع العامّ في مقام التخصيص من دون كون الخاص أقوى؛ لكونه للجمع بين الأدلّة، مضافاً إلى أنّ الجمع غير منحصر بما ذكر للعمل به في الراكد القليل من كونه مراداً على أيّ تقدير فتأمل.

هذا خلاصة كلامه وجلّ، مرامه، و لقد أبدع فيما عرّف و جمع، لولا تطرّق الوَهن في تحقيقه كما استفدناه من بعض مشايخنا تحريراً و مذاكرةً.

فأمّا ترجيحه لعمومات الطهارة على عمومات المفهوم بما مرّ لا يتمّ، من جهة أنّ العام متى كان أقلّ أفراداً من صاحبه المعارض كان أقوى دلالة، و لا ريب في انحصار أفراد المفهوم في فردين: القليل الراكد و الجاري مثله، و دلالته على فرديه من جهة التنجيس بالملاقاة تنزّل منزلة النّص، فيقدّم على العام إن لم نقل بجواز تخصيص المنطوق بالمفهوم مطلقاً؛ لأنه من موارد العمل بعموم المفهوم في مقابل ما هو أعمب منه، لا من موارد العمل بأصل المفهوم في مقابل العام ليتمّ ما ذكر؛ إذ العمل بالمفهوم في الجملة عند غير ابن أبي عقيل (3) كأنه ضروريّ.

و إنّما الكلام في العمل بعمومه، فما ذكره رحمه الله في بيان ضعف دلالته من جهة ابتنائه على عموم المفهوم و هو ضعيف، و من ندرة الجاري القليل في بلد السائل أو المسؤول، فهو أغرب شيء؛ إذ المفهوم لا يوصف بالضعف إلّا من حيث نسبته إلى المنطوق، لا بالنسبة إلى عمومه لما اندرج فيه، و إلّا فمن اعتبر المفهوم اعتبره مطلقاً.

نعم، كلّ عام ضعيف بالقياس إلى ما هو أخصب منه في نفسه، فالضعف المدّعى إن

ص: 82


1- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 362.
2- سورة النساء: 43.
3- نقله عنه في مختلف الشيعة: 1/ 176.

كان في أصل الدلالة فمسلّم لا يجدي؛ إذ دلالته على فرديه سواء في الضعف أو في عدمه، و نحن لا ننكر ضعفه بالنسبة إلى المنطوق، فهذا هو الضعف العمومي أو المفهومي ليس شيئاً آخر، و ندرة الوقوع الواقع في كلامه على تقدير تسليمها لا تورث انصراف المفهوم إلى الفرد الظاهر؛ إذ ذلك الانصراف مقصور فيما لو استفيد العموم من دليل مشتمل على لفظه.

و أمّا لو كان مستفاداً من التعليق على الشرط بطريق الالتزام العقلي فلا؛ إذ لا تخصيص في حكومته، و كذا الأمر في سائر الالتزامات العقليّة، فلا يقال بانصراف حرمة الضدّ مثلاً إلى بعض الأضداد، و مثله الضعف المذكور.

فدعوى الانصراف في مثله، أو ضعف الدلالة إلى فرد دون فرد، لا محصّل لها.

نعم، عدم اعتبار المفهوم مطلقاً كلام آخر. و منه يظهر أنّ الرجوع إلى المرجّحات المذكورة في مثل المقام خبط بعد كون التعارض من قبيل تعارض العام و الخاص المطلقين، فإنّ الرجوع إلى المرجّحات فرع ضعف دلالة الخاص و قد منعناه، فيتوجّه قول العلّامة رحمه الله على جميع المذاهب في تخصيص المنطوق بالمفهوم حتّى على المنع منه، فإنّ المانع لا يمنعه مطلقاً، بل يقول به إذا انجبر ضعف كونه مفهوماً بمرجّح في الدلالة، و قد علمت أنّ مرجّحه انحصار أفراده في فردين.

و أيضاً فالمانع إنّما يمنع من جهة ضعف المفهوم في جنب المنطوق، فيلغي إرادة المفهوم من الجملة الشرطيّة رأساً، و متى ثبت المفهوم - كما في المقام - و عمل به و لو في الجملة كانت المسألة من بناء العام على الخاص، إذ لا فرق بين كون الخاص خاصّاً حقيقيّاً ك- (لا تكرم زيداً)، أو إضافيّاً ك-( لا تكرم النحاة)، فتدبّر.

و في االجواهر (1) - بعد حكايته عن التنقيح الإجماع بالعمل بالمفهوم المذكور - إنكار عمومه الظاهر منه قصره على بعض أفراده، و قد عرفت عدم معقوليّته، ثمّ بعد أن رجع إلى ما في المدارك طوراً، و فرض المعارضة بالتنزيل أخرى، حكم بكفاية الأصول و الإجماعات، و الفرض أن ليس لنا في المقام أصل عارٍ عن المعارضة، وليته اتّضح لنا ما يريده.

ص: 83


1- النجفي، جواهر الكلام: 1/ 193.

استدلّ في المعتبر (1) للمشهور - مضافاً إلى الإجماع - بخبر الفضل و غيره ممّا تضمّن نفي البأس عن وقوع النجاسة في الماء الجاري، و عدم دلالتها على المطلوب واضح كما أراحنا منه غير واحد (2)، و كذا صحيحة محمّد بن إسماعيل: «ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلَّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه، فينزح حتّى يذهب الريح و يطيب الطعم؛ لأنّ له مادّة» (3)، فإنّ الاعتبار يقضي برجوع القليل للقيد الأخير، و كون المادّة لابدّ و أن تكون كُرّاً؛ لأنّ غيره مشكوك، خصوصاً بملاحظة التشبيه بماء الحمّام.

ثمّ لو أرجعنا التعليل إلى عدم التنجيس المتحقّق في الجاري يلزم الجمع بين أمرين مختلفين في علّة الحكم؛ إذ قوله علیه السلام: «ماء البئر واسع»، بمنزلة التعليل بالتوسعة المراد بها الكرية أو نحوها، فكيف يعلّل ثانياً بأنّ له مادّة! و احتمال أنَّه كالتفسير للواسع يكذبه العيان؛ للفرق بين سعة الماء و كونه ذا مادّة.

و قد يقال: السعة هنا هي الشرعيّة، فيصحّ تفسيرها بالمادّة كتفسير الماء الكثير بالأخبار (4) بالكرّ، إلَّا أنَّه موقوف على ثبوت الحقيقة الشرعيّة في الماء الواسع، و لا كذلك تفسير الكثير بالكُرّ؛ لأنه بيان للمراد من اللّفظ الصالح له و لغيره، فإنّ الكرّ من مصاديق الكثير حقيقةً، بخلاف ذي المادّة فإنّه ليس من أفراد الواسع، لا أقلّ من الإجمال و دوران العلّة بين الرجوع إلى ما يليها أو إلى أصل الحكم فلا تنهض حجّة، مع ما فيه من الفصل بين الحكم ومتعلقاته و أولويّة الرجوع إلى الأقرب.

و أمّا خبر داود بن سرحان: «قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام: مَا تَقول في ماء الحَمّام؟ قَالَ: هو بمنزلة الجاري (5).

ص: 84


1- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 78.
2- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 25.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1 / 234 ح 676.
4- مسائل علي بن جعفر: 193.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 83 ح 11.

بتقريب: أنّ ماء الحمّام لا ينفعل، فالجاري مثله، و يتمّ الاستدلال به عند من اعتمد على غيره في طهارة ماء الحمّام، و إلّا كان دوريّاً.

و جوابه: إنّ اعتصام ماء الحمّام إذا لم تكن له مادّة تبلغ الكرّ غير معلوم، و المشهور (1)خلافه. و مثله رواية ابن أبي يعفور (2)

و أمّا رواية الراوندي (3) و الفقه الرضوي (4) بعد تصحيح سنديهما، بل و ما قبلهما، بناءً على صراحتها في المطلوب، هي قاصرة عن تخصيص عموم انفعال القليل؛ إذ بينهما عموم من وجه، و لو فرض التساقط فالرجوع إلى عمومات الطهارة أيضاً لا يتمّ للبحث السابق من انصراف الجاري إلى الأفراد الغالبة، و الجاري القليل فرد نادر، و كيف ينسجم منعهم لعموم المفهوم القاضي بالنجاسة للقليل الجاري لندرته، و يعوّلون على إطلاق مثل هذه الأخبار، مع أنّ المفهوم مستفاد من الدلالة الالتزاميّة لا من اللّفظ، فهو أحرى بالتخصيص.

و الحاصل: العمدة في الاستدلال على المطلوب الإجماع لو تمّ، و مقابلة الراكد للجاري مؤيّد في صحفهم، و المسألة لا تخلو من غموض؛ لميل الشهيد رحمه الله (5) إليه، مع أنّ هذه الإجماعات نصب عينيه، و خرقها جزاف في حقّه، و الاحتياط بالعمل لا يترك و إن خالفه الإفتاء.

ص: 85


1- الكليني، الكافي: 3/ 14 ح 3؛ تهذيب الأحكام: 1/ 378 ح 1169.
2- الكليني، الكافي: 3/ 14 ح1.
3- الراوندي، النوادر: 188.
4- الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام: 86.
5- الشهيد الأول، البيان: 98.

..17

(جديد)

[كيفية تطهير الماء المتغير بالنجاسة]

و جعل العلّامة (1) الجاري أيضاً كغيره في (عدم طهره) و تطهيره إذا تغيّر (بزوال التغيير مطلقاً) بأيّ وجه من وجوه الزوال، (بل) يطهر (بما نبّه عليه) في المتن بقوله: (أو لاقى كُرّاً) أو جارياً، زيادة عليه، و حذفها مخلّ، هذا ظاهر العبارة، و في الضميرين الآخرين استخدام لإرادة العلّامة منهما، و الإضراب قرينة.

فالمعنى: إنّ طهر الجاري عند زوال تغييره نبّه عليه العلّامة بملاقاة الكُرّ كقول المصنّف و إن تخالفا بالمذهب إذ هو عين الاستخدام، و لمّا عاد ضمير طهّره للجاري أمكن كون الإطلاق بالمعنى المذكور، أي: إنّ الزوال الغير المقارن مطلقاً لا يطهر بأيّ نحو تحقّق.

و الحصر مبنيّ على تعميم الكرّ من الداخل و الخارج، أو على أنّ المراد جميع أفراد الجاري لا يطهر بمجرّد الزوال، بل الذي يجري في الجميع هو الزوال المقرون بالكرّ، و عليه تخصّ الباء بحملها على المصاحبة، و تحتمل السببيّة إن جعلنا الإطلاق قيداً للطهر، أي: لا يطهر مطلقاً بمجرّد الزوال بل بسبب ملاقاته الكرّ خارجاً أو داخلاً، و كذا إذا جعلناه قيداً لعدمه، بمعنى أنَّه مطلق لا يطهر بمجرّد الزوال، و ربّما احتمل على بُعد إرجاع الضمير إلى القليل الجاري، و الإطلاق على احتمالاته إلَّا الأخير.

(و المراد) من قوله: أو لاقى كُرّاً، هو (أنّ غير الجاري) من الماء مطلقاً إذا انفعل (لا بدّ في طهره) إذا تغيّر بالنجاسة (مع زوال التغيير من ملاقاته كرّاً طاهراً) دون ما اجتمع من الماء النجس أو النجس و الطاهر حتّى بلغ كرّاً، و حيث يجتمع فيه الأمران طهر سواء كان (بعد زوال التغيير أو معه) لو فرض إزالة التغير به، أو كانت قبله، و مع بقائها بعده و لو بلحظة نجس الجميع.

و هذا الحكم هو المفهوم بلحاظ الدقّة في عبارته و كلامه في سواه، (و إن كان إطلاق العبارة) في المتن (قد يتناول ما ليس بمراد) له (و هو طهره مع) تحقّق الأمرين (زوال التغيّر و ملاقاته الكرّ كيف اتفق)، فيشمل حينئذ صورة ما لو زال التغيير بعد الملاقاة، و من صورها

ص: 86


1- العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 1/ 182.

ما لو تغيّر بعض الكُرّ عند الملاقاة، ثمّ زال بالامتزاج بباقي الأجزاء أو بأمر خارج، فإنّه لا يقول بطهارته، و العبارة تعمّه.

فلا جَرَمَ من أنْ تكون الإزالة إمّا به أو قبله أو [تقترن] معه تقارناً عرفياً، فلا يعتنى بالدقّة الحكميّة في أنَّه من الممكن في المعيّة أن يتغيّر بعض أجزاء الكرّ، ثمّ يزول بتفاقم أجزائه الباقية أو غيرها من مزيلاته، فتتمحّض صورة التطهير بما لو زالت النجاسة قبله، فافهم.

و في الشرح قد تشعر بإمكان عدم التناول لوقوع الملاقاة شرطاً لأداة إن الدالّة على الاستقبال فتفيد كون الملاقاة بعد زوال التغيير غير أنّها حينئذ لا تشمل صورة التقارن، فلا بدّ وأن يتجوّز بأنّ المراد منها ما يعمّ زمان الحال، (و كذا) الحال في القليل (الجاري) لو تغيّر فإنّ مجرّد الزوال من دون إلقاء كُرّ طاهر لا يطهر (على القول الآخر) الشامل لقولي العلّامة (1) و الماتن في الدروس (2) على بعض الوجوه، و إلبا اختصّ الآخر - بفتح المعجمة و كسرها - بمقابلة العلّامة رحمه الله.

و كما يوهم تناوله لما ليس بمراد، كذا يوهم عدم تناوله لما يُراد؛ و ذلك فيما (لو تغيّر بعض الماء) بأحد الثلاثة (و كان الباقي كرّاً) طاهراً (طهر المتغيّر بزواله أيضاً)، و أيضاً قيد لطهر، و المعنى: كما يطهر الجاري بزوال التغيير مع كون الباقي كرّاً كذا يطهر غيره المتغيّر أيضاً، فيكون فيه إشارة إلى أنّ العلّامة يعتبر بقاء الكريّة في الماء الجاري الذي زال تغييره، و يكون في ضمير عند ضرب من الاستخدام، أو هو قيد لزواله، أي بمجرّده يطهر، فإن كان الأوّل كان (كالجاري) تفسيراً له.

و على الثاني ابتداء بالتشبيه في الجاري في الطهر بمجرّد الزوال، و يمكن التشبيه على التقديرين من القيديّة، و يكون مفاده: طَهُرَ بالزوال طُهراً كطهر الجاري، و عمومه له بنفسه أو بعلاج أو باتصال ماء آخر، فيمكن إذ ذاك شمول الزوال للمقرون بالملاقاة منه، و السابق أولى، و طهر الجاري مع دوام النبع بنفس الزوال (عنده) و عند غيره كما مرّ.

ص: 87


1- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 23.
2- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 119.

و في العنديّة إشارة إلى أنّ المفهوم من المتن اختصاص الطاهر بالزوال بالجاري فقط، فأجاب الشارح قائلاً: (و يمكن دخوله في قوله: لاقى كرّاً)، بعد تسليم الظاهر المفهوم، فيحكم بدخول هذا القسم ممّا طهّره الزوال بالقسم الثاني من قسميه؛ (الصدق ملاقاته) في حال تغييره (للباقي) المفروض كرّيته، المحكوم بشمول الكرّ فيه للداخل و الخارج، مع أنّه أيضاً خارج بالنسبة إلى المتغيّر.

و لقد انطوى في هذه العبارة مع مسائل:

ص: 88

[اللمعة ] الأولى:

أداؤها إلى اختيار نجاسة الكُرّ الذي تُمّم بمتنجّس من الماء، أو نجس، أو طاهر بعضه نجس مطلقاً تبعاً للماتن هنا - حيث اشترط ملاقاة الكرّ، و المخالف لا يشترطها، بل يكتفي بما يتمّ به الجميع كرّاً - و في باقي كتبه (1)، و هو الأشهر، بل المشهور عليه عند من تأخّر (2)، و خالف فيه جماعة من المعتبرين؛ فالمرتضى (3) و ابنا إدريس (4) والبرّاج (5) على طهارة المياه النجسة إذا صارت كرّاً.

و كلامهم شامل للمجتمع من طاهر و نجس بالأولى، و سلّار (6) أطلق الطهارة فيما بلغ كراً، و ابن حمزة (7) قال بها بشرط فقد الماء الطاهر، و لم يجز استعمال ما كان كلّ من المائين نجس مطلقاً.

و يظهر من الشيخ (8) قوّته، غير أنَّه في تطهير المياه القليلة الراكدة بعد حكمه بتطهير الكرّ إذا ورد عليه ماء طاهر أقلّ منه فأزال تغييره، فرّقَ بين ما لو تمّم الكرّ بنجس فقوَّى فيه النجاسة، و بين ما لو كان (9) مائين كلّ واحدٍ منهما لم يبلغ الكرّ، و هما نجسان، فجمع بينهما، فقوّى فيه الطهارة و حمل على نجس العين في الأوَّل، و ظاهره أيضاً القول بطهارة الكرّ بما يزيل تغييره و إن لم يكن كرّاً.

و لفخر الإسلام كلامٌ عجيب، قال في شرح الإرشاد: و إن كان أقلّ من كُرّ نجس

ص: 89


1- الشهيد الأول، البيان: 99، الدروس: 1/ 119، ذكرى الشيعة: 1/ 80.
2- النجفي، جواهر الکلام: 1/ 137.
3- السيد المرتضى، الناصريات: 73.
4- ابن إدريس، السرائر: 1/ 62.
5- ابن البراج، المهذب: 1/ 23، جواهر الفقه: 28.
6- سلّار، المراسم العلوية: 36.
7- ابن حمزة، الوسيلة: 72.
8- الطوسي، الخلاف: 1/ 198.
9- كذا في المخطوطة، و لعل الصحيح: (كانا).

بجميع ما يلاقيه من النجاسة و إن لم يتغيّر وصفه (1)، خلافاً لابن أبي عقيل (2)، و يتفرّع على ذلك أنَّه لو تغيّر بعض أقلّ من الكرّ ثمّ زال التغيير من قبل نفسه طهر عند ابن أبي عقيل و لم يطهر عند القائلين بالتنجيس بالملاقاة، و لو تغيّر بعض الكُرّ و لم يبلغ غير المتغيّر كرّاً ثمّ زال التغيير فعند القائلين بتنجيس القليل بالملاقاة يطهر هنا.

و فرّقوا بين هذه الصورة و الصورة الأولى بأنّ في الصورة الأولى إذا زال التغيير عُدِم غير علّة التنجيس، و أما في الكُرّ فلم يتنجّس بالملاقاة بل بالتغيير، و قد عدمت علّة التنجيس، و عدمُ العلّة يستلزم عدم المعلول، فقد ظهر من قولهم: إنّ كلّ ماء نجس بالملاقاة خاصّة لا يطهر إلّا بملاقاة الكُرّ، انتهى.

و في إشارة السبق إلى معرفة الحقّ في الماء القليل المتنجّس: و يطهر بزيادته إذا لم يكن أحد أوصافه متغيّرة بها إلى أن يبلغ الكرّ أو يزيد عليه (3).

و ظاهره أنَّه يفرّق بين ما إذا تغيّر بالنجاسة و ما إذا لم يتغيّر، فيحكم بالطهارة ببلوغ الكُرّ في الثاني دون الأوّل.

احتجّ المخالف بوجوه:

منها: أنّ الكرّية مانعة من التأثير بالنجاسة، فلا فرق بين وقوعها قبل الكرّية أو بعده؛ لتحقّق المانع على التقديرين.

اُجیب عنه: بأنّه قياس محض؛ لأنه ساوى بين قوّة الماء على الدفع و قوّته على الرّفع، و الأولى منصوصة ب- «لا ينجّسه شيء» و الثانية غير منصوصة، و لا يمكن القول بشموله للحالتين، فإنّ ظاهر قوله علیه السلام: «إذا بلغ لم ينجّسه ما يقع فيه بعد ذلك» (4). و المناسب للشقّ الآخر أن يقال: إذا بلغ كرّاً طهر، أو زالت نجاسته، أو اعتصم، ثمّ الفارق موجود؛ لأنّ الماء

ص: 90


1- الشهيد الأول، غاية المراد: 1/ 65.
2- حكاه عنه في المعتبر: 1/ 48.
3- ابن أبي المجد، إشارة السبق: 81.
4- السيد المرتضى، الناصريات: 70.

الطاهر يقوى على النجاسة بطهوريّته.

و أمّا النجس فعند اجتماعه مقهوراً بالنجاسة، على أنّ منع الكرّية من التأثير إنّما يتحقّق إذا لم يتحقّق التأثّر قبلها، و المفروض حصوله هنا، فالحكم بمنعها منه حكم بإزالتها إيَّاه، و هو غير مقبول بلا دليل، و هل هو إلّا مثل أن يُقال: إنّ الحَدَث مانع من الصلاة فإذا وقع بعد إيقاعها صحيحة بطلت لتحقّق المانع منها، لكن ظاهر السيّد رحمه الله الركون إلى فحوى ما قضى باعتصام الكُرّ، نظراً إلى حكمه بتنافي الكرية و النجاسة و تضادّهما شرعاً، فلا يتفاوت الحال بين الدفع و الرفع مطلقاً قطعاً.

و فيه: منع الدلالة على الثاني مطلقاً، و المسلَّم منه التنافي فيما طهر أصله كما حرّرنا من أنّ ظاهر الخبر سبق الكرية، و لو منع الظهور فلا يمنع الشكّ، و فيه يتمّ المرام إذ يبقى حكم النجاسة المفروض ثبوتها قبل البلوغ بحالها.

و منها : أنَّه إذا حكمنا بالنجاسة هنا لم يصحّ حكمهم بطهارة الكرّ المشتمل على النجاسة مع الشكّ في سبقها على الكريّة.

و ردّ: بأنّ الحكم بالطهارة هناك مبنيّ على أصالتها؛ للشك في السبب الذي هو ملاقاة النجاسة قبل الكريّة.

و قد يمنع بأنّ سبب النجاسة موجود بحكم الفرض، و إنّما الشكّ في وجود المانع، أعني: الكرية عندها، و هو يكفي في ثبوت السبب - و هو النجاسة - و لا حاجة إلى التمسّك بأصالة عدمه حتّى يعارض بأصالة عدم الملاقاة قبل الكرية.

و هذا و إن لم نرتضه إلّا أنّه إلزام للرّاد بما ذكر في الاستصحاب من وجوب العمل بالمقتضي عند الشكّ في المانع، و دعوى شرطيّة القلّة لا مانعيّة الكرية غير نافعة؛ للشك في تبدّل القلّة بالكثرة في زمان الملاقاة، فيستصحب.

فالحقّ في الجواب: أنّ الشكّ في كرية الماء إن كان مع عدم سبق العلم بعدم الكرية فلا إشكال فيه؛ إذ لا مسرح لأصالة عدم الكرية حينئذ؛ لأنه غير معلوم سابقاً و إن كان لجهة معلوميّة عدمها كما لو كان بلوغه الكرّ تدريجاً، فالطهارة فيها إمّا للإجماع أو إلى أصالة

ص: 91

الطهارة بعد تعارض أصالة عدم الكرية في زمن الملاقاة و أصالة عدم الملاقاة في أوان القلّة، هذا.

و لقد حقّقنا في الأصول أنّ الملاقاة إن ثبت لها الاقتضاء و الكرية مانعة، بمعنى تأثيرها، لولاها، فحينئذ أصالة عدم الكرية بحالها و لا تعارضها أصالة عدم الملاقاة قبلها؛ لأنها لا يثبت الكرية إلّا على الأصول المثبتة، و إن لم تكن مقتضية بل كان التنجيس من أحكام الملاقاة في زمان القلّة، فأصالة عدمها سليمة عن المعارض؛ لأنّ أصالة عدم الكرية حين الملاقاة لا يترتّب عليها الملاقاة حال القلّة إلّا على التقدير المذكور، إلّا أن يقال: أصالة عدم الملاقاة حال القلّة تعارضها أصالة بقاء القلّة في حال الملاقاة؛ لأنّ القلّة إذا فرضناها شرطاً فمن وجودها حين الملاقاة و عدمها يترتّب النجاسة و الطهارة، فالتعارض موجود إلَّا أن يمنع جريان استصحاب القلّة لعدم العلم بها سابقاً في هذا الماء المحسوس و إلّا أن يتسامح في الموضوع كما في غير موضع.

و نقول هنا: إنّه إن ثبت الإجماع على الطهارة حكمنا بأنّ التنجيس من أحكام الملاقاة و الأصل عدمها في حال القلّة، و قلنا: إنّ أصالة عدم الكرية لا تثبت القلّة، فلا منازعة.

و ظاهر: «خلق الله الماء طهوراً » (1)، هو ذلك، إذ فحواه أنّ طبيعة الماء مانعة عن الانفعال، و القلّة فيها توجب خروجها عن الطبيعة الأوّليّة و إن لم يثبت الإجماع، فظاهر قوله: «لم ينجّسه شيء»، أنّ الكرية مانعة، و أصالة عدمها تكفي في الحكم بالنجاسة و إن لم يثبت القلّة.

و في الجواهر (2) الالتزام بعدم طهارة الماء في الفرض المزبور و عدم الحكم عليه بالنجاسة فهو لا ينجّس الطاهر و لا يطهّر النجس، كالمشكوك الكرية إذا لاقته نجاسة على وجه قويّ، إذ كما أنّ الكرية شرط و قد شكّ فيها فكلّ الطهارة شرط مشكوك فيه، مع إمكان الفرق بأنّ

الشرط عدم العلم بالنجاسة قبل البلوغ لا الطهارة.

ص: 92


1- ابن أبي جمهور، عوالي اللآلئ: 1/ 76.
2- النجفي، جواهر الكلام: 1/ 122.

و فيه: إنّ صريح الإجماع (1) من السيّد على طهارة الماء المزبور و من خالف السيّد هنا أيضاً حكم بالطهارة كالفاضلين (2)، و قياسه على مشكوك الكرية و التوقّف فيه غريب؛ لأنّ اصالة عدم الكرية فيه لو عارضت أصالة بقاء الطهارة إن لم يكن أحدهما المرجع وجب الرجوع بعد التساقط لقاعدة الطهارة، و مساواته بين الكرية و الطهارة في الشرطيّة أعجب من سابقه إذ الكرية شرط مخالف للأصل، و الأصل ،عدمها، و الطهارة شرط موافق له، و الأصل بقاؤها، فأين الشّبه!

و أمّا الفرق فقد قرن التأمّل فيه، فكفينا ردّه.

و منها: استصحاب طهارة المتمّم للكرّ الذي يلزمها طهارة النجس؛ لاتّحاد حكم المائين بالإجماع (3) و تساقط المتعارضين من النجاسة و الطهارة فيهما، فتبقى قاعدة الطهارة سليمة، و هي المرجع.

و فيه: إنّ الأمر كذلك لولا حكومة أحد الاستصحابين على الآخر، إذ معها لا وجه لتعارضها بعد كما قرّرنا بالأصول، و لا ريب أنّ استصحاب نجاسة المتمّم بالطاهر حاكمة على استصحاب الطاهر المتمّم للنجس.

بيانه: أنّ الطاهر الذي هو دون الكرّ لا يرفع النجاسة إجماعاً (4)، و النجس كذلك يؤثر بالاتفاق (5) فيصير الشكّ في طهارة مجموع المائين مسبّباً عن الشكّ في تأثير النجس في الطاهر و عدمه بعد الاتّفاق على نجاسة الطاهر بالنجس إذا لم يكن كرّاً، و منشأ الشكّ في طهارة المائين و نجاستهما و إن كان مسبّباً عن الشكّ في تأثير البلوغ كرّاً و عدمه ابتداءً لكن بعد استقراره و الحكم به و عدم زواله بعارض قضى به الدليل فيجب إذ ذاك الركون إلى ما دونه

ص: 93


1- حكاه عنه في الحدائق الناضرة: 1/ 246.
2- المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 9؛ العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 45.
3- ينظر الفاضل الهندي، كشف اللثام: 1/ 315.
4- ينظر القزويني، ينابيع الأحكام: 1/ 122.
5- ينظر البهائي، الحبل المتين: 105.

من الأُصول في حكم المائين، فإنّ البلوغ على هذا الوجه غير معلوم تأثيره و إلّا لما ركن إلى هذا الدليل و الباقي بعدم الفصل أو التفصيل؛ لأن لا يشمل الحكم المياه النجسة التي بلغت الكُرّ.

و حينئذٍ فإذا استصحبنا نجاسة المتمّم بالطاهر يترتُب عليه التنجيس؛ لأنه من أحكامه، و لا كذلك لو استصحبنا طهارة المتمّم للنجس فإنّه لا يترتّب عليه تطهير النجس حتّى تتحقّق المعارضة، فأحد الاستصحابين يرفع حكم الآخر دون الثاني، فهو من باب الحكومة.

أجاب الأُستاذ (1) بمنع الإجماع علی عدم التفکیک فی غیر الممتزج، و فیه بعدم تأثیر الامتزاج فی الطهارة و النجاسة بالاتّفاق هنا، و أنه ملغى، إذ المدّعى تأثير مجرّد تواصلهما في التطهير و إن كان الإجماع على عدم تبعّض حكم المائين القليلين المتّصلين، فنظيره موجود في الشرعيّات، إلى آخر ما رامَ بيانه.

و هو مشكل، إذ هم لم يجمعوا على عدم تأثير الامتزاج هنا، كيف و هم اتّفقوا على أنّ المائين الممتزجين لا يختلفان في الحكم كما اعترف به غيره من المُنكِرين للملازمة مطلقاً في غير المقام، و لا يمكن تخصيص الحكم المجمَع عليه بمورد دون مورد، غايته أنّ محطّ النظر في مورد ناشئ قبل الامتزاج من الاتّصال أو البلوغ كرّاً و هذا غير الإجماع على عدم الملازمة و جواز التفكيك بين المائين بعد الامتزاج كما يظهر منه، فالمعتمد ما حرّرناه.

و منها: قوله صلّی الله علیه و آله على ما أجمع عليه المؤالف و المخالف: «إذا بلغ الماء كرّاً لم يحمل خبثاً» (2). و قوله علیه السلام: «الماء طهور لا ينجسه شيء» (3)، و «إذا وجدت الماء فأمسّه جلدك» (4)، و قوله: «أمّا أنا فأحثو على رأسي ثلاث حثيات من ماء فإنّي إذاً قد طهرت» (5). و «ماء» نكرةٌ لا يخصّ بفرد منه.

ص: 94


1- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 328.
2- السيد المرتضى، الانتصار: 85، الناصريات: 70.
3- سنن أبي داود: 1/ 17 ح6.
4- سنن أبي داود: 1/ 91 ح332.
5- صحيح البخاري: 1/ 73.

و منه: الآيات الفرقانيّة نحو: (وَ يُنَزِّلُ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِۦ) (1)، و (فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءً) (2)، و (وَ لَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِی سَبِيلٍ حَتَّیٰ تَغۡتَسِلُواْ) (3).

بتقريب إطلاق الماء الشامل لجميع أقسامه في الجميع إلّا ما قطع بخروجه.

و دلالةُ الأَوَّل نصّ بزعمه، فكأنّ لفظ الحديث في قوّة أن يُقال: إنّ كلّ ماء فهو متى بلغ كرّاً دفع عنه أيّ خبث كان و لم يظهر فيه شيء من الخَبَث، فعمَّ الماء الطاهر و النجس و الخَبَث السابق و اللّاحق، مضافاً إلى الإجماع (4) على أنّ بلوغ الماء حدّ الكُرّ مزيل لحكم النجاسة.

و ردّه غير واحد (5) من أنّها و نحوها لا تفيد في إثبات مدّعاه، فالإجماع بالمنع، و أنّه لم يوقف عليه في كتب الأصحاب إلّا عن المرتضى (6) و بعض من تبعه (7)، و مثله لا يعدّ إجماعاً، و عن بقيّة المطلقات بأنّ مثلها لا يثبت الحكم المزبور؛ لتطرّق التخصيص إليها، و إجمال مؤداها، و اندراس الاستدلال بها عند المحقّقين.

و أصرح ما فيها الأوَّل الذي قيل بعدم وجوده في كتب الأحاديث مسنداً، و السيّد رواه من طرق العامَّة، و الشيخ (8) مرسلاً، و ابن زُهرة (9) كذلك؛ إذ الماء محمولُ فيه على الفرد الأكمل و هو الطاهر، أو لأنّ النجاسة صفة زائدة تعرض المياه عند الملاقاة، فالماء النجس يجري مجرى الماء المضاف في عدم استحقاق اسم الماء إلّا بالتوصيف، و إن لم يصدق عليه حدّ

ص: 95


1- سورة الأنفال: 11.
2- سورة المائدة: 6.
3- سورة النساء: 43.
4- ينظر: رسائل الشريف المرتضى: 2/ 361؛ ابن إدريس، السرائر: 1/ 63.
5- منهم: الخوانساري في مشارق الشموس: 192.
6- السيد المرتضى، الانتصار: 84؛ الناصريات: 70.
7- كالعلّامة في تذكرة الفقهاء: 1/ 17.
8- الطوسي، الخلاف: 1/ 30.
9- ابن زهرة غنية النزوع: 46.

المضاف لا أقلّ من الشكّ، و هو يكفي في بقاء النجاسة و عدم زوالها بالبلوغ إلى حدّ الكرّ.

و مع الغضّ لا ريب في وقوع المعارضة بين النبويّ و بين ما دلّ على نجاسة ملاقي النجاسة مثل البول، و النسبة عمومُ من وجه فيؤول أيضاً إلى استصحاب بقاء النجاسة.

ثمّ إنّ من وقفنا عليه من كلماتهم الغابرة و غيرها أنّ من يعوّل على الطهارة لا يفرّق بين ما لو تمم بطاهر أو نجس إلّا ابن حمزة رحمة الله (1) فيظهر منه الفرق.

و قال الشيخ في المبسوط بعد كلام: و في أصحابنا مَن قال: إذا تمّمت بطاهر كرّاً زال عنه حكم النجاسة، و هو قويّ؛ لقولهم: إذا بلغ الماء قَدْر كرّ لم يحمل نجاسة، و إذا تمّمت كرّاً بنجاسة فلا شكّ أنَّه ينجّس الكلّ (2)، انتهى.

و لعلّ فيه رائحة ذلك، و عندنا لا فرق، بل الأمر فيه أجلى؛ لعموم (3) ما قضى بانفعال القليل بالملاقاة الشامل للمفروض.

و إن رفضت العموم المدّعى، أو زعمت عدم شموله لمحلّ الفرض؛ لانحصار الدليل بعموم مفهوم: «إذا بلغ» (4)، و هو لا يتناول القليل الذي تحقّق موضوع الكرّ بملاقاته للنجس.

ففيه: إنّ إنكار عمومه مكابرة كما سبق، كيف و الفرض شمول المنطوق لكلّ كرّ، فيقتضيه مفهومه بالعموم، فيثبت به التنجيس بقولٍ مطلق، و غاية ما للخصم شمول النبويّ المرسل للفرد المزبور؛ لبلوغه حدّ الكرّ فلا يحمل خبثاً، فتحصل المعارضة؛ لامتناع الجمع بينهما و الترجيح لأدلّة الانفعال؛ لاقترانها بكثرة العمل بها و شهرتها، و مع التكافؤ و التوقّف أيضاً يُفزع إلى الأُصول، و مقتضاها النجاسة كما مرّ.

لكن قد يُقال: لا منافاة بين الدليلين؛ فأدلّة الانفعال توجب النجاسة في القليل، و عموم

ص: 96


1- ابن حمزة الوسيلة: 68.
2- الطوسى، المبسوط: 1/ 7.
3- الكليني، الكافي: 3/ 2 ح2؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 39 ح107.
4- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 143 ح1 و نص الحديث: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء».

النبوي أو إطلاقه يقتضي ارتفاع تلك النجاسة التي قضى بها السابق، فيحكم بالانفعال ثمّ بالزوال، فيكون للملاقاة أثران:

أحدهما: تنجيس الملاقي الطاهر.

و الثاني: حصول سبب ارتفاع النجاسة عن المائين بسبب الكرية.

و فيه: إنّ الملاقاة إذا كانت سبباً لانفعال الطاهر المتمّم يمتنع أن تكون سبباً لشيء هو لزوال الانفعال و لو بواسطة؛ إذ لا يمكن أن يكون الشيء مؤثّراً في شيء و في علّة نقيضه، فإنّه بمنزلة تأثير الشيء في طرَفَي النقيض، و تجويزٌ لاجتماع النقيضين في مرتبة واحدة.

و قد يقال أيضاً بتقديم أدلّة الانفعال؛ لاستنادها إلى الملاقاة بلا واسطة، و استناد الطهارة إليها بواسطة الكرية، و المعلول الثاني طبعاً مؤخّر عن المعلول الأوَّل، فغلبة الملاقاة للانفعال مقدّمة طبعاً على علّتها الموجبة للطهارة، فيلزم الحكم بالانفعال قضاءً لحقّ التقديم، و بعدُ فلا مجال للحكم بترتّب معلولها الثاني، و هو الطهارة.

و فيه: إنّ علّة الطهارة - و هو الكرية - معلولة أُولى أيضاً للملاقاة، و كون نفس الطهارة معلولة ثانية لها لا يضرّ؛ لأنها ثابتة في مرتبة ثبوت الانفعال، فهما سواء في المعلوليّة، و كما يمتنع اجتماع النقيضين في مرتبة واحدة، و يستحيل استنادهما إلى علّة واحدة بلا واسطة، كذلك يمتنع اجتماع أحدهما و علّة الآخر في تلك المرتبة، و يستحيل كونها معلولين لعلّة واحدة، فالتعارض بين مدلول الدليلين ثابت، و مثل ذلك ما لو فرض متغيّر قليل زال تغييره بالإتمام كرّاً سواء كان المتمّم طاهراً أو نجساً، فإنّ ما دلّ على وجوب الاجتناب عن المباشرة يدلّ على الاستمرار، فيتناول حالَتي البلوغ و عدمه، فيقع التعارض بينه و بين النبويّ.

و من هنا ردّ بعض المحقّقين (1) هذا القول بالإجماع على عدم الفرق بين هذه المسألة و بين المتغيّر إذا تمّم كرّاً، بناءً منه [على] أنّ العاملين بحديث البلوغ لا يلتزمون به في المثال، و يوجبون الاجتناب فيه؛ لحصول التغيير الذي هو سببه و إن زال؛ إذ الزول بغير الجريان أو إلقاء الكرّ عليه لا يفيد في الطهارة.

ص: 97


1- ينظر النجفي، جواهر الكلام: 1/ 150.

و فيه نظر؛ لعموم أدلّتهم له و عدم الفرق بينه و بين غيره، و حينئذ لم يظهر وجهه.

و قد يستدلّ للتفصيل المذكور بأنّ الكرّ من الماء الطاهر إذا لاقته نجاسة غير مستهلكة و لا مغيّرة له فلا ريب بأنّها تلاقي جزءًا منه، و لا ريب أنّ ذلك الجزء قد تنجّس بها، و طهارته إنّما تكون بملاقاة الباقي، و لا فرق بين المتّصل و المنفصل، فالماء الطاهر و النجس المنفصلان إذا اتّصلا كان الأمر كذلك، و لا كذلك إذا انفعل الكرّ بأجمعه كما إذا تغيّر أو استهلك فإنّه لا يطهر، فكذا المتفرّق من المياه التي كلّ منها نجس مثله، و فساده جليّ، بل الكُرّ الطاهر لا يتنجّس شيء منه عند ملاقاة النجاسة المفروضة.

هذا، و المختار عندي في كلّ الفروض النجاسة؛ لأنه ماء محكوم عليه شرعاً بها فلا يطهر إلّا بدليل شرعي، و استصحاب النجاسة الخالي عن المعارض قاض به كما عرفت، على أنّ اليقين لا يزيله إلَّا اليقين، و الطهارة لا يقين لنا بها كالنجاسة، و أيضاً يلزمهم أن يكون نجس العين مطهّراً إذا كان متمّماً لكرّ مستهلكاً بالماء، و هو بعيد، و كذا يلزمهم أن يكون المضاف الطاهر أو النجس مطهراً للمطلق مطلقاً، و فساده بيّن.

ص: 98

اللمعة الثانية

قد تقدّم أنّ ظاهر كلام الشارح - على أحد الاحتمالين في الكاف الجارّة للجاري - اعتبار كون الباقي كرّاً في طهارته إذا زال تغييره، و فرّع ذلك على قول العلّامة غير واحد، إلَّا أنّ الفاضل في كشف لثامه قال في شرح: (حتّى يزول التغيير) من القواعد: جميعه أو بعضه مع بقاء غير المتغيّر منه كرّاً أو أقلّ كما يقتضيه إطلاقه هنا و في غيره.

و لا يرد عليه: أنَّه إذا استوعبه التغيير و كان الباقي أقلّ من الكرّ، فعلى ما اختاره من اعتبار الكرية لزمه - أي العلّامة - أن لا يطهر بذلك (1).

و أَخَذَ في دفعه بما حاصله: أنَّه لا يعتبر في تطهير الماء سوی تقارنه مع الكرّ، و لا يُراد بالدفعة المعتبرة في إلقاء الكرّ سوى ذلك، فإذا خرج من المادّة بعد زوال التغيير من الماء بقدر کرّ کشف ذلك عن طهره بأوّل أزمنة الملاقاة، و إن لم يخرج يعتبر الخارج، فإن بلغ مع الباقي كرّاً طهر أيضاً و إلَّا فلا، إلّا على اعتبار الامتزاج في المطهّر يلزم أن يكون الخارج مقدار كرّ.

و في الجواهر (2) ردّه أنَّه مبنيّ على عدم اعتبار العلوّ و المساواة في المطهر، و على افتراقه من الراكد في اعتبار الأمرين، و على تقوّي العالي بالسافل في بعض الأحوال، انتهى.

و ظاهر العلّامة اعتبار الثلاثة؛ ففي القواعد (3): لا يطهر بما نبع من تحته، و أصله في الجاري هو أنَّه كالمياه في اعتبار الكرية، و في التذكرة (4) اعتبار تساوي السطوح في الكرّ.

و فيه: إنّه من كشف اللّثام مبنيّ على ما هو الغالب من دنوّ المورد في المياه الخارجة، فلا تشمل عبارته في التطهير حتّى فيما إذا كانت المادّة عاليّة و هو في باطن الأرض.

و ردّه أيضاً بقضائه لعموم انفعال الجاري مطلقاً إذا كان مع المادّة يبلغ حدّ الكرّ، مع أنّه يشترط فيه الكرية.

ص: 99


1- الفاضل الهندي، كشف اللثام: 1/ 314.
2- النجفي، جواهر الكلام: 91/1.
3- العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 1/ 186.
4- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 17. بتفاوت.

و فيه: إنّه مع الإغضاء عن الأوّلين كما تقتضيه عبارته لم يعلم قول العلّامة بالانفعال في الفرض المذكور، فليس هذا إيراداً غيرها.

نعم، في نعمه (1) إشكال بيّن، إذ و لو اعتبرنا الممازجة لا داعي إلى نبع تمام الكرّ؛ لأنّ المدار في هذا القول إنّ الممتزج به لا ينفعل، فيكفي حصول الامتزاج مع القدر الخارج إذا كان المجموع منه و من الماء الموجود في المادّة قدر كرّ معتصماً على شرائطه إلَّا أن يكون مراده بالدفعة المعنى الظاهر و هو ممازجة القليل مع تمام أجزاء الكرّ عرفاً و لا يحصل ذلك في الجاري إلّا بالصبر إلى نبع تمام الكرّ و حصول الامتزاج بينه و بين المغيّر فلا ردّ، و مع هذا فحمل كلام العلّامة على ما بيّنه في غاية البعد، بل لا ينبغي الرَّيْب بعد اعتباره الكرية في الجاري أن يحكم بالطهارة هنا.

ص: 100


1- كذا في المخطوط.

اللمعة الثالثة

إنَّه بعد الحكم بطهارة الجاري مطلقاً فلو تجزّى بالتغيير و عدمه، حكم في المعتبر (1) أنّ المتغيّر نجس ما عداه، و العبارة تفصح بعدم اشتراط الكرية في الجاري، و إطلاقها يقضي بعدم الفرق بين استيعاب التغيير لعمود الماء عرضاً و عمقاً و ما فوقه أو ما تحته.

و قيّد في الدروس (2) إطلاق طهارة التحت بما إذا لم يستوعب التغيير ما فوقه، فإن يكنه نجس التحت إلَّا إذا كان كرّاً.

و نفى بعضهم (3) عنه العلم بالخلاف، و آخر (4) نسبه إلى المشهور، و نفى شارحه (5) ظهور وجه النجاسة فيه بأنّ غايته انقطاع اتّصاله بمرتفعه فيكون بحكم القليل، و في الوجه بليغ حزازة؛ إذ الانقطاع مع فرض الجريان متهافت، فإنّ الماء بالفرض يجري إلى ما تحت، و كون في البين ماء نجس لا يدفع الطهارة و لا يوجب النجاسة و الجريان بحاله.

ثمّ ذكر بحاصله: أنّ الأصل الطهارة، و عموم دليل انفعال القليل غير مرضيّ شموله، و نجاسة هذا الماء بلا برهان معتمد لا يسلم، و الشهرة و عدم القول بالفصل يقضى به لو تمّ.

و نحن بعد الوقوف على مقالته لم نقف على رأيه و معتمده فيه و إن سبق للذهن الميل إلى الطهارة منه إلَّا أنّ ركونه طوراً إلى كونه من الماء الجاري فيشمله حكمه فإن كان.

ففيه: إنّ طهارة الجاري مشروطة باتّصاله بالمادّة بلا واسطة، أو بوسائط لا تحجبها عن التأثير فيه دون مطلق الاتّصال و لو مع الحجب، إذ به يكون سبيله سبيل الجاري لا عن مادّة

ص: 101


1- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 42.
2- الشهيد الأول: الدروس: 1/ 119.
3- البحراني، الحدائق الناضرة: 1/ 197.
4- المحقق النراقي، مستند الشيعة: 1/ 27.
5- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 364.

و حكمه ،سبق، و النجاسة فيه أقوى و الجمّ (1) عليها، وإطلاق المعتبر (2) مبنيّ على الغالب في الماء الجاري فلا يعدّ مخالفاً.

و أُخرى إلى أصالة الطهارة، و هو مبنيّ على منع أصالة انفعال القليل، و تعرف في طيّ المباحث فساده.

أما لو تغيّر التحت دون ما علاه لم ينجس العالي قطعاً؛ لأنه لا ينفعل من السافل سواء جرى عن مادّة أو لا عنها ، أو كان كرّاً أو نقص، هذا حال ما لو تغيّر بالنجاسة.

أمّا لو لاقاها و لم يكن نابعاً؛ ففي الدروس: إنّ الجاري لا عن مادّة الملاقي للنجاسة لم ينجس ما فوقها مطلقاً، و لا ما تحتها إن كان الجميع كرّاً فصاعداً إِلَّا مع التغيير (3). و ظاهره أنّ الطهارة فيه من المسلّمات.

لكن الشارح (4) أورد تناقضاً محصّله: أنّ الحكم بطهارة الأسفل مع الحكم بعدم تقوّي الأعلى بالمنحدر متهافت؛ إذ عدم التقوّي يوجب النجاسة في الملاقي المرتفع إذا لم يكن كرّا، و كونه مع الأسفل كرّاً لا يرفعها؛ لعدم تقوّيه به، و مثله ما لو استوعب التغيير عمود الماء نجس الأسفل و إن كان كرّاً؛ للقاعدة فإنّ أجزاء الأسفل غير متساوية لتعصمها الكرية فلا يقوّي الأسفل الأعلى منها فينفعل الأعلى بملاقاته للنجس، و لا يتقوّى بما دونه و ينفعل تاليه به و هكذا.

و لعلّه سادَ بنجاسة ما تحت بالملاقاة مطلقاً حتّى مع الاستيعاب و الكرية، و مثله ما تخيّل من التناقض في قولي العلّامة في القواعد (5) و التذكرة (6)، فإنّه أطلق في الأوّل بعد اعتبار

ص: 102


1- ينظر المحقق الشيخ حسن، معالم الدين (قسم الفقه): 1/ 161.
2- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 42.
3- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 119.
4- ينظر الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 365.
5- العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 1/ 183.
6- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 15.

الكرّ في الجاري اختصاص النجاسة بالمتغيّر دون ما فوقه و ما تحته، و يعطي بظاهره أنّ تساوي السطوح غير معتبر لديه في الكرّ، و تقوّي الأعلى بالأسفل ممكن، إذ لو اعتبر المساواة كما في كشف اللثام (1) لزمه نجاسة الأسفل مطلقاً، باعتبار عدم تقوّي أوّل أجزاء ما تحته بآخره المتغيّر، و اعتبر في بالآخر مساواة السطوح أو علوّ القويّ، و لا اختصاص للتناقض المتوهّم بالتغيير بل يجري في نفس الملاقاة إذا لم يكن الملاقي بنفسه مع انضمام ما فوقه كراً؛ لعدم حصول التقوّي بالأسفل.

و دفعهما: إنّ اختلاف السطوح في المياه الجارية المتعارفة الغالبة غير قادح مطلقاً و لو في غير الجاري؛ إذ لا خصوصيّة له يمتاز بها عن غيره، لحكومة العُرف بوحدة المائين في المياه الجارية و غيرها.

و اعتبار العلوّ و المساواة في اتّصال الواقف بالجاري لمراعاة صفة الانحدار، فإنّ القليل متى كان أعلى عدّ مع الجاري و الكرّ مائين عرفاً إلَّا أن يكون الانحدار شبيهاً بالعمود كما في السكور (2)، أشكل الأمر على اعتبار التساوي، إذ متى لاقت أوّله النجاسة و كان دون الكرّ نجس جميعاً؛ لعدم تقوّيه بأسفله.

و عسى العلّامة يلتزمه، و لا ينافيه إطلاق القواعد (3) لحمله على المتعارف، فلا يتمحّل لدفعه بأنّ الحكم من خصوصيّات الجاري دون غيره عنده، أو قوله في القواعد من اختصاص النجاسة بالمتغيّر، كلامٌ مُجْمَل كما صنعه البعض (4).

فظهر إلى هنا أنّ ملاقاة الكرّ في قول الماتن مطهّرة للنجس من الماء كالجريان و ملاقاته

ص: 103


1- الفاضل الهندي، كشف اللثام: 1/ 257.
2- ... و بالكسر ... : الاسم منه، و ما سُدَّ به النهر، و المسناة: ج سكور. ينظر: الفيروزآبادي، القاموس: 2/ 50.
3- العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 1/ 183.
4- ينظر المولى النراقي، معتمد الشيعة: 33.

دون نفس المخالطة مع ماء طاهر مطلقاً كما يقتضيه كلام العماني (1) مستنداً فيه للاستحالة الشرعيّة أو العقليّة؛ لتضادّ النجاسة و الطهارة و عدم امتياز أجزاء الماء.

(و نبّه) الشارح على أنّ مراد الماتن في الكتاب (بقوله: لاقى كرّاً)، مقتصراً على نفس الملاقاة، مشيراً إلى (أنَّه لا يشترط في طهره) إذا تنجّس و تطهيره (به) بعد ملاقاته (وقوعه) و إلقاؤه، و وروده (عليه) بالمباشرة أو الاتّفاق (دفعة) عرفيّة (كما هو) المراد منها عند إطلاقها خلافاً لما هو (المشهور بين المتأخّرين) من اعتبارها كالفاضلين (2) و الماتن في الدروس (3) و لواحقهم (4).

و ادّعى المحقق الثاني (5) ورود النصّ بعد نسبته له إلى الأصحاب، فإرجاع الشهرة إلى الأمرين في كلامه - كما لغيرنا - غير لائق، و لم يعتبرها جماعة من المتأخّرين مدّعين لحوقهم للقدماء في العدم؛ لعدم وجود اعتبارها في كلامهم.

قال جدّي في كشف الغطاء: و لا حاجة إلى الدفعة في التطهير بالاتّصال بالكرّ، بل المدار على اتّصاله متّصلاً لا منفصلاً (6).

و تبعه ولده الوالد رحمه الله في أنوار فقاهته (7)، و مالَ عنه الماتن و الشارح بعد اعترافه بشهرته لا مطلقاً في الكتاب، فلا تعتبر الدفعة، (بل تكفي ملاقاته) عند نجاسته (له) بعد إحراز كرّيته (مطلقاً)، دفعةً كان الإلقاء أو تدريجاً؛ لعموم أدلّة طهوريّة الماء، و أصالة عدم اشتراط ء شیء آخر، و لسريان الطهارة من كلّ جزء إلى الجزء الآخر، و (الصيرورتهما بالملاقاة) الباعثة

ص: 104


1- حكاه عنه في مختلف الشيعة: 1/ 176.
2- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 42؛ العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 46، تذكرة الفقهاء: 1/ 16.
3- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 120.
4- الخوانساري، مشارق الشموس: 194 - 206؛ الفاضل الهندي، كشف اللثام: / 315؛ القمي، غنائم الايام: 1/ 537.
5- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 110.
6- الشيخ جعفر، كشف الغطاء: 2/ 437.
7- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة:1/ 38.

للتساوي (ماءً واحداً).

و تجزّيه بالنجاسة و الطهارة مستهجن، و الحكم بنجاسة بعض صوره مع وحدته عرفاً و ضعف المستند له تحكّم، و الماتن في الدروس (1) يظهر منه الوحدة المزبورة في عبارته السابقة في الجاري، و استظهر بعضهم (2) الوحدة من الأصحاب حتّى عند من اشترط تساوي السطوح في الطهارة و النجاسة؛ لتصريحهم بأنّ العالي إذا كان كرّاً فصاعداً لم يتنجّس السافل في الملاقاة، فهم يرون الاتّحاد، و سيجيء ما فيه.

و أمّا نسبة جامع المقاصد (3) ذلك إلى الأصحاب و النصّ، يدفعه عدم العثور عليه لأحدٍ قبل الفاضلين لا نصّاً و لا إشارةً، و إن لم يكن العكس ظاهراً منهم، و كذا نصّه المرسل (4)؛ لعدم حكايته و وجوده.

و في الجواهر ردّه بأنّ عدم الوجدان لا يقضي بعدم الوجود (5)، فيجري مجرى الرواية المرسلة المعمول عليها بعد الانجبار، و الجابر الشهرة.

و فيه: إنّ غاية ما يثبت بإرساله ورود خبر ما في بابه، أمّا كون الخبر نصّاً في المطلوب لفهمه دلالته عليه و رضاه به فلا وقع له؛ لأنه لا يجري قطعاً مجرى الرواية المصطلحة، و حكم البعض (6) بالرجوع إلى عبائر بعض القدماء عند إعواز النصوص؛ لانهم يرون أنّ تلك الألفاظ واردة من الإمام علیه السلام فهي أخبار و يجري فيها جميع ما يجري فيها، إلّا أنّهم يجعلون حكمهم بالحكم كاشفاً عن ورود خبر به، و ليس لذلك الخبر معنى غيره فيأخذون به.

و من هنا نشأ الاشتباه و لم يتفطّن إلى أنّ الشهرة اللائقة في الجبر لو شملت شهرة

ص: 105


1- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 120.
2- البحراني، الحدائق الناضرة: 1/ 233.
3- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 110.
4- ابن أبي جمهور، عوالي اللآلئ: 1/ 76.
5- النجفي، جواهر الكلام: 1/ 141.
6- البهائي، الحبل المتين: 188.

المتأخرّين إنّما تكون جابرة إذا لم يكن مستندها غير الخبر الموافق لها، و الناظر في كلامهم في المقام يراهم بمعزل عن ذلك؛ لركونهم فيه إلى الاستصحاب طوراً، و إلى القدر المتيقّن آخر، و غير ذلك، على أن المصرّح بها محصور.

و الأردبيلي رحمه الله يقول: لم يعثر بقائله و لا بوجهه (1).

و بالجملة، فلم يعتبرها الشهيدان في كتبهما إلّا في الدروس (2)؛ و لعلّ ذلك لما مرّ، (و لأنّ الدفعة لا يتحقّق) و لا يثبت (لها معنى؛ لتعذّر الحقيقة)، و هي ملاقاة جميع الأجزاء في آن واحد عادةً لا بالإمكان المطلق؛ فينحصر مرادهم بإرادة العرفيّة، (و عدم الدليل على) اشتراط (العرفيّة)؛ لخلوّ النصوص عن طرق التطهير يكفي في العدم، و هذا الدليل يبطل الحقيقة أيضاً.

و ميله عنه فيه رمز إلى اعتباره لولا الامتناع، فلا يرد لزوم تنجيس أوّل أجزاء الكرّ لو لم تعتبر الدفعة، فإنّه يتمّ لو كانت حقيقيّة، و لا يقضي باعتبار العرفيّة عند تعذّرها، فكأنّ دليل اعتبار الدفعة عنده منحصر به، و هو لا يثبت إلّا الحقيقيّة، فتأمل.

و تحقيق الحال: أنّ إطلاق عدم اشتراطها منهما غير وجيه؛ إذ لو فسّرنا الدفعة بما يقابل الدفعات - يعني عدم الطهر بإلقائه شيئاً فشيئاً حتّى يبلغ الكرّ أو يلقى و يقطع منه شيئاً قبل الإتمام - فلا شبهة في اشتراطها لإخراج الفرضين المزبورين مطلقاً حتّى على القول بعدم نجاسة القليل؛ لأنّ المراد أنّه يحصل به التطهير، و يمكن إدخال ذلك بقوله: لاقى كرّاً؛ لأنّ اعتباره في الملقى يُغني عن التلفّظ بها مع تفسير بعض (3)من اعتبرها بغير المعنيين فلا يرد شمول المتن و الشرح للفرضين، فإنّ الاتّصال في موضوع الكرّ المستنبط معتبر بشهادة التبادر.

و يشكل في الأخير؛ لأنّ المحقّق من مناط التطهير ملاقاة الكرّ للنجس إمّا مطلقاً أو مع الامتزاج، فإذا فرض حصول الاتّصال أو الامتزاج فقد حصل التطهير، و لا يعبأ بعده

ص: 106


1- المحقق الأردبيلي، مجمع الفائدة: 1/ 366.
2- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 118.
3- ينظر المحقق التستري، مقابس الأنوار: 83/1.

بانقطاع أجزاء الكرّ؛ إذ لا وجه لبقاء الكرّ على حاله و عدم عروض الفصل في أجزائه دائماً، كما في الوصل بين غديرين أحدهما كرّ و الآخر نجس، فإذا طهر النجس بالاتّصال لا فرق بين بقائهما متّصلين أو انقطاع أحدهما عن صاحبه، كذا قرّر الأستاذ رحمه الله (1)، لكنّه رأى أنّ المراد من عدم تخلّل الانقطاع الملازم للدفعة هو الحذر عن اختلاف سطوح الكرّ، فيكون له وجه لولا رجوعه إلى ثالث معانيها الآتي.

و الحاصل: كان الاتّفاق على اعتبارها بمعنييها، مضافاً إلى جميع ما قضى بانفعال القليل و لا نقض بماء الحمّام المطهّر و لو بلغ ما في الحياض مع المادّة كرّاً، فإنّ القائل به لا يسرّيه إلى غيره؛ لخروجه بالنّص (2) و عموم البلوى كما في الذكرى (3)، و أيضاً نحن لا نقول به بعدُ، فسقط توهّم المحشّي رحمه الله (4) بعد ما عرفت من دخول المعنيين في كلامهما.

و أمّا لو فسّرنا الدفعة بما يقابل وقوع الكرّ تسنيما، بمعنى علوّ سطح الكرّ يسيراً على المنفعل، فيظهر اعتبارها من غير واحد (5)، لنجاسة الملاقي من أوّل أجزاء الكرّ فينقص عنه و ينجس، و لا كذلك لو اعتبرت، و بذا ردّ الكركي (6) الماتن في الذكرى (7) لمّا اكتفى بالاتّصال في التطهير.

و أجاب بعض (8) من تأخّر عنه بكفاية بلوغ المطهّر كرّاً حين الاتّصال إذا لم تغيّر بعضه النجاسة، و لا ضَيْر في نقصانه بعد ذلك، مع أنّ مجرّد الاتّصال لا يوجب النقصان.

ص: 107


1- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 128.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 373 ح 1143.
3- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 85.
4- المحقق الأردبيلي، مجمع الفائدة: 1/ 366.
5- ينظر الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 129، 130.
6- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 133، 136.
7- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 87.
8- الخوانساري، مشارق الشموس: 210.

و فيه: إنّ مرجعه إلى شمول إطلاقات التطهير لمثله و عدم عموم أدلّة الانفعال له، و هو مصادرة، مع أنّ الرّد و جوابه بعد البناء على نقصان الكرّ، و هو ممنوع؛ إذ الجزء الملاقي و إن نقص الكرّ بملاقاته إلّا أنّه مع ما يليه من الأجزاء كُرٌّ ، و هو كافٍ.

و احتمل شيخ أساتيدنا رحمه الله (1) أنّ اشتراط الدفعة لجهة توقّف الامتزاج عليها المفروغ من شرطيّته، مستظهراً ذلك من اقتصار القائلين بالامتزاج على اشتراطها كالفاضلين (2) و الماتن و السرائر (3).

و المحشّي (4) في ردّه الشارح بأنّ الامتزاج الحاصل من الدفعة لا خلاف فيه، و اعتذر للكركي حيث اعتبر الدفعة، و نفى اعتبار الامتزاج بتخصيصه بصورة الإلقاء، فراراً عن اختلاف سطوح الكرّ؛ لعدم تقوّي العالي بالسافل.

و أمّا في صورة الوصل فلا يرى اعتبار الدفعة، فينحلّ كلامه إلى اعتبار تساوي السطوح الذي تلزمه الدفعة، فكان اعتبارها من التعبير باللّازم، و أيّد ذلك بردّه المتقدّم للماتن في عدم اشتراطها بأنّ وصول أوّل جزء منه إلى النجس يوجب نقصانه عن الكرّ فلا يظهر، فهو من النافين لاعتبار الدفعة، و يلزمه عدم الاعتبار فيما زاد على الكرّ فألقي و بقي المرتفع كرّاً لعدم الانفعال، و لعلّ له وجهاً خلافاً لظاهر كلامهم.

و أيّده أيضاً بالقطع في حصول التطهير بين الغديرين المتّصلين إذا خالط الكثير الطاهر منهما النجس حتّى عند الكركي (5)، و هو حسن لولا أنّه قاض بمقدّميّة اعتبار الدفعة، و هو خلاف كلّ من اعتبرها و جعلها شرطاً مستقلّاً ، و ركن المحشّي في اعتبارها بهذا المعنى إلى استصحاب النجاسة و بقائها بغيرها و إلى قاعدة الاحتياط، قال: فلا بدّ في الحكم بتطهيره

ص: 108


1- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 131.
2- المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 1/ 12؛ العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 16.
3- ابن إدريس، السرائر: 1/ 63.
4- الخوانساري، حاشية الروضة: 11.
5- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 117.

من قاطع يقطع ما ثبت من نجاسة الآخر. و قال: تحقّق الإجماع على التطهير بها يكفي لنا في الحكم بتطهيره اعتبارها (1).

و الحقّ لحوق إطلاق المتن و الشرح في العدم هنا؛ لردّ النّص و الإجماع بما عرفت، و لردّ لزوم تساوي السطح المتوقّف عليها بعدم تمامه في جميع صور الإلقاء المتّفق على كفاية بعضها كصورة الزيادة السالفة.

نعم، يتمّ في الحوضين و الغديرين اللذين بينهما ساقية و امتزجا ثمّ منع عدم تقوّي السافل بالعالي؛ لحكم العرف بوحدة المائين، و ما لم يتّحد عرفاً كالعالي المستقلّ عن السافل الذي بينهما ساقية يدخل بالجاري لا عن مادّة فيطهر بناءً عليه أو ينجس أو يخرج بدليله، بخلاف الماء الملقى على النجس لمعلوميّة اتّحادهما.

و يردّ قول المحشّي بتسليم اعتبارها في صورة الامتزاج لا مطلقاً، و الإجماع المدّعى على التطهير بها و لو في غير صورة الامتزاج أوّل المرافعة، و إرجاع الخلاف إلى صورة خلوّ الامتزاج من الدفعة لا خلوّها عنه، قول مرفوض؛ لرجوعه إلى الخلاف في المزج دونها، و سيجيء توضيحه، هذا.

و النظر في سالف كلماتنا في الجاري ربّما يفيد في المقام.

نعم، الخلاف هنا بعد الفراغ من عدم الطهارة في مسألة التتميم الماضية، و أمّا على القول بها فلا وجه لاعتبارها، و كذا نبّه الماتن بقوله: (لاقى كرّاً) غير مقيّد له بصورة حصول الامتزاج؛ ليدلّ بإطلاقه على أنَّه (لا يعتبر ممازجته له) بعد وقوعه عليه، (بل يكفي) في التطهير (مطلق الملاقاة) بعد زوال التغيير سواء كان قبلها أو بها أو بعدها، بنفسه أو بعلاج ما لم يسرِ التغيير للملقى فينفعل الجميع على اختياره، و الخلاف في المسألة شائع بين الطبقة الثانية حتّى كان القولان متكافئين إن لم يرجّح عدم اعتباره كما في الكتاب متناً و شرحاً.

و أمّا الطبقة الأولى، فقال بعض المحقّقين ما نصّه: لم أر منهم كلاماً ناصّاً على شيء من

ص: 109


1- الخوانساري، حاشية الروضة: 1/ 11.

الطرفين، إلَّا أنّ إطلاق كلامهم يدلّ على عدم الاعتبار (1)، انتهى.

و يؤيّده أنّ الماتن في الكتاب حذا حذوهم في العبارة، و استفادة الشارح العدم منها قاضٍ بفهمه ذلك منهم أيضاً، و هو كافٍ في إسناد عدمه إليهم.

ثمّ الفاضل المشترط في التذكرة (2)، الذي لا يكشح عن نقل أقوال الناس إذا خالفونا، لم يسنده إلى أحد - و هم منه بمرأى و مَسْمَع - مؤيّد آخر، فما تفطّن له الأستاذ (3) من استفادة ذلك من الخلاف خلاف الإنصاف إنّا و عبارته غير ظاهرة به، غايته الاستظهار من تمسّك الشيخ رحمه الله (4) بأولويّة المتنجّس بالطهارة من عين النجاسة بأنّه لا يتمّ إلّا مع استهلاك العين النجسة، و هو موقوف على الامتزاج و إلّا لا يطهر، فلو لم يرد الامتزاج لم ينجم دليله مع الامتياز، و لبطل قياسه للمتنجّس على النجس، كذا أفاد و بتتبّعه أجاد، غير أنّ مقصود الشيخ ظاهراً هو الاستدلال على عدم انفعال الكرّ - كما هو صريحه - لا طهارة عين النجاسة بالاستهلاك، فكأنّه يقول: إنّ القليل المتنجّس إذا لم يصلح لتنجيس الكرّ للأولويّة فلا بدّ من القول بطهارته لو لاقى الكرّ؛ للملازمة الشرعيّة أو العقليّة في الطهارة بين أجزاء الماء الواحد أو الاثنين المتّصلين كما سننبّه عليه. خلافاً للجواهر (5).

لا أقلّ من مساواة احتمال هذا المعنى لما احتمله الأستاذ (6) و هو كافٍ في المنع من ظهور الامتزاج من کلامه، على أنّ إطلاقه فيه كإطلاقه في غيره من زبره و إن عبّر في المبسوط (7) بالطريان، و بالخلاف (8) بالورود، فيظنّ منه إرادة الامتزاج في الثاني للملازمة بينه و الورود

ص: 110


1- لم أقف عليه.
2- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 23.
3- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 129.
4- الطوسي، الخلاف: 1/ 193.
5- النجفي، جواهر الكلام: 1/ 164.
6- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 150.
7- الطوسي، المبسوط: 1/ 7.
8- الطوسي، الخلاف: 1/ 193.

دون الأوّل فيتمّ المدّعى، مدفوعٌ بعد عدم الملازمة أنّ عدم بيانه مع أنّه من مقاماته ممّا يوهن الظهور المزبور، و ليس هو فيها بأظهر من لفظ الإلقاء و الوقوع، و لم يزعم الظهور فيهما أحد، و أمّا باقي القدماء غيره فاحتمل الأستاذ أيضاً ذلك من بعضهم و ردّه، فكفينا أمره.

فانحصر الخلاف في المتأخّرين، و أوّل من عرف منه اعتبار شرطيّته المحقّق رحمه الله في المعتبر (1)، و تبعه الفاضل في التذكرة (2) في مسألة الغديرين.

و الماتن في الذكرى قال: و طهر الجاري بالتدافع و الكثير بتموجّه إن بقي كرّاً فصاعداً غير متغيّر، و إلّا فبإلقاء كرّ عليه متّصل فكرّ حتّى يزول تغييره (3).

ثمّ قال: و طهر القليل بمطهّر الكثير ممازجاً (4)، و هو صريح في الاعتبار، غير أنّ الاتّصال الذي اعتبره إمّا أن يريد به الممازجة أو الدفعة؛ فإن كان الأوّل لغا قوله: ممازجاً في الأخير، و إن كان الثاني لزمه اعتبار الممازجة في القليل لا في الكثير، و لا وجه له.

و يمكن الذّب عنه بأن يريد بها الدفعة و ظنّ لزومها لها فعبّر عن الملزوم باللاّزم، فلا يظهر منه اعتبارها.

و يمكن أن نحمل عبارته على خصوص الممازجة، أو الأعمّ منها و الدفعة.

و أجلى منها في عدم ظهور اعتبار الامتزاج مقالته في الذكرى أيضاً فيما لو نبع الكثير من تحته كالفوارة فامتزج طهّره، ثمّ قال: و لو كان رشحاً لم يطهر؛ لعدم الكثرة الفعليّة، هو انفعال مطلق النابع القليل و إن حصل معه الامتزاج، أو أنَّه البئر هنا.

و تبعهم من متأخّري المتأخّرين الآقا البهبهاني (5) و شيخ أساتيدنا (6) في شرحه، و أنكر

ص: 111


1- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 43.
2- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 23.
3- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 78.
4- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 85.
5- البهبهاني، الحاشية على المدارك: 1/ 351.
6- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 137.

اعتباره جماعة من الأواسط (1)، مضافاً إلى إطلاق القدماء الذي استفدنا ذلك منهم.

فمنهم الفاضل في المنتهى و النهاية و التحرير؛ ففي الأوّل فيما لو كان أحد الغديرين لم يبلغ الكرّ و وصل ببالغه، قال: إنّ الاتّفاق واقع على أنّ تطهير ما نقص من الكرّ بإلقاء كرّ عليه، و لا شكّ أنّ المداخلة ممتنعة، فالمعتبر إذا الاتّصال الموجود هنا (2)، انتهى.

و في الثاني في المسألة بعد نقله عن البعض عدم الطهارة بمجرّد الوصل قال: و الوجه الطهارة (3)، انتهى.

و في الثالث كذلك قال: و الأولى زوال النجاسة (4)، انتهى.

و لا ينافي ذلك قوله فيها أيضاً: إنّ الحوض الصغير من الحمّام إذا نجس لم يطهر بإجراء الماء إليه ما لم تغلب عليه (5)، بحيث تستولي عليه؛ لأنّ الصادق علیه السلام لا حكم أنَّه بمنزلة الجاري (6)، و لو تنجّس الجاري لم يطهر إلّا باستيلاء الماء عليه بحيث يزيل انفعاله (7). انتهى.

و النهاية (8) و التحرير (9) مثله، فإنّ غاية ما تعطي عباراته اشتراط الاستيلاء المزيل للانفعال، و المتبادر منه أن لا يكون أسفل، بل إمّا أعلى أو مساوياً. و أمّا الممازجة فلا تفهم منه.

نعم، لو توقّف زوال التغيير على الممازجة اعتبرت بلا خلاف، و هو خارج عن مفروض البحث.

ص: 112


1- البحراني، الحدائق الناضرة: 1/ 149.
2- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 54.
3- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 232.
4- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 46.
5- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 53.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 378 ح 1170.
7- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 32.
8- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 2321.
9- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 46.

و منهم ثاني المحقّقين رحمه الله (1) فإنّه بالغ في ردّ اعتباره، و من متأخّري المتأخّرين الإمام الفقيه جدّي الشيخ جعفر في موضعين من كشف الغطاء (2) لم يعتبره، و عمّي في شرح البغية (3)، و والدي في أنوار فقاهته (4)، و أعمامي في إفتائهم كذلك، و لعلّي أدّعي الإجماع محصّلاً عليه بين القدماء بقرينة الإطلاق، و فهم الشهيد من مثلها العدم.

و مبالغة الكركي (5) في الإنكار و موافقة كاشف اللّثام (6) و إن ظهر منه لابدّية المزج بمجرّد الاتّصال و معلوميّة المنكر له إن لم يؤول كلامه، و الفاضل من الموافقين في المعنى.

فيختصّ الخلاف ببعض (7) من تأخّر ممّن لا يعوّل على خلافهم، و الإجماع المدّعى على الاعتبار الواقع في كلام الأستاذ لم نقف على مدّعيه بالموضع المتنازع فيه، و نقله مع شدّة وقوفه أغرب.

اعتمد المعتبر للمزج على وجوه مدخولة:

منها: الاستصحاب القاضي بالنجاسة المحرز موضوعه لولا المزج، و هو مبنيّ على أن مجرّد الاتّصال قبله لا يجعلهما ماءً واحداً، و لا ملازمة عقليّة أو شرعيّة بين أجزاء الماء في الطهارة و النجاسة، إذ لو ثبت الاتّحاد بالاتّصال و الملازمة بالإجماع المدّعى عليها لا يتمّ الدليل المزبور؛ لوقوع التعارض بين الاستصحابين طهارة أحدهما و نجاسة الثاني، و المفزع حينئذ إلى قاعدة الطهارة.

ص: 113


1- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 110.
2- الشيخ جعفر، كشف الغطاء: 2/ 400، 404.
3- «شرح بغية الطالب في معرفة المفروض و الواجب» للشيخ موسى ابن الشيخ الأكبر الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء.
4- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 31.
5- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 119.
6- الفاضل الهندي، كشف اللثام: 1/ 109، 110.
7- ينظر البحراني، الحدائق الناضرة: 1/ 204، 205.

و هما كما ترى، فإنّ الاتّصال القاضي بالوحدة في بعض الفروض لا ينكر حتّى عند المعتبر للمزج، لصدقه في الغديرين و الحوضين إذا ارتفع الفاضل (1) بينهما، و تصريحهم بأنّ المياه الواقعة بجنب النهر متّحدة معه فلا محيص عن قاعدة الطهارة فيهما بعد تعارض الأصلين و التساقط، و في غيرها يثبت لو فرض بمركّب الإجماع، إذ لا مفصل في المسألة بين صورة الاتّصال في النجاسة و الطهارة.

و من هنا أنكر الملازمة بعض (2) و منع الإجماع عليها، و آخرون (3) زعموا عدم الوحدة بالاتّصال فلم يمنعوا أن يكون الماء الواحد المتّصل ذا حكمين و صرفوا الإجماع إلى صورة الامتزاج فقط.

كما يظهر من شرح المفاتيح (4) أنّ امتزاج جزء من الماء لا يوجب سرايته إلى كلّه فيجوز أن يتبعّض بالنجاسة و الطهارة، فالكرّ عند وروده على النجس يطهّر بعض أجزائه و الباقي على النجاسة حتّى يسري الامتزاج إلى تمام الأجزاء، فالملازمة لم تثبت مطلقاً و به يسقط حديث تعارض الأصلين.

لكن إجماع كاشف اللّثام (5) و السبزواري (6) شارح الدروس صريح بالإطلاق الشامل لصورة الاتّصال كافٍ في قطعه، مضافاً إلى إطلاقات (7) آيات التطهير و أدلّة ماء المطر و الحمّام الشامل لمفروض البحث، و لو زعم إهمالها كفى في المقام قوله علیه السلام: «كلّما رآه المطر فقد

ص: 114


1- كذا في المخطوطة. و الصحيح: (الفاصل).
2- ينظر التفصيل في منتهى المطلب: 1/ 28، 29.
3- المصدر السابق.
4- البهبهاني، مصابيح الظلام: 5/ 105.
5- الفاضل الهندي، كشف اللثام: 1/ 110.
6- المحقق السبزواري، ذخيرة المعاد: 1/ 116.
7- منه قوله تعالى: (وَ أَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ سورة الفرقان: 48.

طهر» (1)، و قوله: «إنّ هذا الماء لا يصيب شيئاً إلَّا طهّره» (2)، إذ صريحهما أنّ الإصابة و الرؤية تحصل بمجرّد الملاقاة من دون مزج عرفاً. و ردّا بضعف سندهما و قصور الدلالة؛ لأنّ الرؤية المعتبرة هي بعد حصول المزج لا قبله. فغاية ما يقال: إنّ رؤية كلّ جزء توجب طهارته لا طهارة ما عداه، فهي معتبرة بالقياس إلى تمام الماء النجس بعد المزج و الإصابة في الثانية كذلك.

و فيه: إنّ التطهير و التنجيس من وادٍ واحد عرفاً، و سيجيء أنّ التنجيس يحصل بمجرّد الملاقاة، فكذلك التطهير، و احتمال الفرق بالإجماع على التنجيس دون الآخر موهون بأنّه لا مدرك له سوى أدلّة انفعال القليل؛ إذ لا نصّ عليه بخصوصه، و تلك الأدلّة لا تقضي بالمدّعى إلَّا بالصدق العرفي، و هو في الطرفين موجود، مع أنّ الالتزام به يقضي بنجاسة الأسفل ممّا وقع المطر على سطحه كالحوض مثلاً، و المعروف (3) عدمه، و انفراده بالحكم أشكل.

و يقطع الاستصحاب ثالثاً: أنَّه لا ريب في طهارة ما جاور الكرّ من الأجزاء عند وصوله إلى الماء النجس، فيكون حكمها حكم أجزاء الكرّ النازلة على الماء ابتداءً كالعكس، فإِنَّ صبّ الماء النجس في الكرّ شيئاً فشيئاً يورث طهارة الوارد و لو كان أكراراً نجسة، فإذا كانت الملاقاة التي هي سبب لزوال النجاسة سابقة على الورود فبورود الماء تطهر جميع الجزاء دفعة واحدة، و لا نقض بباقى المائعات غير الماء، فإنّها و إن حصلت المجاورة فيها إلّا أنّ الدليل قضى بعدم قبولها التطهير إلّا بالاستهلاك، دون الماء النجس القابل للتطهير بدونه على الأجود.

نعم، يبقى الإشكال في طهارة غير السطح المجاور من سطوح الماء النجس، فإنّه لا دليل على طهارته، ولكنّه مشترك الورود بين المزج و عدمه؛ لاستحالة التداخل الحقيقي.

و منها: الاحتياط الموجب للحكم بالنجاسة في غير المزج؛ لأنه القدر المتيقّن فلا يعدل

ص: 115


1- الكليني، الكافي: 3/ 13 ح3.
2- النوري، مستدرك الوسائل: 1/ 199.
3- ينظر العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 52.

عنه بعد كون المائين متمايزين، فالأقوى بقاء كلّ واحدٍ منهما على حكمه، و هو ظاهر المعتبر (1) و المنتهى (2) و الماتن.

و فيه: إنّ الامتياز المدّعى قبل الامتزاج في الإشارة الحسّيّة لو اقتضى بقاء كلّ من المائين على حكمه لزم عدم الحكم بالاعتصام أيضاً، و تراهم يعلّلون الاعتصام بكونهما ماءً واحداً و اتّحادهما بمجرّد الوصل، و يمثّلون بالمياه الواقفة في جنب الأنهار، و يزعمون هنا بقاء النجاسة لقضية الامتياز قبل المزج، فارتجّ علينا فهم الاتّحاد الذي أثبتوه في مسألة التقوّي، و أنكروه في مسألة التطهير مع وحدة الفرض و هو اتّصال الماء بالماء العاصم، و لعلّ ذلك يوجب اليقين بأنّهم يرون الاستهلاك باعثاً على الطهارة دون الامتزاج، و إلّا فلا مفرّ عن التناقض.

ولكن الأستاذ (3) بعد أن استظهر الاستهلاك من ظاهر المتقدّمين و أيّده بالأصل و المتيقّن، عدل عنه بظهور جملة أخرى ممّن اعتبر المزج في عدمه كإجماعهم على طهر المتغيّر إذا زال تغييره بكرّ طاهر أو تكاثر الجاري، و لا ريب بعد تحقّق الاستهلاك في أوّل أزمنة زوال التغيير و لا يزيد طهر غير المتغيّر على طهره.

و كذا طهر القليل بالمطر، فإنّ الشارح حكى الإجماع (4) عليه، و هو لا يوجب الاستهلاك، و طهره أيضاً بإلقاء الكرّ عليه مع الامتزاج إجماعاً (5)، و لا يلزمه الاستهلاك، و أيضاً صرّح الماتن رحمه الله بطهر الكرّ المتغيّر بالتموّج لو زال تغيير بعضه و كان الباقي كرّاً و إن لم يحصل الاستهلاك، و صرّح بطهارة ماء الكوز ضيّقاً كان رأسه أو واسعاً بالإلقاء بالكرّ بعد الامتزاج (6)، إلى غير ذلك ممّا يظهر منه عدم الاعتبار.

ص: 116


1- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 50.
2- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 54.
3- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 140.
4- ينظر الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 368.
5- ينظر العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 257.
6- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 87.

أقول: أمّا ما طهّره المطر فكذلك، و هو خارج بالإجماع (1)، و إلّا فما كان ليحصل المزج به فضلاً عن الاستهلاك في مثل الحياض الكبار، و أمّا غيره ممّا ذكر فلعلّه لجهة الاستهلاك و لو بالتدريج، إذ لا بُعد في دعوى ملازمة الاستهلاك لزوال التغيير و للمزج و إن حصل شيئاً فشيئاً، نظير الأكرار النجسة المستهلكة في كُرّ واحد طاهر إذا صبت فيه قليلاً قليلاً كما هو مفروض في كلماتهم (2).

و أما حديث الكوز (3) فمشكل مع عدم الامتزاج، و معه يأتي الاستهلاك التدريجي فيه كسابقه.

و الحاصل: أنّا لم نقف منهم على دليل يخصّ الامتزاج فقط و لا يقضي بالاستهلاك، فالقول به دونه عارٍ عن الدليل مع تيقّن الطهارة به.

و منها: فحوى ما دلّ على طهارة نجس العين بالاستهلاك (4)؛ إذ وقوع النجاسة العينيّة في الكرّ تغيّر ما اكتنفها من أجزاء الماء فينجس، و قد حكم الشارع بنفي البأس إذا لم يغيّر الواقع الجميع فليس إلّا لامتزاجه بباقي أجزاء الكرّ، فدلّ على حصول الطهارة به.

و فيه: ما مرّ في البحث السابق، و أنّ الطهارة في المكتنف بمجرّد الاتّصال لا الامتزاج.

و منها: إنّ الماء الممتزج بأجزاء الكرّ إن طهر به فهو المطلوب، و إن نجّسه أو بقي كلّ منهما على حكمه لزم خلاف الظاهر في الثاني، و الضرورة في سابقه.

و فيه: إنّه لا يحصر التطهير به، و لا ننكر أنّ ما امتزج طهر لكن كون الطهارة قبله أو به هو المتنازع .

ص: 117


1- ينظر: الطوسي، المبسوط : / 39؛ المحقق الحلي، النهاية و نكتها: 1/ 269، 270.
2- ينظر القمي، غنائم الأيام: 1/ 538.
3- الكليني، الكافي: 3/ 12 ح6. و نصّ الحديث: عن بكار بن أبي بكر قال: «قلت لأبي عبد الله علیه السلام: الرجل يضع الكوز الذي يغرف به من الحب في مكان قذر ثم يدخله الحب؟ قال: يصب من الماء ثلاثة أكف ثم يدلك الكوز».
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 31 ح 81.

منها: إنّ الممازجة إمّا على وجه الحقيقة كممازجة جميع الأجزاء لجميع الأجزاء، أو المراد بها العرفيّة، أو ممازجةٌ ما، و لا رابع، و الأوّل باطل؛ لأنّ (ممازجة جميع الأجزاء) و الاطّلاع عليه (لا يتّفق) و لا يمكن؛ لاستحالة التداخل (و اعتبارُ) امتزاج (بعضها دون بعض) في الأخيرين (تحكّم)؛ فإنّ نجاسة غير الممتزج من الأجزاء لا قائل بها، و كونه شرطاً في طهارة البعض منها تَشَهٍّ و تحكّم.

و نوقش بالالتزام الأوَّل و منع عدم الإمكان بأنّه لا نعني بها المداخلة ليتمّ المنع، بل المقصود ملاقاة كلّ جزء من الماء النجس للطاهر على وجه لا يبقى جزء عارياً عن الملاقاة، و يقوم الظنّ مقام العلم بعد عدم إمكان حصوله كما في غيره، و إلّا للزم الحرج الأكيد.

و حصول الظنّ بذلك ممكن بلا شبهة، فإنّ الماء لجوهريّته يسرع إلى الامتزاج، و لا يلزم مساواة النجس للطاهر أو زيادته عليه؛ لأنّ الجزء الطاهر يمكن أن يلاقي عدّة أجزاء من النجس إمّا دفعة بأن يطيف به جملة أجزاء نجسة أو على التبادل لو شرط عدم نقصان الطاهر فيه، غير أنّ الالتزام بهذا و مثله مبنيّ على الدقّة التي يأباها ذَوْق الفقيه.

و لو أُريد بعدم الاتّفاق في الممازجة العرفيّة منع هو و التحكّم أيضاً، و وجب الرجوع إلى دليل الموجب للامتزاج، فإن كان لجهة وحدة الماء عرفاً منع عدمها بدونه لا عدم اتّفاقها كما هو ظاهر.

و منها: إنّ من اعتبر الامتزاج لم يعتبره لدليل خاص شرعي؛ للجزم بعدمه، و لأنّ أوّل من اعتبره المحقق رحمه الله (1)، فما هو إلّا لأحد أمور:

الأوَّل: عموم ما قضى بطهارة المغسول الذي يجب فيه مراعاة الغاسل لتمام أجزاء المغسول، فيفرض الماء مغسولاً كغيره، فلا بدّ في طهارته إذا نجس أن يلاقي طاهره جميع أجزائه النجسة؛ ليصدق الغسل فيه، و هو لا يتمّ إلّا بالمزج، إذ الأجزاء البعيدة حين اتّصال الكرّ لم تكن ملاقية لأجزائه بالفرض، فلا تطهر و لا يتحقّق الغسل الموجب للطهارة.

ص: 118


1- المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 12.

و فیه:

أوّلاً: صدق الملاقاة عرفاً كما في نجاسة الجزء الأخير عند ملاقاة الأوّل للنجاسة في غير الكرّ، و القياس بغير الماء ممّا يشترط في طهارته ملاقاة جميع أجزائه للمطهّر منقوض بمسألة التنجيس، مع أنَّه لا عموم فيما عثرنا عليه صريح بذلك و لا إطلاق يقتضيه، على أنّ الماء للطافته يفارق غيره، فلا وجه للقياس؛ و لذا بنى غير واحد (1) [على] أنّ تنجيس القليل بالسراية.

و ثانياً: إنّ المزج الحقيقي و التداخل حيث يستحيل لا يمكن أن يتحقّق الملاقاة بالنسبة إلى سطوح جميع الأجزاء، فيؤول إلى الاكتفاء بملاقاة أحد سطحي الجزء المتنجّس في طهارة سطحه الآخر، أو إلى أنّ الجزء الملاقي لا يتجزّأ، و الثاني باطل، و الأوّل خلاف قاعدة التطهير في غير المياه، و خلاف ما يقتضيه الوجه المزبور.

و ثالثاً: إنّ الإجماع قاض باشتراط ملاقاة الكرّ في تطهير الماء، و بعدم اشتراط الكرّ في غيره من الأشياء النجسة، فليس هو على حدّ غيره ليجب فيه ملاقاة سائر أجزائه الباعث على الامتزاج، فيفترقان، فيؤمئ إليه تعليل من (2) اعتبر الامتزاج بأنّ النجس لو غلب الطاهر نجّسه مع ممازجته فكيف مع مباينته؛ لأنّ محصّله أنّ النجس متى لم يكن مستهلكاً في جنب الطاهر نجّس الطاهر.

فالمراد بالغلبة الورود و المداخلة؛ لكفاية الملاقاة في النجاسة يقيناً، فمتى كان ممتازاً عن الطاهر نجس بالأولويّة؛ لأنّ عدم استهلاك النجس كلّما كان أجلى كانت النجاسة أوضح، و لو لم يكن محصّل الدليل ذلك توجّه عليه أنَّه لا ارتباط بين تنجيس الطاهر مع الغلبة و عدم قبول الطهارة مع الامتياز، و من هنا اعتبر الماتن الكثرة الفعليّة و التكاثر في القليل و الجاري؛ لأنّ فيه مظنّة الاستهلاك.

الثاني: البناء على الاستهلاك في التطهير الذي من مقدّماته و لوازمه الامتزاج فيعتبر كما

ص: 119


1- ينظر الصيمري، كشف الالتباس: 1/ 48.
2- ينظر: المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 50 ؛ العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 23.

هو صريح بعض (1) من تأخّر، و ينطبق عليه لفظ المعالم (2).

و فيه: إنّ الطهارة معه مسلّمة و الكلام في غير صورة الاستهلاك من صور الامتزاج، كما إذا كان المتنجّس أكثر من الطاهر، نعم هو في سائر المائعات عدا الماء له وجه، فإنّ الاستهلاك في المضاف المتنجّس مطلوب على أنّ لازمه عدم قبول المياه للتطهير كسائر الأعيان النجسة أو المضاف.

و حينئذ فيبقى حكمهم بطهارة الأكرار النجسة بإلقاء كرّ طاهر فيها عارياً عن الدليل، إلَّا أن يؤول كلامهم بأنّ الكرّ الطاهر بعد دخوله تمتزج به الأجزاء شيئاً فشيئاً و تستهلك كذلك، و لكنّه بعيد عن ظاهر كلماتهم، و لولاه لما اشترطوا في تطهير المائعات ملاقاة العاصم (3) دون غيرها.

الثالث: توقّف صدق الوحدة او الاتّصال القاضيين بالتطهير على المزج فيعتبر.

و فيه: إنّ التوقّف ممنوع، بل تصدق الوحدة بمجرّد الاتّصال مع تساوي السطوح يقيناً، و مع الاختلاف ينتظر إلى أن تتحقّق.

و بالجملة، فلا أرى دليلاً صالحاً لاعتبار الامتزاج إلَّا الوجه الأوَّل، و هو أنّ الماء كغيره يطهّره الطاهر منه إذا تنجّس و يغسله، غاية الأمر أنّ الإجماع قضى باشتراط الكرية فيه فأفرده الدليل، و قضيته مراعاة المماسّة حينئذ بين المغسول به و المغسول توجب الامتزاج.

و فيه: ما مرّ ملخّصه من أنّ أدلّة التطهير مخصّصة لأدلّة انفعال القليل بالملاقاة فلا وجه لاشتراط الكرّية، و كونه تعبّدياً يبطله التتبّع، مع استحالة ملاقاة الكرّ لتمام الأجزاء؛ للزوم التداخل الغير الممكن، فلا بدّ من الالتزام بملاقاة سطح كلّ جزء منه، و هو ليس بأولى من الاكتفاء في تطهيره بملاقاة سطح المجموع، فينحصر دليله باعتبار الاستهلاك، و هو كما ترى، فيسقط اشتراطه.

ص: 120


1- النجفي، جواهر الكلام: 1/ 130.
2- المحقق الشيخ حسن، معالم الدين (قسم الفقه): 1/ 254.
3- ينظر المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 183.

و منها: إنّ الحكم بطهارة هذا الماء لا بدّ و أن يستند لدليل، و هو بعد فقد النّص لا يخلو إمّا لجهة الاستهلاك أو الاتّحاد و الأوّل و إن قضى بالطهارة إلّا أنّه يشكل في صورة زيادة النجس على الكرّ الطاهر؛ لعدم حصوله مع القطع بطهارته، و الثاني إنّ (الاتّحاد مع) مجرّد (الملاقاة حاصل) بلا ريب فتزول نجاسة الماء، كما أنّه لا ينفعل إذا حصل الاتّحاد قبل التنجيس من دون امتزاج.

اللهمّ إلّا أن يدّعى أنّ مناط التطهير هو استيلاء الطاهر على النجس و قهره له، و لا يحصل إلَّا بالممازجة، كما أنّ غير الماء إذا تنجّس لا يطهر إلّا بورود الماء عليه.

و فيه: إنّ الاستيلاء على فرض اعتباره إن توقّف على ممازجة الجميع للجميع لزم ما سبق، أو البعض فمطلق الملاقاة كافٍ فيه، مع أنّ الممازجة قد تحصل و لا استيلاء في صورة علوّ المتنجّس أو مساواته، و دعوى توقّفه عليها مطلقاً أو العكس ممنوع.

و منها : إنّ اتّصال القليل بالكرّ قبل النجاسة كافٍ في دفعها و لو لم يمتزج، فكذا في صورة الدفع؛ لأنَّ الدفع ما هو إلّا لجهة كونهما ماءً واحداً، فليكن الرفع كذلك؛ إذ الوحدة و التقوّي لو توقّفا على الامتزاج لكانا فيهما سواء إلّا أن يفرق فيعتبر في الزوال قهر المطهّر دون الدفع؛ لكفاية الكرّية فيه، فكما أنّ الوارد مطهّر للجزء الذي يليه فكذلك الجزء الآخر منجّس لمجاوره فيتعارضان، و لا يسقط أثر المنجس إلّا إذا غلب المطهّر عليه و قهره، و ذلك بالامتزاج.

و مثله الطهارة من الأخباث، فإنّ الشيء الرطب إذا غسل بعضه لم يطهر إذا كان المنجس أعلى، أو كان قابلاً للسراية، و ليس ذلك إلّا لمعارضة المنجس المطهّر، لكن يلزم منه أن لا يطهّر الماء النجس إلّا بما يساويه أو يزيد عليه؛ ليتقوّى على قهر جميعه، فلا يطهر أضعاف كرّ بكر، مع أنّه خلاف الإجماع.

و الظاهر أنّ الاعتبار يقضي بأنّ الكرّ الطاهر من الماء أقوى من كلّ نجاسة و نجس و إن تضاعفت كثرتها ما لم يتغيّر.

ص: 121

و منها: الاستدلال بالأصل، و قرّره بعضهم (1) طوراً أنّ الأصل بقاء الكرّ الملقى على الطهارة، كما أنّ الأصل بقاء النجس على النجاسة، و عند التصادم تؤيّد الطهارة بالإجماع (2) من المتقدّمين الذين ليس للمزج في كلامهم أثر على عدم تحقّق ماء يكون بعضه طاهراً و بعضه نجساً من غير تغيّر بالنجاسة إلّا في مختلف السطوح، و بأنّ النجاسة طارئة و الطهارة أصل ذاتي للماء و أنّ الطاهر أقوى من النجس؛ و لذا طهّر الكرّ أضعافه.

و أُخرى: بأصالة البراءة من الزيادة على الاتّصال عند التكليف بتطهير مثل الفرض.

و ثالثاً: الأصل جواز التناول قبل الامتزاج.

و الإنصاف أنّ الأصل إن لم يفض بالنجاسة كما غبر فما كان ليدلّ على الطهارة كما نبّه شيخ أساتيدنا عليه (3).

و قد يُقال: إنّ المائعات بأسرها غير قابلة للتطهير من غير فرق بين المضاف و غيره إلّا بالاستهلاك؛ لعدم إمكان انفصال الغسالة التي هي شرط التطهير، و عليه لا بدّ من الامتزاج، لعدم حصوله بدونه و لو (4) كان الوارد أقلّ من المورود أو أكثر أيّهما نجس لما مرّ من إمكان تصوّر الامتزاج فيه.

و هو وجيه؛ إذ لا معنى محصّل للامتزاج بغيره، غير أنّه مخالف لصريح جملة، و ظاهر أُخرى.

و عسى أن يكون محصّل الإجماع على عدمه، فإنّ مَنْعَ المحصّل لا ضير في احتماله للاستصحاب و قاعدة الاحتياط، إلّا أنّ الذي يقوى في النظر سقوط شرطيّته؛ لفَقْد الدليل، فيكفي الملاقاة في التطهير كما هو ظاهر الماتن هنا، أو لكونها ماءً واحداً عرفاً كما هو صريح الشارح، فيطهر الحوض النجس بمجرّد ملاقاة الطاهر من الكرّ له، و به أفتى جدّي و أبي

ص: 122


1- السيد بحر العلوم، مصابيح الأحكام: 1/ 82.
2- ينظر الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 378.
3- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 128.
4- في هامش المخطوطة: (إن، خ).

و أعمامي رحمهم الله (1)، خلافاً لمن ذكرنا.

ثمّ إنّ المعتبر له في حصول التطهير لا يخصه جزماً بغير الجاري و ماء الحمّام و لا فيما إذا لم يُلقَ الكرّ دفعة؛ قضاءً لدليله و إطلاق اشتراطه، فما في الجواهر (2) من الأمرين غير لائق؛ لعدم تماميّة إطلاق الصحيحة و المرسلة كما سبق و يجيء في الأوّل.

و أمّا الثاني، فهو و إن نقل الاتّفاق في المنتهى (3) و المختلف (4) على حصول التطهير به، و يؤيّده الإجماع على كفاية تطهير الأكرار بالكرّ الواحد؛ إذ يبعد حصول الامتزاج به، إلّا أنّ هذا تخرّص بعد إفراد شرطيّة الامتزاج و كونه غير الدفعة في عباراتهم، و مقتضى استنادهم في اشتراطه إلى الاستهلاك ظاهر في عدم الاستغناء عنه بالدفعة، و الإجماع عليها إن كان في القليل النجس يلزمها الامتزاج قطعاً، و إن كان في الكثير المتغيّر لا يزول تغيّره بدونه.

و لذا تردّد الفاضل في التذكرة (5) في طهارة الكثير النجس إذا وقع في أحد جوانبه الكرّ مع عدم الإشاعة فيه، على أنّ اعتبار الدفعة المغني عن الامتزاج إذا كان للنّص و فتوى الأصحاب و قد مرّ ما فيه، و أمّا لو كان لأجل عدم اختلاف سطوح الكرّ أو الحصول الامتزاج فلا غناء بها عنه كما هو ظاهر.

(و يشمل إطلاق الملاقاة) في كلام الماتن مع ما شمله على ما حقّقناه (ما لو تساوى سطحاهما) مساواة عرفيّة، (و) ما لو (اختلف) السطح منهما، و نبّه بتثنية السطح مع حالة التساوي و إفراده فيما لو اختلف على أنّ الاختلاف لا يقتضي التعدّد بوجه دون التساوي، فقد يجتمع التعدّد معه في بعض الأحوال، و هو من محاسن التعبير، و يمكن أن يعود المضمر في الأخير إلى المصدر أي حصل الاختلاف، و يحتمل حذف الفاعل و هو سطحاهما على قول

ص: 123


1- الشيخ جعفر، كشف الغطاء: 2/ 400؛ الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 35.
2- النجفي، جواهر الكلام: 1/ 94، 95.
3- العلّامة الحلي، المنتهى: 1/ 65.
4- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 179.
5- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 16.

الكسائي (1)، و مثله: و إن كان لا يرضيك حتّى تردني، بتقدير شيء بعد يرضيك.

و نتيجة إطلاقه رحمه الله طهارة الماء بنفس الملاقاة مطلقاً، (مع علوّ المطهّر على النجس و عدمه) الشامل للمساواة، و علوّ النجس سواء لزمه الامتزاج أو لا، و إطلاق الأكثر يقتضيه إِلَّا العلّامة رحمه الله في التذكرة (2) فإنّه نصّ في مسألة الغديرين على الاستواء أو علوّ المطهّر، بل و سائر (3) مَن عبّر بالإلقاء أو أضاف الدفعة إليه، فإنّ فيه قرينة واضحة على اعتبار الاستواء، ولكن في المعتبر و التحرير و النهاية و المنتهى (4) في هذه المسألة إذا كان بينهما ساقية توصل أحدهما بالآخر طهر المتنجّس منهما باتّصال الكرّ، و ظاهرها كفاية مجرّد الاتّصال في التطهير و إن نافاه لفظ الإلقاء، و لأجله جمع الأستاذ بين إجماع المنتهى على التطهير بإلقاء الكرّ و بين حکمه بكفاية مجرّد الاتّصال في قوله: فالمعتبر إذا الاتّصال... إلخ.

کا

قال رحمه الله: فإنّ الجمع بين دعواه و حكمه لا يمكن إلّا بأن يُراد من الإلقاء في معقد الاتّفاق مجرّد الاتّصال (5)، انتهى.

و كأنّه خلاف ما حاوله من سبقه زاعماً أنّ اعتبار العلوّ إجماعي مقرّراً له أنّ الأصحاب بين من يقول باتّحاد سطوح الكرّ و بين من لا يقول، و لا ريب في مراعاة علوّ المطهّر عند الأوّلين، فإذا صرّح الآخرون باعتباره صار معتبراً إجماعاً، و لعلّه انتحله من المشارق (6).

و فيه بُعد بعدَ تحصيل الإجماع و لو أومأ إليه الشارح أنّ اعتبار اتّحاد سطوح الكرّ لا دخل له هنا.

ص: 124


1- شرح الأشموني: 1/ 387؛ حاشية الصبان: 1/ 68.
2- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: / 16.
3- مثل: العلّامة في نهاية الإحكام: 1/ 258؛ و الشهيد الثاني في روض الجنان: 1/ 378؛ و السيد العاملي في مدارك الأحكام: 1/ 37.
4- المحقق الحلي، المعتبر: 1/51 ؛ العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 46 ، نهاية الإحكام: 1/ 232 منتهى المطلب: 1/ 54.
5- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 129.
6- الخوانساري ، مشارق الشموس: 201.

و للاستاذ تحقيق ملخّصه: إنّ الشرط المزبور إن كان قبل زمن الملاقاة لا دليل عليه، و إن اعتبر في زمانها فاشتراط الامتزاج مغنٍ عنه؛ لحصول العلوّ حين المزج البتّة.

و عساه أخذه ممّن (1) فرّع الاشتراط و عدمه على القول بالاتّصال كما في يق فراراً من تطهير السافل المعتصم للعالي عند المعتبر؛ ولكنّه يتمّ لو فرض أنّ شرطيّة العلوّ متصيّدة من اعتبار الامتزاج، و إفرادها يقضي بعدمه، و لولاه لما أنكر الشارح الامتزاج دونه، بل الظاهر أَنَّه شرط تعبّدي في عرض الامتزاج عند معتبره، ثمّ الملازمة ممنوعة لحصول الامتزاج في متساوي السطوح و إن لم يقُل أحد بتوقّف التطهير على أمرين العلوّ و الامتزاج، لكن المرام إمكانه.

نعم، لا غضاضة في ضعفه لندرة مدّعيه و ظهور الشهرة على عدمه، و إطلاق قوله علیه السلام: «لا يلقى شيئاً إلّا طهّره» (2)، و دعوى الشارح في روضه (3) الاتّفاق على حصول الطهارة مع المساواة كالحوضين المفصول بينهما، و لما ظهر الماء النجس بالقائه في الكرّ و لا وصله به مع أنّ الطهارة فيهما في الجملة إجماعيّة إلَّا أن يخصّص اعتباره بصورة الإلقاء لأمرٍ مطلق، و هو كما تری، فاشتراطه کسابقیه ساقط عندنا و في الشرح.

(و) لكن (المصنف رحمه الله لا يرى الاجتزاء في الإطلاق (4) في باقي كتبه) السابقة على الكتاب، (بل يعتبر الدفعة) في دروسه (5) (و الممازجة) بذكراه (6)، و فيهما مع البيان (7) اعتبار (علوّ المطهر أو مساواته)، غير أنّه جعل في السرائر (8) فوران الجاري من تحت الواقف من

ص: 125


1- المحقق الشيخ حسن، معالم الدين (قسم الفقه): 1/ 300.
2- النوري، المستدرك: 1/ 198، ح 8، و فيه: (لا يصيب) بدل (لا يلقى).
3- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 378.
4- في المصدر: (بالإطلاق).
5- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 118.
6- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 89.
7- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 85.
8- ابن إدريس، السرائر: 1/ 61.

العلوّ، و في البيان: و الفوران كالنبع مع دوام الاتّصال (1)، و في الذكرى: و لو نبع الكثير من تحته كالفوارة فامتزج طهّره؛ لصيرورتهما واحداً.

فيمكن أن يريد النبع من الكثير و إن لم يكن ما يفور كثيراً، أو أن يريد نبع الكثير مرّة واحدة، و الأوّل أظهر؛ لبُعد الثاني، و لعدم كونه فرداً خفياً كسابقه، إذ يحصل الإلقاء دفعة، و معها لا فرق بين المتساوي و المختلف السطوح.

و أما الشارح رحمه الله فقد استجاد عدم اعتبار شيء من الدفعة و الممازجة في الروض (2)، و تردّد في (اعتبار) التساوي و علوّ المطهّر، و هنا عكس على وجه، و بنى أنّ (اعتبار الأخير) من الثلاثة (ظاهر)، و دليله - مع شهرته السابقة لو شملته - أنّ طهر النجس إمّا لاتّحاده بالطاهر فيدخل في عمومه ما قضى بعدم انفعال الكرّ بالنجاسة، و هو لا يتصوّر إلّا في مستوي السطوح، و إمّا لاستيلاء الطاهر عليه كما في الجاري المحكوم بطهارته من حيث استيلاء مادّته، فيلزم حينئذ علوّ المطهر، فإذا فقد الأمران لم يحصل التطهير، و اقتصر في الروض في دليله على لزوم استيلاء المطر على النجس، و استشكل في حالة الاستواء.

و أجاب: بأنّ جماعة شرطوا الممازجة و لم يكتفوا بالمماسّة، و هذا الشرط يرجع إلى علوّ المطهّر؛ لعدم تحقّق الامتزاج بدونه.

قال رحمه الله: ورحينئذ يتحقّق الشرط، و هو ورود الطاهر على النجس، و يزول الإشكال (3)، انتهى.

و فيه - بعد لغويّة شرط الاستواء في كلامهم؛ لإغناء العلوّ عنه، و هو بعيد - ، إنّ العلوّ الحاصل بالامتزاج إن كان كافياً لغا اشتراطهما معاً، و أغنى الامتزاج عنهما، ثمّ إنّ مرجع دليله إلى عدم تقوّي العالي بالسافل المطهّر، و قد مضى لنا كلام فيه.

و ردّه حيث كان مبناه حصول الاتّحاد أنَّه لا فرق بين العالي و السافل، فإنّ عدم تعدّي

ص: 126


1- الشهيد الأول، البيان: 99.
2- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 364.
3- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 366.

حكم الأسفل إلى الأعلى من طهارة و نجاسة - إن ثبت - اشتراك في المقامين، فيتناقض حكمهم هنا، و الحكم بأنّ الجاري بقسميه إذا كان مجموعه كُرّاً لم ينجس شيء منه بالملاقاة، فالحكم بالطهارة في علوّ المطهّر و بالنجاسة إذا كان العالي نجساً و السافل طاهر لا يخلو عن غموض بعد صدق الاتّحاد فيهما.

و دعوى أنّ الاتّحاد مقصور على صورة التساوي و صورة علوّ المطهّر ملحق به بالاتّفاق دون علوّ النجس، واضحةُ السقوط مع كون مرجعها حينئذ إلى أنّ المطهّر هو الاستيلاء الباعث على الامتزاج أو الاتّحاد، فلا معنى لشرطيّة علوّ المطهّر، و مع ذلك فالشارح يرى شرطيّته (دون الأوّلين) من الدفعة و الممازجة (إلّا مع عدم صدق الوحدة عرفاً)

فلا ضير في اعتبارهما أو أحدهما مقدّمة لتحصيل الوحدة، و كأنّه يرى التطهير و إن لم يحصل الصدق المزبور إذا ارتفع المطهّر، أو يرى لزوم حصول الاتّحاد مع علوّ المطهّر؛ فإن كان الأوّل نافى حكمه بحصول الاتّحاد مع الملاقاة مطلقاً، الشامل لصورة العلوّ، و لزمه التمحّل في صورة علوّ النجس؛ لتعليقه الاتّحاد على الملاقاة الحاصل بهما سواء، و إن كان الثاني أشكل إفراد اعتباره دونهما مع اعترافه باعتبارهما لو توقّف الاتّحاد عليهما، و لزمه أن يجعل مناط التطهير هو الاتّحاد، فيبقى عليه إخراج بعض صور الاتّحاد مع إطباقهم على عدم التطهير فيها، مع أنَّه إحداث قول لخروج بعض صور الدفعي و الامتزاج التي لا يصدق معها، الاتّحاد، و لا مفصل فيهما، كأن يجري الماء من ثقب كرّ ضيّق، أو يلقى كذلك في الماء النجس.

و ظاهر العبارة فيهما لفهمه التنبيه على اعتبار الاتّصال و وجه من الممازجة، و حمل كلام من اعتبرها على ما يحصل معه الاتّحاد منها، ولكن التصرّف في كلماتهم مع شمول الإطلاق و تصريح بعضهم بالعدم مشكل.

ص: 127

[تقدير الكر بالوزن]

(و الكرّ) الجاري حديثه المبحوث عنه عبارة عن ستّين قفيزاً، و قيل: أربعين أردباً، و قيل: ستّة أوقار حمار، و القفيز اثنا عشر صاعاً، و هو أربعة أمداد، و المُدّ رطل و نصف، و الأردب - كقر شب - أربعة و عشرون صاعاً، قاله الأزهري (1).

و (المعتبر) منه عندنا بالنقل للمناسبة أو الارتجال أو التجوّز (في الطهارة) للماء (و عدم الانفعال بالملاقاة) للنجاسة.

(هو) ما بلغ بالوزن (ألف و مئتا رطل) (بكسر الرّاء على ما هو الأصحّ (2))، و الأصمعي (3) اقتصر عليه، (و فتحها على قلّة) نصّ عليه المطرزي (4) (بالعراقي) من الثلاثة (و قدره مئة و ثلاثون درهماً) و الدرهم ستّة دوانيق و هو ستّ حبّات و الحبّة تعادل حبّتين من معتدل الشعير، و عليه الصدوق في المقنع (5)، و رواه الشيخ (6) أيضاً ، أرسلاه عن الكاظم علیه السلام، و بنقل الشيخ (7) له عن محمّد بن الحسن الصفّار عن موسى بن عمر عن سليمان بن حفص المروزي يكون مسنداً.

لكن الأكثر، و قيل: الأشهر أنّ الدرهم ثمانون و أربعين (8) حبّةً شعير متوسّطة، و الدانق ثمان كذلك، و وزن الكرّ بما ذكر و الرطل بالعراقي (على المشهور (9) فيهما).

ص: 128


1- الفيروز آبادي، القاموس المحيط: 1/ 73، مادة (ردب)؛ الزبيدي، تاج العروس: 2/ 20، مادة (ردب).
2- في المصدر: (الأفصح).
3- الهروي، تهذيب اللغة: 13/ 217، مادة (رط ل).
4- الخوارزمي، المغرب: 190، مادة (رطل).
5- الصدوق، المقنع: 31.
6- الطوسي، الخلاف: 190/1.
7- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 136ح 375.
8- كذا في المخطوطة، و الصحيح: (الدرهم ثمان و أربعون).
9- ينظر: المفيد، المقنعة: 42؛ الطوسي الاقتصاد: 253؛ المبسوط: 1/ 6.

و يمكن عود الضمير إلى كونه عراقيّاً و إلى مقداره لا إلى وزن الكرّ؛ لنقل الإجماع عليه في الانتصار (1) و الناصريات (2) و الغُنية (3) و المعتبر (4)، و خلاف الناس لا يضرّ، فغير المشهور أنَّه مدني أو عراقي بغير الوزن المذكور.

ثالثها: إنّ الكرّ مشترك لفظاً أو معنىً بين المعاني الواردة في أخبار الماء المعتصم، فيحمل الزائد على الندبيّة و هو للعلّامة ابن طاووس رحمه الله (5) عملاً بمجموع الأخبار (6) من من الحِبّ و القلّتين و الراوية و الكُرّ المقدّر بالوزن و المساحة، و لولا إعراض الأصحاب عنه لأمكن أن يوجّه.

و أمّا كون الرطل مدنيّاً فعليه الصدوق (7) و المرتضى في انتصاره و جمله (8) و ناصريّاته و مصباحه (9)، و ابن زهرة (10) جعله الأحوط، و احتملهما في المعتبر (11) و جعل العراقي أولى، و هو كذلك وفاقاً للمشهور.

و جدّي (12) و أبي (13) في زبرهما: و الوزن يتبع حقيقة الماء فلا يحسب الخليط سواء كان من

ص: 129


1- السيد المرتضى، الانتصار: 85.
2- السيد المرتضى، الناصريات: 71.
3- ابن زهرة، غنية النزوع: 46.
4- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 45.
5- حكاه عنه في ذكرى الشيعة: 1/ 81.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 415 ح 1309.
7- الصدوق، المقنع: 31.
8- السيد المرتضى، جمل العلم و العمل: 49.
9- حكاه عنه في مستند الشيعة: 1/ 57.
10- ابن زهرة، غنية النزوع: 46.
11- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 45.
12- الشيخ جعفر، کشف الغطاء: 2/ 402.
13- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 44.

لوازم الماء كالدهلة أو غيرها؛ أخذاً بالمتيقن، و اقتصر والدي في أنوار فقاهته على الخليط الغير المعتاد، و الظاهر أنّ وزنه يكون مئتين و ثمانية و سبعين حقة بعيار إسلامبول العامرة، و الحقة عبارة عن أحد و تسعين مثقالاً شرعيّاً الذي هو ثمانية و ستون بالصيرفي.

للمرتضى أنَّه أحوط لاشتماله على العراقي.

و فيه: إنَّه لا يتمّ مطلقاً لقضاء الاحتياط باستعماله؛ لانحصاره به أو التيمم لو وجدوا فيه نجاسة، و احتمالُ كونه نجساً إذ التيمم لا يخالف الاحتياط، مردودٌ باستصحاب طهارته قبل الشکّ فيها لملاقاته لما لم يغيّر من النجس.

و له إنّ الإمام علیه السلام مدنيّ، فلا يخاطب إلّا بلغة المدينة.

و فيه: إنَّه نفيٌ لمنصبه الذي يراعي فيه الحكم، فلا يمكن أن يخاطب بالمجهول عند المخاطب.

و له أنّ الكريّة شرط لعدم الانفعال، و مع الشكّ تبقى أدلّته بحالها، و النقض بشرطيّة القلّة للانفعال أيضاً، و هي غير متيقّنة بالعراقي، فيفزع لقاعدة الطهارة.

يدفعه أنها أمرٌ عدميّ، و أنّ المراد بالشرط ليس إلّا ما جعله الشارع شرطاً، و لم نعثر على الشرطيّة كذلك، مع أنَّه تعليق على أمر غير مضبوط.

فالجواب: أنّ يقين الطهارة لا يزول بمشكوك النجاسة.

و له أنّ الكرّ بالمدني أقرب إلى المعنى اللّغوي من العراقي بالمقدار، فهو أولى.

و فيه: إنّ الكرّ المعتبر عندنا في الوزن المزبور منقولاً كان أو مجازيّاً ليس لمناسبة معناه اللغوي للبُعد بينهما بأيّ معنى أخذ الرطل و إن شابهه في كون كلّ منهما مكّيّاً لا معروفاً.

ثمّ إنّ جواز الارتجال فيه يوهِن كونه منقولا و يسقط المجازية باستعماله بلا قرينة، و قد ورد بالأخبار (1)، و حينئذ يكفينا بطلان أدلّة المرتضى في الحكم بالعراقي، مضافاً إلى صحيحة

ص: 130


1- الكليني، الكافي: 3/ 3 ح 6، الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 41 ح 113.

ابن مسلم (1) التي لا يمكن فيها الحمل إلّا على المكّي الذي هو ضعف العراقي، فتكون بياناً للمرسلة المعمول عليها لكون مرسل ابن عمير کمسنده (2).

و ما في المعتبر (3) من حمل الستّمئة على المدنيّ ليقارن العراقي لم يفهم وجهه بعد تصريحه بأنّ المدني ثُلتَي العراقي إلَّا أن يكون أراد المكّي فجرى القلم عكس المراد، كحمله على المدني لقربه من قول القميين في روض الشارح (4) بحذف الأنصاف فإنّ الموافقة لا توجب الحمل، مع عدم ذهاب أحد منهم على التقدير بالستّمئة لا بالعراقي و لا بالمدني، فهو و إن و افق، لكنّه خلاف الإجماع، مع ما فيه من عدم الجمع حينئذ بين أخبار الأوزان.

و ذكر للمشهور وجوهاً مدخولة كعراقيّة ابن عمير (5)، فالجواب على وزن بلده، و كمناسبة الأرطال للأشبار إذا كانت عراقيّة خصوصاً عند معتبر الثلاثة و بعيدٌ تحديد الواحد بشيئين متفاوتين، و كإطلاق الرطل في رواية (6) الشّن و إرادة العراقي بلا قرينة، و كأصالة الطهارة و عموم خبر الطهوريّة فإنّ ابن عمير مرسل فلعلّ له واسطة.

و القُرب موجب لحمل الستّمئة على المدنيّة ليكون تسعمئة بالعراقي، و حمله كذلك تردّه رواية (7) تنجيس ألف رطل بأوقية دم، مع منافاته للجمع بين الأخبار، فإنّ النسبة بين مساحة القميّين و بين رواية الستّمئة عموم من وجه، و كذا بين كلّ واحدٍ من أخبار الوزن و أخبار المساحة، فإرجاع أحدها إلى الآخر طرح له لا جمع.

نعم، حمل الستّمئة على المدني؛ لجهة عدم إمكانه على العراقي، أو على المكي؛ لخروجه

ص: 131


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 414 ح 1308.
2- ينظر تفصيل ذلك: الرواشح السماوية للمحقق الداماد: 114.
3- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 46.
4- الشهيد الثاني، روض الجنان: 374/1.
5- رجال النجاشي: 326/ رقم الترجمة 887.
6- الكليني، الكافي: 1/ 351 ح 6.
7- مسائل علي بن جعفر: 197 ح 421.

عن عُرف السائل و المسؤول و البلد لا بدّ من ارتكاب أحدهما إلَّا إذا ثبت أن المخاطب طائفي فتحسب من قرى مكّة. و أمّا الإطلاق فيمكن أنّ الراوي عراقي مع معارضته بالمثل الأقوى كما نبّه عليه الأستاذ رحمه الله (1).

و أمّا حديث الأصل فهو يقضى بالانفعال بلا شبهة؛ لعلّيّة الكرّية في عدمه القاضية بأنّ الملاقاة توجب الانفعال إلّا بها، و أصالة عدمها كاف و وارد على أصالة الطهارة في هذا الماء الثابت ملاقاته للنجاسة الموجبة لانفعاله إلَّا أن يكون كرّاً فغير الكرّ و مستصحبه ينفعل مطلقاً.

و العموم المزبور ذكرنا الطعن فيه؛ لعدم وجوده في أصول أصحابنا، مع مقاومته لخبِر (2) عدم انفعال الكرّ الدالّ على علّيّة الكرّية لعدم التنجيس، و قضيّة الجمع تقيّد إطلاقه بالكُرّ المتيقّن عدم انفعاله، و عند الشكّ فيه لا يشمله الإطلاق؛ لأنّه شكّ في موضوع العام.

و أمّا أنَّه عراقي بغير الوزن المزبور فللعلّامة رحمه الله في تحريره (3) و منتهاه (4) أنَّه مئة و ثمانية و عشرون درهماً و أربعة أسباع درهم، و نسب للغفلة، و الأوّل معروف، و لا محيص عن متابعة فقهائنا (رضوان الله عليهم) في ترجمة هذه الألفاظ.

قال بعض مشايخنا (5): إنّها و إن كانت مبنيّة على الطرق العلميّة غير الحسّ؛ لأنّ قول العدل متى ثبت في شيء و أمكن أن يكون له إليه طريق حسّي و ما جرى مجراه في الامتزاج من الآثار الحسّيّة وجبَ قبوله، إذ كان ذلك الشيء من مقدّمات استنباط الحكم الشرعي، كعدالة الرجال، و الظنون المعلّقة بالتعديلات الحاصلة من أخبار العدول، و تشخيص السؤالات المبني عليها فهم الأحكام من أجوبة الإمام علیه السلام، فينبغي في المقام التعويل عليهم، فإنّه ليس

ص: 132


1- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 183.
2- الكليني، الكافي: 3/ 32.
3- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 374.
4- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 8/ 194.
5- لم أقف على القائل.

هذا من قبيل الرجوع لهم في مفاهيم الألفاظ و مداليلها العرفيّة؛ لأنّ إخبارهم فيها إخبار بما عهدوه من أهل عصرهم، و من البيّن أنّهم لم يدركوا عصر السائل و المسؤول في التقدير المرقوم.

[تقدير الكر بالمساحة]

(و) أما تقديره (بالمساحة) فهو (ما بلغ مكسره) الحاصل من ضرب الطول في العرض و هما في العمق (اثنين و أربعين شبراً) مستوية (و سبعة أثمان شبر مستو الخلقة) الذي يوجد في أغلب الناس، و المكسر اسم مفعول بمعنى المكسر فيه، و هو المشتمل على التكسير، فحذف الجار للظهور و أوصل الضمير، أو مصدر بمعناه أُطلق على الضرب المرقوم لجعل أحد العددين كسراً للآخر؛ فالتكسير بمعنى جِدْ العدد كسراً، و طريق ضربه أن تضرب ثلاثة من العرض بحذف النصف منها في ثلاثة الطول و نصفها يكون الحاصل عشرة و نصف، ثمّ تضرب نصف العرض الفاضل في مجموع أشبار الطول مع النصف فيكون شبران إلّا ربع، ثمّ تضيفه للمضروب السابق فيحصل اثنا عشر شبراً و ربعاً، ثمّ تضربها بحذف ربعها في أشبار العمق بحذف النصف فينتظم ستّة و ثلاثين شبراً، ثمّ تضرب النصف من أشبار العمق في الاثني عشر فقط فيحصل ستّة و يكمل العدد اثنين و أربعين شبراً، ثمّ تضرب الرّبع في ثلاثة العمق مع النصف فيكون ثلاثة أرباع و نصف ربع عبارةً عن سبعة أثمان الشبر.

و طريق آخر: أن تضرب و تحسب على مخارج الكسور، و هو أبلغ و أسهل في الضرب و المساحة كذلك (على المشهور)، و نسبه في الخلاف (1) إلى أصحاب الحديث و جميع القميّين، و في المجمع (2) نسبته إلى جمهور المتأخّرين، و ابن زهرة (3) نقل عليه الإجماع، و على (المختار عند المصنّف) في باقي كتبه (4).

ص: 133


1- الطوسي، الخلاف: 1/ 190.
2- المحقق الأردبيلي، مجمع الفائدة: 1/ 259.
3- ابن زهرة، غنية النزوع: 46.
4- الشهيد الأول، البيان: 98، الدروس: 1/ 118.

(و في الاكتفاء) (ب-) بلوغ الكرّ الشرعي (سبعة و عشرين) شبراً لمستوي الخلقة بحذف الأنصاف الأبعاد الثلاثة، (قولٌ) نسبه في السرائر (1) و المختلف (2) و الذكرى (3) و التنقيح (4) إلى القميّين، و في الخلاف (5) ما ينافيه معتضداً بمَيْل الصدوق في هدايته (6) إليه، و في المختلف (7) جزم به، و النهاية (8) مالَ إليه، و المعتبر (9)ما قدح في دليله فيعطي الميل، و الكركي في حاشية المختلف (10) قال به، و نفى البُعد عنه في الحبل المتين (11) كشرح المفاتيح (12)، و هو (قويّ) عند الشارح هنا، و في جنان روضه (13) الجزم به، و بمجمع الفائدة (14) اختياره، و تبعهم النراقي (15) و الإمام الفقيه جدّي في كشف غطائه (16) ارتضاه، و تبعه ولده الوالد في أنوار فقاهته (17) و قال: الأوّل أوفق بالاحتياط.

ص: 134


1- ابن إدريس، السرائر: 1/ 60.
2- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: / 183.
3- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 80.
4- المقداد السيوري، التنقيح الرائع: 1/ 40.
5- الطوسي، الخلاف: 191/1.
6- الصدوق، الهداية : 68.
7- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 183.
8- المحقق الحلي، النهاية و نكتها: 1/ 200.
9- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 45.
10- المحقق الكركي، رسائل الكركي: 1/ 83.
11- البهائى، الحبل المتين: 107.
12- الكاشاني، مفاتيح الشرائع : 1/ 85.
13- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 374.
14- المحقق الأردبيلي، مجمع الفائدة: 1/ 259.
15- المحقق النراقي، مستند الشيعة: 1/ 57.
16- الشيخ جعفر ، كشف الغطاء: 2/ 403.
17- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 46.

ثمّ قالا: و الشبر هو ما بين طرف الإبهام و الخنصر، و عند اختلاف الأبعاد يلاحظ بلوغ المكسر بأيّ نوع اتّفق سبعة و عشرين مربّعاً طوله شبر في عرض شبر في عمقه، و كذا على الثاني فهو الكرّ.

و اكتفى الإسكافي ببلوغ مئة شبر، و الراوندي (1) ببلوغ مجموع أبعاد الماء عشرة و نصفاً، و قال الشلمغاني: هو ما لا يتحرّك جانباه (2).

و يظهر من المعتبر (3) أنّ مكسره ستّة و ثلاثون شبراً، و توقّف ابن فهد (4) و الصيمري (5) و السبزواري (6).

فترتقي الأقوال إلى ثمان بإضافة قول ابن الصدوق (7) السالف، للأوّل رواية الحسن بن صالح الثوري في تحديد الكرّ في البئر و فيها: «وَ كَم الْكُرُّ؟ قَالَ: ثَلاثةُ أَشبارٍ و نصف طولاً في ثَلاثة أشبار و نصف عُمقاً في ثلاثة أشبار و نصف عرضاً». كذا في الوسائل (8) التي في يدي، لكنّه جعل الثلاث بإلحاق الضمير نسخة بدل، و في الاستبصار (9) بالضمير كباقي كتب أصحابنا، و في الكافي (10) و التهذيب (11) بإسقاط الفقرة الأولى.

ص: 135


1- حكاه عنهما في مختلف الشيعة: 1 / 183، 184.
2- حكاه عنه في ذكرى الشيعة: 1/ 81، و فيه: (جنباه) بدل: (جانباه).
3- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 45.
4- ابن فهد، المقتصر: 32، 33.
5- الصيمري، تلخيص الخلاف: 1/ 61.
6- المحقق السبزواري، ذخيرة المعاد: 1/ 121، 122.
7- الصدوق، الهداية: 68.
8- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 160ح 398.
9- الطوسي، الاستبصار: 1/ 33 ح 88.
10- الكليني، الكافي: 3/ 2 ح 4.
11- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 408 ح 1282.

و يقال: ذكرها كذلك و ضرب عن رواية الاستبصار كغيره في غيره (1)، و هي علیه صريحة في الدعوى من حيث الدلالة، و بالثوري ضعف السند و الشهرة مع الثانية تجبره، و أمّا على رواية الكافي و التهذيب فوجّه بأنّ الطول مستدرك لإغناء العرض عنه إذ لو نقص عن العرض و لو يسيراً لا يسمّى عرضاً على حدّ (عَرْضُهَا كَعَرْض السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ) (2)، و هو يتمّ ردّاً على مذهب القميّين، و لا يدفع احتمال كون الطول أزيد بناءً على مذهب الإسكافي، فلا تكون رادّة له.

و احتمل الأستاذ (3) أنّ المراد به السطح المشتمل على الطول و العرض؛ لتوافق رواية الذراع، لكن فيه احتمال إرادة تحديد قطر الماء المستدير فلا تنهض حجّة.

و يدفعه خروجه بالإجماع، و إلّا فهو مشترك الورود في روايات الباب.

قال والدي في أنوار فقاهته: و الرواية ظاهرة في الشكل المستدير كما هو في شكل البئر (4)؛ و لأجله حملها الشيخ (5) على التقيّة لذهابه إلى نجاسة البئر، و اعتبارها يقتضي المساواة بينها و بين غيرها.

و فيه: إنّه على القول بعدم انفعال البئر لا داعي للحمل إلّا وجود المعارض، و المرجع في مثله إلى مرجّحات السند و الدلالة دون الحمل على التقيّة، و رواية أبي بصير و فيها: «إذا كانَ الماءِ ثَلاثَة أَشبارِ و نِصفاً في مِثْلِهِ، ثَلاثَةُ أشبارِ و نِصفٌ في عُمقِه في الأرض، فذلك الكُر من الماء» (6).

ص: 136


1- مثل: ابن البراج في المهذب: 1/ 21؛ و الطبرسي في المؤتلف: 1/ 16؛ و ابن زهرة في غنية النزوع: 46.
2- سورة الحديد: 21.
3- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 187.
4- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 46.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 408 ، ذيل الحديث 1282.
6- الطوسي، الاستبصار: 1/ 10.

و في سندها في التهذيب (1) أحمد بن محمّد بن يحيى و هو مجهول (2)، و عثمان بن عيسى، و هو واقفي (3)، و أبو بصير، و هو مشترك بين ضعيف (4) و ثقة، و في الكافي (5) سقوط لفظ يحيى، و عليه فلا غضاضة في قبول سندها؛ فإنّ مجهوليّة الثاني يردّه نقل الشيخ الإجماع على العمل بروايته.

قال والدي رمه الله: و نقل عن الكشّي قولاً: إنَّه من أهل الإجماع فيكون خبره حجّة (6) انتهى.

و يدفع اشتراك الثالث ظهور ليث المرادي منه بقرينة رواية ابن مسكان عنه مكرّراً، فتعيّن الاشتراك، و هو من أهل الإجماع (7)، و إن روى عن أبي بصير يحيى بن القاسم في قول البعض (8) فإنّه من النادر لو سُلَّم.

و قال بعض العلماء: إنّه مشترك بين ثلاثة كلّهم ثقات (9)، و قيل (10): منصرف للمرادي عند الإطلاق، فلا تمريض من حيث السند.

و أمّا الدلالة فالذي أراه من معناها أنّ الثلاثة الثانية ساقط قبلها حرف العطف، فهي تدلّ على الأبعاد الثلاثة بلا تكلّف، فقوله علیه السلام: «إذا كان»، إلى قوله: «في مثله»، يقضي بالطول

ص: 137


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1 / 42 ح 116.
2- رجال ابن داود: 45/ رقم الترجمة 136؛
3- رجال النجاشي: 300/ رقم ترجمة 817.
4- رجال ابن داود: 312.
5- الكليني، الكافي: 3/ 3 ح 5.
6- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة : / 47.
7- رجال النجاشي: 321 / رقم الترجمة 876.
8- رجال النجاشي: 441/ رقم الترجمة 1187.
9- البهبهاني، الحاشية على مدارك الأحكام: 1/ 96.
10- السيد بحر العلوم، الفوائد الرجالية: 163.

و العرض، و هو من الخطاب المتعارف، فإنّ كلّ ما تماثل بالطول و العرض عبّر عنه بمثل هذا التعبير و لا إشكال فيه، و الثلاثة الثانية عطف على الثلاثة الأولى بإسقاط العاطف، و هو كثير قياسيّ (1)، فيكون تقدير الكلام: و إذا كان ثلاثة أشبار و نصفاً في عمقه من الأرض فهو الكُرّ، و ضمير عمقه راجع إلى الماء و لا ضير في هذا الحمل.

و من العجب لم ينتهوا له و أخذوا يتمحلون في حمله حيث ضايقهم الاستدلال بها على الأبعاد الثلاثة، و الظاهر من الخبر قدر بعدين منها، إذ لمّا كان ثلاثة أشبار و نصف بدلاً لمثله أمكن جعل في عمقه بدلاً أو حالاً له أو صفة لثلاثة أشبار أو منقطعاً عن المثل و عن الثلاثه فيكون من متعلّقات الشرط، و المسكوت عنه حينئذٍ على الثلاثة العرض و على الأخير مقدار العمق. و في روض الشارح (2) لم يتعرّض فيها للعمق بل أهمل مقداره، انتهى.

و يتمّ لو كان (في) فيه للضرب، و لا قاضٍ بالانحصار، بل يحتمل أن تكون للكون و الحصول.

و تمحّل البهائي رحمه الله (3) فأرجع ضمير عمقه إلى المقدار المستفاد من الكلام، و كأنّه جعل لله ثلاثة أشبار و نصف بدلاً لمثله فيدلّ على اعتبار الطول و العرض، و (في عمقه) إما حالاً ل- (مثل) أو صفة للثلاثة، و ضميره يرجع إلى المقدار، و الإضافة لأدنى ملابسة، فيفيد اعتبار مقدار أحدهما عمقاً؛ لأنّ اعتبار المقدار في عمق نفسه لا معنى له إلّا ذلك.

و فيه: إنّ الإضافة كذلك لا تمكن إلّا بجعلها بيانيّة، و هي موقوفة على كون المضاف إليه من جنس المضاف و من أفراده، و ليس المقام منه.

و تمحّل غيره (4) أيضاً بأنّ الثلاثة الثانية مع النصف بيانان لبُعد العمق كما أنّ (في مثله) بيان للعرض فيقضي بالأبعاد الثلاثة.

ص: 138


1- الصبان، حاشية الصبان: 2/ 477.
2- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 376.
3- البهائي، الحبل المتين: 108.
4- ينظر المجلسي، روضة المتقين: 1/ 85.

و فيه: لزوم حذف الجار في (الثلاثة) الثانية و هو مقصور على مواضع ليس المقام منها.

و تمحّل بعض (1) فحملها على بيان الشكل المستدير كالسابقة؛ لعدم اشتمالها على البُعد الثالث، و هو مُشعِرٌ بذلك.

و فيه: - مع مخالفته لفهم الأصحاب و اشتراك الأصحاب و اشتراك وروده في روايات الباب - إنّ مساحة المدوّر بذكر السّعة و العمق فلا طول فيه و لا عرض، فالثلاثة و نصف الثانية تختصّ بالعمق و مماثلها يكون تحديداً لتمام سعة الدائرة، فيحصل من ضرب نصف القطر الذي هو ثلث المحيط بنصف المحيط و ضرب المجموع في العمق اثنان و ثلاثون و ثُمن و ربع ثُمن، و التحديد كذلك مخالف للإجماع مرفوض عندهم.

و قرّر بعضُ مشايخنا (2) (حرسه الله تعالى) أنّ العمق فيها إمّا غير معلوم المقدار فهو منقطع كما جزم به الشارح، أو معلوم مقداره بالثلاثة الثانية، و على الأوّل لا بدّ و أن يكون مقداره كذلك و إلّا كان مستدركاً خالياً عن الفائدة، فإنّ اعتبار مجموع المقدار المستفاد من الفقرتين في عمق الماء مطلقاً من غير اعتبار ثلاثة أشبار و نصف فيه أيضاً من المستهجن، فهو على تقدير تعلّقه بالشرط أو كونه حالاً لمجموع المقدار المستفاد من الفقرتين يلزم اعتبار مثل المساحة في العمق أيضاً، فالمعنى: أنّ الكرّ ثلاثة و نصف في مثله كذلك و في عمقه كذلك كي لا يخرج الكلام عن أسلوبه الحسن.

و على الثاني - و هو الاتّصال الذي جعل في عمقه بدلاً أو حالاً لمثله أو صفةً لثلاثة أشبار و نصف - فهو أيضاً كذلك، قولهم يكون العرض مسكوتاً عنه دون الطول ترجيح، بلا مرجّح إذ الطول لم يكن منطوقاً به ليكون العرض مسكوتاً عنه فيدور الأمر بين أُمور: من بيان العرض خاصّة في الثلاثة و نصف الأولى أو الطول أو كلاهما، و أحدهما لا دليل عليه، بخصوصه، فيتمحّض الأخير.

و فيه: انّه تمحّل أيضاً؛ لاحتمال إرادة الاستدارة فيه فلا تكلّف، مع عدم تماميّته إلّا

ص: 139


1- حكاه عن هذا البعض في الحدائق الناضرة: 1/ 265.
2- لم نقف على القائل من أساتذة المؤلف.

بحذف أو إضمار، و هو على خلاف الأصل.

ثمّ إنّه راجع إلى ما ذكروه في الحمل من أنّ الطول و العرض مذكوران قدراً لا اسماً مدلولاً على اسمها بمقابلة العمق و هو اسماً لا قدراً مدلول على قدره بذكر قدر الطول و العرض، أو أنّ البُعد الذي لم يذكر لم يكن غير ملحوظ، بل مراد بطريق الحذف للاختصار بدلالة المذكورين عليه، و هو كثير في كلام الفصحاء.

نعم، قيل (1) بالفرق بين قولنا: (ثلاثة في ثلاثة) من دون ذكر الاسم، و قولنا: (ثلاثة في عمق ثلاثة) من اطّراد الحذف في الأوّل دون الثاني.

و الظاهر أنّ الفرق غير واضح للقول الثاني القرب من رواية (2) الأرطال و الحِبّ و القلّتين، و الجمع بين الروايات بحمل الزائد على الاستحباب لصحيحة ابن جابر و فيها: «قلت: و ما الكرّ؟ قال علیه السلام: ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار » (3). و صحيحته الأخرى: «في الماء الذي لا ينجّسه شيء؟ قال: ذراعان عمقه في ذراع و شبر سعته» (4). بناءً على أنّ الذراع شبرٌ كما يلوح من أخبار (5) المواقيت، و أنّ المراد بالسّعة قطر المستدير، و أنّ المتعارف استدارة الكرّ؛ لأنه مكيال لأهل العراق، و لأنّ الركي كذلك، فإذا ضرب نصف القطر - و هو واحد و نصف - بنصف المحيط - و هو أربعة و نصف - إذ كلّ قطر في المستدير ثلث المحيط به بلغ ستّة و ثلاثة أرباع، فإذا ضربت في أربعة العمق حصل المكسر سبعة و عشرون شبراً فيحصل التطابق.

و يؤيّده إرسال الصدوق في الفقيه (6) بذكر الأبعاد الثلاثة بالأشبار الثلاثة، و في الجميع نظر؛ أمّا القُرب فهو استحسان محض لا يناط به الحكم الشرعي، و أمّا الجمع فقد سبق في

ص: 140


1- ينظر البهبهاني، الحاشية على مدارك الأحكام: 1/ 96؛ النجفي، جواهر الكلام: 1/ 174.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 415 ح 1309.
3- الكليني، الكافي: 3/ 73.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 41 ح 114.
5- الكليني، الكافي: 3/ 277 ح 7.
6- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 6، ذیل حدیث 2.

الوزن ردّه، و أمّا الصحيحة الأولى فلا تَسلَم من خدشة السند و إن صحّحها العلّامة (1) و أتباعه (2)، غير أنّ وجود المحمّدين ابن خالد البرقي و ابن سنان - و فيهما كلام، و للبهائي رحمه الله في المشرق (3) كلام نقله عنه غير واحد - يقضي بصحّة السند فراجعه، فإنّها متى سلمت عن الضعف في الدلالة و عن المعارض كان الإغماض عن السند هيّناً.

و حينئذٍ فإن اقتصر في دلالتها على المذكور فقط لم يزعمه أحد و لا قائل به، و الحمل على إحالة المتروك على المذكور لا يفي بإتمام الحجّة، و لو تمّ جرى في رواية أبي بصير (4)، و الفرقُ بظهور إرادة القطر من رواية المشهور دون الصحيحة الظاهر فيها إرادة الأبعاد الثلاثة؛ لأنها على المتعارف من إيكال المحذوف على الموجود كما في الحدائق (5) موهون بأنّ رواية أبي بصير صريحة في اعتبار النصف في بعض الأبعاد.

و الصحيحة إمّا ساكتة عنه، أو ظاهرة في عدمه، و حيث إنّها في مقام التحديد الظاهر في الحصر فبعد ظهورها في الأبعاد الثلاثة يقع التعارض بينها و بين رواية التنصيف، و مقتضى الجمع الأخذ بنصّ كلّ منهما و طرح ظاهر الآخر، فيصير محصّل الجمع رفع اليد عن ظهور رواية أبي بصير في القطر الدّوري، و حملها على مراعاة المقدار المذكور في البُعدين بقرينة هذه الرواية الظاهرة في الأبعاد الثلاثة بزعم المدّعي و رفع اليد عن ظهورها في عدم اعتبار التنصيف بقرينة تلك الرواية؛ لاحتمال سقط النصف فيها، فيتوافقان.

و ربّما قيل بأنّ التعارض فيهما من باب تعارض النفي و الإثبات في خصوص النصف، و المثبتُ مقدّم، و هو يتمّ لو اعترف الخصم بظهور الأبعاد الثلاثة من رواية أبي بصير، و الفرض أنَّه يدّعى ظهورها في القطر و العمق و ظهور الأخرى في الأبعاد، فالنسبة بينهما نسبة

ص: 141


1- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 184. و قد دفعها بمخالفة الأصحاب لها في منتهى المطلب: 1/ 38.
2- كما في روض الجنان: 1/ 377؛ و مجمع الفائدة: 1/ 260.
3- البهائي، مشرق الشمسين: 376.
4- الكليني، الكافي: 3/ 3 ح 5.
5- البحراني، الحدائق الناضرة: 1/ 263.

المتضادّين، فيتعيّن عنده الأخذ بهذه الرواية؛ لعدم العامل برواية أبي بصير على هذا التقدير.

و الجواب عن الصحيحة الثانية - التي اعتمدها بعضهم (1) و جعلها أصحّ أخبار الباب - أنّ المراد بالسعة فيها الطول و العرض دون القطر الذي زعم للجمع بين الأخبار؛ و لأنّ حمل السعة على القطر اصطلاح أهل المساحة و من البعيد إرادته في كلام العرب لبيان الحكم الذي تعمّ به بلواهم، فالمعنى: أنّ الكرّ ما كانت سعته - أي كلّ من طوله و عرضه - ثلاثة أشبار مضروباً في عمق أربعة و محصّل ضربه ستّة و ثلاثون، أو ما كان مجموع طوله و عرضه معاً ثلاثة مضروباً في عمق أربعة، و محصّله اثنا عشر، و الذراع بقرينة أخبار (2) الظهرين قدمين، الواحد شبر.

و في الوسائل: المراد به عظمه، و هو لا يزيد على الشبر إلَّا يسيراً (3)، و عليه توافق رواية أبي بصير، و إن أبيت الحمل حكمنا بالطرح له؛ لأنّ معارضته مع مستند المشهور على وجه التباين و الترجيح لحجّتهم بقرينة موافقته لتحديد الرطل بالعراقي.

سلّمنا، لكن غايته موافقته لحجّة القميّين، و هما معاً يعارضان دليل المشهور و يرجّح عليهما؛ للشهرة، فإنّ إعراض الأصحاب سبب تامّ بالوهن.

و الحاصل: إنّ الخبر إن حمل على ظاهره من اعتبار ذراع و شبر في السطح المشتمل على العرض و الطول بالمعنى المعروف وجب طرحه؛ لبلوغ مكسّره ستّة و ثلاثين، و لا عامل به كما اعترف به في الحبل المتين (4)، و في الحدائق (5) رادّاً عليه باختياره في المعتبر (6) و المدارك (7)،

ص: 142


1- حكاه في الحدائق الناضرة: 1/ 265، عن المحدّث الاسترآبادي من كتابه الفوائد المدنية.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 2/ 255 ح 1012.
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 165، ذيل حديث 410.
4- البهائي، الحبل المتين: 107.
5- البحراني، الحدائق الناضرة: 1/ 265.
6- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 46.
7- السيد العاملي، مدارك الأحكام: 1/ 51.

و النسبة في غير محلّها و إن مالا إلى العمل بها بعلامة الرِّضا لكن من غير بيان محصّلها.

و إن حُمِلَ على خلاف ظاهره فإن أريد بالسّعة القطر وجب الطرح أيضاً لما سبق، و إن أُريد من الذراع العظم حصل الجمع، فالأخير أولى. و لو قرئ شبر بالرفع بان منها الأبعاد الثلاثة فيكون العرض شبراً و الطول ذراعاً و العمق اثنين؛ فالمكسر ثمان... (1) السعة عرفاً العرض فقط، و عليه فإهمال الطول فيها يعلم بالقياس و لا ينبغي كونه أقلّ، و جماعة (2) حملوه على الطول و العرض و جعلوا المكسر اثني عشر، و لولا أنّ مضمونها مضطرب لما كان بالعمل بها بأس، و من هنا يُعرف ما في بقيّة الأقوال من الوَهْن.

قال الفاضل في المختلف في الثالث بعد نقله إنّه قول غريب حيث قال: إنّه قلّتان و مبلغه وزناً ألف و مئتا رطل، و تكسيره بالذراع مئة شبر؛ إذ شيء منها لا يبلغ ذلك، فإنّ اعتبار الأرطال يقارب قول القمیّين (3)، و وزنه معلوم ... (4)، و لو قيّده بالمكّي فكذلك. هذا إذا أراد بالمئة ما كان كذلك في شبر آخر عرضاً و عمقاً.

و لو أراد الاكتفاء بها مطلقاً أغرب؛ لأنّ اعتبار المئة على هذا الوجه لا يبلغ رطلاً، و قال الماتن في الذكرى (5): إنّ قول الشلمغاني مخالف للإجماع، و أراد به الخاصّة. و أمّا الراوندي (6) لم يتّضح مراده، و الظاهر أنّه جعل «في» في الخبر تفيد الجمع بمعنى مع، مثلها في قوله تعالى:

(فَخَرَجَ عَلَیٰ قَوۡمِهِۦ فِی زِينَتِهِۦ) (7)، فلا يعتبر الضرب.

ص: 143


1- في المخطوطة بياض بمقدار كلمة.
2- ينظر النجفي، جواهر الكلام: 1/ 172.
3- العلّامة، مختلف الشيعة: 1/ 183.
4- في المخطوطة بياض بمقدار كلمة.
5- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 81.1. بتفاوت.
6- حكاه عنه في مختلف الشيعة: 1/ 184.
7- سورة القصص: 9.

و فيه: إنّ المعيّة تفيد البعد؛ لما في التحديد بذلك من التفاوت، و احتمال قول المعتبر (1) عرفت فساده، و قول ابن طاووس (2) وجيه يخرج على الأصول؛ إذ بعد تعارض الأخبار المرجع إلى ما أمر به، أو المدار على الأقلّ و الأكثر مندوب، و نسبه في الوسائل (3) إلى جماعة عقیب اختياره، و عندي أنّه مرضيّ لا في مقام الفتوى و العمل و عسى أن يكنه، و إن ردّ بعدم معقوليّة التخيير بين الأقلّ و الأكثر؛ إذ على الثاني لا وقع لهذه الشُّبهة و إن كان خلاف ظاهر العمل بكلّ ما روي مع جريانه في الوزن و المساحة، فإنّ المشهور على جواز الأخذ بأيهما مع وجود الاختلاف.

و قد يُقال في مراده: إنّ المساحة فيه على المشهور إن وجدت فهي الكُرّ لا الأقلّ و إن وجد و هكذا، لكن متى كان الأقلّ كرّاً لا معنى لخروجه عنه إذا وقع في ضمن الأكثر إلَّا على التخيير الترتيبي، فالمتمكّن من مساحة المشهور لا يستعمل ما مال إليه في المعتبر بناءً على أنَّه قولٌ مفهوم من الخبر، و المتمكّن منه لا يستعمل السبعة و العشرين، و هكذا الوزن بالثلث إن تفاوتا، غير أنّه يمجّه الطبع.

ثمّ إنّ الأخذ بالأكثر للاحتياط و التوقّف في الأدلّة المتصادمة لا يخلو من وجاهة، و إليه يرجع كلام المتوقّفين في وجه، و على المشهور في الوزن و المساحة المشهور البناء في التقدير على التحقيق لا التقريب، فلو نقص كان بحكم القليل و لو يسيراً، و استظهر الإجماع عليه (4).

و نسب الجواد في أنواره الغرويّة (5) الإجماع عليه للفاضل في التذكرة (6)، حيث ذكر الخلاف فيه لبعض الشافعيّة، فظاهره الإجماع من غيرهم، و لم أجد فيها إلّا ب (7) التقدير

ص: 144


1- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 46.
2- حكاه في ذكرى الشيعة: 1/ 81.
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 165 ح 410.
4- ينظر: المحقق الاردبيلي، مجمع الفائدة: 1/ 287؛ التستري، مقابس الأنوار: 74.
5- ملا كتاب، الأنوار الغروية: 1/ 97.
6- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 19.
7- يوجد في حاشية المخطوطة هكذا: (لفظ ب من عبارة التذكرة، و من إشارة بدل الثاني. منه).

تحقيق لا تقريب، انتهى.

و عسى أن يكون في غيرها، و شهرته لا تُنكر، فهو كغيره من المقادير، فكان الأصل فيها ذلك.

قال جدي قدّس سرّه العلّامة الأكبر: و التقدير على التقديرين تحقيق في تقريب، لا تحقيق و لا تقریب (1)، انتهى.

و كأن معناه عدم جواز نقصان ما جعل حدّاً بعد تعيينه، فلا يضرّ التفاوت اليسير في الحدّ الواحد أو الحدّين لشيء واحد؛ قضاءً لسير الحدود الشرعيّة مثل حدّي محلّ الترخّص و التفاوت الحاصل بين الأيّام باختلاف فصولها.

و قد أُنيط بها جملة من الأحكام، و كذا التحديد وزناً أو مساحةً، فإنّه من التحقّقي الذي لا يخلّ فيه تفاوته، فهما أمران أيّهما وجد كان حدّاً، فلا يلزم ثبوت الكرية و عدمها في الماء الواحد، بل هو كُرّ لا اختلاف فيه، و إنّما الاختلاف في التطبيق على الحدّ، و كذا لا ينافيه الاختلاف بين الأشبار لاختلافها بحسب الأعصار، فالمدار على حصول الحدّ المجعول للشارع، و التفاوت في الحدود لا يؤثّر نقصاً في المحدود.

و بالجملة، التقدير فيهما تقريب في أصل الاعتبار و تحقيق فيما قضى به الاعتبار بعد حصوله، فلا يتسامح و لو بالشعرة من الشبر و لا القيراط من الوزن، و مع حصول الاختلاف بالاختيار يؤخذ بالموافق سواء تعدّد المختبرون أو تكرّر من شخص واحد، غير أنّ المختبر يتخيّر في الاختبار بأيّ الطريقين شاء، و مع الاختبار بها أُخذ بالموافق منهما، و منه يظهر أنّ الوزن ليس بأصل كما زعم (2)، و لا الحكم بالتخيير بالبناء و العزم فيتعيّن ما نوى، بل متى حصل أحد الطرفين كشف عن الكُرّ واقعاً.

نعم، قال عمّي في شرح البغية نافياً للبُعد: إنّ عدم موافقة أحد الطرفين أمارة ظاهريّة على عدم الكرية فنقطع استصحابها مع الشكّ في بقائها، و لا يلزم الاختبار بكلّ منهما،

ص: 145


1- الشيخ جعفر، كشف الغطاء: 2/ 405.
2- ينظر المحقق الاردبيلي، مجمع الفائدة: 10/ 522.

و يحتمل أنّ المدار على نقض الأمارة السابقة، فلو حكم أوّلاً بكرّيّته بالوزن لم ينقضه إِلَّا الاختبار بنقصان الوزن، و كذا في المساحة، و لو اختبر بها فلا ينقضها إلّا الاختبار بنقصانها، و مع العلم بأحدهما ينقضه الاختبار بنقصان أحدهما، انتهى. و لطفه لا يخفى.

فاندفع بما حرّرنا الإشكال في البناء على التحقيق بالزيادة و النقيصة بين المساحة و الوزن، إذ لا بدّ من زيادة أحدهما على جميع الأقوال سوى مكسّر المعتبر (1) فقيل بتساويهما في الاختبار، و لا حاجة إلى ما في الجواهر (2) بعدم علم النّبيّ صلّی الله علیه و آله و الأئمة علیهم السلام بذلك، مع أنّهم قدّروه بأذهانهم فأجرى الله تعالى الحكم عليه.

فإنّا في حيص و بيص من هذه النسبة إليهم في غير الأحكام، فكيف فيها! و عسى أنّ الإماميّة تنكره قولاً واحداً، و العقل قاض بأنّ كلّ وصف حسن يمكن اتّصاف الممكن فيه و لا يوهم الشركة يجب أن يتّصف به النّبيّ صلّی الله علیه و آله و الإمام علیهم السلام، و هذا مع أنّه كذلك عدمه موجب للنقص المنافي لعلوّ مرتبتهم و جليل قدرهم.

ثمّ الوزن إن قلنا بأصالته و أنّه المدار في الكرية لا بدّ و أن يختلف باختلاف الماء خفّةً و ثقلاً و رقّةً و غلظة، و مع اختلاطه بما لا يخرجه عن إطلاقه يحتمل ملاحظة الوزن بدونه، أو الاكتفاء بالوزن معه، أو التفصيل بين الأجزاء البيّنة و غيرها، و هو غير بعيد، و به أفتى جدّي قّدس سرّه و أبي و عمّي رحمهما الله في زبرهم (3).

و الحاصل من مذهب المحقّة طهارةُ الكرّ و مطهّريّته، و أمّا غيره فإنّه (ينجّس) (الماء) (القليل) الراكد (و هو) عندنا (ما دون الكرّ) السالف بيانه و لم يكن جارياً على المشهور (4)، و منهم الشارح، و إطلاقه و إن أوهم موافقة الفاضل لكن الظاهر الجَرْي على مصطلحهم في القليل؛ و لذا وصفناه بالراكد في كلامه.

ص: 146


1- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 46.
2- النجفي، جواهر الكلام: 1/ 168، 169.
3- الشيخ جعفر، كشف الغطاء: 2/ 405؛ الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 41.
4- ينظر المجلسي، ملاذ الأخيار: 1/ 144.

[ماء البئر]

و كذا ماء (البئر) الذي عرّفه جدّي قدّس سرّه في كشف الغطاء بأنَّه: النابع من الأرض بواسطة الحفر على وجه مخصوص بحسب الطول و السّعة، و حقيقتهما تُعرَف بالعُرف (1)، انتهى.

و على ما حدّه الماتن في الشرح (هو مجموع (2) ماء نابع من الأرض، لا يتعدّاها غالباً، و لا يخرج عن مسمّاها عرفاً (3)، و تذكير الضمير و تأنيثه في الحدّ للخبر و البئر.

أُورِد (4) عليه بإغناء القيد الأخير عمّا قبله، فلو قال: ما يسمّى في العرف بئراً لكفى.

و فيه - مضافاً إلى خروجه عن الحدّ؛ لإيكاله معرفتها على العرف و المقصد تمييزها عمّا عداها - إنّ آبار القنوات تسمّى آباراً عرفاً مع عدم دخولها في هذا الحكم، فبين الأخير و ما قبله عمومٌ من وجه، فلا غناء به، و أيضاً فهو خاصّ بعد عامّ، و هو غير مذموم كعكسه و هو إغناء المتقدّم عن المتأخّر.

أورد ثانياً بأنّ المفيد (5) و الشيخ في التهذيب (6) و المبسوط (7) ألحقوا الغدير الذي له مادّة في الحكم بالبئر مع عدم التسمية عرفاً بها.

و فيه: إنّ غير الشيخين رحمهما الله لها لم يذكروا الحكم، و لا قاطع به، و لو سلّم فالقصد تحديد البئر.

أورد أيضاً بإجمال الحدّ؛ لاشتماله على عدم التعدية الغالبيّة، و على التسمية العرفيّة للحوق الحكم إلى الاسم حتّى لو اختلف العرف في الثاني، و بطلانه جلّي، و قصره على عرف

ص: 147


1- الشيخ جعفر، كشف الغطاء: 2/ 424.
2- في المصدر: (مجمع).
3- الشهيد الأول، غاية المراد: 1/ 480.
4- ينظر القزويني، ينابيع الأحكام: 1/ 502.
5- المفيد، المقنعة: 64.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 217، ذيل الحديث 626.
7- الطوسي، المبسوط : 1/ 5.

النَّبيّ صلّی الله علیه و آله محتمل لإرادة العام منه أو الأعمّ من الخاص فهو مجمل، و لإطلاقها على المجمع المتعدّي حال تعدّيه و لو نادراً إن أُريد الغالب بحسب الأزمان، و لو أُريد بحسب الأفراد فكذلك في الفرد النادر في الأوّل.

و الحاصل: إنّ اعتبار عدم التعدّي غالباً يوجب خروج ما تعدّى غالباً و إن أُطلق البئر عليه عرفاً في حال عدم تعدّيه أو في الحالين، و خروج البئر من الموصول بينهما بساقية و البئر إذا تعدّت قليلاً بحيث لم يسلب عنها البئر، و خروج الجميع تعسّفٌ.

أُجيب (1) عن الثاني بإرادة العُرف العام؛ لكونه المتبادر من لفظه بلا ضميمة، إذ لم يثبت للبئر حقيقة بالثلاث و بأصالة عدم النقل يحكم بتساوي عرفنا و عرف النبي صلّی الله علیه و آله، فالقصر للإطلاق و التساوي للأصل.

و عن الأوّل بإدخال ما تعدّى من البئر نادراً بحكمها، و إخراج المتعدّي غالباً عن أحكامها حال التعدّي لا مطلقاً، و ما استمرّ جريانه خرج عن حكمها بلا ريب كآبار الغري و الشام، و لا غضاضة في ذلك، فكان لحوق الحكم للاسم في خصوص البئر على وجه مخصوص لا مطلقاً، و لذا لم يكتف الماتن بحدّه في الإيكال على العرف مطلقاً.

ولكن الأستاذ رحمه الله (2) اكتفى في حدّها بالصدق العرفي فقط، و كأنّه أراد عرف النّبيّ صلّی الله علیه و آله في آبار الحجاز، و إلّا لم يتمّ في الآبار النجفيّة و الشاميّة، و إنكار كونها آباراً عرفاً مطلقاً مشكلٌ.

و لو أراد أنّ الحكم هنا معلّق على الاسم فيدور مداره و إن اختلف العرف كالمأكول و المشروب و المكيل و الموزون.

ففيه: الفرق الظاهر بين تعليق الحكم على وصف فيختلف الموصوف لاختلاف الزمان كالمثالين فإنّه لا يتبدّل الحكم به، و بين تعليقه على ذات قد وضع لها اللّفظ زمن الصدور فيتبدّل الوضع في زمان آخر لذات أخرى، فإنّ الحكم هنا لا يتبع الاسم؛ لظهور أنّ الأحكام لا تتبع المنقولات الحادثة، و البئر من الأخير.

ص: 148


1- ينظر النجفي، جواهر الكلام: 1/ 189.
2- ينظر الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 72.

و احتمال أنّ البئر الآن تطلق على النابع و الجاري كآبار النجف عرفاً على وجه الاشتراك المعنوي، فيكون كذلك لغةً؛ لأصالة عدم النقل احتمالٌ واهٍ؛ لأنّ المفهوم منها لغةً أو في العرف العام بشهادة الاستقراء هو ما كان منها نابعاً لا ما كان جارياً، كذا حقّق الوالد رحمه الله في أنوار فقاهته (1).

فتمّ إلى هنا أنّ المراد بمجمع الماء... إلخ، هو المطلق، فيخرج المجتمع من وسائر المائعات، و أن يكون نابعاً غير محقون أو ماء مطر أو جارياً انحبس في مكان عميق، و الظاهر أنّ النابع هنا يشمل الخارج من ينبوع و من غيره كالنضح و الرّشح و النزّ؛ لحكم العرف به.

نعم، ما كان خروجه كالعرق الذي لا يبين للحسّ إبانةً ظاهرة يشكل إدخاله في حكم البئر، بل إلحاقه بالمحقون أولى، و لا بدّ أيضاً من عدم الخروج عن مسمّاها عرفاً، فالمحصور هيئة النهر الطويل و البركة العظيمة المسرّحة الحواشي ليس ببئر، و لا يلحقها الحكم جزماً.

و السبب في ذلك ما قلنا من أنّ البئر ليس لها حقيقة شرعيّة، بل يرجع فيها إلى العرف، و اللّغة تستكشف بالعرف عند الشكّ فيها؛ لأصالة عدم النقل إلّا إذا قطع بعدم الصدق اللغوي كآبار النجف، فلا يلحقها الأحكام و إن كانت عرفاً كذلك؛ للقطع بأنّها النابعة زمن الصدور.

و كيف كان، فهي و ما دون الكرّ الذي هو عبارة عن القليل ينجس (بالملاقاة) للنجاسة من غير فرق بين الوارد و المورود، و النجس و المتنجّس، و لا بين القليل منها و الكثير مطلقاً، أو خصوص قليل الدّم (على المشهور) (2) المنصور (فيهما)، بل (كاد أن يكون إجماعاً) نقلاً و تحصيلاً، كذلك نقله ابن زهرة (3) فيهما و ابن إدريس (4) فيها و علم الهدى و الشيخ في

ص: 149


1- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 50.
2- ينظر القزويني، ينابيع الأحكام: 1/ 247.
3- ابن زهرة، غنية النزوع: 48.
4- ابن إدريس، السرائر: 1/ 72.

الناصريّات (1) و الاستبصار (2) و الخلاف (3) فيه، و الأمالي (4) أنَّه من دين الإماميّة، و الماتن في الشرح قال: كاد أن يكون إجماعاً في البئر (5)، و استثنى العماني (6) بعد نقل الإجماع بعضٌ، و بعض أطلق، و الفاضل في جواب المسائل المهنائيّة قال: و ما عرفت قولاً لأحد من أصحابنا يوافق ابن أبي عقيل بعده (7)، انتهى.

ولكن لحقه القاساني (8) في كتبه - من المتأخرين - ، و الشيخ في المبسوط (9) ذهب إلى أنّه لا ينجس بمثل رؤوس الأُبر من الدّم أو غيره، و في استبصاره (10) خصّه بالدّم، فهو من المخالفين لا مطلقاً، فههنا موضعان:

[الموضع] الأوَّل: في القليل غير البئر ، فنقول: لمّا تصادمت الأخبار في القليل (11) فهی بين صريح و ظاهر في النجاسة، و مثلهما في الطهارة (12)، لزمنا البحث و الترجيح لأحد الجانبين و إن كانت الكثرة في الأوّل حتى أنهيت إلى المئة بين صحيح و حسن، مجبورة بعدم إعراض الأصحاب عنها كصلاة الجمعة (13) زمن الغيبة المعرض عن أخبار وجوبها، لكن

ص: 150


1- السيد المرتضى، الناصريات: 72.
2- الطوسي، الاستبصار: 1/ 32، ذيل الحديث 85.
3- حكاه عنه في المعتبر: 1/ 55.
4- الصدوق، الأمالي: 744.
5- الشهيد الأول، غاية المراد: 1/ 66.
6- حكاه عنه في مختلف الشيعة: 1/ 187.
7- العلّامة الحلي، أجوبة المسائل المهنّائيّة: 59.
8- الكاشاني، الوافي: 6/ 35 باب ماء البئر.
9- الطوسي، المبسوط: 1/ 7.
10- الطوسي، الاستبصار: 1/ 44، ذيل الحديث 124.
11- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 238 ح 690.
12- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 246 ح 709.
13- ينظر المحقق السبزواري، ذخيرة المعاد: 2/ 307.

الكثرة بعد صحة المعارض لا تكون مرجّحة بحيث يلغى اعتبار ما صادمها و إن كان مفرداً، بل تكون بمنزلة الخبر الواحد المصادم لمثله كالحكم المكرّر في الخبر ، إذ التكرير لا يرجّحه على معارضة (1)؛ و لذا يحكم الخبر الصحيح على الأخبار الضعاف و الموثّقات و يوهن اعتبارها، فلو كان للكثرة أثر في الترجيح لما تمّ ذلك، فالمهمّ أوّلاً تأسيس الأصل في القليل؛ ليعمل في المشكوك به منه بأصله من طهارة أو نجاسة.

و الظاهر من إطلاق الشهيدين هنا و في غيره كغيرهما (2) الحكمُ بانفعاله مطلقاً إلّا إذا ثبت خلافه كماء الاستنجاء.

و يظهر من فحاوي بعض (3) من تقدَّم و صريح جملة ممّن تأخّر (4) خلافه مدّعين عدم عموم دليل انفعال القليل فيوقف فيه على المتيقّن .

للأكثر قوله علیه السلام: «إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجسه شيء» (5)، و بضميمة عدم القول بالفصل تدلّ جملة من الأخبار (6) على عدم الفرق بين النجاسات و بين المياه و بين ما يطرو من الأحوال على الماء.

رُدّ الاستدلال به بأمور:

منها: إنكار عموم الماء منطوقاً، فما حال مفهومه؟

ص: 151


1- كذا في المخطوطة، و الصحيح: (معارضه).
2- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 25؛ الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 359، حاشية شرائع الإسلام: 23.
3- ينظر: الشهيد الأول، الدروس: 1/ 126، البيان: 95.
4- ينظر المحقق الشيخ حسن، معالم الدين (قسم الفقه): 1/ 727.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1 / 40 ح 108.
6- الكليني، الكافي: 3/ 2 ح3، 4.

أُجيب بعموم المفرد المحلّى على رأي الشيخ (1) و بعض (2)، و بأنّ اللّام الداخلة على الأجناس حقيقة في الجنس فتقضي بالعموم؛ لأنّ تعلّق الحكم على الطبيعة يقتضي تحقّقه في جميع الأفراد، و بأنّ الحمل هنا على الاستغراق متعيّن إذ لا فائدة في الحكم بتنجيس فردٍ ما من أفراد المياه، و بأنّ المفرد المحلّى يدلّ على العموم في أمثال المقام التزاماً عرفيّاً، و الثالث وجيه لولا بيان المنكر الفائدة فيؤول بالآخرة إلى التداعي، و أمّا الباقي فلم آلف لها كرامة و لا معنى محصّلاً كما حررناه في بابه.

و منها إهمال كلمة (إذا ) كما صرّحوا (3) به، و المهمل لا يفيد العموم.

أُجيب بدلالتها عليه؛ لأنها في مقام الخطاب بحكم العرف و شهادة الوجدان.

و فيه نظر؛ لأنه إن لم يرجع إلى دلالة الجملة على علّيّة الأوّل للثاني فيجيء العموم مع العلّيّة مع قطع النظر عن الأداة، و هو كما ترى.

و منها: إنّ المفهوم المستفاد من الشرط قضى به عراء أداته الفائدة، و عدم ظهور فائدة أخرى لا يقضي بعدمها أصلاً، فيوقف عليها، و في الأصول بانَ فساده فراجع (4).

و منها: أن لا عموم في المفهوم على فرضه كما ذهب إليه الفاضل في المختلف (5)، و جوابه واضح في محلّه، حتّى أنّ العضدي (6) أرجع خلاف الغزالي إلى المناقشة اللّفظيّة، و عسى أنّ من فرّق بين المفهوم و عمومه عوّل في إثبات المفهوم على الدلالة العقليّة من جهة العراء عن الفائدة فقط.

و قد حقّقنا أنّ ذلك إنّما يأتي في مفهوم الوصف لا الشرط، و أنّ المفهوم فيه إنّما جاء من

ص: 152


1- حكاه عنه في هداية المسترشدين: 1/ 343.
2- ينظر: المحقق النراقي، مستند الشيعة: 1/ 53؛ الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 168.
3- ينظر تقريرات آية الله المجدّد الشيرازي: 3/ 177.
4- ينظر السيد المجاهد، المناهل: 1/ 625.
5- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 182.
6- حكاه عنه المجلسي في ملاذ الأخيار: 1/ 172.

دلالة الجملة على سببيّة الأوّل للثاني على وجه الانحصار من جهة استفادته من وضع الجملة أو من إطلاق السببيّة و كونه سبباً مطلقاً في جميع الأحوال، و عليهما فلا معنى للتوقّف في نفي سببية ما عداه، و لا نعني بعموم المفهوم إلّا هذا، فتأمل.

مع أنّ هذه المناقشة لا تجري في صحيحة ابن جابر (1) الذي حدّد الإمام علیه السلام الكُرّ فيها و جعل ميزانه ذلك.

و منها: إنّ قضيّة المفهوم انتفاء حكم المنطوق، و لمّا كان المنطوق عاماً فمفهومه انتفاء هذه العموم، و ليس هو الانفعال بالملاقاة في الجملة، فلا يصحّ سنداً للأصل.

اُجيب بأنّ النفي و الإثبات في المفهوم و المنطوق إنّما يردان على مداليل الألفاظ مع قطع النظر عن نفسهما و إلّ دار، و العموم المرقوم لم يرد عليه الإثبات في المنطوق، و ليس فيه لفظ يقضي بالعموم لكي يرد النفي عليه، بل إنّما استفيد من مقام الخطاب، فعموم المفهوم كذلك، و كأنَّ الاشتباه نشأ من وقوع النكرة في سياق النفي، و هي تقضي بالعموم في المنطوق و سلبه في المفهوم يقضي بعدمه.

و قد حقّقنا في محلّه أنَّ دلالة النكرة وضعاً في الفرض المرقوم على العموم حريٌّ بالمنع، و لو سلّم فلا يفيد؛ لأنّ دلالة الجملة على سببيّة الشرط للجزاء لازمها انتفاء الحكم من كلّ فرد من أفراد العام عند عدم الاشتراط، و مقتضاه اتّحاد المنطوق و المفهوم في العموم و الخصوص، إذ لا نعني بعموم المفهوم إلّا هذا في الجملة الشرطيّة، و تنقيحه في علم الأصول (2).

و منها: إنّ (إذا) مختصّة بالتوقيت فلا تدلّ على الشرطيّة، فيكون كتعليق الحكم على الألقاب و الأسماء دون الشرط.

و فيه: إن أريد بالاختصاص عدم مجيئها للشرط مطلقاً و لو على وجه التضمّن، فبطلانه غير خفيّ لإطباق أهل العربية (3) عليه، و وروده في الكتاب و السنّة، قال تعالى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى

ص: 153


1- الكليني، الكافي: 3/ 3 ح 7.
2- ينظر الطوسي، العدة في أصول الفقه: 2/ 825.
3- ينظر حاشية الدسوقي: 2/ 52.

الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا) (1) أجمعوا (2) على تضمّنها الشرطية فيها، و مثلها كثير (3).

و إن أُريد عدم تضمّنها للشرط فيما نحن فيه فباطل أيضاً؛ لأنّ صريح القضيّة تعليق عدم النجس على بلوغ الكُرّ و لا نعني بالشرطيّة سوى هذا التعليق، و قياسه بالتعليق على الألقاب و الأسماء اشتباه، إذ ليس فيها هناك تعليق، و إلّا لاعتبر مفهومه جزماً.

نعم، هو تعلّق، و بينهما فرقٌ، و لعلّ الاشتباه حصل من خيال التساوي، و هو ممنوع.

و منها: إنّ الخبر منطوقاً قضى بأنّ الكُرّ لا ينجّسه شيء من الأشياء، فالمفهوم أنّ غيره ينجّسه شيء، و لعلّ المنجّس في غيره هو التغيير بالنجاسة دون غيره، نسب للقاساني (4)، و هو غريب، و أقصى ما يتمحّل له بأنّ الكُرّ لا يتغيّر بالنجاسة غالباً؛ لكثرته، دون ما دونه، فخرجت القضية مخرج الغالب، فلا مساواة بين المنطوق و المفهوم في العموم بعد اختصاص المنجّس بما يغيّر.

و جوابه: منع غلبة التغيير و عدمها فيهما طرداً و عكساً، خصوصاً على التحقيق في مقدار الكُرّ دون التسامح و التخمين، و مثله خيال (5) أنّ المفهوم ورد مورد الغالب في الأخبار، فإنّ غالب ما تبول فيه الدوّاب و تلغ به الكلاب من الماء مياه الغدران التي تتجاوز الكرّ غالباً، فهو كقوله تعالى: (وَ لَا تُكۡرِهُواْ فَتَيَٰتِكُمۡ عَلَی ٱلۡبِغَآءِ إِنۡ أَرَدۡنَ تَحَصُّنًا) (6)، فإنّ سقوطه جلیّ.

و منها: إنَّه لا مفصّل في الكُرّ، فيشمل المنطوق الكُرّ المتغيّر بعضه بنجس الذي تمّ بغيره من المياه القليلة.

ص: 154


1- سورة المائدة: 6.
2- ينظر ابن عاشور، التحرير و التنوير: 6/ 128.
3- ينظر عباس حسن، النحو الوافي: 5/ 432.
4- الكاشاني، الوافي: 6 / 150، ذيل الحديث 3977.
5- ينظر البهبهاني، الحاشية على مدارك الأحكام: 1/ 110.
6- سورة النور: 33.

و رُدّ (1): بمعارضته بمفهومه بعد عدم القول بالفصل، إذ مقتضاه نجاسة الملاقي ممّا دون الكرّ مطلقاً.

و أُجيب (2): بأنّ المنطوق أقوى مطلقاً، أو في خصوص هذا المفهوم؛ لأنه معركة العلماء و منع بُعد المفهوم لهذا المنطوق، إذ لا تعقل المعارضة بين منطوق و مفهوم في كلام واحد، و أنّ المنطوق منصرف لغير هذا الفرد؛ لندرته، فإنّ تقييد المنطوق أولى من إلغاء المفهوم رأساً؛ لكونه أرجح، و بأنّ الترجيح في جانب المفهوم لجهة اعتضاده بالشهرة، و الكلّ مُحتمل للتأمّل البيّن.

فالأنسق في الجواب: أنّ عموم المنطوق لا يشمل ذلك البعض و لا يقضي بطهارته؛ لأنّ بعض الكرّ غير الكرّ، و النقضُ بطهارة بعض أجزاء الكرّ مع ملاقاة النجاسة في حال عدم التغيّر و شمول المنطوق له، مدفوعٌ بأنّ الحكم بانفعال البعض حينئذ مستلزم لانفعال الكرّ، فلا جرم أن نقول بطهارته و عموم المنطوق له، بخلاف ما نحن فيه، فإنّ خروجه عن العموم قضى به الإجماع و الضرورة فلا محيص عن تخصيص العموم بالمتغيّر، إذ التغيّر موجب لنجاسة الماء بتّاً، فالفرض من أفراد الخارج دون الباقي، فإنّ الكُرّ الواحد ماء واحد فإذا تنجّس بعضه بالتغيير صدق عليه أنّه ماء متغيّر، فينجس البعض الآخر الذي لم يتغيّر و هو دون الكُرّ؛ لأنه ليس بكُرّ و لا ماء آخر حتى يحكم بطهارته.

و الحاصل: أنّ اتّحاد المائين و خروج المتغيّر عن عموم المنطوق يوجبان النجاسة في الفرض، و لا يضرّ ذلك بشيء من العموم المستفاد منه.

و منها: إنّ مفهوم الخبر و ما شاكله على فرضه معارض بمنطوق عمومات الكتاب (3) و السنّة (4) القاضيين بطهارة الماء مطلقاً أو ما لم يتغيّر، فهي من جزئيات جواز تخصيص

ص: 155


1- الخوانساري، مشارق الشموس: 191.
2- ينظر القزويني، ينابيع الأحكام: 1/ 514.
3- سورة الفرقان: 48 سورة المؤمنون: 18.
4- الكليني، الكافي: 2 / 17 ح 1؛ الصدوق، الأمالي: 216.

المنطوق بالمفهوم.

اُجیب بتسليمه و جوازه، و هو على إطلاقه لا نرتضيه، بل المدار على الترجيحات الخفيّة الموجودة في شخص المسألة، و الظاهر ضعف العمومات القاضية بالطهارة؛ لأنّ في أكثرها شَوْب الإهمال و عدم الإطلاق الصالح للاستناد، و الباقي مفاده مفاد أصالة الطهارة التي لا يعارضها مسمّى الدليل و لو كان مفهوماً؛ لحكومته عليها، مضافاً إلى تأييد المفهوم بأخبار (1) خاصّة واردة في خصوص بعض النجاسات، فإنّ المعاضدة تحصل بها جزماً، و عسى أن تسمع بعض ما يمكن استفادة العموم منه.

و منها: منع كون المراد من النجس و الخَبَث الواردين في الأخبار (2) ما هو المتبادر منها في لسان المتشرِّعة و الفقهاء، فيُحملان على لغويّ المعنى؛ لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية أو مطلق الاستقذار العرفي.

و فيه منعٌ ظاهر؛ إذ إنكار الحقيقة الشرعيّة فيهما مكابرة، و لو سلّم فمنع كونهما حقيقتين في المعنى العرفي في زمن الأئمة علیهم السلام لا يقبل، على أنّ مساق الخبر و نظيره إفادة الحكم الشرعي و الحمل على معناها اللغوي يأبى ذلك، أو يحمل النّهي على الكراهة في الحكم الوضعي، إذ لم يكن في: «لم ينجّسه شيء» نهي يحمل عليها، و هو مشكل في مثله، و أيضاً لا اختصاص للحكم بالكُرّ و في الأخبار إناطة الحكم به، إلّا أن يكون من باب المثال و أنّ المراد بالماء الكثير زاد أو نقص عنه ما لم يخرج عن الكثرة، و هو تأويل من غير حاجة، و أيضاً فدلالة بعض الأخبار (3) على تحريم الاستعمال في بعض المياه لا يكاد يُنكَر، فحمل الباقي على الكراهة مشكل؛ لتعاضد بعضها ببعض و عدم المفصل، و متى تحقّق انتفاء الكراهة تعيّن المعنى العرفي في النجس و الخَبَث و القذر، و إلَّا كان لغواً، و جلالة قدرهم تأباه.

أقول و على الله أتّكل: إنّ عمدة ما يناقش في الخبر هو حيثيّة عموم مفهومه، فلو حكمنا

ص: 156


1- الكليني، الكافي: 3/ 55 ح 4؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 86 ح 226.
2- الكليني، الكافي: 6/ 245 ح 6؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 225 ح 646.
3- الكليني، الكافي: 3/ 3 ح1.

به تمّ الأصل المزبور و كفى به دليلاً عليه، و أقصى ما يرد عليه هو أنّ المفهوم نقيض المنطوق، فيدور المفهوم بين سلب العموم أو عموم السلب؛ لاحتمالها في الكلام و لا مرجّح لأحدهما سواء كان العموم في المنطوق مستفاداً من اشتماله على بعض ألفاظ العموم أو من مقام الخطاب، و قد حكم الشيخ رحمه الله (1) بسلب العموم في قوله علیه السلام: «كلّ ما يؤكل لحمه يتوضّأ منه و يشرب» (2)، و بنى في رفع الكلّيّة بالسلب الجزئي.

و الفاضل (3) جعل في قولنا: كلّ غنم سائمة فيها زكاة؛ أنَّه لا ينافيه وجوب الزكاة في بعض المعلوفة.

و تحقيق الحال فيه: إنّ المفهوم هو نفي ما ثبت في المنطوق، فكلّ خصوصيّة أو قيد في المنطوق يلزم نفيه في المفهوم جزماً، و منها العموم، فنقول فيما نحن فيه:

إنّ العموم فيه إن استفدناه من مقام الخطاب كان المفهوم عاماً و يُراد به عموم السلب، و مثله الإطلاق، و إن فهمناه ممّا اشتملت عليه الجملة من ألفاظ العموم الواقعة في الشرط أو الجزاء فلا يخلو الأمر؛ فإن كان المتكلّم إنّما جاء بها آلةً مرآةً للتعبير عمّا في نفسه كان العموم مرآتياً فلا بدّ من استغراق الأفراد في منطوقه و مفهومه، و إن أُخذت تلك الألفاظ موضوعاً احتمل الأمران في المفهوم من سلب العموم أو عموم السلب؛ لجواز أن يريد المتكلّم الاستغراق، أو البعض و أتى بلفظ العام؛ لصدق القضيّة، و لا فرق في ذلك بين الألفاظ المفيدة للعموم الاستغراقي أو المجموعي، بدليّاً كان العموم أو غيره، وقع لفظه في الشرط أو الجزاء.

و حينئذٍ فالظاهر من الخطاب العرفي في مقام التجرّد أنّ كلّ واحدٍ من الأفراد هو المناط لإثبات الحكم و نفيه لا بوصف العموم، فيكون مورد الحكم هو الأفراد حال الاجتماع لا بقيد الاجتماع، فالعام آلة و مرآة.

ص: 157


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 224، ذيل الحديث 642.
2- الطوسي، الاستبصار: 1/ 25 ح 64.
3- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 3/ 166.

و یرشد إلى ما قلنا إنّ مداليل ألفاظ العموم و إن استفيد من الهيئة التركيبية أو كان بعض ألفاظه أسماء مداليل عرفيّة قائمة بغيرها، فهي إلى كونها آلة أقرب للاعتبار، و لا ينافيه أصالة الموضوعيّة في قيود الجملة، و لا مقالة المنطقیّين إنّ نقيض الموجبة الكلّية سالبة جزئيّة و العكس (1)، فإنّه ليس المقصود من قولهم حصر النتيجة بالأمرين، بل مرامهم ذكر المتيقّن من القضيّة، و تفصيل الحال في محلّه.

و في الجواهر (2) هنا و في الغسالة: أنّ العبارة قد تكون لبيان حكم المنطوق، و هو عدول عن اعتبار المفهوم الذي هو محطّ النظر، و وقوع التشكيك من الحكيم في الجواب التعرّض لتفصيل الحكم على أيّ صورة، و إلّا كان ناقصاً (3).

و استفادة الحكم للمخاطب السائل لم يكن حاصلاً، فانكشف القناع و بانَ أنّ الحق عموم مفهوم الخبر، فسقط قول ابن أبي عقيل (4)، و اتّضحت أصالة النجاسة بملاقاة القليل، و بعده يطالب العماني بتنوير دعواه؛ لمخالفة قوله للأصل، اعتمد رحمه لله على الخبر المتواتر (5) في طهارة الماء عدا ما غيّر الثلاثة من أوصافه، و على قول الصادق علیه السلام في حديث: إن كان الماء غالباً على النجاسة فيتوضّأ منه و اغتسل (6).

و أمره علیه السلام (7) في آخر بالتوضّي و الشرب من بئر خرج منها بالاستسقاء فأر مرّتين أمرَ فيها بالإراقة و الثالثة الخالية بالاستعمال، و كذا حديثا الجرّة (8) و أشباهها (9) عن الباقر علیه السلام،

ص: 158


1- الكلانتري، مطارح الأنظار: 174.
2- النجفي، جواهر الکلام: 1/ 107.
3- كذا في المخطوطة، و لعل الصحيح: (ناقضاً).
4- حكاه عنه في المعتبر: 1/ 48.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 40 ح 108.
6- ينظر الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 40 ح 111، 112 نقلاً بالمعنى.
7- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 239 ح 693.
8- الطوسي، تهذيب الأحكام: 12/ 418 ح 1320.
9- كموثقتي الساباطي و سماعة: «عن رجل معه إناءان وقع في أحدهما قذر لا يدري أيهما هو، و ليس يقدر على ماء غير هما؟ قال: يهريقهما جميعاً و يتيمم». الكليني، الكافي: 10/3ح 6. الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 248 ح712، 1/ 249 ح713.

و خبر الرجل بالمدينة مع أبي جعفر محمّد بن عليّ علیهم السلام حيث قال له: «إنّ هذا لا يصيب شيئاً إلّا طهّره» (1).

و رواية أبي مريم الأنصاري قال: «كنت مع أبي عبد الله علیه السلام فحضرت الصلاة، فنزح دلواً للوضوء من ركي له، فخرج عليه قطعة عذرة يابسة، فأكفأ رأسه و توضّأ بالباقي» (2).

و صحيحة زرارة؛ إذ نفى البأس فيها عن الماء المخرج بحبل من شعر خنزير (3).

و روايته أيضاً: «في الدلو إذا كان من جلد خنزير، قال: لا بأس» (4).

و رواية أبي بصير في الحيّة (5)، و مرسلة الوشّاء في كراهة سؤر ولد الزّنا و اليهودي (6)، و رواية محمّد بن [مسلم] (7) في الجُنُب (8)، و رواية بكار بن أبي بكر المرسلة الضعيفة في الرجل يضع الكوز ... إلخ (9)، و رواية عمر بن يزيد في المغتسل الذي يبال فيه (10)، و رواية زرارة عن الباقر علیه السلام في راوية سقطت بها فأرة... إلخ (11).

ص: 159


1- النوري، المستدرك: 1/ 199.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 416 ح 1313.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 409 ح 1289.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 12/ 413 ح 1301.
5- الكليني، الكافي: 3/ 73 ح 15.
6- الكليني، الكافي: 3/ 11 ح 6.
7- أثبتناه من المصدر، و في نسخة المخطوطة: (المفسر).
8- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 378 ح 1172.
9- الكليني، الكافي: 3/ 12 ح 6.
10- الكليني، الكافي: 3/ 14 ح 8.
11- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 412 ح 1298.

و العمومات و الإطلاقات منطوقاً أو مفهوماً كبعض ما مرّ و غيره.

و حكي عنه أنّ القول بنجاسة الماء ليس بأولى من القول بطهارة النجاسة بملاقاتها الماء الطاهر مع أنّ الله تعالى جعل الماء مزيلاً للنجاسة.

قال في المختلف: و قوله: جعل الماء مزيلاً للنجاسة، فجوابه إنّما يزيل النجاسة إذا ورد عليها ثم ينجس بعد انفصاله عن المحلّ.

و حكي عنه فيه أيضاً أنَّه قال في بعض ما مرّ من الأخبار: و هذه الأحاديث عامّة في القليل و الكثير، و الأخبار الدالّة على الكثير مقيّدة، و لا يجوز أن يكونا في وقت واحد؛ للتنافي بينهما، بل أحدهما سابق فالمتأخّر ناسخ، و المتأخّر منها مجهول فلا يجوز العمل بأحد الخبرين دون الآخر، و يبقى التعويل على الكتاب الدالّ على طهارة الماء مطلقاً.

وأجاب رحمه الله: أنّ الجواب عن الأحاديث بعد سلامة سندها أنّها مطلقة، و ما ذكرناه مقيّدة، و المطلق يحمل على المقيّد؛ جمعاً بين الأدلّة، و لا منافاة بينها، و ليس بواجب تأخّر المقيّد عن المطلق، و لو تأخّر لم يكن ناسخاً لحكم المطلق، و قد قرّرنا هذه القواعد في الأُصول (1)، انتهى.

و الظاهر أنّه ليس في الأخبار ما يثبت دعواه؛ فإنّ الأوّلين من أخباره - مع عدم ثبوتهما في المعتبر من كتب السلف - مطلقان بإقراره، فيقيّدان بما قضى باعتبار الكرّية.

و حديث النسخ الذي زعمه في الأخبار الإماميّة ساقط من أصله و لو مع العلم بتأخّر أحد المتعارضين عن زمن الحاجة بالآخر، و هو من المسلّم (2) بينهم.

و ثالثة الأخبار على عكس مطلوبه أدلّ؛ لأمره بإراقة الدّلو، و حمله على الاستحباب للنظافة العرفيّة ليس بأولى من القول بطهارة البئر، لكونها كرّاً أو لها مادّة، مع أنّها قضيّة في واقعة فلا إطلاق فيها، فيبقى ظهور الصّب في المدّعى سليماً عن المعارض، و أيضاً فلا تدلّ

ص: 160


1- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 179.
2- المجلسي، بحار الأنوار: 30/ 421.

إلّا على عدم تنجيس البئر بالملاقاة و تطهيرها للدلو النجس، و لعلّه من أحكامها، و أيضاً ربّما كانت الفئران حيّة.

و في المعتبر (1) و التهذيب (2) أنّ البئر يحمل على الغدير و في المصريّات (3) والمعتبر و المنتهى (4) أنّها ضعيفة؛ لضعف علي بن حديد (5)، و الرواية مرسلة، أو يجب للفأرة دلو واحد كما إذا لم تتفسّخ كما ذهب إليه الصدوقان (6)، على أنها ما زاد على أن قال: (صبّه في الإناء).

و هو لا يقضي بجواز استعماله، لكن في المعتبر و المنتهى: (فتوضّأ و شرب)، تتمّة له. و في المختلف: (فتوضّأ منه و اغتسل) (7).

و أمّا رواية الجرة، و القربة و روايتها، و الراوية و الحِبّ، فطعن فيهما سنداً بعليّ بن حديد و إرساله، أو أنّ الجرّة و القِربَة تحمل على ما يسع كرّاً أو أزيد، و الثانية مع ما فيها من التهافت لظهور الصدر في عدم الانفعال و الذيل به بناءً على مفهوم الشرط و أنّ المراد بالأكثر الكرّ، أنّ التفصيل بين التفسّخ و عدمه مخالف للإجماع (8)، و حمله على التغيير و إن لم يظهر للحسّ للامتزاج و عدم التمييز يأباه قوله علیه السلام في ذيله: «إلّا أن يجيء له ريح يغلب... إلخ» (9)، مريداً به التغيير لأنّ حقّ المقابلة بينه و بين التفسّخ أن يكون المراد به ما لا يوجب قطعاً، و يمكن أن يكون الحكم بالتجنّب؛ لأنّ الأواني المرقومة لا تسع غالباً أزيد من الكُرّ إلّا قليلاً فإذا اغترف منها بعد التفسّخ نقصت عن الكرّ فتنجّس بخلافه قبله فتلقى الميتة و يغترف من الماء، أو أنّ

ص: 161


1- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 49.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 239 ح 693.
3- حكاه عنه في مفتاح الكرامة: 1/ 78؛ المحقق النراقي، مستند الشيعة: 1/ 67.
4- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 50/1.
5- الطوسي، الفهرست: 312، رقم الترجمة 382.
6- علي بن بابويه، رسالة الشرائع: 129؛ الصدوق، المقنع: 31، الهداية: 70.
7- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 179.
8- ينظر: الخوانساري، مشارق الشموس: 189؛ المجلسي، ملاذ الأخيار: 1/ 188.
9- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 42 ح117، الاستبصار: 1/ 8.

الأمر به للتنزّه.

و أمّا الذيل فيحتمل أنه كلامٌ آخر لا ارتباط له بما قبله و لا قاله الإمام علیه السلام عند السؤال بل في وقت آخر، فجمع الراوي بين الكلامين، أو أنّه كلام واحد لكن عند التفسّخ في الأكثر من الراوية لا ينجس بالاغتراف لبقاء مقدار الراوية الذي هو الكُرّ فلا ينجس الباقي بخلاف الراوية فإنّ الاغتراف منها بعد التفسّخ ينقص معه الماء عن الكرّ فينجس لملاقاة القليل الباقي للنجاسة فهي حينئذ من أدلّة انفعال القليل.

و قال الشيخ رحمه الله في كتابيه: و كذلك القول في الجرّة و حبّ الماء و القربة، و ليس لأحدٍ أن يقول إنّ الجرّة و الحب و القربة لا يسع شيء من ذلك كرّاً من الماء؛ لأنه ليس في الخبر أنّ جرّة واحدة ذلك حكمها بل ذكرها بالألف و اللّام و ذلك يدلّ على العموم عند كثير من أهل اللّغة (1)، انتهى.

و لعلّه أراد بالعموم هنا انتفاء الوحدة التي تفهم من التنكير، فإنّه لو قيل جرّة أو قربة لاستفيد منه الوحدة، فلمّا جيء باللّام أفادت الجنسيّة الشاملة لجرار و قِرَب فيكون المعنى: الماء الذي يملأ جرّتين أو أزيد، أي ما يكون كرّاً، لكنّه تعسّف بيّن لا ينفع فيه حمل اللّام على الجنس؛ لأنّ إطلاقه يدلّ على المدّعى.

و أمّا خبر الرّجل، فالمشار إليه غير معلوم القلّة، أجاب الأستاذ رحمه الله (2) بالمعارضة بمرسلة علي بن حديد (3) القاضية بصبّ الدلو الذي فيه الفأرة، و هو حسن لولا أنّ ظهور الاستعمال في الجواز أجلى من حمل الصّب على التحريم، فعساه للاستقدار فلا معارضة.

و في الوسائل حمله الشيخ على عذرة ما يؤكل لحمه، قال: و يحمل على التقيّة (4)، و على أنّ المراد بالباقي ما بقي في البئر، أو أن الدلو يسع الكرّ.

ص: 162


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 412 ح 1298.
2- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 203.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 239 ح 693.
4- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 155 ح 386.

قلتُ: و لعلّ الإكفاء قرينته، إذ لو لم يكفّ لنقص بالاغتراف عن الكرّ، لكن حملها على قول الشيخ أولى؛ للجمع بين الأخبار القاضية بالمنع، و قضيّة الجمع بين النصّ و الظاهر ذلك.

و أمّا روايتا زرارة (1) و غيرهما (2) فقد حمله-ا غ-ير واحد على غير واحد، غير أنَّه حمل [بعيد]، و الظاهر مع العماني (3) فالمرجع القواعد، فإذا كان المعارض لها أكثر منها عدداً و أتقن سنداً و أصرح دلالةً ينبغي الإعراض عنها إمّا بالطرح أو بالحمل على التقيّة؛ لموافقة الحكم للناس مثل الأوزاعي (4) و عکرمة (5) و ابن أبي ليلى (6)

ص: 163


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 409 ح 1289، 1/ 413 ح 1301.
2- كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام: «في البئر يقع فيها الميتة؟ فقال: إن كان لها ريح نزح منها عشرون دلوا».الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 244 ح 703.
3- حكاه عنه في المعتبر: 1/ 48.
4- أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي، إمام أهل الشام، سمع من الزهري و عطاء، و روى عنه الثوري، و أخذ عنه عبد الله بن المبارك و جماعة كبيرة. و كانت ولادته ببعلبك سنة ثمان و ثمانين للهجرة، و قيل سنة ثلاث و تسعين. و منشؤه بالبقاع، و توفي سنة سبع و خمسين و مئة يوم الأحد لليلتين بقيتا من صفر، و قيل في شهر ربيع الأول بمدينة بيروت. ينظر ابن خلكان، وفيات الأعيان: 3/ 127، رقم الترجمة: 361.
5- أبو عبد الله عكرمة بن عبد الله، مولى عبد الله بن عباس؛ أصله من البربر من أهل المغرب، كان لحصين ابن الحر العنبري، فوهبه لابن عباس، حين ولي البصرة لعلي بن أبي طالب علیه السلام و اجتهد ابن عباس في تعليمه القرآن و السنن و سماه بأسماء العرب. حدّث عن عبد الله بن عباس و عبد الله بن عمر و عبد الله ابن عمرو بن العاص و أبي هريرة و أبي سعيد الخدري و عائشة؛ و هو أحد فقهاء مكة و تابعيها، و كان ينتقل من بلد إلى بلد؛ روي أن ابن عباس قال له: انطلق فأفت الناس. و قيل لسعيد بن جبير: هل تعلم أحداً أعلم منك قال: عكرمة. و قد تكلّم الناس فيه؛ لأنه كان يرى رأي الخوارج. و روى عن جماعة من الصحابة، و روى عنه الزهري و عمرو بن دينار و الشعبي و أبو إسحاق السبيعي و غيرهم. توفي في سنة سبع و مئة، و قيل: سنة ست، و قيل: سنة أربع و قيل: سنة خمس، و قيل: سنة خمس عشرة. راجع: ينظر وفيات الأعيان: 3/ 265، رقم الترجمة: 421.
6- محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى يسار - و يقال: داود - بن بلال بن أحيحة ابن الجلاح الأنصاري الكوفي، كان من أصحاب الرأي، و تولّى القضاء بالكوفة و أقام حاكماً ثلاثاً و ثلاثين سنةً، و لي لبني أمية ثم لبني العباس، أخذ عنه سفيان الثوري، و كانت ولادته سنة أربع وسبعين للهجرة، و توفي سنة ثمان و أربعين و مئة بالكوفة، و هو باق على القضاء. ينظر وفيات الأعيان: 4/ 179 - 181، رقم الترجمة: 564.

و مالك (1) و غيرهم (2).

أو بالتصرّف في الحمل فيها كما حملوا كلّ خبر منها بمحامل، و هو أولى؛ لكونه يجري على قاعدة الجمع في المتعارضات و لو بَعُد الحمل، إذ بعد أن بلغت الأخبار المانعة مطلقها و مقيّدها إلى حدّ الصراحة الذي لا يمكن فيه الحمل و الجمع فما نصنع غير أنّا نجعلها من قبيل النّص و الظاهر و القطعي و الظنّي، فإنّ القدر المتيقّن من مؤدّاها هو القليل، إذ أكثرها يعمّ الكرّ.

على أن تفرّد المخالف ممّا يوهِن قوله، فإنّ لسان أصحابنا هو لسان أئمّتنا علیهم السلام، و لا يلتفت بعد ذلك إلى لفيفة القاساني رحمه الله (3) الذي عقبها لما تلونا من الأخبار، زاعماً دلالتها على مختاره مثل أنّ القليل لو كان قابلاً للانفعال لم يكن مزيلاً للنجاسة، و أنّ وجود النجاسة التي لم تغيّر كوجود الكلب في المملحة أو المضاف القليل في المطلق الكثير و العكس لحصول الانقلاب إلى القاهر، و أنّ الاقتصار في عدم النجاسة على الكُرّ من الوسواس المنهيّ عنه، و أنّ اختلاف مقادير الكُرّ في الأخبار (4) يقضي بالاستحباب جمعاً، فإنّ هذا و نحوه كسراب بقيعة.

و لا فرق في الحكم ظاهراً بين الوارد و المورود، و عليه إطلاق المصنّفين كما ذكرنا، لكن

ص: 164


1- أبو عبد الله مالك بن أنس بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث الأصبحي المدني، أخذ القراءة عرضاً عن نافع بن أبي نعيم، و سمع الزهري و نافعاً مولى ابن عمر، و روى عنه الأوزاعي و يحيى بن سعيد، و أخذ العلم عن ربيعة الرأي ثم أفتى معه عند السلطان. و كانت ولادته في سنة خمس و تسعين للهجرة، و حمل به ثلاث سنين. و توفي في شهر ربيع الأول سنة تسع و سبعين و مئة، فعاش أربعاً و ثمانين سنة. ينظر وفيات الأعيان: 4 / 135 - 137، رقم الترجمة: 550.
2- كأبي حنيفة و أحمد بن حنبل.
3- الكاشاني، الوافي: 6/ 150، ذيل الحديث 3977.
4- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 164 - 167، باب مقدار الكر بالأشبار؛ 1/ 167 - 169، باب مقدار الكر بالأرطال.

علم الهدى (1) تابع الشافعي (2) في تفصيله فحصر الطهارة في الوارد، و لحقه ابن إدريس (3)، و يلوح من بعض كلمات الشيخين ذلك؛ ففي المقنعة : أنّ ماء الوضوء لو رجع إلى بدنه و ثيابه لم ينجّس إلّا أن يقع على نجاسة ظاهرة فيحملها (4)، فاعتبر في نجاسة الماء حمله للنجاسة دون الملاقاة.

و في المبسوط: لو اغتسل الجُنب و على بدنه نجاسة صحَّ غسله و عليه إزالته بعد الغُسل (5). فإنّ ظاهرهما مع المرتضى و إن حملا على المتنجّس و على الماء الغير المنفعل.

و حكم في الخلاف (6) بعدم وجوب غسل الثوب إذا أصابه الماء الذي يغسل به الإناء من الولوغ مطلقاً، و الفاضل في التذكرة (7) و التبصرة (8) يستشم منه الميل لذلك، و ربّما وافقه ظاهر عنوان الحر (9) في المسألة، و استوجبه مدركه في المدارك (10)، و قوّاه في الحدائق (11)، و صحّح مستنده في المستند (12)، و المشهور إلغاء الفرق بينهما إلَّا في الغسالة استند السيّد رحمه الله (13) بأنّه لولا ذلك لامتنع حصول التطهير بالماء القليل.

ص: 165


1- السيد المرتضى، الناصريات: 42 ، 43.
2- حكاه عنه في منتهى المطلب: 1/ 28.
3- ابن إدريس، السرائر: 1/ 180.
4- المفيد، المقنعة: 47.
5- الطوسي، المبسوط: 1/ 16.
6- الطوسي، الخلاف: 1/ 181.
7- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 37.
8- العلّامة الحلي، تبصرة المتعلمين: 18.
9- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 170.
10- السيد العاملي، مدارك الأحكام: 1/ 118.
11- البحراني، الحدائق الناضرة: 1/ 66.
12- المحقق النراقي، مستند الشيعة: 1/ 88.
13- السيد المرتضى، الناصريات: 103.

و استدلّ (1) له على طهارة الوارد بالأصل و الاستصحاب المؤيّدين بإجماع (2) الحلّي السالمين عن المعارض، و بعمومات طهارة الماء السالمة عن المعارض بأنواعها المتقدّمة و إطلاقاتها الخالية عن المخصّص و المقيّد؛ لاختصاص أدلّة انفعال القليل بورود النجاسة، و لو عمدت إلى ما حقّقناه في أصالة الانفعال في القليل و عمومه لأفراد الماء و خصوصيّات النجاسة و أحواله سقط ذلك كلّه.

و لا ملازمة بين عدم التطهير و الانفعال، و إلّا لأشكل في حجار الاستجمار و تراب التعفير و أرض القَدَم و النعل، و الخروج بالدليل فرع ثبوت الملازمة، و هو أوّل الدعوى، و لو سلّم أنّ النجس لا يطهر اقتصر فيه على ما كان نجساً بغير العارض الذي حصل من الاستعمال في التطهير لا مطلقاً، و التحكّم بعدم النجاسة ما دام في المحلّ المتنجّس فإذا انفصل نجس تخرّص؛ لعدم معقوليّة الطهارة حال الاجتماع مع النجاسة و هي من غير سبب جديد بعد الانفصال.

نعم، قد يعضده خبر ابن يزيد (3) المشتمل على نفي البأس عن الماء المردود من المغتسل القذر، مضافاً إلى أنّ الجمع بين المطلق من أخبار الانفعال و بين المختصّ بما إذا ورد عليه النجاسة كأخبار الولوغ (4) و نحوها يكون بحمل مطلقها على المقيّد.

و جوابهما [عن الأول]: ضعف الخبر دلالةً و سنداً؛ فإنّ كون المغتسل يُبال فيه لا يستلزم استيعاب النجاسة لكلّ جوانبه التي يصل إليها ماء الغسل، فالسؤال و الجواب ناظران لحكم النزو من غير الموضع المقطوع بنجاسته. و لو تبادر غير ذلك منها كفى إعراض الأصحاب عنها، و لولاه لركن المرتضى إليها و ما عوّل على الوجه الاعتباري، مع معارضتها بخبر عليّ بن جعفر عن أخيه علیه السلام: «عن الكنيف يصبّ فيه الماء فينضح على الثياب؟ قال: إن كان جافاً

ص: 166


1- ينظر القزويني، ينابيع الأحكام: 1/ 274؛ المحقق النراقي، عوائد الأيام: 1/ 215.
2- ابن إدريس، السرائر: 1/ 64.
3- الكليني، الكافي: 3/ 14 ح 8.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 226 ح 649.

فلا بأس» (1). فإنّ اشتراط الجفاف لحصول العلم بنجاسة المحلّ مع الرطوبة غالباً.

و عن الثاني: إِنَّ أدلّة الانفعال عمومات لا مطلقات، و الجمع بين الخاص و العام المتّفقين نفياً و إثباتاً مخالف للقواعد، و أيضاً فالإطلاق و التقييد فيهما مشكل؛ لأنهما من الأحكام الوضعيّة، و التصرّف لا يفيد المستدلّ، على أنّ رواية المركن (2) كالصريحة في ردّ السيّد إن لم تطرح عنده، بل و سائر من يرى عدم الانفعال في الجملة قبالاً للحسن أو يدّعى أنّ ورود المغسول ثانياً على غاسله لعلّه غير المتنازع فيه.

و في المجمع (3) أنّ أخبار المطر ترد هذه الرواية لما فيها من اشتراط الجرّتين.

و فيه: - على الحقّ من عدم اعتباره - تكون أخباره على عكس المطلوب أدلّ.

نعم، يعارضهما أخبار الغسالة و لا يلتفت إلى حمل المستند و كأنّ المسألة عارية عن الإشكال لدى الأستاذ، فذكر رحمه الله (4) لذلك وجوهاً يتطرّق [إلى] بعضها النظر كاختصاص كلام السيّد (5) و الحلّي (6) في الغسالة، و الفاضل (7) حكاه عنه في بابها، و الماتن عنهما فيها مدعياً بدعوى الإجماع منه على نجاسة غسالة الحمّام مطلقاً مع أنّها تشمل المياه الواردة و بقوله في ماء الاستنجاء و الاغتسال من الجنابة: إنّه متى انفصل و وقع على نجاسة و رجع إليه وجب إزالته (8).

و كلامه رحمه الله في ردّ القول بتعدّي النجاسة عن ملاقي الميّت إلى ما يلاقيه بأنّه لو كان

ص: 167


1- مسائل علي بن جعفر: 191/ مس 394.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 250 ح 717.
3- المحقق الأردبيلي، مجمع الفائدة: 1/ 250.
4- الشيخ الأنصاري ، كتاب الطهارة: 1/ 124.
5- السيد المرتضى، الناصريات: 103.
6- ابن إدريس، السرائر: 1/ 180.
7- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 6، منتهى المطلب: 1/ 137.
8- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 124.

كذلك لزم نجاسة الماء الذي يستعمله ماسّ الميّت في غسل المسّ، مع أنّ المستعمل في رفع الأحداث طاهر إجماعاً، بل و في عموم منقول الإجماع عليه كفاية.

و دعوى شمولها لورود الماء على النجاسة كدعوى العكس في بداهة الفساد، و أيضاً لا ريب في عدم تطهير القليل لمثله إذا ورد عليه، فلو لم ينفعل طهّره كالكثير، إذ دليله جارٍ في القليل. إلى أن قال رحمه الله: و بالجملة فهذا القول أضعف من قول العماني و إن قال به أو مال إليه جملة من متأخّري المتأخّرين (1)، انتهى.

قلت: أمّا الاختصاص المزبور فلا دليل عليه، و إلّا لما كان الحكم به من السيّد في بادئ النظر، و المعروف من الشافعي العموم و ظاهر الموافقة يقضي به أيضاً، و كلام الماتن في الذكرى (2) ظاهر بأنّ الغسالة من أفراد المسألة لا أنّ البحث فيها فقط.

و أمّا الإجماع و تالياه ممّا نقله السيّد و حكم به فهو خارج بدليله لو سلم، بل نقله الإجماع في خصوص غسالة الحمّام كان قرينة على خروجه به و إلّا فمفهومه إذا كان الماء ... إلخ.

و ما ذكر في ردّ العماني فيه الكفاية، و عليك بالتأمّل في جملة كلامه فإنّه لا يفي بإتمام الحجّة، و المسألة لا تخلو عن إشكال؛ لَميل مشاهير الأصحاب إليها، و يأتي في الغسالة التوضيح.

لكن ظاهر المرتضى كفاية التطهير بأوّل أزمنة الورود سواء استقرّ في الزمن الثاني في المحلّ المغسول مثل الإناء أو كان مارّاً عليه كاليد، و حينئذ يشكل الحال بالقطرة على العذرة و بالكلاب الممطورة إلّا أن يفرّق أو يتمحّل.

و أمّا تفصيل الشيخ على اختلاف عباراته فكأنّه غير واضح؛ لضعف دليله؛ ففي المبسوط: لأنّه لا يمكن التحرّز عنه (3). و لا أفهم معناه، و رواية الراعف (4) فيها محمّد بن أحمد

ص: 168


1- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 124.
2- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 84.
3- الطوسي، المبسوط: 1/ 10.
4- الكليني، الكافي: 3/ 74 ح 16.

العلوي صحّحه الفاضل (1) و طعن فيه غيره (2)، مع أنّ «كان» فيها تحتمل النقصان و التمام و «يستبين» يمكن فيه الخبريّة على الأوّل و الوصفيّة على الثاني، و على التقديرين فنفي البأس إمّا عن الوجود المعلوم أو عن الظهور.

و على الأوّل لا دلالة فيها، إذ الحكم علّق فيها على العلم فهو يقضي بالطهارة الظاهريّة عند الشكّ، و على الثاني يتمّ الاستناد إليهما نظراً إلى رجوع الحكم إلى القيد الأخير، و قد تعلّق نفي البأس على خصوص عدم الظهور، فيعمّ ما لو لم يكن في الماء شيء أصلاً، أو كان و لم يكن ظاهراً لقلّته.

لكن يحتمل أن يكون الظهور كناية عن أصل الوجود؛ لأنّ التعبير عن وجود الشيء بالعلم به نفياً و إثباتاً أمرٌ شائع، فالمعنى: إن لم يكن شيئاً موجوداً في الماء، فلا تصلح دليلاً للشيخ أيضاً، إلّا أنّ الأظهر في الخبر هو كلام الشيخ، و إلّا لغا إصابة الدّم في السؤال؛ لأنّ رجوع النفي إلى أصل وجود الشيء بأن يكون الظهور كناية عن وجوده المعلوم أو عن أصل وجوده مع فرض السؤال عن إصابة الدّم للماء غير ملتئم الأطراف، فلا بدّ من الرجوع لصفة الظهور بعد الفراغ عن الوجود.

نعم، يبقى التشكيك في إصابة الدّم للماء، و الرواية ليست صريحة فيه، و ربّما نافى ظاهر الكلام.

و في الكافي: «و إن لم يكن شيء يستبين [في الماء] (3) فلا بأس» (4)، و عليه يتعيّن النقصان في (كان)، و تجري فيها الاحتمالات، لكن وجود الماء (أروى) للشيخ فيها بناءً على إرجاع النفي في (لم يكن) إلى ظهور الشيء على وجه يعتبر وصفاً زائداً بعد الفراغ عن أصل الوجود في كلام الإمام علیه السلام دون السائل، و إلّا فنفي الزائد لا يجدي؛ لانطباقه على غير كلام الشيخ رحمه الله،

ص: 169


1- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 182، منتهى المطلب: 1/ 52.
2- رجال الطوسي: 506/ 83؛ الشيخ محمد العاملي، استقصاء الاعتبار: 1/ 188.
3- أثبتناه من المصدر.
4- الكليني، الكافي: 3/ 74 ح 16.

على أنّه لو كان صحيحاً طرح؛ لإجماع السرائر (1).

الموضع الثاني: في البئر، و قد غبر نقل الإجماع على (نجاستها بالملاقاة ما لم تتغيّر ) (2) عن الماتن و غيره حتى أُنهيت الإجماعات إلى فوق العشرة.

و في السرائر (3) نفى الخلاف، لكن مشهور المتأخّرين - و أظنّ أنّ جملتهم عليه - القول بالطهارة مطلقاً، و في المصابيح (4): أنّ عليه استقرّ رأي الأصحاب بعد الشارح، و أنّ فقهاءنا في عام 1099 ه- يفتون بذلك و لا يختلفون فيه، و قد استقرّ عليه مذهبهم مُذ مئتي سنة أو أكثر، و يظهر منه أنّ إجماع كلّ عصر حجّة؛ لطريقة اللُّطف، و إلّا فالإجماع كذلك لمخالفينا.

و صرّح بعض مشايخنا (5) في انقلاب شهرة النجاسة إلى الطهارة مع معروفيّة الطهارة في الصدر الأوَّل؛ فقد نقل عن زرارة (6) و أبي بصير (7) و غيرهما (8)، و يؤيّده قول المحقّق في المصريّات (9): إنّه اختيار جماعة من القدماء، و في المختلف (10) نسبته لغير الأكثر .

و نسب (11) لبعضهم تحريم الاستعمال ما لم ينزح منها ما قدّر و إيجاب النزح، و عليه

ص: 170


1- ابن إدريس، السرائر: 1/ 180.
2- كذا في المخطوطة و لعل الصحيح: (عدم نجاستها بالملاقاة مالم تتغير).
3- ابن إدريس، السرائر: 1/ 61، 69.
4- السيد بحر العلوم، مصابيح الأحكام: 1/ 337 و ما بعدها.
5- لم أقف على القائل في الآثار المطبوعة.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 409 ح 1289، 1/ 413 ح 1301.
7- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 37 ح 100.
8- كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام: «في البئر يقع فيها الميتة؟ فقال: إن كان لها ريح نزح منها عشرون دلوا» . الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 244 ح 703.
9- المحقق الحلي، المسائل المصرية (الرسائل التسع): 221.
10- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 187.
11- لم أقف على النسبة المذكورة.

الفاضل في ظاهر المنتهى (1) و ابن فهد في الموجز (2) و المحرر (3)، و فيه: وإن لم تغيّر - أي النجاسة - ماء البئر لم ينجس، و يجب النزح بحسب ما نصّ عليه الشرع، و لو استعملها قبل النزح أثم و صحّ التطهير بمائها، انتهى.

و مال إليه في التنقيح (4)، و عزاه المحقّق في معتبره (5) و مصرياته (6) للشيخ في كتابي الأخبار (7)، و العبارة فيهما ليست نصّاً في المطلوب، بل غاية ما فيها عدم وجوب إعادة الصلاة و الوضوء إن توضّأ بماء بئر لم يتغيّر بالنجاسة و صلّى سهواً، بل كلامه في التهذيب يقضي و إن تهافت بحكمه بالنجاسة، و هو الذي أوهم الجماعة فمالوا إليه.

و العلّامة (8) في أكثر كتبه غيره قال برجحان النزح المجامع لجواز الترك، و خير ما تُحمَل عليه عبارتا الشيخ رحمه الله إنّه يقول بالنجاسة و الإجزاء في الأمر الظاهري الشرعي عدم الإعادة في الوقت، و أنّه لا تضادّ بين عدم الإعادة و بين النجاسة و عليه جماعة من العلماء (9)، و قرائن ذلك في عبارتيه ظاهرة.

[الأول] منها قوله في الاستبصار: على أنّ الذي ينبغي أن يعمل عليه هو أنَّه إذا استعمل هذه المياه قبل العلم بحصول النجاسة فيها فإنّه لا يلزم إعادة الوضوء و الصلاة، و متى استعملها مع العلم بذلك لزم إعادتهما (10)، انتهى.

ص: 171


1- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 56.
2- ابن فهد، الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 36.
3- المحرر (الرسائل العشر): 136.
4- المقداد السيوري، التنقيح الرائع: 1/ 43.
5- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 55.
6- المحقق الحلي، المسائل المصرية (الرسائل التسع): 221.
7- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 232 ، الاستبصار: 1/ 32.
8- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 48، تذكرة الفقهاء: 1/ 27، مختلف الشيعة: 190/1.
9- ينظر فوائد الأصول: 1/ 613.
10- الطوسي، الاستبصار: 1/ 32.

و [الثاني] منها: ذكره لخبر إسحاق بن عمّار و جعله مؤيّداً لمقالته: «في الرجل الذي يجد في إنائه فأرة و قد توضّأ... إلخ» (1).

و [الثالث] منها: قوله في التهذيب: و أمّا إذا لم يتغيّر شيء من ذلك فلا يجب إعادة شيء و إن كان لا يجوز استعماله إلّا بعد تطهيره، و الذي يدلّ على ذلك أنّه مأمور باستعمال المياه الطاهرة في هذه الأشياء، فمتى استعمل النجسة فيجب أن لا يكون مُجزياً عنه؛ لأنه خلاف المأمور به (2)، انتهى.

و قال: إنّ حكم الآبار مخالف لحكم الغدران، و إنّما تنجّس بما يقع فيها، و تطهر بنزح شيء منها سواء كان الماء قليلاً أو كثيراً (3)، انتهى.

و ما ذكرناه و إن لم يجر في غسل الثوب مع أنّ ظاهره مساواته للوضوء بها، لكن من أمعن يرى أنّ غسل الثياب إنّما أتى به للزوم تجديد غسله، أو لبيان بقائه على النجاسة فقط، فهو من الذاهبين إليها جزماً.

الرابع: قول البصروي: إنّ قليلها يتنجّس بالملاقاة كالقليل، و كثيرها كالكثير (4)، و لعلّ ظاهر الجمل (5) عليه، فإنّه أطلق تنجيس القليل و عدم تنجيس الكثير بالملاقاة و ما فصّل، و يلزم الفاضل بهذا القول فيها، و الأستاذ (6) نظر في الملازمة المعتضدة بظاهر المنتهى (7) و المؤيّدة باشتراك دليله بين الجاري و البئر و عسى أنّ وجهه ما في الحدائق (8) بأنَّه لو ترتّب

ص: 172


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 418 ح 1322.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 232.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 408، ذيل الحديث 1282. باختلاف يسير.
4- حكاه في ذكرى الشيعة: 1/ 88. بتفاوت.
5- الطوسي، الجمل و العقود: 55.
6- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 162.
7- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 56.
8- البحراني، الحدائق الناضرة: 1/ 260.

حكم البئر على الجاري لورد الإلزام على القول المشهور أيضاً، انتهى.

و بعد انقلاب الشهرة يسقط النظر، و التفكيك في الخبر و إن أمكن لكن خلاف الأصل، و السبيل فيهما به متّحد، و تصريحه (1) بعدم الفرق في بعض كتبه لو صحّ فهو لعدم القول بالفصل لو صلح دليلاً للتساوي.

الخامس: ما حكاه الماتن (2) عن الجعفي رحمه الله و هو اعتبار ذراعين في أبعاد البئر الثلاثة.

و الرابع مغلوب على حقّه كالرابع؛ للإطلاقات و العمومات السابقة في القليل و الكثير، و فرديّة قائله لا يوهنه.

و في المنتقى (3) نسبه لجماعة غير البصروي، و الشهرة متعارضة، و الحديث ذو شجون و مؤول إذ انفعال القليل أصلٌ أصيل كعدم انفعال الكثير، و استثناء البئر منهما على القولين عليل، و قضيّة الجمع حمل الحاكم بالطهارة من الأخبار على الكثير و بالنجاسة على القليل، و خبر الزنبيل (4) و الركي (5) و عبارة الرّضا عیله السلام في فقهه (6) أقوى شاهد، و لا ترجيح لأخبار الطهارة بعد قوّة المفهوم و إمكان حملها على الكثير، و شهرة المتأخّرين أو إجماعهم بعد تواتر أخبار النزح الظاهرة بالنجاسة مقبولة لكن في غير القليل، فمن لم يصرّح منهم بالعموم لا شاهد لحمل كلامه عليه إلّا بقول المصرّح به و هو كذلك ليس بقرينة صالحة للحمل.

و أطنب العلّامة الأكبر جدّي في كشف الغطاء (7) في أحكام ما عليه ظاهر المتأخّرين، و يصلح بعض ما ذكر لنا دليلاً و بعضه بيّن ردّه؛ لأنه يؤول إلى الاستحسان الذي لا يناط به

ص: 173


1- ينظر البهبهاني، مصابيح الظلام: 5/ 318.
2- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 88.
3- المحقق الشيخ حسن، منتقى الجمان: 1/ 56.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 246 ح 709.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 416 ح 1313.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 234 ح 676.
7- الشيخ جعفر، كشف الغطاء: 2/ 424، 425.

الحکم الشرعی.

و حينئذٍ يكفي في ردّ القولين إعمال أدلّتهما و الجمع بإنكار عمومهما.

و الثالث بابتنائه على الإجزاء في مثله، و هي مسألة أصولية، و الخلاف فيها مذكور هناك (1)، و يحتمل أنّ حكمه بالعفو و الغسل هو في القليل من البئر، فيوافقنا في أصل الحكم، فإنّ المتتبّع يرى الشيخ في كتابي الأخبار (2) و المرتضى في الانتصار (3) ظاهراً و ابن زُهرة في الغنية (4) و المحقّق في المصريّات (5) صريحاً في دعوى الإجماع على عدم اعتبار الكثرة و القلّة في البئر، فيصلح حمل كلامهما على اختيارنا. و الخامس لا حجّة له ساطعة.

و على ما حقّقناه (يطهر القليل) غير البئر (بما ذكر) (و هو ملاقاته الكُرّ على الوجه السابق)، إمّا مطلقاً كما هو ظاهر المتن، أو بشروطه الثلاثة، أو بعضها.

و لمّا كان السابق يشمل القليل و الكثير كان كالتكرير المنافي لإيجازه، و ظاهر إطلاقهما في مطهّريّة الكرّ هو بعد إحرازه موضوعاً بشروطه، فلو شكّ في كون الماء كرّاً فالأصل عدم ترتّب الآثار المترتّبة على موضوعه، فلا يرتفع به الخَبَث المشترط رفعه به سواء كان مسبوقاً بالقلّة أم لا.

نعم، يحكم بالطهارة حالة الشكّ فيها؛ إذ هي ليست من أحكام الكُرّ، فيرتفع الحَدَث بالكرّ المشكوك؛ لأنه من الأحكام المشتركة بين القليل مطلقاً و الكثير بعد إحراز الطهارة مطلقاً و لو بالأصل، و الخَبَث إذا كان كذلك.

و حينئذ فلو وجد فيه نجاسة يحتمل الحكم بنجاسته؛ لأصالة عدم الكرّية، أمّا في

ص: 174


1- ينظر النجفي، جواهر الکلام: 12/ 233.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 232، الاستبصار: 1/ 32.
3- السيد المرتضى، الانتصار: 90.
4- ابن زهرة، غنية النزوع: 48.
5- المحقق الحلي، المسائل المصرية (الرسائل التسع): 221.

المسبوق بعدمها فوجهه استصحاب عدم الكرّية الظاهر عرفاً شمول أدلّة الاستصحاب (1) لمثله و إن كان لم يحرز موضوعه عند التدقيق، و أمّا في غيره فلجهة الرجوع إلى ما أحكمناه أصالة الانفعال عند الشكّ في الكرّية شرطاً كان أو شطراً، حصل الشكّ في مصداقه أم مفهومه كما لو لم يعلم مقدار الموجود أو علم، لكن اختلف في مقدار الكرّ أو في اعتبار اجتماعه و اختلاف سطوح أجزائه و لم يكن إطلاق في لفظ الكرّ يرجع إليه.

و الوجه في الرجوع إلى الأصل المزبور في جميع الصور جليّ؛ لعوده إلى الشكّ فی التخصيص، إذ استثناء الكُرّ من عموم ما قضى بالانفعال لا بدّ و أن يكون بعد إحرازه إلّا في صورة واحدة، و هي إذا لم يكن مسبوقاً بالقلّة بأن وجد دفعة أو جهلت حالته السابقة؛ لترادف حالَتي القلّة و الكرّية عليه، فيمكن أن لا يرجع فيه إلى عموم الانفعال لما ذكر في الأصول (2) من أنّ الشكّ فيما علم خروجه لا ضَير في إخراجه عن العموم، و لا يلزم بخروجه مجازٌ أو مخالفةُ ظاهرٍ محوجةٌ إلى القرينة، فلو شكّ في فرد أنَّه زيد العالم أو عمرو بعد الأمر بإكرام العلماء يحكم بخروجه عن العموم.

و ردّه الأستاذ (3) بأنّ أصالة عدم وجود الكرّ في هذا المكان يكفي في إثبات عدم الكرّية بناءً على الأصل المثبت و إن لم تجر أصالة عدم الكرّية؛ لعدم تحقّقها سابقاً، أو أنّ الشكّ في تحقّق مصداق المخصّص يوجب الشكّ في ثبوت حكم الخاص له، و الأصل عدم ثبوته، فإذا انتفى حكم الخاص و لو بالأصل ثبت حكم العام؛ إذ يكفي في ثبوت حكم العام عدم العلم بثبوت حكم الخاص دون العكس، فتأمل، انتهى.

ثمّ فرّق بأنّ الأمر دائر بين المتباينين في قولنا: أكرم العلماء إلّا زيداً، لو تردّد زيد بينه و بين عمرو العالم، و بين الأقلّ و الأكثر في المقام المتيقّن خروج المعلوم، أو أنّ المخصّص هنا كالمانع عن الحكم، و عموم الانفعال كالمقتضي له. و مع الشكّ في المانع الأصل عدمه و إن لم يسبق

ص: 175


1- و عمدتها الأخبار الناهية عن نقض اليقين.
2- ينظر خزائن الأحكام: 2/ 322.
3- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 161.

ذات المانع - و هو الكرية - بالعدم، و ليس مثال الإكرام كذلك. فإنّ عنوان المخصّص فيه ليس من قبيل المانع بل هو قسيم. إلى أن قال: فكأن العام عند المتكلّم منقسم إلى قسمين كلّ منهما يقتضي حكماً مغايراً لما يقتضيه الآخر، و لأجل ما ذكرنا أفتى جماعة - كالفاضلين و الشهيد - بنجاسة الماء المشكوك في كرّيته؛ نظراً إلى أصالة عدم الكرّية الحاكمة على استصحاب طهارة الماء (1)، انتهى.

ثمّ جعل رحمه الله أنّ من سهو الجواهر حكمه بأصالة الطهارة و عدم تنجّس المشكوك بالملاقاة، و أنّه لا مانع من رفع الحَدَث به، لكونه ماءً طاهراً، و حكى قوله: إنّ السرّ في ذلك أنّ احتمال الكرّية كافية في حفظ طهارته و عدم تنجّسه، ولكن لا يكفي ذلك في الأحكام المتعلّقة بالكُرّ، كالتطهير به من الأخباث، بوضع المتنجّس في وسطه و نحو ذلك، ثمّ جواز التطهير به على هذا الوجه (2)، انتهى.

و حمل كلامه بقرينته على أنّ الطهارة و الانفعال حكمان للقلّة و الكثرة، و هما وجوديّان، فلو شكّ في الماء المردّد بينهما بنى على ما يقتضيه الأصل من حكميهما؛ فمن بنى على أصالة الاحتياط فيما لا نصّ فيه رجع له، و من بنى على عدمه لزمه أن يعلّق الحكم على وصف القلّة، و لمّا كانت مشكوكة انتفى حكمها.

و أوهنه بأنّ القلّة أمرٌ عدميّ، لأنّ القليل غير الكثير، ففصله عدميّ، ثمّ ترتّب الحكم علیه مشكل؛ لعدم نهوض الدليل عليه، و إنّما رتّب الشارع الحكم على ما ليس بكرّ، فالسبب في عدم الانفعال هو الكرّية، و مع الشكّ فيها يحكم بعدم المسبّب؛ لأصالة عدم السبب. إلى أن قال رحمه الله: و بالجملة فلا ينبغي الإشكال في الحكم بالنجاسة مع الشكّ في الكرّية مطلقاً، نعم هذا الحكم في الصورة الأخيرة لا يخلو من إشكال (3)، انتهى .

و ما أحسن تحقيقه، غير أنّي أرى الطهارة في غير المشكوك المسبوق بالقلّة مطلقاً، لعدم

ص: 176


1- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 162.
2- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 163.
3- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 164.

العلم بالحالة السابقة، و ليس لأصالة العدم معنى يُعرَف سوى استصحابه الموقوف على إحرازه في السابق، من غير فرق بين جعل القلّة شرطاً أو الكرّية مانعة عن الانفعال، و الأوّل واضح، و الثاني المستفاد من تعليق الحكم بالتنجيس في الخبر على عدم الكرّية فيقضى بمانعيّتها أنَّه مع الشكّ في المانع لا يؤثّر المقتضي - و هو الملاقاة - أثره و إن كان محرزاً كما حُقِّق في محلّه في ردّ القائل بأنّ المقتضي إذا أحرز لا يبطل أثره الشكّ في المانع، و لا يحتاج إلى استصحاب عدمه في إحرازه؛ لبناء العقلاء على ذلك، فإنّا أنكرنا هذا البناء هناك.

فالبحث في أنّ الكرّية مانعة، أو أنّ القلّة شرط، و إيكال المسألة على ذلك كما يظهر من الأستاذ، لعلّه قليل الجدوى، و إنّما يجدي في دوران الأمر بين مانعيّة الشيء و شرطيّة ضدّه كالفسق و العدالة لو حكمنا بتضادّهما.

و احتمالُ إمكان التفرقة بينهما بأنّ أصالة عدم الكرّية غير جارية؛ لعدم سبقها بالعدم على فرض المانعيّة دون ما لو قلنا بشرطيّة القلّة؛ إذ يكون السبب المؤثّر هو الملاقاة حال القلّة، و الأصل عدمه المعلوم في الأزل، مدفوعٌ باقتضاء هذا الأصل الطهارة أيضاً لو جرى، فلا ثمرة عمليّة بالفرق، وبعدم نفعه في المقام إلا على الأصل المثبت؛ إذ المسبوق بالعدم هو ملاقاة النجاسة للماء القليل، وهو لا يثبت عدم ملاقاتها للماء المذكور في حال القلّة؛ لأنه ليس من آثاره ، وكذا لا يترتب عدم كون الماء كُرّاً - على تقدير ما نعيّة الكرّية - بأصالة عدم وجود الكُرّ في هذا المكان. هذا ما تقتضيه الأصول الموضوعيّة.

و أمّا العمومات القاضية باعتبار الكرّية و الدالّة على طهارة الماء فعساها لا تجري هنا من غير فرق أيضاً بين الوجهين، فإنّ العمومات لا تقضي بإحراز الموضوعات، فقولنا: كلّ متغيّر حادث، لا يشخّص ما حصل الشكّ في تغيّره، فلو تبيّن بأصلٍ من الأصول دخل في تلك الكبرى، فالأقوى هو القول بالطهارة إلّا في المسبوق بالقلّة؛ للاستصحاب بين القلّة و عدم الكرّية فالأحرى النجاسة فيه، و الظاهر أيضاً هو الحكم بالطهارة مطلقاً في الكُرّ الذي

ص: 177

وجدت فيه نجاسة جهل سبقها على الكرّية تبعاً لإطلاق القواعد (1) المسبوق بإجماع السيد (2) المعترف به، و للأصل من دون معارض و عدم الرَّيب فيه لو يعلم في زمان مّا عدم الكرّية واضح.

أمّا لو علم بعدمها في زمان بأن جهل تاريخها فالظاهر دخول ذلك في الإجماع (3) و شمول كلامهم للصورتين، و عساه لجهة أنّ الأصل في كلّ مجهولَي التاريخ تعارض الأصلين و تساقطهما و الرجوع لثالث، و هو هنا الطهارة، ولكن المعارضة المرقومة تتّجه لو حكمنا بمانعيّة الكرّية و اقتضاء الملاقاة و إلّا فلو كانت القلّة شرطاً، و هي حصّة وجوديّة، فأصالة عدم الملاقاة في حال القلّة سليمة عن المعارض إلّا على الأصل المثبت، فإنّ أصالة عدم الكرّية حين الملاقاة لا يثبت الملاقاة حال القلّة.

لكن يشكل الفرق حينئذٍ ما بين الصورة المفروضة و بين ما علم بتاريخ الملاقاة و شكّ في سبق الكرّية و عدمها، فإنّ ظاهرهم الحكم بالنجاسة فيه، و ليس لهم قاضٍ به سوی استصحاب القلّة، و ما ذلك إلَّا لأنّ الحكم إذا كان مركباً من قيدين أحدهما معلوم بالوجدان فإنّه يكفي في ترتّب الحكم استصحاب القيد الآخر كغسل الثوب في الماء المستصحب الطهارة فإنّ، المعلوم هو الغسل، و الطهارة بالاستصحاب و الحكم الشرعي محمول على الغسل بماء طاهر.

فالمقارنة واسطة، و ما نحن فيه كذلك؛ إذ الملاقاة للنجاسة معلومة، و الشك حصل في التقدّم و التأخّر، فاستصحاب القلّة كافٍ، و الحكم الشرعي هو نجاسة الماء المحمول على يقين الملاقاة و مستصحب القلّة، و لا ضير فيه كسابقه.

ثمّ إنّ ذلك قد يجري حتبى لو قلنا بمانعيّة الكرّية مع كون القلّة غير الكثرة كما هو ظاهر خبر البلوغ، و يقرّر بأنّ أصالة عدم الكرّية في زمان الملاقاة موجب للنجاسة، و لا يثبت

ص: 178


1- العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 1/ 183.
2- حكاه عنه في ذكرى الشيعة: 1/ 84.
3- المصدر السابق.

الكرّية أصالة عدم الملاقاة في زمان القلّة إلَّا بمثبت الأصل.

فحينئذٍ النجاسة قويّة للأصل، لكنّه موقوف على منع الإجماع على الطهارة مطلقاً، أو حمله على صورة الشكّ مع عدم العلم بالحالة السابقة مطلقاً، أو يحكم بعدم استفادة مانعيّة الكرّ من الأدلّة، أو أنّ أصالة عدم الكرّية غير جارية؛ لجهلها في زمن الملاقاة، فيرجع إلى الطهارة، إلَّا أنّ التأمّل يقضي بثبوت تعارض الأصلين، فلا محصّل لهذا الكلام، و عليه الأستاذ رحمه الله (1).

هذا فيما لو حصل الشكّ في موضوعه؛ للاشتباه في بلوغه حدّه بعد تشخيص مقداره.

و أمّا لو حصل الشكّ به للاشتباه في معناه، كما لو شكّ في أنّ تساوي السطوح معتبر في صدقه الشرعي أم لا، أو أنّ المعتبر فيه الرطل العراقي أو المدني، فالظاهر أنّ المرجع فيه إلى عموم (2) أدلّة الانفعال دون عمومات (3) الطهارة التي عرضها التخصيص، و كان هذا أصل أصيل في الأدلّة المتدرّجة، فإنّ المرجع عند الشكّ في كلّ مرتبة إلى ما فوقها حتّى ينتهي إلى أعلى المراتب إذا كان الشكّ المفهومي بين الأقلّ و الأكثر.

و احتمال أنّ أدلّة الانفعال ليست إلّا مفاهيم الصحاح المعلّقة عدم التنجيس على الكرّية، فإذا فرض إجمال مفهوم الكرّ سرى الإجمال إلى منطوق تلك الأخبار، فيلحقه إجمال مفهومه هذه الجهة، مضافاً إلى ما مرّ من توقّف نبذة من الأصحاب في عموم هذا المفهوم، مدفوعٌ بالتفكّر في سالف كلماتنا مع عدم انحصار ما قضى بالانفعال فيها فقط، فإنّ جملة من الأخبار قضَت بانفعال مطلق الماء بملاقاة النجس و الإناء و ما استثنى الكثير فيها، أو اشترطت المادّة في الطهارة بها، بناءً على صحّة السند و على أنّ الاستثناء و الشرط المخصّص بالمنفصل دون المتّصل الساري إجماله إلى العام و على إلغاء خصوص النجاسة، أو الاختصاص بالسؤر، و على عدم ظهورها في القليل، إلى غير ذلك ممّا يسهل الجواب عنه.

ص: 179


1- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 164.
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 215 ح 552.
3- الكليني، الكافي: 3/ 4 ح 4.

(وكذا يطهر) بملاقاة القليل - تغيّر أو لم يتغيّر - و الكثير المتغيّر، و الجاري قليله و كثيره (بملاقاة الجاري) بعد النجاسة بشرط أن يكون ذلك الجاري إمّا (مساوياً له) أو (عالياً عليه) - كما مرّ - فيحصل التطهير به و لا يطهر إن علا النجس عليه كغير الجاري، لكن الظاهر خلافه و أنّ مطلق رفع الامتياز بينهما يكفي في التطهير، و أيضاً يَطهُرُ و يُطهِّر، (و إن لم يكن كُرّاً عند المصنّف و من يقول بمقالته فيه)، خلافاً للعلّامة، (و) كذا يطهر الجميع (بوقوع الغيث عليه إجماعاً) منقولاً في الجميع.

و في الدلائل (1) نسبة اعتبار الكرية حال وقوعه إلى الفاضل، فهو كالجاري على مذهبه. و في القواعد: و ماء المطر كالجاري حين تقاطره، و في غيرها (2) من زُبره التصريح بأنّ قليله كالكُرّ الجاري، فلا شاهد في التشبيه، و ذيل عبارته ينفي ذلك، و ما أطلقه الشارح هو المشهور الذي عليه العمل و السِّيرَة ولكن قيّده بعض (3) بالتدافع مع فضل و قوّة و إن لم يجرِ من ميزاب بحيث يصدق عليه أنّه ماء مطر، فلا عبرة بالنزول الشامل للقطرة، و عليه جنان الروض (4) و الكركي (5) في تعليقه.

و اشترط في الكشف (6) اعتبار جريانه، نحو جريان الماء على الأعضاء من انتقال الأجزاء

ص: 180


1- «دلائل الأحكام في شرح شرائع الإسلام»، ما يزال مخطوطاً، للسيد محمد إبراهيم بن محمد باقر الموسوي القزويني المتوفى بالحائر في (1262ه-) أواخر ليلة الخميس السابع عشر من شوال، و كانت ولادته في ذي الحجة (1214ه-) كما أرّخه كذلك على ظهر مجلد المكاسب المحرمة إلى آخر الرهن من هذا الكتاب. الذريعة: 8/ 239؛ موسوعة مؤلفي الإمامية: 1/ 366.
2- العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 1/ 183، إرشاد الأذهان: 1/ 236، تحرير الأحكام: 1/ 52، تذكرة الفقهاء: 1/ 17.
3- النجفي، جواهر الكلام: 6/ 314.
4- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 371.
5- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 112.
6- الفاضل الهندي، كشف اللثام: 1/ 258.

بعضها إلى مكان بعض، و في الحدائق (1) الاكتفاء به، أو الكثرة و إن لم تستلزمه لكن يصلح لأن يجري و إن لم يحصل ذلك بالفعل، و المقدّس (2) كذلك، و عزي للشيخ و ابن حمزة و ابن سعيد في المبسوط (3) و التهذيب (4) و الوسيلة (5)، و مع اشتراط الجريان من ميزاب و نحوه.

و الميزاب في كلامهم كناية عن مطلق الجريان على ما أرى، و التعبير به لوروده في الخبر (6)، فهم يريدون مطلق الانصباب القابل للجريان من ميزاب و مشعب و إن لم يجرِ فعلاً، و لعلّ الأردبيلي رحمه الله فهم ذلك منهم فاختاره، و إلّا لبطل الانتفاع بطهره غالباً.

و حينئذ فمحصّل ما اعتبرته هذه الفرقة هو عدم اعتبار الجريان بمعانيه و اعتبار التدافق و الفضل و القوّة في الجملة دون اليسير من القطرات؛ لعدم انصراف ماء المطر الموجود في النصوص (7) لمثل القطرات، فإنّ الإصابة لا تكاد تتحقّق بها قطعاً، بل هو القَدر المتيقّن من الشرط المجمع عليه؛ إذ معتبر الجريان بأيّ وجه كان يعتبره و زيادة، و تفرّد (8) القائل بكفاية القطرات لا يخلّ بالإجماع، كما أنّ اشتراط الجريان مخالف للأصل و الإجماع (9) غير الشيخ (10)، و عبائر غيره ممّن ظنّ فيه الموافقة له تحتمل الأمرين.

و الترجيح بحملها على عدم اعتباره مضافاً إلى الاكتفاء في التطهير مع عدمه في ظاهر عدّة أخبار فيها الصحيح كإطلاق عدم التوقّي من طين المطر في بعضها و ظاهر رواية أبي

ص: 181


1- البحراني، الحدائق الناضرة: 1/ 215.
2- المحقق الأردبيلي، مجمع الفائدة: 1/ 250.
3- الطوسي، المبسوط: 1/ 39.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 411، ذيل حديث 1296.
5- ابن حمزة، الوسيلة: 73.
6- الكليني، الكافي: 3/ 13 ح3.
7- الكليني، الكافي: 3/ 12 ح 1.
8- ينظر الخوانساري، مشارق الشموس: 213.
9- ينظر القزويني، ينابيع الأحكام: 1/ 487.
10- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 411، المبسوط : 1/ 6.

بصير (1)، و ذيل مرسلة الكاهلي (2)، و صحيحة علي بن جعفر (3) عن أخيه الان، و لا يعارضها خبرا هشام (4) و محمّد (5) بن مروان في الميزابين، فإنّ غايتهما طهارة السائل، و لا دلالة لها بوجه على نجاسة غيره.

نعم، في خَبرَي عليّ بن جعفر (6) المتضمّن لنفي البأس حال الجريان، و خبر الحميري (7) صلاحيةٌ لاحتمال اعتباره، لكن ضعف السند في أحدهما؛ لعدم ثبوت نسبة الكتاب إليه، و قوّة احتمال ورود شرط الجريان فيها مورد الواقع؛ للتصريح بفرضه في السؤال، و ظهور رواية الحميري في الاحتراز عن أن يجري من ماء الكنيف ممّا يُوهِن الركون إليها، و حمل الفاضل (8) في منتهاه الجريان فيها على النزول من السماء.

و استبعده الشارح في روضه قائلاً: إنّ إصابة المطر في السؤال صريح في النزول، فيعرى القيد عن الفائدة (9)، انتهى.

و هو كذلك؛ لعدم تبادر النزول من لفظ الجري فيبعد إرادته لا لما ذكره من عراء الشرط عن الفائدة، فكان العلّامة رحمه الله جعل (إذا) بمعنى (حين) فهي ظرفيّة لا شرطيّة و أراد بالجري النزول، لكن الفاضل قال: إنّه شرط بلا طائل (10)، ثمّ حمل كلامه على التعليل لا الشرط، و هو غريب.

ص: 182


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 424 ح 1348.
2- الكليني، الكافي: 3/ 13 ح3.
3- مسائل علي بن جعفر: 130 ح 115.
4- الكليني، الكافي: 3/ 112.
5- الكليني، الكافي: 3/ 12 ح2.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 411 ح 1297.
7- الحميري، قرب الإسناد: 89.
8- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 29.
9- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 372. و فيه: (فيعرى الاشتراط) بدل (فيعرى القيد).
10- حكاه عنه في كشف اللثام: 1/ 259.

و أُجيب أيضاً: بأنّ المفهوم لا يعارض المنطوق، و بأنّ نفي البأس أعمّ من النجاسة و الكراهة، فلعلّ المراد كراهة الوضوء، و بأنّ الجريان يصدق مع المماسّة نحو جريان الماء على الأعضاء، و بأنّ حجّيّة المفهوم إذا لم يظهر للشرط فائدة أُخرى، و هي هنا موافقة الجواب للسؤال بناءً على تضمّن السؤال و لو بتكلّف للجريان، و إلّا فما كان السؤال يفيد ذلك صريحاً، و كلّ ذلك تمحّل لا حاجة له بعد فرض أنّ مطلقات الأخبار مشهورة بين الأصحاب و عليها العمل، فلا بدّ من تقييدها بالجريان من دليل مقاوم.

و الحقّ تحقّق الطهر به مطلقاً للماء و غيره، نجساً أو متنجساً، ورد على النجاسة أو وردت عليه، كثيراً كان أو قليلاً، جرى من ميزاب و غيره أم لا، تدافَقَ بقوّة أو لا، صَلُح للجريان و إن لم يحصل أو لا، نزل من سحابة واحدة أو أكثر، حصل الامتزاج بتقاطره [أم لا]، نزل على النجاسة بنفسه أو سالَ عليها بعد أن استقرّ على مكان آخر، لكن مع بقاء التقاطر على ذلك المحلّ.

نعم، ما يشك في الصدق عليه كالقطرة و القطرتين من الأبخرة السماويّة، و ما حجبه عن السماء حاجب كالغمام الداخل ببعض بيوت الجبال، و ما تقاطر من السقف بعد نفوذه في أعماقه إن لم يدخل فيما له مادّة، لا يحكم عليه بحكمه ظاهراً، كلّ ذلك لعموم الآية (1) و الرواية (2) على اعتباره، و إطلاق الشارح هنا ظاهر فيه، و في الروض قال: لا بدّ من فضل قوّة للمطر المطهّر بحيث يصدق عليه اسمه، فلا يعتدّ بنحو القطرات اليسيرة (3)، انتهى.

ثمّ نقل عن بعض (4) الاكتفاء في تطهيره لغيره بوقوع قطرة واحدة عليه و لم يبعّده لولا أنّ العمل على خلافه، إلى أن قال: و أمّا الأرض النجسة (5) و شبهها فلا بدّ من استيعاب المطر

ص: 183


1- سورة الفرقان: 48.
2- الكليني، الكافي: 3/ 13 ح 3.
3- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 372.
4- و نص عبارته قدّس سرّه: و كان بعض من عاصرناه من السادة الفضلاء... إلخ. قال في الهامش: هو السيد حسن ابن السيد جعفر المعاصر لشيخنا الشهيد الثاني.
5- كذا في المخطوطة، و في المطبوع: (المتنجسة) و قال في الهامش: (ظاهر الحجرية (النجسة)).

لما نجس منها كما يطهّرها الجاري (1).

و اعترض المكتفى بالقطرة و القطرات القليلة ولده رحمه الله (2) بأنّ ذلك إمّا أن يستند إلى مساواته للجاري أو إلى ظاهر الآيتين (3).

و الأوّل فاسد؛ لبطلان التساوي؛ فإنّ الباعث على تطهير الماء المتّصل بالكثير و الجاري إنّما هو لأنّ الجزء الملاقي لأحدهما يطهر بملاقاته له؛ لعموم ما قضى بمطهّريّة الماء و بعد طهارته يتّصل بالجزء الثاني، و هو متقوّ بالكثير و الجاري الذي طهّره فيطهّر الجزء الثاني و هكذا إلى تمام الأجزاء، و هذا لا يجري في المقام، فإنّ أقصاه مطهّريّة القطرة لما وقعت عليه و لاقته.

و لا شبهة في عدم انفكاك الانقطاع عن ملاقاتها فهي بالانفكاك في حكم القليل، فليس للجزء الذي طهر بها تَقَوِّ ليستعين به على تطهير ما يليه، بل هو معها حين الانقطاع ماء قليل فيعود إلى الانفعال بملاقاة باقي الأجزاء النجسة.

و أمّا الثاني فهما إنّما يدلّان على طهوريّة فرد من أفراد المطر، فلا عموم فيهما و لا إطلاق.

سلّمنا، لكن لا بدّ من إصابة المطر للمحلّ النجس حيث لا كثرة، و مثل القطرة لا يتحقّق فيها ذلك، و التقريب في الكثير لا يجري فيه.

و ما ذكر لا وجه له، فإنّ الماء النجس إن لم يطهر بقطرة من المطر لا يطهر به أصلاً و إن كثر؛ لتفاصل قطرات الغيث و عدم تواصلها كالجاري و الكثير، فإذا أصابت قطرة منها الماء النجس فهي إمّا أن تنفعل بالملاقاة أو تورث التطهير، أو لا تطهّر و لا تنجّس، و غير الوسط ساقط بلا شبهة، و إلّا لجرى ذلك في كلّ جزء جزء فلا يطهر الماء أصلاً.

و حينئذٍ إمّا أن ينحصر التطهير بملاقي تلك القطرة دون باقي الأجزاء أو يطهر الكلّ،

ص: 184


1- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 373.
2- المحقق الشيخ حسن، معالم الدين (قسم الفقه): 1/ 312.
3- سورة الأنفال: 11؛ سورة الفرقان: 48.

و الأوّل يستلزم تبعّض الماء الواحد بالطهارة و النجاسة من غير تغيير و قد مرَّ بطلانه مع مطالبة القائل الفرق بين طهارة العمق دون الطول و العرض، و بالثاني تنجّم الدعوى.

و زعمه أنَّه لا بدّ من إصابة المطر لجميع المحلّ النجس إذ لا كثرة ممنوعٌ في المطر، و إن ادّعى أنّ المطر لا بدّ من كونه قاهراً على النجس، و القهر لا يتحقّق في اليسير من القطرات، و عند تكاثرها تكون كماء واحد كثير؛ إذ التتابع في المطر نازل منزلة الاتّصال.

أجبنا بأنّ المطر حينئذٍ لا بدّ أن يكثر حتّى يبلغ الكُرّ أو يكون جارياً، و لا قائل بالأوّل، و الثاني خلاف المدّعى.

و الحاصل: أنّه متى لم يعتبر في الغيث الجريان، و لا الكثرة، و لا قاضٍ بلزوم استيعابه وجه الماء النجس، يعسر الفرق بين القطرة منه و الكثير، و أمّا إطلاق آيتي المطر (1) فلعلّه يتمّ إذا لم يعتبر الجريان و لا الممازجة و الكثرة، فيفيدان أنّ ماء المطر مطهّر مطلقاً، فلا فرق بين قطرته و قطراته إلَّا إذا ثبت أنَّه لا بدّ من استيعاب وجه النجس، و هو عار عن البرهان، بل و لو اعتبرنا الممازجة يكفي ممازجة بعض أجزاء النجس للمطهّر كطهر أضعاف الكرّ النجس

به.

و معنى الاكتفاء بالقطرة في مختارنا أنّها تطهّر ما أصابته إذا كان هناك مطر نازل من السماء جارياً كان أو لا على القولين لا أنّ القطرة الواحدة فقط النازلة مطهّرة للماء النجس فإنّه كالمقطوع بفساده، و ابن الشارح بمعالمه فهم ذلك من هذا القول و من مقالة والده إنّ العمل على خلافه كأنّه يريد المعنى الأوَّل، إذ لا مجال لدعوى استقرار العمل على خلافه.

و بما مرّ من القول في الامتزاج و غيره في سابق المباحث يعلم الحال فيه هنا، فلا فائدة في الإطالة.

نعم، يظهر من الجواهر (2) و المصابيح (3) اتّفاقهما في تطهير المطر النازل على النجس

ص: 185


1- سورة الأنفال: 11؛ سورة الفرقان: 48.
2- النجفي، جواهر الكلام: 6/ 321.
3- السيد بحر العلوم، مصابيح الأحكام: 1/ 284.

مطلقاً بنفسه، و اختلافهما في المطر في الملاقي لجسم ثمّ سالَ منه إلى نجس من بقاء صدق المطريّة عليه مع استمرار التقاطر عند الأوَّل، و عدمه و اختيار أنَّه من المحقون الملاقي فله حكم عند الثاني.

قال رحمه الله: و يحصل الانقطاع في القطرات النازلة بملاقاتها الجسم و لو قبل الاستقرار على الأرض، فلو لاقت في الجوّ شيئاً ثمّ سقطت على نجس نجست بالملاقاة.

و مقالتهم: إنّ ماء الغيث نازلاً أو حال نزوله كالجاري ضرورة انتهاء النزول بملاقاة الجسم الأوّل و إلّا لزم بقاء الاسم و إن وضعوه في آنية ممّا يعضد المهديّ؛ و لذا جعله المسلّمات، و الحكم بالطهر في خبر الميزابين (1) و الكنيف و السطح (2)، ظاهره أنّ الاعتصام للمطريّة، لا لكونه محقوناً معتصماً به، يؤيّد الجواهر.

و دعوى السيد رحمه الله (3) بظاهرها إفراط و لا موافق له؛ فإنّ كون خصوصيّة هذا الماء الموجبة لحكمه في نظر الشارح هي حيثيّة نزوله غيرُ ثابت حتّى يجب انقطاعه بانقطاع حالة النزول، و آيات الطهارة كأخبارها فيه مع مساعدة الاعتبار تقضي بأنّ الفضل و القوّة في الماء هو الذي يوجب الطهوريّة فيه دون سائر الخصوصيّات، و القوّة تحصل بالاتّصال بالمادّة السماويّة لا حالة النزول جزماً، لكن المجتمع من النازل متى انقطع عنه التقاطر و لو لحظة و إن كان في معرض العَود إليه يصير محقوناً كالجاري المنفصل عن المادّة، فلو عاد التقاطر إليه خرج عن الغيثيّة و كان من المحقون المعتصم بالغيث.

فتفريطُ الجواهر بأنّه لو انقطع عنه و كان معرضاً أو متهيّئاً لوقوع التقاطر عليه الظاهر جريان حكم الجاري عليه بنفسه ممنوعٌ و لا دليل عليه، و منه يظهر سقوط جُلّ ما ذكره من الثمرات، فإنّ حكمه بلزوم قول السيد رحمه الله لتنجّس القليل من ماء المطر المنحدر عن جسم مع بقاء التقاطر على ذلك الجسم عند الملاقاة لعلّه تقوّل عليه، إذ غايته لحوق حكم القليل له،

ص: 186


1- الكليني، الكافي: 3/ 12 ح 1.
2- مسائل علي بن جعفر: 191/ مسألة 394؛ الحميري، قرب الإسناد: 281 ح1113.
3- حكاه عنه في ذكرى الشيعة: 1/ 84.

و هو لا يقضي بالنجاسة عنده؛ لاحتمال أن يكون كقليل الجاري المعتصم بالمادّة، فهو قليل لا ينفعل، و نحوه ثمرة تطهير الماء النجس بوقوع المعدود من القطرات على قول السيّد و عدمه على اختياره، فإنّ ذلك راجع إلى صدق المطريّة في القطرة والقطرتين و عدمه، فعساه لا يرى الصدق فلا إلزام له بطهارة ما لاقاها، بل إن حصل الصدق طهر على المذهبين، و إلّا نجّس في القولين.

و عندي إنّ اتباع جدّي الأكبر في موضوع المطر و حكمه هو الأوفق لذوي البصيرة، و بكشف الغطاء (1) يُكشَف الغطاء، و إن أشكل علينا تخريج بعض فروعه على القواعد.

و الظاهر كما في الرياض (2) الإجماع محقّقاً على عدم التفرقة في المطر بين وروده على النجس أو العكس، ولكن ابن الشارح (3) تردّد في إلحاقه بالجاري مع ورود النجاسة عليه، و محطّ نظره أصالة انفعال القليل، المحقّق خروج صورة وروده على النجس منها، فتبقى الأخرى على الأصل.

و فيه: - بعد منافاته لما أحكمه من عدم الطهر بالقطرة و القطرتين - إنّ المخرج من الأدلّة لماء الغيث لا ريب في عمومه.

و على ما في المصابيح (4) يشكل فرض ورود النجاسة عليه؛ لاعتبار التقاطر على النجس في المطريّة فلا يكون إلّا وارداً، و تصريحهم (5) بعدم الفرق قرينة على عموم ماء المطر حتّى في الجاري بعد استقراره على جسم ما لم ينقطع الودق عنه، ولكن الانفعال بالملاقاة لا يلزمه؛ لأنه و إن خرج من موضوع الغيث، لكن مع بقاء التقاطر معتصم به، و كلّ معتصم يعطي حكم المعتصم به فلا ينجس و إن وردت عليه النجاسة؛ لأنه بمنزلته، و يحتمل ضعيفاً أنَّه

ص: 187


1- الشيخ جعفر، كشف الغطاء: 2/ 401.
2- الطباطبائي، رياض المسائل: 1/ 142.
3- الشيخ حسن، معالم الدين (قسم الفقه): 1/ 305.
4- السيد بحر العلوم، مصابيح الأحكام: 1/ 284.
5- ينظر: الخوانساري، مشارق الشموس: 214؛ القزويني، ينابيع الأحكام: 1/ 492.

يقول بالنجاسة، و الله الهادي.

ثمّ ما ذكرناه من إطلاق مطهّريّته للماء و غيره نجساً كان أو متنجساً عمدة الدليل عليه هو عمل الفقهاء، و سيرة الناس الكاشفة قطعاً بوقوع ذلك في الصدر الأوّل، و ظهور عموم الآيتين، و غيرها من القرائن، و إلّا فلا دلالة للأخبار على تطهيره الماء النجس إلّا روايتا هشام ابن الحكم و محمد ابن مروان و عموم مرسلة الكاهلي، و الأولان لا يفيدان تطهير البول إِلَّا إذا حصل الجريان للمطر و الامتزاج مع البول، و بضميمة عدم الفرق بين البول و غيره من النجاسات و لا بينها، و المتنجّس يثبت تطهيره لكلّ ماء متنجّس بأيّ نجاسة كانت، لكن إذا حصل الجريان و الامتزاج؛ فيبقى طهارة المجتمع من الماء النجس كرّاً كان أو أكثر أو أقلّ بمجرّد نزول المطر و إن قلّ عليه أو جريانه له غير مشمول للخبرين؛ لاحتمال أنّ الحكم بالطهارة فيهما لكون المطر أكثر من البول كما هو المعهود عادةً أو مساوياً له، و الأخيرة (1) لا وثوق على عمومها لإرسالها، أو أنّ السؤال قرينة على أنّ المراد بكلّ شيء فيها ممّا سأل السائل عنه، فلا يعمّ الماء النجس المفقود فيها السؤال عن مطهّريّته، على أنّها حكمت بأنّ كلّ ما يراه المطر فقد طهر (2)، و الإراءة كذلك لا تحصل إلّا بإصابة المطر لجميع أجزاء الماء، إذ البعض الذي لم يخالطه المطر لا يصدق عليه قطعاً أنَّه رأى المطر، و قد علّق التطهير على الإراءة فلا يطهر الغيث أضعافه.

و الظاهر إجماع الأصحاب على تطهيره قولاً و فعلاً و إن اختلفوا في اعتبار الجريان و عدمه في التطهير نظراً إلى الانفصال القاضي بالنجاسة، أو إلى أنّ الحكم بتطهير ما يجري منه ليس لجهة الجريان، بل إنّما هو لجعل ما ينزل من السماء منزلة الجاري فلا ينفعل بما يصيبه و يطهّر ما أصابه، و انفصال النازل بالتقاطر لا يقدح؛ لأنه بمنزلة المتّصل، ثمّ إنّ النازل منه على النجس من الماء بالملاقاة فهو خلاف الإجماع (3) و من البعيد عدم انفعاله بملاقاة النجس مثل البول و انفعاله بالماء المتنجّس. و متى بقي على الطهارة يحكم بطهارة ما لاقاه؛ لعدم جواز

ص: 188


1- أي: مرسلة الكاهلي المتقدمة آنفاً.
2- الكليني، الكافي: 3/ 13 ح 3.
3- ينظر: الخوانساري، مشارق الشموس: 213؛ سداد العباد: 1/ 62.

تبعّض الماء بالطهارة و النجاسة.

فالحقّ عدم مطهّريّته (1) كما ذكرنا، و سهولة الشريعة و تسامح الشرع في مسألة الطهارة دليل واضح عليه، فلا يلتفت لبعض التشكيكات الناشئة من الاعوجاج.

[كيفية تطهير البئر]

(و) (يطهر) (البئر) كغيره من النجاسة مطلقاً (بمطهّر) (غيره مطلقاً)، و المراد ماؤها؛ فصلح تذكير الضمير، و (بمطهر) يحتمل كونه بالتنوين أو مجرّداً عن الإضافة أو الوصفية، و على الأوّل معناه لا يطهّر البئرَ مثلُها كما إذا تواصلتا مثلاً و لو بساقية و إن كانت الطاهرة كرّاً؛ للإطلاق، و على الثاني لبيان تطهيرها بسائر ما سبق من المطهّرات من إلقاء الكُرّ و ملاقاة الجاري و وقوع الغيث مطلقاً، و إطلاقه إن تعلّق بالمطهّر كان لشمول تلك الأفراد المطهّرة.

و إن تعلّق ب-(تطهير) كان معناه أنّ الطهارة بما ذكرنا من المطهّرات لا تشترط بشرط كما في النزح الذي إنّما يطهّرها بالتفصيل الآتي، أو الإطلاق حينئذ قبال تفصيل الماتن في الدروس و الذكرى (2) فإنّه بعد أن حكم بطهرها بالجاري و الكثير شرطَ الامتزاج و عدم علوّهما عليها، قال: أمّا لو تسنّما عليها من أعلى فالأولى عدم التطهير؛ لعدم الاتّحاد في المسمّى، انتهى.

و ببیانه كهنا. و التطهير المذكور في العبارة إنّما هو من نجاسة الملاقاة لإتيان حكم نجاسة التغيير في كلامه.

و المحصّل من كلماتهم في المقام أقوال:

أوّلها: ما عليه الشهيدان هنا و في البيان (3) من أنّها تطهر بما يطهر بها غيرها مطلقاً.

و في الروض: و اعلم أنّ ماء البئر مبائن لسائر المياه في طهره أو طيبه بالنزح إجماعاً،

ص: 189


1- كذا في المخطوطة، و لعل الصحيح: (فالحقّ مطهريته)، بقرينة قوله: (سهولة الشريعة و تسامح الشرع ...).
2- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 120، ذكرى الشيعة: 1/ 87.
3- الشهيد الأول، البيان: 99.

و يساويها فيما عدا ذلك من المطهّرات كوصول الجاري إليه و وقوع ماء الغيث عليه و إلقاء كُرّ فصاعداً على ما مرّ (1)، انتهى.

و قال فيه بموضع آخر: إنّ البئر يطهر بمطهّر غيره، و بالنزح عند الأكثر (2)، انتهى.

و كأنّه بناءً على [أنَّ] أوامر النزح للتخفيف أو لجهة أنّ التطهير بغيره متعذّر أو متعسّر غالباً، ثمّ إنّ علّة تطهيره؛ لأنه سبب لخروج المادّة من المنبع، فالمطهّر المادّة الخارجة الجارية، فالجاري من خارج أولى بالتطهير و في علوّها و قهرها لها زيادة تأكيد فيه، و أمّا الكرّ المتّصل و الملقى بها و عليها فلا ريب بعدم انفعاله بملاقاتها.

و حينئذٍ فإن طهّرها فهو المطلوب و إن بقي كلّ على حكمه تبعّض الماء من غير تغيير فيه، ثمّ إنّه لا فارق بين إلقائه على البئر أو الحوض إلّا بُعد المسافة، و هو ممّا لا دخل له في المنع من التطهير، بل الحوض المساوي بالمسافة لها يطهر به قولاً واحداً، على أنّ مناط الطهر الاتّحاد مع الكثير أو الجاري و هو حاصل، بل لو كان بمكان مائها عين النجاسة لطهرت بذلك، فالمتنجّس بطريقٍ أولى.

و ما تراه من متنجّس مطهّره قليل الماء و لا يطهر الماء الملاقي له إلّا بأحد المطهّرات الثلاثة، فربّما كان المتنجّس أقوى حكماً؛ فذلك لجهة انفصال المطهّر الوارد من غير الماء انفصاله عنه، و هو متين لولا اختصاص البئر دون سائر المياه بأحكام خاصّة، و بناءً على جمع المختلفات و تفريق المؤتلفات، و الاحتياط بالوقوف على المنصوص من تطهّرها.

ثانيها: انحصار تطهيرها بالمنصوص من النزح، فإنّ منها ما يفيد حُرمة الاستعمال بدونه، و في المعتبر: إذا جرى إليها الماء المتّصل بالجاري لم يطهر؛ لأنّ الحكم متعلّق بالنزح و لم يحصل (3)، انتهى.

ثالثها: التفصيل بين وصلها بالجاري و الكُرّ المورث لاتّحاد المائين فتطهر، و بين ما

ص: 190


1- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 393.
2- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 384.
3- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 79.

لو تسنّما عليها فلا؛ للحوقها اسماً و حُكماً في الأوّل و بقاء اسمه في الثاني، و عليه الماتن في الكتابين (1)، و الفاضل في القواعد (2) و التحرير (3) و المنتهى (4) اعتبر الاتّصال في تطهيرها بالجاري؛ معلّلاً في الأخير بأنّ المتّصل بالجاري كأحد أجزائه فيخرج عنه حكم البئر، و ظاهر التذكرة (5) الاكتفاء بوقوع الجاري عليها، و لم يتعرّض في هذه الكتب لإلقاء الكرّ عليها أو اتّصاله، و لا لوقوع الغيث.

نعم، في النهاية قال: و كذا لو زال بإلقاء كُرّ عليها على إشكال (6)، انتهى.

و في العليّة تأمّل في طهرها بماء الغيث؛ لخبر كردويه (7) في النزح لوقوعه، و اُجیب عنه بوجود عين النجاسة أو انقطاع النزول.

و التحقيق: ما سلف بيانه من كون قليل البئر كالقليل في الانفعال و التطهير، و كثيرها كالكثير في جميع الأحكام.

و عليه البصروي (8) و الفاضل (9) صريحاً و غيرهما (10) ظاهراً، و هو الذي يساعده الدليل (11)، و لم يثبت إعراض غير المصرّح به من الأصحاب عنه.

ص: 191


1- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 120، ذكرى الشيعة: 1/ 87.
2- العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 1/ 188.
3- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 45.
4- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 109.
5- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 17.
6- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 259.
7- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 241 ح 698.
8- حكاه عنه في مفتاح الكرامة: 1/ 79؛ مستند الشيعة: 1/ 68.
9- العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 1/ 188، تحرير الأحكام: 1/ 45، منتهى المطلب: 1/ 109.
10- فخر المحققين، إيضاح الفوائد: 1/ 17؛ الشهيد الأول، البيان: 99.
11- الكافي: 3/ 5 ح 1، 2.

نعم، النزح طريق رابع لتطهيرها بالخصوص قضى به الشرع في قليلها و متغيّرها مطلقاً، و ما لم يتغيّر من كثيرها يندب فيه ذلك أو يجب تعبّداً أو أنّ حرمة الاستعمال بدونه لا تنافي طهارتها مطلقاً، كلّ ذلك لعموم ما دلّ على انفعال القليل مطلقاً الذي لا يعارضه عموم أدلّة طهارة البئر المنصرف بحكم الغالب إلى ما كان منها كُرّاً و غيره من غير تقييد بكون الماء كثيراً أو احتمال منع عموم أدلّة الكُرّ لإمكان مدخليّة عدم البئريّة في مفهومه الشرعي فيرجع الشكّ إلى مفهوم الكُرّ المترتّب عليه الحكم، و المتيقّن ما كان منه غير بئر كاحتمال إهمال تلك الإطلاقات من هذه الجهة بقصر ورودها على التفرقة بين الكُرّ و القليل في الانفعال و عدمه، لا أنّ الكرّيّة كافية مطلقاً في الطهارة، احتمالان واهيان فسادهما بيّن ممّا مضى.

و لا عِبرة أيضاً بما يظهر من بعض روايات الباب من عدم انفعال قليل البئر؛ فإنّ صحیحة ابن بزیع (1) ظاهرها كما فهمه جماعة (2) عدم إفساد شيء من ماء البئر لقوله علیه السلام: «لأنّ له مادّة»، و هي مشتركة بين كثيرة و قليلة.

و كذا ما دلّ على طهر المتغيّر بالنزح؛ إذ لولا كفاية المادّة في الاعتصام ملطقاً للزم تنجّس ما ينبع منه بالملاقاة لمكان القلّة في المتجدّد؛ لأنّ النزح في البئر يمكن أن يكون مطهّراً تعبداً، كذا أجابَ الأُستاذ (3) بشرحه، و هو بظاهره مشكل؛ لأنّ صريحها انحصار فائدة النزح مقدّمة لحصول المطهّر.

و لمّا كان نفس زوال التغيّر ليس من المطهّرات لزم أن يكون هناك مطهّر آخر و ليس إلَّا الاتّصال بالمادّة و خروج جديد الماء شبه تكاثر الجاري، لكن معنى تعبّديّته إنّه شرطٌ تعبّدي للمطهّر، فالمطهّر المادّة و هو شرطٌ فيها، لا أنّه مطهّر تعبّدي، و به يتمّ المدّعى إذ بعد عدم اعتصام مائها بالمادّة فقط و افتقاره إلى شيء آخر يتّجه الحكم بانفعال قليله فيها، و هو المطلوب، إلّا أن يقوم قاطع من إجماع و نحوه على عدم توقّف الطهارة في المتغيّر على النزح،

ص: 192


1- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 176 ح 442.
2- ينظر: السيد بحر العلوم، مصابيح الأحكام: 1/ 146؛ التستري، مقابس الأنوار: 1/ 66.
3- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 207.

بل مطلق الزوال كاف و لو حصل بذهاب المتغيّر منه إلى تحت الأرض.

فالمطهّر ليس إلّا المادّة العارية عن الاشتراط بشيء غير زوال التغيّر بأيّ نحوٍ اتّفق و نبع جديد الماء العاصم، و هي كذلك مشتركة بين القليل و الكثير، و دون إثبات قيام القاطع المدّعى خرط القتاد، إذ غاية ما يستفاد من الاعتصام بالمادّة لو سلّم هو رفع النجاسة، و أمّا الدفع الذي هو عدم انفعال القليل ممّا اعتصم بها المجدي في المقام فلم يثبت بما ذكر.

و لا نسلّم التلازم بين الرفع و الدّفع شرعاً و لا الأولويّة؛ إذ البئر بالدّفع شبيه الواقف من الجاري و بالرفع بالجاري المتدافع لجهة فيضان الماء الجديد من المادّة و عدمه في صورة الدّفع، مضافاً إلى حمل الوسعة في المستفيضة على معناها الحقيقي، و هي الكثرة الفعليّة، و جعل القضيّة محمولة على الغالب و ظهور المقيّدات في الاستحباب و نحوه ممّا يوهن إطلاقها، و قاعدة الجمع هو الحمل.

فاتّضح متانة هذا القول، و بعده بالقوّة هو الطهارة مطلقاً؛ لقلّة السالم من أخبار النجاسة عن المعارض، و اجتمع في بعضها (1) نزح الجميع و الاكتفاء بالدّلاء (2) و الدّلو الواحد (3)، و عدم تعيين (4) الدّلاء و التخيير (5)، بين الأعداد و شدّة الاختلاف في المقادير، فلا جرم من التّصرف و حمل الظاهر على النّص و الرجوع إلى القواعد الأوليّة و إن أَبَت القدماء ذلك، و عليه فلا حاجة إلى الإطناب في كيفيّة النّزح، بل نقتصر على ما ذكره الشهيدان رحمهما الله هنا مع توضيح كلامها.

ص: 193


1- الطوسي، الاستبصار: 1/ 38 ح 103.
2- الكليني، الكافي: 3/ 5 ح 1.
3- الكليني، الكافي: 3/ 6 ح 9.
4- الطوسي، الاستبصار: 1/ 30 ح 80.
5- الكليني، الكافي: 3/ 6 ح 8.

[موت البعير]

(و) يطهر عندهما مضافاً للثلاثة (بنزح جميعه) عرفاً، فلا عِبرَة باليسير الباقي كالفاضل بعد انفصال الغسالة و في حكمه علاج إخراج مائها بغيره مطلقاً في رأي؛ لاحتمال نجاسة المتجدّد بملاقاة أرضها التي يشكّ في تطهير غير النزح لها، فيسلم استصحاب النجاسة و يتمّ في غير صورة الإخراج المساوي للنزح حكماً؛ لعموم دليله له، و بعدم الفصل بينهما تقوى الطهارة، و ذلك (للبعير) بإجماع الغُنية (1) و غيره (2)، و رواية الجمل (3) مَرمِيّة بجهالة الطريق أو مخالفة الفتوى.

(و هو) اسم جنس (من الإبل بمنزلة الإنسان يشمل الذَّكَر و الأُنثى) باتّفاق اللّغويين كما في شرح الفاضل لقواعد الفاضل (4)، و الأزهري خالف (5)، و القاموس إنّه الجمل البازل (6)، و الشافعي في الوصيّة (7) كذلك كالبسيط (8) من عدم دخول الناقَة فيه، و في الخلاف (9) البعير الجمل، فكأن استعماله سائغ في فرده لو قلنا بوضعه مطلقاً، و عليه فتدخل الناقة بما لا نَصّ فيه عند عدم القرينة، و مثله الإنسان في الإطلاق (و) يشمل (الصغير و الكبير) أيضاً، و الأوّل كالثاني في الاندراج و عدمه و لحوقه لما لا نَصَّ فيه على القول الثاني في الثاني.

(و المراد من نجاسته) نجاسته (المستندة إلى موته) فيها لا إلى جَلَله، فلو سبق الموت

ص: 194


1- ابن زهرة، غنية النزوع: 48.
2- ابن إدريس، السرائر: 1/ 70؛ المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 57.
3- الطوسي، الجمل و العقود: 55.
4- الفاضل الهندي، كشف اللثام: 1/ 321.
5- الفيومي، المصباح المنير: 1/ 74، مادة (بعر).
6- الفيروزآبادي، القاموس المحيط: 1/ 375، مادة (بعر).
7- الشافعي، كتاب الأم: 4/ 95.
8- حكاه عنه في كشف اللثام: 1/ 321.
9- لم أقف عليه في المطبوع.

الوقوع فظاهر خبر زرارة (1) من نزح عشرين للميتة مطلقاً و هو منها يوجب التفصيل، و لعدم العلم به مطلقاً فيتساويان، و القوّة للأخير لعلّيّة ملاقاة الميتة للحكم في الأخبار (2).

[موت الثور]

(و) (كذا) يجب نزح الجميع أو ما بحكمه؛ لموت (الثّور) وفاقاً للصّدوق (3) و غيره (4)، و خلافاً للسرائر (5)، و في المعتبر (6) ألحقه، و في الشرائع (7) لم يتعرّض له، و الأقرب اللّحوق؛ للنصّ.

(قيل (8): هو ذَكَر البَقَر) مطلقاً، فيدخل العِجل بحكمه.

(و الأولى اعتبار إطلاق اسمه عرفا) فيلحق الحكم الاسم (مع ذلك) و هو الذُّكُوريّة، و كأنّه لا يرى لحوق العِجل به.

و عليه فيلحق بما لا نصّ فيه، و يتساويان حكماً فلا فائدة و في شمولها للوحشيّين، و الحق عدمه؛ للانصراف إلى الأهليّ في كلّ و حشيّ و أهلي إن لم يكن عطف و نحوه بالنّص قرينة للشمول.

ص: 195


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 241 ح 697.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 241 ح 695.
3- الصدوق، الهداية: 14.
4- المفيد، المقنعة: 66.
5- ابن إدريس، السرائر: 1/ 70.
6- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 57.
7- المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 1/ 13.
8- الجوهري، الصحاح: 2/ 606، فصل الثاء؛ الطريحي، مجمع البحرين: 3/ 238، مادّة (ثور).

[الخمر]

(و) في حكمهما (الخمر) (قليله و كثيره) بالضمير على الإضافة و تذكير الخمر، و بالتاء منکّرين على الحاليّة، و التأنيث فيه أشيع، و إجماع الغُنية (1) على عموم الحكم كالشارح، و غيره استثنى قليله و قدّر له ثلاثين أو عشرين، و إطلاق الصحيح (2) و منقول الإجماع (3) لولا ظهور الصّب في الكثير يقضي به، و الحقّ عدم التفرقة في كلّ أحكامه، و في المختلف (4) مفهوم الوقوع لذي الأجزاء على الاتّصال قَلَّ أو كَثُر، انتهى.

[المُسكِر المائع]

(و) يلحقه في حكمه هنا (المُسْكِر) و أن عرى عن النصّ بلفظه، لكن حمل عليه الخمر في النّصوص لا مطلقاً، بل (المائع) منه (بالأصالة) و إن جمد لبرد و نحوه بالعرض، فلا عِبرَة بوقوع الحشيش و لا البنج المُداف.

و أفتى بالحكم الثلاثة (5) إمّا لشمول لفظ الخمر له أو للحوقه بما لا نصّ فيه فيتّحد الحكم و يخلو إفراده بالذّكر عن الفائدة.

[دم الحَدث]

(و) كذا (دَم الحَدَث): و هو دم الحيض و النفاس و الاستحاضة، فهذه (الدّماء الثلاثة) تساوي المُسْكِر مطلقاً (على المشهور) في لسانهم، و للإجماع المنقول عن ابن زُهرة (6).

ص: 196


1- ابن زهرة، غنية النزوع: 48.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 240 ح 694.
3- ينظر: ابن إدريس السرائر: 1/ 70؛ المقداد السيوري، التنقيح الرائع: 1/ 44.
4- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 208.
5- ابن إدريس، السرائر: 1/ 70؛ المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 57؛ العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 208.
6- نقله ابن حمزة في الوسيلة: 74.

[الفُقاع]

(و) مثلها (الفقّاع) (بضمّ الفاء) و شدّ القاف كرمّان، و هو ما اتّخذ من الشعير و الزبيب حتّى وجد فيه النشيش و الحركة، و بمساواته للخمر من النزح قال الشيخ: و في الغُنية الإجماع عليه (1)، و حمل على الخمر في الأخبار (2)، و إفراده مع شمول المسكر له يقضي بأنّ الحكم يلحق الاسم فيه هنا و إن لم يُسكِر، و كذا النجاسة، فهو مطلقاً حرام نجس.

[العصير العنبي]

(و ألحقَ به في وجوب نزح الجميع (المصنّف في الذكرى العصيرَ العنبي (3))، قال: الأَوْلى دخول العصير بعد الاشتداد في حكم الخمر؛ لشبهه به إن قلنا بنجاسته (4)، انتهى.

و حينئذ فالضمير المجرور في كلام الشارح يرجع إلى ما يجب نزح الكلّ له لا إلى الفقاع؛ لقضيّة الإلحاق ككون إلحاقه (بعد اشتداده بالغليان قبل ذهاب ثُلثيه) و بعد القول بنجاسته؛ (و) هو (بعيد)؛ لانحصار دليله رحمه الله بشبه الخمر، و الشبه في الاسم أو الإسكار أو النجاسة باطل، و بكونهما عصير عنب غلى و نجس ممكن لكن مجردّه لا يورث الاتّحاد.

(و) أيضاً (لم يذكر رحمه الله هل هنا المنيّ ممّا له نفس)، و هي الدّم (سائلة)، و إطلاقه شامل لغير الإنسان و إن خصّه به بعضهم، و مثله عرق الإبل الجلّالة، و الجُنب من الحرام، و بول ما حظر أكل لحمه و خرؤه، إلَّا الرَّجُل و الصّبي و خروج الكلب و الخنزير حيّين و الفيل.

(و المشهور فيه ذلك) بإجماع الغنية (5) (و به قطع المصنّف في المختصرين) بيانه (6)

ص: 197


1- النجفي، جواهر الكلام: 1/ 211.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 240 ح 694.
3- في المصدر: (عصير العنب).
4- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 99.
5- ابن زهرة، غنية النزوع: 48.
6- الشهيد الأول، البيان: 99.

و دروسه، (و نسبه في الذكرى (1) إلى المشهور معترفاً فيه بعدم النصّ) حاكياً عن أبي علي أنّ القطع بالطهارة يتوقّف عليه، و لا اختصاص للدليل به فقط، بل يجري بما لا نصّ به مطلقاً، (و لعلّه السبب في تركه هنا)، (لكن) فيه: أنّ (دم الحَدَث) و هو الثلاثة (كذلك) مع غيره ممّا ألحقنا، و حينئذٍ (فلا وجه لإفراده) المَنيَّ بالذِّكر من بينها.

(و إيجاب) نزح (الجميع لما لا نصّ فيه) على القول به (يشملها)، فذكّره لدم الحَدَث، و تركه للمني و غيره غير جيّد.

(و الظاهر هنا) من حال الماتن (حصر المنصوص بالخصوص) فيلحق المسكر و الفقاع بالخمر المنصوص؛ لإطلاقه عليهما و ثلاثة الدّماء بمطلق الدّم المنصوص، فلولا إفرادها للحقت بحكمه المنصوص، أو لروايتي مساواته للخمر في الذكر الملغى مقدار النزح فيهما، فيعمل بالصّدر و يترك العجز.

[مقدار النزح]

و أمّا نزح المقدّر ففي النّص (2) (نزح كرّ للدّابة)، (و هي) هنا و في العُرف (الفرس) لعطفه قوله: (و الحمار و البقرة) عليها، (و زاد في كتبه الثلاثة) الذكرى (3) و البيان (4) و الدروس (5) (البغل)، و زاد في الأوّل شبه الفرس و البقر.

(و المراد من نجاستها) النجاسة (المستندة إلى موتها) كالبعير و الثور، و (هذا) الحكم (هو المشهور) بينهم و عبّر ببعضها بعضهم، و إجماع الغنية (6) يردّه (و المنصوص) (7) عليه (منها

ص: 198


1- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 119 ، ذكرى الشيعة: 1/ 93.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 235 ح 679.
3- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 94.
4- الشهيد الأول، البيان: 100.
5- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 119.
6- ابن زهرة، غنية النزوع: 48.
7- الكليني، الكافي: 3/ 5 ح 5.

مع ضعف (1) طريقه) إلى أبي جعفر علیه السلام و عدم الوثوق به هو (الحمار و البغل)، (و غايته أن ينجبر ضعفه) فليسلم الحكم (بعمل الأصحاب)، (فيبقى إلحاق الدّابة و البقرة) و غيرهما (بما لا نصّ فيه أولى).

و في مصباح المرتضى رحمه الله بعد إنكاره على المفيد الحكم بإلحاق الفرس و البقرة بالحمار قال: و من المقلّدة مَن لو طالبته بدليل ذلك لادّعى الإجماع لوجوده في كتب الثلاثة، و هو غلط و جهالة إن لم يكن تجاهلاً ، فالأجود (2) أن يجعل الفرس و البقرة في قسم ما لم يتناوله نصّ على الخصوص (3)، انتهى.

و يجب أو يندب (نزح سبعين دلواً) كما أطلق الشيخ (4) و غيره (5)، و قيّدها المحقّق (6) و الشارح (7) و غيره (8) بما إذا كانت (معتادة) (على تلك البئر)؛ لأنّ الإحالة على الإطلاق مُبهَم فلا يصلح لتعليق الحكم، إذ الشارع لم يقدّر للدلو مقداراً كاللّغة، و لا نريد به المعتاد في زمن الأئمة علیهم السلام؛ لجهله، و لعدم تقديره عند الأصحاب، و لتوقّفهم بنزح دلو يفي بمقدار المقدّر في الامتثال.

و كذا يعتبر ما يطلق عليه اسمه عرفاً، فلا يكفي اعتياد آنية فخار و نحوها، و يكفي مسمّى الدّلو فيما لم يعتد فيها دلو، و اعتيد و جهل، وفاقاً لروضه، و خلافاً لمعتبر (9) الدّلاء

ص: 199


1- فيه عمرو بن شمر الجعفي عربي، قال النجاشي: (ضعيف جداً، زيد أحاديث في كتب جابر الجعفي ينسب بعضها إليه، و الأمر ملبس). رجال النجاشي: 287 رقم الترجمة 765.
2- في المصدر: (فالأوجه).
3- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 62،61.
4- الطوسي، المبسوط: 1/ 11.
5- المحقق السبزواري، ذخيرة المعاد: 1/ 130.
6- ابن إدريس، السرائر: 1/ 75.
7- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 397.
8- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 146؛ الفاضل الهندي، كشف اللثام: 1/ 354.
9- ينظر إن إدريس، السرائر: 1/ 77.

الهجريّة (1) التي هي ثلاثون أو أربعون رطلاً، (فإن اختلفت) الدلاء المعتادة عليها أو العادة (فالأغلب) (للإنسان) مطلقاً؛ (أي لنجاسته المستندة إلى موته) لا كفره و لا تنجّسه؛ لإجماع (2) مدّعي النجاسة عليه، و رواية الساباطي (3) التي لا يقدح فطحيّة رواتها للوثوق بهم، و سَلامة المعارض في المعتبر (4) (سواء في ذلك الحكم الذَّكَر و الأنثى) و المشكل (و الصغير و الكبير و المسلم مطلقاً و الكافر).

وفاقاً لغير السرائر (5) و أبي علي (6) و الشارح، و بروضه؛ فإنّ معنى قوله: (إن لم نوجب الجميع لما لا نصّ فيه و إلّا اختصَّ) الحكم (بالمسلم)، هو مؤدّى عبارة الروض.

قال: إنّا إن حكمنا بنزح الجميع لما لا نصّ فيه فلا بدّ من القول به هنا؛ لثبوته قبل الموت الذي هو مورد النّص عندهم، و إن اكتفينا بنزح ثلاثين أو أربعين فإن حكمنا بالتداخل مع تعدّد النجاسة و لو مختلفة كفت السّبعون، و إلّا وجب لكلّ مقدّره (7)، انتهى.

فحكم الشارح بنزح السبعين لموته مشروط بعدم وجوب الجميع لغير المنصوص على رأي مَن أوجب ثلاثين أو أربعين لفاقد النّص مع القول بالتداخل.

و قوله: و إلّا - أي إذا لم نقل بالتداخل أو نوجب الجميع لغير المنصوص - اختصَّ الحكم بالمسلم، فعلى الأوّل يكون إمّا مئة، أو هي مع عشرة، و على الثاني يجب نزح الجميع.

و قال في الروض أيضاً: و أمّا منع زيادة نجاسته بعد الموت لزوال الاعتقاد الذي هو سبب نجاسته ففيه منع؛ لأنّ أحكام الكفر باقية بعده. فكلام ابن إدريس أوْجَه، نعم لو وقع

ص: 200


1- الهجريّة نسبة إلى هجر، و هي قرية قرب المدينة. الحموي، معجم البلدان: 5/ 393.
2- ينظر الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 398.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 234 ح 678.
4- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 63.
5- ابن إدريس، السرائر: 1/ 73.
6- حكاه عنه في كشف اللثام: 1/ 320.
7- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 398.

في الماء ميّتاً اتجه ما قالوه و دخل في العموم (1)، انتهى.

و كأنّه لأنّ النّص إنّما يتناول بظاهره وقوع ميّت الإنسان فيها لا الموت فيها، ولكنّه محلّ تأمّل كمنعه منع زيادة نجاسته بعد الموت بما ذكر من بقاء أحكام الكفر؛ لأنّ شيئاً من ذلك لا يقضي ببقاء نجاسة الكفر.

و نزح (خمسين) (دلواً) معتادة ندباً أو وجوباً (اللدّم الكثير) دون القليل، و عليه الشيخ (2) و هو المشهور أو المجمع عليه نقلاً، و المرتضى (3) لم يفصّل فأوجب ما بين دلو واحد إلى عشرين، و في الاستبصار (4) كالمروي من ثلاثين إلى أربعين لكثيره، و عزي للصدوق (5)، و قرّبه الفاضلان (6)، و قوّاه في الموجز (7) و الجعفريّة (8)، و استحسنه الماتن في الذكرى (9)، و جزم به الشارح بروضه (10)، و المفيد (11) أوجب عشراً و ضمّا (12) لكثيره و قليله، و المتوسّطان لم يفرّقوا بين دم الشاة و غيره.

و الرّواية (13) لا تقتضي الإطلاق فليقتصر على موردها، و الكثير ما كان كثيراً (في نفسه

ص: 201


1- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 398.
2- الطوسي، المبسوط: 1/ 11.
3- حكاه عنه في المعتبر: 1/ 66.
4- الطوسي، الاستبصار: 1/ 44 ح 124.
5- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 20 ح 29.
6- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 65؛ العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 199 - 200.
7- ابن فهد، الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 37.
8- رسائل الكركي: 1/ 84.
9- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 101.
10- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 398.
11- المفيد، المقنعة: 67.
12- في هامش المخطوطة: (و خمساً، بدل)، (من الناسخ).
13- الطوسي، الاستبصار: 1/ 41 ح 116.

عادةً) من دون إضافة إلى البئر، و إن احتمله في الذكرى (1) باعتبار أنّ القلّة و الكثرة إضافيّان، فإنّا لا نسلّمه هنا و لو سلّمنا الإضافية لمخالفة الظاهر.

و عليه فالكثير ما يسمّى به عادةً (كدم الشاة المذبوحة)، و جعل الأقلّ منه في السرائر (2) من قليله و الحكم في المشهور (3) مقصور على (غير الدّماء الثلاثة)، و هي دم الحَدَث (لما تقدّم)، (و في إلحاق دم نجس العين بها) في إيجاب نزح الكلّ، (وجهٌ مخرّجٌ)؛ لمساواته للثلاثة في تغليظ الحكم، لعدم العفو عن قليله و كثيره في الصلاة، و لاشتراكهما في قوّة النجاسة، كذا في حاشية الرّوض (4).

و في الذكرى (5) أنّه شكّ في شكّ من استثناء الثلاثة من مطلق حكم الدّم و من الإلحاق المرقوم، و يقوى عدمه لو قلنا بالعفو في دَم نجس العَين كما هو الظاهر فلا اشتراك.

و الظاهر أنّ الكثير منهما مُلحق بما لا نصّ فيه؛ لاختصاص النّص (6) بالقطرات و دم الشاة.

ص: 202


1- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 101.
2- ابن إدريس، السرائر: 1/ 87.
3- ينظر: المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 65؛ الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: ج1 / 94.
4- لم أقف عليه في الآثار المطبوعة.
5- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 101.
6- الطوسي، الاستبصار: 1/ 44 ح 124.

[العذرة الرّطبة]

(و) تلحق الدّمَ في الحكم (العذرةُ الرطبة)، (و هي) في العرف (فَضلَة الإنسان)، و عمّمها في المعتبر (1) لكلّ حيوان، و الهروي (2) خصّها به، (و المروي) عن أبي بصير (3) (اعتبار ذوبانها) في قِبال الجمود (و هو) ظاهراً (تفرّق أجزائها و شيوعها في الماء) بأن تخرج عن الجمود و تلحق بالمائع، لكن في السرائر (4) تبعاً لغيره (5): إنّه التقطيع و إن لم يبلغ الذّوبان، و ليس له وجه.

و الظاهر تبعاً للروض (6) كفاية ذوبان البعض من الواقع، إذ لا فرق بين قليلها و كثيرها، و الذائب لو تجرّد نزح له، و لا قاضٍ بتعلّق النّزح على ذوبان الواقع كُلّاً، و لعلّ معرفة ذلك عسير.

(أمّا الرطوبة فلا نصّ على اعتبارها) (لكن) في النهاية (7) و المبسوط (8) (ذَكَرَها الشيخ و تبعه المصنّف) هنا، و في البيان (9)، (و جماعة) كابن حمزة (10) و سلّار (11)، (و اكتفى في

ص: 203


1- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 69.
2- الأزهري، تهذيب اللغة: 2/ 311، (مادة عند).
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 244 ح 702.
4- ابن إدريس، السرائر: 1/ 79.
5- المفيد المقنعة: 67.
6- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 399، 400.
7- المحقق الحلي، النهاية و نكتها: 1/ 208.
8- الطوسي، المبسوط: 1/ 12.
9- الشهيد الأول، البيان: 100.
10- ابن حمزة، الوسيلة: 75.
11- سلّار، المراسم العلوية: 35.

الدّروس) (1) و الغُنية (2) و المقنعة (3) و السرائر (4) و التحرير (5) (بكلّ منهما)؛ ففي الأوّل: و خمسين للعذرة الرطبة و الذائبة، انتهى.

و كأنّ الرطبة هي الذائبة في نفسها، و الذائبة هي يابسة ذابت في الماء (و هي) (6)، فلا خلاف؛ لأنهما قسمان للذائبة مطلقاً، لكن ظاهر النصّ (7) الذّوبان بعد الجمود، فعبّر في الشرائع (8) بعذرة يابسة فذابت.

(و كذلك تعيين (9) الخمسين) ذكره الشيخ (10) و لا نصّ عليه، و المروي (11) أربعون أو خمسون)، و به أفتى المفيد (12) و الصّدوق (13) (و هو يقتضي التخيير) بنصّ الأخير (و إن كان اعتبار الأكثر أحوط) و وجهه واضح، و إليه مالَ الفاضل (14) و الماتن (15)، بل (و (16) أفضل)،

ص: 204


1- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 120.
2- ابن زهرة، غنية النزوع: 49.
3- المفيد، المقنعة: 67.
4- ابن إدريس، السرائر: 1/ 79.
5- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 48.
6- كذا في المخطوطة.
7- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 246 ح 709.
8- المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 10.
9- في المصدر: (تعيّن).
10- المحقق الحلى، النهاية و نكتها : 1/ 208.
11- الكليني، الكافي: 3/ 6 ح 8.
12- المفيد، المقنعة 67.
13- الصدوق، الهداية: 71.
14- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 26.
15- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 92.
16- في المصدر: (أو).

نَصّ عليه المحقّق (1)، و لو فرض أنّ الترديد من كلام الراوي يتعيّن الحكم بنزح الخمسين؛ لاحتمال ذكره منفرداً في كلام الإمام علیه السلام، فالمتّقين هو؛ لشموله للأربعين.

(و) يَنزَح على القولين (أربعين) (دلواً) (للثعلب و الأرنب و الشاة و الخنزير و الكلب و الهرّ) مطلقاً، و زاد الحلّى (2) الغزال و ابن آوى و ابن عرس، و عساه يدخل في قوله: (و شِبه ذلك) و في المقنعة (3) حصر الشبه بالأوّل و سكت عن شبه الباقي، و الشرائع (4) بالخامس، و النهاية (5) كُهنا، و القواعد (6) لم يتعرّض للأشباه.

و الحاصل: كلمات الأصحاب كالأخبار مختلفة، و الأوفق ما عليه هاهنا (7).

(و المراد من نجاسته) كُلّاً نجاسته بالموت (8) (كما مرّ)، فإنّ لِحَيّ بعضها حُكْماً يأتي، (و المستند) لهذا الحكم (ضعيف) (9) (و) لكن (الشهرة جابرة) للضعف (على ما زعموا)، إشارة إلى أنّ هذه الشهرة تقليد للشيخ، لا وقوفاً على تصحيح الخبر، فلا تصلح للجبر.

و الظاهر أنّ المرجّح لهذا المستند ليس مجرّد الشهرة و إن كَفَت في الجبر للعمل بالخبر قبل الشيخ فأين التقليد؟ و الحلّي على تدقيقه عمل به، بل للأخبار (10) الناصّة على نزح دلاء

ص: 205


1- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 76.
2- ابن إدريس، السرائر: 1/ 76.
3- المفيد، المقنعة: 67.
4- المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 1/ 10.
5- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 259.
6- العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 1/ 187.
7- في هامش المخطوطة: (هما هنا، بدل)، (من الناسخ).
8- عبارة الشارح: (المستندة الى موته).
9- فيه عثمان بن عيسى العامري الكلابي، و الصحيح أنه مولى بني رؤاس. قال النجاشي: و كان شيخ الواقفة، و وجهها، و أحد الوكلاء المستبدين بمال موسى بن جعفر علیه السلام. رجال النجاشي: 300 رقم الترجمة 817.
10- الطوسي، الاستبصار : 1/ 30 ح 80.

غير معدودة، و لا نصّ على أكثر من المعدود فيه فينجم الجبر، و ما قضى بالأقلّ منها لا يصلح للمقاومة لفتح باب التخيير هنا إن لم يلغ اعتباره بذكر الزائد، لا أقلّ من الاحتياط أو الأفضلية فيصحّ العمل.

(و) (كذا) الحال (في بول الرّجل) (سنداً وشهرةً) لرواية ابن [أبي] (1) حمزة (2) خلافاً للمنتهى (3)؛ لتحصيل يقين الطهارة، (و إطلاق الرّجل يشمل المسلم و الكافر) بنصّ الفاضلين (4) و الحلّي (5) و إن فصّل في الوقوع.

و يمكن القول بأنّ نجاسة البول تزداد لملاقاة بدنه، فله نجاستان يجري فيهما ما سبق من التداخل و التضاعف إن لم نوجب الجميع لفاقد النّص، و ليس البول بأقلّ من الماء المباشر للكافر مع دخوله بفاقد النّص، و هو حسن بالاعتبار.

و بالرّجل (تخرج المرأة و الخنثى فيلحق بولهما بما لا نصّ فيه، و كذا بول الصبيّة). و الحلّي (6) خالف مدعياً ورود النصّ لبول الإنسان مطلقاً، فيشمل ولد آدم مطلقاً، و الفاضل (7) تبعه في تحریره، و أعرضَ المشهور عنه.

(أمّا) خصوص بول (الصّبي فسيأتي) حكمه حتّى عند المطلق، (و لو قيل فيما لا نص فيه بنزح ثلاثين) كما عن ابن طاووس (8) (أو أربعين) للمرسلة (9) العامل بها

ص: 206


1- أثبتناه من المصدر.
2- الكليني، الكافي: 3/ 7 ح 11.
3- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 82.
4- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 65؛ العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 209.
5- ابن إدريس، السرائر: 1/ 76.
6- ابن إدريس، السرائر: 1/ 76.
7- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 48.
8- حكاه عنه في السرائر : 1/ 78.
9- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 16 ح 22.

ابن حمزة (1) و الفاضل (2) (وجبَ في بول الخُنثى أكثر الأمرين منه) على القولين في المقدار، (و من) مقدار ما مرّ في (بول الرجل) على الاحتمالين فيه، إذ لو أُلحقت بالمرأة دَخَلَت في غير المنصوص، و الأكثريّة لذلك، إلّا إذا حكمنا بتعيين الأربعين، فيتّحدان إن لم نوجب نزح الجميع لغير المنصوص و إلّا اختصّت الخُنثى بالأكثريّة مطلقاً، (مع احتمال الاجتزاء بالأقلّ) منهما (للأصل) و براءة الذمّة من وجوب الزائد، و هو لا يجري قطعاً إِلَّا على القول بتعبّدية النّزح فإنّ استصحاب النّجاسة محكّم و ليس من موارد الشك في التكليف.

و ظاهره اختصاص الحكم بما ردّد من حكم غير المنصوص، و لا ريب بأنّه جارٍ حتّى على القول المشهور فتأمل.

(و) يجب عندهما في الجملة (نزح ثلاثين) (دلواً) (لماء المطر المخالط للبول و العذرة و خرء الكلب) ( في المشهور) عند المتأخّرين.

(و المستند رواية) كردويه (3) و هي (مجهولة الراوي) (4) (و) لا يرد على مضمون الرواية (إيجاب خمسين للعذرة) مطلقاً (و أربعين لبعض الأبوال) كبول الرّجل (و) نزح (الجميع لبعض (5)) آخر (كالأخير) و هو خرء الكلب، أو مراده بالبعض الثاني هو ما خالط المطر من الأبوال التي ينزح لها الجميع مثل بول المرأة و الصّبيّة و الخُنثى.

و يكون المجرور أخيراً لمجرّد التشبيه في التساوي بينهما بنزح الجميع فيما إذا كان (منفرداً) عن ماء المطر و عن غيره، فإنّ ذلك (لا ينافي وجوب ثلاثين له) أي لكلّ واحدٍ ممّا ذكر حال كونه (مجتمعاً) مع الباقي كُلاً أو بعضاً بشرط كونه (مخالطاً للماء) المعهود بعده

ص: 207


1- ابن حمزة، الوسيلة: 75.
2- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 259، قواعد الأحكام: 1/ 187.
3- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 22 ح 35.
4- كردويه من المجاهيل جداً، يروي عن الإمام الكاظم علیه السلام. قال العلّامة: (لا أعرف حاله). مختلف الشيعة: 1 / 217.
5- فى المصدر: (للبعض).

انقطاع التقاطر أو وقته؛ للإطلاق؛ (لأنّ مبنى حكم البئر على) النصوص، و فيها (جمع المختلف) اسماً و حكماً كالجمع بين الكلب و الشاة والهرّ و الخنزير، (و تفريق المتّفق) كذلك كالثور و البقرة و الكلب و الكافر.

(فجازَ) أن يكون المقدّر الثلاثين و علّته (إضعاف ماء المطر لحكمه) إذ ينفرد فربما كان لمخالطته أثر في القلّة في الجميع أو البعض، و الحكم كذلك (و إن لم تذهب أعيان هذه الأشياء) خلافاً لَمَن نَزَّل الخبر على الماء المتنجّس بهذه النجاسات، أو على استهلاكها بالمخالط من الماء، قال: إذ لا بعد في أن يكون ماء النجاسة أخفّ منها (1)، و هما خلاف ظاهر الرّواية وكلام الأصحاب، مع أنّه لا خصوصيّة لماء المطر حينئذٍ.

و الأحرى اتّباع الحلّي (2) في قوله هنا إنّه قول غير واضح و لا محكي، بل يعتبر النجاسة فيلحقها حكمها من نصّ المقدّر أو الجميع في المنصوص و غيره، (و) على الأوّل (لو خالط) المطر (أحدها) منفرداً أو مجتمعاً مع الباقي (كَفَت الثلاثون) في الطهارة (إن لم يكن له مقدّر) كالأخير، و البعض (أو كان) له مقدّر (و هو أكثر) من الثلاثين كبول الرّجل على المشهور (3) و العذرة في قول (4)، (أو ) كان (مساوٍ) فيتّحد التقديران كبول الرّجل و المرأة في قول المنتهى (5) و المعتبر (6) في الثاني و الأول.

و متى كَفَت الثلاثون لمجموع هذه النجاسات المخالطة فلبعضها المساوي بطريق أولى و إن خصّه عموم نصّه في هذه الصورة. و لا رَيْب أنّ ماء المطر إنْ لم يخفّف حكم النجاسة لا يزيدها، و أنّ انضمام نجاسة لأخرى لا يفيد خفّة حكمها.

ص: 208


1- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 142.
2- ابن إدريس، السرائر: 1/ 70.
3- ينظر العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 205.
4- ابن حمزة، الوسيلة: 75.
5- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 86.
6- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 64.

(و) أمّا (لو كان) له مقدّر و هو (أقلّ ) كيابس العذرة و بول الصّبي (اقتصر عليه) و لا يجب الثلاثون؛ لعموم (1) نصّه الشامل لصورة المخالطة و عدم زيادة النجاسة بماء المطر فينزح المقدّر، ولولا عموم النصّ و قاعدة الشغل لكان الأولى نقص المقدّر في الصورتين؛ لأنّ الممازجة بالمطر تُؤرِث الخفّة، فيحكم بالثلاثين.

(و أطلق المصنّف) في البيان و الذكرى (2) ( أنّ حكم بعضها كالكلّ) جازماً به في الأوّل، مرجّحاً بالاحتياط في الثاني كالمسالك (3) له أيضاً فيما نقص مقدّره عن الثلاثين.

و الاحتياط غير وجيه إن لم تحمل الرواية على عموم المخالطة بقرينة ذيلها فترتقي العشرة لمثليها ، و غير المصنّف (4) قال: (و) تبعه (غيره بأنّ الحكم) بالثلاثين (متعلّق (5) بالجميع)؛ (فيجب لغيره)، و هو البعض المختلط (مقدّره) نصّاً (أو الجميع) إن فقد نصّ المقدّر و أوجبناه لما لا مقدّر له؛ اقتصاراً في الحكم على مَوِضع النصّ، و إبقاءً لحكم الكلّ على عمومه فيما لا يقين بخروجه عنه.

(و التفصيل) الذي اخترناه (أجود)، و ممّا قدّر (نزح عشر) (دلاء) (ليابس العذرة) (و هو غير ذائبها)، (أو) غير (رطبها)، أو غيرهما (6) (على الأقوال) في أصل المسألة، و إلَّا فالماتن ظاهره ما قابل الذّوبان؛ لأنه ظاهر النّص السابق، و لو أراد غيرها لأضاف الجمود لليبس.

(و) مثلها (قليل الدّم) في نفسه لا بالإضافة (كدم الدّجاجة المذبوحة) أو ما دونه

ص: 209


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 246 ح 709.
2- الشهيد الأول، البيان: 100، ذكرى الشيعة: 1/ 93.
3- الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 1/ 16، 17.
4- القزويني، ينابيع الأحكام: 1/ 679. باختلاف يسير.
5- في المصدر: (معلّق).
6- في المصدر: (هما).

و ما نقص عن دم الشاة و زاد عليها ليس منه خلافاً للحلّي (1) و إجماع (2) الغنية عليه لا أقلّ أنّه كذلك (في المشهور ) (3) و إن خلا عن النّص.

(و المروي) (4) في تقديره (دلاء يسيرة) و في قطرات منه دلاء (و) لكن (فسّرت بالعشر) في كلماتهم؛ (لأنه أكثر عدد يُضاف إلى هذا الجمع)؛ لوجوب أفراد مميّزة إذا زاد، و تعيّن الأخذ بها لحصول يقين الطهارة، و لعلّه للشيخ في التهذيب (5)، (أو لأنه أقلّ) مراتب (جمع الكثرة) في الدلاء كما في المنتهى (6)؛ إمّا لجهة أنّ الزائد على العشر مشكوك و الأصل عدم وجوبه، أو مُبهَم لم ينضبط إلَّا بالاقتصار على الأقلّ، و تقييدها باليسيرة قرينة على ذلك.

و كأنَّ ظاهره أنّ الرّواية المفسّرة في كلام الشيخ و الفاضل رواية التقييد، و الظاهر أنّ كلامهما في الثانية الخالية منه، (و فيهما) كما في المعتبر (7) و الروض (8) (نظرٌ) ، وكان وجهه أنّ (الأوّل لو تَمّ لكان في مميّز العدد المذكور لفظاً، و أمّا إذا لم يذكر إلّا المعدود فلا يجب تقدير عدد أصلاً، فضلاً عن تقديره مضافاً، و الواجب حينئذٍ إمّا حمله على أقلّ ما يسمّى به، أو القول بإبهامه و خلّوه عن البيان مع أنّ ذلك لا ينسجم في رواية التقييد، إذ لا معنى لقولنا عشر دلاء يسيرة.

و أمّا الثاني فبأنّ أقلّ مراتب جمع الكثرة ذلك ممنوع، بل هو كغيره أقلّه ثلاثة، و عليه المحقّقون (9).

ص: 210


1- ابن إدريس، السرائر: 1/ 79.
2- ابن زهرة، غنية النزوع: 48.
3- ينظر العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 198.
4- الكليني، الكافی: 3/ 6 ح8.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 246 ح709.
6- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 87.
7- المحقق الحلى، المعتبر: 1/ 65.
8- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 408.
9- ينظر: المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 65، شرائع الإسلام: 1/ 10.

سلّمنا، لكن أصالة البراءة هنا موقوفة على أنّ النزح واجب تعبّدي لا لحصول الطهارة، و نحن لا نرتضيه.

وحينئذٍ فاستصحاب النجاسة في المشكوك بحاله، و كونه مبهماً لا يعيّن الأقلّ، و لا يكفي فيه تأخير البيان لاحتمال التقيّة، أو أنّه للتنظيف فيتسامح فيه، أو كانت البئر أكثر من كُرّ و غيرها.

و في الحاشية (1) في وجه النظر فساد الدليلين: أنّ الشيخ يظهر منه أنّ دلاء جمع قلّة، فيحمل على أكثره بقرينة الإضافة.

و منعه بعدم كونه جمع قلّة أوّلاً، و بأنّ إرادة الأكثر في الجمع لا معنى لها، بل المعروف في أبواب الفقه إرادة الأقلّ كما في الأقارير و غيرها، و بأنّ دليل العلّامة إصابة في الجمع دون مدلوله فإنّ أقلّ جمع الكثرة أحد عشر لا عشرة، ثمّ لا فارق بين الجمعين في جموع الشارع و إن اصطلح بعضهم عليه.

وفي وجه نظره كَلَف بيّن، فإنّ ظهور جمع القلّة من عبارة الشيخ غير واضح لو حملت الإضافة فيها على النحويّة كما هو المتبادر، و لو حملت على مجرّد النّسبة بقرينة الإشارة فله وجه لا يُراد، كما أنّ إرادة الأكثر مع الدليل عليه لازمة في الجمع، و استصحاب النجاسة هنا قاضِ به.

نعم، يتّجه ذلك لو كان النّزح واجباً تعبّدياً كما أشرنا إليه. و أيضاً فظاهرهم كون الجمع قسمين.

(و) ممّا حكم بتقديره (نزح سبع ) دلاء (للطّير ) (و هو الحمامة فما فوقها) إلى النّعامة، بل و الأكبر منها إذا صدق اسمه؛ و ذلك (النجاسة موته)، (و) كذا (الفارة مع انتفاخها) (في

ص: 211


1- الحاشية على كتاب من لا يحضره الفقيه: 142.

المشهور (1) و المروي (2)، و إن ضعف) سنداً (3) (اعتبار تفسخها) ، و بتوقّف التفسّخ عليه ينزح لهما.

(و بول الصّبي) مثلها في المشهور (4)، (و) المراد به (هو الذَّكَر) (الذي زاد سنّه عن حَوْلَين و لم يبلغ الحُلم) ليدخل في الرّجُل، (و في حكمه الرضيع الذي يغلب أكله على رضاعه أو يساويه).

(و) مثلهما (غُسل الجُنب) مطلقاً، (الخالي بدنه عن (5) نجاسة عينيّة)؛ لتعلّق النّص (6) بالاغتسال مطلقاً فيشمل الخالي، و هو لا يساوي المتنجّس فيخصّه الحكم، و ينزح لغير الخالي ما قدّر لنجاسته و لو الجميع، و بالعينيّة أخرج الجنابة و غيرها من الأحداث؛ لأنها حكميّة، و أدرج سائر أنواع النجاسات حتى الذاتيّة كالكُفر .

و أطلق الفاضل في منتهاه (7) الحكم للخالي و غيره (8)؛ لغَلَبَة عَدم خُلوّ جسد الجُنب عن النجاسة، فهو الظاهر و غيره ملحق به لا أقلّ من المنيّ المُلازم للجُنب غالباً الذي لا نصّ على النزح فيه، و هو مسبوق بالشهرة و ملحوق بالإجماع (9) على عدمه، مع إلحاق المنيّ بما لا نصّ فيه.

(و مقتضى النصّ) إمّا الاغتسال أو مطلق المباشرة الشاملة للنّزول و الوقوع، و خصّه

ص: 212


1- ينظر: المفيد المقنعة: 66؛ الحلبي، الكافي في الفقه: 130.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 233 ح673.
3- لجهالة بعض رواته.
4- ينظر المعتبر: 1/ 72.
5- في المصدر: (من).
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 39 ح107.
7- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 94.
8- الشهيد الأول، البيان: 100؛ المقداد السيوري، التنقيح الرائع: 1/ 52.
9- ينظر المقداد السيوري، التنقيح الرائع: 1/ 46.

بالارتماس بعض (1) من لا يعضده الدّليل وجب النزح مطلقاً أو ندب؛ لتساوي نصوصه، كما أنّ نصوص نزحه صريحة عند الشارح في (نجاسة الماء بذلك لا سلب الطهوريّة)؛ لانفعال البئر بما لا ينفعل به غيره، و لاقتضاء أوامر النّزح بالنجاسة مطلقاً فيلحق بالأغلب، و لإمكان تساوي النجاسة الحكميّة لغيرها في البئر، و لو أنّ المراد سلب الطّهوريّة فقط لعيّنت فيه.

و ردّ بمنع اقتضاء النّص لذلك، إذ البئر لا تنحطّ عن المياه المُضافة أو القليلة، و منع بأنّه قياس في المقامين و المرجع الإجماع أو النّص، و النهي في خبر ابن أبي يعفور (2) قاضٍ بالنجاسة بالوقوع؛ لأنّ الإفساد كناية عنها، و لعلّه المعنيّ هُنا.

(و على هذا فإن اغتسل) المُجنب (مُرْتَمِساً طَهُرَ بدنه من الحَدَث) و صحَّ غُسله؛ لتعليق حكم النزح على الاغتسال (و نجس) بدنه (بالخبث)؛ لنجاسة الماء الملاقي له بعده، و على الثاني صحّ غسله و طَهُر بدنه و إن لم يَصحّ غُسل الثاني بعده، و على التعليق على المباشرة مطلقاً يفسد الغسل مطلقاً.

(و) أمّا (إنْ اغتسل مرتّباً ففي نجاسة الماء) أو سلب طهوريّته (بعد غسل الجزء الأول) من البدن، لكن (مع اتّصاله به) و عدم انفصال الماء عن الجزء بعد الغسل، (أو وصول الماء) الذي غسل الجزء به (إليه) و امتزاجه بغيره من الماء المُعَد للغسل، (أو توقّفه) و الحكم بعدم النجاسة أو سلب الطهوريّة أيضاً (على إكمال الغسل) فلا يتحقّق الحكم بأيّهما في أثنائه. و إن احتمله في الجماليّة (3) خيالاً، (وجهان): من كون المنجّس أو سالب الطّهوريّة هو الاغتسال، و لا يتحقّق عُرفاً إلَّا بتمام غسل البدن، و من أنّ المؤثّر في النجاسة أو انتفاء الطهوريّة هو مجرّد الاستعمال لرفع الحدث، وهو يصدق بالجزء أيضاً.

ص: 213


1- ينظر: الآبي، كشف الرموز: 1/ 50؛ القزويني، ينابيع الأحكام: 1/ 654 .
2- الكليني، الكافي: 3/ 14 ح1.
3- لعلّه يقصد: (الإفادة الجمالية أو العبادات المكروهة) و هي رسالة للعلّامة المجدد المولى محمد باقر الوحيد البهبهاني قدّس سرّه، ما تزال مخطوطة. راجع مقدمة الحاشية على مدارك الأحكام: 1/ 32؛ مقدمة الرسائل الفقهية: 32.

و الأقوى في النجاسة التوقف على الإكمال؛ لأنه خلاف الأصل، فيقتصر على موضع اليقين في مستصحبّ الطهارة و في سلب الطهوريّة عدمه؛ لأنّ كلَّ مَن قال بأنّ ماء الغُسل يسلب عنه الطّهوريّة لم يفرّق بين غُسل الكلّ و الجزء.

(و لا يلحق بالجنب) في هذا الحكم (غيره ممن يجب عليه الغسل مطلقاً) و إن لم يكن لرفع الحَدَث كناذر غُسل الجمعة (عملاً بالأصل) و هو بقاء طهارة الماء و عدم وجوب النزح (مع احتماله) وفاقاً للكركي (1) حيث ألحقه بناءً على اشتراك الكلّ في الحدث الأكبر.

و الإلحاق متّجه إن كان النزح لإعادة الطّهوريّة؛ لاشتراك الأحداث في سلبها، و غير وجيه إن كان لمجرّد التعبّد، و كذا في النجاسة، لكن كون النزح مطهّراً مطلقاً مشكل، فيؤخذ بمتيقّنه.

و ينزح سبعاً أيضاً عند (خروج الكلب) ( من ماء البئر) (حَيّا) في المشهور (2) خلافاً للبصروي (3) و الحلّي (4) في نزح الجميع أو الأربعين للأولويّة فيلحق بميّته؛ لضعف نصّه عندهما، و الفاضل أنكره (5)، فهما بالضعف أَجْدَر، (و لا يلحق به الخنزير) و إن آخاه أو أُطلق عليه؛ لعدم تبادره من لفظه، بل و لا أخوهما (6) مطلقاً حتّى الناصبي (بل) هو و أخوه ملحق (بما لا نصّ فيه) أو الأربعين فيه للأولويّة.

(و) يجب أو يندب عندهما ( نزح خمس لذرق الدّجاج ) ( مثلّث الدّال) و الفتح أشهر (7)، و (في المشهور) ذلك (و لا نصّ عليه ظاهراً)، و اسم الفاعل محتمل للوصفيّة للنصّ أو

ص: 214


1- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 143.
2- القمي ، غنائم الأيام: 1/ 563.
3- حكاه عنه في ذكرى الشيعة: 1/ 93.
4- ابن إدريس، السرائر: 1/ 76.
5- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 27، تلخيص المرام: 13.
6- يعني الكافر.
7- ينظر النهاية في غريب الحديث و الأثر: 2/ 159، مادة (ذرق).

الظرفيّة، و الأوّل أجلى، و احترز به عن إدخاله في العذرة حُكماً أو اسماً فيكون منصوصاً، (فيجب تقييده) بناءً على عدم النّص (بالجلّال كما صنع) المفيد رحمه الله (1) و الحلّي (2) و سلار (3) و الفاضلان (4) و (المصنّف في البيان (5) ليكون نجساً)؛ لعدم نجاسة غيره في المختار.

(و) مع التقييد ( يحتمل حينئذٍ وجوب نزح الجميع إلحاقاً له بما لا نصّ فيه إن لم يثبت الإجماع على خلافه) كما هو الظاهر، (و) يحتمل نزح (عشر إدخالاً له بالعذرة (6)) الممكن أعميّتها له، (و) يحتمل (الخمس للإجماع (7) على عدم) وجوب (الزائد إنْ تمّ).

(و في الدروس صرّح بإرادة العموم) للجلّال و غيره (كما هنا)؛ لإطلاقه لا تصريحه، (و) مضى تصريحه في الدروس إنّه (جعل التخصيص بالجلّال قولاً)، و مثله في الذكرى (8).

(و) ينزح (ثلاث) (دلاء) (للفأرة) (مع عدم الوصف) السابق، و هو التفسّخ أو الانتفاخ، أو هما.

(و الحيّة) (على المشهور) (9) بها، (و المأخذ فيها ضعيف)؛ لحملها على الفأرة في خبر عمّار (10)، و هو قياسٌ مع الفارق، و لضعف رواية إسحاق (11)، مع أنّ المماثلة للدّجاجة غير

ص: 215


1- المفيد، المقنعة: 68.
2- ابن إدريس، السرائر: 1/ 80.
3- سلّار، المراسم العلوية: 36.
4- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 76؛ العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 47.
5- الشهيد الأول، البيان: 100.
6- في المصدر: في العذرة.
7- ينظر العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 214.
8- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 120، ذكرى الشيعة: 1/ 97.
9- ينظر ابن زهرة، غنية النزوع: 49.
10- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 237 ح683.
11- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 186 ح 470.

مسلَّمة ليعمّها حُكمها مع اختلاف أصنافها، و رواية الحلبي (1) تضعّف بما سبق من حمل الدّلاء على العشر في مثله و إن عيّن القدر بالإجماع كفى عنها.

(و علّل) الحكم في المعتبر (2) و المنتهى (3) ( بأنّ لها نفساً) سائلةً؛ (فتكون ميتتها نجسة)، (و فيه مع الشك في ذلك) و الأصل عدمه، ظهورُ (عدم استلزامه للمدّعى)، و هو نزح الثلاث.

(و) (ألحقَ بها) في المشهور (4) (الوَزَغَة) (بالتحريك)، و الإلحاق لأنه ليس لها نفس سائلة، (و لا شاهد له كما اعترف به المصنّف في غير البيان، و قطع بالحكم) بالثلاث (فيه) (كما) قطع به (هنا)، و لعلّ النسبة من طغيان النظر، فإنّ الماتن في الدّروس (5) و الذكرى (6) قطعَ به كهُنا، بل أشار في الثاني للشاهد في الوزغة، و هو صحيحتا معاوية (7) و ابن سنان (8).

نعم، حكم فيهما بعدم الشاهد للحيّة و العقرب (و) (ألحق) أيضاً (بها) إمّا بالأُولى، أو بالثانية، أو بهما بمعنى الكلّيّة (العقربُ)؛ لرواية الغنويّ (9)، (و ربّما قيل) في الثلاث (بالاستحباب لعدم النجاسة) و الاستحباب، (و لعلّه لدفع وَهْم السُّم) فنفى الوجوب لعدم النجاسة و إثبات الاستحباب للدّفع المرقوم، و يمكن أن يكون ردّاً، بمعنى أنّ نفي السبب الخاص و هو النجاسة لا يقتضي نفي سائر أسباب الوجوب، فلعلّه لدفع الضرّر الموهوم من السُّم، إذ دفعه يجب ألبتّة.

ص: 216


1- الكليني، الكافي: 3/ 6 ح7.
2- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 75.
3- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 98.
4- ينظر العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 210/1.
5- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 123.
6- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 108.
7- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 238 ح 688.
8- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 238 ح689.
9- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 238 ح 690.

(و) ينزح (دلو للعُصفور) ( بضمّ عَينه)، و حكي فتحه في الغرائب (1) (و هو ما دون الحمامة)، إذ لا واسطة بينه و بينها فلا حاجة لذكر الشَّبه كما لغيره، و من أنواعه القبّرة و حسون و البلبل و الصّعوة و الحمّرة و العندليب و المكاء و العصافر و القنوط و الوضع و البراقش و القبعة كما في حياة الحيوان (2)، و لا يدخل فيه صغار الطّير مطلقاً؛ لبُعدها عن مفهوم الواجب و دخولها في آبائها اسماً و حُكماً.

و في المعتبر (3) مطالبة المُعتَبِر بدليل التخطّي للمشابه مطلقاً في الجثّة و النزح المزبور حكمه (سواء كان مأكول اللّحم أم لا)، وخصّة بالأوّل بعضٌ (4) لنجاسة الثاني كالخفّاش، و فرض النجاسة لا يقصر الحكم كيف و البئر جمعت بين نجس العين كالكلب و غيره في حكم واحد!

(و ألحقَ به) الصّدوق (5) و الشيخان (6) و (المصنّف في) كتبه (الثلاثة) المعهودة (7) بلا مشابهة تقتضي الإلحاق (بول الرضيع)، و في الخبر الفطيم (8)، و الأوّل هو الطفل (9) (قبل اغتذائه) بالطّعام أو غَلَبة الرّضاع على الاغتذاء (في الحَوْلَين)، و متى جازها دخل في الصّبي و لو لم يَتغذَّ.

أمّا لو تغذّى به فيهما فهو رضيع عرفاً، فليس ذكر القيد إلّا لتوضيح المعنى، إلّا أن يقتصر على لغويّ المعنى.

ص: 217


1- لم أقف عليه.
2- الدميري، حياة الحيوان: 2/ 160.
3- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 61.
4- ينظر المحقق الحلي، المعتبر : 1/ 74.
5- الصدوق، الهداية: 72، من لا يحضره الفقيه: 1/ 68.
6- المفيد المقنعة: 67؛ الطوسي، الخلاف: 1/ 184.
7- الشهيد الأول، البيان: 100، الدروس: 1/ 120، ذكرى الشيعة: 1/ 97.
8- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 243 ح 700.
9- ينظر: العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 1/ 188، نهاية الإحكام: 1/ 260.

و إطلاقه كغيره يعمّ رضيع الكافر (و قيّده) الأوّل (في البيان بابن المسلم) (1) و أطلق في بَول الرّجل به، (و إنّما تركه هنا لعدم النّص)، و مفهوم الأولويّة كالنّص إذا عمل بالمنطوق، و ظاهرهم حصر نزح الدّلو لبول الرضيع دون الفطيم المنصوص لضعف السند، و في المهذّب (2) إنّه هو، و لا عذر لتركه.

(مع أنّه في الشهرة كغيره ممّا سبق)، فلو لم يذكر سوى المنصوص هنا كان لتركه وجه، و قد ذكر ما لا فرق بينه و بينه في الشهرة لو أسند الترك إليها، و لعلّ عذره اختيار وجوب السبع لبول الصّبي مطلقاً فيشمله.

و عليه سلّار (3)، و نَصّ منصور (4) يعضده بإطلاقه، و ذهب ابن زُهْرَة (5) و أبو الصّلاح (6) إلى نزح ثلاث له، و الأوّل أشهر، و هو الأظهر، هذا.

(و اعلم أنّ أكثر مستند هذه المقدّرات ضعيف، ولكن العمل به) أي المستند أو الأكثر (مشهور) بين الأصحاب (و (7) لا قائل بغيره على تقدير القول بالنجاسة) (8) أو الوجوب (9) التعبّدي أو الاستحباب (10)، (فإنّ اللازم من اطّراحه كونه ممّا لا نصّ فيه)؛ الضمير الأوّل للمستند أو الأكثر، و الثاني إلى ما فيه ذلك المستند.

ص: 218


1- الشهيد الأول، البيان: 100.
2- ابن البراج، المهذب: 1/ 22.
3- سلّار، المراسم العلوية: 36.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 243 ح701.
5- ابن زهرة، غنية النزوع: 49.
6- الحلبي، الكافي في الفقه: 130.
7- في المصدر: (بل).
8- النجفي، جواهر الكلام: 1/ 238.
9- الشيخ جعفر، كشف الغطاء: 2/ 431.
10- النجفي، جواهر الكلام: 1/ 268.

و المعنى: إنّهم إنّما عملوا بهذه الأخبار التي تفيد التقدير و إن ضعفت؛ لأنهم لو طرحوها و قالوا بالنجاسة لزم أن يكون الأغلب مُلحَقاً بما لا نصّ فيه فيجب نزح الجميع له في المشهور، و يلزم من ذلك العُسر و الحَرَج المنفيّ.

و فيه: إنّ ذلك لا يصلح حاملاً لهم على الحكم، و إنّما الحامل الإجماع، و السرّ فيه ذلك.

و من غرائب الردّ عليه بأنّه ربما اختلفت المقادير بالأخبار، و إلغاء الضعيف منها لا يقضي بإلحاقه بما لا نَصَّ فيه؛ لوجوب الرجوع إلى النصّ الآخر في ثاني المقدار، فإنّ فرض كلامه خلوّه عن النّص مطلقاً بضعف نصوصه مطلقاً، فيلحق حينئذٍ ذلك.

[التراوح و كيفيته]

(و) كيف كان، فإنّه (يجب التراوح بأربعة) (رجال) فيما ينزح له الجميع مطلقاً عند تعذّره لغزارة الماء، و في المنتهى (1) لا نعرف فيه خلافاً من المنجّسين.

وكيفيته أن يمتح الدّلو أحد الاثنين فوق البئر و الآخر فيها يملؤه كما في شَرْحَي الشرائع (2) و الإرشاد (3)، و الحِلّي كالموجز (4) و المحرّر (5) في كيفيّته أن يستقي اثنان بدلو واحدة إلى أن يتعبا، فإذا تعبا قام الاثنان إلى الاستقاء، و لا يفهم من الخبر إلّا سرعة النزح بكلّ طريق؛ لأنه أقرب، و المتيقّن من تراوحهم إنّه (كلّ اثنين منهم (6) يريحان الآخرين).

و يعتبر قيام الآخرين للنزح أوّل زمان التّعب و الكلّ عن النّزح في الأوّلين ليصدق الإراحة، و لا اجتزاء بغير هذه الكيفيّة، فلو قدر الواحد على ما يقدر عليه الاثنان لا يجزي، و يجب أن يُباشروا النزح (يوماً) (كاملا)، و هو (من أوّل النهار) و متيقّنه الفجر الثاني (إلى

ص: 219


1- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 73.
2- السيد العاملي، مدارك الأحكام: 1/ 67.
3- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 395.
4- ابن فهد، الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 36.
5- المحرر (الرسائل العشر): 136.
6- في المصدر: (منها).

الليل) فيتمّ عند مغرب الشمس كيوم الصّوم، و مقدّماته كمقدّماته قبله، (سواء في ذلك الطويل و القصير) من الأيّام.

و استحب في روضه (1) تَحرّي الأوّل استحساناً و هو (عند) (تعذّر نزح الجميع بسبب) (الغزارة) في الماء (المانعة من نزحه) (و) عند (وجوب نزح الجميع ) (الأحد الأسباب المتقدّمة)، (و لا بدّ) عند التراوح (من إدخال جزء من الليل متقدِّماً) على اليوم (و متأخِّراً) عنه (من باب المقدّمة و تهيئة الأسباب قبل ذلك) ليقطع بحصوله، و يستصحب اللّيل في الابتداء و النهار في الانتهاء لظلمة مُوهِمة، فلو انكشف الإخلال بعد الانتهاء و الاستعمال وجبَ إعادة النّزح؛ لتعليق الطّهارة على نزح اليوم الواقعي و لم يحصل، فالنجاسة بحالها.

(و لا يجزئ مقدار اليوم من اللّيل) (و) لا مقداره من (الملفّق منهما) و إن تجاوز أطول الأيّام؛ لخروجها عن منطوق النّص، (و يجزئ) في الطهارة و حصول التراوح (ما زاد على (2) الأربعة) ما لم يتصوّر بطلانه من باب مفهوم الموافقة كما في الذكرى (3).

و يتمّ المفهوم إذا نزح في كلّ دفعة أكثر من اثنين، أمّا لو اشتغل الأكثر اثنين اثنين فهو من المنطوق، و الاجتزاء بالزائد عليها إذا أوجب زيادة النّزح جيّد؛ للأولويّة (دون ما نقص) عن الأربعة (و إن نهض بعملها) لمخالفة النّص، لكن المخالفة و مع عدم ذكر الأربعة فيه مشكل، غايته أنّ المباشر اثنان اثنان و هو يحصل بالثلاثة إذا اشترك واحد في دفعتين، فالإراحة تحصل لكلّ فرد منهم على التعاقب، إلّا أن يستفاد من النّص وجوب تغاير الأخيرين و الأوّلين.

و النّص بإطلاقه لا يقتضي ظاهراً تعيين الأربعة خصوصاً لو لم نسقط منه لفظ ثمّ، و لو قرئت بالفتح على الأشهر (4) غير المعتبر (5) (و) الأقوى عندهما هنا و في الذكرى (6) أنّه (يجوز

ص: 220


1- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 396.
2- في المصدر: (عن).
3- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 88.
4- ينظر الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 396.
5- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 76.
6- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 90/1.

لهم الصلاة جماعة)، و قيّد الجواز بروضه (1) بالاقتصار في الواجب و الندب على المعتاد، فلو قرأ الإمام البقرة لزمهم الانفراد كالأجير يومه و استأنفوا لو كان هو القارئ في غير زمن راحته و صاحبه، و وجه الجواز عموم أدلّة استحبابها (2) و بسقوطها عن المعذور يخصّص العموم، و لولاه لسرى الدّليل في المستحبّات مطلقاً، و لأوجب استثناء زمان مقدّمات الجماعة.

نعم، لو وجبت الجماعة و لو لأنهم لا يقدرون على القراءة أو كان النّزح في الجمعة كان من الواجب المستثنى، كما يجوز لهم التناوب فيها فيدرك كلّ منهم ركعة جماعة و الباقي بنية الانفراد، مخفّفاً لصلاته بقدر ركعة الإمام، و من حضر الجواز كذلك يظهر أنّه (لا) يجوز لهم الصلاة (جميعاً) و ترك الاشتغال (بدونها) عندهما (و لا) يجوز لهم (الأكل) و لا غيره و إن استحبّ كالتشييع مطلقاً و قضاء الحاجة لا مطلقاً (كذلك) جميعاً، و يجوز من الراحة كلّ ذلك لهما، و نفي الاستثناء من أصله أقوى و أحوط في الجميع.

(و نبّه) المصنّف (بإلحاق التاء) القاضية بالتذكير (للأربعة) و في عدوله عن الجرّ بالباء إلى اللّام بيان أنّ التاء لحقت الأربع لا الأربعة، فهي إمّا للاختصاص و متعلّق الإلحاق مقدّر أي إلحاق التاء بالأربع الذي للأربعة، أو بمعنى في نحو: (وَ نَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمٍ الْقِيَامَة) (3).

و الحاصل : اقترانها بها للتنبيه (على عدم إجزاء) تراوح (غير الذكور) كما هو المشهور (4). (و لكن لم يدلّ) التذكير (على اعتبار الرّجال) فيلزم إجزاء الصبيان.

(و قد صرّح المصنّف (5) في غير الكتاب باعتباره)، و في الذكرى (6) كالصريح (و هو

ص: 221


1- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 396.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 242 ح699 .
3- سورة الأنبياء: 47.
4- ينظر المحقق الحلى، المعتبر: 1/ 60.
5- الشهيد الأول، البيان: 99، ذكرى الشيعة: 1/ 90.
6- الشهيد الأول، البيان: 99، ذكرى الشيعة: 90/1.

حسن) عليه المشهور (1) (عملاً بمفهوم القوم) الوارد (في النّص) (2) فإنّه ظاهر في الرجوليّة و الذَّكُوريّة، و عطف الله النساء عليه يقضي بالمغايرة (خلافاً للمحقّق) و الفاضل و ابن فهد (حيث اجتزأ) الكلّ في المعتبر (3) و المنتهى (4) و التذكرة (5) و الموجز (6) (بالنساء و الصبيان)، و في الثالث الجزم به و قيّده أحدهم (7) بما إذا ساوَت قوّتهم للرجال؛ لاشتراك العلّة و عدم مدخلية شخص النازح، فليسوا بأقلّ من الكفّار و المجانين إذا حصل منهم ذلك.

و في الجواهر (8) اختياره، زاعماً صدق القوم مجرّداً على النساء، و الخبر كذلك، و القاموس (9) عليه مع استنباط المناط المتساوي فيه الرجل و غيره مطلقاً إذا كان مقدار ما ينزح مساوياً لمنزوح الرّجل؛ لحصول المقصود.

و فيه: إنّ أئمة اللّغة (10) صرّحوا بعدم الصّدق، و عبارة القاموس محمولة على الإطلاق الشامل للمجاز، و أنّ المُرسَل (11) عن الرّضا علیه السلام مقيّد الخبر (12) عمّار، و أنّ بناء الأصحاب على مراعاة الخصوصيّات الواردة في المقام كاليوم فلا يجزي الملفّق و إن زاد، بل لو بني على تخريج المناط كان إلغاء خصوصيّة اليوم أولى؛ لكونه وارداً مورد الغالب، لغَلَبَة وقوع الأعمال في

ص: 222


1- ينظر العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 191.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 242 ح 699.
3- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 77.
4- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 74.
5- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 28.
6- ابن فهد، الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 36.
7- السيد العاملي، مدارك الأحكام: 1/ 68.
8- النجفي، جواهر الكلام: 1/ 217.
9- الفيروزآبادي القاموس المحيط: 4/ 168 ، (فصل القاف).
10- الجوهري، الصحاح: 5/ 2016، مادّة (قوم).
11- الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام: 94.
12- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 242 ح699.

النهار و هو منها، مع أنّ الرجل نوعاً أقوى، فلا بأس بقصر الحكم عليه.

و لو أنّه رحمه الله ألغى جميع الخصوصيّات كما ألغاها الوالد رحمه الله (1) حتّى النّزح و جعل المدار على إخراج الماء بمقدار الأربعة المتراوحين بأيّ حيلةٍ تكون و لو بإجراء الماء من تحت لكانَ أولى من نفي بعضها دون بعض.

و لو تبدّل حال البئر بأنْ بان إمكان نزح الجميع في أثناء التراوح أو العكس قوى الإستاد النّزح و ترك التراوح في الأوّل؛ لأنّ تطهيره مشروط بعدم إمكان الاستيعاب، و ضمّ للسابق نزح ما بقي من النهار إذا كان السابق جامعاً لشرائط التراوح في الثاني، و الثاني حسن، و الأول مشكل، فإنّ الغلبة لو شرعت التراوح واقعاً لم يؤثِّر عدمها في وقت آخر، و إن لم تكن كذلك كان اللازم نزح الجميع بعد تمام التّراوح لو تبدّل موضوع البئر، و لو امتدّ الفاصل، إلّا أن يكون الأخير من الفرد النادر دون التغيّر في الاثناء فلا يلحقه الحكم، فتأمَّل.

هذا كلّه في حكم غير المتغيّر من مائها.

(و) أمّا (لو تغيّر ماء البئر) في أحد أوصافه الثلاثة (بوقوع نجاسة) عينيّة أو متنجّس فيه، فحكمها على المشهور (2) من الطهارة و عدم تعبديّة النّزح حكم الجاري و على النجاسة أو النزح التعبّدي، فالحلّي (3) و المحقّق (4) و الشهيد الثانيان هنا، و في جامع المقاصد حكموا بأنّ الواقع فيها من النجاسة إن كان (لها مقدّر) (جمع بين المقدّر و زوال التغيير) لا (بمعنى) تعاقبهما بأن ينزح إلى زوال التغيير ثمّ ينزح المقدّر بمعنى التداخل، و هو (وجوب أكثر الأمرين)، إذ لا قائل بالمنفي و إن احتمل، فإنّ في ذلك (جمعاً بين المنصوص (5)) المقدّر فيها (و زوال التغيير المعتبر) عندهم جميعاً (في طهارة ما لا ينفعل كثيره) أو قليله لغير الفاضل،

ص: 223


1- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 57.
2- ينظر العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 101.
3- ابن إدريس، السرائر: 1/ 77.
4- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 120.
5- في المصدر: (النصوص).

(فههنا (1)) بواسطة انفعال كثيره يكون اعتباره للحكم بطهارته (أَوْلى).

و كيفيّة الجمع إبقاء نصّ المقدّر على إطلاقه في البئر للمتغيّر و غيره مع العمل بالنصّ المفيد (2) للنجاسة بالتغيير مطلقاً أيضاً، و حيث يجب نزح المقدّر في غير المتغيّر ففيه - و إن زال قبله - أَولى، و مع عدم زواله به يعتبر زوال التغيير، ضرورة عدم طهارة الماء ما دام باقياً بالضرورة، لكن الإشكال في أنّ النجاسة الباقية بعد نزح المقدّر في المتغيّر، إذ لا يزول التغيير بتمام نزح المقدّر يقتضي دخولها في غير المنصوص، فتُعطى حكمه.

و فيه: إنّ النزح إلى زوال التغيير هو مقدّرها بعد نزح مقدّرها السابق و بقائه، أخذاً بإطلاق نجاسة المتغيّر المغيّى طهارته بزوال تغييره فيها، فتختصّ أوامر التقدير بغير المتغيّر منها.

و يبقى الإشكال في إكمال المقدّر إذا زال التغيير قبله على القول ببقاء النجاسة بعد الزّوال بها، فيرجع فيه إمّا لإجماع القائلين به عليه، أو بأنّ النّصوص أو جَبَت نزح تلك المقادير لتلك النجاسات، و أمّا الاكتفاء بها في الطّهارة مطلقاً فمهمل بالنّسبة إلى أفراده، فلا يعارضه عدم حصول الطهارة لعارضٍ آخر و إن وجب نزح المقدّر، فيكون حال بقاء التغيير بعد النزح كحال نجاسة ثانية عَرَضت للبئر بعد نزح مقدّر الأولى و لها مقدّر.

(و) أمّا (لو لم يكن لها مقدّر، ففي الاكتفاء بمزيل التغيير أو وجوب نزح الجميع) إذا أمكن، (و التّراوح مع تعذره قولان):

الأوّل: لكلّ من اكتفى به فيما له مقدّر و إن زال قبل استيفاء الدلاء المنصوصة.

و الثاني: لكلّ من زعمه في المتغيِّر مطلقاً و إن زال بأوّل دلو، فالعبرة بنزح الجميع، بل هو ظاهر من أطلق نزح الكلّ لفاقد المقدّر، و (أجودهما ) دليلاً إن أوجبنا الجميع لفاقد النصّ هو (الثاني).

ص: 224


1- في المصدر: (فهنا).
2- كذا في المخطوطة، و لعل الصحيح: (المقيد).

(و لو أو جبنا فيه ثلاثين أو أربعين) دلواً، (اعتبر) هنا (أكثر الأمرين [فيه] (1) أيضاً) من العددين أو ما يزول به التغيير كسابقه ببرهانه، و هو عدم نقص حالة التغيير عن سابق حالته، فكلّ ما يجب قَبلُ يجب بَعدُ بالأولويّة مع لزوم إزالة التغيير.

و أمّا الأوّل فدليله عند من خَصّ نجاسة البئر بالتغيير أو من لا يرى نزحاً فيما لا نصّ فيه ظاهر، و صحيحة ابن بزيع (2) للثالث، و لا بُعد في وجوب نزح الجميع حالة عدم التغيير دون حالته لكونه من المنصوص كما سبق، أو لأنّ أحكام البئر لا يُستنكر منها ذلك، أو لأنّ عَلامَة النجاسة هو التغيير في المتغيّر فتزول النجاسة بزواله و لا عَلامَة ظاهرة بغيره، فيجب نزح الجميع.

لكن الصحيحة إن عُمِلَ بها فهي تقضي بانحصار النجاسة في البئر بالتغيير و الطّهر بإزالته كما هو الحقّ في كثيرها أو مطلقاً على الشروط في الجاري من حيث الاتّصال بالمادّة أو النزح أو غيرهما، و ظاهر المماثلة تقضي بالطهارة بالزّوال بنفسه و لو من دون نزح، و هو على المشهور الثاني من عدم الانفعال مطلقاً حَسنٌ.

لكن تأمّل بمجمع البرهان (3) لقوله علیه السلام في الصحيح و الحسن: «فينزح منه حتّى يذهب الرِّيح ... إلخ » (4). و الفاضل في التذكرة (5) و النهاية (6) حكمَ بنزح الجميع و إن زال التغيير بالبعض، و في الرّياض (7) مع حكمه بالطّهارة و عدم الانفعال فيها استقرَب عدم الطّهارة إلَّا بالنّزح حتّى يزول التّغيير لا جميع الماء كالفاضل، إلَّا إذا لم يحصل العلم بزواله فالجميع، و ادّعى موافقة الشهيدين.

ص: 225


1- أثبتناه من المصدر.
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 176 ح442.
3- المحقق الأردبيلي، مجمع الفائدة: 1/ 250.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 234 ح676.
5- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 26، 27.
6- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 260.
7- الطباطبائي، رياض المسائل: 1/ 135.

و لم أعثر عليه من ثانيهما في الثلاثة، و في بيان (1) الأوّل موجود لكن مع القول بالنجاسة فيختلفان، و أين الموافقة، و لا أظنّ أنّ من اعتبر النّزح بعد زوال التغيير بنفسه - كالعلّامة رحمه الله - مَرامه توقّف الطَّهر بعده على نزح الجميع، بل خياله أنّ المزج المعتبر في التّطهير متوقّف على نزح ما بعد الزّوال ليحصل كثرة الخارج فيمتزج أو يتدافع أو يعلو على النجس، و متى لم ينزح منه شيء لم يتجدّد الخروج منه.

نعم على المشهور الأوَّل من النجاسة و انقطاع حكم الجاري عنه يتوقّف على النصّ في الطّهر، و حيث لا مقدّر له تعيّن نزح الجميع، فتأمل.

ص: 226


1- الشهيد الأول، البيان: 99.

[مبحث الماء المضاف]

و هنا (مسائل: الأُولى):

[تعريف الماء المضاف]

(الماء المضاف ما) (أي الشيء الذي) (لا يصدق عليه اسم الماء بإطلاقه) لغةً أو عرفاً (مع صدقه عليه مع القيد)، و في الرّياض (1) - تبعاً - مثله، لكن تفسير الموصوف بالشيء و ما بالموصوليّة غير جيّد منهما، فإنّ المعروف في التعاريف أنّها نكرة موصوفة، فالأحرى أَنْ تُفَسَّر بالماء أو تهمز بالقراءة اسماً صريحاً فيه، إذ المضاف من أقسامه كما مرّ، و أخذ المقسم في حدود الأقسام حسن، مع أنّه من الأجناس القريبة وإن كان لفظيّاً، و الشيء عرضاً عاماً فهو أَولى، و لعلّ ذلك لجهة توقّف المضاف على الماء المتوقّف معرفته عليه، فلو أخذ في التعريف دارَ.

و يردّه: أنّ المقصود من تعريف كلّ مقسم هو تعريف الوصف المعتبر فيه دونه، و هنا كذلك، أو لجهة أنّ إطلاق الماء عليه مجاز، فلو أخذ قيداً لزم التجوّز في التعريف.

و يدفعه - مع وروده في أصل التقسيم؛ لأنّ المراد بالماء المنقسم إليهما معنى شامل للحقيقي و الإضافي من باب عموم المجاز - أنّ الواجب حمل ما على ما يطلق عليه اسم الماء في الجملة مطلقه و مضافه، إذ هو المقسم، فالتجوّز في التقسيم دون التعريف، و حينئذٍ فلا ينتقض الحدّ طرداً، فيحتاج إلى زيادة القيد الأخير من الثاني؛ لأنه فرع تفسيره، و لو قرئ بما ذكرنا لما شمل الحدّ غير المائعات، أو المائعات التي لا تدخل في اسم الماء مطلقاً، أو مع القيد كالأدهان و الأبوال و العرق و البصاق.

و زاد الفاضلان حينئذٍ قيد صحّة سلبه عنه (2)، و كأنّه إشارة إلى تحقّق عَلامَتين للتجوّز فيه من عدم تناول الاسم بإطلاقه، و من صحّة سلب اسم الماء عنه، و إطلاق الماء على مضافه كإطلاق الأسد على الشجاع، أو للاحتراز عن مطلق شاع تقييده، فلا يطلق عليه الماء مجرّداً

ص: 227


1- الطباطبائي، رياض المسائل: 1/ 57.
2- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 31؛ الفاضل الهندي، كشف اللثام: 1/ 280.

عن القيد مع أنّه من المطلق الذي لا يصحّ سلبه عنه كماء البحر مثلاً، حتّى أنّ ابن المسيّب و ابن عمر حرّما الوضوء به مع وجود غيره (1)، و الظاهر دوران الاسم مَدار الحقيقة دون السلب العرفي، فإنّه مَظنّة للتسامح و إلّا لصدق على الماء المصعد من المطلق أنّه ليس منه؛ لتسميته عرقاً، مع إنه فرد منه حقيقةً، فتأمل.

و هو أقسام منه ما يحصل بالتصعيد كماء الورد و شبهه (2)، أو بالاعتصار (كالمعتصر من الأجسام) الرطبة مثل الحصرم، و يمكن شموله لسابقه، أو المزج، (و) لكن بحيث إنّ (الممتزج بها مزجاً يسلبه الإطلاق كالأمراق) فإنّها من الممتزج لا قسيماً له كما يظهر من السرائر، (دون الممتزج على وجه لا يسلبه الاسم) فإنّه غير داخل فيه (و إن تغيّر لونه كالممتزج بالتراب أو طعمه كالممتزج بالملح و إن أُضيف) في العرف (إليهما) خلافاً لظاهر الفقيه و بعض الناس (3) في قوله: و إذا غيّر التمر لون الماء لم يجز الوضوء به (4). و كأنه أرادَ بالتغيير سلب الإطلاق، ثمّ إنّه لا اختصاص لشيء من الممتزجين بشيء من التغييرين، فقد يغيّر التراب الطعم و الملح اللّون أيضاً، و ظاهرهم أيضاً حصر المضاف بالأقسام.

و صرّح بعضهم بأنّ منه المتغيّر بطول مكثه (5)، و في المعتبر: أنّ ما ليس له نفس سائلة إذا وقع في الماء غيَّر أحد أوصافه سلب عنه الطهوريّة دون الطهارة (6)، و هما لا يندرجان بشيء من الثلاثة، و لا الأخير في الممتزج؛ لعدم تلازم التغيير معه، فالحصر بالثلاثة مشكل، كما أنّ شمول المضاف للأخيرين أشكل، فليرجع إلى الحقيقة دون سلب الإطلاق، و إذ يكون الأخير مرجعاً يُوكَل إلى العُرف، فلا عِبرَة بكميّة أحدهما و إن كثُر المضاف و بقي الإطلاق.

ص: 228


1- ابن عبد البر، الاستذكار: 1/ 162-163، التمهيد: 1/ 332، 333؛ الزيلعي، تخريج الأحاديث: 2/ 462، 463.
2- كالليمون و ماء الزعفران.
3- ينظر الكاساني، بدائع الصنايع: 1/ 164.
4- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 15 ح20.
5- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 237؛ الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 360.
6- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 102.

نعم، قد تخفى بعض الأفراد على العرف فيشك في أنّها من المطلق أو المضاف، و اللّازم حينئذٍ الرجوع إلى الأُصول، و مقتضاها انفعال المشكوك و إن كان كثيراً؛ لأنّ النجاسة مقتضية للتنجيس مطلقاً، و إن لم يكن الانفعال مقتضى نفس الملاقاة لمّا كانت الکُرية عاصمة عنه، و عليه فلو شكّ في مقدار الكرّ أو إضافته حين الملاقاة بني على النجاسة؛ لوجود المقتضي و عدم تحقّق المانع، نظير المشكوك في كريّته مع جهل حالته السابقة، و من هنا لا تجري أصالة عدم الانفعال، إذ لم يثبت وجوب إحراز القلّة و شرطيّتها فيه، و قد سلف بيان ذلك و التشكيك فيه، و يسري الحكم المذكور في جميع المائعات، وَ خصّ المُضاف بالذِّكر دون غيره منها لدفع توهّم اندراجه في إطلاقات الماء و لو مجازاً، أو لأجل بيان بعض خواصّه لو مزج، أو اختلط بالمطلق، أو للتنبيه على سراية النّجاسة فيه الجميع أجزائه أو غير ذلك.

و منه يظهر أنّ الحقيقة المتوسّطة بين الحقيقتين لو فرض حصولها بالامتزاج بين المضاف و المطلق يحكم عليها بحكم المضاف، فلا تستعمل في رفع حَدَثٍ و لا خَبَتْ؛ لأنّ المنع من الاستعمال من أحكام غير الماء مطلقاً لا من أحكام المضاف.

نعم، لو كان المنع في مقابل إطلاقات الوضوء و الغسل، و هو تعلق بالمضاف فيهما، يمكن حينئذٍ التمسّك بتلك الإطلاقات على صحّتهما بالحقيقة التي لا تدخل بأحدهما ممّا هو خارج عن اسم المضاف، و أمّا المشكوك في إطلاقه فالظاهر استصحاب بقاء الإطلاق إذا مزج ببعض الأجسام، و لا يلتفت إلى المداقّة في إحراز الموضوع، و يمكن فيه تعارض أصالة بقاء كلّ من الإطلاق و الإضافة، و للاحتياط وجه، كما أنّ المطلق لو مزج بمشاكله كمّاً و كيفاً من المضاف كان مطلقاً و مضافاً لاستصحاب كلّ منهما، و يحتمل خروجه عن كلّ منها؛ لأنّ المركّب من الدّاخل و الخارج خارج، و على الأوّل الظاهر أنّه لا يرتفع به الحَدَث و الخَبَث و إن اشتمل على المقتضي لذلك، و هو الماء، إلَّا أنّ امتزاجه بالمضاف مانع من تأثيره أثره؛ لأنه بمنزلة الحاجب، أو أنّه معه يخرج عن مُسمّى المطلق و هو شرط في الرفع، و احتمال أنّ الشرط هو عدم صدق المضاف لا صدق المطلق بعيد. كذا أفاد الوالد في أنوار فقاهته (1).

ص: 229


1- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 78.

و اختار الشيخ أنّ الأكثر في كلّ من الممتزجين يغلب غيره اسماً و حكماً، فإن تساويا غَلَب المطلق؛ لأصالة البراءة (1)، و القاضي حكمَ بالإضافة في المتساويين للاحتياط (2)، و الفاضل (3) حكمَ بمراعاة صدق الاسم محقَقاً و مقدَراً كالممتزج بنجس مسلوب الأوصاف، و علّله بعد استضعاف الأوّلين بعدم ورود تحديد من الشارع بأنّ خروج الاسم سالب للطّهورية، و حيث لا يخرج عن الاسم للموافقة في الأوصاف فيقدّر بغيره كما في حكومات الجراح مثل تقدير الحُرّ عَبْداً في ما لا مقدّر له من الجنايات.

و فيه: إنّه اعترف بعدم خروجه عن الاسم مع اعترافه بدوران الحكم مدارَه، فمن الاعترافين يلزم جواز الطّهارة به، إلّا أن يكون مراده بعدم الخروج عن الاسم هو عدم العلم به لأجل الموافقة المرقومة، فقد يتّفق لحوق المضاف للمطلق في الاسم عرفاً إذا شاكله في الصفات، و لا رَيْب في عدم العِبرَة فيه عندهم.

لكن الظاهر أنّ الكلام فيما علم بقاء صدق اسم الماء محقّقاً، و أنّ الخليط له لو كان غير مسلوب الصّفات لغيّره، و عدّ هذا الفرد من المضاف لا يساعد الدّليل عليه و إن تَمّت الثمرة فيه، بل صريح (4) كلماتهم أنّه من المطلق.

نعم، لو كان صدق الماء باعتبار الجهل بالحال، أو لمجرّد المشابهة في الظاهر نظراً إلى وجود صفات الماء فيه بحسب الحسّ، فلحوق مثله بالمضاف مسلّم بعد انكشاف الحال فيه عند الكلّ، فلا ثمرة.

و في حاشية المدارك: إنّ الصدق الناشئ من الجهل بالحال لا عِبرَة به، و مع العلم فلا ضابط له في فاقد الأوصاف (5).

ص: 230


1- الطوسي، المبسوط: 1/ 8.
2- ابن البراج، المهذب: 1/ 24.
3- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 227.
4- ينظر البهائي، الحاشية على كتاب من لا يحضره الفقيه: 124.
5- البهبهاني، الحاشية على مدارك الأحكام: 1/ 39. بتفاوت.

ثم إنّ المناسب في التقدير على هذا القول هو تقدير الأوصاف التي كانت موجودة في المضاف قبل عروض السبب المُزيل، لا الأعلى و لا الوسط و لا الأقلّ، و إن كان للأخير وجه، لكن الظاهر أن يفرض الممزوج باقياً على ما يقتضيه طبيعته الأصليّة، فتقدّر حالته السابقة على المزج و لو جهلت اعتبر فيه الأقلّ استصحاباً لإطلاق الماء.

(وهُوَ) (أي الماء المضاف) (طاهر) (في ذاته)؛ لأنّ النجس محصور (1)، و ليس المضاف منها، فإنّه (بحسب الأصل الذي) اعتصر منه أو مزج به طاهر لم يتنجّس بغيره، و طاهر الأصل لا ينجس، أمّا طهارته فلا شبهة فيها، نعم يعتبر في طهارة المصعّد عند المشهور (2) طهارة أصله، فالمصعّد من النجس أو المتنجّس نجس، و في المناهل قوّى الطهارة فيه للأصل (3)، و لأنه حقيقة جديدة غير ملاقية للنجاسة، فلا مسرح للحكم بنجاستها لا أقلّ من الشك فيستصحب طهارة البخار السابقة.

و نوقش بعدم العِبرَة بالاسم مع بقاء الحقيقة، فإنّ حقيقة المصعّد هي نفس الحقيقة التي صعّد منها، و أمّا طهارة البخار المستصحبة فلجهة أنّ النجاسة و الطّهارة من عوارض الأجسام، و المتبادر من الجسم في كلماتهم، إذ يحكمون بنجاسة الملاقي للنجس من الأجسام غير ذلك، فتراهم لا يحكمون بنجاسة الدّخان الطّاهر الملاقي لجسم رطب نجس.

و يمكن ردّه بأنّ النجاسة تدور مدار الاسم، فبخار البول قبل انقلابه عرقاً لا يصدق عليه اسمه، و بعد انقلابه يصدق البول عليه؛ لأنها حقيقة واحدة.

و فيه نظر ينشأ من صدق الاسم و عدمه، فالأولى الركون إلى ما عليه المشهور.

و من ذلك القطرات الساقطة من سقف حمّام يكون أرضه نجساً، و كذا يعتبر طهارة الخليط في المخلوط، فلو امتزج كُرّ مطلق مع نجس أو متنجّس حتّى خرج المركّب عن اسم

ص: 231


1- ينظر التستري، مقابس الأنوار: 40.
2- المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 1/ 15؛ العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 5، نهاية الإحكام: 1/ 236، تحرير الأحكام: 1/ 5؛ الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 71.
3- السيد المجاهد، المناهل: 112.

الممتزجين قيل (1): إنّ الحكم بالطهارة لا يخلو من قوّة.

قلتُ: و سيجيء بيانه.

و على كلّ حال فالطاهر المتيقّن من المضاف (غير مطهّر) (لغيره) (مطلقاً) لا (من حَدَث) أصغر و لا أكبر، و لا حكمهما في مثل السّلس و الاستحاضة، و لا شبههما من القذارات المعنويّة التي يطلب لأجلها الاغسال المسنونة و بعض الوضوءات، بل (و لا) من (خَبَتْ) كذلك، لا (اختياراً) و لا (اضطراراً) (على) (القول) (الأصحّ) الأشهر فيهما، بل الإجماع عليه في الأوّل نقل في المبسوط (2)، و السّرائر (3)، و الغُنية (4)، و الشرائع (5)، و نهاية الفاضل (6)، و تذكرته (7)، و تحريره (8).

(و مقابله) قول العماني برفعه للحَدَث و جواز الطهارة به حال الضّرورة (9)، و (قول الصّدوق) بفقيهه (10)، و أماليه (11) (بجواز الوضوء و غُسل الجنابة بماء الورد) خصوصاً لا مطلق المائعات على الظاهر من كلامه، و حكاه الشيخ في الخلاف عن قوم من أصحاب الحديث (12).

ص: 232


1- المحقق السبزواري، كفاية الأحكام: 1/ 56.
2- الطوسى، المبسوط : 1/ 5.
3- ابن إدريس، السرائر: 1/ 59.
4- ابن زهرة، غنية النزوع: 50.
5- المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 1/ 11.
6- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 4.
7- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 32.
8- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام:1/ 50.
9- حكاه عنه في مختلف الشيعة: 1/ 222؛ الدروس: 1/ 122.
10- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 6، باب المياه.
11- الصدوق، الأمالي: 514.
12- الطوسي، الخلاف: 1/ 55.

و عن ابن بابويه في حكاية المعتبر (1)، و لعلّ ذلك (استناداً إلى) رواية يونس عن أبي الحسن علیه السلام: «قال: قلتُ له: الرّجُل يغتسل بماء الورد و يتوضّأ به للصّلاة، قال علیه السلام: لا بأس بذلك» (2). و إلى أنّها طهارة من نجاسة حكميّة فجاز استعمال ما يشابه الماء فيها لضعفها.

و ال- (رواية مردودة) (3) بضعف سندها بسهل (4) و ابن عیسی (5)، أو بشذوذها و إجماعهم على ترك العمل بها كما في التهذيب (6)، أو باحتمال إرادة التّنظيف، أو الماء المخلوط بقليل لا يسلبه الإطلاق، أو تقرأ بكسر واو الوِرد فإنّ السؤال عن وِردِه (7) غير مُستَهجَن، لكنّ حُكْمَ الصدوق، و ردّ الأصحاب له، و فهمهم من الرّواية ذلك ممّا لا يبعّد الأخير، فاحتماله من الجواهر واه (8)، كاحتماله إمكان إرادة المصعّد دون المعتصر فيجوز في الأوّل الوضوء، و يؤيّده عدم ذِكر الأصحاب للمعتصر في أقسام المضاف، لكن صريح الفاضل (9) في التذكرة التعميم للمصعّد مع دعوى إجماع (10) الإماميّة على عدم جواز رفع الحَدَث به، فالأولى في ردّ الرواية ما في التهذيب.

و أمّا كون النجاسة حكميّة فجوابه المنع من كونها طهارة من نجاسة حكميّة أو عينيّة، بل هو تعبّد شرعي فيقف على ما ورد به الإذن.

ص: 233


1- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 81.
2- الكليني، الكافي: 3/ 73 ح 12.
3- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 227؛ المحقق الشيخ محمد العاملي، استقصاء الاعتبار: 1/ 133؛ الكاشاني، الوافي: 6/ 325 ح 4387.
4- الطوسي، الفهرست: ج 1/ 329؛ رجال النجاشي: 185؛ رجال العلّامة الحلي: 228، 229.
5- ينظر المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 81.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 3/ 218 ح 627.
7- (مثله، خ)، (من الناسخ).
8- النجفي، جواهر الكلام: 1/ 312.
9- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 31.
10- المصدر السابق.

و أوَّلَ في التذكرة كلام الصدوق رحمه الله بحمل الوضوء على اللّغوي و ماء الورد على ما جاور قليلاً منه كحمله الخبر. و عليه فلا مخالف في المسألة، فتأمل.

وممّا ذكرنا يظهر عدم جواز حمل الرّواية على حال الضرورة، (و قول المرتضى) (1) علم الهدى (برفعه مطلقاً) ماء ورد كان أو غيره ممّا يُطلَق عليه المضاف ل- (الخَبَث)، كالمحكي (2) عن خلاف المفيد أيضاً ضعيفٌ؛ لاستقرار المذهب اليوم على خلافه، و لا ينافيه استظهار المحقّق هنا بعد دعوى الإجماع في الأُولى في الشرائع (3) فإنّه إمّا للاعتناء بشأن السيد رحمه الله أو لوجود المخالف غيره؛ لنسبته في السرائر إلى جماعة (4).

ثمّ إنّ المنقول عن السيّد اختلف، ففي الحدائق أنّ عبارة الناصريّات تقضي بجواز التطهير بكلّ مائع (5). بل في بعض عبائره تصريح بمساواة الخلّ للماء (6).

و في المناهل أنّ الجواز مقصور عنده على المضاف (7)، و الأكثر فهموا ذلك، و من البعيد أن يكون بول مأكول اللّحم من المطهّرات، بل بعض أدلّته لا تساعد على التعميم.

أقول: و الحقّ ما ذهب [إليه] الشهيدان هنا و في غيره (8) من عدم إزالته لهما مطلقاً، و دليله بعد الإجماع (9) آية التيمّم (10) المعلّق فيها على فقدان الماء، و رواية أبي بصير في جواز

ص: 234


1- السيد المرتضى، الناصريات: 73، 74.
2- نقله عنه في المعتبر : 1/ 82.
3- المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 1/ 9.
4- ابن إدريس، السرائر: 1/ 61.
5- البحراني، الحدائق الناضرة: 1/ 367.
6- السيد المرتضى، الناصريات: 76.
7- السيد المجاهد، المناهل: 112.
8- الشهيد الأول، البيان: 101، الدروس: 1/ 122، ذكرى الشيعة: 1/ 72؛ الشهيد الثاني، المقاصد العليّة: 104؛ حاشية المختصر النافع: 15.
9- ينظر العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 31.
10- قوله تعالى: (وَ إِن كُنتُم مَّرۡضَیٰٓ أَوۡ عَلَیٰ سَفَرٍ أَوۡ جَآءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآئِطِ أَوۡ لَٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَٱمۡسَحُواْ بِوُجُوهِكُمۡ وَ أَيۡدِيكُم) سورة المائدة: 6 .

الوضوء باللّبن، قال علیه السلام: «لا، إنّما هو الماء و الصّعيد» (1). و أنّ الطهارة حكمٌ شرعيّ فيقف تحصيلها على الشرع، و المقطوع به منه الماء المطلق، و إنّ مَنعَ المُحدِث من الدّخول في الصلاة شرعيٌّ فلا يزول حكمه قطعاً إلَّا بالطهورين.

و خبر النبيذ (2) متروك (3) أو مؤول (4)، و كثرة الأخبار الآمرة بغسل النجاسات بالماء كخبر الحلبي في بول الصّبي (5)، و رواية الحسن ابن أبي العلاء عن البول يُصيب الجسد (6)، و ما قال النَّبيّ صلّی الله علیه و آله لأسماء، و غيرها (7) تقضي باختصاص رفع الخَبَث به أيضاً، فلو كانت الطهارة تحصل بغير الماء كان التخصيص ضيقاً و حرجاً ينفيه الشرع، و لما أسقط الغسل الإمام عند فقدان الماء كما في صحيحة الحلبي: عمّن أجنب بثوبه و ليس معه ثوب غيره، قال علیه السلام: «يُصلّي فيه، فإذا وجد الماء غسله» (8). و لا يعارضها روايات الغسل مطلقاً (9)؛ لأنّ المتبادر فيها الغسل بالماء المطلق، مع أنّ الإضمار خيرٌ من المجاز (10)، فإنّا لو عملنا بالمقيّد لزم الإضمار في المطلقات دون العكس؛ للزوم التجوّز في المقيّد بالحمل على النّدب بلا داعي له، على أنّ

ص: 235


1- الطوسي، الاستبصار: 1/ 14 ح26.
2- الكليني، الكافي: 6/ 417.
3- السيد المرتضى، الناصريات: 76؛ المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 82؛ العلّامة الحلي، الرسالة السعدية: 86.
4- المحقق الشيخ محمد العاملي، استقصاء الاعتبار: 1/ 138؛ نعمة الله الجزائري، كشف الأسرار: 2/ 164.
5- الكليني، الكافي: 3/ 56 ح6.
6- الكليني، الكافي: 3/ 20 ح7.
7- مسند أبي يعلى: 3/ 198 ح1629؛ البيهقي، السنن الكبرى: 1/ 11 ح 15، 16.
8- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 86 ح 155.
9- الكليني، الكافي: 6/ 503 ح38.
10- مبادئ الوصول إلى علم الأصول: 75، 76.

ملاقاة المائع للنجاسة تؤثِّر فيه، و المتنجّس لا يزيل النّجاسة، و قليل الماء خرج بالإجماع (1) و ما لا يقوى على رفع النجاسة عن نفسه لا يرفعها عن غيره.

و في قوله تعالى: (و َأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) (2)، و قوله تعالى: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ) (3)، و قوله علیه السلام: «كيف يطهر من غير ماء» (4) كفايةٌ.

فإنّ الآية دلّت على أنّ الغرض من تنزيل الماء التطهير، و هو يدلّ على انتفاء التطهير عند انتفائه، و أيضاً الغاية إنّما تدعو الحكيم إلى فعل ما يحصّلها إذا لم يكن حاصلاً بدون فعله و لم يكتفِ عنه بغيره و إلَّا كان الفعل عَبثاً لا يليق بالحكيم، مع أنّ قصر الحكم على الماء في مقام الامتنان يدلّ على انحصار المطهّر فيه، و حيث إنّ الراوندي في فقه القرآن نقل إطباق المُفسِّرين على أنّ المراد برجز الشيطان أثَر الاحتلام (5) يكون الاستدلال بها على رفع الحَدَث و الخَبَث، فيسقط احتمال أنّ الامتنان يحصل برفع أحدهما، كذا ذكر الأُستاذ رحمه الله (6).

و عندي أنّ الامتنان في تعميم المزيل أكمل من الحصر في البعض، لكن ما مرّ مضافاً إلى الأصل و استصحاب النجاسة المقطوع رفعها به دون غيره تقيّد إطلاقات أوامر الغسل لو سلّم عدم ظهورها في كونه بالماء المطلق إمّا بالوضع أو الانصراف، و مع هذا فقد ذكر غير واحدٍ حُججاً للسيّد رحمه الله على ما ادّعاه.

منها: إنّ الأصل جواز الإزالة بكلّ مُزيل للعين، فيجب عند الأمر المطلق جوازه

ص: 236


1- ينظر العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 21.
2- سورة الفرقان: 48.
3- سورة الأنفال: 11.
4- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 3/ 453 ح7.
5- الرّاوندي، فقه القرآن: / 69. نقل الاطباق أيضاً في الخلاف: 1/ 490؛ الطبرسي، المؤتلف: 1/ 170؛ العلّامة الحلي، منتهى الطلب: 3/ 180.
6- الشيخ الأنصاري، المكاسب: 1/ 84.

تمسكاً بالأصل (1).

أجاب في المعتبر عنه بالمعارضة بأصالة المنع عن الدّخول في الصلاة، و نظّر به في الشّرح المرتضى للأستاذ رحمه الله (2)، و عسى أن يكون وجهه أنّ مرجع أصالة المنع إلى أصالة التوقيفيّة في العبادات أو الأحكام الشرعيّة، و هي ضعيفةٌ؛ لما تقرّر في محلّه من جريان أصالة البراءة، و يحتمل قويّاً أنّ المراد بالأصل المزبور هو استصحاب عدم جواز الدّخول في العبادة الثابت قبل استعمال المضاف، فالمعارضة بيّنة .

نعم، بناءً على حكم المُزيل على المُزال لا معارضة، بل يتعيّن العمل بالثاني، و لعلّه وجه النّظر.

و منها: الإجماع، نقله عنه جماعة (3) و منعه عليهما آخرون.

و منها: إطلاقات الأمر بالتطهير و الغسل نحو: (وَ ثِيَابَكَ فَطَهِّرۡ) (4).

و الجواب يفهم ممّا مرّ من وجود المقيّد لمثل هذه الإطلاقات، فهي قاصرة الدلالة على المدّعى؛ لظهور حصر التطهير بغير المضاف في بعض الأخبار كما ورد في تطهير الأواني و غيرها (5)، و الظاهر أنّ الآية واردة في مقام إيجاب التطهير لا في كيفيّته.

لكن ما في الشرح المرتضى للأستاذ رحمه الله (6) من التمسك بترك الاستفصال فيما قضى بوجوب صرف ف الماء الذي يرفع الحَدَث بوجوب إزالة الخَبَث به، و الفرض حينئذٍ التيمّم في تقييد المطلقات المذكورة مشكل؛ لأنّ ترك الاستفصال دون الإطلاق اللّفظي الغير الناهض بالعموم في مثل المقام المسوق فيه الكلام لبيان حكم آخر، و هو وجوب تقديم رفع الخَبَتْ

ص: 237


1- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 83؛ الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 296.
2- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 296.
3- ينظر العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 277.
4- سورة المدثّر: 4.
5- كالمرآة.
6- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 287.

على رفع الحَدَث لمكان البدل، و العمدة في منع العموم هو الانصراف أو الوضع؛ لسهولة المناقشة في غيره، و كأنَّ السيّد تنبّه لذلك فمنع الانصراف بجواز إزالة الخَبَث بماء الكبريت و النفط (1)، و غاية ما دفع به أنّه خرج بالإجماع فيقتصر على مورده.

و فيه إمكان دعوى السيّد بما ذكر إنّما هو لبيان استفادة حكمه من تلك الإطلاقات و لو بمعونة القرينة الخارجيّة التي هي بمنزلة رفع المانع الذي هو الظهور فيها، فإنّ ثبوت حكم المطلق لبعض الأفراد النادرة يجري مجرى القرينة الصّارفة عن ظهور المطلق في الأفراد الغالبة، كوجود القرينة الصّارفة للمشترك الشائع في أحد معنييه، فإنّه سبب لحمله على غير الشائع، فإذا امتنع حمل المطلق على الغالب لجهة شموله النادر من أفراده لزم و تعيّن حمله على الطبيعة الكلّيّة.

و قال الأستاذ رحمه الله: إنّ شمول المطلق أو حكمه لبعض الأفراد النادرة لا يوجب التّعدي إلى غيره منها (2)، انتهى.

و توضيحه: أنّ شمول المطلق لبعض الأفراد نظير ثبوت حكمه بالإجماع في عدم اقتضاء التعميم لجميع الأفراد النادرة لجهة أنّ المطلق - على ما هو الحقّ - موضوع للطبيعة المهملة لا المطلقة، فيتوقّف عمومه لأفراده و عدمه على بيان المتكلّم و لو بالتعويل على القرائن العامّة كالشّيوع و الغَلَبة، فإنْ لم يكن شيوع قاضٍ بالانصراف حمل على الإطلاق، و إلّا حمل على الشائع من باب تعذّر (3) الدّال و المدلول، و هو لا ينافي قيام قرينة أُخرى على إرادة بعض الأفراد النادرة أيضاً نظير مجيء التقييد للمطلق مرّتين، فإنّه شائع.

لكن هذا إنّما يتمّ لو كان عدم إرادة الأفراد النادرة من المطلقات الشائعة من جهة الأصل لا من جهة قيام القرينة مثل الشيوع على تعيين غير النّادر منها، فإنّ حمل المطلقات على الأفراد الشائعة و الأخذ بما انصرف له المطلق من باب العمل بالقَدْر المتيقّن من أفراد المطلق،

ص: 238


1- السيد المرتضى، الناصريات: 106.
2- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 45.
3- كذا في المخطوطة، و لعل الصحيح: (تعدد).

و أمّا على تقدير كونه من جهة قيام القرينة، و هي الشيوع، على إرادة ما سواها، فلا مناص عن الالتزام بالإطلاق عند قيام الدليل على شمول المطلق بعض الأفراد النادرة؛ لعدم جواز إرادة فردين من المشترك المعنوي في استعمال واحد، فالجمع بين شائع الأفراد و نادرها في استعمال واحد لا يتيسّر إلّا باعتبار كونهما فردين من المراد لا كونهما مُرادين على وجه الخصوصيّة، و الالتزام بذلك في المقام مشكل؛ لارتكاب إمّا المجاز أو النقل فيه.

و منها: إنّ الغرض من الطهارة إزالة عين النجاسة.

و فيه منع كفاية زوال العين في طهارة الثوب و غيره، و إلّا للزم الاكتفاء بجفاف البول عن تطهيره، و الزوال الحسّي لا يزيل حكمها الشّرعي.

و منها: رواية غياث بن إبراهيم عن عليّ علیه السلام: «لا بأس أن يغسل الدّم بالبصاق» (1). و حسنة حكم الصّيرفي: «في مَن أصاب يَده بول فمسحه بالحائط و التّراب ثمّ يعرق يَده فيمُسّ بها وجهه و غيره، قال: لا بأس» (2).

و ردّهما: ضعفُ الأُولى و إطّراحُ الثانية على أنّه لا تنصيص فيهما على الطّهارة، فالحقّ ما ذهب إليه المشهور.

(وَ يَنجسُ) (المضافُ) كغيره من المائعات و الجوامد الرّطبة (و إن كثُر) حتّى بلغَ أكراراً (بالاتّصال) بنجس (3) أو متنجّس و إنْ قَلّ؛ لأنّ الكثرة غير عاصمة في غير الماء المطلق، و سواء تغيّر أحد أوصافه أم لا، وَرَدَ على النجاسة أم وردت عليه، إلّا على رأي السيد رحمه الله فلا ينجس إذا كان وارداً عليها، كذا ذكر في كشف اللّثام (4)، و نُوقش بجواز كون النجس مطهّراً فلا قاضي بطهارته كحَجر الاستنجاء و نجاسة الغسالة في رأي (5)، و يمكن حمله بابتنائه على

ص: 239


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 425 ح1350.
2- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 21.
3- و في المصدر: (بالنجس).
4- الفاضل الهندي، كشف اللثام: 1/ 283.
5- النجفي، جواهر الكلام: 5/ 137؛ الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 238.

طهارتهما أو خصوص ماء الاستنجاء.

و الحاصل: إنّه ينجس كذلك (إجماعاً) منّا منقولاً في لسان جمع كابن إدريس (1) و الفاضل في المنتهى (2) و التذكرة (3) و الماتن في الذكرى (4)، و في المعتبر: هو مذهب الأصحاب (5)، بل و محصّلاً كما ذكره الأستاذ رحمه الله (6) مستفاداً من مضامين بعض الأخبار القاضية بنجاسة كلّ مائع لاقى نجاسة ممّا هو متفرّق في أبواب النجاسات، و إن لم يرد بعضها في خصوص المضاف، لكن الظاهر بل المحقَّق أنّ الذوبان و الميعان علّة للتأثّر فيجري الحكم في الذائب مطلقاً.

كما أنّ مورد هذه الأخبار و إن كان ظاهراً في القليل، لكن الظاهر منها أنّ علّة الانفعال هي ملاقاة المائع للنّجاسة مطلقاً، و قد أشرنا قبل إلى أنّ المستفاد من اعتصام المطلق الكثير أنّ الكرّية عاصمة فيه عن الانفعال، و لولاها لأثّر المقتضى أثره و لو كان كثيراً؛ لوجود مقتضي الانفعال فيه و إلّا لما استند عدم انفعاله إلى الکُرية المانعة منه، و متى استند عدم الشيء إلى وجود مانعه قضى بوجود مقتضيه، و منه يظهر أنّ حصر دليل نجاسة المضاف الكثير بالإجماع فقط كما في رياض الطباطبائي (7) و غيره (8) غير سديد، فإنّه و إن لم يقم عليه دليل من حيث كونه مضافاً لاقى نجساً، لكنّه من حيث كونه جسماً رطباً لاقى نجاسة فينجس ممّا قضى به الدّليل (9) غير الإجماع.

ص: 240


1- ابن إدريس، السرائر: 1/ 59.
2- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 22.
3- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 5.
4- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 71.
5- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 84.
6- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 45.
7- الطباطبائي، رياض المسائل: 1/ 173.
8- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 84؛ العلّامة الحلي، منتهى الطلب: 1/ 22، تذكرة الفقهاء: 1/ 5.
9- ينظر النجفي، جواهر الكلام: 6/ 282.

و في شرح المفاتيح (1) إنّ المفهوم من الأخبار هو كلّية ما ذكرنا، و لعلّ مخصّص البرهان بالإجماع لا ينكره، نعم هذه الكلّيّة لا تقتضي أزيد من الحكم بنجاسة موضع الملاقاة، و أمّا نجاسة المجاور لها من الأجزاء فيجب فيه التماس دليل آخر، فإنّ الكلّيّة غير ناهضة بإثبات عموم المدّعى قليلاً كان الملاقي من المضاف أو كثيراً، و هو مبنيٌّ على سراية النجاسة في غير اليابس لجميع أجزاء الملاقي و عدمها، و قد سبق لنا كلام في ذلك فراجع.

و كأنَّ المفهوم من جميع كلماتهم هنا و فيما سبق هو السراية مع تساوي السطوح أو انحدار الطّاهر مطلقاً و عدمها مع علوّ الطّاهر على النجس مطلقاً أيضاً.

و بروض جنانه: أنّ السّراية إلى العالي لا تعقل؛ إذ السراية تستدعي حركة الساري و الحركة إلى جهة العلوّ ممتنعة (2).

و تأمّل في الأمرين جماعة، للأوّل فحوى أدلّة انفعال الماء القليل بضميمة عدم الفرق بين قليل المضاف وكثيره، و الأمر بصبّ الإناء إذا ولغ الكلب فيه من غير تفصيل بين المطلق و غيره؛ إذ لولا السّراية لأمر بالاجتناب لموضع الملاقاة، أو لفصّل علیه السلام، بينما لو حصل فيه الاختلاط و عدمه نحكم بالصّب في الأوّل، و مثله ما قضى بوجوب الاجتناب عن الأسآر النجسة مطلقاً، و لم يخص الاجتناب بموضع الملاقاة، لكن ما في الرياض (3) و غيره (4) من الاستدلال بروايتي الإهراق (5) لعلّه لا يظهر منها السراية للغليان الباعث إلى الاختلاط، كاختصاص الاستدلال بهما على انفعال قليل المضاف لظهور قلّة ما في القدر، و هو مع وصف السائل له بالكثير الظاهر منه فوق الکُرية أنّ بعض القدور ممّا يزيد على الكُرّ جزماً.

ص: 241


1- الكاشاني، مفاتيح الشرائع: 16.
2- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 369. بتفاوت.
3- الطباطبائي، رياض المسائل: 1/ 144.
4- المحقق الحلي، الرسائل التسع: 218؛ العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 248؛ الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 105.
5- الكليني، الكافي: 3/ 10 ح6.

و كذا ما دلّ على إراقة السّمن و الزّيت إذا وقع فيهما الميتة، فإنّ اللازم على تقدير عدم السراية تخصيص المنع بموضع الملاقاة، و أمّا ما في المعتبر (1) و غيره (2) من الاستدلال على السراية باقتضاء الملاقاة النجاسة مطلقاً، و الكرية مانعة، و أنّ المائع قابل للنجاسة، و هي موجبة لنجاسة ما لاقته، ثمّ تسري النجاسة بممازجة المائع بعضه مع بعض أداءً لحقّ التركيب الحقيقي بين الأجزاء في الجسم الصّقيل فممنوعٌ في أنّ ذلك إنّما يقضي في تأسيس كليّة نجاسة الأشياء الرّطبة بالملاقاة، و أين هو من إثبات السراية في المائعات لباقي الأجزاء غير الملاقي.

نعم، في هذا الكلام دلالة واضحة على أنّ تلك الكلّيّة من المسلَّمات، و السراية محتاجة إلى الدليل، كيف و من أراد إثباتها ألزمه دعوى أنّ كلّ جسم واحد متّصل و ليس له أجزاء عديدة إذا لاقى أحد جوانبه نجاسة فهو نجس كلّه، و هذا ممّا لم يرد به نصّ و لا إجماع، مع أنّ الرّطوبة المقتضية للتأثير موجود في بعض الجوامد كالدّهن و الدّبس إذا جمدا، و لا قائل بنجاسة غير الملاقي للنجاسة من أجزائها.

و بشرح الأستاذ (3): أنّ المتلاقي من الجزئين سطحاهما لا تمامهما، فأحد السطحين غير ملاقٍ للنجس، فلا وجه لنجاسته، و هو حسن؛ لبطلان الجزء الذي لا يتجزّأ عقلاً، لكن لمّا كان الحاكم بالتركيب و عدم التجزّي في المقام هو العُرف، و ليس للماء في نظرهم سطحان أحدهما ملاقٍ دون الآخر، بل يحكمون بنجاسة جميع الأجزاء بعد حكم الشارع بنجاسة الملاقي من غير تدريج بين انفعالات الأجزاء، أشكلَ عليه الأمر فدفع ذلك رحمه الله بأنّ هذا رجوع إلى حُكم العرف بتنجّس الجسم و إن لم يلاقِ النجاسة إلّا بعضه، و لا حاجة معه إلى دعوى السراية.

و هذا الكلام غير متين؛ إذ المحصّل من كلماتهم و لو بمساعدة العرف هو نجاسة مجموع الجسم للسراية ليس إلّا؛ لرقّة أجزاء الجسم و لطافتها، و إلّا لأشكل الفرق بين المائع و غيره،

ص: 242


1- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 104.
2- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 177، منتهى المطلب: 1/ 175.
3- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 114.

و كأنّ منشأ حكمهم هو الكلّيّة المستفادة من الأخبار بسراية حكم النجاسة في المائع، فيرجع إليها حينئذٍ في مورد الشكّ، ورهو معنى أصالة السراية، و يلغو البحث في أنّ ذلك عموم سببيّة الملاقاة أو من جهة سببيّتها في جزء و التعبّد في آخر.

و في الجواهر (1) التشكيك في الأصل المزبور طوراً بالنقض بالجامد الملاقي، و أُخرى بالرّجوع إلى الإجماع لا أصالة السراية.

و فيه: إنّ المستفاد من الأخبار خصوص السراية في المائع مطلقاً و إن ذكر فيها موارد خاصّة، و هو مستند الإجماعين في المائع و الجامد، و لعلّ الميعان هو الفارق في نظر الشارع، و التنجس بالملاقاة حكمٌ شرعيّ يتبع مورده.

ومن الغريب قوله في توجيه أصالة السّراية: إنّه لعلّه للصدق عليه أنّه لاقى نجساً، و إن لاقاه بعض أجزائه، فما دلّ على نجاسته بمجرّد الملاقاة يشمله، فإنّه لا معنى للتعبّد به بمجرّد الصدق المزبور و تحكيم الأصل بمجرّده (2).

بل نقول: أصالة السّراية في المائع المستفادة من الأخبار معناها عدم الحكم بعد الملاقاة بطهارة جزء منه إلّا بدليل مخرج.

و للثاني و هو عدم انفعال العالي من المضاف مطلقاً بملاقاة الأخفض منه للنجاسة الإجماعُ الجاري في لسان فحول العلماء (3) في عموم المائعات بل و خصوصه و مع ذلك فقد شكّك فيه بعض فضلاء المتأخِّرين (4) فاحتمل سراية النجاسة إلى العالي في خصوص المضاف، و نسبه إلى بعض فضلاء عصره، نظراً إلى إطلاقات الإجماعات المستفيضة في نجاسة المضاف

ص: 243


1- النجفي، جواهر الكلام: 1/ 135.
2- النجفي، جواهر الكلام: 1/ 135.
3- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 85.
4- المحقق النراقي، مستند الشيعة: 1/ 133.

قليلاً أو كثيراً، و عدم تحقّق الإجماع المدّعى في المقام (1)، و لا القطع الذي في المدارك (2)، و لا عدم المعقوليّة التي في الروض من المصنف (3)، و أمّا الإجماعات المطلقة على عدم انفعال العالي بانفعال السافل فمُنزّلة على الماء المطلق، و كون العِبرَة بعموم اللّفظ لا خصوص المحلّ فيهما لو كان في الكلام شيء من ألفاظ العموم لا المطلق، مع أنّ المعرّف بلام الجنس إذا كان قابلاً للعهد يشكل حمله على الإطلاق، و أنّ تعليلهم بلزوم عدم جواز إزالة الخَبَث بالماء القليل، و هو حرج منفيّ، لو انفعل العالي بسافله ممّا يؤيّد انصراف تلك الإطلاقات إلى الماء المطلق، و بعدَ الغَضّ فهي معارضة بالإجماع على تنجيس المضاف مطلقاً بالملاقاة (4)، و هو أقوى دلالة؛ لسلامته عن جميع ما ذكر.

و لا يقال: إنّ المتيقّن من دلالة الإجماعات هو نجاسة الجزء المتّصل بالنجاسة فقط، فإنّ الناظر في بعض الفتاوى التي هي مَدْرَك لدعوى الإجماع لا ينكر التعميم فيها لبعض الجهات غير الجزء الملاقي، فلا مسرح لدعوى الإهمال و عدم الإطلاق، و عبارتها هنا ظاهرة إن لم تكن صريحة بما قلنا، و إجماع روض الجنان ضعّفوه (5) بعدم العثور على الموافق لا ممّن تقدّمه و لا ممّن عاصره غير سبطه.

و الظاهر أنّ المسألة في قالب الإشكال و إن جعلها في الدّرة (6) و المصابيح (7) من المجمع

ص: 244


1- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 136؛ البهبهاني، مصابيح الظلام: 5/ 296؛ المحقق التستري، مقابس الأنوار: 79.
2- السيد العاملي، مدارك الأحكام: 1/ 45.
3- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 136.
4- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 127؛ الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 360؛ الخوانساري، مشارق الشموس: 262.
5- البحراني، الحدائق الناضرة: 1/ 416؛ النجفي، جواهر الكلام: 1/ 326.
6- السيد بحر العلوم، شرح الدرة: 6.
7- السيد بحر العلوم، مصابيح الأحكام: 1/ 272.

عليها على الطّهارة فيها، و الاُستاذ بشرحه (1)، مضافاً إلى تلك الإجماعات استظهر ذلك الحلّي (2) و المحقّق (3) و الفاضل (4) حيث ساووا بين المطلق و المضاف في نجاسة الملاقي بمقتضى الدليل، لكن الضرورة و الحاجة فرّقت بينهما بطهارة الأوّل دون الثاني، و قضيّة المساواة توجب عدم انفعال العالي فيهما سواء.

ثمّ حكمَ رحمه الله بعدم السراية جازماً بذلك، و لعلّه الأوفق بسهولة الشّريعة؛ إذ بعد البناء على تعارض الإجماعين و تساقطهما، أو البناء على عدم صحّة الإجماع المنقول مطلقاً، أو بشرط العراء عن وصف الظنّ، لا يبقى دليل على النجاسة مطلقاً فيه، فإنّه ليس في الأدلّة ما يقضي بانفعال العالي من السافل كخبر الولوغ (5) و أدلّة نجاسة الأسآر (6).

و كذا الأخبار (7) الخاصّة التي أمرت بالتجنّب أو الإراقة؛ لاختصاصها بالمائع الوارد عليه النجاسة لا مطلق المائع، و نحوها دليل السراية (8)، فسقوطه أوضح، إذ مرجعه إلى نحوٍ من أنحاء الحركة، و مع وجود العائق من حيث العلوّ مطلقاً، أو مع التدافع و الجريان، كيف تحصل تلك الحركة! و له يرجع كلام الرّوض (9)، فقول المُنْكِر من عدم استلزام السراية إلى الأعلى قبحاً و محالاً عقليّاً سيّما مع كون الطّهارة و النجاسة من الأمور التعبّديّة التي لا مَسْرَح للعقل فيها، إن كان مبنيّاً على إنكار أصل السّراية فله وجه، و إلّا فقد عرفت الاستحالة،

ص: 245


1- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 123، 124.
2- المحقق الحلي، الرسائل التسع: 53.
3- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 81.
4- العلّامة الحلي، أجوبة المسائل: 62.
5- الطوسي، الاستبصار: 1/ 19 ح40.
6- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 225 - 242؛ أبواب الأسآر.
7- الطوسي، الاستبصار: 1/ 25 ح63.
8- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 158 أبواب الماء المطلق.
9- الشهيد الثاني، روض الجنان: 360/1.

و حينئذٍ فليس لأصالة الطهارة في العالي معارض سوى الإجماع (1) المنقول على نجاسة المضاف بالملاقاة مطلقاً، و في شمولها لما ذُكر منع؛ لعدم ورودها إلّا في بيان أصل نجاسة المضاف لا في كيفيّته، لا أقلّ من الشك، فيرجع فيه إلى الأصل، و يكون سند المنع ما ذكروه من عدم السراية في الماء المطلق (2) من غير أن يستندوا إلى نَصِّ أو دليلٍ مختصّ به فيجري مجرى المخصّص.

و خيال أنّ النسبة بينهما عمومٌ من وجه لا وجه له؛ لأنّ الحكم بعدم السراية هناك مقرون ببعض ما يعلم أو يظنّ التعميم، فإنّ عباراتهم (3) صريحة في الماء المطلق بأنّ المانع من السّراية نفس العلوّ من غير مدخليّة لخصوص الماء، كاحتمال أنّ الحكم هناك للزوم الحرج، و لظهور أدلّة الغسل بالماء القليل، إذ لو كان كذلك لما حكموا بطهارة غير الممتزج من الجاري المتغيّر إذا كان فوقه، دون ما انحدر المتغيّر إليه، فإنّهم يرون نجاسته وليس فيه شيء من

الأمرين.

و أمّا حكاية التعميم في إجماعات النجاسة في المضاف أو بعض الجهات مثل عدم الفرق بين قليله و كثيره فهو قرينة على عدم الإهمال فيها نظير الاستثناء الذي هو دليل العموم، فموهونة بأنّ التعميم إلى بعض الجهات لا ينافي الإهمال من جهة أخرى، أو إنّ الغرض من التعميم المزبور بيان مغايرة حكم المطلق للمضاف في ما ذكر، فلا شهادة فيه على شموله للمفروض، بل إنّ اقتصارهم في شموله لبعض الجهات دون بعض أقوى شاهد على تساوي حكم المضاف و المطلق فيما لم يذكروه من الجهات، فلو كان بينهما مغايرة في مسألة انفعال العالي لنصّوا عليه كما نصّوا على غيره ممّا يمتاز به المضاف عن المطلق، بل هو أحوج للبيان بعد أن فرّقوا في المطلق بين العالي و السافل، و عسى أن يكون تركهم لذلك هنا من أقوى الأدلّة على إيكاله على ما ذكروه في الماء المطلق.

و الحاصل: لا يتّهم الشهيد في دعوى الإجماع بعد كونه اعترف بمذاق مشايخه، فكيف

ص: 246


1- ينظر الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 122.
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 143 أبواب الماء المطلق.
3- ينظر الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 301.

يزعم أن لا موافق له غير سبطه؟

ثمّ إنّ القَدْر المتيقّن من العالي الذي لا ينفعل هو ما كان له جريان و تدافع، و أمّا غيره ممّا تختلف سطوحه و هو واقف، فظاهر كلماتهم و إطلاق العلوّ يقضي بطهارة العالي مطلقاً، و يشهد لذلك أنّ غير واحد (1) اعتبر في التقوّي و السّراية الوحدة العرفيّة في الماء المطلق، و قضيّة ذلك بناءً على عدم الفرق بين المضاف و المطلق القليل هو اختصاص الانفعال في مطلق السّطوح بمحل التغيّر.

لكن صرَّح شيخ أساتيدنا رحمه الله بشرحه أنّه لا إشكال بالانفعال مع وقوف العالي عن السافل من غير جريان، بل نفى الخلاف فيه و في المطلق أيضاً إذا كان كذلك، إلى أن قال: و الاحتياط لا ينبغي تركه في موارد الاشتباه في العلوّ المعتدّ به (2)، انتهى.

و الذي يقوى في نفسي هو طهارة العالي من الجاري المتدافع فيهما دون الواقف الملاقي بأنواعه فينجس حينئذٍ لعموم دليل الانفعال (و طهره) عندهما حيث ينجس بعد الفراغ من قبوله للتطهير مقصورٌ على ما (إذا صار) (ماءً) (مطلقاً) (مع اتّصاله بالكثير المطلق) سواء كانت الصيرورة مقارنة للاتّصال أو بعده أو قبله إذا لم يقو المضاف على التنجيس له لكن (لا مطلقاً) على ما هو الظاهر من إطلاق الماتن هنا. و في البيان و الدروس (3) فلو اتّصل بقليل المطلق نجس الجميع إلّا على رأي مَن (4) يرى الطّهارة في الماء إذا تمّم كُرّاً و إن كان نجساً، و منه يظهر أنّ المضاف إذا كان قَدْر كُرّ فصار مطلقاً بنفسه أو بعلاج طهر على ذلك الرأي.

و أمّا عندنا فلا يطهر مطلقاً؛ لاستصحاب حكم النجاسة التي لم نقطع بمطهّر شرعيّ [لها]، و لا يجدي انقلابه إلى المطلق في التطهير؛ لعدم تعلّق النجاسة بالاسم فيه فتزول بزواله،

ص: 247


1- المحقق السبزواري، ذخيرة المعاد: 1/ 118؛ البحراني، الحدائق الناضرة: 1/ 337.
2- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 47.
3- الشهيد الأول البيان 95، الدروس: 1/ 118.
4- ابن إدريس، السرائر: 1/ 22.

و بذا يفرّق بين نجس العَين و المتنجّس، خلافاً لابن فهد (1) حيث حكم بطهارة الماء النجس إذا استحال ملحاً، بدليل أنّ نجاسة الماء تقصر عن الكلب فهو أَولى بالطّهارة، و الأولوية ممنوعة بأصالة بقاء الأثر إلى أن يظهر المزيل له أو يقوم دليل على أنّ الاستحالة مطهّرة مطلقاً، أو یتبع المنصوص فيها، و الإطلاق لم يثبت، كما أنّه لا يكفي في تطهيره مجرّد اتّصاله بالكثير المطلق (على) (القول) (الأصحّ)، بل لا بدّ من صيرورته مطلقاً مع ذلك، وكأنَّ نظرهما إلى أنّ المعتبر في تطهير المائع النجس مطلقاً أن يصيب المطهّر كلّ جزء من أجزاء النّجس مع قهره له، و متى كان المضاف باقياً على إضافته يحصل العلم أو الشكّ في عدم قهر الماء له، و أيضاً لو شاع المضاف في المطلق و لم يصر مطلقاً أخرجه عن كثرته؛ لانفصال أجزائه، فتنجّس بالملاقاة و لا تبقى على وصف الكثرة.

و بالجملة، أنّه متى متی انقلب إلى الإطلاق كفى اتّصاله بالكثير المطلق كحال سائر المياه القليلة النجسة، و في اعتبار الامتزاج هنا، أو علوّ المطهّر الكلام المتقدّم.

و لمّا كان أصحّ الأقوال عندهما في تطهيره ذلك قال الشارح رحمه الله: (و مقابله) قولان: أحدهما: (طهره بأغلبيّة الكثير المطلق عليه و زوال أوصافه) و طريق مقابلته (2) إمّا لجهة اشتراط الأغلبيّة في ما يكفي فيه الاتّصال من دون أغلبيّة، فكأنّ القائل اعتبر شرطاً زائداً على الأصحّ، فهو مقابل باعتبار الجزء الثاني، و هو كفاية مجرّد الاتّصال بعد صيرورته مطلقاً، فضمير أوصافه راجع للمضاف، و هو محتمل لزوال أوصاف النجاسة التي فيه و إن بقيت أوصافه الذّاتيّة أو لهما معاً، فيرجع للقول الأصحّ؛ لاستلزام زوال الوصفين معاً صيرورته مطلقاً، و عود الضمير إلى المطلق هنا و إن احتمل، لكنّه مقطوع بعدمه، و على فرضه يكون المعنى زوال أوصاف المطلق التي لا يزول بها إطلاقه، لكنّ المزج غيّره في الجملة، و تمحّله ظاهر.

و تبقى المقابلة حينئذٍ بنفس الأغلبيّة المفقودة في مختاره، و الأخير أظهر.

ص: 248


1- ابن فهد، الرسائل العشر: 60.
2- النجفي، في جواهر الكلام: 1/ 328.

و إمّا لجهة عدم الملازمة - كما ذكر - بين زوال الأوصاف و بقاء الاسم، فالمقابلة للمختار من حيث زوال الأوصاف و إن بقي الاسم، و للأخير باشتراط الأغلبيّة مع الاتّصال المفهوم منها زيادة المطلق عليه، فلا يكفي في التطهير نقصان المطلق عنه و إن كان كُرّاً، و لا تساويهما إذا اتّصلا كما يكفي في القول الثالث.

و ربّما فرّق بين المختار و بينه بعود الضّمير للمضاف لكن بحيث لو اجتمعت أجزاؤه و انفرد عن المطلق رجع إلى الإضافة، و حين انفراده لو اتّفق طهر على قول الشيخ (1) و نجس على مختارنا؛ لعدم انقلابه إلى الإطلاق و إن كان حين المزج يصدق عليهما الماء المطلق، و عليه لا يتمّ الدفع، فتأمل.

(و) ثانيهما: (طهره بمطلق الاتّصال به و إن بقي الاسم) على المضاف، و المقابلة بيّنة، و علّل بأنّه لا سبيل إلى نجاسة الكثير إلا تغيّره بالنجاسة و لم يحصل، و إذا كان باقياً على الطَّهارة لزمه أن يطهّر ما خالطه؛ لعدم تبعّض الماء الواحد بالطّهارة و النجاسة.

(و يدفعهما) جميعاً (مع أصالة بقاء النجاسة) في الثاني فحسب، أو فيهما باعتبار رجوع قوله: (و ان بقي الاسم لهما معاً)، (أنّ المطهّر لغير الماء) من سائر الأجسام (شرطه وصول الماء إلى كلّ جزء من النجس) ، و ذلك يتحقّق في المضاف إذا زال اسمه و إن بقيت أوصافه، (و ما دام مضافاً) فإنّه (لا يتصوّر وصول الماء إلى جميع أجزائه النجسة، و إلّا لما بقي كذلك، و سيأتي له تحقيق آخر في باب الأطعمة و الأشربة) إنْ شاء الله تعالى.

و دفع الأخير به جَليّ. و أمّا الأوّل على الاحتمال الأخير فكذلك، و على الأوّل يكون دفعه بالجزء الأوّل من الدفع، و هو اشتراط وُصول الماء إلى كلّ جزء من النّجس، فإنّ وصوله كذلك ممكن بلا اشتراط الأغلبيّة في المطهّر هنا.

و في الجواهر بعد نقله عبارة المصنّف قال: و لا يكاد يفهم أنّه كيف يدفع ما ذكره مقابلاً أوّلاً.

نعم، هو متّجه على الثاني منها؛ ضرورة أنّ ما جعله أوّلاً مقابلاً هو قول الشيخ في

ص: 249


1- ابن إدريس، السرائر: 1/ 22.

المبسوط كما نقله الشهيد في الذكرى، و الثاني أحد قَولَي العلّامة، و ما ذكره في اللُّمعة هو قولٌ آخر له أيضاً، و قد عرفت أنّ الشيخ يشترط بقاء الاسم و ذهاب أوصاف المضاف على وجه يزول اسم المضاف، و أنّه متى سلب المضاف إطلاق الاسم أو غيّر أحد أوصافه لم يجز، فكيف يتّجه عليه الردّ بذلك (1)، انتهى.

و فيه: - بعد احتمال أن لا يكون القول للشيخ رحمه الله و إن لم نعثر على غير الثلاثة المعروفة - أنّ المفهوم من عبارة الشيخ على اختلاف نسخها عدم كفاية الإطلاق و اعتبار بقاء أوصاف الماء كما كانت، و مرجعه إلى أنّ تغيير الكُرّ بالمتنجّس يكفي في نجاسته و لا يعتبر التغيير بعين النجاسة فقط.

و قد أخرجوا الزّيادة في كلامه مَخْرَج التساهل فَدلّ هذا المعنى على اشتراط أغلبيّة المطلق على المضاف كي لا يكتسب شيئاً من أوصافه الذاتيّة و العرضيّة إذ مع عدمها يمكن اتّصافه بشيء منهما، فدفع الشارح توهّم اشتراطها بأنّ طريق التّطهير بدونهما حاصل، و هو وصول المطهّر إلى تمام الأجزاء و إن اتّصف بصفات المتنجّس، و حينئذٍ فالردّ متّجه، و هو أيضاً فهم من عبارة الشيخ ذلك، و في الردّ أعرض عنه.

[خلاصة الأقوال]

فتلخّص أنّ الأقوال ثلاثة:

الأوّل: للعَلّامة في النّهاية (2) و التذكرة (3) و هو المشهور، و دليله ما مرّ في تطهير القليل مضافاً إلى فحوى ما قضى بعدم انفعال العاصم إذا استهلكت أعيان النجاسة كالبول و الدّم، و كأن ظاهرهم عدم الفرق في ذلك بين الكرّ و ما زاد عليه حتّى نسبوا الشيخ إلى التساهل في اشتراطه.

ص: 250


1- النجفي، جواهر الكلام: 1/ 328.
2- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 257.
3- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 22.

و يشكل في الأوّل؛ لأنّ ملاقاة أوّل جزء منه لأوّل أجزاء المضاف توجب نقصانه و انفعال الملاقي، و متى انفعل انفعل به الباقي؛ لكونه ماءً قليلاً لاقى نجاسة، و لا ينفع الركون إلى نفي البأس عن البول في الحياض، فيستدل بفحواه هنا؛ لعدم معلوميّة أنّ الحياض كذلك لا تزيد عن الكرّ، بل الغالب فيها الزّيادة، ثمّ ما في تلك الأخبار شيء من ألفاظ العموم لتشمل الفرد النادر لو فرض جواز انسحاب حكم العام للنادر من أفراده، فالأقوى الاجتناب عن الكُرّ الواقع فيه مائع نجس أو متنجّس غير الماء القليل المتنجّس.

و الثاني: للشيخ رحمه الله في المبسوط (1)، و في النّسبة إشكال؛ لاختلاف نُسخ المبسوط و اختلاف فهم الأصحاب منها، بل في بعض نسخه عدم الدّلالة صريحاً على المنسوب إليه، فهو ضعيف قائلاً و مقولاً إلَّا إذا رجع إلى المشهور، و أقصى مآله تنزيل المتنجّس مَنْزِلَة النّجس في الحكم و استصحاب بقاء النجاسة في المضاف، و يردّ الأوّل منع عموم المنزلة، و الثاني بقوله علیه السلام: «خلق الماء طهوراً... إلخ» (2). على ما سبق في تقريبه، مضافاً إلى الاستهلاك المغيّر للموضوع.

و الثالث: للفاضل في القواعد (3) و موضع من المنتهى (4)، لكن إطلاق الشارح كنقل الماتن في الذكرى (5) عنه من كفاية مجرّد الاتصال و لو من غير مزج في تطهيره دون مطهريّته تسامحٌ بيِّن؛ إذ المتتبع لكتبه لا يرى لذلك أثراً فيها، بل صرّح باعتبار المزج في القواعد (6) و المنتهى، و في التحرير اعتبر الدّفعة الظاهرة في الامتزاج (7).

فلا يلتئم ردّه باشتراط وصول الماء إلى كلّ جزء من النجس، إذ لا منافاة بين الوصول

ص: 251


1- الطوسي، المبسوط : 1/ 10.
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 127، و قال: و رواه ابن إدريس مرسلاً في أول السرائر و نقل متفق على روايته.
3- العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 1/ 182.
4- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 23.
5- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 71.
6- العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 1/ 182.
7- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 45.

و صيرورة الماء مضافاً، و دعوى الملازمة ممنوعة على الشارح بالضرورة.

نعم، لو أراد بالوُصول الاتّحاد بحيث يقال لهما ماءً واحداً عرفاً تَمَّ الردّ، إذ لا يحصل الاتّحاد هنا إلَّا بعد المزج السالب للإضافة أو الإطلاق، و الثاني مفاده التنجيس دون الأوّل.

و نُخْبَة دليل الفاضل رحمه الله هو سبيّة الكُرية؛ لعدم الانفعال من دون تغيير بالنجاسة، فلا يؤثِّر فيه المضاف و إن أرجعه إليه؛ لقيام السبب المانع، و ليسَ ثَمَّة نجاسة عينيّة معلومة لتقتضي التنجيس.

أُجيبَ (1) بأن الكُريّة من أوصاف المطلق، و قد زال وصف الإطلاق بغَلَبَة أوصاف المضاف عليه، فينفعل و لو بالمتنجّس.

و ردّ (2) بأنّ الملاقاة التي ينفعل فيها هي ما إذا كانت بعد صيرورته مضافاً، و لا نجاسة في ذلك الحال كي تؤثِّر فيه إلّا بالاستصحاب، و هو غير مفيد ؛ لعدم دوران النجاسة مَدارَه، بل هي تدور مَدار الإجماع، و مع عدمه لا يكفي مجرّد الاستصحاب، و هو مفقود هنا، و في جميع هذه الكلمات نظر.

و الوجه هو التمسّك بالاستصحاب مع التسامح في إحراز موضوعه كما هي العادة في سائر المقامات، و لا يتوجّه عليه سوى معارضته باستصحاب طهارة المطلق في أوّل أزمنة الامتزاج الموجب للإضافة فيهما بناءً على عدم تجزّي الماء الواحد في الطّهارة و النجاسة مطلقاً، أو مع المزج و التلاشي، و بعد تساقطهما تسلمُ أصالة الطهارة، فتكون المرجع.

لكن في الشّك الحاصل من تعارض يقينين، الظاهر أنّه يجب الاحتراز عنه كما يجب الاحتراز عن الحَلال المختلط بالحَرام، و لعلّ بينهما فرقاً، و لو سلّم أصل الطّهارة أشكلَ في مفروض عبارة القواعد من إلقاء الكرّ على المضاف النجس؛ لأنّ محلّ المضاف النجس باقٍ على نجاسته، و يلزمه نجاسة ذلك المضاف الذي اُلقيَ الكُرّ عليه.

ص: 252


1- ينظر النجفي، جواهر الكلام: 1/ 323.
2- ينظر الخوانساري، مشارق الشموس: 258.

و أشكل أيضاً فيما لو أُلقيَ المضاف في الكُرّ تدريجاً مع خروج الماء عن الإطلاق قبل إكمال الجزء الأخير، فإنّه مضاف ينفعل بالملاقاة، و الظاهر أنّ نجاسته جميعاً أمرٌ مفروغٌ منه، بل كلام الفاضل في القواعد و المنتهى مخصوص بما إذا أُلقيَ الكرّ في المضاف دون العكس مطلقاً، فلا خصوصيّة للتدريجي.

و نفى الإشكال المرتضى (1) بشرحه عن نجاسة الكثير فيما لو سلب المضاف إطلاقه تدريجاً و إن لم يبق للمضاف عنوان أيضاً كما لو أُلقيَ الدّبس المتنجّس في الكُرّ فغيّر بعضه، نجس جميعاً، إذ الباقي قليل لاقى متنجساً فينفعل كلّه؛ لفقدان الدليل على طهره بمماسّة الكرّ لبعض سطوحه و بنفس ملاقاته له، و المستفاد من الأخبار اعتبار غَلَبَة الماء على النجاسة، و هي مفقودة هنا.

و إطلاق مطهّريّة الماء في الخبر - مع الغَضّ عن سنده - لا ظهور له في كيفيّة التطهير، بل هو إمّا مُجمَل، أو محمول على ما هو المركوز في الأذهان، فإذا بقي المضاف نجساً نجس به الماء الذي سلب إطلاقه بملاقاته؛ لأنه مضاف لاقى نجساً و ينجس به ما بقي من المطلق إذا كان أقلّ من كُرّ.

ثمّ قال رحمه الله: نعم، لو فرض أنّ استهلاك المضاف في الماء المطلق و حدوث إضافته صار دفعةً حقيقيّةً أَمْكَنَ أَنْ يُقال: إنّ المضاف لم يلاق نجساً، بل الكثير بتلاشيه فيه صار مضافاً، و المفروض حدوث الطّهارة بنفس التلاشي؛ لأنّ الكثير لا ينفعل، فالاختلاط سبب للتطهير و الإضافة معاً، و لو شكّ في طهارة المضاف حينئذٍ شكّ في نجاسة الكُرّ، و الأصل عدمهما فيتساقطان و يرجع إلى قاعدة الطّهارة، لكن فرض الامتزاج دفعة ممّا لم يوجد في الخارج، و بدونه لا مناص عن الالتزام بالنجاسة كما ذكرنا، انتهى.

و أقول: إذا حصلت الإضافة في التدريجي بعد وصول الجزء الأخير لا قبله انتفى الفرق بينه و بين الإلقاء دفعة، و دليل النجاسة جارٍ فيهما سواء لا اختصاص له بالتدريجي، و لا بدّ أن يرجع فيهما إلى الأدلّة، فإن قام دليل على اعتصام الكُرّ ما لم يخرج عن الإطلاق لزم

ص: 253


1- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 307.

القول بالطهارة في الصّورتين.

و إنْ قضى الدّليل بنجاسة المائع متى غلب المطهّر مطلقاً، و الاعتبار بغلبة أحدهما نجسَ في المقامين، و لا مسرح فيهما للاستصحاب معاً، و الأحرى أنْ يحكم بدوران النجاسة و الطهارة مَدار تحقّق الإضافة قبل الجزء الأخير و بعده في التدريجي، و حال انقلاب الماء إلى الإضافة بعد الجزء الأخير من الملقى حال الإلقاء دفعة، و إن اختلفا في كون حصول الإضافة مع سلب إطلاق الماء في آنٍ واحد في الدّفعة دائماً دون التّدريج؛ لإمكان حصول الإضافة قبل الجزء الأخير، فلا بدّ فيه حينئذٍ من الحكم بالنجاسة حتّى عند العلّامة؛ لاختصاص كلامه بما لو ألقي الكُرّ على المضاف دون العكس (1).

فمحلّ الكلام بين المشهور و العلّامة فيما لو حصلت الإضافة بين المائين بعد الجزء الأخير من المطهّر في التّدريجي و الدفعة، و المشهور لا يعترفون بالطّهارة، و المرجع حينئذٍ إلى أدلّة التطهير و اعتصام الكرّ، فإن أفادت اعتصامه مطلقاً حتّى لو مازجه النجس و دخل في خلاله أو شكّ في اعتصامه في ذلك الحال اتّجه الحكم بالطّهارة؛ للاستصحاب في الثاني أو الاعتصام في الأوّل، و إن علم منها اعتبار غلبة الماء على النجس في التطهير لزم الحكم بنجاستهما معاً، أمّا المضاف فلعدم الغَلَبة، و أمّا الماء فللملازمة، و لا يجدي الاستهلاك و لو كان دفعة، إذ الاستهلاك إنّما ينفع مع بقاء إطلاق الماء، إذ مع عدمه يشك في ملاقاته للمطهّر؛ لأنه قبل الامتزاج غير ملاقٍ، و بعده لم يبق الإطلاق ليقطع أنّه لاقى ماءً مطلقاً.

و الأستاذ رحمه الله مع اعترافه بفقدان الغلبة هنا كيف يحكم بالدفعة بالطهارة، فالأشهر هو الأظهر؛ لأنّ المستفاد من الروايات اشتراط التطهير بغلبة الماء، و لا يحصل ذلك إلَّا ببقاء

الإطلاق بعد الامتزاج.

و ممّا قرّرنا يظهر سقوط ما ذكره جامع المقاصد (2) من نجاسة محلّ المضاف في صورة إلقاء الكرّ عليه دفعة، إذ الماء كما يطهّر المضاف يطّهر آنيته و محلّه، فإنّه بمنزلة يَد الغاسل

ص: 254


1- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 127، القواعد: 1/ 187.
2- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 133.

و الخشبة و ظروف الخلّ و نحوها في التبعيّة، أو لأنّ امتزاجه بالماء فقط من دون إصابة الإناء ممّا يبعّده الاعتبار، فلا وجه لاختصاص الطّهارة بالمظروف.

و احتمالُ أنّ الحكم بطهارة المضاف إنّما هو للملازمة بين المائين المختلطين بعد الفراغ من اعتصام الأجزاء المائيّة عند العلّامة في جميع الأحوال، و تلك الملازمة مفقودة بالقياس إلى محلّه.

مدفوع بأنّ الملازمة المزبورة دليل إنّي على وجود علّة طهارة المضاف، و ليس سوى الملاقاة مع العاصم فيجري فيهما، و لا أرى وجهاً للفرق بينهما.

و قولُ الجواهر (1): و احتمال القول إنّ الكُرّ بعد اتّصاله بالمضاف طهّر المضاف و آنيته، واضحُ الفساد، انتهى.

إذ لا دليل شرعي و لا اعتباري على تخصيص أحدهما دون الآخر بالطهارة، و ليس في كلام العلّامة ما يقضي بذلك، و ما هو بأعظم من حكمه بطهارة المضاف و إن بقي الاسم، بل فرض كلامه في صورة إلقاء الكرّ على المضاف دون العكس، فقصرُ مذهبه على صورة العكس تقوّلٌ عليه.

ثمّ إذا حصل العاصم لا مانع من تطهيرهما به، فليته أوضحَ لنا فساده.

القول في الأسآر

و حيث ذكر المطلق و المضاف قال في بيان الأسآر:

(و السّؤر) الواقع في باب المياه مقابلاً للمطلق و المضاف في عرف الفقهاء (2) و عندهما هنا و في غيره (3)، بل (و هو) صريح آخرين أنّه (الماء القليل) العاري عن النّجاسة (الذي

ص: 255


1- النجفي، جواهر الكلام: 1/ 326.
2- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 369.
3- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 106؛ الشهيد الثاني، روض الجنان: 420/1.

باشره جسم حيوان) (1) كذلك سواء شرب منه أو لم يشرب، و خصّه بعضهم بمباشرة الفَم (2).

و مقتضى تعرّضهم لبقيّة وضوء الحائض و ما مات فيه عقرب أو حشار من غير تقييد له بصورة مباشرة الفَم يقتضي الأوّل، و تعميم مبحث الأسآر للجوامد يرجّح الثاني، فيلزم حينئذٍ إمّا تعميم المباشرة مع تخصيص الحكم بالمائعات، أو تخصيص المباشرة بالفَم مع تعميم الحكم للجوامد، و كأن المتبادر اعتبار مباشرة الفَم في موضوعه، بل الظاهر خصوص الأكل و الشرب.

و تتّضح الثمرة في الأُمور التوقيفيّة الثابتة للسؤر كالكراهة التّعبديّة و الاستشفاء و غيرهما، فلا يثبت شيء من هذه الأحكام لغير ما يبقيه المتناول من الطّعام و الشراب، و ظهور كلام اللّغويين (3) مؤيّد لما قلنا، و ما تراه من اكتفاء بعضهم (4) في حكم الأسآر بمطلق المباشرة لجهة عموم الأدلّة فهو إلحاق حكمي، فيقتصر عند عدم الدّليل على التعميم على حكم الأصل، بل لحوق حكم السّؤر لمثل ما ذكر ممّا باشره الجسم ممّا هو منصوص بالخصوص حكمٌ ثبت بالنّص من غير إناطته بعنوان السّؤر، و لأجل التسوية أطلق عليه شرعاً ذلك، فهو لاستفادة المناط من الأخبار لا لشمول العنوان، فصار الضابط اعتبار مباشرة الفَم خاصّة في الجامد دون المائع، هذا في الأحكام التعبّدية التي ثبتت للسؤر من حيث كونه سؤراً.

و أمّا الطهارة و النجاسة فالحكم في الماء الذي يطلق السؤر عليه بل و غيره (5) من المائعات مطلقاً (تابعٌ للحيوان [الذي باشره] (6)) ( في الطهارة و النجاسة و الكراهة) مع اعتبار

ص: 256


1- رسائل الكركي: 1/ 86؛ المحقق الشيخ محمد العاملي، استقصاء الاعتبار: 1/ 148؛ العلوي العاملي، مناهج الاخيار: 32؛ البحراني، الحدائق الناضرة: 1/ 418.
2- ابن إدريس، السرائر: 1/ 84.
3- الخليل العين: 2/ 292 باب (السين و الراء)؛ ابن دريد، جمهرة اللغة: 2/ 1087 باب (الألف في الهمز)؛ ابن الأثير، النهاية: 2/ 327 مادة (سأر).
4- ينظر السيد العاملي، مدارك الأحكام: 1/ 88.
5- كماء الورد و الزيت.
6- أثبتناه من المصدر.

القلّة في الماء و عدم الجريان؛ إذ الكثرة عاصمة للماء مطلقاً.

و ربّما أُطلق السؤر على الكثير في الأخبار (1)، لكنّه لا يلحقه حكمه حتّى الكراهة فيه،

فلا إشكال في نجاسة سؤر الكلب و الخنزير و أخيهما (2) بجميع أنواعه، و المناط في نجاسة الأخير إذا أنكر ما عَلم أو عُلم بالضرورة كونه من الدّين.

و أمّا غير الثلاثة مطلقاً فسؤره طاهر و إن كره بعضه، وفاقاً لفتوى المشهور (3)، و الأُصول (4)، و العمومات (5)، و الإجماع (6) المنقول، و الأخبار (7) الدالّة على ذلك عموماً و خصوصاً كما قيل، و قد منع جمع (8) من فقهائنا من استعمال سؤر ما لا يؤكل لحمه إذا كان إنسيّاً و أمكنَ التحرّز عنه ما عدا الطّير، و يظهر من بعضهم (9) نجاسته، و بعض أطلق المنع و هو أعمّ من النجاسة تمسّكاً بمفهوم قوله علیه السلام في المعتبرتين: «كل ما يؤكل لحمه يُتوضّأ من سؤره و يُشرب» (10). و لقوله علیه السلام: «يُكرَه سؤر كلّ شيء لا يؤكل لحمه» (11)، بناءً على ظهور الحرمة منهما، فإنّ مفهومه على القول بمفهوم الوصف أو المبتدأ المتضمِّن معنى الشرط يدلّ على أنّ السّبب المنحصر و العلّة التّامة في جواز الوضوء بسؤر المأكول هو كونه مأكولاً، فإذا

ص: 257


1- الكليني، الكافي: 3/ 9 ح5.
2- يعني الكافر.
3- ينظر: الطوسي، الخلاف: 1/ 187؛ الطبرسي، المؤتلف من المختلف: 1/ 15.
4- ينظر المحقق النراقي، مستند الشيعة: 52.
5- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 238 الباب 9 من أبواب الأسآر.
6- ينظر المحقق النراقي، مستند الشيعة: 55.
7- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 232 ح595.
8- ينظر المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 93.
9- الطوسي، المبسوط: 1/ 10.
10- الطوسي، الاستبصار: 1/ 12، كتاب الطهارة، باب سؤر ما يؤكل لحمه، و ما لا يؤكل لحمه من سائر الحيوان.
11- الكليني، الكافي: 3/ 10 ح 7.

انتفى هذا الوصف عن حيوان من أوّل الأمر أو لعارضٍ حَرُم أكله، كالجلّال و الموطوء، انتفى جواز الوضوء و الشرب، و لو وجد غير مأكول يجوز فيه ذلك لم يكن أكل اللّحم سبباً منحصراً في الجواز؛ لقيام غيره مقامه، قالوا: و يجري هذا مجرى قول النبي صلّی الله علیه و آله: «في سائمة الغنم زكاة» (1).

أجيب (2) باختلال السّند و الدلالة من حيث يونس بن عبد الرحمن و الراوي عنه محمد ابن عيسى؛ و لأنّ اللازم من الأخذ بظاهرها من التحريم تخصيص الأكثر كما ورد في الهرّة (3)، فيحمل البأس المنفي في المنطوق على ما هو أعم من الحرمة، و بأنّ المفهوم لا يلزمه العموم، بل يكفي في ثبوته انقسام الممنوع عن استعماله إلى قسمين، فإنّ نقيض الموجبة الكلّيّة سالبة جزئية.

و لولا ظاهر إطباق الأصحاب و نقل بعضهم (4) الإجماع على الجواز لكان للنظر مجال في ردّ المانعين إذ بعد اعتبار المفهوم و تلقّي الشيخ (5) و الحلّي (6) للخبرين بالقبول لا ينجم الردّ، و لقد سلف لنا كلامٌ في أنّ منع دلالة جملة الشرط على انحصار السّبب هو بعينه إنكار للمفهوم.

و ملخّصه على ما استفدناه من الوالد رحمه الله تحريراً) وشيخ أساتيدنا المرتضى (7) تقريراً هو أنّ انتفاء الحكم عن كلّ واحد من الأفراد أو ثبوته في طرف المنطوق إذا فرض استناده إلى وجود الشرط الذي هو ظاهر في العلّيّة التامة المنحصرة - على ما هو الحقّ في حجّية مفهوم

ص: 258


1- الطوسي، الخلاف: 2/ 52.
2- المحقق السبزواري، ذخيرة المعاد: 1/ 156.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 225 ح 646.
4- ينظر البهبهاني، الحاشية على مدارك الأحكام: 1/ 191.
5- الطوسي، الخلاف: 1/ 203.
6- ابن إدريس، السرائر: 1/ 85؛ المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 99.
7- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 90، 95.

الشرط - لزم من ذلك عقلاً أنّ كلّ فرد منها إذا انتفى الشرط يثبت له الحكم المنفيّ في المنطوق و العكس كذلك، فلا مَناص حينئذٍ عن القول بظهور الكلام المشتمل على الشرط في انحصار السبب به و عدم قيام غيره مقامه و هو معنى مفهوم الشرط، و إنكار ذلك إنكار للمفهوم رأساً.

ولذا أنكرَ عَلَم الهُدى (1) مفهوم الشرط؛ استناداً إلى عدم ظهوره في انحصار السبب.

نعم، لو استُفيد من المنطوق كون الشرط علّة لعموم الحكم ينتفي في المفهوم ذلك العموم، فيجامع الإيجاب الكلّي السلب الجزئي و بالعكس، و كذا لو قامت من الخارج قرينة على عدم انحصار السّبب، و نّ الشرط ليس علّة منحصرة لحكم الجزاء، بل له أسبابٌ أُخَر كعدم المقتضى أو وجود مانع آخر لم يفد المفهوم إلّا ثبوت الحكم المنفي في المنطوق عن الأفراد المستند عدم الجزاء فيها إلى عدم الشرط، و مثله نفي الحكم الثابت في المنطوق.

و الظاهر [أنَّ] دلالة المفهوم بنفس التركيب هنا على العموم ظاهرةٌ، إذ لا قرينة، و ليس الشرط علّة لعموم الحكم، فما ركن إليه الشيخ حَسنٌ (2)؛ إذ متعلّق القيد هنا قوله علیه السلام (3): «كلّ ما»، أي: أيُّ حيوان، و القيد المعتبر و صفاً هو كونه مأكول اللّحم، فالمنطوق هو مأكول اللّحم من كلّ حيوان و الحكم الثابت له هو الوضوء، و غير محلّ النّطق هو ما انتقی عنه الوصف الذی هو عبارة عن غیر مأکول اللّحم من کلّ حیوان، و انتفاء الحکم الثابت للمنطوق عنه يقتضي ثبوت المنع؛ لأنه هو اللازم لرفع الجواز فتأمل. و سيجيء مزيد بيان له إن شاء الله تعالى.

و أيضاً فرواية عبد الله بن سنان (4) قَضَت بعموم البأس لسؤر كلّ ما لا يؤكل لحمه،

ص: 259


1- ينظر الحاشية على قوانين الأصول: 1/ 266.
2- الطوسي، الخلاف: 1/ 203.
3- قول الإمام الصادق علیه السلام: «كل ما أكل لحمه يتوضأ من سؤره و يشرب». الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 228 ح660.
4- الكليني، الكافي: 3/ 9 ح 1.

و هو ظاهر في التحريم، أما العموم؛ فلأنّ الحكم المنوط بما يؤكل مهمل، أي لم يصرّح فيه بعموم الجميع أفراده، و من المقرّر أنّ القضيّة المهملة في حكم الجزئيّة، و الإيجاب الجزئي نقيضه السّلب الكلّي، فيفيد أن ليس ممّا يؤكل لحمه لا بأس بسؤره، فيفيد أَنَّ كُلّاً منها فبسؤره بأس، فتأمل.

و أمّا التحريم؛ فلأنّ استعماله في الكراهة غير شائع، فالحمل عليه بعد فهم الحرمة منه لمحقّقي (1) الأصحاب يحتاج إلى القرينة، و المسألة غير صافية، و الاحتياط في غير المستثنى لا يُترَك خصوصاً بما تتوقف عليه العبادة.

مطلقاً

ثمّ إنّ المفهوم من إطلاق الشارح التبعية في الكراهة معناه كراهية سؤر ما يُكرَه لحمه مطلقاً و هو غير منعكس كلّياً لكراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه مطلقاً، ذكره الشيخ (2) و ابن حمزة (3) و المصنّف في الثلاثة (4) و الفاضل في النّهاية (5) و المنتهى (6).

ص: 260


1- ينظر: الطوسي، المبسوط : 1/ 10؛ المحقق الحلي، المعتبر : 1/ 93.
2- الطوسي، المبسوط: 1/ 10.
3- ابن حمزة، الوسيلة: 77.
4- الشهيد الأول: البيان: 101، الدروس: 1/ 123، ذكرى الشيعة: 1/ 107.
5- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 238.
6- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 163.

[الأسآر المكروهة]

(و يكره) سؤر جملة من الحيوانات بخصوصها عند الأكثر منها (سؤر الجلّال) وفاقاً للجمل (1) و لسلّار (2) و الفاضلين (3)، (و هو المتغذي (4) بعذرة الإنسان محضاً) من غير أن يمازج غيرها معها في الغذاء بحيث يسند غذاؤه للغير أو إليهما، فيتغذى بها، (إلى أن ينبت عليها لحمه و اشتدَّ عظمه)، و ساوى الحلبي (5) بينها و بين غيرها (6) من المحرّمات، و قوله غير صريح في إطلاق الجَلَل على ذلك، و أمّا المحوضة (7) فاعتبرها غير واحد (8)، لكن في المبسوط كونها أكثر الغذاء (9).

و الظاهر من قول الشارح: (أو سمّيَ في العُرف جلّالاً) إنّه لا يعتبر التسمية العرفيّة في المتغذّي، بل يلحقه حكمه و إن لم يسمّ بذلك و يمكن إرادة الترديد في التعبير فيكون أحدهما لا ينفك عن الاُخرى، أو أنّه أراد بيان أنّ الحكم يلحق الاسم، فإذا لم يحصل الأوّل و أطلق عليه الاسم عرفاً لحقه الحكم، فيكون كالإضراب عن ما قبله إلى ما يعمّه و غيره ممّا يسمّى به.

و حينئذٍ فقوله رحمه الله: (قبل أن يستبرأ بما يزيل الجَلَل)، يتعلّق بالمتن، أي: يكره سؤره قبل الاستبراء إذ لو تعلّق بتفسير الجلّال بمعنييه يصدق عليه بعد الاستبراء أنّه اغتذى أو سُمّي

ص: 261


1- السيد المرتضى، جمل العلم و العمل: 49.
2- حكاه في المعتبر: 1/ 76.
3- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 97، شرائع الإسلام: 1/ 13؛ العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 50، تذكرة الفقهاء: 1/ 42 .
4- في المصدر: (المغتذي).
5- الحلبي، الكافي في الفقه: 131.
6- كبول و خرء ما لا يؤكل لحمه.
7- أي: الخالص.
8- الطوسي، النهاية: 574، الصيمري، غاية المرام: 4/ 54؛ الشهيد الثاني، روض الجنان: 430/1؛ المجلسي، ملاذ الأخيار: 2/ 376.
9- الطوسي، المبسوط: 1/ 10.

مع عدم صدق الجَلَل عليه، فإنّ المتغذي من أسماء الفاعلين، و هو للمتّصف بالحَدَث في الماضي دون الحال، فتأمل.

و ليس في الأخبار تحديد ما يحصل به الجَلَل، لكن قيل (1): بأكلة واحدة، و قيل (2): بيوم

واحد، و قيل (3): بأن ينمو ذلك في بدنه و يصير جزءاً منه، و قيل (4): بأن يظهر النشو في لحمه و جلده، و فسّر به في المسالك (5). و مع هذا فقد نُسِبَ لابن الجُنيد (6) و للشيخ في المبسوط (7) نجاسة سؤره، و له وجه على ما غبر في المفهوم، و من أنّ رطوبة أفواههنّ لا تخلو من نجاسة و من سؤره و لعابه كعرقه، و لو حكم بعدم المنع فيه قضاءً للأصل، و للأخبار (8) المطلقة في طهارة ما قضت بطهارته من الأسآر، أو النافية للبأس عنه، فإنّها تعمّ الجلال و غيره، لكانَ أَوْلى من الحكم بالكراهة؛ إذ لم أظفر بدليل يقضي به سوى كراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه، و سيجيء الكلام فيه.

(و) منها: سؤر (آكل الجِيَف) سواء اعتادها أو له شأنيّة ذلك، و الحكم فيه و سابقه كغيرهما في كلّ حيوان طاهر يزاول النجاسة إنّما يكون (مع الخلوّ)، (أي خلوّ مَوْضِع المُلاقاة للماء) أو المائع مطلقاً من عضوه الملاقي (عن النجاسة)، و يحتمل تعلّق هذا القيد بكلّ من الجلّال و آكل الجيف، فإنّهما محلّ لتوهّم وجود النجاسة معه، و الكلام فيه كسابقه، و عسى أن تكون الكراهة فيهما بعد فَقْد الدّليل الخاص عليها من حيث استفادة المناط من فحوى

ص: 262


1- ينظر الشهيد الأول، غاية المرام في شرح شرائع الإسلام: 4/ 54.
2- ينظر المقداد السيوري التنقيح الرائع لمختصر الشرائع: 4 / 36.
3- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 161.
4- الشهيد الثاني، الروضة البهية: 1/ 281.
5- الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 12/ 25.
6- حكاه في مختلف الشيعة: 1/ 299.
7- الطوسي، المبسوط: 1/ 10.
8- الكليني، الكافي: 3/ 9 ح 2.

صحيحة العيص (1)، فإنّها أيضاً غير مأمونين و متّهمين بعدم خلوّ الموضع عن عين النّجاسة كالحائض، و الاستفادة المرقومة موقوفة على عدم كون زوال عين النجاسة في مطلق الحيوان من جملة المطهّرات، أو لجملة ما قضى بكراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه، و لا يقضي بالعموم حتّى لمأكول اللحم من الجلّال و آكل الجيف، اللهُمَّ إلَّا أن يلحق الأوّل بغير مأكول اللّحم، و تعتبر في الثاني الشأنيّة مع دعوى أنّ ما من شأنه ذلك لا يكون مأكول اللحم.

و الحاصل: إنّ إطلاقهما - كغيرهما - في المقام يقضي بثبوت الحكم بالطّهارة مع الخلوّ سواء علم بالمباشرة أم لا، غاب الأكل عن العين أم لا، عرض له المطهّر أم لا.

و الإطلاق المزبور مخالف لقواعد الطّهارة، إذ ليس لها دليل معتمد سوى بعض الإطلاقات (2) نحو ما قضى بطهارة بعض الحيوانات التي شأنها أكل الميتة، و كخصوص موثّقة عمّار، و فيها: فقال علیه السلام: «كلّ شيء من الطير يتوضّأ ممّا يشرب منه إلَّا أن ترى في منقاره دماً، فلا تتوضّأ». رواه الكليني (3).

و في الوسائل (4) رواه الشيخ، و زاد فيه [أي] التهذيب: أنّه سُئِلَ علیه السلام عمّا تشرب منه الدّجاجة، قال: «إن كان في منقارها قذر لم تتوضّأ منه و لم تشرب، و إن لم تعلم أنّ في منقارها قذر فتوضّأ منه و اشرب». و الزيادة المرقومة في التهذيب في باب النجاسات لا في هذا الباب، و في الجواهر (5): عدم وجودها، من عدم التتبع في التهذيب. و مثلها مصحّحة عليّ بن جعفر (6).

ص: 263


1- الطوسي، الخلاف: 1/ 179، 180؛ المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 90.
2- الكليني، الكافي: 3/ 9 ح 5.
3- الكليني، الكافي: 3/ 10 ح 5. و فيه زيادة: «ولا تشرب».
4- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 230 ح 590. مع اختلاف يسير.
5- النجفي، جواهر الكلام: 1/ 230 و نص عبارته: (قلتُ: لم أجد هذه الزيادة في التهذيب الذي حضرني).
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 419 ح 1326.

قال الأُستاذ: و إذا تأمّلت الرّواية وجدتها أوضح دلالةً من أخبار السؤر (1)، انتهى. و كأنّه لنفي البأس فيها عن استعمال ما لا أثر فيه من ثوبٍ و غيره عند وطئ واطئ العذرة له من الحيوان من عدم الاستفصال عن رطوبة الثوب و يبوسته و وجود عين النجاسة و عدمها، فيقضي ذلك بأن الثّوب لا ينجّس إلّا بالنّجاسة العينيّة الموجودة على الحيوان، لا من عضوه الملاقي للنجاسة، فهو يجري مجرى الاستثناء في دلالته على العموم و عدم الإهمال.

فلولا أنّ المقام مقام العموم و البيان لم يكن للاستفصال وجه، من جهة وجود عين النجاسة و عدمها من الإمام علیه السلام، و استظهار هذا الحكم من هذه الأخبار في غاية الإشكال؛ لظهور ورودها في بيان الطهارة الذاتية دون العرضيّة، فيرجع فيها إلى ما تقتضيه القواعد، على أنّ ما كان منها غير ظاهر في النجاسة العرضيّة هو مطلق بالنّسبة إلى حالَتي وجود عين النجاسة وزوالها قبل خصوص المطهّر، و تخصيص الإطلاق في أحدهما و الإهمال في الآخر بلا دليل مشكلٌ جدّاً، و حينئذٍ فكلّ ما يوجّه به قصور الإطلاق بالنّسبة إلى وجود العين بعينه يأتي مع زوالها و بقاء الأثر، و أمّا ما كان منها ظاهراً في النجاسة العرضيّة كرواية عمّار (2)؛ لمكان الاستثناء فيها، إذ لولاه لكان منقطعاً، و هو خلاف الأصل، فبعد تسليم الظهور المزبور و تعميم الإطلاق يعارضه ما قضى بتنجيس المتنجّس مطلقاً، و ارتكاب التخصيص فيه ليس بأَوْلى من ارتكاب التقييد في إطلاق الرّواية، مع أنّه عند دوران الأمر بينهما يتعيّن التقييد، سلّمنا تكافؤهما [ف] المرجع حينئذٍ إلى وجوه الترجيح، و منها الأخذ بما هو أتقَن سنداً، و هي موثّقة فتنحط درجتها عن الصحيح بلا توثيق.

ثمّ إنّه يلزم من العمل بظاهرها ارتكاب التخصيص فيما دلّ على قبول كلّ جسم للنجاسة، و ارتكابه فيما قضى بحصر المطهّرات في المعهودة بالالتزام أنّ زوال العين من جملتها، و مثلها مصحّحة علي بن جعفر (3)، فإنّ الاستفصال فيها يُعطي كون الثوب كان يابساً، و لو منع ظهور اليبس فيه وجبَ الحمل عليه؛ لقضيّة الجمع، و هو تحكيم أحد العمومات على

ص: 264


1- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 375.
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 194 ح 498.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 419 ح 1326.

إطلاق الرّواية، فإنّ مخالفة هذا الحكم لأحد قواعد اقتضتها العمومات لا يَكاد يُنْكَر، كقاعدة تنجيس عين النجاسة لملاقيها مطلقاً، و عدم زوال النجاسة بمجرّد زوال عينها مطلقاً، و تنجيس ملاقي المتنجّس مطلقاً من المائعات مطلقاً، و استصحاب نجاسة المحلّ مطلقاً مع حكومته على استصحاب طهارة ملاقيها مطلقاً، و لأجله اشترط الفاضل رحمه الله في النهاية احتمال وصول المزيل الشرعي بورود الحيوان على كرّ أو جارٍ (1).

و ظاهر كلامهم هو الطّهارة حتّى مع العلم بعدم المُزيل (2) إِلَّا ما يُحكى عن بعض الشافعيّة (3) و عليه يلزم خروج هذا الحكم عن الأوَل، و لو بني على عمومها خرج من إحدى الأخيرتين، و المطابق لظاهر الأخبار هو الأوّل، إذ على فرض أن سياقها للطهارة الفعليّة دون الذاتيّة؛ لأجل ملاقاة النجاسة الخارجية، لا وَقْع لكلامه من تقييدها بصورة احتمال زوال نجاستها بمطهّر شرعي.

لكنّ الذي تقتضيه القواعد إخراج الحكم المزبور من قاعدة تنجيس المتنجّس لملاقيه المائع؛ لأنّ دليل القاعدة المرقومة منحصر بالاستصحاب، و أخبار (4) الباب واردة عليه، و لا تعارض بينهما، فيجعل زوال العين من جملة المطهّرات وينقطع استصحاب النجاسة به، و لا يلزم طرحه، و لا خَلَل في عموم باقي القواعد على عمومها؛ لندرة التخصيص فيها، مضافاً إلى عَدّ جماعة (5) زوال عين النجاسة في المطهّرات، و لا يردّ على الحمل المزبور شيء سوى تخصيص عموم ما دلّ على حصر المطهّرات، و هو أهْوَن من غيره؛ لأنّ باب التطهير واسع، و ليس للحصر دليل سوى الأصل الذي لا ينافيه ورود مطهر غير المحصور.

و نحنُ بعد التتبّع لم نعثر على خارج من القاعدتين سوى ماء الاستنجاء على القول

ص: 265


1- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 239.
2- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 377.
3- حكاه عنهم في منتهى المطلب: 1/ 161.
4- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 12 ح 17.
5- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 289؛ ابن فهد، المهذب البارع: 1/ 124.

بالعفو في الأُولى وسوى البواطن في الثانية، و ليس عَدّ الزّوال المرقوم من المطهّرات بأعظم الطَّهارة التبعيّة في مواردها المعهودة كطهارة أواني الخمر المنقلب خلّاً حتى أعلى الإناء و لو بقي فيه أجزاء خمريّة، و أيضاً فأيّ فرق بين المقام و بين طهارة ماء وقعت فيه الذَّبابة بعد طيرانها من النّجاسة، و لا مشكّك فيه سوى المصنّف في الذكرى (1)، و ظاهره الإشكال دون المنع.

و هذا الكلام و إنْ لم يُثْمِر في المقام فإنّ محصّله الطهارة سواء حكم بأنّ الزّوال من المطهّرات أو بني على عدم الانفعال و تخصيص القاعدتين، لكن المقصود أحكام تلك القاعدتين و بيان عدم تطرّق التخصيص فيهما؛ لإتقان أدلتهما.

و على كلّ حال فلا يبعد القول بالطهارة، بل الظاهر أنّه كذلك وفاقاً للجلّ أو الكلّ، و إجماع الخلاف (2)، و الشهرة المحقّقة، و السّيرة الواضحة المتلقّاة مما تعيّن التزامها، و لا يلتفت بعد إلى وسوسة بعض المحصلين و إن لزم الاحتياط في الدّين و إنّي منهم، و لا يعمّ الحكم المذكور ظاهراً للإنسان من الحيوان، فلا يطهر بمجرّد الزّوال، و في الحكم بها مع الغيبة التي يمكن حصول التطهير الشرعي بها أقوال بعد الاتّفاق على حصولها للعالم المكلّف المتلبّس بما هي شرط فيه، و مع فَقْد الثلاثة أو أحدها إشكال.

و عن الموجز (3) الحكم بالطّهارة بمجرّد الغيبة عن البدن و الثياب، و خصّها بالأوّل بعض (4)، و ظاهر الماتن القول بالطّهارة مطلقاً مع فقد الثالث فقط، و فی التمهيد (5) جريان الحكم في غير المكلّف بشرط أن يكون مميّزاً، و حيث حكمنا بأنّ زوال العين عن الحيوان مطلقاً من المطهّرات أو مع الغيبة، أو التفصيل بين الإنسان و غيره، لا جرم أن يجري فيه

ص: 266


1- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 82.
2- الطوسي، الخلاف: 1/ 219.
3- ابن فهد، الموجز الحاوي (الرسائل العشرة): 61.
4- الشهيد الثاني، المقاصد العلية: 156.
5- الشهيد الثاني، تمهيد القواعد: 66.

ما يجري فيها مطلقاً، فلو شكّ في الزّوال استصحب بقاؤه، و لا يكفي احتمال الزّوال في الطهارة، فإنّ مخالفة حكم الحيوان في المقام للقواعد توجب الأخذ بالمتيقّن، و هو العلم بخلوّ موضع الملاقاة من عين النجاسة.

و يحتمل الحكم بالطهارة مع الغيبة و إن لم يحصل اليقين بالزوال فيكفي احتماله، و هو ظاهر بعضهم (1)، و يظهر منه التفصيل بين عروض الغيبة و عدمها، فالنجاسة في الثاني إذا لم يعلم الزّوال، لكن ظاهر من جعل الغيبة من المطهّرات إنّما هو لأجل التوصّل إلى احتمال عروض المطهّر الشرعي لا أنّها كالماء في التطهير و إن قارنها العلم بعدم عروض المطهّر، و أوجه الوجوه الأوّل عندي.

(و) منها: (سؤر) (الحائض المتّهَمة) من المباشر العارف بها (بعدم التنزّه عن النجاسة) و أطلق الشيخ في المبسوط (2) و عَلَم الهُدى (3) الحائض من دون قيد، و خصّص في المعتبر التنزّه عن خصوص الدّم (4)، و في الشرائع (5) و المصنّف في الذكرى (6) أنها التي لا تؤمن؛ تبعاً للنّص (7)، و هو أعمّ من القيد هنا، و الظاهر مخالفة إطلاق المرتضى و تخصيص المعتبر دون الشرائع، و تظهر الثمرة في غير المأمونة التي لم يعرضها الاتهام، فلا تلازم بينهما، و كراهة المقيدة كأنّه لا إشكال فيه في الوضوء و غيره؛ لعدّة نصوص (8) فيها الصحيح و غيره، و الجمع بشدّة الكراهة في الأوّل وضعفها في غيره حسن لو كان على عموم الحكم دليل، أو لم يكُن على عدمه دليل.

ص: 267


1- ينظر النجفي، جواهر الكلام: 1/ 376.
2- الطوسي، المبسوط: 1/ 10.
3- حكاه في المعتبر: 1/ 99.
4- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 99.
5- المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 1/ 13.
6- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 107.
7- الكليني، الكافي: 3/ 10 ح 2.
8- الطوسي، تهذيب الأحكام: 221/1 ح 632.

(و ألحقَ المصنّف بها في البيان) (1) كظاهر الشيخين (2) (كلّ متهم بها) حائضاً كان أو غيره في الحكم بالكراهة، و أنكره جماعة من المتأخِّرين (3) و كان كلامهم في غير النّفساء و المستحاضة و الُجنب المقطوع بالكراهة فيها، (و هو) أي الإلحاق (حسنٌ)؛ للأمر بالاحتياط (4) في مضانّ النّجاسة، و لاستحباب (5) التنزّه عمّن لا يتنزّه، و للتسامح في الكراهة.

(و) منها: (سؤر البغل و الحمار) في المشهور (6)، (و هما داخلان في تبعية الحيوان (7)) الوارد (فيه الكراهة (8))، (و إنّما خصّهما) المصنّف في الانفراد فهو (لتأكيد (9) الكراهة فيها)، وردّه مع الجواب مبنيّ على إرادة الماتن من المتابعة ما يعمّ الكراهة، و هو غير ظاهر من كلامه، بل سَوْقُه إرادة التبعية في الطهارة و النجاسة فقط، إذ المتبادر من التبعية عدم الانفكاك عن المتبوع كالتّبعية فيهما، و هذا المعنى غير متحقّق في الكراهة لكراهية سؤر بعض ما يحرم أكله، فيحتمل حينئذ أنّه إنّما يكره سؤرهما للرواية، و تبقى عليه مؤاخذة في ترك الفرس.

(و) منها: (سؤر الفأرة) في المشهور (10)، و اختلف كلام الشيخ رحمه الله، ففي النهاية


1- الشهيد الأول، البيان: 123.
2- المفيد المقنعة: 584؛ النهاية و نكتها: 1/ 23.
3- البحراني، الحدائق الناضرة: 1/ 314، 420.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 222 ح 636.
5- الحر العاملي، وسائل الشيعة : 3/ 517 ح 4337.
6- الطوسي، المبسوط: 1/ 10؛ ابن حمزة، الوسيلة: 76؛ المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 1/ 16؛ العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 25.
7- في المصدر: (تبعيته للحيوان).
8- في المصدر: (في الكراهية).
9- فی المصدر: (التأكد).
10- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 240؛ الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 431.

الكراهة (1)، و فيها بباب تطهير الثياب و البدن حكم بغسل ملاقيها الدّال على نجاستها و سؤرها، ولعلّ ذلك لظاهر اختلاف النصوص بها، و العمل اليوم على الكراهة، (و) كذا (الحيّة)؛ لرواية أبي بصير (2)، لكن ظاهر المعتبر نفي الكراهة عن سؤرهما (3) فإنّه نفى البأس و المعتمد الكراهة فيهما (4)، بل (وكلّ ما لا يؤكل لحمه)؛ لرواية الوشّاء عن الصادق علیه السلام إنّه: «كان يكره سؤر كلّ شيء لا يؤكل لحمه» (5)، و لظاهر استثناء (الهرّ) من الكلّيّة، فلا كراهة في سؤره (6) بل قيل باستحباب سؤره (7).

(و) منها: سؤر (ولد الزّنا) (قبل بلوغه) مع عدم الحكم عليه بالكفر التّبعي (أو بعده، مع إظهاره الإسلام (8)) وفاقاً للفاضلين (9) في الكراهة، و خلافاً للصدوق (10) و المرتضى (11) فإنّهما مَنَعا من استعمال سؤره، و نقل الحلّي الإجماع على كفره في عتقه و تدبيره (12)، و لعلّه مستند الأوّلين، و كأنّ بعض الأخبار (13) ظاهرة بذلك، لكن الحقّ العدم، بل و كراهة سؤره

ص: 269


1- الطوسي، النهاية: 6.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 234 ح 677.
3- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 100.
4- ابن حمزة، الوسيلة: 364؛ المهذب: 1/ 25؛ ابن سعيد، الجامع للشرائع: 20؛ المحقق الحلی، شرائع الإسلام: 1/ 16؛ الفاضل الهندي، كشف اللثام: 1/ 288.
5- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 167 ح 1.
6- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 43.
7- حكاه في معالم الزلفى: 245.
8- في المصدر: (للإسلام).
9- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 98؛ العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 50، منتهى المطلب: 1/ 160، نهاية الإحكام: 1/ 239.
10- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 12 ح 16.
11- السيد المرتضى، الانتصار: 273.
12- ابن إدريس، السرائر : 3/ 9.
13- الكليني، الكافي: 3/ 11 ح 6.

مع إظهاره الإسلام و عدم بيان المنكر منه في غاية البُعد، فلتؤول تلك الأخبار المنبئة عن كفره، و يظهر أنّه مع سكوته و عدم إظهار الإسلام بعد البلوغ يحكم بكفره و إن أضمرها، و هو مشكل أيضاً.

[التباعد بين البئر و البالوعة]

المسألة (الثانية):

(يستحبّ التباعد بين البئر)، بل مطلق الماء المحتاج إليه عند الاستعمال، المجتمع في محلّ واحد، و إن لم يكن له مادّة.

و البالوعة) (التي يرمى فيها ماء النّزح) أو مطلق النجاسات زيادة بروضه (1)، فكأنّ الماتن أراد الأخير، بقرينة تأخيره هذه المسألة عن سابقتها، إذ لو أراد الأوّل لقدّمها عليها؛ لتعلّقها بها، فعلى الشّارح أن يظهر قرينة الاختصاص أو الإرادة، (بخمسة أذرُع) بذراع اليَد، و هو خمسة و عشرين إصبعاً، أو ما بين المرفق و طرف البنصر، هذا إذا كانتا واقعتين (في) (الأرض) (الصّلبة) مع صلابة الأرض المتوسّطة، و في الذكرى الأرض الجبليّة (2)، و تعبيره بالصّلبة (بضمّ الصاد وسكون اللّام) كسكرة، أَوْلى؛ لعمومها لها. (أو) التباعد كذلك في صورة (تحتيّة) (قرار) (البالوعة) مطلقاً (عن قرار البئر) بأن تكون أعمق منها بحسب قراريهما، أو سطح مائهما من دون اعتبارهما في وجه الأرض، (و إلّا يكن) الآجر أو الأرض التي حفرا بها أو البالوعة فقط (كذلك) (بأن كانت الأرض رخوة) غير صلبة و لا جبليّة (و البالوعة مساوية للبئر قراراً) أو في سطح مائها (أو مرتفعة عنه) و لو يسيراً، (فسبعة) (أذرع) بالمتقدّم و روضه (3)، و يدلّ على اعتبار الصّلابة و ضدّها مع الشهرة مرسلة ابن قدامة: قال علیه السلام: «إن كان سهلاً فسبعة أذرُع، و إن كان جبلاً فخمسة أذرع» (4).

ص: 270


1- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 417.
2- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 102.
3- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 417.
4- الكليني، الكافي: 3/ 8 ح 3.

و على اعتبار الفوقيّة و التحتيّة رواية الحسن بن رباط قال: «سألته علیه السلام عن البالوعة؟ فقال: إن كان أسفل من البئر فخمسة أذرع، و إن كان فوق البئر فسبعة أذرع» (1). انتهى.

[صور التباعد بين البئر والبالوعة]

(و صور المسألة على هذا التقدير) و هو الفوقيّة و مقابلها باعتبار القرار دون اعتبار الجهة (ستّ)، حاصلة من ضرب صورَتي الرّخاوة و الصّلابة في الثلاث الباقية. و عليه (يستحبّ التباعد في أربعة منها بخمسة).

(و هي: الصلبة مطلقاً) سواء تساوى القراران، أو علا قرار أحدهما، (و الرّخوة مع تحتيّة البالوعة)، (و) التباعد بسبعة في الصّورتين) (2) الباقيتين، (و هما مساواتهما) قراراً (و ارتفاع) قرار (البالوعة في الأرض الرّخوة)، و الجمع كذلك مشهور (3)، إذ مقتضى سببيه فوقيّة البالوعة في السّبعة عدم الفرق بين الصّلابة و الرّخاوة، فقيّدوه بغير الصّلبة لخبر ابن قدامة (4) تحكيماً للنصّ على الظاهر، فإنّ الشرطيّة فيه نصّ في الجبل، و في الأخرى ظاهرة فيه، و بذلك يتمّ سبيّة كلّ من صلابة الأرض المستفادة من الجبليّة و فوقيّة البئر مع إطلاق أسفليّة البالوعة في الثانية.

و محصّله: إطلاق سببيّة الخمسة على إطلاقه دون سببيّة السّبعة.

و نوقش بإمكان العكس فتقيد سببيّة الخمسة و تبقى في صورتين و السّبعة بأربع، و هو ظاهر الفاضل بإرشاده (5)، و الشهرة تعضد الأوّل، بل الظاهر أنّ الصلابة و الفوقيّة مانعان من نفوذ الماء فيما دون السّبعة، و محصّل المانعيّة الاكتفاء بوجود أحدهما في عدم السّبعة، و لا

ص: 271


1- الكليني، الكافي: 3/ 7 ح 1.
2- في المصدر: (صورتين).
3- العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 1/ 190، نهاية الإحكام: 1/ 235؛ فخر المحققين، إيضاح الفوائد: 1/ 25.
4- الكليني، الكافي: 3/ 8 ح 3. و فيه: (قدامة) بدل (ابن قدامة).
5- العلّامة الحلي، إرشاد الأذهان: 1/ 238.

كذلك السهولة و تحتيّة البئر، فإنّهما مع حصول المانع لا يقتضيان السبعة، لكن يلزم عليه لغويّة تقدير الخمسة في الصلابة فلا يتمّ مانعيّتها مطلقاً، أو يتمحّل بإرادة المنع الشرعي فيهما فيرجع حينئذٍ إلى الظّهور، فلا يتم الردّ الثاني للقول الثاني. ّ

و في الجواهر (1): - بعد الجزم بعدم جريان جمع المشهور على القواعد من غير بيان الوجه فيه مع فتح باب التقييد في المطلقات حتّى لا يعثر على مطلق باقٍ على إطلاقه - ، قال: المستفاد من مجموع الرّوايتين أنّ السبعة لها سببان: السّهولة و فوقيّة البالوعة، و الخمسة أيضاً لها سببان: الجبليّة و أسفليّة البالوعة، و يحصل التعارض عند تعارض الأسباب، كما إذا كانت الأرض سهلة و البالوعة أسفل من البئر فلا بدّ من مرجّح خارجي حينئذٍ، و كذلك لو كانت الأرض جبلاً و البالوعة فوق البئر، و لعله بالنسبة إلينا تكفي الشهرة في المرجّح فتتبع، و بالنّسبة إليهم لا يعلم المرجّح ، و لعلّه دليل خارجي، انتهى.

و فيه: إنّا مع فهم المانعيّة المتقدِّمة من أخبار المقام شرعاً لا وقع لكلامه أبداً، مع أنّ تعارض السببين اصطلاحاً لا يكون إلّا مع عدم إمكان التصرّف في أحدهما و تكافؤ دليليهما مثل تعارض البيّنتين، و التصرّف هنا ممكن بالرّجوع إلى المشهور (2) أو الفاضل (3)، و أنّ أصالة عدم استحباب السّبعة في الصّلابة عند فوقيّة البالوعة ممّا يقوي قول الجمع في الجمع و يجريه على الأصل.

ثمّ إنّ صريح كلام الشارح هنا تبعيّة المشهور مطلقاً. و في الرّوض: إنّ الرّوایة التی هی مستندهم تضمّنت السّبعة مع فوقیة البالوعة، و الخمسة عند فوقیِّة البئر، و حکم تساویها مسکوت عنه فیها (4).

و فیه: إنّ صورة التساوی مع فوقیة البالوعة مشمولتان لإطلاق السّبعة في السّهلة

ص: 272


1- النجفي، جواهر الکلام: 1/ 283.
2- الطوسى، المبسوط: 1/ 13؛ النهاية و نكتها: 1/ 211؛ المهذب: 1/ 27.
3- العلّامة الحلي، إرشاد الأذهان: 1/ 238.
4- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 417.

في الرواية الأُخرى (1)، و لم يخرج منها إلّا صورة علوّ البئر. و أما التّساوي بالصّلبة فمستنده إطلاق (2) ما قضى باعتبار الخمسة في الصّلابة مطلقاً؛ لبقاء عمومه بحاله على مذاق المشهور.

(و في حكم الفوقيّة المحسوسة مطلقاً الفوقيّة بالجهة)، و به نصّ الصّدوق (3) و ابن الجُنيد (4) و فخر الإسلام (5) و جماعة، و ذلك (بأن يكون البئر في جهة الشمال) و البالوعة بالجنوب (فيكفي الخمسة مع رخاوة الأرض) و ينزّل العلوّ الشمالي منزلة الحسّي (و إن استوى القراران)؛ لأنّ جهة الشمال جهة العلوّ (لما ورد) في رواية سليمان الدّيلمي من: «أنّ مجاري العيون مع مَهبّ الشمال» (6). و خبر قُدامة من أنّ: «جَرْي الماء إلى القبلة» (7).

و أمّا ما كان سواء بالنسبة إلى الجنوب و الشمال فهما سواء، سواء كان أحدهما في جهة المغرب و الأُخرى في المشرق أو العكس، فترتفع الصور إلى أربع و عشرين حاصلة من ضرب الأربع في الست. و لو ضمّ إلى الجهات الزّوايا الأربع الحاصلة من الجهات الأربع كانت الصور ثمانياً و أربعين صورة، و عند تعارض الفوقيّة الحسّيّة مع النّاشئة من الجهة تُقدَّم الأُولى، و مع عدمه تعتبر فوقيّة الجهة؛ للتّسامح في أدلّة السُّنن.

قال الوالده رحمه الله في أنوار فقاهته: و لا يبعد أنّ الخمسة و السبعة و الاثني عشر في الأخبار من باب المثال؛ لإرادة التنزّه، و الاختلاف لاختلاف الأراضي قوّةً و رخاوةً و علوّاً و هبوطاً حتّى لو كانت الأرض صخرة منقورة لكفى الشبر، أو كانت رَملاً هائلاً لا يكفي الاثنا عشر.

ص: 273


1- الكليني، الكافي : 3/ 8 ح 3.
2- الكليني، الكافي: 3/ 8 ح 3.
3- الصدوق، المقنع: 11 - 12.
4- حكاه عنه فى مختلف الشيعة: 1/ 247، 248.
5- حكاه عنه في روض الجنان: 1/ 417؛ البحراني، الحدائق الناضرة: 1/ 387؛ الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 268.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 410 ح 1292.
7- الكليني، الكافي: 3/ 8 ح 3.

نعم، ما في الأخبار ينزّل على غالب الأراضي الصّلبة منها و السّهلة (1)انتهى. وهو جيّد.

(ولا ينجس) (البئر) (بها)، (أي بالبالوعة و إن) (تقاربتا) قطعاً (إلَّا مع العلم بالاتّصال) بينهما، (أي باتّصال ما بها من النجس بماء البئر) و تغيّره به إن قلنا بعدم كفاية الاتّصال بالنّجاسة فيها دون الكُرّ على مختارنا، أو مطلقاً على المشهور، و الشارح على مذهبه من كفاية مجرّد اتّصاله في انفعاله، فمع عدمه يطهر؛ (لأصالة الطّهارة) السّالم (و عدم الاتّصال) الموجب للنجاسة، و احتمل في الجماليّة (2) في «ما بها» أن تقرّ ماءها، و ظاهر السَوْق يأباه و إن كان «من النجس» بياناً له على التقديرين.

[المسألة] (الثالثة):

(النجاسة)، و لامها لاستغراق أفرادها العشرة النوعيّة، أو للماهية، بتأويل أنّ هذا الجنس ذو عشرة، يعني متنوّعاً إلى عشرة أنواع، أو أنواعه عشرة بحذف المضاف في المبتدأ، أو الخبر أو عنايته معنىً، و ضربه عن صيغة الجمع هنا مع تعبيره به تبعاً للجمع بغيره لعدم سبق ذكر عددها فيه، و من جاء بالجمع نظراً إلى التّعدد المعلوم المركوز في الأذهان، و قول الشارح: (أي جنسها)، كأنّه أراد من اللّام ثاني الاحتمالين و أنها للجنس على التقديرين بالحذف، و الاستغراق أقرب و أولى، و عليه فلا يقدر الجنس في المبتدأ، أو إضافته لها من الشارح لعلّها بيانية نحو يوم الخميس، أو لاميّة بأدنى ملابسة.

و يحتمل أنّه أن (3) يريد بجنسها الأجناس التي تحتها، فأشار إلى أنّ كلّاً من العشرة جنس، و أومأ إلى تذكير العشرة لكون المراد بها الأجناس، فحينئذ قوله: جنسها، بمنزلة نوعها الذي هو جنس لما تحته، و الإضافة لاميّة أيضاً، و هو جيّد لو قال: أجناسها، أو يجعل بعد العشرة لفظ أجناس.

و أورد في المقام: بأنّه إن أراد بالعشرة عشرة أجناس فالنجاسات المعدودة ليست

ص: 274


1- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 69.
2- مخطوط سبقت الإشارة إليه.
3- كذا في المخطوطة.

أجناساً بالنظر إلى النجاسة، و إنّما هي أنواع، و إن أراد الأنواع فالنوع ليس عين الجنس حتّى يخبر به عنه.

و الجواب: بالتزام الأوّل و القول بأنّ كلّاً من هذه الأنواع جنس تحته أنواع و إن لم يكن جنساً للنجاسة، فلا ضَيْرَ في قولنا: النجاسة عشرة أجناس، من غير أن يُراد أنها أجناس للنجاسة.

سلّمنا، [إلا أنّ] قولك: النوع ليس عين الجنس، ممنوع، بل في الخارج عينه، و إن غايره في الذهن، مع أنّ حمل الأفراد و الأنواع على الأجناس بمعنى انقسامها إليها و تنوّعها بها أمرٌ شائع.

و قد سبق معنى النجاسة لغة و اصطلاحاً في كلامنا، غير أنّ ظاهر الماتن في القواعد (1) أنّ النجاسة عين الحكم بالاجتناب، و ليس كذلك قطعاً، إذ النجاسة من صفات الأجسام فلا دَخل لها في الأحكام.

[أنواع النجاسات]

و كيف كان، فأنواعها المبحوث عنها (عشرة:) كاملة. و زِيدَ (2): ذرق الدّجاج، و عرق الجنب من الحرام، و عرق الإبل الجلّالة، و العصير إذا غلا و اشتدّ و لم يذهب ثُلثاه، و الفأرة، و الثعلب، و الأرنب، و المسوخ، و أرواث بعض الحيوانات ممّا يُؤكل لحمه و أبوالها، و ربّما تذكر استطراداً في طَيّ المباحث.

فالأوّل و الثاني: (البول و الغائط) المعروفان من الإنسان مطلقاً، أو من غير الرضيع إجماعاً محصّلاً (3).

ص: 275


1- العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 1/ 182.
2- المفيد، المقنعة: 68؛ المحقق الحلي، المقيد: 1/ 424، المحقق السبزواري، كفاية الأحكام: 1/ 60.
3- البحراني، الحدائق الناضرة: 5/ 2؛ النجفي، جواهر الكلام: 5/ 274.

و (من غير مأكول اللحم (بالأصل) من الحيوان غيره قولاً مشهوراً (1) كادَ أن يكون مستفيضاً، (أو بالعارض) إجماعاً منقولاً في التذكرة (2) على مساواتهما و قصره على (ذي النفس) منه، أو ما كان له نفس سائلة (أي الدّم القويّ يخرج من العروق (3) عند قطعه)؛ ليخرج ما لا نفس له سائلة كالسّمك، فبوله و خرؤه طاهران؛ لطهارة ميتته، و للأصل، و للزوم الحَرَج لولاه، و انصراف ما قضى بالنجاسة لغيره.

و خالف في الجميع جماعة، فذهب الإسكافي (4) إلى طهارة بول الرضيع الذَّكَر قبل أن يأكل اللحم، و مستنده رواية السّكوني (5)، و هي - مع ضعفها، و أنّ منطوقها عدم وجوب الغسل فلا ينافيه وجوب الصّبّ ثُمّ - لا يعرف جهة لتقييده.

مطلقاً،

و ذهب جماعة من المحقّقين إلى اختصاص النجاسة بغير الطّير، و فيه إلى الطّهارة مطلقاً، و هو للعماني و الجعفي (6) و الصدوق (7) و كاشف اللّثام (8) و الحدائق (9) و الفخريّة (10) و كشف الأسرار (11) و المفاتيح (12) و غيرهم (13)،

ص: 276


1- ينظر: المحقق الحلي، المختصر النافع: 18؛ الشهيد الأول، الألفية و النفلية: 100.
2- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 49.
3- في المصدر: (العِرْق).
4- حكاه عنه في مختلف الشيعة: 1/ 460.
5- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 68 ح 157.
6- حكاه عنهما في ذكرى الشيعة: 1/ 102.
7- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 41؛ المقنع: 5.
8- الفاضل الهندي، كشف اللثام: 1/ 390.
9- البحراني، الحدائق الناضرة: 5/ 11.
10- الرسائل الفخرية: 37.
11- نعمة الله الجزائري، كشف الأسرار: 2/ 305.
12- الكاشاني، مفاتيح الشرائع: 2/ 185، 186.
13- السيد المرتضى، الناصريات 88؛ الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 162؛ المحقق السبزواري، الذخيرة: 1/ 145.

و استثنى الخفّاش في المبسوط (1)، و ظاهر المنتهى (2)، و الوسائل (3): أنه من الطّير و ألحقوه بالنجس ممّا لا يؤكل لحمه.

و تردّد المجلسي و العلوي في البحار (4) و المدارك (5) في طهارة ذرقه بعد الحكم بنجاسة بوله، و المعظم على النجاسة مطلقاً حتّى لو خرج من غير الموضع الُمعتاد، و برهانهم - بعد الإجماعات المنقولة على الكلّية مطلقاً، أو في خصوص المسألة، ففي الخلاف (6): دليلنا إجماع الفرقة، أو في خصوص بعض الأفراد كالخشاف و الدّجاج الجلّال بناءً على عدم القول بالفصل بين أفراد الطّير - عمومُ ما دلّ منطوقاً و مفهوماً على نجاسة أبوال ما لا يؤكل لحمه نحو: «لا تغسل ثوبك من بول شيء يُؤكل لحمه» (7)، و ما دلّ (8) على نجاسة عذرة الإنسان و بوله، بل مطلق البول و العذرة من دون استفصال، فيفيد العموم تركه، و ما دلّ (9) على نجاسة عذرة الكلب و السّنّور و الفأرة، و بول الأوّل كذلك، إلى غير ذلك ممّا هو متفرّق في أبوابه.

قال الوالده رحمه الله في أنواره: فإنّ المستفاد منها على سبيل القطع نجاسة ما ذكرناه من البول و الغائط مطلقاً، و النجاسة و إن لم تذكر في أكثر الأخبار بلفظها، ولكن لها لوازم شرعّية يفهم من الأمر بها تحقّق حصولها، و فهم فقهاؤنا ذلك منها ممّا يعيّن المراد؛ إذ فهمهم هو المعتبر، و عليه المعوّل، فمن اللّوازم الأمر بغسل الثوب و البدن و الإناء، و الأمر بالتزح، و الأمر بإعادة

ص: 277


1- الطوسي، المبسوط: 39.
2- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 99.
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 3/ 412 ح 10؛ باب حكم ذرق الدجاج و الخشاف.
4- المجلسي، بحار الأنوار: 77/ 111.
5- لسيد العاملي، مدارك الأحكام: 2/ 259.
6- الطوسي، الخلاف: 1/ 188.
7- الكليني، الكافي: 3/ 57 ح 1.
8- الكليني، الكافي: 3/ 39 ح 1.
9- الكليني، الكافي: 3/ 404 ح 2.

الصلاة و إهراق الماء وطرح الطّعام الملاقي لهما، و النهي عن الماء الملاقي له في وضوء، و هذه و إن كان كلّ واحدٍ منها لازماً أعمّ، إلَّا أنّ منها ما هو ظاهر في الملازمة و المساواة كالغسل و شبهه، و منها ما يعضد دلالته الإجماع أو اجتماع أمرين أو أمور يقطع باجتماعها حصول النجاسة (1)، انتهى ملخّصه.

و في الرّياض (2) تبعاً لغيره إنكار الملازمة بين أوامر الإعادة والغسل اللازم للنّجاسة؛ لعدم انحصار وجهه، مضافاً إلى أخصّيّتها من المدّعى؛ لتبادر البول و العذرة في الأخبار للإنسان إلَّا خبر السنّور و الكلب (3)

و لعلّ الإعادة لاستصحاب فضلاتها الموجب لها و لو كانت طاهرة حتّى قال: و منه ينقدح أنّ الوجه الحكم بالطهارة حيث لم يكن إجماع و لا رواية. انتهى.

و هو كلامٌ حسن لولا أنّ إطلاق أوامر الغسل يشمل حالة القطع بزوال جميع الأجزاء من دون غسل، فلا محيص عن التزام النجاسة لأجله، لا لاستصحاب الفضلات.

و تردّد شيخ أساتيدنا رحمه الله في تحقّق الإجماع المزبور على كلّيّة المدعى تحريراً و تقريراً، فتأمّل رحمه الله في اندراج ذلك في إجماع المعتبر (4) و المنتهى (5) بعدم شموله لرجيع الطّير، فإنّه مُعَنْون في كلامهما بعد ذلك.

و ناقشَ في استفادة الإجماع من غيرهما حتّى قال: و الحاصل أنّ دعوى الزّائد عن الشهرة في المسألة لا يخلو عن شائبة الجزاف (6)، انتهى.

ص: 278


1- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 344.
2- الطباطبائي، رياض المسائل: 2/ 344.
3- الطوسي، الاستبصار: 1/ 179، 180 ح 627.
4- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 76، 411.
5- لعلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 179.
6- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 5/ 28.

فالذي يعوّل عليه حينئذٍ هو الشهرة، و عموم صحيحة ابن سنان (1) المعتضدة بها، و المعارض عموم رواية أبي بصير (2) و صحيحته المعتضدة بالأصل، و مصحّحة عليّ بن جعفر (3) النافية للبأس، و النسبة بينها و بين صحيحة ابن سنان عمومٌ من وجه و الرجحان للناقد البصير في رواية أبي بصير؛ لقوّة الدّلالة، فإنّ إبقاء العلّة فيها على عمومها أَوْلى من إبقاء عموم ما لا يؤكل في الحسنة؛ لقلّة أفراد عموم الصحيحة دونها، فيصير الطّير من عمومها و إن لم يكن مأكول اللّحم، بل لو كانت حلّيّة الأكل علّة في الطّهارة ما كان لذكر الطير أي فائدة، و بالتعميم تظهر جزماً، مع أنّ في قصر الطير على المأكول إخراج لأكثر أفراده، و التخصيص كذلك مُستَهجَن، بخلاف ما لو خصّصنا غير المأكول بالطّير، إذ لم يخرج عن عمومه إلّا القليل.

ثمّ إنّ نفي البأس فيها ظاهره أنّه من حيثيّة الطّهارة و النّجاسة، و ليس في الحكم عموم بالنظر إلى غيرهما ليرد أنّ تخصيصه بغير حال الصلاة ليس بأولى من تقييد الموضوع فيها بمأكول اللحم ليعمّ الحكم. كما أنّ اعتضاد الصحيحة بالشهرة ممّا لا ثمرة له و لا يصلح عاضداً و مرجّحاً؛ فإنّها إنّما تجبر ضعف السنّد دون الدّلالة (4)، و أمّا فإن كان بحيث لا يبقى معه الظهور المعتبر في الألفاظ لا تنفع الشهرة، و مع حصول الظهور لا حاجة إليها؛ لمكان الظّن النوعي الكافي في الاستدلال بالأدلّة اللّفظية.

نعم، قد يحصل الظنّ بمعونتها بالمراد، لكنّه من الظنون غير المعتبرة عندنا.

لكن مع هذا كلّه فإعراض الجَمّ الغفير عن العمل بمضمونها ممّا يُوهِن الركّون إليها،

ص: 279


1- الكليني، الكافي: 3/ 9 ح 1.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 234 ح 677.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 419 ح 1326.
4- ينظر السيد المجاهد، المناهل: 1/ 44.

مضافاً إلى ما ورد في طهارة خرء الخطّاف (1) معلّلّاً بحلّية لحمه، و هو نص على إناطة الطّهارة بحلّية اللّحم حتى في الطّير، و أخصّ من قوله علیه السلام: «كلّ شيء يطير» (2)، فالعمل عليه و لو بعد جبر ضعف سنده المروي عن كتاب عمّار بن موسى الفطحي بالشهرة المحقّقة إن لم نقل بالإجماع.

قال الفاضل: و الكتاب معتمد جيّد و إن كان فطحيّاً (3). ورواه الشيخ أيضاً (4)، فهي كافية لحجّيّة مفهوم العلّة مطلقاً أو في خصوص المقام، و المسألة غير عريّة عن الإشكال؛ لإمكان حمل هذا الخبر الذي هو المعتمد هنا بأنّ نفي البأس فيه أعم من الكراهة و الحرمة.

و المراد بما «أكل لحمه في الموثقة (5) و غيرها (6) أي ما أُعِدَّ للأكل لا ما جاز أكله مطلقاً، فالمفهوم وجود البأس في غير هذا الفرد فيشمل مثل لحم الحمير و البغال و لا يختصّ بالمحرّم لحمه، فنفي البأس في الخطّاف لعلّه من حيث إنّه لا كراهة في لحمه في نفسه و إن كره لجهة استجارته، فليس هو كلحم غيره ممّا في بوله بأس و كراهة لكراهة لحمه ذاتاً، و يؤيّد الحمل قوله علیه السلام في خبر زرارة: «في أبوال الدواب تُصيب الثوب فكرهه، فقلتُ: أليس لحومها حلالاً؟ قال: بلى ولكن ليس ممّا جعله الله تعالى للأكل » (7)

و الحاصل: لا أقلّ من تساوي الدليلين، و المرجع حينئذ إلى الأصل، لكن ميل المشهور و ذهاب المعظم ممّا تعظم مخالفتهم؛ لأنهم أعرف بلسان الأئمة علیهم السلام حتّى كأنّ السّيرة القطعيّة على اجتناب خرء ما لا يؤكل لحمه مطلقاً و بوله، بل تتعدى فيها إلى اجتناب فضلات بعض المأكولات، فيُسْتَشَم منه أنّ الأصل في كلّ فضلة النجاسة، خرج مأكول اللحم بدليله، فلا

ص: 280


1- الحر العاملي، وسائل الشيعة : 23/ 393 باب كراهة قتل الخطاف.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 266 ح 779.
3- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 6/ 106.
4- فهرست الطوسي: 117؛ 515؛ رجال الطوسي: 250؛ 436.
5- الكليني، الكافي: 3/ 9 ح 5.
6- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 13 ح 18.
7- الكليني، الكافي: 3/ 57 ح 4.

محيص عن حمل هذه الأخبار القاضية بالطهارة على شيء من المحامل كجاري العادة في غيرها، و به أفتى الجدّ رحمه الله و الوالده رحمه الله في كشفه (1) و أنواره (2)، و الكليم في شرح بغيته (3) و باقي أعمامي رحمهم الله.

و أمّا استثناء الخفّاش من الطّير على القول بالطّهارة مطلقاً فمستنده رواية داود الرّقي (4) المعارضة برواية غياث (5) مع ظهور الاتّفاق على عدم التفصيل، فلا وجه لاستثنائه عن الطّير، كما لا وجه للتفصيل بين قوله «فالنجاسة للرواية» و بين خرئه و إن أنكر الملازمة بعض المحقِّقين (6)؛ إذ ليس له نظير في الشرعيّات، و لعدم جريانه على حكمه الطّهارة و النجاسة و لو حكم بطهارة البول؛ لتعارض الخبرين و تساقطهما و الرّجوع إلى الأصل، و بنجاسة الذّرق للحوق بما لا يؤكل لحمه لكان أولى من العكس.

فما اختاره بعض المحصّلين من المعاصرين كما ترى، و أضعف من ذلك القول بنجاسة ذرق الدّجاج، و الظاهر انحصار القائل به بالمفيد رحمه الله (7)، و أمّا الشيخ فقد رجع في الخلاف إلى الحكم بطهارته (8) ، فلا ينبغي الرَّيْب فيه، إنّما الإشكال في نجاسة فضلات المكروه من مأكول اللحم؛ لورود عدّة أخبار (9)بنجاسته، لا من حيث جَلَله أو كونه موطوءاً، فإنّ النجاسة في فضلاتها مفروغ منها؛ للعمومات المتقدّمة، و خيال انصرافها إلى ما كان حراماً بالذات

ص: 281


1- الشيخ جعفر، كشف الغطاء: 2/ 48.
2- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 346.
3- مخطوط؛ نسخة منه في مكتبة الشيرازي. ينظر: الذريعة: 23/ 202؛ ريحانة الأدب: 5/ 28.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 265 ح 777.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 266 ح 778.
6- المحقق السبزواري، ذخيرة المعاد: 1/ 145؛ الخوانساري، مشارق الشموس: 298.
7- المفيد المقنعة: 68؛ 71.
8- الطوسي، الخلاف: 1/ 487، 488.
9- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 266 ح 780.

يردّه ظاهر العلّة المنصوصة في موثّقة عمّار (1) المتقدّمة من كون العلّة في طهارة البول و الخرء و نجاستهما على حلّ اللّحم و حرمته مطلقاً.

نعم، لا يلحق بالحكم كلّ ما حَرُمَ أكله و لو لجهة النذر و الغصب، بل يختصّ بما إذا كان منشأ التحريم حدوث وصف الاستخباث.

و في حرمة لحم الجلّال المتغذي بسائر النجاسة غير العذرة كلامٌ يجيء، و الحقّ فيه عدم لحوق وصف النجاسة؛ أخذاً بالمتيقّن، إلَّا المتغذّي بلبن الخنزير فيلحق بأكل العذرة، و مثله الموطوء بلا خلاف بيّن.

[حكم مكروه اللحم]

و أمّا مكروه اللّحم كالخيل و البغال و الحمير، فقد ذهب غير واحد (2) ممّن تأخّر إلى نجاسة أبوالها و أرواثها تبعاً للشيخ في النهاية (3)، و الإسكافي (4)، و غيرهما (5)، و مستندهم مضمرة سماعة (6) القاضية بنجاسة بول البغل أيضاً بالأولويّة أو الإجماع المركّب، و موثّقة عبد الرّحمن ب- (أبان) (7)، و صحيحة الحلبي (8)، و حسنة ابن مسلم (9)، و رواية عليّ بن جعفر علیه السلام فی

ص: 282


1- الكليني، الكافي: 3/ 9 ح 5.
2- كالمحقق الأردبيلي، في مجمع الفائدة: 1/ 301؛ و السيد العاملي في مدارك الأحكام: 2/ 301؛ و السبزواري في ذخيرة المعاد: 146؛ و الكاشاني، مفاتيح الشرائع: 65/1؛ و البحراني في الحدائق الناضرة: 5/ 21.
3- الطوسي النهاية: 51.
4- حكاه عنه في مختلف الشيعة: 1/ 457.
5- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 204.
6- الطوسي، الاستبصار: 1/ 179 ح 627.
7- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 266 ح 780.
8- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 265 ح 774.
9- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 264 ح 771.

کتابه (1)، و ما ورد أنّ الماء الذي يبول فيه الدّواب إن تغيّر بها فلا يجوز التوضؤ (2)

و رواية أبي بصير (3)، و رواية زرارة (4)، و غيرها (5)، ممّا ظاهره النجاسة، لكن المشهور ذهبوا إلى الطهارة مطلقاً (6) أو خصوص أرواثها دون البول (7).

و عمّنا الكليم في شرح بغيته جعل الاحتياط في اجتناب البول، و ظاهره التردّد في طهارته كشيخ أساتيدنا رحمه الله (8).

للمشهور عدّة نصوص، منها ما اشتملت على طهارة كليهما كرواية أبي الأعز النخّاس (9)، و منها ما اختصّ بأحدهما كرواية المعلّى بن خُنيس (10)، و في الأرواث أكثر بضميمة القول بنفي الفرق.

و من أمعن النّظر في نصوص الطرفين يرى أنّ نصوص النجاسة أوضح دلالةً و أثْقَن سنداً، إمّا مطلقاً، أو في خصوص أبوالها، فإن تحقّق حَرَج في الاجتناب كما قيل (11) كان القول بالطّهارة غير عَريّ عن السّند، و إلّا فلا، فإنّ غاية ما ركنوا إليه أنّ النصوص متعارضة بلا مرجّح فيرجع إلى الأصل، و لم يتّضح لدينا نفي مرجّح أخبار النجاسة بعد ظهور أنّ الشهرة

ص: 283


1- مسائل علي بن جعفر: 173، 305.
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 129 ح 5 ب 3.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 266 ح 779.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 264 ح 779.
5- كموثقة عبد الرحمن في تهذيب الأحكام: 1/ 266 ح 780.
6- السيد المرتضى، الناصريات: 86، الجمل و العقود: 57؛ الطوسي، الخلاف: 1/ 195؛ الرسائل العشر: 171.
7- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 175.
8- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 5/ 34، 35.
9- الكليني، الكافي: 3/ 58 ح 10.
10- الطوسي، الاستبصار: 1/ 180 ح 628 . (11) ينظر الخوانساري، مشارق الشموس: 257.

غير جابرة قطعاً، و لا الظّن الحاصل منها معتبر جزماً، مضافاً إلى إمكان صرف بعض الأخبار كالإجماع المدّعى أو الشهرة إلى فضلات ما أعتيد أكله من الحيوانات، لا ما كان مخلوقاً لغير ذلك و إن حَلّ، و له شَواهِد عاضدة لا أقلّ من تخصيص النجاسة بالأبوال؛ لعدم الحَرَج في اجتنابها بالضرورة.

و الحاصل: الترجيح ظاهراً لنصوص النجاسة؛ لأنها الأقوى، فإن تحقّق الإجماع

المصطلح فيها و إلا فالاجتناب أسلم، «دَع ما يريبك...» (1) و «... احتَط لدينك» (2).

[حكم ما لا نفس له]

و أما ما لا نفس له فالمقطوع به في كلام الأكثر طهارة رجيعه؛ لما ذكرنا، و عليه الإجماع في المعالم (3)، و عدم الخلاف في الحدائق (4)، و نسب الفاضل في التذكرة (5) الخلاف فيه لبعض العامّة، و هو بعدمه عندنا مشعر، و تردّد في الشرائع (6)، و المصنّف في الدّروس (7)لم يقيّد نجس البول و الغائط بذي النفس و قيّد الدّم فاكتفى فيه، و في المدارك (8) أنّ فضلاتها كعصارة الثياب، لكن انصراف إطلاقات النجاسة في البول و الغائط إلى ذي النفس مشكل في الحيوانات البحرية العظيمة الجسم، بل و في غيرها، و إلّا لحكَمَ بانصرافها في عدم جواز الصلاة بغير المأكول و خصّ بما له نفس منه، فانصراف غير المأكول لذي النفس هنا دونه هناك تحكُّم، فالأشبه النّجاسة؛ جموداً على عموم الأدلّة بلا مخصّص.

ص: 284


1- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 27/ 167 ح 6.
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 27/ 167 ح 9.
3- المحقق الشيخ حسن، معالم الدين (قسم الفقه): 2/ 446.
4- البحراني، الحدائق الناضرة: 5/ 13.
5- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 51.
6- المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 1/ 41.
7- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 123.
8- السيد العاملي، مدارك الأحكام: / 263.

نعم، [ب] ثبوت الإجماع على الطهارة يتعيّن الاحتياط كما في كلّ مقام يكون فيه الشهرة و ظواهر الأدلّة طرفي للنقيض.

(و) الثالث و الرابع: (الدّم و المنيّ) و لو من حيث الحكم الشرعي به و إن لم يسمّ في العرف كذلك في الثاني، فيشمل الخارج من المشتبه قبل الاستبراء، و يشترط في نجاستهما أن يكونا (من ذي النفس عندهما، فما يخرج من غير ذي النفس طاهر مطلقاً (آدميّاً كان) ذو النفس (أم غيره).

[طهارة دم النَّبي صلّی الله علیه و آله و الأئمة السلام]

فيدخل فيه النَّبيّ صلّی الله علیه و آله و الأئمّة علیهم السلام، و تخصّص آية التطهير (1) بالعمومات و الإطلاقات

القاضية بنجاسة الأربع مطلقاً في الإنسان مطلقاً، و ينفى إقراره لأمّ أيمن في شرب بوله (2) الظاهر منه أن لا خصوصيّة له من بين النجاسات و لا مفصّل، ولكن الحكم بذلك محتاج إلى الجرأة و إن حكم به أساطين الأصحاب (3)، و بروضه النّص بالعموم (4).

و نحن نقول: إنّ العقل القاطع حاكم بأنّ كلّ صفة حسنة يمكن أن يتسربل بها الممكن يجب عقلاً أن يتّصف بها النبي صلّی الله علیه و آله و الأئمّة علیهم السلام، و لا ريب أن عدم نجاسة ما هو نجس في غيرهم من الأوصاف الحسنة؛ لعلوّ قدرهم عن سائر المخلوقين، فاتّصافهم بها واجب عقلاً، مع أنّ الكلّية في الأربع لم تبقَ على عمومها، و هذا الفرد أظهر أفراد المستثنى، بل في استثناء عليّ علیه السلام من أحكام الجنب من المكث (5) في المسجد، بل و الجماع فيه من أقوى المؤيدات، فلا

ص: 285


1- قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا). سورة الأحزاب: 33.
2- المجلسي، بحار الأنوار: 16/ 178.
3- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 267.
4- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 435.
5- الكليني، الكافي: 5/ 339/ 1؛ سنن الترمذي : 5/ 305 ح 3815؛ الطبراني، المعجم الكبير: 2/ 246 ح 2031.

يشمله عمومات المنع مطلقا.

و في [الزيارة] الجامعة: «و أَذْهَبَ عَنْكُم الرجس و طهركم» (1). الشامل لجميع أنواع الطهارة الموجب لطهارة جميع ما احتوى عليه أبدانهم و ما خرج منها، و الرّجس هو النجس كما في المعالم (2) في تفسير : (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) (3)، و معنى إذهابه عنهم هو ما حرّرناه صريحا، و غير ذلك ممّا لا يحصى ممّا ظاهره ما حرّرنا، لا أقلّ أنّ هذه الأخبار تجري مجرى قوله علیه السلام: «كلّ شيء يطير فلا بأس بخرئه» (4). و أيّ مانع من أن تجعل المناصب الإلهية كالطيران في العلّيّة.

و مع الإغماض عن ذلك كلّه فحكومة العقل الآبية عن التخصيص ممّا تقضي بحسن هذا الوصف، و أنه يمكن اتّصاف الممكن به فيجب أن يتصفوا بذلك؛ لما تحقّق في محلّه من وجوب اتصافهم بكلّ خَلْق أو خُلُق أو وَصفٍ حَسن لا يُورث الشركة، فالقول به في الأربعة (5) متعيّن قطعاً.

و لا فرق في غير الآدميّ من ذي النفس بين أن يكون (بريّاً أو (6) بحريّاً) إن ثبت أنّه ذو النفس في الثاني.

و خالف الشافعي (7) في الجميع، و هو على إطلاقه باطل، و الظاهر أنّ نجاسة منيّ الإنسان مطلقاً ممّا لا شُبهة فيه عندنا، و كذا غير مأكول اللّحم من الحيوان تما له نفس سوى الطّير منه على قول، و صريح قولهما: (و إن أكل لحمه)، هو إلحاق الدّم و المنيّ من مأكول اللّحم بشرطه بغيره.

ص: 286


1- ابن قولویه کامل الزيارات: 527.
2- المحقق الشيخ حسن معالم الدين (قسم الفقه): 2/ 476.
3- سورة الأنعام: 145.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 266 ح 779.
5- أي: البول و الغائط و الدم و المني.
6- في المصدر: (أم).
7- حكاه المحقق الحلي في المعتبر: 1/ 415؛ و العلّامة الحلي في منتهى المطلب: 1/ 184.

و الأوّل سيجيء إشكال التفكيك فيه، و الثاني نقل الإجماع (1) عليه في مطلق ذي النّفس، و استدل له بأشدّيّة نجاسته من البول في الخبر فينجس بالأولويّة، و في الاستدلال نظر، فإن قامَ عليه الإجماع خصّص منطوق موثّقة عمار (2) و مفهوم موثّقة عبد الله بن بكير (3) الواردة في لباس المصلِّي، و إلّا فالظّاهر الطهارة؛ للأصل، خرج البول بدليله لو فرض نجاسة بعض الأبوال، و بقي غيره مطلقاً.

[حكم مني ما لا نفس له] ...

و أمّا منيّ ما لا نفس له، فالطّهارة أشبه بمذاق الفقهاء (4)، و عليه هما هنا، و المحّقق (5) تردّد فيه، و كأنّه للتشديد في الخبر، و لو قلنا بطهارة أبوال ما لا نفس له؛ لأنّ النجاسة أظهر أفراد الأشدّيّة في الطاهر و في غيره بطريق أولى، فهو بضميمة قيام الإجماع على نجاسته مطلقاً يتّجه التّوقف في طهارته، لكن انصراف المنيّ لغير محلّ البحث ممّا يُوهِن عموم الإجماع، ففي الصّحاح أنّه ماء الرّجل خاصّة (6)، و في شمول الأشدّيّة لهذا الفرد منعٌ، و لو سلّم فلعلها في أُمور أُخَر غير النجاسة، منها كون المنيّ موجب للحدث دون البول.

ثمّ إنّ الظاهر عدم نجاسة ما يخرج من المخرجين غير الثلاثة (7)، فالثلاثة كالثلاثة في الحكم مطلقاً على الأقوى، و جعلُ الصادق علیه السلام الخارج منهما غيرهما بمنزلة النخامة (8)دليلٌ عليه، و لعلّ الأمر بالغسل في بعضها للاستحباب أو للتقيّة.

ص: 287


1- ينظر المحقق الحلي، الرسائل التسع: 271.
2- الكليني، الكافي: 3/ 9 ح 5.
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 248 ح 31.
4- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 156، تذكرة الفقهاء: 1/ 55، منتهى المطلب: 1/ 184.
5- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 415، شرائع الإسلام: 1/ 41.
6- الجوهري، الصحاح: 6/ 2497 مادة (منا).
7- أي: البول و الغائط و المني.
8- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 17 ح 38.

نعم، المشتبه الخارج قبل الاستبراء في الاثنين محكومٌ عليه شرعاً (1) بلحوق الاسم و الحكم فيها.

[حكم الدم المسفوح]

و أمّا الدّم، فنجاسته مع القيد ممّا لا شبهة فيه، و الإجماع (2) المحقّق عليه سواء كان مسفوحاً أم لا للإجماع (3) أيضاً و إن قيّده به جماعة (4)، أو استظهر ممّن علّل طهارة بعضه بعدم السفح، فإنّ مبناه على اعتبار مفهوم الوصف في الآية، و هو ضعيف مطلقاً، أو في المقام، أو معارض بمنطوق الأخرى، و هو المقدّم، و لا يصلح تخصيصه بالمفهوم مطلقاً، أو يقتصر فيه على مفهوم الشّرط و الغاية و ينفى التخصيص في مفهوم الوصف، إذ لو قلنا بثبوته فهو لجهة العراء عن الفائدة، لا لجهة الوضع، و لا الإطلاق، و حينئذ يضعف عن تخصيص المنطوق جدّاً.

و لا يقال: إنّ القاضي بالطّهارة عموم المستثنى منه في (قُلْ لَا أَجِدُ) (5) لا مفهوم المستثنى، فلا دفع، فإنّ العموم المزبور لا يصلح المعارضة آية التحريم المطلقة إلّا بدلالة المفهوم على طهارة غير المسفوح من الدّم في الآية الأخرى.

نعم، لو لم تسلّم الملازمة بين التحريم و النجاسة فيقال: كلّ نجس حرام و لا عكس (6)، ارتفع التنافي بين الآيتين، و يفزع حينئذ إلى الأخبار (7) القاضية بالإطلاق في نجاسة الدّم أو

ص: 288


1- ينظر الرسائل الفقهية: 1/ 333.
2- ينظر السيد المرتضى، الناصريات: 94.
3- ينظر ابن إدريس، السرائر: 1/ 178.
4- ينظر ابن زهرة، غنية النزوع: 41.
5- سورة الأنعام: 145.
6- حبيب الله الكاشاني، تسهيل المسالک: 3.
7- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 254 ح 737.

الإجماع (1) المنقول عليه.

و الظاهر أنّ المعلوم المسلّم هو أنّ النجاسة فيه سبب للحرمة، و أمّا أنّه لا سبب للتحريم سواها فيه فغيرُ واضح، و أصالة عدم سبب آخر لا يجدي في إثبات دلالة الآية و لا في إحراز النجاسة، كما لا يجدي لو عمّمنا السّفح لما من شأنه ذلك و إن حصرنا مصداقه بدم ذي النّفس مطلقاً فإنّه لا يطرد أوّلاً، و لا يصّح تفريع طهارة الدّم المتخلّف في الذبيحة عليه؛ لصدق أنّه من ذي نفس سائلة ثانياً، و أيّ فائدة بالتعبير به دونه ثالثاً، و لا انتقض الحكم بدم ميتة الحيوان إن كانت نجاسته لا من حيث إنّه من أجزاء الميتة فيلحقها حكمه رابعاً.

لكن لو فسرّنا المسفوح بما يخرج من عروق الحيوان بدفع و قوّة لا مطلقاً ارتفعت الثلاثة و الرابع بالالتزام بما تلا أن و يبقى الدّم المنصبّ من العروق الموجود في جَوْف الذّبيحة على هذا التفسير نجساً، و لعلّه كذلك، و إن تأمل به الوالد قدس سره (2)

و الحقّ أنّ القاضي بعدم اعتبار السّفح بمعناه المعروف خصوص ما ورد في دم الرّعاف (3)، و الدّم الذي يخرجه المصلّي بإصبعه من الأنف (4)، و الدّم الخارج بحكّ الجلد (5) و أشباهها (6) من مصاديق غير المسفوح المعلوم نجاسته من النصّ، بل الظاهر منها، و من رواية المنقار (7)و إطلاق أجوبة مسوقة لحكم آخر، و من الآية (8)، أنّ الأصل في مطلق دم الحيوان النجاسة إلّا ما خرج، و الخارج منه على المشهور و غير المشهور أمور:

ص: 289


1- نظر ابن زهرة، غنية النزوع: 41.
2- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 348.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 14 ح 30.
4- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 366 ح 1054.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1 / 255 ح 741.
6- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 254 ح 776.
7- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 13 ح 18.
8- قوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ في مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِم يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَما مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرِ . سورة الأنعام: 145.

[المستثنيات من أصل نجاسة مطلق الدم]

منها: غير المسفوح، فإنّ ظاهر الحلّي (1) و الفاضل (2) في بعض كتبه و غيرهما (3) أنّ الحكم بالنجاسة معلّق على السّفح فغيره حلال و طاهر، وألَحَّ عليه بعض المصنّفين ممّن تأخّر (4)، ولكنّه كما عرفت أنّ النّجاسة فيه بديهة إجماعيّة، و حمل كلمات الفاضل و غيره على غير المفهوم، و هو معقد اتّفاق المعتبر (5) و التذكرة (6)، و في أطعمة التحرير (7) قال: و غير المسفوح كدم الضّفادع كذلك، انتهى. يعني أنّه نجس.

و منها: الحكم بطهارة قليله، الجازم به ابن الجنيد (8) لبعض الشواذ، و ربّما استظهر من عبارة الفقيه في قوله: و إذا كان الدّم دون حمّصة فلا بأس بأن لا يغسل إلّا أن يكون دم الحيض (9)، انتهى.

و هو ضعيف قائلاً و مَقُولاً، و عبارة الفقيه محمولة على العفو مطلقاً كعفو ما دون الدّرهم في الصلاة و إن كنّا لا نرتضيه أيضاً، فلا موافق لابن الجنيد.

و منها: دم ما لا نفس له، و الظاهر أنّه لا خلاف في جواز الصلاة فيه مطلقاً و عدم الاحتراز عنه، ولكنّه على سبيل العفو أو أنّه طاهر خلاف، و الثاني أوفَق بمَذاقهم، و نقل

ص: 290


1- ابن إدريس، السرائر: 1/ 178.
2- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 192.
3- ينظر: المحقق السبزواري، ذخيرة المعاد: 149؛ المحقق الاردبيلي، مجمع الفائدة: 1/ 315.
4- لبحراني، الحدائق الناضرة : 5/ 44، 45.
5- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 101.
6- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 56.
7- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 4/ 642.
8- حكاه عنه في مختلف الشيعة: 1/ 179.
9- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 104، ذيل حديث 165.

الإجماع عليه في الخلاف (1) و المعتبر (2) و المنتهى (3) و المختلف (4) و الغُنية (5)، و في الذكرى (6) إجماع الفرقة على طهارته، و الحلّي (7) إجماع أهل البيت علیهم السلام، سواء في ذلك دم السّمك و غيره.

و جعل ابن الجنيد رحمه الله السّمك بعد موته و البراغيث مطلقاً من النّجو (8)، ولكن المصنّف استظهر من المقنعة نجاسة كلّ دمّ، و أنّه إنّما جازت الصلاة في دم البراغيث و البق رخصةً؛ للزوم الحرج، ففيما لا حرج فيه لا رخصة، حيث قال رحمه الله في غير دم الحيض و غير ما زاد عن الدّرهم في دم ذي النّفس ما نصّه: فأباح الله تعالى لعباده الصلاة في قليل ذلك و كثيره؛ دفعاً للمشقة عنهم رخصة لهم على ما شرحناه (9)، انتهى. فكأنه ساوى في العفو بين دم ما لا نفس له و بين ما نقص عن الدرهم من ذي النفس.

و في المختلف (10) استظهار ذلك من عبارة الشيخ رحمه الله في الجمل و المبسوط (11) و الوسيلة (12) أيضاً، حيث قسّما الدّماء و سوّغا الصلاة في دم البق و البراغيث و نحوهما، و المتبصّر يمنع الاستظهار؛ لتصريح الشيخ رحمه الله بطهارة دم السمك في أطعمته، و لحكايته

ص: 291


1- الطوسي، الخلاف: 1/ 476.
2- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 421.
3- العلّامة الحلي، منتهى الطلب: 1/ 163.
4- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 474.
5- ابن زهرة، غنية النزوع: 41.
6- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 112.
7- ابن إدريس، السرائر: 1/ 174.
8- حكاه عنه في مختلف الشيعة: 1/ 474.
9- المفيد المقنعة: 70.
10- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 473.
11- الطوسي، المبسوط: 1/ 35.
12- ابن حمزة الوسيلة: 77.

الإجماع في الخلاف على الطّهارة، و بعده بيسير استثنى ممّا يجب إزالته من النجاسات الدّم، قال رحمه الله: فإنّ له ثلاثة أحوال: دم البق و البراغيث و السّمك و ما لا نفس له سائلة و دم الجراح اللازم لا بأس بقليله و كثيره (1)، انتهى.

فيبعد عليه تقارب التناقض، و لعلّه أراد في الكتابين تقسيم الدّم على إطلاقه لا تقسيم النجّس منه، فيكون تقسيم النّجاسة إلى الدّم و غيره كتقسيم الحيوان إلى الأبيض و غيره في أنّ بين المقسم و القسم عموماً من وجه و إن كان القسم حقيقة هو الحيوان الأبيض و الدّم النجس، و الحاصل هو بمنزلة أن يقال: الإنسان إمّا أبيض أو أسود، و الأبيض إمّا ناطق أو غيره.

لكن مع هذا فكلامه في المصباح (2) و مختصره صريح في ذلك لقوله: و الضّرب الآخر من النجاسة لا يجب إزالة قليله و لا كثيره، بل هو معفوّ عنه نحو دم البق والبراغيث والسمك ودم الدماميل اللآزمة والجراح الدامية وما لا يمكن التحرّز عنه، انتهى لجعله هذه الدّماء من ضروب النجاسة، و لحكمه بالعفو و المساواة، و كذلك عبارة سلّار (3)، و حينئذ فإن تَمَّ الإجماع أو اعتمد على ظاهر رواية السّكوني (4) و غيرها (5) بعدم البأس بدم ما لم يذكَّ كان الحكم بالطّهارة جيّداً، و إلّا يشكل الأمر في جواز أكله بناءً على عدم الاستخباث مطلقاً فيه، أو خصوص دم السّمك و دم الذبح، و في جواز بيعه كذلك على المختار في بيع النّجس. فقول الأستاذ رحمه الله: و لا عِبرَة بالوَهم و لا بالموهوم (6) بعد إفادة المصباح فيه كما ترى، خصوصاً بعد إحكامه لأصالة النّجاسة في الدّم مطلقاً و عدم ركونه لمنقول الإجماع في غيره فتأمل.

ص: 292


1- الطوسي، الخلاف: 1/ 476.
2- الطوسي، مصباح المتهجد: 14.
3- حكاه عنه في مختلف الشيعة: 1/ 473.
4- الكليني، الكافي: 3/ 59 ح4.
5- الكليني، الكافي: 3/ 59 ح7.
6- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 5/ 84.

و منها: الدّم المتخلّف في المذبوح ممّا يقبل التّذكية بعد نزف ما تعارف نزفه و خروجه بالذّبح، و طهارته في الجملة محلّ وفاق (1)

و في الخلاف (2): أنّه سائغ، و هو طاهر و لا يجب غسل اللّحم منه إجماعاً، و ظاهر الآية (3) يقضي به، و عمّم المذبوح جماعة (4) لمأكول اللّحم و غيره و الدّم لما تخلّف في محرّمات الذّبيحة و المحلّل منها بعد قصر التعميم على المأكول أو مطلقاً، و لما سفح و خرج أيضاً من العروق بعد إكمال الذّبح و خروج المتعارف حيث ينفصل عن اللّحم في حالة التسلّخ أو غيرها كدم القلب و الطحال.

و توقّف في غير المتخلِّف في اللّحم المحلّل اتّصاله به من الصور جماعة (5)، فهنا مسائل:

[المسألة] الأولى: لا إشكال في نجاسة المسفوح من بعض أجزاء الذّبيحة بعد الذبح كدم الطحال و القلب من دون فرق بينهما، و السفح الذي هو علّة التحريم صادق عليه، و لا يضرّ إطباقهم على طهارة المتخلِّف مطلقاً و هو منه و إن سفح بعده؛ لإمكان منع الصّدق، لأنّ الخارج من الشيء ليس متخلّفاً فيه، و تعميم المتخلِّف لما تخلَّف بعد الذبح مطلقاً في العروق يمكن منعها.

و لو سلّمنا ذلك تعارضَ الإجماعان في المسفوح من القلب و الطّحال من طهارة المتخلّف و نجاسة المسفوح و النسبة تباين جزئي، إذ المسفوح في تفسير الشارح: هو المنصبّ الخارج من عرق، فيصدق في محلّ البحث، و المرجع حينئذ إلى أصالة النجاسة في الدّم، مع أنّ

ص: 293


1- العلّامة الحلي، منتهى المطلب 1/ 191؛ الشهيد الأول، الدروس: 1/ 123؛ الصيمري، كشف الالتباس: 1/ 395؛ المحقق السبزواري، كفاية الأحكام: 1/ 59.
2- الطوسي، الخلاف: 1/ 488.
3- سورة الأنعام: 145.
4- ينظر العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 188.
5- ينظر الكاظمي، مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام: 4/ 151.

العام الثاني أرجح؛ لتوقّف الإجماع على الحلّيّة على غايته، و هي عدم السّفح، فطهارته تتوقّف على كونه من غير المسفوح، و كونه كذلك يتوقّف على قصر المسفوح على خصوص دم الذّبح، و القصر كذلك غير ظاهر، و إلّا لقضي بطهارة دم الفَضد، و لا يدّعيه أحد.

و تخصيص المسفوح بما له شأنيّة النفوذ عند الذبح فيعمّ دم الفصد و يخرج عنه ما ليست له تلك الشأنية تمحّل في معناه، فالأولى النجاسة وفاقاً للشيخ فيهما (1)، و الشارح بروضه (2) و جامع المقاصد (3) في الطحال، و خلافاً لأطعمة الكتاب، فيجب حينئذٍ أن تحمل مقالة جلّهم (4) في التعبير عن المسفوح بما لم تقذفه الذبيحة بأنّهم أرادوا غير ما نحن فيه، و لا يتمحّل في إرجاع الاستثناء في قول المحقّق الثاني رحمه الله: «الدم المتخلّف طاهر حلال إلّا دم الطّحال» إلى الحلّية دون النجاسة.

[المسألة] الثانية: فيما تخلّف من الدّم في المذبوح المحرّم أكله، و الظاهر نجاسته كسابقه

مطلقاً، و هو المنسوب إلى ظاهر الأصحاب (5) أو اتّفاقهم، و كأنّه لجهة انصراف الذّبيحة إلى ما كانت حلالاً، أو لجهة حرمة الأكل، و فيهما نظر؛ لمنع الانصراف، و إلّا لكان الفرد الخفيّ ما يحلّ أكله كالخيل و البغال أيضاً كذلك، فإنّ عدم الانصراف المدّعى في غير المأكول و هذا الفرد من المأكول سواء، ثمّ الملازمة ممنوعة أيضاً، و اتّحاد التذكية في الاثنين موضوعاً و حكماً مما يبعّد النجاسة، و عليه كاشف اللثام (6).

و العمدة الإجماع في المقام، فإن لم يتحقّق فالحقّ الطّهارة، و لم أعثر بعد التتبع على مصرّح به من شيوخ المذهب، لكن من حيث عدم استثنائهم له من الدّم المحكوم بنجاسته نسب لهم

ص: 294


1- الطوسي، الخلاف: 6/ 29.
2- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 436.
3- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 163.
4- كفخر المحققين في إيضاح الفوائد: 1/ 26.
5- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 5/ 80.
6- الفاضل الهندي، كشف اللثام: 1/ 407.

المتأخّرون (1) ذلك، فيقال عليهم: إنّ ظاهر الأصحاب على الطّهارة؛ إذ لم يعثر على مقيّد له بمأكول اللّحم في باب الطّهارة و إن قيد في الأطعمة من جهة الحلّية، فحينئذ كما أطلقوا نجاسة الدّم أطلقوا طهارة المتخلّف، و كونه حرام الأكل لا يقضي بالنجاسة، و قصر حكم المتخلّف ليس بأَوْلى من كون النجس ما عداه مطلقاً، بل لولا فهم المعظم و ظهور جملة من الأخبار (2) في تعليق وجوب الإزالة على ماهيّة الدّم لشككنا في أصالة النّجاسة و أنكرنا وجود دلیل بنجاسة الدّم على عمومه، فتأمل.

لكن في الجواهر بعد نسبته للفاضل الثاني نسبه للدرّة، و فيها: و الدّم في المأكول بعد قذف ما يقذف طهر قد أحلّ في الدّماء، و الأقرب التّطهير فيما يحرم من المذكّى و عليه المعظم (3)، و كأنه فهم من الموصول الحيوان، و جعل (من) بيانية، و أنّ معنى التطهير الحكم بالطهارة.

و فيه: إنّ التبعيض أظهر في (من)، فالمراد من الموصول الجزء المحرّم كالطّحال من المأكول، فلا تعرّض فيه لغير المأكول، و على فرضه فكون التطهير هو الحكم بالطّهارة خلاف الظاهر، بل ظاهره أنّه عبارة عن إزالة النّجاسة، فهو بالدّلالة على النجاسة أجْدَر .

و ممّا حرّرنا يعلم حال الدّم المتخلِّف في ما عدا اللّحم و لو من محرّمات الذّبيحة، و لعلّ الحكم بطهارته موضع وفاق، و عليه الموجز (4) و الرّوض (5) وأطعمة الكتاب ظاهراً، و في المسالك (6) و جهان، و في الجواهر (7) نسبة نجاسة دم الطحال للرّوض أو بالتاء (8)، و ليس فيهما

ص: 295


1- الفاضل الهندي كشف اللثام: 1/ 407.
2- الكليني، الكافي: 3/ 59 ح4.
3- النجفي، جواهر الكلام: 5/ 366.
4- ابن فهد، الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 38.
5- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 435.
6- الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 1/ 125.
7- النجفي، جواهر الكلام: 5/ 363.
8- يعني الروضة البهية.

ذلك.

نعم، في جامع المقاصد (1) موجود لكن كلّ ذلك إذا لم يتحقق الشفح، و أمّا معه [ف] المختار ما تقدّم.

[المسألة] الثالثة: إنّه لا إشكال في طهارته مع عدم انفصاله عن اللّحم، فلو انفصل و جمع في إناء بعد تخلّفه، ظاهر الأصحاب طهارته أيضاً و إباحته، ففي الحدائق (2): إنّه طاهر مباح بلا خلاف، و لا ظهور له في حالة الاتّصال فقط، فإنّ تمّ الإجماع فيها و إلّا فلا دليل على إباحته، و لا عُسر في اجتنابه كذلك، فتشمله أدلّة التحريم، فيقصر ظهور الإجماع المدّعى على غير صورة الانفراد و إن بَعدَ التفكيك بين الإباحة و الطّهارة، حيث إنّ المحكوم عليه بهما شيء واحد في كلام الفاضل (3) و غيره (4).

فلو قصرنا الإباحة على حالة الاتّصال ينبغي أن نقصر النجاسة أيضاً عليها، و هو بيّن الفساد، فالتفكيك بينهما مشكل، و جعلهما حكماً واحداً أشكل، و عليه يشكل قول الشارح في أطعمته (5): و لو قيل بتحريمه كان حسناً؛ للعموم، و لعلّ نظره إلى أنّ حرمته من حيث الاستخباث، و هو يتحقّق بانفصاله فلا ينافي طهارته و حلّيّته المطلقة عروض سبب آخر للحرمة، فالاستخباث كالنجاسة الخارجة العارضة له المحرّمة لأكله، لكن قصر الاستخباث على حالة الانفصال فقط لعله غير ثابت، فإن كان ففيهما سواء و إلّا فلا، مع أنّ ظاهر كلامه الاستناد إلى عمومات الحرمة، و سيجيء بيانه في الأطعمة إن شاء الله تعالى.

و منها: إنّ المشهور نجاسة العلقة التي تستحيل عليها النطفة، و الشهرة مبنيّة على

ص: 296


1- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 163.
2- البحراني، الحدائق الناضرة: 5/ 39.
3- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 191.
4- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 123؛ الصيمري، كشف الالتباس: 1/ 395؛ المحقق السبزواري، كفاية الأحكام: 1/ 59.
5- الشهيد الثاني، الروضة البهية: 7/ 329.

شمول معاقد الإجماع على نجاسة دم الحيوان مطلقاً لها؛ إذ لا إجماع عليها بخصوصها إلَّا من خلاف الشيخ (1)، و ضرب عنه غير واحد، ففي الحدائق: إنّ الأقوى طهارة العلقة (2)، مستدلاًّ بانصراف الأخبار لغيرها غير معتنٍ بإجماع ،الشيخ، و كذا غيره ممّن طهّرها (3)، بل أكثر (4) من نجّسها علّل النجاسة بكونها دَم حيوان و هو نجس إجماعاً، لكن ظاهر جملة (5) من الفتاوى الحكم بنجاستها، و هو لا يفيد تحقّق نقل الإجماع المفيد، فاللازم حينئذ بذل النظر إلى معرفة مستند فهم العلماء و مدركه على وجه ينفع في نجاسة العلقة و نحوها من الأفراد الغير الظاهرة، و عساه من مجموع أخبار أشرنا لبعضها إجمالاً، و في استفادة الأصل المزبور من أكثرها نظر، ففي شرح المفاتيح (6) استفادته من ترك الاستفصال المفيد للعموم في مصحّحة ابن هشام قال: «سألته عن الرّجل يرى في ثوب أخيه دماً و هو يُصلّي، قال: لا تؤذنه حتّى ينصرف» (7)، و نحوها كثير.

و فيه: إنّ السؤال و الجواب مسوقان لمعرفة حُكم إعلام الغير إذا غفل في الصلاة عن نجاسة ثوبه وجوباً أو جوازاً بعد الفراغ عن نجاسة الدّم عموماً و خصوصاً.

و كذا خبر السّكوني (8)، فإنّه بناءً على مفهوم الوصف الذي فرغنا من عدم حجّيته أنّه لا يمكن أن يكون مَسُوْقاً لبيان حكم نجاسة الدّم؛ لما فيه من الاستهجان، و مثلهما خبر الدّعائم:

ص: 297


1- الطوسي، الخلاف: 490/1.
2- البحراني، الحدائق الناضرة: 5/ 51.
3- الفاضل الهندي، كشف اللثام: 1/ 421.
4- الطوسي، المبسوط: 1/ 92؛ ابن إدريس السرائر: 1/ 188؛ المحقق الحلى، المعتبر: 1/ 422؛ العلّامة الحلي، تذكرة الأحكام: 1/ 57.
5- ينظر المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 422.
6- البهبهاني، مصابيح الظلام: 4/ 441.
7- الكليني، الكافي: 3/ 406 ح8.
8- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 414 ح 1307.

قالا في الدّم يُصيب الثوب يغسل كما يغسل النجاسات (1)، حيث علّق الحكم فيه على طبيعة الدّم.

و فيه: إنّها مرسلةٌ ظاهرة في نقل المعنى، فلو اعتبرنا المرسل لم نعتبرها؛ لما فيه من التلفيق بين الرّواية و الدّراية.

نعم، استفادة العموم من النبويّ (2) المُرسَل لا تكاد تُنكَر، و هو إنّما يغسل الثوب من البول و المنيّ و الدّم؛ فإنّه لبيان أصل النجاسة، إلّا أنّه من طرق العامّة، و أنّ الحصر فيه قد يكون للاحتراز عن سائر الفضلات غير الثلاثة، و على هذا النسق الروايات الخاصّة الواردة في نجاسة الدّم الآمِرَة بغسله و إزالته فإنّ أكثرها مسوقة لبيان حكم آخر، و فيها كالنّبوي مثل رواية عبد الله بن سنان (3) و عليّ بن جعفر (4)، و في الأخير: «و إن أصابَ ثَوبك قدر دينار من الدّم فاغسله... إلخ».

و الضّابط في المفيد (5) هنا أن يكون وارداً في بيان أصل نجاسة الدّم لا بيان حكم آخر بعد الفراغ من نجاسته، لكن المتتبع قد يحصل له الظنّ الاطمئناني بذلك، فأصالة النجاسة في الدّماء الحيوانيّة مع القيد كأنّها لا شبهة فيها كما أشرنا إليه في صدر المسألة، و عليه فلا فرق بين أقسام العلقة و أقسام الدّم، فالدّم الذي في البيضة نجس؛ للأصل، و ظاهر الأكثر عليه و به صرّح الفاضلان (6)، و استوجه في المعالم (7) الطهارة مدّعياً عدم معلوميّة كونها علقة، و عدم

ص: 298


1- القاضي النعمان، دعائم الإسلام: 1/ 117.
2- سنن أبي داود: 1/ 93 ح374.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 275 ح 810.
4- مسائل علي بن جعفر: 173/ 305.
5- كذا في المخطوطة، و لعل الصحيح: (المقيد).
6- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 422؛ العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 74.
7- المحقق الشيخ حسن، معالم الدين (قسم الفقه): 2/ 480.

شمول إجماع الخلاف لها، و كذا الخوانساري (1) و الحدائق (2)، و من الجواهر (3) قوله بالطّهارة هنا للأصل مع عدم وضوح المعارض. و مفاده منع عموم الأخبار و إطلاقها من هذه الجهة.

و فيه: اعترافه بالعموم من جهة اشتراط عدم السّفح كما غبر، و لا فرق إلّا محض التحكّم بعد فرض صدق الدّم عليها، فالقائل بالطهارة إمّا أن يمنع الصدق، أو كونه دم حيوان، أو ينكر الإطلاق و العموم في أدلّة الدّم مطلقاً، أو من هذه الجهة، أو يرى الانصراف لغيره بعد تسليم السابق، أو يزعم خروجه بمفهوم آية السّفح (4)، و الجميع كما ترى؛ إذ فعليّة الجزئيّة لا قاضي بها، و معاقد الإجماعات لا تنصرف إلى ذلك، بل الظاهر كفاية إسناد الدّم إلى الحيوان في نجاسته و إن لم يكن جزءاً منه بالفعل، و هي صريح المحقّق رحمه الله (5)، فإنكار كونه دماً للمطهّر أولى من الركون لغير ذلك.

نعم، الدّم الذي ليس للحيوان مدخل فيه كمطر السّماء [دماً] يوم عاشوراء (6) و نحوه يتّجه الحكم بطهارته، و حينئذٍ فمتيقّن الخروج من عموم نجاسة دم الحيوان مطلقاً ثلاثة أنواع: دمّ النَّبيّ صلّی الله علیه و آله و الأئمة على ما ذكرنا، و المتخلّف في الذبيحة المأكولة لا مطلقاً، و دم ما لا نفس له، و يدخل فيه دم السّمك.

قال في المعتبر (7): الدّم كلّه نجس عدا دم ما لا نفس له، و هو مذهب علمائنا، و لعلّه كذلك جزماً، فلا عبرة أيضاً بظاهر ذكرى المصنّف (8) في الميل إلى طهارة دم البيضة، و الشارح

ص: 299


1- الخوانساري، مشارق الشموس: 309.
2- البحراني، الحدائق الناضرة: 5/ 51.
3- النجفي، جواهر الكلام: 5/ 362.
4- قوله تعالى: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِم يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لحم خنزير). سورة الأنعام: 145.
5- المحقق الحلي، المختصر النافع: 245.
6- ينظر: المجلسي، روضة المتقين: 5/ 383؛ الكاشاني، الوافي: 11/ 77.
7- المحقق الحلي، المعتبر: 1 / 420.
8- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 112.

بروضه (1) بعد الجزم بالنّجاسة نقل ما في الذكرى بعينه فأبهم اختياره.

و على ما حرّرنا من أصالة النجاسة في دم الحيوان ذي النّفس و خروج المستثنى منه لا ينبغي الرّيب في طهارة ما شك فيه إذا لم يكن من جهة الشبهة المحصورة فيلحقه حكمها، و كذا الحكم بالعفو عند الشك في أنّه من المعفوّ عنه أوّ لا؟، و مثّل للأوّل بالدم المرئي في الثوب أو البدن المردّد بين كونه من دم البعوض أو نفس الجلد، و قد نفى في الحدائق (2) الخلاف في طهارته و هو اختيار النهاية (3) و الموجز (4) و شرحه و المصنّف في غيره (5) و جدّي و والدي رحمه الله في الكشف (6) و الأنوار (7)، بل هو الحقّ و إن ظهر وجوب الاجتناب من الشيخ (8)، و المَيل إلى النجاسة من أُستاد الكلّ في شرح المفاتيح (9).

و محط كلامه في الشبهة الموضوعيّة، و أقصى دليله شمول إطلاقات الدّم و الأخذ بمعلوم الخروج دون مشكوكه، أو الخصوص الموثّقة الواردة في دم المنقار (10) لترك الاستفصال المفيد للعموم فيها، فإن كان الأوّل فَوهنهُ بما فرغنا منه في بابه من عدم جواز العمل بالعام المخصّص في الفرد المشتبه بين الباقي و الخارج خصوصاً فيما يرجع التخصيص فيه إلى التنويع.

و خلاصته: إنّ اندراج أفراد العام فيه إنّما هو لجهة أصالة الحقيقة فيُقال: لو أُريد بالعام بعض أفراده دون بعض لوجبَ على المريد البيان و قبح منه التأخير و الترك، فيدّعى

ص: 300


1- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 435.
2- البحراني، الحدائق الناضرة: 1/ 52.
3- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 268.
4- ابن فهد الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 60.
5- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 124، ذكرى الشيعة: 1/ 118.
6- الشيخ جعفر، كشف الغطاء: 2/ 364.
7- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 349.
8- الطوسي، الخلاف: 1/ 490.
9- البهبهاني، مصابيح الظلام: 4/ 442.
10- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 13 ح 18.

في المقام أنّ عمومات النجاسة في الدّم تشمل المشتبه منه كما تشمل أقسام الدّماء مطلقاً إلَّا ما خرج، و هو ظاهر الفساد؛ ضرروة أنّ هذا مردّد في الواقع بين المقطوع بدخوله و المقطوع بخروجه، فكونه من دم ذي النّفس ليكون داخلاً أو من غيره فيخرج لا يزيد و لا ينقص في مراد المتكلِّم، و ليس الحكم بدخوله بأَولى من الحكم بخروجه، و لا في العام ظهور لفظي يحكم على الأُصول الشرعيّة فيه كي يتّبع و تلغى أصالة الطهارة في مثله، مثلاً لو قال: أكرم الزّوار غير المخالفين، و شككنا في فردٍ أنّه من أيّ الطائفتين فليس في العام ما يزيل الشك عنه بأن يخصّه بأحدهما من دون رجوع إلى أصل شرعي؛ إذ لا يلزم من كونه مخالفا مخالفة لعموم العام، و لا من كونه موافقاً موافقة كذلك، و مرجعه إلى أنّ تشخيص أفراد العام أو المخصّص إلى المأمور بهما فما علم شمول العام له أُعطي حكم العام، و مثله المخصص، و ما شكّ فيه فإدراجه في أحدهما تحكّم لا دليل عليه و لا يقتضيه ظهور اللّفظ من أحدهما، فيلزم الرّجوع فيه لغيرهما ممّا يظهر به حكمه من الأصول الشرعيّة.

اللهُمَّ إلَّا أن يعلّق حكم العام أو المخصص على الشيء المعلوم بأن يؤخذ العلم قيداً في الموضوع، فيقال في المثال: لا تكرم ما علمت بمخالفته، فيدخل مشكوك المخالفة في العام؛ لعدم المعلوميّة التي أُخذت قيداً في الخارج عنه، و ما نحنُ فيه ليس من هذا القبيل، إذ الخارج ما لا نفس له لا ما علمت أنّه دم ما لا نفس ،له كما أنّه ليس في المقام أصل موضوعي يندرج فيه الفرد المشتبه فيدخل تحت عنوان العام، فإنّ الخارج غير ذي النّفس، و لا يقال في المشتبه: إنّ الأصل أن لا يكون منه، و بذلك يكون من مصاديق عنوان العام؛ إذ ليس الأصل في كلّ دم أن يكون دم ذي نفس أو غير ذي نفسٍ؛ ليدخل المشكوك به في أحدهما، لكونه أصلاً.

نعم، ذلك متصوّر في العدالة و الفسق إذا قلنا بأصالة أحدهما، فلو قال: أكرم العدول، و قلنا: الأصل هو العدالة وجب إكرام الفرد المردّد المحكوم بعدالته؛ لأصالة العدالة و المفروض وجوب إكرام العدول، و بينهما فرق غايته أصالة عدم ملاقاة ملاقي الدّم لما لا نفس له، فإنّه لا يوجب ملاقاته لدم ما له نفس المفيد في وجوب الاجتناب عنه؛ إذ هو غير مسبوق بالحالة السابقة، إلا أن تقول: يثبت بأصالة عدم أحد الضدين وجود الآخر فيؤول

ص: 301

إلى الأصل المثبت المفروغ من عدم اعتباره، و منه يظهر أنّ الدّم المردّد بين كونه معفوّاً عنه أم لا الجاري فيه أصالة عدم ملاقاة الثوب للدّماء الثلاثة لا أصالة عدم كون الدّم دم حيض فيثبت أنّه غيره؛ لعدم معلوميّة حالته السابقة كما هو ظاهر.

فاتّضح إلى هنا عدم جريان أصالة النّجاسة في الشبهة الموضوعيّة، بل و الحكمية على إشكال في المردّد مطلقاً، و الحكم الطهارة و العفو لو اشتبه، و علیه المحقّقون (1) في المقامين.

و خيالُ أنّ طهارة دم ما لا نفس له رخصةٌ خرج من عموم المنع فيجب الاقتصار على المعلوم منه، مدفوعٌ بظهور عدمه و عدم اتّضاح ذلك فيه بالضرورة، و إلّا لوجب غسل الملاقي قبل الانكشاف بعده؛ لأنه محكوم بنجاسته و لا يدّعيه أحد، و ليس المخصّص هنا من قبيل المانع و العام كالمقتضي ليقف الحكم على تحقّق المانع، فما لم يتحقّق أثّر المقتضي أثره، فإنّ هذا لا يناسب عدم جواز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصّص، و إن ثبت ذلك في بعض المواضع فهو لدليل خاص مفقود في المقام، فإنّا لا ننكر أنّ بعض المخصّصات كالمائع، لكن ذلك فيما أخذ العلم قيداً فيه كما غبر، فيكون أصلاً موضوعيّاً، و إن كان الثاني فظاهر الخبر الدِّماء النجسة بقرينة السؤال عن سؤر الصّقر و الباز و كون الذي في منقارها من الدّم الطّاهر نادر الوقوع، مضافاً إلى عدم صلوحها لإفادة العموم؛ لأنها في بيان حكم آخر بعد الفراغ عن نجاسة الدّم مثل أنّ زوال العين من المطهّرات مع معارضتها بجوابه علیه السلام: «في ماء شربت منه دجاجة؟ قال: إن كان في منقارها قَذر لم تتوضّأ و لم تشرب» (2) و النسبة بينهما تباين جزئي؛ لتعارضهما في غير الدّم من النجاسات، فيرجع إلى أصالة الطهارة بعد التساقط فلا تقضي حينئذٍ بأنّ مجرّد رؤية الدّم تكفي في الاجتناب بلا شبهة.

و في الجواهر (3) التردّد في الأصل الذي شَيّدنا أركانه، و بعد التنزّل فرّع عليه لحوق النجاسة في الشبهتين لتلفيقات مزيّفة كترك الاستفصال و نحوه و بعض العمومات، و كأنه

ص: 302


1- ينظر فوائد الأصول: 4/ 832.
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 13.
3- النجفي، جواهر الكلام: 1/ 111.

غفل عن القواعد الأُصولية المبتنية عليها الأحكام الشرعيّة.

(و) الخامس: (الميتة منه) مطلقاً، (أي من ذي النّفس)، بَريَّاً أو بَحريّاً، (و إن أُكِل) كالسّابق، فيخرج ميتة غير ذي النّفس مطلقاً على المشهور (1) أو المجمع (2) عليه، و لقوله علیه السلام: لا يفسد الماء إلّا ما كانت له نفس سائلة» (3). و قوله علیه السلام: «كلّ ما ليس له دم فلا بأس» (4).

فخلاف الشيخ (5) و ابن حمزة (6) في العقرب و الوزغة متروك؛ لقصور مستنده (7).

و رواية ابن مسكان (8) على خلافه إن بني على تنجيس البئر و إلّا فلا يحسن الاستدلال بها و بموثقة عمّار (9) في خصوص المقام مع القول بالطّهارة هناك، و لذا صلح ردّ المصنّف في الذكرى (10) بعدم تمام الاستدلال على جميع الأقوال، و لعلّ المنجس خلافه في أصل طهارة أعيان بعض الحيوانات في حال الموت و الحياة، فيُحمَل الاستثناء في كلام الشيخ على الانقطاع حينئذ، كما أنّه يلزم حمل إطلاقه في الخلاف عند قوله: و إذا مات في الماء القليل ضفدع أو ما لا يؤكل لحمه ممّا يعيش في الماء لا ينجس الماء به (11)، انتهى. على إنكار أن يكون ذو نفس من حيوان البحر لا على طهارة ذي النفس البحري كما توهّم، و عليه فيلغى التعميم للبحري في الخمسة كما هنا.

ص: 303


1- ينظر ابن إدريس، السرائر: 1/ 83.
2- ينظر الطوسي، الخلاف: 1/ 188.
3- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 7.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 230 ح 665.
5- الطوسي، المبسوط: 1/ 11، 39، النهاية: 54.
6- ابن حمزة، الوسيلة: 77.
7- ينظر الطوسي، الاستبصار: 1/ 24، ذيل حديث 59.
8- الطوسي، الاستبصار: 1/ 26.
9- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 284 ح 832.
10- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 108، 109.
11- الطوسي، الخلاف: 1/ 189.

[أقسام ذي النفس]

و أمّا ذو النفس مطلقاً أو البري فينقسم إلى آدمي و غيره، و الثاني إلى مأكول اللّحم و غيره، و الظاهر نجاسة ميتة الثاني بقسميه؛ للإجماعات المستفيضة و الأخبار المتواترة معنىّ، إذ هو الفرد المتيقّن من إطلاقها أو عمومها، فلا وقع للتردّد في أصل المسألة، و لا معنى لإذعان المتردّد بدلالة الأمر بالغسل على النجاسة و توقفه هنا.

و قد أمرَ في غير خبر بغسل ملاقي الميتة كغسل اللّحم (1) و الثياب (2) الملاقي لفأرة ميّتة، و غسل كلّ ما أصابه ذلك الماء، و الأمر بغسل الثوب الملاقي لجسد الميّت في حسنة ابن أبي عُمَير (3) و غيرها (4)، و قصور السّند مجبور بعمل الأصحاب و إجماعهم مضافاً إلى الاعتضاد بأخبار يقطع الفقيه من مجموعها بالنجاسة، كيف و قد قال النَّبيّ صلّی الله علیه و آله: «الميتة نجسة و إن دبغت» (5).

قال الوالد طاب ثراه: فإنّ المفهوم من استقراء جميع الجزئيات الواردة في الأخبار المثبتة للحكم الكلّي في سائر أفراد ما له نفس سائلة المقترن بعدم القول بالفصل ممّن يعتدّ به أنّ ميّتة كلّ ذي النّفس السائلة نجس، و لفظ النجاسة و إن لم يذكر بصريحه لكنّها تثبت من المفهوم في بعض، و من إثبات اللّوازم في بعض آخر، و من مجموع اللوازم يثبت التواتر المعنوي أيضاً، فإذا انضمّ إلى ذلك فهم الأصحاب و الإجماع المنقول و فتوى الفحول كان إرادة النجاسة منها أمراً مقطوعاً به لا يَعْتَريه تشكيك المشكّک (6)، انتهى. و هو كذلك.

و يتبعها في الحكم أجزاؤها التي تحلّها الحياة حتّى جلدها و إن دبغ إذ الدبغ؛ ليس من

ص: 304


1- الكليني، الكافي: 6/ 261 ح3.
2- الكليني، الكافي: 3/ 60 ح3.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 276 ح 812.
4- الكليني، الكافي: 3/ 61 ح 5.
5- القاضي النعمان، دعائم الإسلام: 1/ 126.
6- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 350.

المطهّرات بإجماع المصنّف (1) و غيره (2)، فيحمل ما قضى به من النصوص على التقيّة، فيجب حينئذ الاجتناب عنها و عن ملاقيها في كلّ ما يعتبر فيه الطهارة؛ إذ بعد فرض نجاستها فالنجاسة موضوع شرعي له أحكام شرعيّة يحتاج نفي بعضها إلى دليل خاصّ، فلا معنى لاستثناء تعدّي نجاستها من الأحكام عن الملاقي و قصره على غيره كما لهج به البعض (3) زاعماً أنّ معنى النجاسة لا ينحصر بوجوب غسل الملاقي، فإنّ إمكان أن يكون لها معنى آخر لا ينهض حجّة على الاستثناء، و لا يصغى إلى استفادة ذلك من الأخبار، و القياس على ملاقي الميّت - لو قيل به - باطل؛ إذ على فرضه هو خارج بدليله.

[الانتفاع بالميتة]

و أمّا الانتفاع بها فهو على حدّ الانتفاع بالأعيان النّجسة غيرها من قصر منعه على ما هو

مشروط بالطّهارة، و بذكرى المصنّف (4) الجزم بالعدم وحرمة الانتفاع بها مطلقاً، بل قيل إنّه ليس محلّ خلاف، و استدل عليه بقوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) (5)، و العموم فيها محلّ منع، و الإجماع غير معلوم؛ لتردّد جملة من أساطين الأصحاب به كما في التذكرة (6) و المنتهى (7) و الذخيرة (8)، فالأقوى عدم التحريم.

و في جواهر الكلام بعد اختياره حرمة الانتفاع مطلقاً قال رحمه الله: إلَّا أنّه لا يترتّب عليه فساد العبادة فيما لو اتّخذ منه مثلاً حوضاً يسع أزيد من كُرّ فتوضأ منه كما صرّح به في القواعد

ص: 305


1- الشهيد الأول، البيان: 93، ذكرى الشيعة: 1/ 134.
2- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 504؛ رسائل الشهيد الثاني: 1/ 628.
3- الكاشاني، مفاتيح الشرائع: 1/ 67.
4- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 135.
5- سورة المائدة: 3.
6- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 2/ 131.
7- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 168.
8- المحقق السبزواري، ذخيرة المعاد: 1/ 172.

و كشف اللّثام؛ إذ المحرّم عليه جعل الماء فيه لا إفراغه.

نعم، لو قلنا بوجوب الإفراغ عليه، و باقتضاء الأمر بالشيء النّهي عن الضّد، و كان الوضوء ضدّاً، اتّجه الحكم بالفساد حينئذ (1)، انتهى.

و فيه: إنّ استعمال كلّ شيء بحسبه، و استعمال الظروف تناول ما فيها من المظروف نحو استعمال أواني الذهب و الفضّة. فانظر إلى كلامه هناك.

و حينئذ لا فرق بين جعل الماء فيه أو إفراغه في كون كلّ منهما استعمالاً، و تخصيصه بأحدهما أغرب شيء هنا مع تعميمه في غيره.

ثمّ إنّ حرمته بناءً على وجوب الإفراغ و حرمة الضّد ممنوعة بعدم فوريّة الإفراغ، و على تقديره فلا خصوصيّة للوضوء و الغسل، بل يجري ذلك في جميع عباداته فلا عباداته فلا تصح صلاته أيضاً، و نحن نقول بالصّحة هنا؛ لكون النهي لم يتسلّط على العبادة قطعاً، خلافاً للمنتهى، و جدّنا الأكبر استوجه عدم الصّحة بكشفه (2)

و أمّا الأوّل فنجاسته في الجملة بلغ حَدّ الاستفاضة، لكن هل هي عينيّة في الرّطب و اليابس، أو حكميّة فيهما، أو عينيّة في الأوّل و في الثاني حكميّة؟ و مع سلب النجاسة مطلقاً عن حالة اليبس في الصّور تترامى الوجوه.

و أما سلب الأمرين عن الميّت أو مطلق الميتة فعساه مخالف للإجماع المحقّق محصّلاً و منقولاً، نسب إلى الفاضل في التذكرة أنّه أسند النجاسة العينية مطلقاً إلى ظاهر الأصحاب في قوله: إلّا الميتة فإنّه يجب غسل الملاقي لها و إن كانا يابسين على إشكال، و هل ذلك تعبّد أو

للنجاسة؟ ظاهر كلام علمائنا الثاني (3)، انتهى.

ص: 306


1- النجفي، جواهر الكلام: 5/ 304.
2- الشيخ جعفر، كشف الغطاء: 1/ 340.
3- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 88.

و في القواعد: و كلّ نجاسة عينيّة لاقَت مَحلاً طاهراً فإن كانا طاهرينِ (1) لم يتغيّر المحلّ عن حكمه إلّا الميّت، فإنّه ينجس الملاقي له مطلقاً (2)، انتهی.

و في المنتهى: لا فرق بين أن يمسس الميّت برطوبة أو لا في إيجاب غسل اليَد (3)، انتهى.

و قال أيضاً فيه: و لو مسّه - أي الميّت - رطباً ينجس، و لو مسّه يابساً فالوجه أنّ النجاسة

حكميّة، فلو لاقى ببدنه بعد ملاقاته للميّت رطباً لم يؤثر في تنجيسه (4)، انتهى.

و فیه أيضاً: هل تنجس اليد لو كانت الميتة يابسة؟ فيه نظر، ثمّ قرّب أنها حكميّة فقال: فلو لامسَ رطباً قبل غسل يده لم يحكم بنجاسته على إشكال (5)، انتهى.

و قال فيه: و في جواز الانتفاع بجلد الميتة في اليابسات نظر أقربه عدم الجواز؛ عملاً بعموم النّهي الدّال عليه رواية ابن المغيرة (6)، انتهى.

و في النهاية: و إن مسَّ الميّت يابساً فظاهر كلام الأصحاب النجاسة، مع احتمال كون النجاسة حكميّة، فلو لاقى ببدنه بعد ملاقاته للميّت رطباً لم يؤثر في تنجيسه؛ لأصالة الطّهارة السالمة

عن دلالة التنجيس.

ثمّ قال: و لا فرق في إيجاب غسل اليدين بين أن تكون الميتة رطبة أو يابسة، فلو مس الصّوف الأقرب عدم النجاسة، مع احتمالها؛ للاتّصال المقتضي للاندراج في الاسم.

و أيضاً قال: ثمّ إن حكمنا بالنجاسة الحكميّة لم ينجس ما تلاقيه برطوبة و إلّا نجس، أمّا لو مسَّ يابساً فالأقرب عدم التنجيس (7)، انتهى.

ص: 307


1- في المصدر: (يابسين).
2- العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 1/ 193.
3- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 2/ 456. باختلاف يسير.
4- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 2/ 456.
5- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 2/ 459.
6- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 358.
7- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 173، 174. باختلاف يسير.

و الشيخ في المبسوط، و النهاية (1) شرطَ في نجاسة الملاقي الرطوبة في مثل الكلب و الخنزير و سكت عن الميتة، لكنّه نصّ على عدم جواز استعمال جلد الميتة مطلقاً.

و المحقق (2) كالفاضل (3) في التّردد.

قال الّحلي في موضع: و كلّ نجاسة أصابت الثوب أو البدن و كانت يابسة و الثوب كذلك لا يجب غسلها (4)، انتهى. و يشمل بإطلاقه الميتة.

قلتُ: أمّا في غير الميت فلا ريب بعدم النجاسة مطلقاً في حال اليبس، و النجاسة مع الرطوبة، و الأقوى أنّها عينيّة، و يكفي فيه كلّ يابس ذكي بضميمة مصحّحة عليّ بن جعفر علیه السلام (5) بعدم وجوب غسل شيء أصاب حِماراً ميّتاً ، لكن بذكرى المصنّف (6) استحباب الغسل مع اليبوسة؛ جمعاً بينه و بين ما ورد في الكلب و الخنزير اليابسين من عدم وجوب غسل الملاقي، و المعارضة ممنوعة عليه؛ للفرق البيّن بينهما و الميتة، فلو ركنَ لقاعدة التّسامح كان أولى.

و أمّا الميّت، فمقتضى ما نسبه الفاضل (7) لظاهر الأصحاب، و إطلاق حسنة الحلبي (8) أو صحيحته، و إطلاق مصحّحة إبراهيم بن ميمون (9)، و التوقيع الشريف (10) هو الحكم

ص: 308


1- الطوسي، المبسوط: 1/ 37، النهاية: 52.
2- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 463.
3- العلّامة الحلي، الرسالة السعدية: 98.
4- ابن إدريس، السرائر: 1/ 182.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 419 ح1326.
6- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 132.
7- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 59، نهاية الإحكام: 1/ 173.
8- الكليني، الكافي: 3/ 161 ح 4.
9- الكليني، الكافي: 3/ 161 ح 5.
10- الطبرسي، الاحتجاج: 2/ 482.

بالمساواة بين اليبس و عدمه، و هي مختارهما بالبيان (1) و الرّوض (2)، و القويّ في المعالم (3) و الحدائق (4)، لكن أكثر المتأخِّرين (5) على الطهارة؛ لقوله علیه السلام: «كلّ يابس ذكي» (6)، و هو حاكم على تلك الأخبار و إن كان بينهما تباين جزئي، و أنّ النجاسة من خواصها عدم السراية اليبوسة ممنوعة، و لا ينافي صدق الكلّية خروج الفرد، و لخصوص الميّت أحكام لعلّ هذا منها، و من هنا اختلفت الآراء في حكم ماسّه، و حملُ الخبر على إزالة ما تعلّق بالثّوب إذا تعلّق به شيء من جسد الميّت بعيد، و فهم الأصحاب على خلافه.

و الحاصل: هذا القول ليس بمكان من الضعف كما زعم، بل هو الأحوط جمعاً.

نعم الاقتصار في نجاسة اليابس على الملاقي فقط فلا يتعدّى إلى ملاقيه - و هو معنى النجاسة الحكميّة في اليابس و العينيّة في الرّطب - لعلّه عار عن الدّليل و إن ظهر من قول الذكرى (7) أنّه لبعض الأصحاب، و أقصى دليله أنّ سراية نجاسة اليابس خلاف الأصل فيقتصر فيها على الملاقي فقط، و تخصّ به أوامر الغسل.

و فيه: إنّ هذه الأوامر إن قضت بالنّجاسة في الحالين لزم القول بالسراية فيهما، و إن قصرت على حال الرطوبة؛ لأنه المتبادر، بقي صورة اليبوسة مندرجة في الأصل و هو يقتضي السّراية مطلقاً .

و مثل هذا المنسوب إلى الحلّي رحمه الله (8) من نفي السّراية في الحالين و جعلها حكميّة في

ص: 309


1- الشهيد الأول، البيان: 37.
2- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 145.
3- المحقق الشيخ حسن، معالم الدين (قسم الفقه): 2/ 496.
4- البحراني، الحدائق الناضرة: 5/ 66.
5- فوائد القواعد: 134؛ المحقق الشيخ محمد العاملي، استقصاء الاعتبار: 390/1؛ العلوي العاملي، مناهج الأخيار: 1/ 81.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 49 ح 141.
7- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 132.
8- ابن إدريس، السرائر: 1/ 163.

المقامين، فلا ينجس ملاقي الملاقي مطلقاً، و عبارته منقولة في المعتبر (1) و التذكرة (2)، و تفصيل ردّه فراجع الأصل و الردّ فإنّا بعد التأمّل فيها لا نرى لردّ الفاضلين عليه وجهاً، فإنّ محصّل عبائره في طهارته و صيده و جنائزه أنّ تعدّي النجاسة و عدمه ممكن مع الرّطوبة، فما حكم الشارع بتعدّيه كان نجاسة عينيّة، و ما لم يساعد الدّليل على تعدّيه تطلق عليه الحكميّة؛ إذ الأصل عدم التّعدي و إباحة استعمال كلّ شيء ما لم يرد نهي عن استعماله، و الأصل براءة الذمّة عن وجوب غسل شيء أو التجنّب عنه بلا دليل شرعي، و القول بسراية النجاسة مع الرّطوبة لم يثبت على إطلاقه و عمومه، فالسراية في المقام موقوفة على إثبات العموم أو على أنّها من العينيّة التي تسري، غايته أنّ المتنجّس بالميّت إذا كان مائعاً و اختلط بمثله وجبَ اجتنابه؛ لعدم الامتياز كحلال اختلط بالحرام، و لذا لم يفرض المسألة فيما يكون المتنجّس مائعاً، كما أنّه لا دلالة في كلامه على أنّ ملاقي جسد الميّت برطوبة نجاسته معنويّة؛ لأنه ذكر هذا الحكم في الغاسل قبل اغتساله لا قبل غسل يده، و ما ذكره من وجوب غسل الإناء دون نجاسة المائع الذي فيه لعدم المماسّة لجسد الميت في المائع فقط، فعسى ذلك في حال اليبوسة.

و مقالة الفاضلين في ردّه أنّهم أجمعوا على نجاسة ما لاقى الميّت برطوبة، و أجمعوا على نجاسة المائع إذا وقعت فيه نجاسة، فلزم من مجموع الإجماعين القول بنجاسة المائع الآخر كما ترى، إذ الإجماع على فرضه فهو أعمّ من العينيّة و الحكميّة، و الثاني مختص بالعينيّة، فيجب إثبات الإجماع على النّجاسة العينيّة التي يتمّ بها المطلوب، و إلّا فمجرّد الإجماع لا يكفي، و مثله ردّه بأنّ ملاقاة الثوب لجسد الميّت تؤثِّر فيه منعاً و غسلاً غير مؤثِّر في الماء القليل، و يلزمه أيضاً جواز استصحاب الملاقي في الصلاة، و إذا كان ماء جواز التطهير به.

و أنّ قوله: مغسل الميّت يدخل المسجد إجماعاً (3)، لا وجه له؛ إذ الإيراد عليه بلوازم

ص: 310


1- المحقق الحلي المعتبر: 1/ 350.
2- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 59.
3- ابن إدريس، السرائر: 1/ 162.

مذهبه غير سديد، إذ له أن يلتزم بذلك كلّه بعد فرض كون النجاسة حكميّة في الملاقي، و أنّه كالجنب العاري بدنه عن النجاسة، فلا وقع لذلك كلّه، فالذي ينبغي إبطال أصل الدعوى لا لوازم المدّعى، و حديثُ تصريحه بنجاسة لبن الضّرع في الشاة الميتة مع إمكان اختصاص کلامه هنا بالآدمي لا نقض فيه؛ لما عرفت من تصريحه بالنجاسة دون السّراية، و حينئذ فإن لاقى اللّبن يابساً و مائعاً لم يؤثِّر فيهما و إن نجس، و حرمة الاجتناب في الثاني لعدم التمييز كما ذكرنا، و يجري هذا بلبن ثدي المرأة.

و الذي أفهمه من كلامه أنّه قائل بترتيب جميع أحكام النجس على الملاقي إلَّا السّراية؛ لأنها ليست من أحكامه اللّازمة له، أو جريان بعض أحكام النجاسة لا جميعها، كلّ هذا مع التنزّل، و إلَّا فللمتأمِّل أن يُرجع كلامه إلى المشهور، إذ لا صراحة في عبارته على حكم ملاقاة الرّطب للميّت، و فهم ذلك من قوله بنجاسة الإناء أو الغسل لعلّه مع اليبس في الأوّل و بعد غسل اليد قبل الاغتسال في الثاني، فلا معنى لقول الجواهر (1) و صراحته صراحة ذلك منه و قبول ردّ المعتبر (2) على فرضه عليه.

فالأقوى حينئذ نجاسة الميّت عيناً و سراية نجاسة الملاقي الرطّب إلى ملاقيه و إن ترامى التلاقي إلّا ماء غسالة الملاقي على الكلام فيه، و عليه عامة المتأخِّرين (3)، و إن كان الأوّل أحوط.

و هل هي ذاتيّة أو عرضيّة؟ في التذكرة (4) إشكال فيه، لكن معنى عرضيّة النجاسة بعد فرض نجاسة الملاقي فيه نوع غموض.

و هل ذلك بعد الموت قبل برده أو بعده؟ خلاف؛ لاختلاف الأخبار، و في الرياض (5)

ص: 311


1- النجفي، جواهر الكلام: 6/ 299.
2- المحقق الحلى، المعتبر: 1/ 440.
3- ينظر القمي، غنائم الأيام: 1/ 403.
4- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 59.
5- الطباطبائي، رياض المسائل: 2/ 102.

نسبة النجاسة قبل البرد إلى ظاهر الأصحاب، و هو إن أخذه من إطلاق الفتاوى، فلعمري أنّها مختلفة؛ لميل المحقّقين (1) ظاهراً أو صريحاً إلى الثاني، و المصنّف (2) و ابن سعيد (3) و الفاضل في النهاية (4) و كاشف الالتباس (5) و الميسي (6) و الذخيرة (7) و غيرها (8) إلى أنّ النجاسة مقصورة على برودة الميّت، و إن أخذه من إطلاق الإجماع فلا ينفع بعد ذهاب مدّعيها و ناقلها إلى العدم، فالمرجع الدّليل، ركنَ المنجسُ مطلقاً إلى صدق اسم الموت عند خروج الرّوح، و منع باتّحاد سبب الغسل، و الغسل، و عدم الجزم بالموت مع الحرارة، و عدم انقطاع تعلّق الرّوح بالكلية، فالأقوى الطهارة؛ للأصل، و لقوله علیه السلام في صحيحة ابن ميمون: «و إن كان لم يغسّل فاغسل ما أصاب ثوبك منه» (9). يعني بعد البرد، فإنّها صالحة لتقييد إطلاقات الغسل بما بعد البرودة، و هو الأوفق بقواعد الجمع؛ لأنها كالقرينة الصارفة الموجودة في الكلام، مضافاً إلى صحيحة ابن مسلم مس الميّت عند موته و بعد غسله (10)، و القُبلة ليس بها بأس إذا لم تصرف لحالة النّزع، أو يصرف منفيّ البأس إلى غسل المسّ، و لإطلاق نفي البأس أو عمومه في خبر إسماعيل بن جابر (11).

ص: 312


1- المحقق الحلي المختصر النافع: 15؛ المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 85.
2- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 117.
3- ابن سعيد، نزهة الناظر: 14.
4- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 173.
5- الصيمري، كشف الالتباس: 1/ 319، 320.
6- حكاه عنه في جواهر الكلام: 5/ 307.
7- المحقق السبزواري، ذخيرة المعاد: 1/ 91.
8- الحلبي، الكافي في الفقه: 129؛ ابن زهرة غنية النزوع: 40.
9- الكليني، الكافي: 3/ 61 ح 5.
10- الطوسي، تهذيب الأحكام: 430/1 ح 1370.
11- الكليني، الكافي: 3/ 3 ح 7.

نعم، احتمل في خبر ابن ميمون (1) أن يكون التفسير من الراوي فيلقى؛ لكونه دراية لا رواية، و يدفعه بعد عدم ظهوره أنّه نقل بالمعنى لا اجتهاد في فهم كلام الإمام علیه السلام، بل فيه قرينة أنّ ذلك من المسلِّمات، فلا تعبأ بما في الجواهر (2) من إطلاق الإجماع على نجاسة مطلق ذي النّفس، و من معاقد (3) جماعة من الإجماعات على نجاسة الآدمي بالموت، إذ المفيد لو سلّمنا ذلك إنّما هو التنجيس لا نفس النجاسة، فكم من نجس لا ينجس.

فنقول: الحرارة مانعة من التنجيس في الميّت حتّى لو كان نجساً، فيخرج من القاعدة بدليله، كما أنّ البرودة مقتضية لذلك، فيعمل بمجموع الأخبار، نعم لو ثبت إجماع على التنجيس بوصف الحرارة أفاد المنجس، و صريح المروي في الاحتجاج (4) الموجود في احتجاجه ضعيف السّند، مع عدم الجابر و لو أنكر ضعفه فحمل الأمر فيه على الاستحباب أولى؛ للجمع بينه و بين خبر ابن ميمون، إذ هو أولى من طرح ما هو أولى بالعمل.

قال الأستاذ رحمه الله: و ما في ذيل رواية ابن ميمون من التفسير لا يصلح لتقييد الإطلاق (5)،

و لم يذكر وجهه، و عساه لما حرّرنا من أنه من كلام الراوي، و فيه ما لا يخفى، فتأمل.

[استثناء جسد النبي و الأئمة و البتول]

و استثنى المصنّف في الرّوض (6) و غيرُه (7) في غيرِه جَسَد النَّبيّ صلّی الله علیه و آله و الأئمة علیهم السلام و البتول و الشهيد و من وجب تقديم غسله، و نحن في راحة من طهارة المعصوم علیه السلام مطلقاً؛

ص: 313


1- الكليني، الكافي: 3/ 61 ح 5.
2- النجفي، جواهر الکلام: 1/ 388.
3- ينظر: الطوسي، المبسوط: 1/ 179؛ المحقق الحلي المعتبر: 1/ 102؛ العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 2/ 135.
4- الطبرسي، الاحتجاج: 2/ 564.
5- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 5/ 47.
6- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 434.
7- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 194؛ البحراني، الحدائق الناضرة: 5/ 44.

لما قدّمناه مستوفىّ، فيشكل على الجواهر (1) و غيره(2) إبداء الفرق بين هذا و بين الأربعة الأوَل من الحكم بالنجاسة هناك و الطهارة هنا، فإن كانت العصمة مانعة فهي عاصمة فيهما معاً و إن كان لخصوص نصوص بالخصوص فقد ورد فيهما معاً و لا يرجّح أحدهما على الآخر، بل دليل العقل الغابر كافٍ في الجميع، و لعلّه تبع المصرّح بالأمرين في المقامين.

و أمّا الشهيد و من تقدّم غسله فسيجيء الكلام فيه، و لا أظنّ أنّ نفس سقوط الغسل يوجب الطّهارة، و سقوط الغسل من دون دليل آخر تعبّدي، إذ الملازمة ممنوعة طرداً و عكساً، و اتّفاق تلازمهما في غالب الأوقات لا يقتضي الاشتراك في العلّية، و زاد المصنّفُ في الدّروس و غيره (3) كغيره لحوقَ الحكم المزبور لما قطع من الحيوان ممّا تحلّه الحياة، فإنّ الأجزاء نجسة كجملتها سواء أبِينَت من حَيّ أو ميّت قولاً مشهوراً؛ لعدم مدخليّة الانضمام في الحكم، و تردّد في المدارك (4) مستضعفاً لدليله زاعماً أنّ المستفاد من الأخبار نجاسة جسد الميّت، و هو لا يصدق على أجزائه قطعاً إلا باستصحاب حكمه قبل الإبانة، و فيه ما لا يخفى، و كأنّه أشار إلى الشكّ في الموضوع من حيث احتمال مدخليّة الانضمام فيه فلم يحرز موضوعه على التحقيق أو على مذاقه من إنكار أصله، و ظاهر كلامه اختصاصه بالميّت لا مطلق الميتة، فلا غفلة له عن ما قضى بنجاسة أجزاء غير الإنسان.

فالتعجب من الجواهر مقلوب عليه، و لا بُعد في انفراد الميتة عن الميّت، لكن في الوسائل (5) استفادة الشمول و إن تبادر غير الآدمي من الميتة، و على فرضه فليس في النصوص نجاسة عنوان الميتة و على تقديره فما فيها بيان حكم أجزاء الميّت المنفصلة، و لا يقاس على

ص: 314


1- النجفي، جواهر الكلام: 5/ 307.
2- الفاضل الهندي كشف اللثام: 420/1 .
3- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 117، ذكرى الشيعة: 2/ 96.
4- السيد العاملي، مدارك الأحكام: 2/ 268.
5- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 3/ 300 ح 3705.

أجزاء الحيوان المفهوم حكمها من أخبار الحبالة(1) و الإلية (2) و المستثنيات (3)، بل لولا روايتا (4) الحلبي و الاحتجاج لكانت العمومات قاصرة عن إثبات نجاسة الميّت كُلاً أو بعضاً، فيبقى ما ينفصل من حَيّ الإنسان بلا دليل غير ظاهر الإجماع (5) المتأمّل في مدركه دون أصله، بل و لا مُرسَل ابن نوح: «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة، فإذا مسّه إنسان فكلّ ما كان فيه عظم فقد وجبَ على مَن يمسه الغُسل» (6)، فإنّه عمل غير صالح، للدلالة على جريان أحكام الميتة في القطعة و إن قضى بأنها ميتة، إذ المفيد دلالته على أنّها نجسة لا ميتة؛ لمنع كلّية نجاسة الميتة.

سلّمنا ظهور تنزيلها منزلة الميتة في الخبر؛ لعدم مساعدة العرف على صدقها عليها فليس معنى التنزيل لحوق حكمها مطلقاً للقطعة، إذ يكفي فيه ثبوت بعض الأحكام لها، و هو هنا خصوص غسل المسّ؛ للانصراف إليه و لو بمعونة تفريعه عليه، بل تفريع بعض الأحكام في الخطابات على المنزلة أقوى مانع من دلالتها على العموم، فالمرجع الإجماع مركّبه أو بسيطه في خصوص المسألة أو بإثبات الحكم لقطعات الحيوان غير الآدمي، و به يتمّ مركّباً، إذ لم ينقل الخلاف من أحد بيّن، أو لجهة التلازم بين مضموم الغسل و مفتوحه، فلا مناص عن القول به و لو لمجموع ما ذكرنا، فالأقوى نجاستها مطلقاً و إن تقدّم على الموت قطعها، أو كانت معلّقة.

قال الوالد رحمه الله: فإذا صدق عليها لفظ الميتة حقيقةً أو استعارةً جرى عليها أحكام الميتة التي أظهرها الحرمة و النجاسة (7)، انتهى.

و مرامه: الصّدق التّبعي، إذ الموت و الحياة من صفات نفس الحيوان لا أجزائه، و لأجله

ص: 315


1- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 23/ 376 ح29789.
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 3/ 329 ح 4176.
3- الكليني، الكافي: 6/ 255 ح3.
4- الكليني، الكافي: 3/ 161 ح 4؛ الطبرسي، الاحتجاج: 2/ 564.
5- نظر الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 5/ 52.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 429 ح1369.
7- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 349.

توقف الأُستاذ (1) في الميّت المتّصل من أجزاء الحيوان مطلقاً، فحكمَ بطهارته، و اعتذر عن نجاسة الجزء المبان من الحَيّ أنّه جعله الشارع بمنزلة الميتة، فيقتصر فيه على المُبان دون المتّصل؛ لأنه المتيقّن، و هو كذلك، نعم لا بدّ أن يستثنى ممّا تحلّه الحياة بعض ما يتحقّق الحَرَج النّوعي في اجتنابه كما هو ظاهر (2) الأصحاب كالقطع التي تسقط من اليَد و الرِّجل في غسلهما أو مطلقاً، و الملاصقة للشَّعر و الصوف و الظفر سواء سقطت فماتت أو سقطت قبل الموت، صغيرة كانت الأجزاء المعتاد سقوطها أو كبيرة، فيدخل فيه مثل الثالول و الأجزاء الصغار من اللّحم، و تستصحب طهارتها قبل السّقط.

و حيث عرفت انحصار دليل النجاسة بالإجماع، فأكثر المجمعين صرّحوا بالطّهارة في هذه الأشياء، فلا يقال بانصراف الإطلاق - على فرضه - إلى صغار الأجزاء، إذ ليس للصغّر و غيره في سلب الاسم من أثر، بل كلّ من استند للحرج في عدم نجاستها لازمه الاعتراف بعموم أدلّة النجاسة و قيام المقتضي لها لولا دليل العفو، و به ردّ المعالم (3) المنتهى (4) و خرّج الطهارة على ما انفصل حال وجود الحياة فيه لا ما زالت حياته قبل انفصاله كتخريج المدارك (5) له - بعد الأصل - الركون إلى مصحّحة ابن جعفر: فيمن يقطع الثالول و هو في صلاته، قال علیه السلام: «إن لم يتخوّف أن يسيل الدّم فلا بأس» (6). و ترك الاستفصال عقيب السؤال يفيد العموم.

قال الوالد طاب ثراه: و هو و إن كان ظاهره تعلّق السؤال بجواز الفعل و عدمه في الصلاة، لا طهارة المقطوع و عدمها، لكن قوله علیه السلام: «فلا بأس» مع تركه أو يتنجس بمسّه،

ص: 316


1- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 5/ 85.
2- ينظر النجفي، جواهر الكلام: 6/ 103.
3- المحقق الشيخ حسن، معالم الدين (قسم الفقه): 2/ 498.
4- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 166.
5- السيد العاملي، مدارك الأحكام: 2/ 272.
6- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 254/1 ح776.

مع أنّ الغالب مسّه برطوبة و التنجيس به لو كان نجساً دليل على طهارته (1) انتهى.

و مراده رحمه الله أنّ التفصيل بين سيلان الدّم و عدمه صريح في أنّ الجواب لبيان حكم الواقعة من جميع الجهات، و إلّا لكان الاقتصار على مجرّد نفي البأس من دون تفصيل أجدر، فَدَلَّت على أنّه لا يفسد الصلاة شيء هنا سوى سيلان الدّم، و لو كان الثالول نجساً كانت فاسدة مطلقاً، أو على بعض الأحوال.

و شيخ أساتيدنا بعد أن قبل عموم الرواية و نسبَ كاشف اللّثام في ميله إلى مخالفة المشهور قال: و المسألة محل إشكال، و الاحتياط لا ينبغي تركه في غير ما يعدّ من قبيل القشور شيئاً زائداً (2)، انتهى.

و عليه يشكل الأمر في بعض ما تأكله الآكلة و في بعض الجروح الحادثة من الرّصاص و غيره، و عمل الناس اليوم فيه و أمثاله على الطّهارة و لا بعد في إلحاقه بالثالول فتنحصر النجاسة بما يُسمّى عضواً منقطعاً كاليَد و الرِّجل و غيرهما حتّى الإصبع ممّا يسمّى عضواً ينقص بدن الحيوان عن تمام خلقته به، و يلحق به فأرة المسك بعد القطع بطهارة مسكها مطلقاً فتوى (3) و نصّاً (4)؛ لأنها ممّا تحلّها الحياة، فهي نجسة ذاتاً مع الموت، و لا دليل من إجماع و غيره على طهارتها فيخصّص عموم نجاسة الميتة.

و في ذكرى المصنّف (5) تبعاً للتذكرة (6) طهارتها مطلقاً، و المنتهى (7) قيد الطهارة بالمأخوذ من المذكّى أو الحَيّ، و قرّب نجاسة المأخوذة من الميتة مع طهارة المسك، و هو إمّا للحرج

ص: 317


1- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 350.
2- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 5/ 56.
3- ینظر العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 209.
4- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 164 ح 775.
5- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 98.
6- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 7.
7- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 166.

أو لتعارض أصالة عدم الملاقاة حين الرطوبة؛ لأصالة عدم الجفاف قبل الملاقاة، و المرجع الطهارة بعد التساقط، أو لما ورد من نفي البأس عن الصلاة و في الثياب فأرة مسك إذا حمل قوله علیه السلام: «إذا كان ذكياً» (1) في الأخرى على أنّه لم تصبه نجاسة خارجيّة تمنع من الصلاة و إن كان من المحمول، و إلّا فتقيّد الأولى بالثانية إذا حملنا «ذكياً» على المذكّى متجه، و الأمر سهل بعد طهارة ما يتعاطاه المسلمون شرعاً.

كما أنّه لا إشكال في نجاسة المسك بعد معلوميّة أخذه من الميتة و معلوميّة أنّ جلده ممّا تحلّه الحياة، فيخرج هذا الفرد عن إطلاقها المتصدّر.

و يظهر من المعلوميّة الثانية إنّ كلّ ما لا تحلّه الحياة من أجزاء الميتة مستثنى من الحكم بنجاستها بلا خلاف في خصوص الصوف و الشعر و الوبر و الظفر إذا أُخذت جزّاً، و العظم و القرن و السّن و الرّيش و الحافر و غيرها، و الأصل فيه جملة أخبار (2) تفيد بمجموعها الحكم المذكور من دون فرق بين حالتي الاتصال و عدمه، و لا بين أخذها من حَيّ أو مذكّى أو ميتة، و لا بين أخذها جزّاً أو قلعاً أو نتفاً على المشهور (3).

و في النهاية: النجاسة في أُصول الرّيش و الشّعر و الصوف المقلوع دون غيره و غيرها؛ لاتّصال الأصول باللّحم، فيُعدّ من أجزائه، فإذا تميّز بالخروج استحال صوفاً و شعراً (4)، و يؤيّده أنّ المتخلّف باللحم بعد قطع الخارج يجري عليه حكم اللّحم ألبتة، فلا ينفع صدق الاسم في الموجود باللّحم، إذ الخارج بالقطع كالمتخلّف مع الجَزّ فيندرج فيما تحلّه الحياة.

نعم، لو كان في النصوص ما يستفاد منه حكم الأُصول حال القطع لكان لقولهم: إنّه اجتهاد في مقابلة النصّ وجه، غايته الحكم بطهارة الشَّعر و نحوه، و المتبادر بحكم المتعارف و الغلبة هو ما أخذ جزاً، و غيره إمّا خارج عن الإطلاق أو مشكوك الخروج، فتشمله الميتة.

ص: 318


1- الطو سي، تهذيب الأحكام: 2/ 362 ح1500.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 2/ 368 ح1530.
3- ينظر: الشرح الصغير في شرح المختصر النافع: 1/ 94؛ جواهر الكلام: 5/ 321.
4- النهاية و نكتها: 1/ 268.

و ليس ذلك من باب الشبهة الموضوعيّة؛ لانقسام أجزائها إلى ما تحلّه الحياة و ما لا تحلّه، و حينئذ فكونه من هذا ليس بأَولى من كونه من ذاك، و بالآخرة يكون المرجع أصالة الطهارة، إذ الخارج هو ما علم أنّه لا روح له، فيلحق المشكوك به منها بذي الرّوح حتّى يعلم أنّه لا روح له، فلو سلّم التنويع لا يجدي.

و من هنا أشكل الأمر في غير المنصوص مع ظهور أنّه لا تحلّه الحياة لكن حيث حصل الشك به لخلوّ النّص عنه ألحقه جماعة (1) بباقي أجزاء الميتة، و لا يفيد قوله علیه السلام: «فإن أخذته منه بعد موته فاغسله و صلِّ فيه» (2)؛ لا نصرافه إلى ما جزّ دون ما قطع، بل يجب الحمل عليه جمعاً بين ما قضي بعدم جواز الصلاة في الميتة و بينه مع عدم ظهور رجوع ضمير «اغسله» إلى الأصول إلا بطريق الاستخدام المرغوب عنه، فلا بدّ أن يكون الأمر بالغسل في تمام الشِّعر ليس لإزالة النجاسة، بل تنزيها. و من الغريب إرجاع الضمير إلى الأصول و الاعتراف بأنها ممّا تحلّها الحياة و القول بخروجها من حكم ذي الرّوح بهذه الرّواية، فإنّه مشكل في مشكل، لكن مع ذلك أعرض الأصحاب عنه مع أنّه محلّ للتوقّف و الاحتياط، و كأنهم قاطعون بعدم الفرق بين الأصل و غيره، و لحوق الشعر الباطنيّ بالميتة؛ لعدم إمكان تميّزه، فلو تميّز لحقه حكمه، و أنّ مناط الطّهارة فيه موجود، فهو طاهر ذكي، كلّ ذلك في الأجزاء.

ص: 319


1- المحقق الحلي، المعتبر: 2/ 83؛ العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 374.
2- الكليني، الكافي: 6/ 258 ح4.

[طهارة الإنفحة]

و أمّا ما يخرج من باطن الحيوان مطلقاً، أو غير ما لا يؤكل لحمه مطلقاً، من اللبن و البيضة و الإنفحة و الجنين، فلا رَيب في طهارتها الذّاتيّة بغير خلاف (1)، و عليه تنزّل أخبار (2) نفي البأس فيها.

و أمّا العرضيّة الحاصلة من ملاقاة الميتة [ف] لا يبعد القول بالنجاسة في الأوّلين؛ لقاعدة الملاقاة الجابرة لقوله: «ذلك الحرام محضاً» (3) في اللّبن، و لملاقاة جلد البيضة لرطب في الميتة فيتنجّس. و الفرق بينهما أنّ الأوّل لا يطهر إلّا إذا اختلط بالمعتصم، و الثاني يطهر بغسل جلده.

و مرادهم على اختلافهم في ثوب البيضة هو ما يقطع بعدم سراية النجاسة إليها معه، و ربّما اختلف ذلك بحسب الأنظار، فكلّ اعتبر شيئاً، و مال الجميع إلى ما حرّرنا .

و يظهر من جماعة القدماء (4) و صحاح النّصوص (5) هو الطّهارة، بل كأنّه الأشهر فيهما، و نزّلها الوالد رحمه الله (6) على الطّهارة الذاتيّة جمعاً معتضداً بحسنة حريز (7) القاضية بغسل ما يؤخذ من الشاة بعد أن تموت مطلقاً، و بالخبر الذاكر لجواز الانتفاع بالشِّعر و الوبر و الإنفحة و القرن، قال: و لا يتعدّى إلى غيرها.

مع نقل الحلّي الإجماع على النجاسة مطلقاً (8)، و يبعّده أنّه لا فائدة لذكر طاهرة اللّبن

ص: 320


1- حكاه في مفتاح الكرامة: 1/ 155.
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 3/ 342ح4212.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 9/ 77 ح325.
4- حكاه عنهم في منتهى المطلب: 3/ 207.
5- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 16/ 365 ح33.
6- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 353.
7- الكليني، الكافي: 6/ 258 ح4.
8- ابن إدريس، السرائر: 3/ 112.

في الخبر، و لا ثمرة له مع مَيل شيوخ المذهب إليه عملاً بمرسل الصّدوق كالكليني (1) و الصدوق (2) و الشيخين (3) و القاضي (4) و ابنَي زُهرة (5) و حمزة (6)، فتخصّص القاعدة بأخبار الطهارة كالإنفحة بلا خلاف يعتدّ به، لكن حيث إنّ المخالف أيضاً كثير كالحلّي (7) و سلّار (8) و الفاضلين (9) لم تكن لنا جرأة على الإفتاء بالطهارة، و إن كان هو الأوفق بحسب الدليل، و هو المرجع، إذ يلزم منه طرح الأخبار الصحيحة مع عدم مخالفته لأصول المذهب، و بعد استقراء طريقتهم من الأخذ بالطّهارة بأقلّ من هذا و فتواهم في الإنفحة لا وقع لما في حاشية المدارك (10)، لكن يجب قصر اللبن حينئذ على لبن مأكول اللّحم؛ لأنه المنصوص (11) دون البيضة و إن قصرها الفاضل (12)؛ لخلوّ قصره عن برهان، و منه يظهر حكم الإنفحة على المعتمد في معناها، و حال ظاهرها حال قميص البيضة، و باطنها كباطنها، و تخالف البيضة في أنّ الأُولى قصرها على مأكول اللّحم، دونها.

و حينئذ لا إشكال في الإنفحة موضوعاً و حكماً، فإنّه و إن نقل الاختلاف فيها لغةٌ (13)،

ص: 321


1- الكليني، الكافي: 6/ 258 ح6.
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 68 ح157.
3- الطوسي، الخلاف: 1/ 490.
4- ابن البراج، المهذب: 2/ 441.
5- ابن زهرة غنية النزوع: 401.
6- ابن حمزة الوسيلة: 78.
7- ابن إدريس، السرائر: 3/ 112.
8- سلّار، المراسم العلوية: 211.
9- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 460؛ الفاضل الهندي، كشف اللثام: 1/ 422.
10- البهبهاني، الحاشية على مدارك الأحكام: 2/ 235.
11- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 3/ 342 ح4212.
12- العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 1/ 192.
13- ابن منظور، لسان العرب: 2/ 624، (فصل الميم).

فهو على فرض ثبوته غير قادح؛ لوضوح المراد من الأدلّة و الأخبار، و خلاصته أنّها هي التي يُصْنَع منها الجبن، فإنّه يكون في بطن الجدي شيء صغير فيه لبن غليظ يحسن الجبن بإدخال اليسير منه فيه، و هو للجدي بمنزلة المعدة للإنسان.

فهنا ثلاثة أشياء: ظرف ذلك اللّبن، و اللّبن، و ظرفهما معاً، و الإنفحة يمكن أن تكون اِسماً لأحد الثلاثة فإن كانت اسماً للبن، أو لظرفه الذي هو بمنزلة بيضة الدّجاجة، فطهارة اللبن لا شبهة فيها، فإنّه و ظرفه ممّا لا تحلّه الحياة يقيناً في الأوّل، و ظاهراً في الثاني، و إن كانت اسماً للجلد الواسع الذي يجتمع فيه الفضلات التي منها ظرف ذلك اللّبن فالحكم بطهارته و إن لم يستلزم عقلاً طهارة اللّبن و ظرفه، لكن التفكيك بينهما بعيد في الغاية، إذ لا وجه لطهارة الكرش و نجاسة ما فيه سوى أنّ ما فيه ممّا يمكن أن تحلّه الحياة، و هو بعد منعه أنّ وجود هذا المعنى في الكرش أظهر فكيف يطهر دونه، و بعد تسليم وضع الأنفحة له لا يمكن حمل الأخبار عليه، ضرورة أنّ الجبن لا يصنع منه، و المحكوم بطهارته هو ما يصنع منه.

و قضيّة تشبيهه بالبيضة كالصّريح في إرادة غيره؛ إذ لا مشابهة بينهما، و يكون المراد أحد المعنيين، و التشبيه يقتضي إرادة ما فيه اللّبن من ذلك الشيء الأصفر الذي هو بمنزلة المعدة، و حينئذ لا إشكال في طهارتها.

و قول الثمالي: إنّه ربما جعلت في الجبن أنفحة الميّت (1)، ممّا يؤيّد أنّ المراد اللّبن، و يبقى الإشكال في طهارة جلده الذي حَلَّ فيه بعد الجزم بطهارة ذاته و لو مع الشكّ في كونه ممّا تحلّه الحياة، فيجري فيه ما يجري في قشر البيضة الملاقي للميتة، و الأقوى هنا مثله هناك.

أمّا لو قطع بأنّه ممّا تحلّه الحياة يدور الأمر بين تخصيص قاعدة تنجّس المائع بملاقاة النجس و بين إخراج بعض ما تحلّه الحياة عن حكم النجاسة، و لا مرجّح، فيرجع لأصالة الطّهارة، و كأنّ أوّل التخصيصين أَهْوَن عندهم؛ لتصريحهم (2) بطهارة اللبن الظاهر منه نجاسة الثدي في اللّبن.

ص: 322


1- الكليني، الكافي: 6/ 256 ح1.
2- ينظر: المفيد، المقنعة: 90؛ ابن سعيد، الجامع للشرائع: 390.

فظهر معنى طهارة الأنفحة، و أنّه لا ضَرَر في اختلاف اللّغويِّين فيها بعد وضوح المراد، و كأنّه هو المتيقن الذي أراده في المدارك (1)، و عليه لا يقصر الحكم على أنفحة ما لا يؤكل الطعام، بل ينبغي اتّباع ذكرى المصنّف (2) فيها من طرد الحكم إلّا إذا فطم الجدي، فإنّ عدم صدق الاسم لو سلّم غير ضائر بعد وضوح المراد، أو أنّ مراده بانقلاب اسمها كرشاً لو مزج رضاعها بالأكل: إنّ الكرش اسم للنوع فلا ينافي صدق الجنس عليه.

و الحاصل: تدور الطهارة مَدار الفائدة المقصودة، فمتى ارتفعت زالَت، و المرجع العُرف، و الله العالم.

[نجاسة الجنين]

و أمّا الجنين فصرّح الجد الأكبر قدس سره (3) بنجاسته تبعاً للفاضل (4) ما لم يكن تامّاً، أو كان و لم يذّك؛ لأنّ إيلاج الروح فيه تابع لأمّه، فهو ممّا تحلّه الحياة، فيعمّه الحكم، لكن هذا مبنیّ علی مساواته لسائر الأجزاء من الأمعاء، مع أنّ الظاهر استقلاله و أنّه كالبيضة و الدّود في الرّحم إلَّا أن يرجع فيه لحديث (5) الذّكاة و ينفى انصرافه إلى ما ولجته الرّوح من الجنين؛ لعدم اشتراطهم ذلك في التذكية بعد تمام الخلقة، فيتمّ الحكم بهذه الصّورة و بالإجماع المركّب فيما قبلها، و المناط فيه عدم و لوج الرّوح.

و الأخرى في دليله أنّه حيوان ذو حياة ولو من جهة اشتماله على دَم و عظم فيشمله ما قضی بنجاسة غيره المماثل، هذا.

ص: 323


1- السيد العاملي، مدارك الأحكام: 2/ 263.
2- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 118.
3- الشيخ ،جعفر كشف الغطاء: 2/ 385.
4- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 8/ 311.
5- سنن أبي داود: 3/ 103 ح2827؛ سنن الترمذي: 4/ 72 ح1476؛ سنن ابن ماجة: 2/ 1067 ح3199؛ سنن الدارقطني: 4/ 274 ح29.

و ربّما ينافي قولهم بالنجاسة تصريحهم (1) بعدم وجوب الغُسل مضموماً قبل ولوج الرّوح؛ لأنه لا حياة له.

و يدفع بأنّ وجوب المضموم على النوع الإنساني و حياته و ولوجه الروح، فإذا فُتح وجبَ على النوع الحيواني، و حياته اشتماله على الدّم و العظم و العرق، و لقد ذكرا (2) (طاب ثراهما) في أطعمتهما بعض ما تعرّضنا له هنا، فإذا مَدَّ الله تعالى بالأجَل زدناه وضوحاً في مقامه إن شاء الله تعالى.

(و) السادس و السابع: (الكلب و الخنزير) حتُى كلب الصيد مطلقاً أو (البريان) و هما مع القيد لا يحتاجان إلى تجسّم الاستدلال؛ لأنّ النجاسة فيهما من ضروريّات المذهب.

و يظهر من الصّدوق (3) طهارة كلب الصّيد، و هو محجوج بالإجماع (4) قبله و بعده، و خصوص: «إذا مسسته فاغسل يدك» (5)، و لعبارته محمل غير الظاهر.

و من غيره كالحلّي (6) عموم الحكم للمائي فيهما، و استقر به الفاضل في المنتهى (7)، و تردّد فيه في البيان (8)، و جعل الوالد رحمه الله التجنّب أحوط؛ لشبهة صدق الاسم و فتوى البعض به (9)، ولكن الظاهر عدم العموم؛ لمنع الصدق على وجه الحقيقة، أو لأنه مشترك لفظاً، و لا يجوز حمل المشترك على معنييه مع وجود قرينة الحمل على أحدهما لو كان.

ص: 324


1- ينظر: المقداد السيوري، التنقيح الرائع: 4/ 26؛ الطباطبائي، رياض المسائل: 12/ 131
2- الشهيد الأول، اللمعة الدمشقية: 215؛ الشهيد الثاني، الروضة البهية: 7/ 248.
3- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 8 ح10.
4- ينظر الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 5/ 92.
5- الكليني، الكافي: 6/ 553 ح12.
6- ابن إدريس، السرائر: 2/ 220.
7- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 169.
8- الشهيد الأول، البيان: 39.
9- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 356.

و لو فرض أنّ الاشتراك معنويّ يعيّن البرّي انصرافهما له عند الإطلاق كانصراف الماء للمطلق فيتوقّف الصدق في البحري على الإضافة إليه و للمصحّح في جلود الخَزّ، قال علیه السلام: «ليس بها بأس، قال الرجل: جُعِلْتُ فداك، إنّها في بلادي إنّما هي كلاب تخرج من الماء؟ فقال أبو عبد الله علیه السلام: إذا خرجت من الماء تعيش خارجة من الماء؟ فقال الرجل: لا. قال: لا بأس» (1).

و يتمّ الحكم بخنزير البحر قضاءً لحقّ التعليل و لعدم المفصّل، لكن يدفع الاشتراك اللّفظي أصالة عدمه و صحّة التقسيم عرفاً من غير تجوّز في المقسم.

و أمّا الانصراف؛ فللأنس بالبرّي، فهو بدوي لا ينفع في تقييد المطلقات، مع أنّه لا دليل على نجاسة ميتة البحري سوى العمومات و لم يدّع الانصراف أحدٌ هناك و لا فرق، و الرّواية لا يظهر منها غير التفصيل في المائي بين ما يعيش و ما لا يعيش، و لعلّ الثاني لا نفس له، فتدلّ على نجاسة ما يعيش، و حيث لا مفصّل هنا يجب طرحها، كدعوى مجازيّة إطلاق الاسم عليه، فإنّ مآلَهُ إلى ملاحظة نجاسة البرّي و وضع اللّفظ له، و الأصل العدم.

لكن احتمال اختصاص الموضوع بالبرّي يكفي في سلب الأحكام عن غيره، و لا قطع بعدم الاختصاص، و الأصل معارض بأصالة عدم ملاحظة العموم، و الانصراف بمعونة فهم العلماء لا يخال عنه، فيفرق بين المقام وبين الميتة أنّ الميتة اسمٌ لمن تحقّق الوصف فيه كالمشتقّ، و الحكم المعلّق عليها حينئذ يتبع تحقّق ذلك المعنى الملحوظ في التسمية، و لذا لم ينصرف لقسم من أقسام ذي الرّوح، و لا كذلك الكلب و صاحبه و غيرهما من سائر الأعيان؛ لوضوح إمكان تحقّق الانصراف، فالمتّجه الطهارة في خبر البريّ (2). (و) النجاسة في تمام (أجزائهما) كلّها من اللّبن و الأنفحة (و إن لم تحلّها الحياة) كالشعر و غيره، بل و سائر فضلاتها كالعرق و اللّعاب على المشهور (3) في الجميع.

ص: 325


1- الكليني، الكافي: 6/ 451 ح3.
2- الكليني، الكافي: 6/ 451 ح3.
3- ينظر هداية الأمة إلى أحكام الأئمة علیهم السلام: 1/ 361.

و بعض الأخبار (1) كالصّريح فيه، فخلاف المرتضى (2) و ابنه لا عِبرَة به، لا لما قيل (3) من أنّ نجاسة عينها توجب عموم الحكم لكلّ الأجزاء، فالخارج محتاج إلى الدّليل؛ لانحصار فائدة النجاسة العينيّة بعدم قبول التطهير، أو عدم اعتبار الموت، و لا شيء منهما في المقام، بل لضعف ما استند إليه؛ إذ مرجعه إلى القياس، أو التحكّم في أنّه لا يكون من جملة الحَيَّ إِلَّا ما تحلّه الحياة كما هو صريحهما.

[ما تولد من الكلب و الخنزير ]

بل (و) في حكمها عندهما في غيره تبعاً للفاضل (4) في بعض زبره (ما تولّد منهما و إن باينهما) جميعاً (في الاسم)، سواء وافق طاهراً أو نجساً غيرهما لو كان، و هو مشكل كما في التذكرة (5)؛ للأصل السالم عن المعارض فيما لو و افق طاهراً و إن شابهها؛ إذ لا وجه للتبعيّة سوى تغليب جانب الأمّ، و هو اعتباری، و التكوّن من مائهما لا يفيد.

(و) أمّا الحيوان (المتولّد من أحدهما) فطاهر ككلب و شاة و بالعكس (فإنّه يتبع في الحكم الاسم) (و لو) كان موافقاً (الغيرهما)، وفاقاً للفاضلين (6) و البيان و الذكرى (7) من غير استشكال، و سرّه تساوي احتمال أن يكون من ماء النجس لاحتمال أن يكون من الطاهر، و لا مرجّح، فلا يبقى إلّا رعاية الاسم و الأصل، ولكن البعضيّة كافية في التردّد في الطهارة، فلا معنى لنفي الإشكال هنا و إثباته هناك، هذا إذا كان له مُشاكل، (فإن انتفى المماثل) للمتولّد (فالأقوى طهارته و إن حرم لحمه؛ للأصل فيهما)، و بروضه: إن لم يصدق عليه اسم أحدهما

ص: 326


1- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 3/ 415 ح4030.
2- السيد المرتضى، الناصريات: 100.
3- ينظر النجفي، جواهر الكلام: 6/ 264.
4- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 269.
5- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 60.
6- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 2/ 19؛ الفاضل الهندي، كشف اللثام: 1/ 416.
7- الشهيد الأول، البيان: 39، ذكرى الشيعة: 1/ 118.

و لا غيرهما ممّا هو معلوم الحكم فالأقوى فيه الطَّهارة و التحريم (1)، انتهى.

و هذا التفكيك إن كان بعد الذبح فهو لا وجه له؛ لأنّ ما يقبل التذكية من المشتبه لا شبهة في حلِّية لحمه؛ إذ التذكية و إن لم تكن سبباً تاماً للحلّيّة، لكنّها في غير المعلوم حرمته و صحّت تذكيته بالفرض هي سبب تامّ في الحليّة قولاً واحداً، بل الأقوى أنّ محرّم اللحم لا تقع عليه التذكية، و سيجيء بيانه.

و إن كان قبله فلا ثمرة في الحكم بحرمة لحمه؛ إذ كلّ طاهر قبل التذكية حرام اللحم، و لا معنى لاستصحاب حرمة لحم الحَیّ إلى ما بعد الحياة؛ لتبدّل الموضوع جزماً، فيحتمل قويّاً أنّ مراده بالأصلين طهارته و حرمة لحمه حال الحياة قبل التذكية.

و أمّا قبوله للتذكية و عدمه فهو موكول إلى تنقيح الأصل فيه، و كلّ على بنائه، و في العبارة مسكوتٌ عنه، فلا وقع للإنكار عليه كما في الحدائق (2) المصرّ عليه الأُستاد تحريراً و تقريراً في أصوله (3) و فقهه (4)

و على الظاهر المفهوم منه لا معنى لحمل المعلّقين عليه من عدم انحصار الحيوانات المحرّمة لكثرتها فيلحق هذا الفرد بالمحرّم للغلبة، أو أنّ النجاسات محصورة و المحلّلات كذلك، و ليس هذا منها فيكون طاهراً و حراماً كما هو نصّهم؛ إذ مرجعه حينئذ إلى الغلبة التي لا تفيد علماً و لا عملاً بعد تسليمها فعسى أن تكون الحيوانات كالطّيور، بل أصالة الحلّ تساوق أصالة الطّهارة هنا؛ للنّص.

فالسؤال عن المحلّل في النصوص من باب الفحص عن المخصص كالسؤال عن النّجس، و حينئذٍ يمكن أن يريد به أصالة عدم التذكية المتوقّف عليها الحلّ و لو من حيث إخراج المذكّى عن عنوان الميتة، و لا ينكر ترتّب أحكام الميتة عليه في الشبهات الموضوعيّة

ص: 327


1- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 435.
2- البحراني، الحدائق الناضرة: 5/ 81.
3- الشيخ الأنصاري، فرائد الأصول: 2/ 109.
4- الشيخ الأنصاري، أحكام الخلل في الصلاة: 34.

و إن خالف البعض (1)، على اختلافهم في إنكار حجّيّة أصالة العدم أو إناطة الحرّمة و النجاسة على الموت حتف الأنف لا على عدم التذكية، و هما منفيّان ب- (إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ) (2) و بما (لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) (3)، و وضوح ثبوت الحرمة كما قرِّر في محلّه.

و أمّا الحكميّة فالذي يرى انقلاب أصالة عدم قابليّة الحيوان مطلقاً للتذكية إلى أصالة قبوله مطلقاً إلَّا ما خرج كان الحكم في مقامنا هو الحلّ بلا شبهة، و من لا يرى الانقلاب يحكم بالحرمة؛ إذ التذكية أمرٌ شرعىّ يتوقّف ثبوته على دليله، فيجري أصالة عدمها حتّى تثبت، فيتوقّف الحكم بالحلّية على تحقّق الأصل الثانوي و انقلاب الأوّلي إليه يظهر من الفاضل في القواعد (4) و المصنّف (5)، فيكون القبول أصلاً ثانويّاً قاطعاً للأوّل و هو الأقوى عند الأستاذ (6)، و من آخرين كالشارح (7) و غيره (8) عدم الانقلاب و إنكار استفادة الأصل الثانوي من الأخبار، بل هو ظاهر كلّ (9) من منع وقوع الذكاة على المسوخ و الحشرات و السّباع و قال بطهارتها، فإنّه لا دليل لهم سوى الأصل الأوّلي، مع ورود بعض النصوص بخلافه، فأعجب لنفي خلاف الحدائق (10) في قبول كلّ حيوان للتذكية، فراجع الذباحة لتقف على المسألة.

و عسى أنّ أصالة الطهارة و الإباحة تكفي في ردّ الشارح رحمه الله فيهما، فيثبت بأصالة الإباحة قابليّة الحيوان للتذكية بناءً على عدم الفرق بين الإباحة الفعليّة و الشأنيّة في الأصل

ص: 328


1- ينظر التبريزي، درر الفوائد في شرح الفرائد: 3/ 259.
2- سورة المائدة: 3.
3- سورة الأنعام: 121.
4- العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 1/ 255.
5- الشهيد الأول، الدروس: 2/ 410.
6- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 5/ 97.
7- الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 11/ 516، 517.
8- ابن إدريس، السرائر: 3/ 114.
9- كالطوسي في الخلاف: 1/ 176، و المبسوط: 2/ 165، 166؛ و ابن حمزة في الوسيلة: 362.
10- البحراني، الحدائق الناضرة: 5/ 231.

الأوليّ الثابت من الشرع و العقل، كإحراز قابلية نكاح كلّ امرأة في قِبال ما يحرم نكاحها، فيكون أصالة قبول التذكية في الحيوان و النكاح في المرأة وارد و مزيل لأصالة عدم و أصالة عدم النكاح، و تمام الكلام في موضعه.

غير أنّ الظاهر أنّ المرجع هنا هو الأصل الموضوعي الجاري في المشكوك، و هو عدم تذكيته، دون الأصل الحكمي فتأمل، فإنّ إطالة الفكر في أمثال المقام هو الاجتهاد في الأحكام المبرئ للذّمّة في العمل.

(و) الثامن: (الكافر) المطلق مطلقاً (1)، (أصليّاً) كان أو (مرتدّاً) بجميع أقسامه و أجزائه حتّى الشّعر و نحوه (2)، و خلاف المرتضى (3) آت فيما لا تحلّه الحياة منه، و دليل استثنائه له الكلب و أخويه جارٍ هنا.

و الظّاهر الإطلاق؛ لصدق اسم الكافر على جميع أجزائه الذي لا ينافيه بقاء الصّدق في انتفاء بعضها، فلا فرق بين الأجزاء كما هو بين الأقسام من الحربي و الذمّي و المُعاهِد و الكتابي و غيره، و الفطری و الملّي، و من كان كفره الجحود أو شكّ سواء تعلّقا بالخالق أو رُسُله أو بلوازمها المعلومة من الدِّين ضرورةً، أو الضروري و إن لم يكن لازماً من أحوال المعاد و الفروع الضرورية، فالمُنكِر كافر كذلك (و إن انتحلَ الإسلام) بأن ادّعاه لنفسه (مع جحده) و إنكاره (لبعض ضروريّاته) أو إثباته لما انتفى من الدّين بالضرورة أيضاً.

و الضّروري: هو المعلوم عند المسلم و غيره أنّه من دين محمّد صلّی الله علیه و آله، و لا يحتاج إثباته إلى دليل.

و في المعتبر أنّ المجمع عليه ضروريّ (4)، و منه إنكار ما علمٍ أنّه من الدّين بأيّ أنحاء

ص: 329


1- السيد المرتضى الانتصار: 10؛ ابن إدريس، السرائر: 1/ 73؛ العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 168، تذكرة الفقهاء: 1/ 8.
2- كالظفر.
3- السيد المرتضى، الناصريات (الجوامع الفقهية): 216.
4- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 96.

العلم و إن لم يكن ضروريّاً عند الجميع، نحو سماع الحكم شفاها من النبيّ صلّی الله علیه و آله أو أحد الأئمّة علیهم السلام، لكن لا يترتّب حكم الكافر عليه إلّا بعد إقراره على نفسه بإنكاره لما علم أنّه من الدّين.

[ضابط الكفر]

(و ضابطه) الذي يشمل جميع أقسامه هو: (من أنكر الإلهيّة) كالدّهرية، (أو الرِّسالة) لنبيّنا صلّی الله علیه و آله، أو مطلقاً، و مَن أنكرَ غير نبيّنا صلّی الله علیه و آله من الرُّسل - معترفاً برسالة النبي صلّی الله علیه و آله - عن شبهة، ففي كفره إشكال.

و كذا لو أنكرَ جميع غير الضّروري؛ إذ الجميع ضروري ثبوته بوصف الجميعية، (أو) أنكر (بعض ما علم ثبوته من الدين ضرورةً)، فيشمل المُنكِر لغير نبيّنا من الرُّسل لا عن شبهة، و المنكر للوحدانيّة، بل سائر الصفات الثبوتيّة و السلبيّة.

و بحكمه من لم يصدّق و إن لم يكن منكراً، كلّ ذلك للإجماع المحقِّق الجاري على لسان جماعة (1)، إجماعهم فضلاً عن نقلهم يكفي في إثبات الحكم الجابر لعموم (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) (2)، فقد نصّ غير واحد (3) على تعميم المشرك لجميع أقسام الكافر، و أنّ المراد بالنجاسة معناها الذي تقدّم فلا تحمل على المعنويّة، فإنّ الأخبار و سائر الاستعمالات الشرعيّة كلّها شاهدة على إرادة النجاسة الشرعيّة في إطلاق النجاسة، بل يثبت المدّعى لو حملنا النجاسة على معناها اللغوي؛ إذ كونهم أقذاراً عند الشارع يكفي في إثبات نجاستهم.

و لو أريد بالمشركين المعهودون الذين منعوا من المسجد الحرام عَمَّ الحكم أيضاً؛ لعدم المفصل، و لتعلّق الحكم على الوصف، و لبعض النصوص الظاهر ذلك منها، كموثّقة الأعرج

ص: 330


1- منهم: المجلسي في بحار الأنوار: 77/ 44.
2- سورة التوبة: 28.
3- حكاه المحقق الأردبيلي في زبدة البيان: 37، 38.

في سؤر اليهودي (1)، و رواية أبي بصير في مصافحته (2)، و رواية عليّ بن جعفر عن النّصراني إذا اغتسل مع المسلم (3) و غيرها (4)، الظاهر منها النجاسة ظهوراً بيّناً.

و مع الإغضاء عمّا ذكرنا فاستفاضة هذه الإجماعات كاشفة قطعا عن دليل معتبر قائم على العموم، و لأجله ما تعرّض للمسألة في المختلف المعدّ للمسائل الخلافيّة.

و مع ذلك فقد تردّد بعض المتأخِّرين (5) في نجاسة الكتابي مطلقاً، و أولاد الكفّار مطلقاً، و الكفّار الإضافية لا مطلقاً، بعد أن نَسَب الطَّهارة في الأوّل للمفيد و الشيخ في النهاية و الإسكافي و العماني، و النسبة موهونة بوجود الكراهة في كلام الأوّل، و لا يبعد إرادة الحرمة منها كما في بعض الأخبار (6)

و يعضده تصريحه بالنجاسة في غير الرّسالة و حكم تلامذته بها، و يلحقه الثاني بالحمل و رفض الكلّ خلاف الثالث، و الرابع على أصله.

نعم، لا ننكر وجود جملة من الأخبار (7) القاضية بجواز مباشرتهم الدّالة على طهارتهم، فإن كان مدرك الإجماع على النجاسة الآية و الأخبار التي بأيدينا و لا مدرك غيرهما يشكل الأمر؛ لتطرّق الوَهْن فيهما من حيث الدّلالة أو السّند، و إن كان هناك دليل قاطع هو مدرك الإجماع كان الحكم بها قويّاً.

و لعلّ إعراض جُلّهم عن أخبار الطهارة، و فيها الصريح الصحيح، ممّا يؤيّد وقوفهم

ص: 331


1- الكليني، الكافي: 3/ 11 ح5.
2- الكليني، الكافي: 2/ 650 ح10.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 223 ح640.
4- رواية زرارة عن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال في آنية المجوس: «إذا اضطررتم إليها فاغسلوها بالماء». الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 3/ 347 ح4221.
5- البحراني، الحدائق الناضرة: 5/ 164؛ النجفي، جواهر الكلام: 6/ 42.
6- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 3/ 348 ح4222.
7- الطوسي، تهذيب الأحكام: 9/ 88 ح373.

على قاطع، فتنزّل أخبار الطّهارة على التقيّة، و يشهد له مصحّحة إسماعيل قال: قلت لأبي عبدالله علیه السلام: ما تقول في طعام أهل الكتاب؟ قال: «لا تأكله، ثمّ سكت هنيئة ثمّ قال: لا تأكله، ثمّ سكت هنيئةً، ثمّ قال: لا تأكله، و لا تتركه تقول إنّه حرام، ولكن تتركه تنزيهاً عنه، إنّ في آنيتهم الخمر و لحم الخنزير» (1).

و هي صريحة بالكراهة و التقيّة؛ للسّكوت المتخلّل، فيطّرد الحمل في أخبار الباب کرواية زكريّا (2) و الكاهلي (3) و البزنطي (4) و عمّار (5) و صحيحَتي إبراهيم (6) و رواية أبي جميلة (7) و صحيحة المعلّى بن خُنيس (8) و صحيحة الحلبي (9) و غيرها فإنّها متضمِّنة لعدم تحريم مواكلتهم مطلقاً، أو مع عدم وجود لحم الخنزير في آنيتهم في الأوليين، و جواز الأكلّ من طعامهم في الثالثة، و جواز التوضؤ من سؤرهم في الرابعة و نفي البأس عن المباشرة في الصحيحتين، و جواز لبس ما صنعوا من الثياب مع عدم الفحص في السادسة و السابعة و الثامنة.

و هكذا باقي الأخبار، فإنّ قواعد الجمع - لولا ما ذكرنا - تُوجِب حمل أوامر الغسل و التجنّب على الاستحباب؛ الشيوعه فيها، و احتمالُ لزوم التجوّز الموجب لحمل أخبار الطهارة على المباشرة مع اليبس و إبقاء أوامر الغسل على الوجوب فلا تجوّز، موهونٌ بإنكار التجوّز، و على فرضه فربّ مجاز خير من الحقيقة، مع عدم جريان الحمل في جميعها كخبر عمّار و نحوه و عدم نصوصيّة أخبار النّجاسة عليها؛ إذ المنع من مباشرتهم مع الرّطوبة أعمّ من

ص: 332


1- الكليني، الكافي: 6/ 264 ح9.
2- الكليني، الكافي: 6/ 264 ح10.
3- الكليني، الكافي: 6/ 263 ح4.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 39 ح105.
5- الكليني، الكافي: 6/ 263 ح2.
6- الكليني، الكافي: 3/ 55 ح2، 3.
7- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 168 ح794.
8- الطوسي، تهذيب الأحكام: 2/ 361 ح13496.
9- الطوسي، تهذيب الأحكام: 2/ 220 ح865.

المدّعى، فلعلّه حرام في ذاته غير نجس.

مع أن ظاهر تعليق الحلّ في قوله تعالى: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) (1) إفادة العموم بجميع أفراد الماهيّة إذا لم يكُن ثَمّة عَهد و لا قرينة مخصّصة، و إرادةُ المنتقلين من أهل الكتاب إلى الإسلام بقرينة ذكره حِلّ طعام المسلمين لهم إذ لا فائدة لبيانها للكفّار، فيجوز إطلاق المشتقّ حينئذٍ على المتّصف بالمبدأ في الزمن الماضي، بعيدٌ جدّاً؛ لأنه من التصرّف المرفوض لاشتماله على مخالفة الأصل، و القرينة عليه ممنوعة بتصريح المفسّرين (2) بأنّ المراد جواز إطعامهم عند المخمصة أو مطلقاً.

نعم، صرّح غير واحد بأنّ الطعام مراد به البرّ أو الحبوب و البقول (3) و أمثالها (4)، قال الخليل: الطعام البُرِّ خاصّة (5)، و في الاحتكار صرّحوا به (6)، فينفي الرّكون للآية، و يبقى سؤال تخصيص الحكم بأهل الكتاب فيُجاب عنه: بأنّ التخصيص لابتلاء أهل المدينة بهم.

و عليه تتّضح فائدة العطف و تنحصر الرخصة في خصوص البُرّ أو مطلق البقول من بين الطيّبات التي بأيديهم ممّا لم يعلم مباشرتهم له برطوبة، و حيث فهم منه المنع عن مطلق طيّباتهم غير الطعام لم نقتصر فيه على طيّبهم المحرّم عندنا و المنع من طيّباتهم المحلّلة لا مطلقاً ليس إلّا لتأثير نجاستهم فيها فتدخل في المحرّم، و إلّا ما كان لعطف الطعام فائدة، فهي على خلاف المدّعى أدلّ، و مثلها الأخبار المشتملة على لفظ الطعام، فالأقوى ما عليه عامّة علمائنا (رضوان الله عليهم) المُغرِضين عن هذه النصوص التي تلّقيناها منهم.

ص: 333


1- سورة المائدة: 5.
2- ینظر ابن عاشور، التحرير و التنوير: 6/ 108.
3- الكليني، الكافي: 6/ 264ح6.
4- كالعدس و الحمص.
5- الخليل، العين: 2/ 25.
6- الطوسي، النهاية: 374؛ ابن حمزة، الوسيلة: 260.

[نجاسة أولاد الكفار]

و أمّا أولاد الكفّار مطلقاً فلحوقهم بآبائهم في الكفر كان الإجماع عليه أيضاً (1)، و مرسل إرسال المسلّمات إلّا في نهاية الفاضل (2) فإنّه قرّبه، و تقريبه يورِث الخلاف فيه، و لأجله استشكل في دليله البعض (3) نظراً إلى عدم صدق الكافر عليه، و عدم نجاسة الفرع المخالف لأصله في الاسم.

ولكن التبعيّة المستفادة من بعض النصوص (4) تردّه، و مَن (5) حكمَ بنجاسة المتولِّد بين نجسين مطلقاً يلزمه الحكم هنا، و استصحاب نجاسة العلقة مع عدم المداقّة في الموضوع يقضي به أيضاً، و شمول بعض أحكام آبائهم كالاسترقاق مؤيد آخر؛ إذ المناط الكفر.

و يستثنى منهم مسبيّ المسلم الصّغير العاري عن أبويه في وجه عليه جماعة (6)؛ لانقلاب التبعيّة التي يدور الحكم مَدارها، و للرّواية: «يهوّدانه و ينصّرانه» (7)، و هما ضعيفان ساقطان بما في المسالك (8) كسقوط استصحاب الكفر فيه و استصحاب أحكامه؛ للشكّ في تبدّل الموضوع من حيث احتمال توقّف كفره على مصاحبته والديه، و هو كافٍ في قطعه، و الوجه بقاء أحكام الكفر عدا النجاسة في وجه قويّ.

أمّا الأوّل؛ فلعدم التزامهم بخروج ابن الكافر عن الكفر بأيّ سببٍ يُؤدِّي إلى مفارقة أبويه، مثل موتهما، أو السّبي بيَد غير المسلم، أو المصاحبة له من دون سبي، أو غيرها، و منه

ص: 334


1- الطوسي، الخلاف: 5/ 533؛ الصيمري، تلخيص الخلاف: 3/ 279.
2- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 274.
3- المحقق السبزواري، ذخير المعاد: 1/ 152.
4- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 4/ 337 ح5729.
5- ينظر العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 68.
6- فخر المحققين، إيضاح الفوائدة: 1/ 360؛ الشيخ جعفر، كشف الغطاء: 4/ 392.
7- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 2/ 49 ح1668.
8- الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 3/ 42.

يظهر أنّه لا يجدي جعل الشرط عدم مصاحبة المسلم لا مصاحبة الوالدين؛ لعدم الاطّراد أيضاً، و لرجوعه إلى مانعيّة مصاحبة المسلم، فإنّ معنى شرطيّة الأمر العدمي هو مانعيّة الوجود، و كذا لو جعل الشرط عدم السّبي فراراً عن النقوض؛ لعوده إلى المانعيّة، و معه يجري الاستصحاب جزماً.

و أمّا الثاني؛ فلظاهر اتّفاقهم (1) عليه، و لأصالة الطهارة، و للحرج المنفي، و للرواية (2) القاضية بأنّ الولد على الفطرة حتّى ينتقل إلى غير الإسلام، لكن الكلّ محلّ تأمل؛ لوجود المخالف لحكومة الاستصحاب على أصالة الطهارة، و لا تجدي مقالة الرياض (3) أنّ الفرض إثبات طهارة الملاقي، و الأصل فيه سليم عن المعارض؛ إذ بعد تسليم النجاسة و أنّ الرطب تسري نجاسته - كما اعترف في غير المقام - لا معنى لبقاء أصالة طهارة الملاقي، و لأيّ شيء اختصّ هذا الأصل بخصوص هذا الملاقي! إن هو إلّا تحكّم، و لردّ الحرج و الرّواية بعدم قابليّة الأوّل لإثبات الطّهارة و إلّا لأثبتها في غير المَسبيّ مطلقاً، أو من الأولاد من المصاحب للمسلم. و الثاني على خلاف المطلوب أدلّ، فإنّ انتفاء التهويد و أخويه إنّما ينقطع بانقطاعه عن أبويه، و إلّا لحكم بإسلامه حتّى يتديّن بدين أبويه عند التمييز، و هو منافٍ للحكم بالتبعيّة للرواية.

و اعتمد الأُستاذ رحمه الله على الطّهارة بالسِّيرَة على عدم التحرز منهم (4)، و هي موقوفة على ثبوت التحرّز عن الكبير في سببه المعلوم عدمه، فلا تجدي في إثبات المدّعى، فالمعتمد الإجماع أو ظاهر الاتّفاق على الطهارة كما اعترف به الشارح في غيره (5)، بل لم أجد مُصرِّحاً بالنجاسة،

ص: 335


1- ينظر الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 5/ 112.
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 2/ 49 ح1668.
3- الطباطبائي، رياض المسائل: 7/ 543.
4- ينظر الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 5/ 110.
5- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 436.

فإنّ المصنّف في الدّروس (1) قال بالتبعيّة مطلقاً و إن تردّد في الذكرى (2)، و مثله الفاضل في لقطات القواعد (3) و إن تردّد في التذكرة (4).

و أمّا باقي الأحكام فالأصل بقاؤها، و لا معارض له و إن لزم من يناقش في استصحاب الطّهارة بتغيّر الموضوع، أو عدم إحراز العلم بكفر الأولاد قبل السَّبي نفيها أيضاً، فإنّه لا وجه له.

و أمّا لو سُبيَ منضمّاً لأبويه أو لأحدهما فالتحقيق عدم لحوق حكم الانفراد و بقاء أحكام الكفر مطلقاً، و لعلّه المشهور (5) عندنا خلافاً لمشهور (6) الناس مع إطباقهم (7) أنّ الملكيّة ليست مُزيلَة للكفر، فلا رافع للنجاسة السابقة، إذ المتيقّن هی التبعیّة بقیودها.

و منه یظهر حال ما یجلبه التجّار فی ماننا من سائر أصناف الکَفَرَة، و ما تلتقطه فی دار الإسلام، أو الکَفَرَة و فیها مسلم، فإنّ المتّجه الحکم بالطهارة فی الجمیع، و عدم ترتّب أحکام الإسلام فیما ثبت فیه شرطیّته، دون ما ثبت فیه مانعیّة الکفر فيترتّب؛ للأصل فيهما كما اعترف به الأستاذ (8).

و لو نقله السّابي بالبيع و غيره لغيره ففي بقاء حكم التّبعيّة و عدمه و جهان، من استصحاب حكم التبعيّة و لم يثبت أنّ النقل مزيل، و من الأخذ بالمتيقّن من متابعة السابي

ص: 336


1- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 124.
2- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 119.
3- العلّامة الحلي، القواعد: 1/ 7.
4- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 68.
5- الطوسي، المبسوط: 2/ 22؛ ابن البراج، المهذّب: 1/ 318؛ الشهيد الأول، القواعد و الفوائد: 1/ 334.
6- ينظر بداية المجتهد و نهاية المقتصد: 1/ 193.
7- ينظر الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 5/ 114.
8- الشيخ الأنصاري كتاب الطهارة: 5/ 112.

فقط، و مع فقده رجع إلى أصله خصوصاً إذا باعه من كافر معاهد بناءً على الصحّة.

و الأوجه الثاني؛ لعدم اعتبار مطلق المتابعة في الحكم.

و من هنا حكَمَ الشيخ (1) بعدم تأثير المتابعة مع موت الأبوين أو أحدهما و إن ضعف سنده، لكن محطّ نظره ما قلنا، و الله العالم.

و أما الثالث ممّا شمله الضابط، و هو الكافر المتجزّي (2)، فأقسام:

منه ما هو مستثنى من الكافر حكماً، و منه ما هو معلوم الدّخول، و منه ما شكّ فی دخوله و عدمه؛ فالأوّل المخالف مطلقاً و إن كان من فِرَق الشيعة غير الاثني عشريّة مطلقاً، و الكلام أوّلاً في كفرهم، و أُخرى في لحوق أحكام الكافر لهم كُلاً أو بعضاً .

أمّا الأوّل، فلا شبهة في دخولهم تحت الضابط، فلولا أنّ الإمامة على هذا النحو ليست من ضروريّات الدّين لما كان المنكر عند الإماميّة أعظم عناءً من الكافر، بل الأربعة (3) مشحونة بإطلاق الكفر عليهم الذي لا داعي إلى التجوّز فيه، و الإجماع المحقّق عليه؛ إذ لم يُذكر الخلاف من أحد صريحاً، و عليه المرتضى (4)، و الحلّي (5) أخرج المستضعفين و نفى الخلاف في كفر الباقي، و هو ظاهر القاضي (6) و المفيد (7) و كلّ من قال بعدم تغسيل المخالف، و هو

ص: 337


1- الطوسي، المبسوط: 2/ 22.
2- كذا في المخطوطة.
3- الكليني، الكافي: 4/ 309 ح2 ؛ الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 4/ 546؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 6/ 145 ح252، الاستبصار: 4/ 87 ح333.
4- رسائل الشريف المرتضى: 1/ 400، 4/ 39.
5- ابن إدريس، السرائر: 1/ 356.
6- ابن البراج، المهذب: 1/ 56.
7- المفيد، المقنعة: 85.

صريح التهذيب (1) و ظاهر الفاضلين (2) في بعض زكواتهما و غیرهم (3)، فإنكاره مكابرة صرفة، و لو لا أنّه من ضروري الدّين لما بذل الحسين علیه السلام نفسه لإحيائه و إظهاره فقط. و لما توقّف كلّ ما حكم بأنّه علم من الدّين ضرورة عليه، فلا يصحّ عمل إلَّا به، فهو جزء لكلّ حكم ضروريّ، بل العقل مانع من جعل غير الولاية من الضروريّات دونها، فحالها حال الرِّسالة حَذو النعل بالنعل و القذة بالقذة، و حالهما ككلمة التوحيد لا أثر لأحدها بدون صاحبيه من جميع الآثار، و لم يحارب عليّ علیه السلام و لا ولداه علیهما السلام إلَّا على إظهار الولاية، و إلَّا فكلمتا الشهادة كانت موجودة، و لعلّ تردّد الأُستاذ رحمه الله في كون الولاية من الضروريّات بعد قوله: و الحاصل أنّ ثبوت صفة الكفر لهم ممّا لا إشكال فيه ظاهراً كما عرفت من الأصحاب (4)، انتهى. من باب المماشاة.

و أمّا الثاني مطلقاً، أو عدمه مطلقاً، أو التفصيل بين النجاسة و عدمها مطلقاً، أو بين

التغسيل و غيره مطلقاً، وجوه، بل أقوال.

و الذي نحن بصدده هو الثالث، و المعروف كفرهم بين القدماء (5) كما ذكرنا، و هو أعمّ من النجاسة، و لذا أنكر الفاضلان (6) النجاسة هنا و أثبتا الكفر في زكاتيهما و غيرهما كذلك، لكن في الحدائق (7) نسبة القول بها إلى المتقدِّمين و لعلّه من جهة اشتهار كفرهم، نعم هو صريح

ص: 338


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 335 ح335.
2- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 5/ 248؛ الفاضل الهندي، كشف اللثام: 2/ 225.
3- سلّار، المراسم العلوية: 45.
4- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 5/ 120.
5- ينظر: الانتصار: 10؛ السرائر: 1/10؛ منتهى المطلب: 1/ 168؛ نهاية الإحكام: 1/ 273.
6- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 5/ 248؛ الفاضل الهندي، كشف اللثام: 2/ 225.
7- البحراني، الحدائق الناضرة: 5/ 175.

السيّد رحمه الله (1) و بعض أتباعه (2)، و ظاهر الشارح هنا و بروضه (3) أظهر، فإنّ ضابطه يشمله.

و في كشف جدّنا الأكبر الجزم به في قوله: أو إنكار الإمامة المستلزمة لإنكار النبوّة (4)، و المتّبع الدّليل، و هو محصور بدخولهم بعموم نجاسة الكافر أو منكر الضّروري أو الناصبي، و الأوّل لا عموم فيه بحيث يشمل محلّ البحث.

و لذا اعتمدنا في نجاسة الكتابي على الإجماع (5)؛ لعدم وثوقنا بتلك العمومات و هو حجّة مَن تأمّل في نجاسته، فكيف يعم المخالف مع شيوع المخالف، و الثاني مسلّم فيمن علم أنّه ضروري و أنكر لا لشبهة.

و أمّا من لم يعلم ذلك؛ لقصور أو تقصير أو لشبهة عَرَضَت له، فكفره و عدمه مبنيّ على أنّ العلم بالضروري أُخذ شرطاً أو شطراً أو لا، بل حال إنكار الضروري كحال إنكار الوحدانيّة من جميع الجهات في أنّه سبب تامّ في الكفر مطلقاً .

ظاهر كلمات العلماء هو الثاني، و منهم الماتن و الشارح إذا لم يقرأ (علم) مبنيًّ للفاعل في كلامهما هنا و بغيره (6)، و كذا من عبّر بمثل هذه العبارة غيرهما، و ظاهر الأخبار (7) هو الأوّل، و أنّ الجاهل معذور مطلقاً.

غايته أنّ المقصّر مُعاقَب على تعاقده (8) و تركه التعلّم، فإن استلزم تقصيره بأحد اللّوازم لإنكار ما علم ثبوته من الدّين ضرورة كان كافراً قطعاً و إلَّا فلا، و المعتمد عندي هو الأوّل،

ص: 339


1- رسائل الشريف المرتضى: 1/ 400، 4/ 39.
2- ابن البراج، المهذب: 1/ 56.
3- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 253.
4- الشيخ جعفر، كشف الغطاء: 2/ 356.
5- حكاه في مستند الشيعة: 1/ 196.
6- الشهيد الأول، البيان: 91، الدروس: 1/ 124؛ رسائل الشهيد الثاني: / 1229.
7- الكليني، الكافي: 3/ 405 ح4.
8- كذا في المخطوطة، و لعل الصحيح: (على تقاعسه...).

بمعنى أنَّ إنكار الضروريّ بوصف أنّه كذلك تامّ في الكفر في حالة العلم سواء، لكن بحيث لو اطّلع المُنكِر اعترف بأنّه من ضروريّات الدّين، فيترتّب عليه جميع أحكام الكافر

الشرعيّة من النجاسة و غيرها.

و أمّا العقوبات الأُخرويّة فلا أقول بترتّبها على الجاهل مطلقاً إلَّا من حيث التقصير كما مرّ؛ قضاءً لحكم العقل بتوقّف العقاب على ترك المأمور به في حقّ العالم، و حينئذٍ فمنكر الضروريّ عن شبهة أو عدم علم به كافر حاله حال أولاد الكفّار، و المجنون منهم بعد بلوغه في الدّنيا و الآخرة و عقابه كعقابهم بلا فرق.

و هذا طريق جمع بين ما قضى بكفر المنكر للضروري، و بين ما خصّ الكفر بالمنكر لا

عن شبهة من أخبار الباب (1)

و خلاصته: جعل إنكار ضروريّات الدّين سبباً مقابلاً للإقرار بالرّسالة و التصديق بما جاء به النّبيّ صلّی الله علیه و آله، و قوله علیه السلام في صحيحة أبي الصّباح: «فما بال من جَحد الفرائض كان كافراً» (2)، يقضي بأخذ التدّين بها في الإيمان الملازم عدمه للكفر.

و قوله علیه السلام في مكاتبة عبد الرّحيم: «و لا يخرجه إلى الكفر إلَّا الجحود و الاستحلال بأن يقول للحلال هذا حرام و للحرام هذا حلال و دانَ بذلك، فعندها يكون خارجاً عن الإيمان و الإسلام داخلاً في الكفر» (3)، و قال علیه السلام في صحيحة ابن سنان: «مَن ارتكب كبيرة فزعم أنّها حلال أخرجه ذلك عن الإسلام» (4)، و قوله علیه السلام في صحيحة بريد العجلي عن أدنى ما يكون به العبد مشركاً؟ قال علیه السلام: «من قال للنّواة حصاة و للحصاة أنّها نواة ثمّ دانَ به» (5). إلى غير ذلك.

ص: 340


1- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 28/ 352 ح34945.
2- الكليني، الكافي: 2/ 33 ح3.
3- الكليني، الكافي: 2/ 27 ح1.
4- الكليني، الكافي: 2/ 285 ح23.
5- الكليني، الكافي: 2/ 397 ح1.

فإنّ ظاهرها ما قلنا، و حيث أُبهِم الأمر على بعضهم (1)، و لم تتنوّر له الفائدة المقصودة من الحكم بكفر المنكر مطلقاً، حكمَ بأنّ كُفر مُنكِر الضروري من جهة رجوعه إلى إنكار

صلى الله صدق النَّبيّ صلّی الله علیه و آله، و خصّه بما ثبت ذلك عنده و علم به أنّه من دين النَّبيّ صلّی الله علیه و آله، و جعل المدار فيه على حصول العلم بأنّه ممّا جاء به النَّبيّ صلّی الله علیه و آله، و صرف قولهم بكفر المنكر مطلقاً إلى أنّه لمّا كان حصوله - أي التعذيب - في الضّروري غالباً أُنيط الحكم به، فالمجمع عليه إذا لم يكن ضروريّا لم يؤثِّر، و لازمه أن لا يكفر بعض من أنكر الضّروريات لجهل أو شبهة عَرَضَت له.

فالشّاك في أنّ هذا الضّروري ممّا جاء به النَّبيّ صلّی الله علیه و آله أم لا يرجع شكّه إلى تكذيب النَّبيّ صلّی الله علیه و آله فلا يكفر، و كأنّ محطّ نظره أنّ ما قضى ببيان الإسلام و حدّده لم يقض باعتبار التصديق بالضّروريات من حيث إنّها كذلك كالتصديق بالرّسالة.

ولكنّه كلام واهٍ لا محصّل له، ينفتق منه خَرق لا يمكن سَدّه، فإنّ العقل و النقل قاضيان بإرادة انتشار دين الإسلام للمليك العلاّم، فحكم بكفاية الشهادتين في حدوثه، و بكفر المنتحل له مع التديّن ببعض الأحكام أو إنكار بعضها ليرجع المنكر إذا بلغه كفره فيزيل شبهته، و لا يقصر في طلب الحقّ، و هو السّبب في كفر أولاد الكفّار و ضعفائهم، و السبب في تكفير الخوارج و النّواصب و غيرهم ممّن يعتقد أنّ ما تديّن به هو عين ما جاء به النَّبيّ صلّی الله علیه و آله لا أنّه مكذّب له.

فلا فرق حينئذ بين مَن عَرفَ الحق و أنكره عِناداً، و بين من كذّب النَّبيّ صلّی الله علیه و آله، و بين مَن أنكر الضّروري عالماً به أو لا، في ترتيب أحكام الكفر سواء كان المنكر مفوّتاً ما هو من قبيل العقائد الواجب التديّن بها، أو من قبيل الأحكام العمليّة كوجوب الصلاة و حُرمَة الخمر بوصف الضروريّة في كون إنكارهما موجباً للكفر الغير اللازم للعذاب، فلا يحرم عليه العمل و يكفر بترك التديّن بحرمته، فلو كان حرمة الخمر ضروريّة مثلاً و لم يتديّن به؛ لجهل بذلك مطلقاً فتناولها، دريء عنه الحَدّ و حكم بكفره و نجاسته، و لا بُعد فيه كعدم عقاب القائل خطأ و إن لحقه حكمٌ آخر، فالأقوى تساوي أحكام الشريعة اعتقاديّات أو عمليّات في الضّرورة

ص: 341


1- حكاه عن الأردبيلي في كتاب الطهارة: 5/ 130.

و النّظر، فغير الضّروري منهما حكم واحد، و الضّروري الذي بني عليه الدّين كذلك.

نعم، لا يجري على الجاهل المُنكِر حكم الارتداد و إن جَرَت عليه أحكام الكفر؛ إذ المختار أنّ الارتداد هو الرجوع عمّا تديّن به بعد صدق تديّنه به، فمّن أنكر ما لم يتديّن به من الضروريّات فهو [غير] مرتدّ و إن كفر .

فلنرجع إلى كفر المخالف مطلقاً، و لا رَيْبَ فيه بعد تحقّق إنكاره للضّروري، فالواجب ثبوت أحكام الكفر له التي منها نجاسته، لكن حيث كان المشهور هو الطّهارة جمعنا بين القولين بإثبات العفو لا مطلقاً، بل حيث لا يمكن التحرّز؛ أخذاً بالقَدْر اليقيني فيما يتنزّل عليه أخبار الطّهارة.

و من الغريب حملهم لأخبار طهارة الكتابي على التقيّة (1) و عدمه هنا، مع أنّه أجلى

و أوضح، فلو قلنا بالطّهارة حكمنا بها في المقامين سواء.

و أمّا الاعتماد بشمول ما قضى بكفر الناصب للمخالف.

ففيه: منع صغراه و كبراه من عدم شمول الناصبي للمخالف مطلقاً مع الإغماض عن ظاهرها، و على فرضه فمّا دلّ على نجاسة الناصبي من الإجماع (2) و الأخبار (3) مختصّ وضعاً أو انصرافاً بخصوص المُعلِن بعداوة أهل البيت علیهم السلام، و ليس كلّ مخالف كذلك خصوصاً إذا كان من فرق الشيعة.

و منه: يظهر سقوط ما اعتمد عليه في الطّهارة من أخبار كلّها لا تأبى التقييد بأخبار النّجاسة، نحو قوله علیه السلام في جملة أخبار: «الإسلامُ هو الظاهر الذي عليه الناس: شهادةُ أن لا إله إلَّا الله، و أنّ محمداً رسول الله صلّی الله علیه و آله، و إقام الصلاة و إيتاء الزكوة، و حجّ البيت، و صيام شهر رمضان، فهذا الإسلام، و الإيمانُ معرفة هذا الأمر، مع هذا فإنْ أَقَرَّ بها و لم يعرف هذا

ص: 342


1- المحقق النراقى، مستند الشيعة: 1/ 204.
2- حكاه في مصابيح الظلام: 4/ 519.
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 220 ح560.

الأمر كان مسلماً ضالاً» (1).

و مثلها: رواية ابن محبوب (2)، و ما في رواية زرارة و فيها: «و أمّا من لم يصنع ذلك و دخل في ما دخل فيه الناس على غير علم و لا عداوة لأمير المؤمنين علیه السلام، فإنّ ذلك لا يكفره و لا يخرجه عن الإسلام إلى الكفر» (3). و نحوها كثير (4)، فإنّ دلالتها على عدم اعتبار الإيمان بالمعنى الأخصّ ليست إلَّا من باب الإطلاق القابل للمناقشة، فما دلّ على كفر المخالف إذا قيّدناه بتعميم الإسلام في بعض الروايات المصرّحة بحصوله مع عدم التصديق بالإمامة ممّا كان ليدلّ على كفاية الإسلام النّاقص في ثبوت الأحكام مطلقاً.

و لذا أعرضَ غير واحد (5) عن التمسّك بالأخبار في هذا المضمار، و بعض (6) الحاكم بالطّهارة مطلقاً لمّا أعوزه الدّليل فزع طَوْراً إلى الحَرَج المنفيّ، و أُخرى إلى مساورة النَّبيّ صلّى الله عليه و آله لدافعي نَصّ عليّ علیه السلام و الأئمة علیهم السلام كذلك، و تارةً إلى ما قضى بحلّ ذبيحة الموحِّد العام لهم، و مرّةً إلى أنّ التقيّة كما تحكم على الحكم التكليفي تحكم على الوضعي أيضاً، فتقضي بالطّهارة ظاهراً و واقعاً، و الجميع كما ترى؛ إذ:

الأوّل: مصادرة لا يفيد الكلّيّة.

و الثاني: بعدم ظهور الخلاف زمان مساورة النَّبيّ صلّى الله عليه و آله.

سلّمنا، فللنَّبيّ صلّى الله عليه و آله خصائص لا يشاركه غيره، و أحكامُ بدء الإسلام مختصّةٌ به لمصالحه، و لم يثبت عدم التجنّب من الأئمة علیهم السلام، فإنّ نفس المباشرة لا يقتضيه أبداً.

و الثالث: بمقامه نتكلّم فيه، و لعلّنا لا ننكره؛ لدليله.

ص: 343


1- الكليني، الكافي: 2/ 24 ح4.
2- الكليني، الكافي: 2/ 25 ح1.
3- الكليني، الكافي: 8/ 296 ح454.
4- الكليني، الكافي: 8/ 296 ح456.
5- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 5/ 123.
6- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 5/ 128.

و الرابع: بأنّ التقيّة لا تقتضي رفع الأثر عن تلك النجاسة و إن أحلّت عدم الاجتناب كما هو محقّق في محلّه (1)، ثمّ بعد أن قلنا بالعفو يرتفع ذلك كلّه، كما لا ينافيه استحباب المخالطة معهم و تشييع جنائزهم و الصلاة بصلاتهم يقولوا «رحم الله جعفر بن محمّد ما كان أحسن ما يؤدّب به أصحابه» (2)، فإنّه يجري مجرى قوله تعالى: (و َلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا الله عَدْوًا) (3)، و عليه جرى فعل العلماء إلى عصرنا هذا، فتقدّر الضرورة بقدرها، و لقد شاهدت الوالد (طاب ثراه) إذا خرج من عندهم غسل فاه ويديه مع أ أنّه مُفتٍ بالطهارة.

و أما سائر أحكام الكافر فنتكلّم عليها في محالّها إن شاء الله تعالى.

و الظاهر لحوق جميع أحكام الكتابي لهم - كما سيجيء - إلَّا في الإرث، فإنّه لا خلاف لأصحابنا في مواريثهم و إن لم أعثر على نَصّ منهم في خصوصه.

و الكلام في فِرَق الشيعة غيرهم من الواقفيّة و الزيديّة و الفطحيّة و غيرهم كالكلام فيهم بلا فرق، و يقضي بكفرهم طوائف من الأخبار، قال علیه السلام: «الناصبي نَصَبَ لكُم، و الزيدي نصبَ لنا» (4). فراجع، و الله العالم.

[النواصب و الخوارج]

الثاني: ما علم بدخوله في الكافر حكماً و موضوعاً، و هم النّواصب و الخوارج و الغُلاة في المشهور (5)؛ للنّصوص الجَليّة (6) بخصوصهم، و النَّصْبُ هو الإعلان بعداوة عليّ علیه السلام أو مطلق الأئمة علیهم السلام، و يدخل فيهم الزّهراء عليها السلام في وجهٍ قويّ.

ص: 344


1- ينظر محمد بن الحسن بن الشهيد الثاني، استقصاء الاعتبار: 2/ 133.
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 383 ح1128.
3- سورة الأنعام: 108.
4- الكليني، الكافي: 8/ 235 ح314.
5- ينظر المحقق النراقي، مستند الشيعة: 1/ 204.
6- الكليني، الكافي: 2/ 409 ح1.

و لقد أباحَ الجدّ الأكبر في السنة الخامسة و العشرين بعد المئتين في الفيحاء دماء مَن سَبّ البتول الزّهراء حتّى سفكت و قتل من أجل ذلك خَلْقٌ كثير و غضبت العامّة، و الحكاية معروفة (1)، و يدلّ على أنّ معنى النَّصب ذلك حكاية المرتضى مع شيخه المخالف لمّا سأله عن إعراب: (رأيتُ عمر)، فقال: عمر مفعول و هو منصوب، قال: ما علامة نصبه؟ أجابه علم الهدى: بغضُ عليّ علیه السلام. فأبدى عجباً (2).

و جماعة ذهبوا إلى أنّ الناصب كلّ مَن قدَّم على عليِّ علیه السلام غيره؛ ليعمّ المخالف مطلقاً (3)، و لا دليل لهم، و لا فائدة بعد اتّحاد الحكم من حيث إنكار الضروري المكفر.

[المجسّمة و المجبّرة]

الثالث: ما اختلف في دخوله و عدمه، و هم فرق المجسمة (4) أو بعضهم، و المجبّرة (5)، و المفوّضة (6)، أمّا المخالف منهم فقد عرفت حكمه، و أمّا غيره فالأصل طهارته استضعافاً لدليل النّجاسة، و يظهر من كشف جدّنا الأكبر اندراج هذه الفِرَق جميعاً في الكفّار موضوعاً و حكماً، حيث قسّم الكافر إلى قسمين و عمّم الثاني للقائل بالجبر و التفويض، و الوعد و الوعيد، و قِدَم العالم أو المجرّدات، و التجسيم و التشبيه بالحقيقة، و وحدة الوجود و الموجود أو الاتّحاد، و ثبوت الزمان و المكان، و غيرها، حتّى قال: و هذه إن صرّح باللّوازم أو اعتقدها كَفَر وجرى عليه حكم الارتداد الفطري، و إلَّا فإن يكن عن شُبهة عَرَضَتْ له استُتيب و قُبِلَت

ص: 345


1- ينظر تفصيل الحادثة في العقبات العنبرية في الطبقات الجعفرية: 78.
2- ينظر: البصائر و الذخائر لأبي حيان: 5/ 131؛ نثر الدر للآبی: 5/ 178؛ ربيع الأبرار للزمخشري: 4/ 60. و لم يصرح باسم المرتضى.
3- المحقق الحلي، الرسائل التسع: 277.
4- هم المشبهة أنفسهم؛ و هم الذين يتخيّلون أن الله تعالى جسم على شكلٍ ما من الأشكال. ينظر شرح العقيدة الطحاوية : 358.
5- هم الذين نفوا الفعل حقيقة عن العبد و نسبوه إلى الرب. ينظر الملل و النحل للشهرستاني: 79، 96.
6- هم الذين قالوا: إن العبد مستقل بأفعاله؛ و ليس الله تعالى صنيع فيه. و قيل: هم القائلون: إن الله تعالى خلق محمداً صلّی الله علیه و آله و فوّض إليه خلق الدنيا و ما فيها؛ فهو الخلّاق لما فيها. ينظر جامع المقال: 192.

توبته، و إن امتنع قُتِل في الرّابعة، و إن لم يكن أُخرج من البلاد و نادى المُنادي بالبراءة منه على رؤوس الأشهاد، و يجري ذلك في حقّ المبدعين في فروع الدّين، المُدّعين للاستقلال، الباعثين على إضلال الجهّال، العاملين بظاهر الرّوايات، و المتوجِّهين للمحاكمات بالرّجوع لفتاوى الأموات (1)، انتهى ملخّصه.

و إطلاقه محلّ إشكال، و الميزان في الكفر و عدمه هو إنكار الضّروري و عدمه، و مع الشك يجري الأصل في المُنكَر و المُنكِر.

(و) التاسع: (المشكر) مطلقاً، خمر و غيره، نجس إجماعاً (2) نصّاً (3) و فتوى (4)، و قصره الشارح (5) كغيره (6) على (المائع بالأصالة)؛ لإدخال ما عرض له الجمود بعد الميعان و إخراج الجامد بالأصل و إن ذاب ممّا يسكر .

و ذهب جَمعٌ من أصحابنا (7) إلى الطّهارة؛ للأصل بعد تعارض أخباريهما، و لا مرجّح من حيث السّند و الدّلالة لأحد الفريقين كما اعترف به بروضه (8) إلَّا برواية ابن مهزيار (9) و إن تفوّقت بصحّة السَّنَد، لكنّها غير صريحة الدّلالة؛ للأمر فيها باتبّاع أبي عبد الله علیه السلام بعد نقل الحكمين عنه، لكن في الذكرى: إنّ الصّدوق و الجعفي و ابن أبي عقيل تمسّكوا بأحاديث لا

ص: 346


1- الشيخ جعفر، کشف الغطاء: 2/ 356.
2- ينظر السيد المرتضى، الناصريّات: 96؛ الطوسي، الخلاف: 5/ 476؛ ابن حمزة، غنية النزوع: 41.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 278 ح817.
4- ينظر: المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 424؛ العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 24.
5- الشهيد الثاني، الروضة البهية: 1/ 259.
6- الشهيد الأول، البيان: 91؛ البحراني، الحدائق الناضرة: 5/ 123.
7- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 74؛ و العماني حكاه عنه في المعتبر: 1/ 422؛ و الجعفي حكاه عنه في ذكرى الشيعة: 1/ 115.
8- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 395.
9- الكليني، الكافي : 3/ 407 ح14.

تعارض القطعی (1)، انتهی.

و هو إمّا الآية (2) بعد تفسيره الرِّجس بالنّجس فيها، و إمّا المكاتبة (3) العاليّة السّند، و إمّا الإجماع، و الأولان لا رَيب في تطرّق الوَهْن فيهما من وجوه، فينحصر بالثالث.

و ظاهر كلامه إرادة الأوّل؛ إذ عليه اعتمد الشيخ في الاستبصار (4) جازماً بظهور الآية، فحَذا حَذْوه، و حينئذٍ فإن تمّ الثالث - كما هو الظاهر - أغنانا عن الفكر في دليله، و إلَّا فظاهر الجمع أن تحمل أخبار [الطهارة] على التقيّة؛ لأنه المنقول من مذهبهم، أو على الكراهة لوجوب حمل الظاهر على النّص في مقام الجمع؛ لأنّ أخبار الطهارة نصّ فيها، و أخبار النجاسة ظاهرة بها، لكن الشيخ حمل أخبار الطهارة على التقيّة، و استوجهه بعض الأفاضل (5) لتلفيقات لا محصّل لها بعد كون جمهورهم على النّجاسة، و لو تَمّ الحمل لسرى في غیره نحو شربه، بل و باقي المحرّمات التي يستبيحها ملوكهم و تحرّمها علماؤهم.

نعم، لو ثبت أن قاضي ذلك الوقت مُفتٍ بالطهارة كان للتقيّة وجه.

و بالجملة، الحكم لا شبهة فيه في الخمر و في غيره ممّا يُسكِر مطلقاً إِلَّا الجامد بالأصل؛ لاتّحاد المناط، و شذوذ المفصّل، و ظهور طائفة من الأخبار (6) في غيره، فهو مقطوع به.

(و) العاشر: (الفقّاع)، کرمّان (بضمّ الفاء)، محکوم بنجاسة؛ لخصوص خبره (7) المنجبر، أو لأنه خمرٌ استصغره الناس کما فی عدّة أخبار (8)، فيلحقه حكمه؛ لثبوت الموضوع،

ص: 347


1- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 13.
2- قوله تعالى: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَان). سورة الحج: 30.
3- الكليني، الكافي: 3/ 405 ح5.
4- الطوسي، الاستبصار: 1/ 191 ح669.
5- ينظر: الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 5/ 163 نقله عن شرح المفاتيح.
6- الكليني، الكافي: 3/ 405 ح4.
7- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 17/ 287، الباب 27 من أبواب الأشربة المحرّمة.
8- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 17/ 292 ح28.

أو عموم المنزلة، أو للحوق الشائع من أحكامه له التي أظهرها النّجاسة بعد التحريم.

و موضوعه الذي ثبت له الحكم مشتبه بين المأخوذ من ماء الشعير، أو هو و الزّبيب، أو غيرهما كالمعمول من الرّمان و الدّبس و السُّكَّر ممّا يُطلَق عليه اسمه، و كأنّ المأخوذ من الشعير لا شبهة فيه، و قيّده المصنّف في جواب المسائل المقداديّة بما يحصل به النشيش و القَفَزان (1)، و قبلهما لا يسمّى فقاعاً بل أقسماً؛ و لذا قال الشارح: (و الأصل فيه أن يتّخذ من ماء الشعير) (2).

و به خصّه الفاضل في بعض كلماته به أيضاً (3)، و الشارح في أطعمة الكتاب قال: و هو ما اُتّخذ من الزّبيب و الشعير حتّى وجد فيه النشيش و الحركة و أُطلق عليه عرفاً ما لم يعلم انتفاء خاصيّته (4)، انتهى.

و أغلب مَن ذكره لم يعتبر فيه الإسكار، و ظاهر كلماتهما هنا و في غيره ذلك (5)، و بعد أن استظهر أصله بما خصّه به مع رأيه لتعميم حكمه استدرك ذلك بقوله: (لكن لمّا ورد الحكم فيه) في النصوص (6) كالفتاوى (7) (معلّقاً على) نفس (التسميّة) بلا قيد (ثبت) الحكم (لما أُطلق عليه اسمه) مطلقاً، إلَّا أن يعلم تغاير زمانَي الإطلاق فيؤخذ به من ورود النّص و ذلك (مع حصول خاصيّته أو اشتباه حاله)؛ لأصالة الحقيقة أو الاشتراك المعنوي، و كأنّ قيد حصول الخاصية للتوضيح، و إلَّا فبعد عدم حصول خاصيّة المأخوذ من الشعير في المأخوذ من غيره يكون الإطلاق من باب الاشتراك اللّفظي، فلا يفيد في تعميم الحكم، و أجلى الخواص النشيش و القفزان، و منه الأثر المترتّب على شربه و إن لم يُسْكِر.

ص: 348


1- الشهيد الأول، أجوبة المسائل المقدادية: 365 - 385.
2- الشهيد الثاني، الروضة البهية: 1/ 287.
3- العلّامة الحلي، أجوبة المسائل المهنائية: 81.
4- الشهيد الثاني الروضة البهية: 7/ 322، 323.
5- الشهيد الأول الدروس: 3/ 16؛ الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 440.
6- ينظر الكليني، الكافي: 6/ 423 ح7.
7- ينظر: السيد المرتضى، الانتصار: 198، 199؛ المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 162.

و يظهر منه (1) كغيره عدم إناطة الحرمة و النّجاسة بالإسكار فيه و في الملحق به و عموم الحكم لغيره ممّا صدق عليه الاسم و ظهرت فيه الخاصيّة، و أنّ المشتبه بحسب الزمان أو الأفراد مُلحق به بشرطه، و الجميع محلّ تأمّل.

أمّا الأوّل: فبما ذكره الأُستاذ رحمه الله بعد اعترافه أنّ ظاهر النصوص و معاقد الإجماع عدم اعتبار الإسكار فيه، قال بإنصافه: إنّ ظاهر الأخبار الدّالة على أنّها خمر أو بمنزلتها اعتبار الإسكار فيه (2)، انتهى.

و أيّده بأنّ حرمة الخمر لا لاسمه، بل لعاقبته، و فيه بعد مخالفته لكلماتهم أنّ دين الله تعالى لا يُصاب بالعقول، و لو كان كذلك لعلّل الحرمة في الخمر بالإسكار، و مجرّد التشبيه لا يوجبه قطعاً، أترى لو اشتبه البول بالخمر جرى فيه ذلك، و لو لا فهمهم أنّه من أقسام النجاسة لأدْرَجُوه في الخمر كما أُدرج المسكِر فيه مطلقاً، و كثير من النجاسات ما يشبّه بعضها ببعض ممّا يعلم بعدم حصول المشبه في المشبّه به.

و أمّا الثاني: فبما قاله في الجواهر: بأنّ إلحاق الموضوع الحادث ممّا يطلق عليه الاسم و یشك في صدقه زمن تحريمه بالموضوع المعلوم في ذلك الزّمان لا دليل عليه، و أصالة عدم النقل كأصالة الاشتراك غير مُجدية (3).

و فيه: إنّه غفل عن تقديم الاشتراك المعنوي على المجاز لو دارَ الأمر بينهما، و لا يجدي أصالة تأخّر الحادث في استثنائه؛ لمعارضته بأصالة عدم نقله، و تعارف بعض أفراده في بعض الأزمنة لا يوجب انصراف اللّفظ له، كالاستعمال الموجب للانصراف.

سلّمنا اختصاص الاسم، أو أنّه المُتّخذ من الشعير كما قاله الشارح، لكن فحوى ما قضى بتحريم الخمر لإسكاره يقضي بتحريم الفقاع الخاصيّته، فيعمّ الحكم كلّ ما أفاد تلك الخاصيّة و إن لم يوافقه في الاسم، فيكون الإلحاق حكميّاً، مضافاً إلى التصريح بعموم الوضع

ص: 349


1- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 440.
2- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 5/ 207.
3- ينظر النجفي، جواهر الكلام: 6/ 39.

سابقاً و لاحقاً له، فقد صرّح جماعة (1) بأنّه يعمل منه و من القمح، بل يظهر من المصنّف ذلك و إن احتمل الإلحاق الحكمي في بعض كلماته (2)

و أمّا الثالث: فقد ذُكِرَ في بعض النصوص حلّية بعض أفراده كالنبيذ، فيشكل الأمر في المائز عند الاشتباه بناءً على التعميم للمسكر و غيره كما استفدناه منهما، فيؤخذ بأصالة الإباحة وفق القاعدة في كلّ مشترك معنويّ، و عسى أنّ حكم الشارح هنا و بروضه (3) بالنجاسة مع صدق الاسم في غير معلوم الخروج مبنيٌّ على صحّة العمل بالعام المخصّص في الشُّبهة الموضوعيّة، و فيه منعٌ تقدّم وجهه.

و في الجواهر (4) الردّ على جامع المقاصد (5) و الرّوض (6) بأنّ هذا من مشتبه الموضوع، و لا قاطع لاستصحاب طهارته بعد التنويع في أصله، و في الدّماء أجرى الأصل في مشتبه الموضوع جازماً به بعد ثبوت أصالة النجاسة في الدّماء، فراجع لتَقِف على التّهافت، هذا.

و يشكل الأمر مع عدم اعتبار الإسكار في حكمه في ما يصنع اليوم من ماء الشعير، بل أظهر أفراده؛ لأخذه من الشعير و اشتماله على النشيش و الحركة التي هي خاصيّته، فلا بُعد بحرمته و نجاسته، و الله أعلم.

فهذه العشر ممّا لا إشكال في نجاستها في الجملة كما بيّناه مفصّلاً.

ص: 350


1- ينظر أجوبة المسائل المهنائية: 80.
2- الشهيد الأول، الدروس: 3/ 16.
3- الشهيد الثاني، روض الجنان: 440/1.
4- النجفي، جواهر الكلام: 6/ 40.
5- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 4/ 12.
6- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 440.

[العصير العنبي]

(و لم يذكر المصنّفُ هنا) و لا في الذكرى و لا في الدّروس (من النجاسات العصيرَ العنبي) مع ذكر غيره له (1)، منها (إذا غلى واشتدّ) بأن صار أعلاه أسفله، بنفسه (2) أو بعلاج كإلقائه بالشمس (3) أو نضجه بالنّار بحيث حصلت ثخانة و اشتداد (4)، فما ذلك إلَّا (لعدم وقوفه على دليل يقتضي نجاسته) بعد تمريضه لما اعتمده غيره (5) فيهما (كما اعترف به في الذكرى و البيان (6))؛ ففي الأوّل: و لا نصّ على نجاسة غير المسكر و هو منتفٍ هنا، و في الثاني نحوه، لكن كيف يكفي هذا في العذر و (سيأتي أنّ ذهاب ثُلثيه مطهّر، و هو يدلّ) صريحاً (على حكمه بتنجيسه فلا عذر ) له (في تركه) سوى هذا التّردد (و كونه في حكم المسكر كما ذكره في بعض كتبه (7))، و هو (لا يقتضي دخوله فيه حيث يطلق) كي يكتفى فيه (و إن دخل في حكمه حيث يُذْكَر)، فكان عليه أن يضيفه إلى المسكر في كلامه أو ما في حكمه ليدخل و يحسن منه ذكره في المطهرات لذهاب ثُلثيه.

و فيه نظر؛ لأنّ المؤاخذة و إن قال المصنّف: الخمر و ما في حكمه، و يحتمل في معناه أنّه حيث يذكر حُكم المسكر يشمل العصير؛ لتساويهما في النجاسة و الحرمة، و معلوم أنّ نفس التساوي بالحكم لا يقتضي شمول المسكر له حيث يطلق، و إلَّا لشمل الفقاع و غیره ممّا يساويه حكماً.

ففيه: دفع دخل، و هو أنّ الاشتراك في الحكم يكفي في عدم التعرض له مستقلاً، أجاب: بأن دخوله بحكمه إذا ذكر حكمه لا يقتضي صحّة إطلاقه عليه؛ لأنّ مثل هذه

ص: 351


1- ينظر: الحاشية الأولى على الألفية: 464؛ الروضة البهية: 7/ 320.
2- ابن حمزة الوسيلة: 365.
3- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 24.
4- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 424، شرائع الإسلام: 1/ 52.
5- الشارح في المقاصد العلية: 143.
6- الشهيد الأول ذكرى الشيعة: 1/ 115، البيان: 39.
7- الشهيد الأول، الدروس: 3/ 16.

العلاقة لا تصحّح الإطلاق و إن نصّ كلّ من (1) ذكره أنّه بحكم الخمر دون غيره، فلا عذر.

و لا يصحّ ما ذكره في المطهّرات قرينة على تعميم الإطلاق في المسكر إلَّا أن يركن إلى إطلاق الخمر عليه حقيقةً، فيكون من أنواعه كما هو حجّة مَن بنى على نجاسته و حرمته، و إن كان ظاهر الإلحاق أنّه ليس منه، ففي موثّقة معاوية بن عمّار بعد توصيفه قال علیه السلام: «خمر لا تشربه (2)» في رواية الشيخ (3)، و في الكافي: «بلى خمر» (4). و أيّد الأوّل بمطابقته لتعبير الصدوق في الرسالة، حيث حكم بأنّ الكَرْم إذا أصابته النار أو غلى بدونها فهو خَمر (5)، فأطلق عليه و إن لم ينجس الخمر كابنه (6) و الثاني بأنّه أضبط، و في الرّياض بعد إسناد الرواية إلى التهذيب قال: إلَّا أنّه مرويّ في الكافي و ليس فيه لفظ (الخمر)، لكن احتمال السقوط أولى من احتمال الزيادة و إن كان راوي الأوّل أضبط جداً (7)، انتهى.

و وصله لا محلّ له؛ لدلالته على تأييد غير الأولى مع أنّه مؤيّد لاختياره، و لو أرجعناه إلى الشيخ باعتبار أوّليته نافاه تصريحهم بعدم ضبطه، فكان عليه ترك (كان) و (الواو) و جعل (مع) قبل (إن).

ثمّ إنّ أولويّة احتمال السقوط لا محصّل لها، بل الظاهر عدم الزيادة، فالأولويّة مقلوبة.

نعم، على فرض الزيادة لا تَنهَض دليلاً لاحتمال أن يكون التشبيه في خصوص الحرمة، و عموم المنزلة لا يكفي في إثبات جميع الأحكام؛ لتوقّفه على عدم أولويّة إرادة بعض الأحكام من بعض بأن تتساوى معنىً و أن لا تكون قرينة صارفة إلى معيّن لفظاً، و لما كان نجاسة الخمر

ص: 352


1- ينظر النجفي، جواهر الكلام: 41/ 453.
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 3 / 469 ح4201.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 9/ 122 ح526.
4- الكليني، الكافي: 6/ 421 ح7.
5- علي بن بابويه، رسالة الشرائع: 269.
6- الصدوق، المقنع: 453.
7- الطباطبائي، رياض المسائل: 2/ 364.

منحطّة عن تحريمها المتّفق عليه فيكون المراد و يمنع تفريعه عن ثبوت ما عداه.

و لو سلمنا العموم و لو بملاحظة التأييد و ضميمة بعض الأخبار مثل: مرسلة ابن الهيثم و رواية أبي بصير، ففي الأولى: «لا خَيرَ فيه حتّى يذهب ثُلثاه» (1). و في الثانية: «و ما كان دون ذلك فليس فيه خير» (2). باعتبار نفي الخير مطلقاً، و لو كان طاهراً لكان فيه بعضه؛ لأنّ غاية ما تفيد هذه التقريبات هو الظنّ، و هو لا يجدي؛ لأنه من الظنون المطلقة لا من الظهور اللّفظي، و اعتمد المتأخِّر الماهر تبعاً لغيره من الأكابر في قطع أصالة الطهارة و العمومات على إجماع الطريحي في مجمعه (3) المنجبر باتفاق التنقيح (4)، و الشهرة، و بأنّ العصير من أفراد الخُمر، و إطلاقه عليه من باب الحقيقة فتلحقه أحكامه، مستظهراً ذلك من جماعة (5) منّا و من غيرنا (6)، و بأنّ السارد للأخبار يحصل له الظنّ القويّ إن لم يكن القطع بدخول عصير العنب مع الغليان في مسمّى الخمر حقيقةً أو مساواته في حكمه، و لا يقدح فيه اعتبار الإسكار في مفهوم الخمر المفقود في بعض أفراد العصير؛ لعدم تحقّق الاعتبار و إن تحقّق في بدئه و لو لحصول الصّفة في كلّ أنواع العصير، لكنّها تخفى في بعض أفراده.

و عليه بنى الطباطبائي (7) حرمته، و أيّده رحمه الله بتعليق الحرمة في النبيذ و غيره في النصوص على صفة السُّكر، و استفاضة الأخبار بحرمة العصير بشرطه تقتضي تخصيص تلك المطلقات، و لا داعي له؛ لفقد مقتضيه، و تمنع شهادة الوجدان بعدم إسكاره لا مطلقاً، فلعله لخفائه لا يدرك كقليل الخمر، بل يمنع تحقّق النزاع في معلوم عدم الإسكار و إن تحقّق في المشكوك في إسكاره منه، فالنزاع في العصير العاري عن التقييد؛ لاحتمال لزوم الوصف له و لو بكثيره،

ص: 353


1- الكليني، الكافي: 6/ 420 ح2.
2- الكليني، الكافي: 6/ 420 ح1.
3- الطريحي، مجمع البحرين: 3/ 189.
4- المقداد السيوري، التنقيح الرائع: 1/ 142.
5- علي بن بابويه، رسالة الشرائع: 270؛ الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 4/ 57.
6- الشربيني، الإقناع: 1/ 199؛ ابن عابدين، تكملة حاشية ردِّ المحتار: 1/ 11.
7- الطباطبائي، رياض المسائل: 2/ 364.

و لو رجع النزاع إلى خصوص الأفراد أنّها ممّا تسكر أو لا، كان في الموضوع الذي لا يليق للفقيه النّزاع فيه إلى أن أنصف و حكم بعدم علم المطهّر و المنجس بالإسكار و عدمه إلَّا من جهة التلازم بين النجاسة و الإسكار للثاني فيستدل بأحدهما على الآخر (1)، انتهى ملخّصاً و مهذّباً.

و فيه: إنّ غايته إفادة الظنّ من أخبارهم بكون الخمر اسماً للعصير أنّ المراد به شرعاً ذلك، أو أنّه لغةً كذلك في زمن صدور الأدلّة فيجب العمل به؛ لأنّ قول العدل في الحكم الشرعي معتبر جدّاً، فيقال عليه أوّلاً: إنكار الدلالة، و أظهرها عبارةً المهذّب (2) و كنز العرفان (3) و والد الصدوق (4).

و ظاهر الأوّلين تمييز جنس الخمر، و أنه من عصير العنب، و الشاهد الإجماع لإخراج صيرورته من عصير الزبيب مثلاً، و ليس المراد كونه اسماً للعصير حتّى قبل صيرورته خمراً لينفع، فهما مسوقان لتمييز الجنس، و بيان وجه التسمية في عبارة كنز العرفان من أقوى الشّواهد.

و أمّا ما حكاه ابن الصدوق عن أبيه فمفاده: أنّ بعض العصير خمر، و هو الموصوف، لا أنّ كلّ عصير خمر، و بينهما فرق. و يضعف إجماعه بمخالفة كثير من القدماء كما ذكره المصنّف (5) مع قُرب العهد.

ثمّ القائل بالنجاسة كابن حمزة (6) حكمَ بنجاسة ما غلى بنفسه، و طهارة ما غلى بالنّار مع حرمته، قاطعاً أنّ الأوّل من الخمر دون الثاني، بل و إليه يرجع إجماع المجمع الذي حكاه

ص: 354


1- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 5/ 184، 185.
2- ابن البراج المهذب: 2/ 433.
3- المقداد السيوري، كنز العرفان: 1/ 53.
4- علي بن بابويه، رسالة الشرايع: 270.
5- الشهيد الأول، البيان: 92، الدروس: 3/ 16.
6- ابن حمزة الوسيلة: 365.

و اعتمده؛ إذ لا وجه للتفرقة بين الاشتداد و عدمه إذا غلى، فتحريمه له قبل الاشتداد و بعده النّجاسة و الحرمة ممّا يدلّ صريحاً على أنّ جامع الوصفين خمر حقيقةً دون فاقدهما أو الاشتداد.

و من سرد كلماتهم هنا و في باب الأطعمة يجزم بأنهم يتّبعون النجاسة و التحريم في جميع الأشربة؛ للإسكار، فيظهر منهم عكس المدّعى، و هو الطهارة فيها فقد الإسكار و لو شكّاً، و مع التنزّل فأقصاه ثبوت إجماع من قال بنجاسة الخمر، و هو لا يَجدي نفعاً.

و أمّا تأييده رحمه الله فهو من متفرداته؛ إذ المصنّف كالعلّامة (1) و المحقق (2)، بل و سائر الأصحاب، قابلوا العصير للمسكرات مطلقاً، و لا أدرجه أحدٌ فيها، ثمّ جعل الحرمة بعد إثباتها حجّة على الإسكار و النجاسة ممّا لا ينبغي؛ لضعفه مع عدم القائل به، ثمّ صريح المفصّل بين الحرمة و النّجاسة عدم كون الحرمة من مقتضياتها. فكيف يدّعي التلازم و يخفى ذلك على مثل المحقق، مضافاً إلى صریح أخبار التمر و الزّبيب (3) أنّ في مطبوخها حالة الإسكار و حالة عدمه، فبأيّ دلالة يفهم منها إسكار العصير المقابل للمسكرات إن لم نقل بفهم طهارة العصير من فحواها قضاءً لحقّ المقابلة، على أنّ الوجدان قاض بعدم إسكار المقدار المتعارف منه و لو كان كثيراً، و غير المتعارف غير موضوع للحكم الشرعي.

و الحاصل: الوجهان متنافيان لا يَكاد يجتمعان في رأي واحد بالضّرورة إلَّا محض التأييد الذي لا يفيد.

و أوجه ما يستدلّ به في المقام قول الصادق علیه السلام لأبي جميل لما سأله عن الفقاع فقال: «لا تشربه، فإنّه خمر مجهول، فإذا أصاب ثوبك فاغسله» (4). أخذاً بظاهر التفريع من أنّ كلّ ما كان مجهولاً و بمنزلة الخمر له حكم الخمر من الحرمة و النجاسة، و لا ريب أن العصير كالفقاع في

ص: 355


1- العلّامة الحلي، تبصرة المتعلمين: 216، تحرير الأحكام: 4/ 641.
2- المحقق الحلي، المختصر النافع: 222، المعتبر: 1/ 424.
3- الكليني، الكافي: 6/ 409 ح8.
4- الكليني، الكافي: 6/ 423 ح7.

تنزيله مَنْزِلَة الخمر في بعض الأخبار، كذا قيل (1).

و فيما رأيت الخبر في الوسائل (2) و الاستبصار (3) بدل فاء التفريعيّة واواً، و عليه فلا تنهض حجّة.

فالحقّ أنّه لا دليل على النّجاسة سوى الشهرة وفاقاً لهما (طاب ثراهما)، فتبنى المسألة على حجّيتها مع جهل المدرك، لكن الأقوى في النظر النجاسةُ، لا أقلّ من لزوم الإحتياط في الاجتناب؛ للأولوية القطعيّة فيه لو قيل بنجاسة مطبوخ الزّبيب و التمّر، و لما قاله الحلّي (4) - و هو من الصدر الأول - في أطعمته ردّاً على الشيخ رحمه الله، و لا ذهب أحدٌ من أصحابنا إلى أنّ المايع النّجس بالغليان يطهر إلَّا ما خرج بالدّليل من العصير إذا ذهب بالنّار و الغليان ثُلثاه فقد طهر و حَلَّ الثَّلث الباقي، و إن أمكنَ حمله على ما حصل الإسكار فيه؛ و لذا صرّح في المستند أنّ الطبقة الأولى المصرّح منهم بالنجاسة إما قليل أو معدوم (5)، ثمّ نقل عن الحلّي (6) غير ما نقلناه، و حكم بعدم دلالة كلامه، لكنّه اعترف بشهرة النجاسة في الطبقة الثانية و الطهارة في الثالثة.

و علی النجاسة فشرطها الغليان و الاشتداد كما اعتمده البعض و صرّح به)، و أمّا قبلهما فلا حرمة و لا نجاسة، و الذي يقوى هو حمل الشّهرة المدّعاة على نجاسته و تخصيصها بما جمع الوصفين من العصير، و كأنّه لا شبهة في إسكاره حينئذ فيدخل تحت الكلّية، أعني كلّ مسكر مائع نجس، فتلتئم الكلمات عن جميع الشُّبه؛ ضرورة أنّه لا دليل يقضي باعتبار

ص: 356


1- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 440.
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 3/ 469.
3- الطوسي، الاستبصار: 4/ 95 ح368.
4- ابن إدريس، السرائر: 3/ 129.
5- المحقق النراقي، مستند الشيعة: 1/ 214.
6- ابن إدريس، السرائر: 1/ 66.

الاشتداد المفارق للغليان، و لو جعلناهما بمعنى - كما لعلّه ظاهر الفخر (1) و ثاني المحقّقين (2) في حاشية الإرشاد - من أنّه الذي يقذف بالزّبد و يصير أعلاه أسفله، أو أوّل أخذه بالثخانة التي من لوازم الغليان لعنى ذكره في كلام من اعتبره و قرنه مع الغليان، بل صريح المحقّق رحمه الله (3) المغايرة بينهما لتفكيكه بين الحرمة و النجاسة، فالأوّل بالغليان، و الثاني بالاشتداد، كالفاضل في التذكرة (4) و غيرهما (5).

فنفي ظهور تفسيره بالثخانة الموجبة للمغايرة من الأصحاب كما في حاشية المدارك (6) غير لائق، نعم نفي ظهوره مأخذه جيّد، بل لولا كلام مَن عرفت لقُلنا إنّهما بمعنى، حيث إنّه إن كان دليلاً على النّجاسة فهو دليل الحرمة، و مفقود اعتبار الاشتداد في أدلّتها قطعاً، فالمرجع فيه إلى ما قلنا. و إن كان ظاهر الشرائع في قوله: و يلحق بها العصير إذا غلى و اشتدّ (7). أنّ الإلحاق هو المشاركة في الحكم دون الموضوع فعليه ذكر سنده بعد ظهور مغايرتهما و عدم لزومه للإسكافي.

و يظهر من ابن حمزة في مباحات الوسيلة (8) بأنّ ما غلى بنفسه ينجس دون ما غلى بالنّار، و لم يذكر في باب النجاسات شيئاً، و كأنّه لدخول الأوّل في المسكر فهو من الذاهبين إلى الطّهارة، فما في ذكرى المصنّف (9) من نسبة النجاسة إليه في غير موقعه.

ص: 357


1- فخر المحققين، الإيضاح: 1/ 66.
2- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 461.
3- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 424 .
4- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 142.
5- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 99.
6- البهبهاني، الحاشية على مدارك الأحكام: 2/ 194.
7- المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 1/ 42.
8- ابن حمزة، الوسيلة: 365.
9- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 115.

[طهارة عصير الزبيب و التمر]

و أمّا عصير الزبيب و التّمر و الحصرم و سائر الفواكه فسيجيء الكلام فيها عند تعرّض

المصنّف في الأطعمة إن شاء الله تعالى.

و المعتمد ما عليه هما من عدم الحرمة و النجاسة فيها؛ لفَقْد الدّليل القاطع لعمومات (1) الإباحة، و خير ما للمخالف فيها أو أحدها هو المساواة لعصير العنب في الحكم، و هذا من الظنون المطلقة الخارجة من مداليل الظواهر بجميع أنواع الدّلالة، و إنّما هو استظهار ناشٍ من مراعاة العلّة المستنبطة أو الحكمة المنصوصة، فهو إلى القياس أشبه من اندراجه تحت الظواهر كاستصحاب الطباطبائي (2) في خصوص الزّبيب المتوقّف على مقدّمات كلّها نظريّة من ثبوت الحكم في غير عصير العنب الذي لولا الشهرة لجزمنا بعدمه، و من المسامحة في الموضوع الذي يلغى عنوان العنبيّة. و صرّح الشارح بأنّ العصير لو صار دبساً قبل ذهاب الثُّلثين أمكَن حلّه؛ لتغييرِ العنوان كما لو انقلب خلَّا (3)، و الفرق بين المقامين غير واضح و من عموم الحكم إلى ما خلا عن الأجزاء العنبيّة بالوصف و هو محلّ تأمّل.

و نحن لا ننكر ورود بعض النصوص (4) الصريحة في إفادة الحرمة في الأوّلين، إلَّا أن العمل بها متوقِّف على تقديمها بعد معارضتها لكلّ ما قضى من الأخبار بإناطة الحرمة بالإسكار في مطبوخ التّمر و الزبيب أو في مطلق النّبيذ، فإنّها تقضي بإباحة غير المسكر قبل ذهاب الثَّلثين، و هو مورد التّعارض، و لا أولويّة تقضي بتخصيصها إن لم يكن العكس أولى، غايته التساقط و الرّجوع إلى الأصل، مع أنّ شرط العمل بأخبار الآحاد المُتقَنة سنداً و دلالةً هو عمل السّلف أو بعض شيوخهم، فكم ردّوا صحاح النّصوص لندرة العامل، فكيف مع عدمه، و نحن لم نَقِف على عامل بها و إن لم نتحقق عدم العامل أيضاً، لكن الأوّل يكفي. و لم أعرف من أيّ فتوى استظهر الطباطبائي الحرمة من الطبقة الأُولى، بل و الثانية، أقصاه أنّ

ص: 358


1- ينظر الشيخ الأنصاري كتاب الطهارة: 5/ 178.
2- الطباطبائي، الشرح الصغير: 3/ 11، رياض المسائل: 1/ 206.
3- ينظر الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 12/ 75.
4- الكليني، الكافي: 6/ 421 ح10.

كلماتهم غير وافية بشيء من الطرفين فلا أولويّة في حملها على أحدهما إن لم يكن العكس أَولى، بدعوى ظهور أنّ الأمر بإذهاب الثلثين فيها إرشاديٌ؛ لجهة خوف وجود العلّة التي يثبت معها الحكم، و هو غير مفقود النظير، لكن بعد فرض التباين الجزئي بين أخبار الحِلّ والحُرمَة يشكل عدم جريان الاستصحاب؛ لعدم التنافي بينه و بين أصالة الحِلّ من جهة وروده عليه، فيزيل حكمه.

و أيضاً فعدم العامل بالخبر بعد فرض صحّته من [جهة] السّند و صراحته من جهة الدلالة لا يُوهِن العمل به قطعاً، إلَّا أن يكشف عن نقص فيه و لو إجمالاً، و هو مفقود في المقام؛ لأنّ عدم العمل بهذه الأخبار على هذا الوجه غير بيِّن فيحتمل ذلك، و يحتمل أنّهم عملوا و لم يصل إلينا و لم يعرضوا، إذ لا قرينة على أحدهما سوى فتوى بعض (1) الأساطين بالحلية و الطّهارة، و الاشتباه في حقّهم ليس بممنوع، بمعونة تردّد آخرين فيهما، فإنّ نفس عدم العلم بالعمل لا يجدي، و المفيد على تأصل العلم بالإعراض عنها و عدم العمل بها، فلا محيص عن الاحتياط؛ لأنّ الأدلّة و الفتاوى فيها على طَرفَي النقيض، و تمامه في محلّه إن شاء الله تعالى.

[وجوب إزالة النجاسة]

(وهذه) (النجاسات العشر) (يجب إزالتها) (لأجل الصلاة) و لو طوافاً؛ لإطلاقها عليه في الخبر (2)، و ترك ذِكره إمّا لدخوله في الصلاة، أو لبيان تعميم الحكم لما يجب إزالته عن المسجد للملوث و غيره (3) من حيث إنّ الطائف بالمسجد، فتأمل.

و وجوبه وجوب شرطي؛ للإجماع على عدم وجوبه النفسي، من غير فرق بين الكثير و غيره، و لا بين الخفيف و غيره إلَّا مستثنى الدّم كما يأتي، (عن الثوب و البدن) إجماعاً محصّلاً،

ص: 359


1- ينظر: الطباطبائي، الشرح الصغير: 3/ 111؛ رياض المسائل: 12/ 212.
2- الطوسي، الاستبصار: 1/ 43 ح120.
3- كالاستطراق فيها.

(و مسجد الجبهة) بلا خلاف منّا، خلافاً للمرتضى في جميع مساقط الأعضاء (1)، و لأبي الصّلاح في باقي مساجد الأعضاء الستّة (2) فإنّهما أوجبا الإزالة فيها، و لا مستند لهما سوى النبوي (3) المنصرف إلى المسجد أو مسجد الجبهة.

و يلحق بالبدن ما لا تحلّه الحياة، و بالثوب أطرافه و اللّباس غيره، و بالصلاة أجزاؤها المنّسية و ركعاتها الاحتياطية و سجدتا السّهو على الأحوط. أمّا ما لا يعدّ لها ممّا صاحب المصلّي أو كان متّصلاً بلباسه من المحمول و غيره - غير ما استثني - فالأقوى عدم وجوب إزالته؛ إذ لا يقال: صلّى فيه، و منه يظهر الفرق بين المحمول ممّا هو في جيبه أو من ملبوسه كالخاتم و الخلخال و ما شاكلها (4)، و يجري الأصل في مشتبه الموضوع و الحكم، و المتفرّع على غير الملبوس من غيره من المحمول.

و ربّما أُطلق في بعض الأخبار (5) الصلاة في السّيف، و هو يقضي أنّ المحمول يصدق عليه أنّه يصلّى فيه، فيشكل الأمر في المحمول مطلقاً، و إليه يعود حكم الفاضل (6) و غيره (7) بفساد الصلاة و معه قارورة مشدودة الرأس فيها نجاسة، و ظرفيّة (في) لا تأبى المصاحبة، فالجواز حينئذٍ مشكل.

(و) تجب الإزالة بالوجوب السابق أيضاً (عن الأواني) و إن كانت ممّا يحرم استعمالها، فإنّ حرمة الاستعمال لا ينافي وجوب التّطهير و إزالة النجاسة و جوباً شرطيّاً، لكن لا مطلقاً بل (لاستعمالها في ما لا يتوقّف على طهارتها) إمّا مطلقاً كحملها في الصلاة و إدخالها المسجد

ص: 360


1- حكاه عنه في كشف اللثام: 3/ 287.
2- الحلبي، الكافي في الفقه: 140، 141.
3- مسند أحمد: 2/ 403؛ صحيح البخاري: 1/ 52؛ صحیح مسلم: 1/ 233.
4- كالطوق و السوار.
5- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 265 ح815.
6- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 2/ 95.
7- الطوسي، المبسوط: 1/ 94؛ ابن إدريس، السرائر: 1/ 189.

على رأي (1)، أو مع لزوم التعدّي في الاستعمال في مثل الشرب و نحوه و الطهارة و أشباهها.

(و) كذا يجب إزالتها كفايةً لا مقدّمة (عن المساجد) مطلقاً و لو في أرض الخراج، بناءً على أنّ الأرض تتبع الآثار ما دامت باقية، فيصلح فيها النقل و الانتقال و الهبة و الوقف و غيرها، فتجري حينئذٍ أحكام المسجديّة على تلك الأرض ما دامت الصورة باقية، فإذا انتفت و عادَت أرضاً بيضاء لحقها حكم الأراضي الخراجيّة على تأمل.

و المشكوك في مسجديّته يجري فيه الأصل، و منه حيّز جدران المساجد ظاهراً و باطناً على الأقوى، و وجوب الإزالة عن المسجد في المتعدّي كأنّه لا شبهة فيه؛ لأمر النَّبيّ صلّی الله علیه و آله بالتطهير من بول الأعرابي (2)، و للإجماع المستفيض (3).

(و) أمّا (الضّرائح المقدّسة) مطلقاً أو خصوص نبيّنا النَّبيّ صلّی الله علیه و آله و الأئمّة علیهم السلام و فاطمة عليها السلام، أو أُولي العَزم غيرهم، أو الشهداء معهم مطلقاً، أو خصوص البدريِّين و شهداء كربلاء، فأُلحقت بالمساجد هنا و في غيره بهذا الإطلاق، مع احتمال الانصراف إلى خصوص الأنبياء و الأئمة علیهم السلام و ما بحكمهم كالتُّربَة الحسينيّة، و سند الإلحاق لزوم الاحترام المنافي لعدم إزالة النجاسة.

و فيه: إنّ أقصى مراتبه غير مُراد قطعاً، و إلَّا لحُرم النّوم و الأكل و الكلام غير الزيارة و الجلوس و الضحك و غيرها (4).

و إرادة البعض تحتاج إلى سند غيره، و اشتراكها مع المساجد حكماً فيثبت لها ما ثبت لها دون غيره من الاحترامات ممنوع؛ لتحقّق جواز الزينة لها دونها، و الخروج بالدّليل يحتاج إليه، و غيرها كثير، فليقتصر على ما يورِث الاستخفاف و عدم المبالاة عرفاً، و في اشتراط بعض

ص: 361


1- ينظر الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 5/ 336.
2- ابن أبي جمهور، عوالي اللآلئ: 3/ 60.
3- الطوسي، المبسوط: 1/ 92؛ ابن إدريس، السرائر: 1/ 188؛ العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 77؛ البحراني، الحدائق الناضرة: 5/ 379.
4- كانشاد الضالة.

الزيارات (1) المخصوصة بتطهير الثّياب قرينة على جواز مطلقها مطلقاً، و إلَّا لما كان لاشتراطه معنى محصّل.

نعم، لو كان الحكم في المسجد لجهة الاحترام لَحِقَ كلّ ما يجب اشتراطه فيه ذلك، و على فرضه في الجميع فهل يعمّ الحكم غير المتعدّية أم يخص بها؟ إطلاقُ معاقد الإجماع (2) كإطلاق الآية (3) و الرّواية (4) العمومُ خصوصاً في غير المتنجّس مطلقاً.

و فيه: - مع عدم الأمن وصريح آخرين - (5) الاختصاصُ بالمتعدّي مع اعترافهم بمنع الكافر مطلقاً؛ استضعافاً لدليل وجوب الإزالة، و اقتصاراً على الفرد المتيقّن، و ركوناً إلى بعض التلفيقات نحو رخصة مسح الدّمل للمصلّي من دون استفصال (6)، و دخول الجُنب و الحائض لمحض الاجتياز مع عدم خلوّ بدنهما عن النجاسة غالباً (7)، و جواز صلاة المستحاضة إذا لم يثقب دمها الكُرسف فيه (8)، و جواز إجراء الحدود فيها حتّى القصاص (9)، و إجماع الحلّي على خصوص جلوس غاسل الميّت في المسجد و عدمه (10) و استثناء ذي العاهة في دخول المسجد و حضور الجماعة (11) و لا يخلو بدنه غالباً عن النجاسة، فإنّ في بعض هذه الوجوه ما يقضي

ص: 362


1- ينظر الشهيد الأول، المزار: 1 / 64؛ المجلسي، زاد المعاد: 1/ 529.
2- السيد المرتضى، الانتصار: 89، الناصريات: 84؛ الطوسي، الخلاف: 1/ 70.
3- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا). سورة التوبة: 28.
4- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 5/ 229 ح6410.
5- ينظر المحقق النراقى، مستند الشيعة: 1/ 235.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 349 ح1028.
7- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 2/ 205 ح1932.
8- الكليني، الكافي: 3/ 88 ح2.
9- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 154 ح716.
10- ابن إدريس، السرائر: 1/ 163.
11- الطوسي، تهذيب الأحكام: 6/ 34 ح70.

بجواز إدخال النجاسة حتى بعض المتعدّي.

و مقتضى الجمع الاقتصار على ما يتعدّى و ما يلزم منه الاستخفاف، و تخلّصوا من عموم منع الكافر لغلظة النجاسة، و هو اجتهاد من غير مَدْرَك، و الآية (1)توجب خصوص المشرك لو اعتذر بها، و إلحاق غيره قياسٌ واضح، و مع صحّته يلزمه إلحاق دَم الحيض و سؤر الكلب؛ لشدّة النجاسة بالفحوى، و يتمّ في غيرهما بعدم الفصل.

و الوجوه كلّها مدخولة بالحمل على الخلوّ من النّجاسة في الجميع، و يؤخذ برواية الحلّي و تلغى درايته فيُقال بطهر يَد الغاسل للتبعيّة و لا ينكر إجماعه كما صنعه المحقّق (2) الأوّل في الثاني.

و يلحق بالمساجد توابعها من فرشها، و سطح المسجد مسجد، و كالمسجد في الحكم أرضه و ما ينقل منها في غير الحرم و فيه، (و المصاحف المشرَّفَة) دون غلافها، فيلحق برواق الحضرات المقدّسة، و كذا هامشها و البياض بين سطورها؛ و دليله أولويّة ذلك من عدم جواز مَسّ المُحْدِث مطلقاً لكتابتها.

و وجوب الإزالة عن الجميع فوريّ و كفائي حتّى في حَقِّ المُدْخِل؛ لمبغوضيّة كون النّجاسة في المسجد، المستفادة من حرمة الإدخال و وجوب الإخراج، لا لأنّ الأمر للفور فإنّ اللازم عقلاً المبادرة إلى ما يرفع تلك المبغوضيّة، و إلَّا فاتَ الغرض الباعِث على الأمر في الآن الأوّل.

و في الذّكرى: و لو كان في المسجد نجاسة ملوّثة وجبَ إخراجها كفاية (3)، و لو أدخلَها المكلّف تعيّن عليه الإخراج، ثمّ قرّب صحّة الصلاة لو ترك الإخراج و الوقت موسّعٌ.

و الظاهر منه أمور: الفورية و الكفاية إلَّا في حقّ المدخل، فيتعيّن عليه إخراجها و صحّة الصلاة لو ترك مع الإثم، و الأوّل بانَ وجهه، و الثاني لم نقف على وجهه إلَّا كونه هو السّبب

ص: 363


1- سورة التوبة: 28.
2- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 134.
3- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 3/ 129.

في تلويث المسجد فهو أحقّ بالإخراج، و هو استحساني، و كذا ما قيل من استصحاب الحكم السابق العيني الثابت في حقّه قبل الإخراج، فإنّه قد كان حرمة الإدخال، و لا بقاء له بعده حتّى لو كان دليل الحرمة وجوب الإزالة على وجه الكفاية؛ و على فرض العينيّة لا يشترك المدخل مع غيره في الوجوب الكفائي، و إن احتمل فإنّه لا يتصوّر إلَّا بالترتّب و التعليق کوجوب النّظر في أمر القصّر على الولّي عيناً و على غيره كفاية، فتؤخّر رتبة الكفائي عن العيني، و يعلّق على عدمه فلا اجتماع، و لأجله قال في الرّوض: و يتأكّد في حقّ المدخل، فإنّا لا نمنع اجتماع الاستحباب العيني مع الوجوب الكفائي (1).

و أمّا الثالث فبروضه تبعاً لذكراه (2) صحّة العبادة، و تبعهما جدّي الأكبر في كشفه (3) قال في الأوّل: لا يقال وجوب الإزالة على الفور ينافي وجوب الصلاة مع سعة الوقت؛ لأنّ الوجوبين إن اجتمعا في وقت واحد مع بقاء الفوريّة في وجوب الإزالة كان تكليفاً بما لا يُطاق، و إلَّا خرج الواجب الفوريّ عن كونه واجباً فوريّاً.

لأنا نقول: لا منافاة بين وجوب تقديم بعض الواجبات على بعض و كونه غير شرط في الصّحة، كما في مناسك مِنى يوم النّحر، فإنّ التّرتيب فيها واجب في الأصالة و لو خالف أجزأ، و لا امتناع في أن يقول الشارع: أوجبتُ عليك كُلّاً من الأمرين مع تضيق أحدهما و توسعة الآخر، و أنّك إن قدّمت المضيق امتَثَلت و سلمت من الإثم، و إن قدّمت الموسّع امتثلت و أثِمْت في المخالفة في التقديم، فلزوم [تكليف] (4) ما لا يطاق على هذا التقدير ممنوع (5) انتهى بلفظه.

و صريح الذكرى إنكار اقتضاء الأمر النّهي عن عن الضّدّ الخاص للزوم شبهة الكعبي (6)،

ص: 364


1- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 52.
2- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 3/ 129.
3- الشيخ جعفر، كشف الغطاء: 2/ 363.
4- أثبتناه من المصدر.
5- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 442.
6- ينظر فوائد الأصول: 1/ 312.

و اقتضاء النّهي عن الضّد العام مسلّم لا ينهض بإتمام الحجّة، و فيما ذكراه نظر ظاهر تحقيقه في محلّه، [و] إجماله: إنّ العقل قاطع بأنّ ترك الضّدّ الخاصّ ممّا يتوقّف عليه فعل المأمور به، و واجب التّرك يلزمه النّهي عن الفعل التزاماً بيّناً، و متى حصل النّهي عن العبادة أفسد؛ لأنه إمّا مستمرّ مع الصلاة أو ساقط عند التلبّس بها، و الأوّل يفسد لعدم اجتماع المحبوبيّة و المبغوضيّة في آنٍ واحد قطعاً، و الثاني جزاف من القول، فإنّ نيّة الترك لا ترفع الأمر و تسقطه.

و أغرب شيء تخريج هؤلاء المحقِّقين للمسألة على ذلك كالشارح و المحقّق الثاني (1) و جدّي الأكبر (2)؛ فإنّ القاضي بسائر مقدّماتها [الحكم] (3) العقلي الآبي عن التخصيص، نعم إنكار اقتضاء الأمر النّهي عن الضّد الخاص ربّما ينفع كما في الذكرى (4) و إن منع دليله من لزوم نفي المباح.

و الشارح بروضه بعد أن ذكر كلام المصنّف و لم يسنده له اعترف بأنّ الوجوب من باب المقدّمة، و قال: وجوبه من هذا الباب ليس من نفي الأمر (5)، انتهى.

ثمّ ذكر ما تلوناه عليك، و نحن لا نرى لذلك وجهاً بعد أن أحكمنا إرادة المقدّمة، و أنّ النّهي التبعي كالأصلي في الإفساد، و هما عقليّان.

ولكن شيخ أساتيدنا رحمه الله نقل عن بعض مشايخه تخريجاً آخر للحكم بالصّحة، و رأيته في تقريرات عَمّي المرحوم الشيخ عليّ، و قد تلمّذ هو عليه، ملخّصه: اختصاص الفوريّة في أمر الإزالة بغير مَن اشتغلت ذمّته بموسّع ، و منشؤه إمّا ثبوت التخصيص بدليله، أو لإجمال أدلّة الفورية، فتخصّ بغير المفروض أخذاً بالقَدْر المتيقّن، و كلاهما غير وجيه؛ فالأخير بعدم تسليمه و لو سلّم فعلى وجه الإطلاق بالضّرورة، و نحن نفرضه في غير المجمل دليله من

ص: 365


1- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 5/ 13.
2- الشيخ جعفر، كشف الغطاء: 3/ 57، 301.
3- زيادة يقتضيها السياق.
4- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 52.
5- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 441.

الأفراد، فيرجع النزاع صغرويّاً.

و الأوّل إن كان غير ما قضى بوجوب الموسّع لزمه بيانه، و إن كان المخصص نفس دليل وجوب الموسّع فلا معارضة توجب قصر الفوريّة، بل أدلّة الفوريّة ترفع التوسعة الزّمانية نحو تخصيصها لما قضى بإباحة الأفعال في غير ذلك الزمان، و الفرق بين الواجب الموسّع مع المباح غير بيّن، فإنهما معاً قابلان لعروض الحرمة زمن التوسعة، بل لا ينافي وجوبه النهي عنه في بعض الموارد قبل تضيّقه سواء كان على وجه الكراهة أو التحريم لعدم السقوط المنافي للوجوب.

و لو سلّمنا المعارضة وجب حينئذٍ تخصيص أدلّة الواجب الموسّع بما إذا لم يعارضه واجب فوري على حدّ تخصيصها بما إذا عارض الموسّع مضيّق يفوت وقته بفعل الموسّع، كصلاة الخسوف مع الفريضة، فإنّ الفريضة لا تصلحّ قولاً واحداً إذا تيقّن الانجلاء و فوات وقت الخسوف مع سعة وقتها، و المدرك متّحد و إن كان بينهما فرق من جهة أخرى.

و لو أغضينا عن كلّ ذلك و رجعنا إلى قواعد التعارض قلنا: كلّ عامَّين تعارضا يرجع في مورد اجتماعهما إمّا إلى الأصل لو فرض إجمال دليلها، و إمّا إلى التخيير في العمل بأحد الدّليلين إلحاقاً للتباين الجزئيّ بالكلّي، و على التقديرين لا يمكن الحكم بصحّة الصلاة؛ لقضاء الأصل فساد الموسّع من حيث الشكّ في تعلّق الأمر به، و لا يجيء ذلك في الإزالة حتّى لو فرض حرمتها؛ لأنّ صحّتها لا تتوقّف على إباحتها، مع أنّ المفروض عدم فوريّة الموسّع، فهي مباحة جزماً؛ لأنّ الشكّ إنّما نشأ من الفوريّة لا من نفس الضدّ.

و أمّا على التخيير فمرجعه إلى اختيار المجتهد، فإذا قدّم دليل الموسع و أخذ به صحّ العمل لكن لا من جهة تزاحم الواجبين، بل لجهة ترجيح أحد الدّليلين، و عليه يلزمه الحكم بفساد المضيّق لو كان عبادة؛ لأنّ الخارج عن دليله ليس خصوص الفوريّة لكي يبقى الوجوب بعدها، و إنّما الخارج دليله كُلّاً.

و الحاصل: لا نتعقل زوال الفورية بنفس الوجوب أو بالاشتغال بواجب آخر، كذا أفاده، و لقد أجاد، غير أنّ المفهوم من كلمات العَمّ قدس سرّه التي رأيناها هو إنكار الفوريّة في

ص: 366

الأوامر رأساً، و على فرض وجود ما يقضى بها فغاية مفاده لزوم الفورية لغير من ذمّته بواجب مطلقاً، لتساوي الطّلب الوجوبي في نظر الآمر، فلا فوريّة لواجب بالنّسبة إلى آخر، بل المراد امتثال الأمر الوجوبي مهما أمكن، و هو و إن كنّا لا نرتضيه و لو بضميمة العقل، لكن يسقط جميع ما ذكر الأُستاذ عليه، فلاحظ تقارير الملّا فتّاح (1) ليتّضح لك الحال.

[المعفو عنه من النجاسات: الدم]

(و عُفي) شرعاً (في الثوب) أو مطلق اللّباس دون ما زاد منه على المتعارف (و البدن) حتّى فيما زاد عن الخلقة المستوية كالرأس الثاني و الإصبع السادس، في خصوص الصلاة الشاملة للطواف و دخول المساجد و ما أُلحقَ بها مطلقاً، أو مع أمن التلويث، و الدّليل (2) مخصوص في الصلاة، و عموم المنزلة يقضي بالإلحاق، لكن قضيّة العسر بالأخبار لا تجيء في الملحق إلّا في الطُّواف إذا صدق العسر أو يفوت وقته، فالتعميم في الجواهر (3) ليس في محلّه.

و على أيّ حال، فالعفو ثابت (عن دم الجرح و القرح) العرفيين من غير خلاف يُعْرَف، و قيّد العفو هنا بكونه (مع السّيلان) (دائماً) بحيث لا ترقأ، (أو) السّيلان (في وقت لا يَسع زمن فواته الصلاة)؛ فإنّه ملحق بدائم الجريان، و بالفوات أراد الانقطاع، و الظاهر أنّ العبارة (فتراته) بدل (فواته) كما في غيره (4) و غيّرتها النسّاخ لمشابهة الكتابة.

(أمّا لو انقطع) الدّم عنهما (في وقت (5) يسعها) و لو من غير أذان أو إقامة (فقد استقرب

ص: 367


1- السيد فتاح السرابي التبريزي المولود في سنة (1252ه-) و المتوفى بعد أداء الحج في البحر و دفن بأزمير في سنة (1311 ه-)، أدرك الشيخ الأنصاري ثلاث سنين، و بعده قرأ على السيدين الشيرازي و الكوهكمري، نسب الحاشية إليه تلميذه الشيخ إسماعيل التبريزي مؤلف «الأنوار الإسماعيلية»، و ترجمه الأوردوبادي في «زهر الربي». راجع: الذريعة: 6/ 160.
2- الكليني، الكافي: 3/ 58 ح2.
3- النجفي، جواهر الكلام: 6/ 105.
4- ينظر المحقق القمي غنائم الايام: 2/ 275.
5- في المصدر: (وقتاً).

المصنّف رحمه الله في الذكرى) تبعاً للمعتبر (1) و الفاضل في الإرشاد على ما في الروض (2) (وجوب الإزالة لانتفاء الضرر)، قال: لو تعاقب هذا الدّم بفترة تسع الصلاة فالأقرب إزالته و الصلاة؛ لزوال الضرورة، و يظهر من الرّواية عدمه (3)، انتهى.

أراد قوله علیه السلام: «لست أغسل ثوبي حتّى يبرأ» (4)، الشامل بإطلاقه للفترات الحاصلة في الأثناء قبل البرء، و قبلهما الحلّي (5)؛ لشرطه عدم وقوف سيلانه في وقت من الأوقات في العفو، و نسبه مَن تأخّر إلى الأكثر، قال: و كلامهم يُعطي لزوم الاستمرار على وجه لا يتيسّر الصلاة بدون الدّم (6)، انتهی.

و بأنوار فقاهة الوالد (نوّر الله رمسه) (7): هو المشهور تحصيلاً، و حكمَ بأنّه الذي يتيقّن خروجه من عموم منع الصلاة في النّجس. و عليه يجب انتظار زمن الفترة و إعادة الصلاة لو صلّى قبلها، و لو لم تَسَع الفترة إلَّا ركعة في الوقت ففي انتظارها و الصلاة قبلها على هذا القول وجهان، أقربهما العدم و أوفقهما بالأدلّة الوجوب و الصحّة؛ إذ وقوع بعض الركعات خارج الوقت المحكوم بصحّتها أَولى من الصلاة في النّجس المقصور عفوه على عدم الفترات، و يجري ذلك في المسلوس و المبطون و كأنّهم لا يلتزمونه فيما أظنّ، و سيجيء بيانه.

حجّة المشترط - مضافاً إلى الأصل في غير متيقّن الخروج و الشهرة - أنّ أخبار الباب (8) و كلمات الأصحاب مجموعاً تقضي بتقييد العفو إمّا بدوام الإدماء، أو مشقّة الإزالة حتّى كان

ص: 368


1- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 244.
2- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 188.
3- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 137.
4- الكليني، الكافي: 3/ 58 ح1.
5- ابن إدريس، السرائر: 1/ 176.
6- العاملي، مفتاح الكرامة: 1/ 162.
7- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 490.
8- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 256 ح 744.

اعتبار المشقة قولاً في المسألة للفاضل (1) و غيره (2)، و في الجواهر (3) نسبته إلى ظاهر الشارح أو صريحه في الرّوض، مع أنّه لا عين و لا أثر، بل صريحه اختيار ما عليه هنا، فإنّه بعد أن استظهر عموم خبر أبي بصير و أنّ العفو إلى البرء نسبه إلى المحقّق الثاني و أَسندَ إليه حمل عبارة الفاضل عليه، قال: و مختاره حسن دون تفسيره؛ لأنّ ذلك ليس مذهباً للمصنّف (4)، انتهى . و إن كان ردّه في غير موقعه؛ لاختلاف مذاهب العلّامة في كتبه.

(و) بنى هنا أيضاً أنّ (الذي يستفاد من الأخبار عدم الوجوب مطلقاً حتّى يبرأ) و إن حصلت الفترة و أمكنت الإزالة بلا مشقّة أو أمكن إبدال الثوب أو أمكن غسله مرّة أو كان ذلك بفعل المكلّف نفسه، أو بفعل غيره اختياراً أو اضطراراً، باطناً كان الجرح حتّى البواسير و قرحة الرئة و ذات الجنب و غيرها، أو ظاهراً فيدخل الكَي و غيره، تيسّر تخفيفه أم غسل ما فوق الدّرهم منه أم لا، خالطه غيره من عرق و شبهه أم لا، أمكَن علاجه و برؤه أم لا، خَشي الضّرر من إزالته أم لا، أمكن منع خروجه أم لا، تجاوز عن محلّه إلى آخر أم لا، فإنّ ظاهره أنّ عدم العفو عدم البرء فيدور الحكم مداره، (و هو قويٌ) عنده اعتماداً على إطلاق النّصوص، ولكن الظنّ القوي بعدم الأخذ بهذا الإطلاق، و خروج بعضها عنه مع حصول بعضها عارٍ عن الدّليل فلا محيص إلّا الرجوع للقَدر المتيقّن في العفو، و اختلاف الأصحاب من أعظم الشواهد على اختلال هذا الإطلاق، بل لا تكاد عبارة تَسْلَم من قيد في الحكم، فإذا قطعنا باختلاله و اشتبه الفرد الخارج حكَّمنا الأُصول فيه، و مقتضاها القول بالنجاسة في غير دائم السيلان.

و عسى أنّ المصنّف رحمه الله أطلق الحكم في غير الذكرى (5) اتكالاً على وضوح الأمر لا عدولاً منه فيها كما نسب إليه التفصيل، كما أنّ هذا الحكم لا ينافي اعتبار المشقّة؛ للملازمة

ص: 369


1- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 73.
2- ابن إدريس، السرائر: 1/ 176.
3- النجفي، جواهر الكلام: 6/ 106.
4- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 443.
5- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 126، البيان: 95.

بينهما مع فرض عدم الانقطاع، و أمّا حال الفترة فقد فهم من قوله: لانتفاء الضّرر، أنّ معه و إن وسعت فتراته الصلاة، لا يجب الإزالة، و لا بدّ من الرجوع في المشقّة إلى المرتبة التي سوّغ الشارع مخالفة الأمر لأجلها في غير المقام، أخذاً بالمتيقّن من معناها، و أخبار المسألة ككلمات الأصحاب لا تأبى الحمل على المختار، ففي مضمرة سماعة: قال علیه السلام: «يصلّي و لا يغسل ثوبه كلّ يوم إِلَّا مَرّة، فإنّه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كلّ ساعة» (1).

و في موثّقة محمّد بن مسلم: «يُصلّي و لا يغسل ثوبه في اليوم أكثر من مرّة» (2).

دَلَّ تعليل الموثّقة و مفهوم قيد المضمرة (3) أنّ وجه الاقتصار على المرّة في الغسل هو عدم التيسّر، فلو تيسّر الأكثر ،وجب و هما صريحان؛ لأنّ مفهوم العلة (4) أشبه بالشّرط من التوصيف في الثانية، و إذا ثبت سببيّة عدم الانقطاع للعفو كشف ذلك عن عدم تأثير وجود نفس المادّة بأن يسيل أحياناً فيه.

و لا يرد أنّ مبنى الاستدلال على اعتبار مفهوم العلّة في الأولى و بهما يخصّص كلّ عام غيرهما، و نحوهما مصحّحة ليث المرادي: «في الرجل يكون به الدّماميل و القروح، فجلده و ثيابه مملوّان دماً و قيحاً، و ثيابه بمنزلة جلده، فقال: يصلّي في ثيابه، و لا يغسلها، و لا شيء عليه» (5)؛ فإنّها ظاهرة في استدامة السّيلان المبالغة الرّاوي، و لأنّ الرّخصة لا بدّ من تحديدها بحَدّ، فكما يحتمل كونه البرء يحتمل أنّه الفترات و لا مرجّح، كموثقة عبد الرحمن (6)، فإنّها به أظهر.

ص: 370


1- الكليني، الكافي : 3/ 58 ح2.
2- مستطرفات السرائر: 557.
3- لعلّ العبارة معكوسة؛ فالتعليل في المضمرة، و القيد إنّما في الموثقة.
4- في المخطوطة: (الصلة)، و ما أثبتناه أنسب للسياق.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 258 ح750.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 259 ح751.

و أمّا خبر أبي بصير (1)، و الجُعفي (2) في رؤية الدّم بثوب الإمام و على ساقه و هو يُصلّي، فهما إن تّمت دلالتهما فلا دخل لدم الإمام علیه السلام بدم غيره كما نبهنا عليه، بل فيهما دلالة واضحة على الطّهارة دون العفو، و قوله: «اغسله»، أعمّ من كونه نجساً، بل من حيث قذارته.

نعم، لا ينكر دلالة موثّقة عمّار (3)؛ لترك الاستفصال فيها، لكن حيث إنّ القائلين بالعفو إلى أن يرقأ ظاهرهم عدمه في ما تعدّى إلى غير موضعه بفعل المصلّي أو غيره لا بنفسه، فلا بدّ من حمل الخارج على القيح دون الدّم. و قوله علیه السلام: «تمسحه و تمسح يدك بالحائط أو الأرض» (4)، للاستحباب لا أقلّ من تخصيصها بها ذكرنا.

و هذه الأخبار و إن ظهر بعضها بدوران الأمر مَدار المشقّة التي هي أوسع دائرة ممّا اخترناه، إلَّا أنّك بعدما عرفت من قصر المشقّة في الجملة و تعميم دائرتنا في الجملة يكونان بمعنى و لا تبقى علينا مؤاخذة من صحّة لغوية العفو عن هذين الدّمين؛ لسريان هذا الحكم في كلّ نجاسة، فإنّ ما يعسر إزالته لا يحكم الشارع بوجوبها، فلا فضل للمقام على غيره.

لأنّا نقول: إنّ فضله من جهة عدم تبديل الثوب منهما، و عدم وجوب التحفّظ عن سراية النجاسة منهما مهما أمكن كما في المسلوس و المبطون و المستحاضة، و لا يحرم مباشرتهما بجزء خارج عن البدن عن محلّهما، و لا تجب الصلاة عارياً إذا تلوّث الثوب بدمهما إذا كان منفرداً، أو غير ذلك، و مع ذلك فكان الأُستاذ رحمه الله يرى ظهور الأخبار في عدم اعتبار ما اعتبرناه، و كأنّه يميل إلى عدم وجوب الإزالة إذا حصلت المشقّة الشخصيّة، و الوجوب إذا انتفت، و لا بُعد في رجوع كلماته إلى ما قلنا.

و على ما اخترنا، لا يعفى عن الثوب مع إمكان غسله أو تبديله زمن الفترة و إزالة ما على البدن، و لا كذلك لو لم تحصل، و لو دار الأمر بين غسل الثوب أو البدن في الفترة غسل

ص: 371


1- الكليني، الكافي: 3/ 58 ح1.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 256 ح743.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 349 ح1028.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 349 ح 1028. و فيه: «يمسحه و يمسح ...».

الثوب و صلّى؛ للأمر به، و لأنّ العفو في البدن أولى، كما أنّه لو توقّفت الطهارة على الرّبط و التعصيب وجب فلا عفو.

و قوله في الموثّقة: «إنّ صاحب القرحة التي لا يستطيع ربطها و حبس دمها» (1)، من الشواهد، و يحمل منقول الإجماع (2) على عدم وجوب التعصيب في حال الضرورة لا مطلقاً، لوجود المخالف (3).

و يظهر من جماعة (4) وجوب تبديل الثوب مع عدم نقاء البدن، و مرجعه إلى لزوم تخفيف النّجاسة، و لا قاطع به، و لجعلهم هذا الدّم في موضع العفو كالعدم حتّى ألحقوه بالدّم الطَّاهر.

نعم، عدم الإبدال في عدم الضّرورة و فترات السّيلان و إزالته عن البدن لا وجه له، و عليه يحمل كلام من (5) أطلق وجوب الغسل أو الإبدال.

نعم، يشكل فيما لو انفصل هذا الدّم عن موضعه إلى الأرض مثلاً ثمّ تعلّق بالثوب و لم ينقَ البدن، و الظاهر أنّ حكمه حكم النجاسة الخارجة من دون فرق.

كما أنّ هذا الدّم لو لاقى مائعاً غير ما خرج معه من الصديد نجّسه قطعاً، فيلغى وجوده، و يجري على الثوب و البدن حكم النجاسة الثانية، فيتبعّض العفو فيهما حتّى لو كان الوارد من دم جروح الغير و قروحه، و يثبت العفو لو وضع يده الطاهرة عليه أيضاً، و إن لم يستحسنه الأستاد (6)؛ للظهور الذي ذكرناه، لكن حيث ثبت الفرق بينه و بين غيره الأحسن إلحاقه بالطاهر بشرطه مطلقاً؛ لتنجم ثمرة العفو فيه، و الله العالم.

ص: 372


1- ابن إدريس، السرائر: 3/ 558.
2- ينظر الشيخ الأنصاري ، كتاب الطهارة: 5/ 231، 232.
3- كما في جامع المقاصد: 171/1؛ و مسالك الأفهام: 1/ 124.
4- ينظر رسائل آل طوق القطيفي: 1/ 222.
5- كما في نهاية الإحكام: 1/ 286، منتهى المطلب: 3/ 248.
6- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 2/ 372.

[مقدار الدم المعفو عنه]

(و) عفي عمّا (دون الدّرهم البغَّلي)، بفتح الغين و التشديد، و بروضه (1) إسكان الغين و تخفيف اللّام أشهر أو الوافي كما في كلام غيره (2)، و الظاهر عدم اختلافهما، و أنّ وزنهما ثمانية دوانيق، و شرط العفو أن يكون المسفوح أنقص منهما (سَعةً) لا وَزْناً و إن تفاقم بالثخن، (و قدّر بسعة أخمص الرّاحة)، و هو المنخفض منها الذي لا يصل إلى الأرض إذا وضعت عليها في قول الحلّي (3)، (و) قدّرها ابن الجُنيد (4) (بعقد الإبهام العليا)، و بالروض هو قريب من أخمص الكفّ، (و) التقدير (بعقد السبّابة) العليا أو الوسطى، نقل الثاني في شرحي الألفيّة و الإرشاد (5)، و لم أعرف قائلها .

و عن العماني أنّه بسعة الدينار (6)، (و لا منافاة) بين تقادير وزنه؛ لإمكان اختلافه بحسب الزّمان و المكان كما هو المُشاهَد الآن في القرآن العجميّة، مع لغويّة اعتبار الوزن هنا، حيث لا يناط به الحكم؛ لظهور اتّفاق الأصحاب على إرادة السِّعة خاصّة، و لا بين تقادير السِّعة عنده هنا و بغيره؛ (لأنّ مثل هذا الاختلاف يتّفق في الدراهم بضرب واحد) كما هو الواقع و اختبار كلّ واحد من فرد رآه بروضه، و على الأوّل يُبنى الحكم؛ لأنه المشهور، و لأنّ الباقي لا تزيد عليه، و لشهادة الحلّي رحمه الله (7) بوقوفه عليه بهذا المقدار، فيحصل منها الاطمئنان الملحق بالعلم أو ترجع إلى مقدّمات استنباط الحكم الشرعي، فتلحق بالرواية.

و لأجله أطلقنا عليها الشهادة المقصورة على المتعدِّد، و لا يعارضها إخبار غيره بدون مقداره من القدماء و غيرهم؛ لأنه أقرب إلى الرواية، و هو يقينيّ الدراية؛ و لذا أطلق ثاني

ص: 373


1- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 443.
2- المفيد، المقنعة: 69؛ السيد المرتضى، الانتصار: 93؛ سلّار، المراسم العلوية: 55.
3- ابن إدريس، السرائر: 1/ 177.
4- حكاه عنه في المعتبر: 1/ 430.
5- حكاه في الشرح الصغير: 1/ 69.
6- حكاه عنه في جواهر الكلام: 6/ 117.
7- ابن إدريس، السرائر: 1/ 177.

المحقّقين (1) و الشهيدين (2) الشهادة على خبره، و لا يلزم منه طرح رواية (3) الدينار؛ لأنّ سعته أقلّ من ذلك على ما وافق تلك الدّراهم جمعاً، لقوّة أخبارها المنجبرة بشهرة الحکم دونه.

نعم، لا بدّ من الاقتصار علی القَدْر المتيقّن عند الشَّك في زيادة الدّم على ذلك المقدار و عدمه، و الرجوع في الزائد إلى أدلّة وجوب إزالة النجاسة أو الدّم، فإنّ الأقلّ هو المتيقّن كما صرِّح به الجدّ (4) و الوالد (5) (طاب ثراهما) و غيرهما (6)، و هو الموافق للأدلة؛ لدوران الأمر بين الأقلّ و الأكثر، و الأصل فيه و في أمثاله البناء على الأقلّ.

و في الجواهر (7) الدغدغة فيه مقيساً له على اشتباه الدّم بين المعفوّ عنه من دم ذي النفس و غيره كالدّماء الثلاثة، فإنّه يحكم بالعفو بعد تعارض الأصلين فيستصحب بقاء طهارة الثوب، و هو أغرب شيء؛ للفرق الواضح بين المقيس و المقيس عليه؛ إذ الخارج هناك نوع واحد حصل الشكّ في مصاديقه، و لا كذلك هنا؛ لعدم العلم بموضوع الخارج من حيث تعدد أفراده كمّا و كيفاً، فلم يعلم خروج أيّ فرد من الدّرهم.

نعم، لو كان الخارج الدّرهم المعيّن سعته في الخبر بأحدها جرى فيه ما ذكر، و أينَ هذا من ذاك؟ فلا مَسرَح لأصالة البراءة فيه، لكن لا يحسن ردّه بأنّ الشبهة حكميّة لا موضوعيّة؛ إذ ليس كلّ شبهة حكميّة توجب الاحتياط، و لا كلّ موضوعيّة تقتضي البراءة.

و الحاصل: فرقٌ بين قولنا: (يحرم الخمر إلَّا العصير العنبي) في أنّ الفرد المردّد بين الأوّل و الثاني بعد معلوميّة موضوع الثاني يتعارض فيه الأصلان فتجري فيه البراءة، و بين

ص: 374


1- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 171.
2- الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 1/ 124.
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 3/ 432 ح4078.
4- الشيخ جعفر، كشف الغطاء: 2/ 364.
5- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 411.
6- المحقق الأردبيلي، مجمع الفائدة: 1/ 328؛ السيد العاملي، مدارك الأحكام: 2/ 309؛ البحراني، الحدائق الناضرة: 5/ 303.
7- النجفي، جواهر الكلام: 6/ 117.

[قولنا]: (يحرم الخمر إلّا الفقاع)، و لم نعلم موضوعه؛ لتردّده بين أفراده، فإنْ كان لنا قَدر متيقّن فلا نأخذ به، و يلحق المشكوك أصله في الحرمة و إن كان فقاعاً؛ لأنّ الجهل عرض له من جهة تعدّد موضوعه لا إجمال دخوله في الموضوع، و لأجله اختلط الأمر عليه فقاس مشتبه الموضوع على مشتبه الحكم، فالعفو ثابت في مشتبه المقدار موضوعاً، و أمّا حكماً فلا.

و أظنّه جعل ما قدّره ابن إدريس (1) هو موضوع الدرهم البَغلي، فأجرى العفو في المشكوك فيه بقرينة مثاله، و لا كذلك، فإنّه أحد المقدّر من أفراده، غايته أنّ القدر اليقيني هو مقدر الحلّي، فيلحقه الحكم، و يبقى كلّ فرد غيره مشمول للحكم الأوّلي إلَّا أن يكون الخارج المسمّى بالدرهم مطلقاً، و لا كذلك، و بعد فرض النجاسة في غير درهم الحلّي ممّا يسمّى به كيف يصحّ تعارض الأصلين و يحكم بالبراءة!

[عدم استثناء الدماء الثلاثة]

(و إنّما يغتفر هذا المقدار من الدّم) النجس دون غيره من النجاسات إذا كان (غير الدُّماء الثلاثة) الحيض و أخويه في قول معروف فيها و أشهر في الأوّل، بل لا نعرف مخالفاً فيه إلَّا من المشكّك في الإجماعات (2) و المدارك (3)، و ابنا زُهرة (4) و إدريس (5) نقلا الإجماع فيه صريحاً، و الأصل فيه قول أبي بصير عنه علیه السلام: «لا تُعاد الصلاة من دم لم تبصره إلَّا (6) دَم الحيض، فإنّ قليله و كثيره في الثوب - إن رآه و إن (7) لم يَرَه - سواء».

ص: 375


1- ابن إدريس، السرائر: 1/ 177.
2- ينظر الشيخ الأنصاري كتاب الطهارة: 5/ 236.
3- السيد العاملي، مدارك الأحكام: 2/ 318.
4- ابن زهرة، غنية النزوع: 40.
5- ابن ادریس: السرائر: 1/ 177.
6- في المصدر: (غير).
7- في المصدر: (أو).

و اختلفت رواية الشيخ لها، فرواها موقوفة على أبي بصير في التهذيب (1)، و عنه عن الصادقين في موضع آخر كالكافي (2)، و بالأخيرة تسقط المناقشة من حيث كونها موقوفة، و عدم حجّيّة فتوى أبي بصير كسقوط ضعف السّند بأبي سعيد؛ لأنّ المعتبر (3) و المنتهى (4) صرّحا بشهرتها و عمل الشيوخ بها، و هذا الجابر يورث الوثوق و الاطمئنان، فلا مناص عن العمل بها، و ليست مثل المجبور الذي لا يورث مثل ذلك جابره، فلا تهافت في كلام الأوّل، فإنّ عدم اعتباره ببعض ما هو هو منجبر كأنّه لخلوه عما ذكرنا، لكن تعليلها يمكن أن يخصّص بما دون الدّرهم.

و ظاهرها الفرق بين الثوب و البدن من حيث مفهوم القيد، و هو خلاف المفروض، مع معارضتها لما دلّ على العفو مع الجهل بالنجاسة مطلقاً، و كأنهم لم يتعرّضوا لمثل ذلك اعتماداً على الإجماع، فالحكم في دم الحيض لا شبهة فيه، و يلحقه النفاس قطعاً، فإنّه حيض.

و أمّا الاستحاضة فتوقّف في إلحاقها جماعة (5) جموداً على إطلاق أدلّة العفو (6) من غير

ص: 376


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 275 ح745 .
2- الكليني، الكافي: 3/ 405 ح3.
3- المحقق الحلي المعتبر: 1/ 328.
4- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 246.
5- ينظر البحراني، الحدائق الناضرة: 5/ 328.
6- منها: موثقة زرارة: «كل ما كان لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يكون عليه الشيء، مثل القلنسوة و التكة و الجورب»، و روايته: «إن قلنسوتي وقعت في بول فأخذتها فوضعتها على رأسي ثم صليت، فقال: لا بأس». الطوسي، تهذيب الأحكام: 2/ 358 ح1482. و المراسيل الثلاث لأبناء سنان و عثمان و أبي البلاد: الأولى: «كل ما كان على الإنسان أو معه مما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلي فيه و إن كان فيه قذر، مثل: القلنسوة و التكة و الكمرة و النعل و الخفين و ما أشبه ذلك. الطوسي، تهذيب الأحکام: 1/ 275 ح810. و الثانية: في الرجل يصلي في الخف الذي قد أصابه قذر، قال: «إذا كان مما لا تتم الصلاة فيه فلا بأس». الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 274 ح807. و الثالثة: «لا بأس في الصلاة في الشيء الذي لا تجوز فيه الصلاة وحده يصيبه القذر، مثل: القلنسوة، و التكة و الجورب». الطوسي، تهذيب الأحكام: 2/ 358 ح1481. و الرضوي: «إن أصاب قلنسوتك أو عمامتك أو التكة أو الجورب أو الخف مني أو بول أو دم أو غائط فلا بأس بالصلاة فيه، و ذلك أن الصلاة لا تتم في شيء من هذه وحده». ينظر فقه الإمام الرضاء علیه السلام: 95.

معارض، و في الذكرى: و الاستحاضة مشتقّة منه (1)، و هو ممّا لا نفهمه.

لكن ظاهر نفي الخلاف بضميمة وجوب تغيير القطنة لكلّ صلاة مع قلّة الدّم و إن كانت ليس بثوب و لا بدن، و أنّ الصّدوق في المقنع و الفقيه لم يتعرّض لهذا الحكم، ممّا يقتضي الإلحاق بإضافة شمول أدلّة الإزالة عموماً و خصوصاً لها.

و بعدُ، لي فيه إشكال من جهة قوّة أدلّة العفو، لا أقلّ من قيام الشك في خصوصه، و الأصل يوجب العفو، لكن جدّنا الأكبر رحمه الله توقّف في أصالة العفو في كلّ ما شكّ فيه، و جزم بأصالة الطهارة في الدّم المشكوك فيه (2)، و الفرق بينهما مخفيٌّ علينا، نسأل الله كشف الغطاء عن أبصارنا في مُبهمات الكشف.

[إلحاق دم نجس العين بالدماء الثلاثة]

(و ألحَقَ بها بعض الأصحاب) كالفاضل (3) في غير التبصرة، و المصنّف في الدّروس (4)، و المختلف (5) (دَم نجس العَين) الشامل للميتة بنصّ شَرْحَي الشرائع (6) و الإرشاد (7)، و قبلهم

ص: 377


1- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 138.
2- الشيخ جعفر، كشف الغطاء: 2/ 364.
3- العلّامة الحلي، إرشاد الأذهان: 1/ 239.
4- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 128.
5- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 476، 477.
6- الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 1/ 125.
7- الشهيد الأول، غاية المراد 83/1.

القطب (1) و ابن حمزة (2) في خصوص النجسين و لم يتعرّضا لغيرهما، و بعدهم الجدّ في الكشف (3) فألْحَقَ الميتة و الكافر، بل و كلّ ما حَرُم أكله، و الإلحاق مطلقاً أو البعض كأنّه (لتضاعف النّجاسة) من جهة ملاقاة الدّم لما لا يعفى عن نجاسة ملاقيه غيره، (و) أنّه (لا نصّ فيه بخصوصه يوجب الفرق بين قليله و كثيره، (و) حيث يفقد النّص كان قضيّة الأصل)، و هي النصوص الآمرة بإزالة النجاسة مطلقاً، (يقتضي (4) دخوله) مع الشك في سريان العفو لمثله ( في العموم)، حيث لا مخصّص في خصوصه، و (القضيّة) القاعدة و إضافتها ل- (الأصل) بيانية أي: قاعدة هي الأصل.

و المراد بالأصل حجّية العام في أفراده و إن خصّص، و معنى قضيته عدم إخراج شيء من الأفراد بغير دليل، أو دخول جميع أفراده فيه ما لم يدلّ دليل على تخصيصه، و المقتضي دخول هذا الفرد من هذا العام في العموم، و بهذا يظهر منه المَيل إلى الإلحاق؛ لظهور جعل الواو بمعنى (مع) في الأمرين، و يحتمل أيضاً أنّه يقول بعدمه، فيكون المعنى أنّ دليل الإلحاق تضاعف النجاسة، و الحال أنّه لا نصّ فيه يوجب ذلك، و قضيّة الأصل - و هو عموم أدلّة العفو - تقتضي إلحاقه بالعموم، و هو عموم أخبار العفو لذات الدّم، فليس حينئذ للتعليل أثر، و هذا أقرب، ولكنّه في شرحيه (5) يظهر منه الإلحاق، فيكون عاضداً للأوّل.

و في السّرائر (6) دعوى الإجماع على الثاني، و أُضيف إليه أنّ حيثيّة الملاقاة لنجس العين لا تنفكّ عن حيثيّة الدّم أبداً، فلا تورث ملاحظتها شيئاً، و إلَّا لفرّقوا بين ميتة المسلم و الكافر في أحكام البئر، و إن فرّق الحلّي (7) هناك بينهما لتضاعف نجاسة الكافر، فيطالب بالفرق بينه

ص: 378


1- حكاه عنه في السرائر: 1/ 177.
2- ابن حمزة الوسيلة: 76.
3- الشيخ، جعفر كشف الغطاء : 2/ 365.
4- في المصدر: (تقتضي).
5- ینظر الشهيد الأول، غاية المراد: 1/ 82.
6- ابن إدريس، السرائر: 1/ 177.
7- ابن إدريس، السرائر: 1/ 73.

و بين مقامنا.

و يعتذر له بأنّ مراده هنا أنّ نجس العين لا يزداد نجاسة بملاقاته النجس، و أمّا هناك فحيث ينزح لَحَيّ الكافر الجميع قال به أيضاً لموته؛ لأنّ الموت لا يخفّف نجاسته و لا يرفعها إن لم يزدها، فذكر ذلك من باب التقريب.

نعم، لو فرّق بين حَيّ الكافر و ميّته اتّجهت المؤاخذة عليه.

لكن في المعالم (1) إنكار عموم أدلّة العفو لما نحن فيه.

فيقال عليه: إنّ موقوف (2) أبي بصير صريح فيه؛ لاشتماله على النكرة و الاستثناء.

و دعوی انصرافه إلى غير هذا الفرد من المتعارف غيرُ مسموعة منه، و إلَّا لسرى المنع في غير المأكول مطلقاً؛ لعدم تعارفه، أو يبنى عليه و لو من حيث إنّه جزء من غير مأكول اللّحم، و عموم خبره يقضي بشموله للدّم، و کأنّه الأوفق بالنظر، لكن الوالد (طاب ثراه) في أنواره استوجه عموم العفو؛ لإجماع الحلّي، و لترك البيان في أخبار العفو، مع سَؤقها لبيان حكم الدّم، و مع توفّر الدّواعي فيقدّم على العموم الآخر؛ لقوّته سنداً و دلالةً، و الثاني من جهة أنّ أكثر نصوصه واردة مَوْرِد الفضلات من بول و خرء فلا تشمل الدّم، و ينصرف إليها غيرها و إن تضاعفت النجاسة، بحيث تثبت للدم حكماً آخر ممنوع، و إلَّا لبانَ في التطهير.

قال: و بهذا يمكن القول بالعفو عن دم ما لا يؤكل لحمه مطلقاً سيما لو كان طاهراً (3)، انتهى.

و هو محلّ تأمل؛ للتباين الجزئي بين العامّين، و مورد التعارض دَم ما لا يؤكل لحمه مطلقاً، أو نجس العين منه، و المرجع عمومات وجوب الإزالة، فيوجب القول بعدم العفو إلَّا أن يدعي رحمه الله أنّ موقوف أبي بصير و غيره حاكم على الأدلّة المثبتة للأحكام في الدّم

ص: 379


1- المحقق الشيخ حسن، معالم الدين (قسم الفقه): 1/ 200.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 275 ح745.
3- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 415.

من حيثيّة النجاسة، أو كونه من غير مأكول اللّحم، فتخصّص تلك العمومات من سائر الحيثيّات، و عليه إثبات ظهور ذلك منه .

(و) الحاصل: (العفو عن هذا المقدار)، و هو ما دون الدّرهم (مع اجتماعه) في أیّ (موضع) كان من الثوب و البدن موضع (وفاق) منّا و من أكثر أهل العلم كما في منتهى الفاضل (1) و منا في الانتصار (2) و الخلاف (3) و الغنية (4) و غيرها (5)، و في رواية الجُعفي عن الباقر علیه السلام التصريح بذلك (6) ، لكن في الغنية: و دم الحيض و الاستحاضة و النفاس نجس بلا خلاف، كذا الدّم المسفوح من غير هذه الدّماء، إلّا أنّه يجوز الصلاة في ثوبٍ أصابه من دم القروح و الجروح ما نقص مقداره عن سعة الدّرهم الوافي المضروب من درهم و ثُلث مع الاختيار و رفع الحرج، انتهى. و هو ظاهر في أنّ العفو عن هذا المقدار في خصوص الدّمين، و يحتمل أنه أراد المثال، و على الأوّل لا يضرّ خلافه.

(و) أمّا العفو عنه (مع تفرّقه) ففيه (أقوال) ثالثها و (أجودها إلحاقه بالمجتمع)؛ لأنه أسْلَم في الخروج عن عُهْدَة التكليف، و لإجمال الخبرين فلا يصلحان لتقييد ما قضى بوجوب الإزالة؛ إذ لو لم نعتبر الاجتماع في المتفرّق لجازت الصلاة في الثوب المستوعب دماً مع تفرّقه نقطاً، و المقطوع به خلافه، و لو قصرناه على غير المتفاحش كان تحكّماً في الحكم عارياً عن الدليل، و لو أخذنا بالأجود استدرك لفظ (مجتمعاً) فيها؛ إذ بقوله علیه السلام : «ما لم يكن مجتمعاً قدر الدّرهم (7). و قوله علیه السلام: «إلَّا أن يكون مقدار الدّرهم مجتمعاً» (8)، يدور الحكم مَدار

ص: 380


1- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 143.
2- السيد المرتضى، الانتصار: 93.
3- الطوسي، الخلاف: 1/ 477.
4- ابن زهرة، غنية النزوع: 41.
5- الشهيد الأول، البيان: 102.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 256/1 ح743.
7- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 256 ح742.
8- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 255 ح740.

الدّرهم على الأجود، فالعبرة بمقدار الدّرهم متّصلاً و منفصلاً، متفرّقاً و مجتمعاً، و عليه لا يترتّب على ذكر الاجتماع فائدة إن لم يكن في ذكره نقص؛ لإيهام غير الأجود منه، فلو قال علیه السلام: (مقدار الدرهم) مقتصراً عليه أفاد المعنى الذي قصد من التقدير فلم يبقَ بعد إجمالها دليل للخصم معتمد، لكن المحَقَّق من أظهريّته المحقِّق في الشّرائع (1) و إفتائه في النافع (2) عدم اعتبار الاجتماع في المتفرّق، و لعلّ ما في المعتبر (3) هو مذهبه في النافع مع إلغاء قيد التفاحش الفاقد للبرهان؛ لأنه شرحه، و لأنّ قوله لنا بعد نقله قول سلّار لا يورث الجزم بميله للمنسوب إليه بعد صفحه عنه في كتابيه، و لأنّ عبارة النهاية غير صريحة بذلك فلا موافق له من الأصحاب، فالجزم بإسناد ذلك للمحقّق خلاف الحزم، ففي النهاية: و إن كان دم رعاف أو فصد أو غيرهما، أو كان دون مقدار الدّرهم مجتمعاً في مكان، فإنّه لا يجب إزالته إلَّا أن يتفاحش أو يكثر (4)، انتهى.

و مراده بالأخيرين هو الزيادة على المقدّر ممّا عُفي عنه، لكن العلّامة في المختلف (5) حمله على اعتبار التفاحش في المتفرّق دون ما زاد على الدّرهم منه إذا لم يكثر، و لعله أعرف بقصده منّا، فإذا لغا نسبة التفاحش إليهما قلّت الفائدة في فهم معناه، و بقي غير الأحوط من قول الشيخ رحمه الله (6) الذي بنى عليه المحقّق جازماً به، فجنح معتبره لإثباته إلى رواية ابن أبي يعفور، قال: و الرّواية صحيحة سليمة عن المعارض، و لأنّ الوجه المقتضي للعفو عن يسير الدّم مقتضٍ للعفو عنه هنا (7)، انتهى.

ص: 381


1- المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 1/ 49.
2- المحقق الحلي، المختصر النافع: 18.
3- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 430.
4- الطوسي، النهاية: 51.
5- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 477.
6- المحقق الحلي النهاية و نكتها: 1/ 270، المبسوط: 1/ 35.
7- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 431.

فتحكم على أدلّة وجوب إزالة الدّم، و أضاف غيره (1) إلى هذه الرّواية مرسلة جميل بن درّاج عن الباقر علیه السلام (2)، وردّ مع استدراك قيد الإجماع فيهما أنّه يتمّ على أن يكون (مجتمعاً) خبراً بعد خبر لناقص الفعل مع ظهور الحاليّة فيه من الضمير محقّقة أو مقدّرة سبيل (مررتُ برجل معه صقر صائداً به غداً)، فالمعنى: إلّا أن يكون حال كونه مجتمعاً؛ أي على تقدير الاجتماع مقدار الدّرهم فيفيد اعتباره في المتفرّق أيضاً، و هو الأنسب بالسؤال؛ لأنه عن الدّم المتفرّق نقطة نقطة.

و من المعلوم أنّه ليس فيه مقدار الدّرهم، فيُجيب الإمام علیه السلام بأنّ النقطة التي تزيد على الدّرهم في المتفرّق لا يعفى عنها.

و عيّن في الرّياض الخبريّة فيهما بعد تساوي الحاليّة المحقّقة و الخبرية في المفاد، قال: لظهور اتّحاد زمانَي الاجتماع و الكَون بقدر الدّرهم، مع أن تغايرهما شرط في المقدّرة اتّفاقاً، و لا متناع المحقّقة في النقط المفروضة في الرواية (3)، انتهى. و مراده ما ذكرنا من الأنسب.

و نُوقِشَ بأنّ التقدير هنا لغوي لا اصطلاحيّ، فيثبت و إن كانت الحال محقّقة.

و محصّله: التصرّف في مادّة الاجتماع بحملها على الفرض التقديري دون الفعليّ، و لمّا استشعر المناقش أنّ حمله على خلاف الأصل نَصَبَ له قَرينَة بأنّ مورد الكلام نقط الدّم، و لا يقدر فيها الاجتماع إلَّا فرضاً.

و الكلامان عَريّان عن المتانة؛ فإنّ النقط بعد أن كانت قرينة على عدم الحاليّة بهذا التقريب فكذلك الخبرية؛ لأنّ الخبر حالّ في المعنى، و متى صلح رجوع الضمير إلى النّقط قرينة على التّصرف في مادّة الاجتماع لم يفرق الحال بين كونه حالاً أو خبراً مع مخالفة التقدير للظاهر.

و الحاصل: متى رجع الضمير إلى النقط و شبه النضح من الدّم فيهما لا مَحيص عن

ص: 382


1- حكاه في مختلف الشيعة: 1/ 480، منتهى المطلب: 3/ 251.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 256 ح742.
3- الطباطبائي، رياض المسائل: 2/ 378.

التقدير على الحاليّة أو الخبريّة، و لو رجع إلى الدّم لزم ما ذكرناه أوّلاً، فأبهَم الأمر و أجمل الخبر فيحكّم الأصل.

و قول المعتبر (1) في اقتضاء العفو عنه لاشتراكه مع دليل المجتمع غير معتبر و إن قيل إنّه الأشهر بعد وَهْن مَدركه ، فقصر العفو على ما دون الدّرهم مطلقاً أسلَم، (و) حينئذٍ (يكفي في الزائد) عمّا دون الدّرهم (المعفوّ عنه إزالة الزائد خاصّةً)، و لو زال بنفسه كفى في المجتمع و المتفرّق.

و ظاهره تَمشّي الحُكم فيما لو بلغ درهماً بلا زيادة؛ لتعليق العفو على ما هو دونه و عدم وجوب الإزالة في الأدون مطلقاً و لو زاد عن الحمّصة و إن كان معفوّاً عنه، و هو الأقوى فيهما، خلافاً للصدّوق (2) في وجوب إزالة الزائد عن الحمّصة لرواية متروكة تقدّم ذكرها، و لسلّار (3) و العماني (4) و إن عبّر بسعة الدّينار، و لعَلَم الهُدى كما نسبه الفاضل في البالغ من دون زيادة (5)، و ظاهر الفاضلين في النافع (6) و التذكرة (7) و التردّد لجعلهما الإزالة أحوط، و العلّامة لم يتعرّض في القواعد له، قال: و الأقرب في المتفرّق الإزالة إن بلغه لو جمع؛ لإمكان رجوع ضمير البلوغ للدّرهم (8).

و لم نعثر على مصرّح بالعفو عن مقداره أو محتمل منه ذلك غيرهم، و الذي عثرنا عليه من كلام السّيد التصريح بعدم العفو قال: و ممّا [تفرّدت] (9) به الإماميّة القول بأنّ الدّم الذي

ص: 383


1- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 399.
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 72 ح165.
3- سلّار، المراسم العلوية: 55.
4- حكاه عنه في المعتبر: 1/ 430.
5- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 74.
6- المحقق الحلي، المختصر النافع: 18.
7- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 74.
8- العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 1/ 193.
9- في المصدر: (انفردت).

ليس بدم حيض يجوز الصلاة في ثوب أو بدن أصابه منه ما ينقص مقداره عن سعة الدّرهم الوافي (1)، انتهى.

فينحصر الخلاف بسلّار، لكن لا ثمرة عمليّة لإطالة الكلام في هذا الاختلاف، و تحقيق ذلک من جهة اختلاف مقدار الدّرهم، فلا جرم أن يؤخذ بالاحتياط، و لا يحرز الخروج عن عهدة التكليف في الإزالة و صحّة الصلاة إلَّا فيما دون الدّرهم بجميع محتملاته، بل هو العلّة في تعليق الحكم على ما دون الدرهم، مضافاً إلى ظهور بعض الأخبار بذلك كصحيح ابن أبي يعفور و مُرْسَل جميع و أوّل مفهُومَي خبر الجعفي من حيث تعليق الحكم على الناقص عن الدّرهم في قوله علیه السلام: «إن كان أقلّ من درهم فلا يعيد الصلاة» (2). و كذا الرضوي (3)، و المروي عن كتاب عليّ بن جعفر من الأمر بالغسل إذا كان الدّم بقدر الدينار (4)، الذي صرّح بمساواته للدرهم، فكان الحكم لا غبار عليه.

لكن شيخ الجواهر بعد أن اختار عدم العفو هنا و منع ما يُوهِم دلالته على العفو كَشحَ عن ذلك فأفرط وحكمَ بنعمه (5) أنّ الدّرهم استعمل فيما يزيد عليه تسامحاً؛ لغَلَبَة ذلك جمعاً بين الأخبار و طرد المقالة فادّعى عدم الشهرة و ذكر بعض العبائر تأييداً لمقالته (6)، و هو بعيد عن الصّواب.

أمّا الاستعمال الذي ذكر فليس بمأنوس؛ إذ لا يصحّحه وضع و لا علاقة، و ليس كحملنا للزائد على المساوي فإنّه على ظاهره؛ إذ التعليق على الناقص نصّ في ما هو مناط واقعي، الحكم بخلافه على الزائد، فإنّه طريق إليه غالباً أو دائماً، فاعتبار الأوّل من باب الموضوعيّة، و الثاني من باب الطريقيّة.

ص: 384


1- السيد المرتضى، الانتصار: 93.
2- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 430.
3- الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام: 94.
4- مسائل علي بن جعفر: 173 ح305.
5- كذا في المخطوطة.
6- النجفي، جواهر الكلام: 6/ 112.

و على ذلك يحمل كلام كلّ من ترك حكم المساوي و ذكر الزائد و الناقص حتّى رواية الجعفي، فإنّ عدم التعرّض لحكم الدرهم لا وجه له سوى انسداد باب العلم به إلَّا بذكر الزيادة، فهي مُقدّمة عِلميّة ليست معتبرة في الحكم، و أيضاً فالخبر اشتمل على تعليق العفو على ما نقص عن الدّرهم و تعليق عدمه على ما زاد، و الأخذ بعموم مفهوم الثاني أَوْلى؛ لقصر الأوّل على خصوص الناقص، فيندرج غير الناقص مطلقاً في الثاني و يكون ذكر الأكثر؛ لأنه أظهر الأفراد.

و على ذلك خرّجنا جملة من الأحكام في غير واحد من الأخبار كقوله علیه السلام: «مَنْ أخفتَ في ما يُجْهَر، أو جَهَرَ في ما أُخفت إن كان عامداً أعاد، و إن كان ناسياً أو جاهلاً صحّت صلاته» (1).

فإنّ صورة الإخلال الاضطراري داخلة في مفهوم الأوّل، بل قيلَ (2): إنّ الدّرهم داخل في الأكثر منه مطابقةً أو استعمالاً شائعاً كما في قوله تعالى: (فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوۡقَ ٱثۡنَتَيۡنِ) (3)، و الخبر: «لا تُصلِّي المرأة حتّى تجعل بينها و بين الرَّجُل أكثر من عشرة أذرع» (4)؛ لأنّ الاثنين و العشرة يعمّهما الحكم و إن كنّا لا نرتضيه؛ لفَقْد المطابقة قطعاً، و لأنّ هذا النحو من الاستعمال لا يُصار إليه إلَّا بتنصيص أهل اللّسان، و حُكمُ الاثنين في الآية حيث كان مستفاداً من غيرها حسن النّص على حكم الزائد، و اعتبارُ الزيادة في خبر العشرة مقدّمة للعلم بها لا للرخّصة، فيعود لما ذكرنا. فالرواية إن لم يظهر منها حكم المساوي فهي إمّا مُجْمَلَة؛ لأجل تعارض المَفهومين، أو مُهْمَلَة ساكتة عن هذا الحكم؛ لندرته.

ص: 385


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 2/ 162 ح635، و نصُّ الحديث: «روى حريز عن زرارة عن أبي جعفر في رجل جهر في ما لا ينبغي الاجهار فيه أو أخفى في ما لا ينبغي الاخفاء فيه فقال: أي ذلك فعل متعمداً فقد نقض صلاته و عليه الإعادة، و إنْ فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شيء عليه و قد تمت صلاته».
2- ينظر المحقق الكركي، جامع المقاصد: 9/ 318.
3- سورة النساء: 11.
4- الطوسي، الاستبصار: 1/ 399 ح 1526.

نعم، قد يستفاد ذلك من قوله علیه السلام في حسنة محمّد بن مسلم: «و لا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدّرهم، و ما كان أقلّ من ذلك فليس بشيء... إلخ» (1) من غير زيادة الكافي (2) و الفقيه (3)، أو معها على رواية الصدوق، لفقد التفاوت.

و فيه: - مع الإغضاء عن عدم العموم لعلّة ندرة الفرد المفروض - إنّ الصحيح و المرسل يخصبصانه جمعاً، و حملُ الأمر فيهما بالغسل و الإعادة على الاستحباب لا معنى له و إن كان من المجازات الواضحة؛ لأنّ التخصيص أوضح من حيث ندرة الفرد خارجاً أو ذهناً، ثمّ رواية الدّينار كالصريحة في الوجوب فتعاضدهما، و مقتضى المقابلة بين غسل النقط و غسل ما زاد في الصحيح يوجب حمل الأمر الثاني على الوجوب لا على تأكّد الاستحباب.

و أمّا ما ذكره من عبارات البعض فهي على خلافه أدلّ، ففي الخلاف بعد قوله: فإنْ بلغ مقدار الدرهم فصاعداً وجب إزالته، و لا يجب في الأقلّ. و بعد ردّه جملة المدّعين خلاف ذلك، قال: و لا يلزمنا مثل ذلك في مقدار الدّرهم في الدّم للإجماع... إلخ (4).

و مراده صريحاً في قوله: (مقدار الدّرهم) هو المقدار المضاف إلى الدّرهم، أي المشخّص به؛ إذ بدونه لا يُعرَف ذلك المقدار، فالإضافة بمعنى (في).

و يدلّ عليه بلا شبهة ظهور (في) في ذيل العبارة، قال: و من راعى مقداراً فعليه الدلالة، و نحن لمّا راعينا مقداراً في الدّرهم فلإجماع الفرقة (5)، انتهى.

فنحنُ بوادٍ و العَذول بوادٍ، و على نحوها باقي العبائر، فهي ظاهرة إن لم تكن صريحة في خلاف مدّعاه، و بالمراجعة يظهر الأمر.

ص: 386


1- الطوسي، الاستبصار: 1/ 175 ح609.
2- الكليني، الكافي: 3/ 359.
3- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 249 ح757.
4- الطوسي، الخلاف: 1/ 477، و نصّ عبارته: (فإنْ بلغَ مقدار الدرهم، و هو المضروب من درهم و ثلث فصاعداً وجب إزالته، و إن كان أقل من ذلك لم يجب ذلك فيه).
5- الطوسي، الخلاف: 1/ 478.

(و) كما يعتبر انضمام المتفرِّق بعضه لبعض و ملاحظة المقدار بعده كذلك (الثوب و البدن) المعفو عمّا بلغ المقدار فيهما لا بدّ أن (يضمّ بعضهما إلى بعض) لو حصل المتفرِّق فيهما، فإذا زاد على المقدار في أحدهما أو مع الانضمام فلا عفو، و لا يكفي عدم بلوغ المقدار في أحدهما مجتمعاً أو متفرِّقاً إذا زاد بانضمامه للآخر، (على أصحّ القولين) فيهما و في ضَمّ الثياب بعضها إلى بعض و أجزاء البدن أو الثوب كذلك لعين ما ذكرناه في المتفرِّق، و بروضه (1) الضَمّ معتبر في الأخير دون البدن و غير الأصحّ عدم اعتبار الضمّ مطلقاً، و هو مذهب المهذّب (2).

و وجهه إنّ الأخبار بلفظ (الثوب)، و هو مفرد، فيقصر الحكم على كلّ واحد واحد و إن حكمنا بضمّ المتفرّق من النقط؛ لعدم الملازمة، لكن ظاهر الثوب في الأخبار على معنى الجمع و إن لم يدخل البدن فيه، فالضّم أحوط فيها و فيه.

(و) أمّا لو (أصاب الدّم وَجْهَي الثوب) دارَ الحكم وجوداً و عدماً على تفشّيه؛ (فإن تفشّى من جانب إلى آخر فواحد) يعتبر بلوغ المقدار فيه و عدمه من أيّ الجانبين (و إلّا) بأن لم يتفشّ مع إصابة الوجهين، (فاثنان) في الرقيق و الصفيق، فيجري الحكم في كلّ واحد، و في المجتمع منهما.

(و اعتبر المصنّف) عند قوله (في الذكرى): لو تفشّى الدّم فواحد إن رقّ الثوب و إلَّا تعدّد (3). أنّه يشترط في الوحدة مع التفشّي رقّة الثوب) كما في البيان (4) أيضاً.

و نصَّ الفاضل في غير النهاية على الوحدة مع الصفاقة، و بها أطلقه (5)، و الظاهر أنّ المتفشّي واحد مطلقاً، و غيره اثنان مطلقاً و إن اتّصلا.

ص: 387


1- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 444.
2- ابن البراج، المهذب: 1/ 233.
3- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 138.
4- الشهيد الأول، البيان: 38.
5- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 74.

و يظهر من الفاضل أنّ الاتّصال سببٌ للوحدة (1)، و ذو البطانة ثوبان، فإن كان هو مراد الذكرى فلا شبهة في الاثنينيّة مطلقاً، و إلَّا فلا شاهد له.

و الشارح أطلق هنا، و بغيره (2) صرّح بأنّ ذا البطانة متعدِّدٌ فيضمّ ما في أحدهما إلى الآخر، و إن كان بالتفشّي فيحمل عليه إطلاقه، و هو الأسْلَم، هذا حكم منفرد الدّم.

(و) أمّا (لو أصابه) وهو دون الدّرهم (مائع طاهر) أو متنجّس به من غير موضع الإصابة، أو أصابه مائع خارجاً ثمّ أصاب الثوب و البدن ذلك المائع؛ (ففي بقاء العفو [عنه] (3) و عدمه قولان) للفاضل و (للمصنّف) من بقاء العفو كما (في الذكرى (4)) و أَحَد احتمالَي النّهاية (5)؛ لأنّ المتنجّس بالشيء لا يزيد عليه، (و) عدمه في (البيان) (6) و المنتهى (7)؛ لدوران الحكم مَدار الاسم، و العفو تعلّق بالدّم.

و عند الشارح في الثلاثة (أجودهما الأوّل) في إصابة المائع للموجود في الثوب أو البدن الذي لم يبلغ المقدار و عدم زيادتهما على القَدْر المعفوّ عنه، و لعلّه فرض الشارح هنا.

و أمّا لو أصاب المائع دماً خارجياً ثمّ أصاب الثوب ينعكس الأجود و إن سرى فيه التعليل بعدم زيادة الفرع على أصله، فإنّ المائع المفروض ليس من الدّم الذي علّق عليه الحكم.

و أمّا الفرض الأوّل فيستصحب العفو عنه، و حال المائع حينئذٍ حال القَيْح في دَم الجروح و القروح، فينسحب الحكم حتّى لما أصاب الدّمين السابقين في المحلّ، بخلاف غيره؛

ص: 388


1- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 377.
2- الشهيد الثاني، روض الجنان: 2/ 554.
3- إضافة من المصدر.
4- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 138.
5- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 377.
6- الشهيد الأول، البيان: 38.
7- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 255.

لعدم صدق الدّم، و لا عفو عن غيره.

لكن في قوله: (نعم يعتبر التقدير بهما)، كأنّه إشارة إلى تساوي الفرضين في بقاء الحكم، فإنّ ضمير التثنية راجع للدّم و المائع المتنجّس به إذا تعدّى عن موضع الدّم فيلاحظ المقدار فيه منفرداً أو منضمّاً، و عليه فيسري الحكم فيما لاقاه أيضاً و هكذا، و الأقوى وفاقاً لأحَد قَوْلَي الفاضل و صريح المهذّب (1) العدم بلغ المقدار أم لا؛ لأنها نجاسة خارجة عن نجاسة الدّم يجب إزالتها، و أمّا لو جامع الدّم نجاسة أُخرى فالمشهور عدم العفو مطلقاً، و هو مبنيّ على تزايد النجاسة بملاقاة مثلها، و قد أنكره بعضهم (2).

و تحقيقه: إنّ تأثير الزائد فيما هو من أحكام جنس النجاسة مثل وجوب الإزالة ممنوع، فإذا كانت النجاسة المُلاقية لا يزيد حكمها على حكم جنس النجاسة و اتّفقت مع الدّم جرى عليه حكم المائع الطاهر إذا اتّفق معه، و لم تؤثِّر تلك النجاسة في العفو شيئاً، و تؤثِّر لو كان لشخصها حكمٌ آخر، كتعدّد الغسل و التعفير؛ إذ لا عفو.

(و بقي ممّا يعفى عن نجاسته) غير ما سبق في الصلاة (شيئان): (أحدهما: ثوب المربّية للولد)، (و الثاني: ما لا يتمّ صلاة الرّجل فيه وحده) كالتكة و الجورب و القلنسوة و النعل و الخفّ؛ (لكونه لا يستر عورته (3)) فلا يضرّ تنجّسه.

(و سيأتي حكم الأوّل في لباس المصلِّي)، (و أمّا الثاني فلم يذكره) في الكتاب؛ (لأنه لا يتعلّق ببدن المصلّي) ليذكر في بحث طهارة بدنه من الحَدَث و الخَبَث (و لا ثوبه)، و هو الساتر (الذي هو شرط في الصلاة) فلا داعي لذكره، (مع) أنّ المصنّف هنا عادته (مراعاة الاختصار)، فهذا السبب في تركهما و إن ذكرهما في غيره (4)، و المشهور (5) على العفو فيها و إن

ص: 389


1- ابن البراج، المهذب: 1/ 238.
2- نعمة الله الجزائري، كشف الأسرار: 2/ 232.
3- في المصدر: (عورتيه).
4- الشهيد الأول، البيان: 95، 96.
5- ينظر الطوسي، المبسوط: 1/ 39؛ المحقق الحلي، النهاية و نكتها: 1/ 270، المختصر النافع : 19.

تنجسّت بنجاسة لا يعفى عنها.

و قد نطقت موثّقة زرارة (1) و مرسل ابن سنان (2) و حمّاد بن عثمان (3) به، و يستفاد منها الكلّية في العفو عمّا لا يستر، فلا وجه لمن اقتصر على البعض إلَّا العمامة؛ للنّص (4)، و فيما يستر لو تغيّرت هيئته إشكال، أقربه الجواز في الصغير الملبّد؛ لصدق إنّه لا يستر في حال الصلاة، و عدمه في الطويل العريض الذي يعالج بلفّ ،و مثله ، إلَّا المخيط مطلقاً، فإنّه من الصّغير عرفاً.

و تفصيل الحال: إنّ ما لا يستر، منه ملبوس و منه محمول، و هما بين متنجّس بما يعفى عنه، أو ما لا يعفى عنه كدم الحيض و أخويه (5) و نجس العين، و بين ما منع منه؛ لأنه نجس في ذاته كجلد الميتة مطلقاً، أو لجهة أُخرى كبعضه، و بين ما أمكن إزالته أم لا سواء كان الحمل في البواطن أم لا، و لا شبهة في عدم إطلاق الجواز، بل و لا قائل به و إن أطلق العفو جماعة فيهما، و المتيقّن العفو عن غير الساتر منهما في اللّباس إذا تنجّس بأحد النجاسات غير الدِّماء الثلاثة، و نجسِ العين و إن لم يكن في محلّه كالخلخال في موضع الدملج و بالعكس؛ إذ ليس للمحلّ خصوصيّة فيتبعه الحكم، لا أقلّ من لحوقه بالمحمول، إلَّا المغصوب مطلقاً على ما حققناه في مسألة الاقتضاء، أمّا غير الساتر بشرطه - ملبوساً أو محمولاً - فكأنّه موضع وفاق.

و أمّا المحمول من غير اللباس كالدرهم و المدية، أو من اللباس الساتر عدا ما استثنياه، ففيه خلاف، المنعُ مطلقاً، و عدمه مطلقاً، و التفصيل بين المستثنى من الملابس و غيرها، و التفصيل بين ما لا تتمّ الصلاة فيه مطلقاً و بين غيره، و الأوّل للشيخ (6) و جماعة (7)، و الثاني

ص: 390


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 2/ 357، 358 ح1480.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 275 ح810.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 274 ح807.
4- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 73 ح167.
5- أي: دمُ النفاس و دمُ الاستحاضة.
6- الطوسي، الخلاف: 1/ 503.
7- الطوسي، المبسوط: 1/ 94.

لهما و جماعة (1)، و الثالث للفاضل في النهاية (2)، و الرابع يظهر من المعتبر حيث قال في القارورة المحمولة: إنّه محمول لا تتمّ به للصلاة (3).

استدلّ للأوّل بتنقيح المناط القطعي بين المحمول و الثوب و البدن، و بأنّه صلاة في النجس، و كلّ صلاة في النجس باطلة؛ لأنّ كلّ لصدق الصغرى بمجرّد الحمل عرفاً، و النّهي عن الصلاة في الوبر و الشعر و البول و الخرء ممّا لا يؤكل لحمه دليل عليه أيضاً، كجواز الصلاة في خرقة الحنّا و السّيف و المنديل، و تمام الكبرى بالنّهي في المكاتبة (4) عن الصلاة في الثوب الذي أصابه الخمر و لحم الخنزير لأنه رجس؛ لعموم العلّة في كلّ نجس. و يدفعهما أنّ الأوّل ملحق بالقياس؛ إذ لا دليل على الاتّحاد القطعي، و الثاني بعدم العموم في المحمول.

فلو سلّمناه في كلّ رجس قصرناه على وجه الملابسة دون الحمل؛ لاختصاص المورد به من حيث إصابة هذه الأشياء لثوب المصلِّي أو بدنه، و لو أغضينا عن ذلك و قلنا بالعموم فمرسل ابن سنان مخصِص له؛ لقوله علیه السلام فيه: «إذا كان على الإنسان أو معه ممّا لا يجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس» (5).

فيكون العمل عليه، و يردّ به إطلاق الجواز و التفصيل الأوّل، و يكون المتّجه التفصيل الأخير من جواز حمل النجس غير الملبوس مطلقاً و من الملبوس الذي لا تتمّ الصلاة به؛ أخذاً بمفهوم المرسل الذي هو الميزان حتّى لو كان الميتة، بل هو منصوص فيما يقبل التذكية منها.

و أمّا نجاسة غير مأكول اللّحم مطلقاً، أو ما لم يقبل التذكية، فهو مبنيّ على جواز

ص: 391


1- المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 1/ 45.
2- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 289.
3- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 443.
4- الكليني، الكافي: 3/ 405 ح5.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 275 ح810.

الصلاة فيما لا تتمّ الصلاة به منه و عدمه، و الشيخ جوّز على كراهية (1)، و غيره منع (2)، و قول الشيخ لا يخلو من وجه؛ لأنّ به خبرين (3) يخصّصان ما دلّ على عدم جواز الصلاة في شيء ممّا لا يؤكل لحمه، مع إمكان حمل المكاتبة على الكراهة، لكن الظاهر العدم؛ للتصريح بالمنع في محموله، فكيف بملبوسه؛ و لذا مالَ أو جزم به جملة من المحقّقين (4)، و يأتي له بيان.

فإذا منعنا من جواز الصلاة به ملبوساً أو محمولاً مطلقاً يلزمنا المنع من الصلاة بنجاسته مطلقاً. و منه يظهر أنّه لا عبرة بالغلظة و عدمها.

و الكلامُ في العظم المجبّر به، و الخيط النجس الذي خِيْطَ به الجرح، و الدّم الداخلي و النجس المشروب من خمر و غيره (5)، مثلُ الكلام في النجس المحمول الذي يمكن إلقاؤه و ما لا يمكن من إزالته منها، يلحق بالبواطن ولكن الاحتياط في الجميع لا يُترَك إلَّا ما صدّرنا من متيقّن العفو عنه.

نعم، في الخمر و المغصوب من المأكول جهةٌ أُخرى للمنع من الصلاة تبتني على مسألة الضّد مع سعة الوقت.

ص: 392


1- الطوسي، الخلاف: 1/ 488.
2- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 172؛ البحراني، الحدائق الناضرة: 5/ 24.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 422 ح1338.
4- ينظر البهبهاني، مصابيح الظلام: 4/ 430.
5- كالفقاع و العصير إذا غلى.

[كيفية غسل الثوب]

(و يغسل الثوب) و ما بحكمه من اللّباس غيره (مرّتين بينهما عصر) أو ما يفيد مفاده من اللّي و التغميز و غيرهما، (و هو كبس الثوب بالمعتاد) في كيفيته من: كبسَ رأسَه في الثوب أي: أدخَلَه، فالمراد به إدخال بعضه في بعض؛ (لإخراج الماء المغسول به)، فلو خرج بلا عصر سقط الكبس، إشارة إلى نفي التعبّديّة بالعصر، و مجرورا الباء و اللّام صالحان للتعليق بالعصر أو الكبس أو أحدهما بأحدهما، فترتفع الصّور لست، على بعضها لا وجه لمقالة الشّارح.

(و كذا يعتبر العصر بعدهما) (و) أنّه (لا وجه لتركه) من الماتن بعد اعتباره له بينهما، فإنّ وجوب العصر إمّا تعبّديّ، و إمّا لأنه داخل في مفهوم الغسل وضعاً أو انصرافاً، و إمّا لإخراج الماء المغسول به من حيث انفعاله بملاقاة النجاسة فلا ينفعل به الوارد؛ فإن كان الأوّل [ف] لا دليل في قصره على توسّطه، و على الثاني يغني الغسل عن ذكره، فإن ذكر فليكن في الاثنين، و على الثالث الذي يلوح من الشارح أيضاً يقتضي أن يكون بعد الأخيرة.

و لذا قيل عليه (1): إنّ التعدّد حينئذٍ لا معنى له؛ إذ بعد فرض وجوبه لإخراج ما تخلّف ماء الغسلة الأُولى؛ لجهة نجاسته، يقتضي الاكتفاء بالعصر الواحد إذا تعقّب الغسلتين؛ لحصول المقصود.

و يدفعه عدم صدق الثانية بدونه عنده إمّا لدخوله في الغسل و إلَّا كان صَبّاً، أو لاعتبار نقاء المحلّ تعبّداً، فيساوي العصر الجفاف بينهما و غيره ممّا يخرج به ذلك الماء.

و صريح الرّوض (2) أنّ العصر معتبر لأجل إخراج ماء الغسالة و أجزاء النّجاسة معاً، أو لبقاء أثر النجاسة و حكمها بعد العصر الأوّلي فلا بدّ من عصر ثانٍ لرفع الأثر.

و نحنُ نقول: إنّ المصنّف اعتبر العصر المتوسّط لإخراج أجزاء النجاسة و إن بقيَ الأثر، فهو من النافين لاعتبار العصر مطلقاً، و يُومئ إلى ذلك تعليله في غيره (3) لإيجاب الغسلتين

ص: 393


1- ينظر الشهيد الأول، غاية المرام: 1/ 577.
2- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 446.
3- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 123.

بأنّ أحدهما للإزالة و الأُخرى للتّطهير، أراد بالإزالة إزالة العين دون الأثر، فإذا لم يتوقّف حصول التطهير من النجاسة الحكميّة على العصر ارتفع اعتباره مطلقاً، و حمل اشتراطه له هنا و في سائر كتبه من جهة حصول إزالة العين به، و لا شبهة بأنّ إزالة عين النجاسة مطلوبة عند التطهير، فيجب كلّما تتوقّف عليه.

و لمّا كان العصر أحد المزيلات و الفرد الظاهر منها صرّح به و إن كفى غيره لو حصلت إزالة العين به، و لعلّ الفاضل يظهر منه ذلك؛ لأنه اعتبر الدّلك في غسل الجسد (1)، فإنّ اعتباره إذا كان لتوقّف التطهير عليه بعد زوال العين خالف الإجماع (2)، و إن أسند إليه الشارح بروضه أنّ أثر النجاسة لا يزول إلَّا بعد الانفصال، و فرّع عليه أنّه لما جفّ الماء على المحلّ و لم ينفصل لم يطهر، فلعلّه أخذه من ظاهر كلماته، و المُعْتَمَد ما حرّرنا.

و الوجه للمصنّف حينئذٍ تركه و اشتبه في الجماليّة (3) في أحد محامل ترك العصر - للمصنّف - الثاني، فبناه على القول بطهارة الغسلة الثانية عنده، قال: أو على الثالث (4)، مع عدم قوله هنا بنجاسة الغسالة في المرّة الثانية، انتهى.

فكأنّه جعل «بعدهما» مكان «قبلهما» في غسالة المصنّف، لا هفا قلمُنا إن شاء الله تعالى.

رجعنا إلى تحقيق اعتبار العصر و عدمه، و المشهور اعتباره، بل نقل الإجماع عليه (5)، لكن اختلف رأي المعتبر له، ففي المعتبر (6) و المنتهى (7) و لواحقهم أن الغسل يتضمّن العصر

ص: 394


1- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 2/ 495.
2- ينظر العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 3/ 332؛ فخر المحققين، إيضاح الفوائد: 4/ 159.
3- مخطوط سبقت الإشارة إليه.
4- الشهيد الثاني، المقاصد العلية: 162.
5- الفاضل الهندي، كشف اللثام: 1/ 247.
6- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 91.
7- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 267.

و يقابل الصّب، فهو داخل في مفهومه، و ربّما فهم من تهذيب الشيخ (1) و خلافه (2)؛ ففي الأوّل بعد رواية السّكوني في لبن الجارية و بولها قال: ما تضمّن هذا الخبر أنّ بول الصّبي لا يغسل منه الثوب قبل أن يُطْعَم، معناه أنّه يكفي أن يصبّ عليه الماء و إن لم يُعصَر، انتهى.

و في الثاني قال: و إذا أصاب الثوب نجاسة، أو الإناء، فصبّ عليهما الماء و لا يُغسَل و لا يُعصَر، هل يطهر الثوب و الإناء؟ لأصحابنا فيه [روايتان] (3) أحدهما يطهر، [و الأُخرى] لا بدّ من غسله، [و كذلك] الإناء.

ثمّ قال: و الذي قدّمناه من خبر عمّار يدلّ على وجوب الغسل و الدّلك (4)، انتهى.

فأطلق الغسل على العصر.

و في البحار (5) أنّ الأكثر يفهم ذلك من لفظ الغسل، و بعض حكم بتعديته؛ لوروده في بعض النصوص، و حمل عليه كلام من اكتفى بالعصر الواحد مثل الصّدوق (6) و الحديثين (7) و الفقه الرّضوي (8)، بل و نسب إلى ظاهر الأكثر (9).

و أكثر المتأخِّرين (10) اعتبروه لتوقّف إزالة النجاسة أو المتنجّس من الماء عليه، و هُم بين موجب للتعدّد، و بين مكتفٍ بالوحدة فيه كالمصنّف (11) و الشارح، و مقابلهم القول بنفي

ص: 395


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 250 ح718.
2- الطوسي، الخلاف: 1/ 485.
3- أثبتناها و ما بعدها من المصدر.
4- الطوسي، الخلاف: 1/ 183.
5- المجلسي، بحار الأنوار: 80/ 129.
6- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 68 ح156.
7- الصدوق، الهداية: 14؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 250 ح717.
8- الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام: 95.
9- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 435.
10- المحقق النراقي، مستند الشيعة: 1/ 266.
11- الشهيد الأول، البيان: 40، الدروس: 1/ 124.

اعتباره مطلقاً بعد استيلاء المطهّر.

و يفترق الأخيران بالمشكوك في نفوذ أجزاء النجاسة أو ماء الغسالة فيه قبل العصر؛ القطع الاستصحاب في الغسل المعتبر شرعاً على الأخير، فيكون طاهراً و نجساً من حيث توقّف يقين الإزالة المطلوبة شرعاً فيستصحب بقاء النّجاسة حتّى يعصر أو يعلم زوالها على الثالث، و لو جرى الاستصحاب فيهما انتفى الفرق؛ و لأجله ألحقنا المصنّف بالنافين، لاعتباره مطلقاً.

حجّة الأوّل مقابلته بالصّب في جملة من النصوص (1) و جماعة (2) كلمات تنزّل منزلتها إذا أعوزت، و المقابلة تقتضي الزيادة و ما هو إلَّا العصر، مؤيّداً ذلك بمركوزيّته في الأذهان؛ فهو إمّا موضوع له، أو منصرف إليه، أو مراد منه و لو بقرينة تعارف العصر بعد غسل الثياب، بل انحصار غسل البدن بالصبّ، و إطلاق الغسل على الثياب أوضح شاهد على اعتباره في مفهومه بأيّ نحوٍ يكون.

و يدفعها: أنّ المقابلة أعمّ من ذلك و لصحّة استعمال الغسل في ما لا يعتبر فيه العصر جزماً كما ورد أنّ: «الوضوء غسلتان» (3) و كالغسل بالكثير، و لإطلاق (4) الصبّ على ما يغسل فى كثير منالمقامات.

و الحاصل: نفس المقابلة لا تصلح لأخذ العصر في مفهوم الغسل شرعاً، و لا نصّ به من أهل اللّغة، و لما عطف العصر عليه في خبر الدّعائم (5) و في كلمات الفقهاء (6)؛ فإنّ العطف قاضٍ بالمغايرة ألبتّة، فالأخرى أنّهما بمعنى إذا افترقا اجتمعا و إذا اجتمعا افترقا، و تعيين

ص: 396


1- الكليني، الكافي: 3/ 56 ح6.
2- النجفي، جواهر الكلام: 6/ 138.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 63 ح176.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 249 ح715.
5- القاضي النعمان، دعائم الإسلام: 1/ 117.
6- ينظر: الفاضل الهندي، كشف اللثام: 1/ 474؛ النجفي، جواهر الكلام: 6/ 139.

الفارق موكول إلى ما يقتضيه المقام.

و حجّة الثاني ثبوته من الأخبار، فإنّها بين مصرّح باعتباره بلفظ العصر، و بين ما هو مفهوم من حيث مقابلته بالصّب أو بقرينة أُخرى، فيكون تعبّدياً، و يقتصر على الأقلّ و هو المرّة؛ أخذاً بإطلاق الغسل في الأكثر .

و فيه: إنّ الإطلاق إن قيّده مجرّد اعتباره فلا معنى لقصره على الفرديّة؛ إذ ليس في الأخبار تصريح بفرديّته، فإذا قضى بتعدّده غيرُها لا يعارضه أخبار اعتباره مطلقاً، مع أنّا لم نظفر بخبر يدلّ عليه صريحاً إِلَّا الحَسن للحسين بن أبي العلاء (1) و خبر الدعائم، و فيهما بحث من حيث السند و الدّلالة، بل و الظهور بأنّ ذلك لإزالة أجزاء النجاسة أو أثرها، فأين التعبّد به! و لا أظنّ أنّ أحداً من المعتبرين ادّعاه، و إنّما أخذ بالفحوى فجعله المتأخّرون قولاً، مع أنّ أصرحها الحَسن، و هو بعد عدمه حمل الأمر فيه على الاستحباب بقرينة قوله علیه السلام: «قليلاً»، فيحمل الصّبي على الرّضيع أنه فيه إشعار واضح للحمل من حيث الاكتفاء بالمرّة في البول الواجب فيه تعدّد الغسل، فلا شاهد فيه و لا في فقه الرضا علیه السلام الذي لم يعوّل عليه في مقام.

و حجّة الثالث إمّا على وجوب العصر في الجملة بأنّ الغرض شرعاً أو عرفاً من الغسل إزالة الأثر المقصود كائناً ما كان، فقد يحصل بمجرّد إجراء الماء، و قد يحتاج إلى شيء آخر من عصر أو دلك، و زوال النجاسة الحكميّة بمجرّد إجراء الماء غير معلوم عندنا، فيستصحب بقاؤها إلى العصر الذي ما اعتبر فوقه شيء في زوال النجاسة.

و فيه: إنّ زوال الوسخ مأخوذ في مفهوم الغسل أوّل الدّعوى، و على فرض تساوي الأوساخ العرفيّة مع النجاسة الشرعيّة فهي ممّا تختلف و تتفاوت، فيزول بعضها بمرور الماء عليه، و قد يحتاج بعضها إلى علاج غيره من كبس أو رافع آخر من صابون و نحوه، و لا ندري أنّ النجاسة الشرعيّة من أيّهما، فلو احتاجت القذارة الشرعيّة إلى أزيد من غَلَبَة الماء أو إلى شيء آخر زائد على صدق الغسل لوجب بيانه في أوامر الغسل، و لكان تركه قبيحاً.

و استدلّ أيضاً بتوقّف إخراج ماء الغسالة - على القول بالنجاسة - عليه و على ما كان

ص: 397


1- الكليني، الكافي: 3/ 20 ح7.

مثله من الدّق أو اللّي و التغميز و نحوها، إلَّا الجفاف؛ لعدم حصول الغرض من العصر فيه، لا أقلّ من الشك، و معه لا يساوي العصر.

و فيه: مع ابتنائه على أصل فاسد و المقصود إثباته مطلقاً، أنّه رجوع إلى الاستصحاب الذي عرفت الدّغدغة فيه؛ إذ هو عين استدلال الرّوض أنّ النجاسة لا تزول إلَّا بالعصر، فإنّ دعوى عدم زوال الأثر المقصود إلَّا بالعصر كأنّه مصادرة، و لو أراد توقّف زوال عين النجاسة على العصر فهو فاسد في نفسه غير جارٍ في النجاسة الحكميّة، فلا يتمّ بلا ضميمة الاستصحاب، و معه يستغنى عنه.

و إمّا على وجوبه مرّتين بظهور خبر الدّعائم في التعدّد، و كونه للتطهير لا لإزالة المنيّ.

و فيه: - بعد معارضته بالرّضوي الناطق بالمرّة - أنّه ليس فيه ظهور مُعتَدٌّ به حتّى يقيّد إطلاقات الغسل، و لا يعارضه ما قضى بوحدة العصر مع عدم الجابر؛ لأنّ الحسن قاصر عن إثبات التعدّد لو أثبت أصل العصر كما بيّنا.

و أظنّ أنّ الذي دعاهم إلى التعدّد هو القول بنجاسة الغسالة، فمن يقول بالطهارة مطلقاً أو فى الغسلة المطهّرة لا يلزمه ذلك، و ربّما يوجّه بأنّ العصر ثابت بظهور الحسن فيه، فهو مقيّد لإطلاق الغسل في الثوب مطلقاً، فيتقيّد به ما قضى بالتعدّد؛ لأنّ تعدّد المقيّد يستلزم تعدّد القيد، فمن هذا و من كون الغسل مجملاً مفهوميّاً؛ لجهة احتمال دخول العصر في مفهومه بالقرائن المزبورة، فيصحّ الرّجوع إلى الاستصحاب مع ظهور الحسن و الرضوي و خبر الدّعائم و الإجماع المنقول و الشهرة يحصل الظّن باعتباره، و إن كان مقتضى الحكمة الزّوال بمجرّد استيلاء الماء عليه حتّى لو كان زوال الوسخ داخلاً في مفهومه، لكن اعتباره أَوْلى و أحوط.

نعم، تبعيّته للغسل المتعدّد مع القول بطهارة الغسالة مشكل، إلَّا أن يقال بتوقّف النجاسة الحكميّة عليه، و لعلّ الدّليل لا يأباه.

و تعدّد الغسل (و التثنية) فيه (منصوصة في البول) في عدّة أخبار، كصحيحَتي محمّد بن

ص: 398

مسلم، قال علیه السلام: «اغسله مرّتين» (1)، و قال: «اغسله في المركن (2) مرّتين» (3). و بحسن الحسين ابن أبي العلاء قال: «صبّ عليه الماء مرّتين» (4). و غيرها (5).

(و حمل المصنّف) هنا و بألفيّته (6) (غيره) من النجاسات (عليه) كأنّه (من باب مفهوم الموافقة) المسمّى بفحوى الخطاب؛ (لأنّ غيره) من المَنيّ و غيره (أشدّ نجاسةً) من البول بنصّ الخبر (7) فإذا وجب تكرير الغسل فيه وجبَ في غيره بطريق أَوْلى.

و زاد بذكراه (8) أنّ ظاهر التعليل في قول الصادق علیه السلام في الثوب يصيب البول: «اغسله مرّتين» (9)، الأوّل للإزالة و الثاني للإنقاء، أيضاً يقضي به في غير البول؛ لاشتراك غيره معه في الإنقاء و الإزالة الموجبين للتعدّد، و ضرب الشارح عن ذكره لعدم وقوفه على هذا التعليل في الأربعة و لا في كتب الفقه، فهو من الراوي، أو من المعتبر، أو لأنّ عموم العلّة غير مسلّم في بابه، أو لأنه لا يفيد؛ لتلازم إزالة النجاسة و حصول التطهير، فقوله: للإنقاء، محمول على إرادة التنظيف.

و أمّا فحوى الخطاب فلا يفي بإتمام الحجّة، كيف (و هو ممنوع) لا يثبته خبر الأشدّيّة في المَنيّ، و لا النضح في ملاقاة الكافر و أخويه (10) في اليبس، و لا المقادير المتفاوتة في البئر ليقال إنّ الزائد أشدّ، فإنّ الأشدّيّة إذا كان لها أثر في الشرعيّات فلا ينبغي مساواتها مع الأضعف

ص: 399


1- الكليني، الكافي: 3/ 55 ح1.
2- الاجانة و نحوها لغسل الثياب و سوى ذلك.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 250 ح717.
4- الكليني، الكافي: 3/ 20 ح7.
5- الطوسي، الخلاف: 1/ 184.
6- الشهيد الأول، الألفية و النفلية: 41.
7- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 2/ 179 ح1869.
8- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 124.
9- الكليني، الكافي: 1/ 55 ح1.
10- أي: الكلب و الخنزير.

في الحكم، بل ينبغي فيها الزّيادة و ورد أشدّيّة النجاسة في الكافر على أخويه، و لا يسري حكم الولوغ إليه، بل هذه أحكام جعليّة لأُمور مخفيّة لا تناط بالفحوى و لا بغيره، (بل) نمنع أشدّيّة سائر النجاسات عليه؛ إذ (هي إمّا مساوية) للبول في الحكم من وجوب الإزالة و الاجتناب مطلقاً، (أو أضعف) منه (حكماً) كالدّم.

(و من ثمّ عُفي عن قليل الدّم) في الصلاة (دونه) و إن كان بول رضيع، فأين الأشدّيّة، و التعلّق بالعفو لحصول المشقّة فلا ينافي الأشدّيّة مع اشتراكه في المشقّة البوليّة، و المستثنى منه في العفو لا يبلّ غلّة؛ لأنه حكمة لا علّة، و لو ركنَ المصنّف إلى استصحاب النجاسة إلى القطع بالمزيل لكان له وجه لو لم يكن الإطلاق قاضٍ بكفاية المرّة (فالاكتفاء بالمرّة في غير البول) ممّا فقد النصّ بالتعدّد (أقوى عملاً بإطلاق الأمر) بالغسل الحاصل مسمّاه بها، (و هو اختيار المصنّف في البيان (1) جزماً)، لكنّه طرد الجزم إلَّا في الولوغ، و ظاهر الشارح أنّ الجزم في غير

البول كما ترى.

(و) أمّا (في الذكرى و الدروس (2)) فلم يجزم بالمرّة و لا بعدمها، فكان (بضربٍ من التردّد) من مفهوم الموافقة فالتثنية و من كفاية المرّة في النّصوص، و المحصّل من كلمات العلماء عدم مراعاة العدد مطلقاً إِلَّا الولوغ، و حكاه في الذكرى (3) عن المبسوط، و عبارته غير صريحة في المحكي عنه، و اعتبار التعدّد في مطلق النجاسات و هو للفاضل في التذكرة كالكتاب.

ففي موضع منها: و لا بدّ من الغسل مرّتين (4)، و أطلق، و اعتباره في البول و فيما له ثخن كالمَنيّ، و هو صريح المنتهى (5)، و الفرق بين النجاسات الحكميّة و العينيِّة، فلا يجب التعدّد في الأوّل و إن كان بولاً، و هو في نهاية (6) الفاضل و اعتبار التعدّد في البول مطلقاً، و خصوص

ص: 400


1- الشهيد الأول، البيان: 93.
2- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 125.
3- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 124.
4- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 80.
5- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 175.
6- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 91.

المنيّ أو مع إضافة الكافر و أخويه، و ما زاد في مقادير البئر للأشدّيّة، و المعتمد من بينها إلحاق غيره به؛ للشك في حصول التطهير مع عدم التعدّد، فيحكّم الاستصحاب خصوصاً فيما له جزميّة.

و يضاف حينئذٍ ما ورد في وجوب الغسل و عدم جواز الصلاة قبله إلى صحيحة البزنطي عن أبي عبد الله علیه السلام القاضية بعدم وجوب الدّلك في البول و تعدّد الصّب؛ إذ المفهوم من قوله علیه السلام: «فإنّما هو ماء» (1)، هو التعليل لأحَد حُكمى البول، و هو الصّبّ، فلو كان التعدّد أيضاً من خواصّه لما ضرب عنه (2) مع اشتمال الخبر عليهما، و لذكَرَ له وَجْهاً، فيقيّد بها جميع المطلقات حتّى قوله صلّی الله علیه و آله في النبويّ: «حتّيه ثمّ اغسليه» (3)، في الدّم الذي ادّعى ظهوره في المرّة لأنّ الأمر بالحتّ مع عدم وجوبه يقضي بأنّ سَوْق الكلام لبيان معرفة طريق الإزالة، فلو كان للغسل شرط آخر من عدد و نحوه لبيّنه، لا أقلّ من الشكّ في إطلاقهما فيرجع إلى الاستصحاب؛ لفَقْد مرجّح أحد الإطلاقين، و إن كان في أخبار (4) الاستنجاء نوع تأييد لكفاية المرّة بعد زوال العين، و عليه أكثر (5) من اكتفى بها، خلافاً لمن اكتفى بالغسلة المزيلة.

و لم أعثر على قائل به من الطبقتين، لكن صَدرَ ممّن (6) تأخّر بغير خاصم للمنكر، و يطرد الحكم في النّجاسة المنصوصة و الثابتة من الإجماع؛ لتساوي الدّليلين في الحجيّة، فما تفطن له سليل الشارح (7) من الفَرق الزّاعم أنّه من مبتدعاته غيرُ وجيه؛ فإن كان التعدّد لأجل الاستصحاب فهو يجري فيها، و اختصاص جريانه في النصوص دون المجمع عليه بدعوى أنّ مفاد الإجماع وجوب الاجتناب، و مورد اليقين منه قبل الغسلة الأُولى، و بعدها الأصل

ص: 401


1- الكليني، الكافي: 3/ 55 ح1.
2- في المصدر: (منه)، و ما أثبتناه انسب للسياق.
3- السيد المرتضى، الناصريات: 106؛ الطوسي، الخلاف: 1/ 60.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 50 ح144، الاستبصار: 1/ 55 ح160.
5- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 124؛ العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 267.
6- ينظر الشهيد الثاني، الفوائد الملية: 41.
7- المحقق الشيخ محمد العاملي، استقصاء الاعتبار: 1/ 361.

البراءة، و لا كذلك النصّ على النّجاسة، فإنّه يدلّ على وجوب التطهير التزاماً، فيجري الاستصحاب حتّى يقطع بحصول الإزالة كلامٌ عارٍ من الدّليل؛ إذ لو لم يكن الإجماع أقوى دلالةً من النصّ على ما ذكر لا أقلّ من مساواتهما، و معه لا مورد لأصل البراءة.

[بول الرضيع]

(و يستثنى من ذلك) في الأصحّ المتّفق عليه بإجماع المختلف (1) (بول الرّضيع) الذي لم يتغذّ بالطعام، و لا رضع من كافر أو من غذائه النجّاسة أو مصاحب لها، (فلا يجب عصره و لا تعدّد غسله)، و في إلحاق الرّضيعة التي لم تأكل كذلك قول (2) ليس بالمرغوب؛ لخلوّ النّص (3)، و لا فحوى مع النّص على العدم، أمّا عدم وجوب عصر ما تنجّس به فكأنّه لا شبهة فيه دخلَ العصر في مفهوم الغسل أم لا، فيحمل العصر في الخبر على الندب، أو بعد التعذّي، أو بعد الحَوْلَين و إن لم يكن لاشتراطهما وجه.

و في كشف الجدّ رحمه الله: إنّ المتغذي برضاعة إلى السّت و السّبع خارج عن الحكم (4)، و لعلّه كذلك؛ لعدم صدق الطفوليّة فيما تجاوز الحَوْلَين، لكن لم يتعلّق الحكم على الطّفل في النّصوص (5)، بل تعلّق على غير المتغذّي، و عسى أنّ وجوده في كلماتهم (6) لورود نصّ به، و لقد اشتملت النّصوص (7) على الغسل و الصّب و الرشّ و النضح، و حيث لم يعتبر العصر يحمل الغسل على الصّب جزماً فيكتفى به، و لا يجب قبله إزالة العين سواء زال عين البول به أم لا؛ لأنه ظاهر النصوص و الحِكْمَة التي قَضَت بالحكم.

ص: 402


1- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 459.
2- ينظر السيد العاملي، مدارك الأحكام: 2/ 333.
3- الصدوق، من لا يحضره الفقه: 1/ 68 ح156.
4- الشيخ جعفر، كشف الغطاء: 2/ 377. بتفاوت.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1 / 243 ح700، الاستبصار: 1/ 34 ح90.
6- ينظر النجفي، جواهر الكلام: 1/ 258.
7- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 75 ح168؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 33/1 ح87.

نعم، هو ظاهر في غير النضح وضعاً أو انصرافاً، فيجب اعتبار استيلاء الماء على الباطن مع اتّصال الأجزاء دون الترشيح، أخذاً بالمتيقّن، لكن الفاضل (1) عبّر به و بالصّب في زبره و كأنّه أخذهما بمعنىً.

و لا يعتبر الانفصال حتّى على نجاسة الغسالة؛ لعدم أخذه في مفهوم الصبّ المعلّق عليه الحكم، بل و لا في مفهوم الغسل و إن كان الأقوى في الغسل ذلك؛ لظهور بعض الأدلّة (2) فيه لا من حيث اعتباره في مفهومه، فلا يرضى تردّد الرّياض (3) بعد تفارق البولين و قصر الحكم على الصّب الذي لا بعده شيء، و منه ينقدح طهارة غسالته، و أنّ حالها حال الرّطوبة الباقية بعد العصر في غيره.

و في كشف جدّنا (جدّد الله فضله): نجاسة غسالته بعد الانفصال و قبله بحكم الرّطوبة كانفصال دم المذبح (4)، و لم نهتدِ لوجهه بعد كون تأثير الانفصال في الانفعال غير معقول في ما حكم بطهارته، و لو قاسه بدم القروح فحكم فيه بالعفو و النجاسة نافاه قوله بطهارته مع فَقْد ما يدلّ عليه أيضاً.

و أمّا عدم وجوب التعدّد فيه فلأنّ النّصوص ظاهرة و صريحة في كفاية الصبّ مرّة فتقيّد ما قضى باعتبار التعدّد مطلقاً، و لو انصرف إلى غير بول الرّضيع كفينا المؤونة، و بعض القرائن يقضي به، ولكن تَبعَ الوالد أباه في الكشف و الأنوار (5) فحكما بلزوم التّعدد للعكس في التخصيص، و لمنع الانصراف، و أنّ المعتبر هو العصر و الانفصال دون غيرهما الفاقد للنّص فيبقى ما دلّ على التّعدد بلا معارض، و كأنّ المعارض ما نطق بكفاية الرّش المقطوع بعدم التعدّد فيه.

ص: 403


1- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 81.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 2/ 372 ح1548.
3- الطباطبائي، رياض المسائل: 1/ 159.
4- الشيخ جعفر، كشف الغطاء: 1/ 346.
5- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 418.

و الجمع بينه و بين أخبار الصبّ بحمله عليه بلا تعدّد، فالأقوى عدم لزومه كالعصر، (و هما) على الأظهر (ثابتان في غيره) من سائر الأبوال حتّى في بول طفل الكافر مطلقاً؛ لإلحاقه بأبيه مطلقاً؛ و لغلظة نجاسته حتّى مع الاستهلاك كعدم العفو عن دمه مطلقاً، فطهارته مع الاستهلاك من الجواهر (1) غير مستند، و الثبوت كذلك لا شبهة فيه حتّى عند العماني و المرتضى (2) (إِلَّا في الكثير) ما لم يتغيّر أو يكون بئراً في غير الأصحّ، (و الجاري) كذلك، و المطر مع (عدم اعتبار كثرته) في عدم انفعاله كما لغير (3) الفاضل في الثاني (فيسقطان فيهما) و الثالث (و يُكتفى) في متنجّس الثوب به، بل و غيره (بمجرّد وضعه فيهما) أو تحته (مع) شرط (إصابة الماء) في الجميع (لمحلّ النجاسة) (و) مع (زوال عينها) و لو بالتقدير في متّفق اللّون، و يظهر من الصّدوق (4) اعتبارهما في الراكد مطلقاً و حمل على الناقص عن الكرّ، و يشمّ من المعتبر (5) التردّد في سقوط العدد بالجاري، و يشكل سقوط العصر إذ اعتبر في مفهوم الغسل إذ لا غسل، و التّعدد في البول أشكل؛ لأنه تعبّدي، أو تقييد لأخباره بمجرّد الاعتبار و إن كان غيره أغلظ منه، و عليه لا بدّ من توسّط العصر؛ إذ لا فائدة في خروجه و رجوعه من الكُرّ و إليه بلا عصر، و يلحقه العاصمان.

نعم، ما لا يرسب فيه الماء؛ لصقالته، يجزي فيه الإخراج ثمّ الإدخال، (و) حينئذٍ (يصبّ) المطهّر القليل (على البدن مرّتين) بفاصلة الانقطاع المتعارف من دون عصر أو دلك بعد زوال العين (في غيرهما)، و المطر مطلقاً، أو في غير البول؛ لما ذكرناه، (بناءً على اعتبار التعدّد مطلقاً) كما هنا أو في خصوص البول كما في غيره، و الحكم في المخصوص بالغ حَدّ الاستفاضة فيهما، و في الثوب أشيع، و هو الذي نطقت به النصوص (6) و الفتاوى، لكن

ص: 404


1- النجفي، جواهر الكلام: 6/ 289.
2- حكاه عنهما في جواهر الكلام: 6/ 289.
3- ينظر الخوانساري، مشارق الشموس: 211.
4- المفيد، المقنعة: 41.
5- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 435.
6- الكليني، الكافي: 3/ 55 ح1.

الفاضل اجتزأ في الحكميّة، و المصنّف في غيره كظاهر المنتهى (1) اكتفى بالمزيلة و إن اتّحدت؛ لخبر الذكرى (2) كما في الأوّل المقتضي لسقوط الغسلة المزيلة بعد الجفاف و زوال العين و بقاء غسلة الإنقاء، و أصالة البراءة من الزائد المزيلة للعين حينئذٍ في الثاني.

و يدفعهما عدم تحقّق الرواية كما مرّ، و الصّحاح الحاكمة على أصالة البراءة، و إطلاقات الغسل، و في إحدى الصحيحتين: «فإن غسلته في ماء جارٍ فمرّة» (3)، بظهور التفصيل القاطع للشركة فيه، زيادة على كون الأمر للوجوب، و لو فزع إلى الاكتفاء بالمرّة في الاستنجاء بعد تنقيح المناط في الفتاوى و النّصوص لكان أجدر لو لم تكن أخبار الباب مخصّصة لتلك الروايات المرسل بعضها مع عدم الجابر، و التخصيص أولى من حملها على الاستحباب جمعاً منافاة الحمل لخبر المركن المصرّح بالوجوب، فلا ضَيْر في الحكم بالتعدّد فيهما بحيث تصدق التثنية عرفاً، و لا يجزي إكثار الماء بلا فصل و إن تراخت أجزاء الغسل؛ لعدم صدق التثنية و لو قدر بما فوقها جموداً على ظاهر الاثنينيّة في الرواية.

و يظهر من بعضهم (4) الاكتفاء بما لو فصل بين أجزاء الملقى عن الماء؛ لحصول الزوجيّة، و لعلّ المصنّف و ثاني المحقّقين يزعمانه، و إذا صحّت رواية الذكرى (5) أو صدقت الزوجيّة عرفاً مع تراخي الصّب يمكن القول بسقوط الفصل؛ لحصول الغرض بإكثار الماء من الإزالة و الإنقاء.

و حيث إنّ الخطاب الشرعي ينزّل على المتفاهم العرفي، و العرف يأبى التعدّد في مثله، يؤوب القهقرى مدّعيه، و إلَّا لجرى حصول الغرض بالعصر أيضاً، و لا يزعمه لاغي الفصل هنا، لكن تردّد غير واحد (6) في أصل الحوق البدن للثوب في الحكم، و معه تسقط الزّوجيّة عنه

ص: 405


1- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 163.
2- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 131.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 250 ح717.
4- لم أقف عليه.
5- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 124.
6- حكاه عن بعض المتأخرين في معالم الدين (قسم الفقه): 2/ 631.

البتّة، إلَّا أنّه محجوج بمعقد إجماع المعتبر (1)، و برواية أبي إسحاق المصرّحة بصبّ الماء عليه مرّتين (2) و غيرها (3).

نعم، قصرٌ ابن الشارح (4) المرّتين غسلاً أو صبّاً على الثوب و البدن خاصّة فيرجع في غيره إلى إطلاقات الغسل، غير متّجه، بل زوجيّة الصبّ ثابتة في البدن، (و كذا ما أشبه البدن)؛ فإنّه يكفي الصبّ عليه مرّتين بلا دلك و لا عصر، و ذلك (ممّا تنفصل (5) الغسالة عنه بسهولة) بأن لا يحتاج انفصالها إلى علاج (كالحجر و الخشب) دون المعادن، فتكفي المرّة فيها لصقالتها على إشكال في الفارق بعد اتّحاد المناط لو لم يكن قياساً فيهما و فيها، فالأَولى عدم الإلحاق، و كفاية المرّة بعد زوال العين؛ لبطلانه في المذهب، فتأمّل.

كما أنّ الأقوى كفاية المرّة في الاستنجاء من البول؛ لفقد ما يصلح للتعدّد فيه من إطلاق غسل البدن و الذكر منه من البول مرّتين، و من استصحاب النّجاسة المسمّى بعموم الدليل، و من رواية نشيط بن صالحٍ عن أبي عبد الله علیه السلام: «سألته كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول؟ قال: مثلا ما على الحشفة » (6). و هي صحيحة السند، و مثلها عبارة الصّدوق رحمه الله قال: (و يصبّ على إحليله من الماء مثلي ما عليه من البول يصبّه مرّتين) (7)، انتهى.

ص: 406


1- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 83.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 249 ح716.
3- الكليني، الكافي: 3/ 55 ح1.
4- الشيخ حسن، معالم الدين (قسم الفقه): 2/ 640 و ما بعدها.
5- في المخطوطة: (ينفصل).
6- الطوسي، الاستبصار: 1/ 49 ح139؛ و فيها زيادة: «من البلل».
7- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 31 ح59.

و بهذا و نحوه استظهر المصنّف (1)، و الشارح (2)، و جامع المقاصد (3)، و غيرهم (4) المرّتين فيه، و به أخذ شيخ أساتيدنا (5) بتقريبات لا تبلّ غلّة، فالأَحْرى الاجتزاء بالمرة؛ لورود أخبار بها مصرّحة حاكمة على الصحيحة بعد فرض الدّلالة، و سيجيء الكلام عليه مفصّلاً في آداب التخلّي عند ذكر المصنّف لذلك.

نعم، يتوقّف حصول التطهير زوجاً أو فرداً على إطلاق الماء إلى العصر، فلو تغيّر بأحد الثلاثة قبله فيما هو شرط فيه في جملة من المصبوغات و لو بالدّم فلا تطهير؛ إذ لا وجه المراعاة الإطلاق قبل الورود على المحلّ جزماً، و إن تغيّر بنفس العصر فوجهان، من عدم بقاء اشتراط الإطلاق حتّى حال العصر؛ لكونه شرطاً آخر للتّطهير بعد خروجه عن مفهوم الغسل، و اغتفار نجاسة المتنجّس الخارج بالعصر مثل الماء المتخلّف بالمحلّ بعده، و من أنّ يقين التطهير يحصل بذلك، فيستصحب بقاء النجاسة بحالها، و أنّ المرّة أو المرّتين بعد زوال العين أخذاً بإطلاق اعتبار الإطلاق في الماء مطلقاً، و هو الأحوط و إن كان المخرّج على القواعد الأوّل؛ للرجوع إلى إطلاقات الغسل فيما يبقى بلَلَه، و لأنّ الثابت من اعتبار إطلاق الماء هو ما كان قبل العصر مطلقاً، و من كفاية المرّتين في غسل الرّطب مع ممازجة الماء بأجزاء البول الباقية في المحلّ، فإنّ مقتضاه عدم طهارة المصبوغ و لو في الكرّ؛ لصيرورة الماء الملاصق للمحلّ مضافاً فينجس المحلّ به، و هو عسر، فكما أنّ ماء الغسل نجس في المحلّ كالمحلّ فإذا انفصل طهر المحلّ لو زعم نجاسته، كذلك الماء المتلوّن نجس هو و محلّه ما دام فيه، فإذا انفصل عنه اختصّ الحكم به دونه فلا تؤثّر نجاسة الصبغ في المحلّ شيئاً.

و منه يظهر أن المعتبر في التّطهير إزالة عين النجاسة و أثرها الكاشف عن زوال العين

ص: 407


1- الشهيد الأول، البيان: 41.
2- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 76.
3- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 93.
4- ابن إدريس، السرائر: 1/ 97؛ ابن حمزة، الوسيلة: 47؛ العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 273، منتهى المطلب: 1/ 264.
5- الشيخ الأنصاري ، كتاب الطهارة: 1/ 441، 442.

و لو اشتمل المطهر على ذلك الأثر ، و أنّه لا عبرة ببقاء اللّون الذي يتعذّر أو يتعسّر إزالته ما لم يصدق عليه عرفاً أنّه دم مثلاً، فيجب المبالغة في إزالته إلَّا إذا تعسّر على المزيل سبب الإزالة فيبقى النجس بحاله، و يلحقه حكم آخر مع أنّه نجس، و لا كذلك العسر الناشئ من المبالغة في الغسل على الوجه المتعارف، فإنّه إذا توقّفت الإزالة على غير المتعارف حكم بطهارة المحلّ و إن بقي للنجاسة أثر المسمّى بالعرض ممّا لا يصدق عليه عناوين النجاسة، و يستصحب إطلاق الماء لو شكّ في التغيير، و المرئي بعد العصر أنّه قبله، و لا يعارضه أصالة تأخّر الغسل المأمور به عن حصول التغيير فيه؛ لمعلوميّة زمان الغسل و العصر دون زمان التغيير، مع أنّ أصالة عدم الغسل قبل التغيير لا يفيد شيئاً، و لا يثبت به وقوع الغسل بعد التغيير إلَّا بمثبت الأصل، فلا معنى للمعارضة.

(و) كما تجب المرّتان في المنصوصين من الثوب و البدن و غيرهما المشابه (كذا الإناء) غير نجس العين منه لو تنجّس لحقهما في الحكم و إن لم يكن منصوصاً بشرط أن لا يمكن عصره، فالقربة كالثوب، و كأنّ اعتبار المرّتين فيه بعد أصالة نفي الزائد عنها لجهة أولويّته من البدن أو مساواته له، (و) لكنّه (يزيد) على غيره بنقصان حكمه و خفّة النجاسة فيه فلا يعتبر فيه إجراء الماء بحيث ينفصل بنفسه، ألا ترى (أنّه يكفي صَبّ الماء فيه بحيث يصيب النجس) على ما هو المحقّق، (و) يكفي (إفراغه منه) في تطهيره (و لو) كان الإفراغ (بآلة) من مغرف و غيره، بشرط أن (لا تعود إليه ثانياً) لو بقي شيء من الماء فيه (إلَّا طاهرة)، و بشرط أن لا يصيب الماء أحد جوانبه النجسة ثمّ يجري إلى بقيّة الجوانب عند من ينجس الغسالة، و بشرط عدم بقاء عين النجاسة فيه و زوال عينها قبله كما نصّ عليه المصنّف و غيره، و لم نعرف وجهه فقد النّص، و قد ينزل على إلحاق الماء الذي لا تزول به العين أو اعتبار جفاف الإناء بعد تفريغ المطهّر.

و في الموجز: يصب فيه الماء ثمّ يحرّك و يفرّغ و هكذا و لو مليء ماءً كفى إفراغه عن تحريكه، و لو كان مثبتاً و شقّ قلعه ملئ ماءً و أخرج بما لا يتكرّر إلَّا بعد غسله (1)، انتهى.

ص: 408


1- ابن فهد الحلي، الرسائل العشر: 60.

و يظهر منه أنّ المثبت الذي لا يشقّ قلعه لا يلحقه هذا الحكم، و الأصحّ هنا لحوقه مطلقاً (سواء في ذلك المثبت و غيره) في الأرض و غيرها (و ما يَشُقُّ قلعه و غيره) منهما، و مفاد العبارة اعتبار المرّتين في الآنية مطلقاً، و أنّ غيرها لا يطهر بدون جريان الماء عليه و انفصاله بنفسه عنه، و أنّها تطهر بإصابة الماء مطلقاً و إفراغه بقلب أو آلة، و أنّ الآلة لا بدّ من تطهيرها بالعود، و يجري فيها حكم الثياب من التّعدد و العصر و حكم الحجر و الخشب أيضاً إذا كانت من أحدهما، و هي ساكتة عن اعتبار الورود في التطهير في الجميع و عدمه إن لم يكن ظاهر الصبّ و الغسل اعتبار الورود.

أمّا الأوّل فلم نقف له على دليل و لا قائل إلَّا ما عرفت من حديث المساواة أو الأولويّة، و كأنّهما ممنوعان، أو هو ضَربٌ من القياس المخفي، فإنّ مَن وصل إلينا كلامه - فيما عدا ما نبّه عليه و المسكر من الأشربة - بين قائل بالاكتفاء بالمرّة كالمفيد (1) و الحلّي (2) و سلّار (3) و الفاضل (4) و المصنّف في البيان (5)، و المحقّق (6) حكم به مع إضافة الدّلك؛ لإخراج عين النجاسة كالفاضل، و بين مدّع وجوب الثلاث كالخلاف (7) و الدروس (8) و الكركي (9)، و نقل الإجماع عليه من الشيخ في الأَخير، و لم أعثر به في كلماته، مع أنّه قال في الخلاف في إصابة الثوب بماء الولوغ: إنّه لا يراعى فيه العدد إذا غسل، و كذا ما مسّ الكلب و الخنزير.

و لعلّه أراد العدد الولوغي المشتمل على التراب.

ص: 409


1- المفيد، المقنعة: 65.
2- ابن إدريس، السرائر: 1/ 91.
3- سلّار، المراسم: 36.
4- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 2/ 495.
5- الشهيد الأول، البيان: 93.
6- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 91.
7- الطوسی، الخلاف: 1/ 181.
8- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 122.
9- المحقق الكركي، رسائل الكركي: 3/ 226.

و بين مفصّلٍ كابن حمزة، فيوجب الثلاث في غير ما يكون بمباشرة النّجس من الحيوان، و فيها بالمرّة، فليس للحكم بالمرّتين إلَّا نفس الحمل و استضعاف خبر الثلاث المعمول به في الذكرى، بضميمة نقل إجماع الشيخ الذي لم يوجد في كتبه، و بأنّ المذهب قد يعلم (1) بالرواية الضّعيفة.

قلنا: نعم، لكن بشرط تلقّي الكلّ لها بالقبول، و لا يكفي عدم وجود المعارض لها في الأخذ بها على سبيل الوجوب، و لعلّ نظره الأخير.

و المتّجه عدم التعدّد بعد زوال العين؛ لإطلاق الأمر بالغسل كما سبق، و لا يسمّى ما يجري على الثوب و البدن غسلاً، بل ذلك يسمّى صَبّاً و رشاً، و به يثبت الثاني، و الثالث بخبر (2) عمّار الآمر فيه بغسل الإناء ثلاث مرّات من مطلق النجاسة، بضميمة طهارة الإناء و نحوها مع عدم إمكان الجريان عنه بنفسه في الغالب، فلا يلزم فيها الصبّ المُفضي إلى الجريان.

و أمّا الرابع فهو مبنيّ على كون الغسالة كالمحلّ قبلها.

و نوقش بعدم تنجّس المغسول بماء غسالته، و إلَّا لكان المتقاطر من الآلة نجساً، و لو أراد بالعود في المرّة الثانية من الغسلتين كي لا يختلط المتنجّس بالأُولى بالثانية كما احتمل، ففيه منافاته لإطلاقه أنّ المغسول يتنجّس بماء غسالته جزماً مع الانفصال و الالتزام بالنجاسة، و لا نقض في مسألة التقاطر؛ لأنها من الملتزم به، فلا فرق في عود الآلة بين الغسلتين أو الواحدة، بل لو قيل بطهارة ماء الغسالة قبل الانفصال بعود الآلة ينجس الجميع؛ لأنه أصابه نجاسة من خارج، فإنّ الآلة بنجاسة ماء الغسالة المنفصلة نجست هي و ما أقلّته من الماء.

و أمّا الخامس فقد سَلَف بعض الكلام فيه و في الغسالة باقية، و هنا أنّ القائل بنجاسة الغسالة يقوى في حقّه عدم اعتبار الورود في المطهر؛ للإطلاق السالم عن المعارض، و ظهور أوامر الصبّ في الورود لا يكفي في تقييد الإطلاق؛ لأنّ العبرة في العنوان العام من الأدلّة دون الخاص ، و لا ينفع الاستصحاب بعد وجود القاطع، و ملاحظة ما ورد في كيفيّة [تطهير]

ص: 410


1- كذا في المخطوطة، و الصحيح: (يعمل).
2- الكليني، الكافي: 3/ 12 ح5.

الأواني من الولوغ و غيره، و تجويز غسل الثياب في المركن (1).

و أمّا القائل بالطهارة مطلقاً، أو قبل الانفصال، فالأَحرى له اعتبار الورود في المطهّر لما قضى بنجاسة الماء إذا ورد عليه اليد القذرة. هذا كلّه في ما يقبل التّطهير .

و أمّا ما لا يقبله مع بقائه على حالته و عدم تغيّر صورته فلا يطهر، و تستصحب نجاسته، و هو متّجه في سائر المائعات من مضاف الماء و الدّهن و الدّبس و العسل و الشمع و العجين و الطّين و غيرها؛ إذ عموم تطهير الماء كالمجمل بالنسبة إلى المتعلّق، إذ لم يَرِد أنّ الماء مطهّر لكلّ شيء على أيّ نحو و كيفيّة، فلا ينفع إطلاق مطهّريّته للمشكوك في قبوله الطّهارة، و وصول الماء إلى كلّ أجزاء النجّس من المائع لا يجدي بعد انفعال القليل بالملاقاة و عدم انفعال المطهّر، و في الكثير يدور التطهير و عدمه مَدار سلب الإطلاق، و عدمه، و مع الثاني تسقط ثمرته، و قد سبق في المضاف ذكره.

نعم، لو جمد المائع و تنجّس كان حاله حال الجوامد، و إن تنجس قبل الجمود و جمد طهر ظاهره إذا انفصلت غسالته بالقليل و الكثير، و يطهر ما ترسب فيه النجاسة و لا يمكن إخراجها بالعصر، كالأرض و المدر و القرطاس و الطّين اليابس و الخبز و بعض الفواكه و الحلو و القند و السُّكّر، بوضعها في الكثير حتّى يصل الماء إلى جميع أجزائها، و مثله المنتقع بالنجاسة من الحبوب كالحنطة و الرُّز و السّمسم و شبهها، أو طبخ في الماء النجس، و الأقرب طهارته في القليل أيضاً إذا نفذ الماء إلى ما نفذت إليه النجاسة ثمّ جفّف كالمفخور من آجر و خزف، و لو تَعَدّت النجاسة إلى داخله جفّف أيضاً، و إلَّا طهر ظاهره و باطنه تبعاً في غير الأصحّ.

لكن ما سمعت من كيفيّة التطهير لم يبق على إطلاقه في خصوص الإناء، فإنّ بعضه له حُكم غير ما سبق، و ذلك في الولوغ، (فإن ولغ فيه) (أي في الإناء) (كلبٌ) غير كلب الماء و كلب الصّيد و ذلك (بأن شرب ممّا فيه) من ماء أو غيره (بلسانه) أو حرّكه فيه (قدّم عليهما) (أي على الغسلتين بالماء) في المشهور (مَسْحَه بالتراب)، و ابن الجنيد أوجب سبعاً (2)

ص: 411


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 250.
2- حكاه عنه في مختلف الشيعة: 1/ 495.

لرواية عاميّة و أُخرى فطحيّة، و غيره (1) أوجب توسّط التّراب، و آخر (2) خيّرَ، و هما محجوجان بالنصّ عن الصادق علیه السلام، و الترتيب الذّكري يورث الترتيب الحكمي.

قال أبو العبّاس: حتّى انتهيت إلى الكلب فقال علیه السلام: «رجس نجس لا يتوضأ بسؤره و اصبُب ذلك الماء، و اغسله بالتراب أوّل مرّة، ثمّ بالماء مرّتين» (3).

و مثله الرّضوي (4)، غير أنّ التثنية غير موجودة إلَّا في الخلاف (5) و كتابَي الفاضلين (6)، فلا شبهة في ثبوتها و ثبوت أوّليّة غسله بالتّراب (الطاهر) أو مطلقاً؛ لفقد ما يصلح لاشتراطه و إن نص عليه في الدّروس (7) و قبله الفاضل (8) لإطلاق الطّهور عليه هنا و المراد به الطّاهر المطهر، و لأن النجس لا يكون مطهّراً.

و يدفعهما إنكار الإطلاق في أخبار الخاصّة، و يكفي في اعتباره أنّه للإزالة لا للتّطهير، فلم يبق إلَّا الأخذ بالمتيقّن لو وجد، أو لا ينهض بتعيينه و لا ظهوره به في أخبار التيمّم مع الفارق و خفاء العلّة.

نعم، هو معتبر (دون غيره ممّا أشبهه)، إمّا في الطّهوريّة كالماء، أو في الإزالة كالصّابون و الأشنان و الدقيق و غيرها، و لو زاد عليه فإنّه لا يجزي (و إن تعذّر) التراب الطاهر أو مطلقاً (أو خِيفَ فساد المحلّ) باستعماله، و الإسكافي (9) أجازه بغيره كالأشنان مطلقاً، و غيره مع

ص: 412


1- المفيد، المقنعة: 65.
2- منهم: السيّد المرتضى في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى، المجموعة الثالثة): 23؛ و الانتصار: 86؛ و الشيخ في الخلاف: 1/ 178.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 225 ح646. دون لفظ: «مرتين».
4- الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام: 93.
5- الطوسي، الخلاف: 1/ 176.
6- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 458؛ العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 335، تذكرة الفقهاء: 1/ 83.
7- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 125.
8- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 167.
9- حكاه عنه في المعتبر: 1/ 459.

فقده (1).

و بعضهم جعل فساد المحلّ كالفاقد للتراب، فيلحقه حكمه من الغسل بالماء ثلاثاً أو مرّتين، و هو مبنيّ على أنّ التراب رخصة أو عزيمة، فيه قولان، و يتفرّع على ذلك إجزاء الماء اختياراً على الأوَّل و عدمه على الثاني، و يظهر من الفاضل (2) في بعض زبره الأوَّل، و يقوى عندي عدم إجزاء الماء و لا غيره اختياراً و لا اضطراراً؛ لظاهر النّص (3) و الأصل في الحكم كونه عزيمة و احتمال كون غيره أبلغ في الإزالة - مع منعه - لا يثبت جواز إبداله بغيره ه مطلقاً؛ لعدم اعتبار العلّة المستنبطة.

و دعوى حصول المشقّة ببقائه على النجاسة عند فقد التراب فيكتفي بما يفيد مفاده مدفوعة بلزوم المشقّة أيضاً مع فقد الماء، فينبغي أن يكتفى بالتراب فقط، و لو صلح ما ذكرتموه لجرى في كلّ ما يشقّ تطهيره؛ لفساد محلّه أو لتعسّر المطهّر أو تعذّره، و لا وجه له، و لا يجري حكم التعفير على ماء غسالته سواء توسّط التّراب بين الغسلتين أو لا ؛ للحوقه لفضل الكلب، و ليست الغسالة فضل كلب و إن وجب فيها ما يجب في المحلّ غيره، فإنّ كونها كالمحلّ قبلها إذا لم يكن لخصوص النجاسة مدخليّة، و على فرض وجوب تقديم التّعفير لم يبق سوى العدد في المحلّ، ولكن يكون الملاقي قبله متنجّساً به لا أنّه غسالة، فيجب فيه التّعفير على قول المحقّق الثاني؛ لأنه اعتبره في الغسالة قبله لو فرض حصولها؛ للأولوية فيه عليها مع فرضه، فتقيّده إن كان لإخراج ما وقع من الغسالة بعد التّعفير فحسن، و إن كان لإخراج المتنجّس ممّا لم يكن غسالة فلا وجه له على اختيار، و الحمل على أحدهما من الجواهر (4) بعيدٌ.

و في وجوب مزجه بالماء قول (5) لا موجب له سوى صحّة صدق الغسل، و تحصيل

ص: 413


1- الطوسي، المبسوط: 1/ 14.
2- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 144.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 189 ح543.
4- النجفي، جواهر الكلام: 1/ 339.
5- ينظر: الشهيد الأول ذكرى الشيعة: 1/ 126؛ البحراني، الحدائق الناضرة: 5/ 487.

حقيقته أو أقرب مجازاته، أو لحمل (الباء) على المصاحبة مثل: دخلت عليه بثياب السّفر، فالظرف مستقرّ إمّا صفة لمصدر محذوف أي: اغسله غسلاً مصاحباً للتراب، أو حال من الضمير، أو لأنّ الغسل بالمجموع هو اغسله بالسّدر و الخطمي، و منع بحصول التجوّز على كل حال لا حقيقته، بالماء مطلقاً لا كلّ مائع كالطّين و إن حمل التراب على حقيقته، و إبقاء الغسل في مطلق المطهّر أَولى من التّصرف في التّراب؛ لمعروفيّة المجاز الأوّل دون الثاني، مع لزوم التجوّز في كليهما، لا يرفعه حديث المصاحبة؛ لاستلزامه لإخراج الماء و الغسل عن الحقيقة، إذ الماء بعد المزج يلحقه اسم آخر، غير أنّه ماء مصاحب للتراب، أو أنّه تراب، أو أنّه غسل بالماء المصاحب.

فالأقرب وفاقاً لأنوار الوالد (1) (طاب رمسه) لزوم غسله بالتّراب غير اليابس منه بحيث لا يخرجه البَلَل عن صدق الاسم عليه، فإنّه أقرب للتنظيف و للتجوّز في الغسل و الاحتياط، و أمّا إبقاء الماء على إطلاقه و إضافة شيء من التراب إليه فهو خروج عن ظاهر النصّ و الفتوى و الاحتياط، و عليه فيجوز إضافة غير الماء من المائعات إليه ممّا لم تخرجه عن التّرابيّة؛ لعدم المانع.

(و ألحَقَ بالولوغ) في التعفير قبل الغسل (لطعه الإناء) بأنْ يلحسه بلسانه، و ألحق الفاضل (2) وقوع لعابه فيه أيضاً من غير ولوغ و لا لطع، و استقرب في النّهاية (3) سراية الحكم في سائر فضلاته؛ لأنّ فمه أنظف من غيره، لطيب نكهته.

و المتّبع النّص، فإن قرن الحكم بالولوغ اختصّ به جزماً دون الملحق به هنا و (دون مباشرته له بسائر أعضائه)؛ لعدم إفادة تنقيح المناط، فإنّه كالقياس، مع عدم الموجب حتّى الاحتياط؛ لعدم كونه من موارده بعد ظهور النّص في خصوص الولوغ، فيبقى غيره كغيره، و إن اشتبه الأمر في النّص؛ لإجمال لفظ (السؤر) و الولوغ، اتّجه اللّحوق مطلقاً في جميع

ص: 414


1- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 81.
2- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 159.
3- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 296.

أجزائه، و يعضد الأوّل إجماع السّرائر (1)، و الثاني ذهب الصّدوقان (2) و المفيد (3) إليه، و لم يظهر لنا وجهه سوى وحدة أجزاء الحيوان، و هو غير محقَّق عندنا لذهاب الشافعي (4) إليه. هذا إذا اتّحد.

(و) أمّا (لو تكرّر الولوغ تداخل) فلا يجب إلَّا مرّة، و إن ترامى الولوغ أو الوالغ فيكون (كغيره من النجاسات المجتمعة) و إن اختلفت في الجنس؛ لفقد الفرق في حكم التطهير بين القليل و الكثير، فمتى اجتمع مع غيره من النجاسات دخل الأقلّ في الأكثر؛ لحصول الغرض و الامتثال و عدم تعدّد الغسل بتعدّد نوع النجاسة في غير الولوغ، فكذلك فيه، و يبقى عليهما سؤال الفرق بين المقام و بين تعدّد الواقع في البئر مع النّص منهما على عدم التداخل هناك، فإنْ فزعا للأصل جرى فيهما، أو التعبّد من حيث نفس التقدير فهما فيه سواء، فتأمل.

(و) لو تكرّر الولوغ (في الأثناء) بأن كان بعد التعفير قبل الغسلتين أو إحداهما (يستأنف) الجميع، و لو وقعت فيه نجاسة أُخرى أخذ بأكثر الأمرين ممّا وجب لها و من بقيّة غسلات الولوغ، (و لو غسله في الكثير) من الثلاث (كَفَت المرّة الواحدة بعد التعفير)، و يكفي فيه بدونه لو كان رخصة، و لا يكتفي بالوحدة من اعتبره وسطاً و عزيمة، و دليل المعتبر رواية المعتبر (5) الظاهر منها بقرينة الصّب أنّه في القليل كظهور الإجماع فيه فينفى الزائد بالأصل في الكثير على المرّة.

و في المبسوط: إنّ مجرّد الوضع في الكثير لا يكفي عن الثلاث (6)، و ظاهره المساواة للقليل، و المعتبر أنّه حقّ إذا لم يسبق التعفير، فلو سبقه و تعاقبت عليه الجريات كانت الطّهارة

أشبه، و كأنّه أجراها مجْرى المرّات.

ص: 415


1- ابن إدريس، السرائر: 1/ 91.
2- حكاه عنهما في منتهى المطلب: 3/ 339.
3- المفيد، المقنعة: 86.
4- الشافعي، كتاب الأم: 1/ 19.
5- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 460.
6- الطوسي، المبسوط: 1/ 15.

و الفاضل في المنتهى ظاهراً (1)، و في المختلف إشعاراً (2)، و النهاية نصّاً (3)، عدم اعتبار التراب في الكثير مطلقاً، و المصنّف في الدّروس (4) و الذكرى (5) على تردّد فيه، و منشؤه ظهور الخبر في خصوص القليل، فيبقى غيره على حكم الأصل، و الحقّ أنّ التعبّديّة فيه ظاهرة.

(و يستحبّ السبع) (بالماء) (فيه) أي ( في الولوغ) تسامحاً و (خروجاً عن خلاف أو جبهنّ (6)) .

و فيه: إنّ الموجب لم يعتبر السّبع بالماء بل الأولى منها بالتراب، و ظاهر العبارة أنّها بالماء جميعاً حيث لم يطلق الغسل على التراب هنا و كأنّ الاستحباب للجمع بين رواية عمّار (7) و صحيحة البقباق (8) لدلالة الأُولى على السبع و الثانية على التّراب.

(و كذا) (يستحب السبع) بالماء فقط (في الفأرة و الخنزير) البرّي، (للأمر بها في بعض الأخبار (9) التي لم تنهض حجّة على الوجوب) فتُحْمَل على النّدب، و الشيخ في النهاية (10) أوجبها للفأرة كابن حمزة (11) و سلّار (12)، و ابن بابويه ذكر السّبع للجرذ (13)، و الفاضل رحمه الله أوجب السّبع

ص: 416


1- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 145.
2- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 237.
3- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 239.
4- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 122.
5- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 84.
6- في المصدر: (أوجبها).
7- الطوسي، تهذيب الأحكام: 9/ 116 ح502.
8- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 237 ح685.
9- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 239 ح22.
10- الطوسي، النهاية و نكتها: 1/ 202.
11- ابن حمزة، الوسيلة: 75.
12- سلّار، المراسم العلوية: 36.
13- الصدوق، المقنع: 34.

في الثاني (1)، (و مقتضى إطلاق العبارة) في المقام (الاجتزاء فيهما بالمرّتين كغيرهما) و الكلب. و آخى الشيخ (2) بين الكلب و الخنزير في جميع الأحكام.

(و الأقوى) عند الشارح (في ولوغ الخنزير وجوب السّبع بالماء) بلا تعفير (الصحّة روايته (3))، قال عليّ بن جعفر: سألته عن خنزير شرب من إناء كيف يُصْنَع به؟ قال: «يُغْسَل سبع مرّات» (4). و لا داعي لحملها على الاستحباب مع ظهورها في الوجوب و عدم المعارض، (و عليه المصنّف في باقي كتبه) غير ما هنا؛ ففي الذكرى (5) قرب وجوب السّبع فيه و في الجرذ، و في الدّروس و البيان (6) و فيه أوجبها له و للفأرة، و في الكتاب تبع المحقّق (7).

(و) (يستحب) أيضاً (الثلاث) (في الباقي) (من النجاسات؛ للأمر به في بعض الأخبار (8))، و ظاهره القصر على الإناء، و في غيره (9) أطلق لرواية الثلاث (10) في الاستنجاء من البول، فإذا ندب في البول على البدن فغيره و غير البدن أَولى؛ للأشدّيّة في غيره، و لأنّ الآنية أَولى من من الجسم، و هذا الاستحباب في غير المعصوم من القليل، أمّا المعصوم فيلحقه حكمه.

و الظاهر أنّ الإناء بالتعدّد أَولى من غيره؛ لأمر الشارع به في أخبار كثيرة، و القَدْر

ص: 417


1- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 84.
2- الطوسي، الخلاف: 1/ 186، المبسوط: 1/ 15.
3- الشهيد الثاني، المقاصد العليّة: 161.
4- مسائل علي بن جعفر: 213.
5- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 114.
6- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 125، البيان: 93، 94.
7- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 131.
8- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 3/ 496 ح4276.
9- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 81.
10- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 50 ح144.

المتيقّن في غيره و غير البول الغسل مرّة بين الإزالة، و عليه المرسلة (1) و إجماع الحلّي (2) إلَّا أنّ الثلاث أحوط مطلقاً، ثمّ التثنية بعد الإزالة، ثمّ هي واحدة للإزالة و أُخرى للإنقاء، و طريق التطهير أن يصبّ الماء حتّى يجري عليه و ينحدر منه أو يصبّ فيه و يحرّك و يفرغ بنفسه أو بالآلة، و يجب كلّ ما يتوقّف عليه إزالة العين في القليل و الكثير، و يسقط التعدّد في الثاني، و حكم الملاقي حكم الملاقي و إن ارتفع.

[طرق ثبوت النجاسة]

و تثبت النجاسة كغيرها بالقطع، أو الظنّ الخاص مثل: الشهادة، و خبر العدل، و صاحب اليد ما لم يستراب بخبر الأخيرين؛ للأدلّة الناصّة (3) بذلك المخصّصة لعموم «كلّ شيء» (4) إن حملنا العلم على معناه، و إن عمّمناه سقط التخصيص، و هل يشترط ذكر سبب النجاسة في قبول خبر الجميع من حيث اختلاف الأنظار فيها أنواعاً و أجناساً و كيفيّةً، و الأصل الطهارة أم لا، فيحمل الخبر على النّجاسة الواقعيّة المعلومة أو المظنونة بالظنّ الخاص؟

وجهان أظهرهما الثاني خصوصاً في قبول الشهادة؛ لقبولها في مقام دعوى العيب مطلقاً، فليقبل في غيرها.

ثمّ الظاهر - بعد ملاحظة الأدلّة كمّاً و كيفاً و السيرة - عدمُ تقديم الظاهر على الأصل في خصوص النجاسة و إن زعمه بعضهم الخصوص أخبار قَضَت بالاستظهار فتثبت بالظنّ مطلقاً؛ لأنّ المرء متعبّد بظنّه، و لرجحانه، و الأخذ بالمرجوح قبيح.

و منعه ظاهر بالأخبار الدّالة على الطّهارة إلى العلم بالنّجاسة حتّى صار من المسلَّمات

ص: 418


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 209 ح606.
2- ابن إدريس، السرائر: 1/ 185.
3- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 46 ح92.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 7/ 226 ح989.

فيما يوجد في أسواق المسلمين مطلقاً.

نعم، ينبغي التوقّي في بعض الأشياء لدليله، و سيجيء مزيد بيان لذلك إن شاء الله تعالى.

كما أنّ الظاهر عدم وجوب التجفيف في الغسل إلَّا إذا توقّف وصول أجزاء الماء إلى الأعماق عليه، و عليك بملاحظة المقامات، و أُوصيك بعدم الوسواس فإنّه من خطرات الشّيطان، و الله الموفّق.

[ماء الغسالة]

(و الغسالة) كالعصارة (و هي الماء المنفصل عن المحلّ المغسول بنفسه) و لو كان بالإفراغ (أو بالعصر) الشامل للدّق و التغميز، و فسّرها غيره (1) بالماء المستعمل في غسل الأخباث، و هي عندهما هنا و في غيره (2) (كالمحلّ قبلها) (أي قبل) ورود ذلك الماء المنفصل المسمّى بها على المحلّ لا (قبل خروج [تلك ] (3) الغسالة) عنه كي لا ينافي تفسيره لها، حيث اعتبر الانفصال في صدق الاسم، فلا يصدق قبل الخروج، و حتّى يطابق قوله: (فإن كانت من الغسلة الأُولى وجب غسل ما أصابته تمام العدد) الواجب في المحلّ.

و لازم هذا القول كفاية المرّة في ما يكتفى فيه بالمرّة، و يظهر منهما عدم الاكتفاء في جميع الموارد، (أو) كانت الغسالة (من) الغسلة (الثانية) فينقص (4) ما أصابته عن المحلّ مرّة (واحدة و هكذا) إن كانت من الثالثة يحصل النقصان في مرّتين، فتتنازل إلى الواحدة في المحلّ الذي يلزم فيه التعدّد، إذ على تقديره لا يجب تمام العدد في غسالة المرّة الأُولى، فإنّه قبل خروجها حصل غسل المحلّ مرّة فيلزم أن ينقص في المرّة الأُولى مرّة و هكذا، فينافيه اعتباره لتمام العدد

ص: 419


1- المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 1/ 12؛ السيد العاملي، مدارك الأحكام: 1/ 118.
2- الشهيد الأول، الألفية و النفلية: 50؛ الشهيد الثاني، المقاصد العليّة: 161.
3- أثبتناه من المصدر.
4- في المصدر: (فتنقص).

في المرّة الأُولى، و الظاهر أنّ الغسلة الأولى تتحقّق عنده بنفس خروج الماء و انفصاله و لو من دون عصر في ما يعتبر فيه ذلك أخذاً بظاهر تقييده، بل هو المتبادر، فتحسب غسلة واحدة قبله، خلافاً لما نختاره في ما اعتبر فيه العصر.

ثمّ إنّ ظاهر مقالته من جعل الغسالة كالمحلّ قبلها أنّها لو أصابت محلّاً آخر قبل غسل المحلّ الأوّل أو الإفراغ لم يجب الصَّب في المرّة الأُولى للمصاب بها، إذ هو كالمحلّ الأوّل قبل خروجها الذي لا يجب فيه غير الأمرين، و هو لا يرتضيه.

و كأنّه إنّما عبّر بالخروج نظراً إلى ظاهر المتن من عدم إطلاق الغسالة إلَّا على الخارج المنفصل بعد العصر عند معتبره أو بالإفراغ، و أمّا قبل الخروج لا غسالة لكي يترتّب عليه حكمها، فقوله: كالمحلّ قبلها، أي قبل حصولها بوصف كونها غسالة فيرتفع الإشكال عنه قبل الإفراغ؛ إذ لا غسالة حتّى تساوي المحلّ، و لا يخفى ما فيه من التعقيد، (و هذا) القول، و هو مساواة الغسالة للمحلّ في النجاسة، إنّما (يتمّ في ما يغسل مرّتين لا لخصوص النجاسة) التي أمر بالتعدّد فيها بخصوصها، فكأنّه يرى أنّ التعدّد في الغسل منه ما هو عام لكلّ نجاسة لا يخصّ نجاسة بعينها، فالغسالة كالمحلّ الذي يجب تعدّد الغسل فيه من حيث اندراجه في ما يلزم فيه التعدّد؛ لأنه أحد أفراد النجاسات.

و منه ما خصّه الشارع بنجاسة معيّنة و جعل التعدّد فيه دائراً مَدار الاسم الخاصّ، فإن كان من قبيل الأوّل يلزم التعدّد في ما أصابته الغسالة؛ لأنها كالمحلّ، و إن كان الثاني لا يلزم ذلك؛ لعدم صدق ذلك العنوان الواجب له التعدّد بخصوصه في الغسالة، و لا ينافيه وجوب التعدّد في غسالته؛ لأنه من النجاسات اللازم فيها التعدّد مطلقاً، فتظهر الثمرة في ما أمر بالتعدّد فيه زائداً على سائر النجاسات، فإنّ غسالته لا تكون كمحلّه؛ لعدم صدق العنوان عليها الذي يدور التعدّد مَداره بخصوصه.

نعم، يحتمل في ما اكتفى فيه بالمرّة بخصوصه أنّ غسالته كذلك؛ لعدم زيادة الفرع على أصله، و لأنّ المحلّ يجب فيه مرّة، و هي كالمحلّ قبلها، و يحتمل أنّها يجب فيها التعدّد و إن اكتفى بالمرّة في المحلّ بناءً على أنّ المرّة الثانية إنّما سقطت من هذا المحلّ الذي كان مندرجاً في ما يجب التعدّد فيه لخصوصيّة لا نعلمها، فهي كالعفو عمّا دون الدّرهم من الدّم دون غسالته،

ص: 420

و لولا هذه الخصوصيّة لكان حكمه ذلك.

و أمّا غسالته، فحيث لم تكن فيها تلك الخصوصيّة كانت كسائر ما يلزم التّعدد فيه؛ إذ لا مخرج لها عن العموم بعد القول بالنجاسة إلَّا احتمال التبعيّة و عدم زيادة الفرع على أصله، و فرضنا أنّ الأصل حكمه ذلك لولا الخصوصيّة فلا زيادة، و التبعيّة بحالها، فتتمّ الثمرة في الزائد على ما وجب لمطلق النجاسة و الناقص، و يكون قوله: كالمحلّ قبلها، أي المحلّ النجس الذي لم يثبت له حكم مخصوص يفارق الحكم العام الذي للنجاسة سواء زاد أو نقص.

و يرشد إلى ما قلناه صريحاً قوله: (أمّا المخصوص كالولوغ فلا؛ لأنّ الغسالة لا تسمّى ولوغا)؛ إذ التعدّد يدور مَدار الولوغ، و هو لم يوجد في الغسالة و إن تعدّدت لتعدّد النجاسة المندرجة في العنوان العام، أمّا التعدّد الولوغي فليس فيها قطعاً، (و من ثمّ لو وقع) من الكلب (لعابه في الإناء بغيره) أو ما بحكمه من اللّطع الذي يساوي الولوغ (لم يوجب حكمه) الغسل و التّعفير؛ لعدم صدق الولوغ، و بطريق أَولى لا يكون ذلك في غسالته؛ لعدم الصدق المزبور.

نعم، هذا الحكم لا يلزم به من يذهب إلى كفاية المرّة في سائر النجاسات؛ إذ عليه تجب المرّة في مطلق الغسالة؛ لأنّ وجوب المرّتين أو الأكثر في بعض النجاسات إنّما يكون لخصوصية لا توجد في الغسالة؛ لعدم صدق الاسم الذي يدور مَداره التعدّد، فيجب فيها الغسل مرّة مطلقاً.

و يمكن أنْ يُقال: إنّه على هذا المذهب أيضاً يجب التعدّد فيها كالمحلّ قبلها إلَّا في خصوص الولوغ، باعتبار أنّ غيره كالبول ممّا يمكن فيه انتقال بعض أجزائه إلى الغسالة، فيجب التّعدد؛ لبقاء عين النجاسة فيها حتّى عند من يكتفي بالمرّة في غيره من النجاسات؛ لأنّ البوليّة حاصلة فيها، و كذا غيرها ممّا يمكن انتقال أجزائه إلى الغسالة مع مشروعيّة التعدّد فيه، و لا كذلك الولوغ، فإنّه لا يمكن فيه ذلك، و من هنا خصّه بالذِّكر.

فصار ملخّص كلامه: أنّ الغسالة تلحق المحلّ في النجاسة و تعدّد الغسل بشرط أن يكون التعدّد لمطلق النجاسة لا لخصوص نجاسة معلومة، فيلحق التعدّد الاسم، و مع عدمه

ص: 421

في الغسالة لا يجب التعدّد فيها إلَّا إذا أمكن انتقال أجزاء المخصوص إليها، فيلحقها الحكم للخصوصيّة كلحوقه للمحرَّم، و إذا لم يمكن فيه ذلك لا يلحق أبداً كالولوغ.

و هذا أحسن ما توجّه به عبارته ممّا لم يسبقني إليه أحد، فلا يرد عليه أنّ هذا التقسيم تقسيم إلى متناقضين، و لا يتمحّل له بما في الجماليّة (1) [من] أنّ مراده أنّه إذا وجب شيء لخصوصيّة في النجاسة كالمسح بالتراب في الولوغ فلا يمكن الحكم به في غسالته؛ لاحتياج الحمل المزبور إلى بعض التقادير بلا قرينة، و هي مرغوب عنها، فراجعه.

و لا يقال عليه أيضاً: إنّ الغسل المتعدّد في سائر النجاسات معلّق على اسم غير حاصل بالغسالة كالبول و نحوه؛ لأنّ الظاهر بقرينة مثاله أنّ تعدّد الغسل في الولوغ لمعنى ليس موجوداً في الغسالة، بخلاف البول و غيره، فإنّ فيه عينيّة فتتبعها الغسالة.

نعم، لو كان التعدّد للعاب الوالغ الموجود في المحلّ كان كالبول في أنّ فيه عينيّة.

لكن يرد عليه أنّ الغسالة لم تكن داخلة تحت اسم ما ورد التعدّد فيه إذا لم يكن التعدّد لمطلق النجاسات.

و يُجاب بأنّ نجاستها لم يعرف لها مقدار من الشرع، فالاستصحاب ثابت، و لا تتيقّن الطَّهارة إلَّا بالتعدّد الموجود بالمحلّ قبلها، و نقطع بعدم احتمال الزيادة كي لا تزيد على الأصل، و لأنها لما اشتملت على النجاسة التي في المحلّ فلا يزيلها إلَّا ما يزيلها عنه.

(و ما ذكره المصنّف) من المساواة القبليّة (أجود الأقوال) المنتهية إلى عشرة (في المسألة)، و اختاره أيضاً في البيان، و جعله أَولى في الدروس و أحوط في الذكرى (2)، و لحقه فيه جماعة (3) من محقِّقي المتأخِّرين.

و ظاهر إطلاقه يشمل غير المتغيّر إلَّا ماء الاستنجاء سواء تعدّى عن محلّه أم لا، انفصل

ص: 422


1- مخطوط سبقت الإشارة إليه.
2- الشهيد الأول، البيان: 93، الدروس: 1/ 122، ذكرى الشيعة: 1/ 125.
3- ينظر السيد العاملي، مدارك الأحكام: 2/ 377؛ المحقق الشيخ محمد العاملي، استقصاء الاعتبار: 1/ 165.

عن الجسم الذي جرى عليه أم لا، انقطع اتّصاله فصار في مكان آخر أم لا، غسل آنية الولوغ أم لا، وارداً كان أم موروداً [عليه]، طهر به المحلّ أم احتاج إلى تكرير من أيّ غسلة كان.

و ممّن قال به كذلك الوالد قدّس سرّه في أنوار فقاهته (1) و شيخ أساتيدنا في شرحه (2) ذكر تبعاً للمستند الحكم بالطّهارة لو قيل بقول العماني (3) أو السّيد (4) و الحلّي (5) في القليل، و إلَّا فالنجاسة على الأقوى مطلقاً؛ و ذلك لأنّ الخلاف في استثناء الغسالة عن القليل بعد الحكم بالنجاسة، فلا وجه لعدّ كاشف الالتباس أنّ الثلاثة من القائلين بالطهارة، قال: نعم لو خصّ السيّد و الحليّ الطهارة بالماء الوارد للإزالة كان لما ذكر وجه، انتهى.

و هو جيد لولا أنّ من تفکَّر في مذهب السّيد و الحليّ يرى أنّ المخصوص واقع، و أنّ بعض كلماتهما ظاهر بذلك، نحو ما شرطا في طهارة غسالة الوضوء، و الغسل في الإناء بأن يكون ماؤهما نظيفاً و بدنه طاهراً، فإنّ اشتراط طهارة الإناء و البَدَن لا يجامع القول بطهارة الوارد مطلقاً و يجامع القول بطهارة الغسالة؛ إذ ليس كلّ ما يجري على البدن النجس داخلاً في الغسالة؛ لاحتمال بقاء عين النجاسة فيه قبل انفصال الماء.

حجّة المنجّسين مطلقاً إجماع التحرير (6) و المعتبر (7) في باب غسل المسّ مع اعتضادهما بشهرة (8) المتأخِّرين أوّلاً، و عموم أدلّة انفعال الماء القليل كالخبر المعروف المفهوم منه عموم المفهوم - كما ذكرناه سابقاً - ثانياً.

ص: 423


1- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 81.
2- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 316.
3- حكاه عنه في المعتبر: 1/ 48.
4- السيد المرتضى، الناصريات (الجوامع الفقهية): 215.
5- ابن إدريس، السرائر: 1/ 181.
6- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 137.
7- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 351.
8- ينظر: فخر المحققين، إيضاح الفوائد: 1/ 65؛ الشهيد الأول، الدروس: 1/ 117؛ ابن فهد، المهذب البارع: 1/ 188.

و زاد الوالد قدّس سرّه الاستدلال بمفهوم أخبار الكُرّ المُشْعِرَة بحملان ما لم يبلغ الكرُّ كلَّ خَبَتْ؛ لترك البيان فيه، فلو كان يحمل خَبثاً دون آخر، لبيّنه فيفهم منه؛ لأنه في مقام البيان أنّ الكُريّة و عدمها علّة في عدم الحملان و الحملان (1).

و في الجواهر (2) تبعاً لغيره (3) المناقشة في عموم المفهوم بما طرق سمعك في غير المقام و بانَ لك فسادها حتّى أوضحنا، أصالة انفعال القليل بما لا مزيد عليه.

ثمّ إنّه رحمه الله بعد المماشاة مع القائلين بعمومه من حيث أفراد الماء و أفراد النجاسة له كلام في العموم من حيث الأحوال الراجعة إلى كيفيّة سببيّة الملاقاة للتنجيس.

و هذا الكلام لا يخلو من وجاهة؛ لعدم وجود القضيّة في الأخبار إلَّا في بيان تمييز الماء الذي لا ينجسه عن الذي ينجسه شيء، فلا إطلاق فيه ينفع عند الشك في اعتبار بعض الكيفيّات في التنجيس، و مع ذلك لا وجه لهذا الكلام؛ إذ نحن إنّما حكمنا بعموم المفهوم مطلقاً حتّى بالنّسبة إلى الكيفيّات كي ندفع به مذهب السيّد رحمه الله (4) من الفرق بين الوارد و المورود [عليه]، و لا دليل لنا يردّه سواه، و لأجله وقع (رحمه الله تعالى) (5) في التناقض؛ لتمسّكه في ردّ السيّد رحمه الله بالمفهوم المزبور الشامل للوارد و المورود [عليه] و إطلاق بعض الأخبار الناصّة التي هي أدون من المفهوم مع إنكار عمومه هنا، فراجع كلامه في ردّ مذهب السيّد و كلامه في المقام يتّضح لك التهافت. و جملة الأمر أنّ أصالة الانفعال في القليل أصلٌ أصيل لا يخرج عنه إلَّا لقاطع مثله، و لا يصلح مجموع ما ذكره مخصّصاً لذلك الأصل سواء ثبت من المفهوم المزبور أو من غيره

ص: 424


1- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 81.
2- النجفي، جواهر الكلام: 1/ 96.
3- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 176؛ الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 373؛ السيد العاملي مدارك الأحكام: 1/ 34 ؛ الفاضل الهندي، كشف اللثام: 1/ 480.
4- السيد المرتضى، الناصريات (الجوامع الفقهية): 215.
5- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 131.

من الأخبار الخاصّة أو من الاستقراء، فعلى القائل بانفعال القليل مطلقاً في غير الإزالة إقامة الدليل على ذلك و كلّما يركن [إليه] شامل للمقام، و كأنّ العمدة في إثبات النجاسة مطلقاً هو عموم المفهوم المذكور على ما سلف بيانه.

أضاف الوالده رحمه الله (1) و الأُستاد (2) و غيرهما (3) إليه خبر العيص (4) المعتبر بفتوى المشهور (5) الدّال على الأمر بغسل ما أصابه قطرة من وضوء بول أو قذر، و خبر ابن سنان (6) الناهي عن الوضوء بماء يغسل به الثوب، و لما جاء من الأمر بالعصر (7)، و لما جاء بإهراق الماء من المغسول المتعدّد في الظروف و الأواني، و بأنّه لو كانت طاهرة لما خفي حكمها مع توفّر الدّواعي، و لاستبعاد تنجّس الماء القليل بقطرة بول في غير الغسل و عدم التنجّس بأكثر منه لو كان غسلاً، و لاستبعاد عدم الحكم على الماء الوارد على الإناء حتّى يراق فينكشف أنّه غسالة و إلَّا كان غيرها فينجس، و لو قيل: إنّه طاهر ابتداءً فهو عين قول العماني (8)، و هذه الأدلّة تقريبات لا تنهض بتمام الحجّة.

و قال الأُستاذ رحمه الله: و يعضد القاعدة العمومات الدّالة على جواز رفع الحَدَث بالماء الطاهر، فإنّها تدلّ بعكس النقيض على أنّ كلّ ما لا يرفع الحَدَث ليس بطاهر، و ما لا يرفع من بعض الطاهر [ف] لدليله، حتّى قال: لو كان هذا الماء طاهراً لجاز رفع الحَدَث به، و سند الملازمة الإطلاقات، و سند بطلان الثاني الإجماع و النّص (9)، انتهى.

ص: 425


1- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 81.
2- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 321.
3- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 90؛ الآبي، كشف الرموز: 1/ 59؛ العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 142.
4- الطوسى، الخلاف: 1/ 179.
5- ينظر: الصدوق، المقنع: 18؛ الطوسي، الخلاف: 1/ 179؛ المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 90.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 221 ح630.
7- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 249 ح714.
8- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 125.
9- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 321.

و يمكن منع مقدّمتيه بظهور كلام غير واحد (1) بالجواز، ولا كلّيّة تنفع في إثبات: أنّ (كلّ طاهر من الماء ممّا يطهّر)، سوى الآية (2) بناءً على أنّ الطهور في نفسه المطهّر لغيره فكلّ ما هو ليس بمطهّر فليس بماء أو ليس بطاهر، و في إطلاقه على وجه الكلّيّة تأمّل، فينحصر الدليل بما أصّلناه من أصالة الانفعال.

ثمّ إنّ المشهور هذا هو المشهور من أقوال النجاسة، (و قيل: إنّ الغسالة كالمحلّ قبل الغسل مطلقاً)، فيجب لها تمام العدد الواجب في المحلّ و إن كانت آخر الغسلات الواجبة فيه، و الإطلاق في كلامه راجع للغسالة، أي سواء كانت من الأولى أو الأخيرة أو ما بينهما فكالمحلّ قبل الغسل، و نسب القول للفاضلين (3) و فخر الإسلام (4).

و الذي وقفنا عليه من كلامهم القول بالنجاسة مطلقاً، فإن ذهب إليه أحد فوجهه أنّ نجاسة الغسالة عين نجاسة المغسول، فيجب لها ما يجب له و زيادة، و زيادة الفرع على أصله لا عِبْرَة به في الشرع.

لكن يدفعه انحلال هذه النجاسة إلى أجزاء قد زال بعضها بالغسلة الأُولى؛ لأنها لا بدّ أن تؤثِّر أثراً، و ليس هو إلا رفع بعض أجزائها فلا تساوي المحلّ مطلقاً.

و فيه: إنّه اعتباري لا يجدي في الشرعيّات؛ لاحتمال عدم التبعيّة، فيرجع فيها إلى النجاسة غير المنصوصة، فيجب تمام العدد في تمام الغسلات، مضافاً إلى أنّ الخَبَث كالحَدَث في عدم التخفيف إلى أن يحصل المزيل الرافع، فاستصحاب النجاسة قبل الرافع بحالها؛ لتساوي نسبة المحلّ في تمام الغسلات، فحكم نفس الغسلات هنا حكم غسلات الوضوء، فإنّ ظاهر الأدلّة بساطة كلّ من الحَدَث و الحَبَث و توقّف رفعهما على المزيل الشرعي.

فدعوى حصول التخفيف بغسلة فغسلة قياساً على القذارة العرفيّة غيرُ مرضيّة لنا، إلَّا

ص: 426


1- ينظر التفصيل في كتاب الطهارة: 1/ 322، 323.
2- قوله تعالى: (وَ أَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) سورة الفرقان: 48.
3- العلّامة الحلي، نهاية الاحكام: 1/ 243.
4- حكاه في الحدائق الناضرة: 1/ 489.

أنّ هذا إنّما يتمّ لو فرض وجوب (1) إطلاق يقضي بوجوب العدد في الغسالة، وهو ممنوع؛ لأنّ القدر المحرز منه مراعاة العدد في خصوص تلك النجاسة قبل الغسل فيرجع في ما يلاقيها أو يلاقي غسالتها بعد الغسل إلى ما تقتضيه القواعد، إمّا لما اعتبره المصنّف رحمه الله، أو تندرج بما لا نَصِّ فيه، و الأخير أَوْلى.

(و قيل): إنّ الغسالة كالمحلّ (بعده فتكون طاهرة مطلقاً) من أيّ غسلة كانت في الورود و عدمه، و في الثياب و الأواني و غيرها، و القائل الشيخ (2) على تردّد في الإطلاق و القول، و هو المنقول عن ابن حمزة (3) و البصروي (4) و المحقّق الثاني في بعض فوائده (5)، و عزاه القاضي إلى جماعة (6)، و في جامع المقاصد (7) أنّه الأشهر بين المتقدِّمين، و يشعر به كلام الصدوق (8)، و هو ظاهر الذكرى (9) و المدارك (10).

و أمّا نسبة السيّد (11) و الحلّى (12) إلى القول بالطهارة فكما سمعت، و نزيده أن غسالة غير الوارد ليس بغسالة عندهما؛ لاعتبارهما زوال النجاسة بالوارد، فما يسمّيانه غسالة يقولان بطهارته، و ما حكاه الشارح هنا لم يحك صريحاً من أحد القدماء على إطلاقه، و كأنّه تبع فيه

ص: 427


1- كذا في المخطوطة، و لعل الصحيح: (وجود).
2- الطوسي، المبسوط: 1/ 92.
3- حكاه عنه في مفتاح الكرامة: 1/ 90.
4- حكاه عنه في مفتاح الكرامة: 1/ 95.
5- المحقق الكركي، رسائل الكركي: 3/ 231.
6- حكاه عنه في مستند الشيعة: 1/ 88.
7- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 128.
8- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 10 ح13.
9- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 84، 85.
10- السيد العاملي، مدارك الأحكام: 1/ 122.
11- السيد المرتضى، الناصريات (الجوامع الفقهية): 179.
12- ابن إدريس، السرائر: 1/ 181.

الشيخ، حيث حكاه مطلقاً عن بعض الناس الظاهر في غيرنا، لكن نسبه في كشف الالتباس إلى شيوخ المذهب (1)، و في اللّوامع إلى جلّ الطبقة الأُولى (2).

أمّا كلمات الشيخ فمضطربة، و جمعها لا يخلو من صعوبة؛ إذ قد صرّح في موضعين من المبسوط بعدم وجوب الاجتناب عن غسالة الولوغ مطلقاً (3)، و في باب الصلاة و الماء المستعمل في الغسل و فی باب تطهير الثياب يظهر منه المَيْل إلى النجاسة، بل الحكم بها، لكن نسبة جماعة - و منهم المصنّف في الذكرى (4) - له القول بالطهارة ممّا يبعد عدم إصابتهم لمراده.

و أمّا غيره كالسّيد (5) و الحلّي (6) و ابن حمزة (7)، ففي نظري أنّهم يظهر منهم القول بها و إن حمل بعضهم كلام الأوّلين على اعتبار الوارد في التطهير لا في الطهارة، و هو باطل جزماً إن أراد أنّه لا يقضي بطهارة الغسالة في الوارد مطلقاً؛ إذ صريحهما عدم انفعال الوارد من القليل، و إنْ أراد أنّه لا يدلّ على التفصيل في طهارة الغسالة فيا حَبّذا الوفاق.

و أغرب منه حمل كلام السيّد على نجاسة الغسالة، بتقرير أنّ الماء الوارد بعد انفصاله ماء وردت عليه النجاسة؛ إذ أيّ داعٍ له حينئذٍ إلى التفصيل المزبور إذا فرض نجاسة الماء باتّصاله أو بعد انفصاله.

نعم، بعض عبائر الحِلّي كعبائر الشيخ فراجع التحرير (8)، و المسألة من مَزالّ الأقدام؛ لأنّ أغلب مَن حكمَ بالنجاسة أو جعلها الأولى نقل قول الطّهارة حتّى نسب إلى من عرفت،

ص: 428


1- الصيمري، كشف الالتباس: 1/ 104.
2- حكاه عنه في مستند الشيعة: 1/ 102.
3- الطوسي، المبسوط: 1/ 15، 36.
4- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 85.
5- السيد المرتضى، الناصريات: 103.
6- ابن إدريس، السرائر: 1/ 91.
7- ابن حمزة، الوسيلة: 80.
8- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 5.

فكيف يجتمع ذلك مع الإجماع (1) المدّعى في نجاسة غسالة الجنب إذا كان على بدنه نجاسة! فلا بدّ من صرفه إلى بعض ما لا ينافي المقام؛ كي لا تتناقض كلماتهم و تُنسَب الغفلة إلى جمعهم و هم المؤيَّدون بروح القدس.

و هذا المصنّف اعترف بخلوّ كلام الأكثر عن المسألة، فينزل على عدم جواز الوضوء به أي رفعه الحَدَث و تبقى طهارته في نفسه و نجاسته مسكوت عنها، و من هنا منع ظهور قول الصدوق في النجاسة مع نسبة ذلك إليه؛ لحكمه بعدم جواز الوضوء بالمستعمل في إزالة النجاسات و رفع الجنابة (2)، بأنّ عدم الجواز فيما ذكر لا يستلزم الحكم منه بالنجاسة.

و بالجملة، فالقول بالطهارة إن لم يكن أشهر فلا أقلّ من مساواتهما في الشهرة، و عليه فالمتّبع الدليل، وقد عَوَّلَ فيه على أُمور:

منها: الأصل، و عمومات (3) طهارة الماء، بعد منع كلّيّة انفعال القليل الذي سلف أحكامه.

و منها: إنّها لو تنجّست لم تفد طهارة المحلّ، و التالي باطل قطعاً، و الملازمة واضحة؛ إذ لا قابليّة و لا معنى لكون النجس مطهّراً، بل يعتبر في رفع الحَدَث و الخَبَث طهارة الماء اتّفاقاً، فصار من القواعد المسلّمة.

و في الجواهر الجزم به و المبالغة في إتقانه، قال ما محصّله: نعم قد يُقال من تتبّعِ كثيرٍ من الأخبار و بعض الإجماعات باستفادة قاعدة، هي: أنّ المتنجّس لا يطهر، بل ممّا يدلّ على نجاسة الكثير نفسه؛ لأنّ معناها لا ترفع حَدَثاً و لا تزيل خَبثاً، مضافاً إلى ظهور كون الماء طهوراً به؛ لأنه الطاهر في نفسه المطهِّر لغيره في طهارته حال مطهريّته (4)، انتهى.

ص: 429


1- ینظر الرسائل التسع: 57؛ روضة المتقين: 1/ 65.
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 10.
3- الكليني، الكافي: 3/ 31؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 215، 216 ح620، 621.
4- النجفي، جواهر الكلام: 1/ 343.

و يعضده مساعدة العقل بأنّ معطي الشيء لا يكون فاقداً له (1)، و حينئذٍ مع القول بنجاسة الغسالة يلزم خرق القاعدة.

و خيالُ عروض النجاسة لها بعد طهارة المحلّ، فالماء باقٍ على طهارته عند تطهيره، فإذا تمّ تطهيره انفعل.

مردودٌ: بأنّه خلاف مقالة الفريقين، فإنّ المنجّس يرى نجاسته أوّل الملاقاة، هَبْ أنّ حصول الطهارة و النجاسة في آنٍ واحد، فإنّه لا يجدي في تمام القاعدة، بل عمومها يوجب عدم زوال النجاسة عن المحلّ أو تخصيص بلا دليل، و عموم أدلّة الانفعال لا ينفع في التخصيص؛ إذ بينهما عمومٌ من وجه؛ لاجتماعهما في غير الغسالة و حجر الاستنجاء من الماء القليل.

و كذا الأخبار القاضية بالنجاسة؛ لضعفها.

و فيه: منع القاعدة على وجه تشمل المقام؛ لفقد دليل قاطع من الكتاب و السنّة، بل غاية ما ثبت بالاستقراء أنّ الماء المستعمل في رفع الأحداث و الأخباث أو مطلق الوضوء أو الغسل لا يستعمل؛ لانفعاله قبل الاستعمال.

و أمّا اشتراط عدم ملاقاته لها حين الاستعمال، فلو سلّمنا العموم اللّفظي في إثبات القاعدة يلزم أن نخصّصها بما قضى بجواز التطهير بالقليل بعد ملاحظة أدلّة انفعاله مطلقاً، فينتج منه عدم استحالة أنّ النجس مطهّر كحجر الاستنجاء و مائه على القول بالعفو عنه، و أنّه غير طاهر و بلوغ النجس كُرّاً كما هو مذهب السيّد (2) و الحلّي (3).

و التحقيق: إنّ خبر العيص (4) - بعد تصحیح سنده كما اعترف به المصنّف، حيث أعرض عن السّند و ناقش في الدّلالة - من أقوى الأدلة على ارتكاب التخصيص في عموم أنّ

ص: 430


1- ينظر الدامغاني، مباحث من كتاب الطهارة: 152.
2- السيد المرتضى، الناصريات (الجوامع الفقهية): 179.
3- ابن إدريس، السرائر: 1/ 181.
4- الطوسي، الخلاف: 1/ 179.

النجس لا يطهر، و أنّ الماء من جهة المحلّ غير قادح في التطهير، فتبقى عمومات الانفعال بحالها؛ فإنّا لو أعرضنا عنه أمكنَ أن يُدّعى أن تخصيص ما قضى بأنّ النجس لا يطهّر ليس بأَولى من تخصيص عمومات انفعال القليل، فإنّ التخصيص في غير المقام عارض لهما معاً، فيحصل التعارض و يرجع إلى أصالة الطّهارة.

و لا يلتفت إلى بعض الاعتباريّات في تخصيص أحدهما دون الآخر، بل الأظهر تخصيص عمومات الانفعال؛ لأنها معركة الآراء و إن أحكمَ الأُستاذ رحمه الله أولويّة تخصيص القاعدة الثانية بالمركوزة، و المتبادر عرفاً هو أنّ النجس لا يطهّر و مع ذلك بناؤهم على نجاسة الغسالة و طهارة المحلّ، فكأنّهم يفهمون من أدلّة غسل النجاسة انتقالها عن المحلّ إليه.

و قال الوالد رحمه الله جازماً: إنّ أصالة الطهارة منقطع بالدّليل الخاص؛ لعدم الشك في شمول أدلّة انفعال الماء القليل لماء الغسالة، و لعدم الشك في ثبوت قاعدة أنّ كلّ نجس ينجّس؛ لتحصيلها على سبيل القطع من موارد الأخبار و الإجماع، و لعدم تسليم قاعدة أنّ النجس لا يطهر مطلقاً حتّى لو تنجّس بما طهّره، إنّما المسلّم أنّ النجس سابقاً على حال التطهير لا يطهر (1)، انتهى. و الموافق لمذاق الفقهاء ما ذكرنا.

و منها: إنّ المنفصل جزء من الباقي في المحلّ، و هو طاهر بالإجماع، فكذا المنفصل.

و ردُّه: تسليم نجاسة الماء جميعاً، لكن المتّصل بالمحلّ من المتخلّف تعرضه الطهارة بعد انفصال الغسالة عنه للتبعيّة نظير يَد الغاسل، و تقضي به أوامر الغسل؛ لاستلزام الغسل لذلك عقلاً و عادةً، نحو ما ذكروا في منزحات البئر من طهارة الآلات بعد النزح، و أمّا مقدار المتخلّف فستعرفه. و منه ينقدح كيفيّة طهارة المحلّ.

و لا يرد أنّ اللازم من نجاسة الماء في المحلّ نجاسته لحصول الملاقاة من الطّرفين، و لا يحسن في ردّه من أنّ ما تأثّر من الشيء لا يؤثِّر به ذلك الأثر، فالتزامه أَولى من القول بنجاسة الماء في المحلّ، فإنّ ظاهر الدّليل و الجواب التسالم على طهارة المحلّ قبل خروج الغسالة.

و نحن نمنعه بما حرّرنا من توقّف طهر المحلّ و ما تخلّف فيه على انفصال الغسالة،

ص: 431


1- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 83.

و قبل خروجها لا إشكال في نجاسة المحلّ، و لأجله أشكل تطهير ما يرسب الماء فيه، فالمحلّ نجس قبل انفصال الغسالة طاهر بعده، لكن تمام ذلك في ما يجب فيه التعدّد مشكل؛ لاستلزامه التسلسل من حيث نجاسة المحلّ بملاقاته للماء الذي انتقلت النجاسة إليه، فلو كانت بولاً لزم تعدّد غسل المحلّ لملاقاته البول في ضمن الغسالة، فيتعدّد غسله و يترامى، و لا كذلك إذا لم ينفعل المحلّ بالغسالة ثانياً، فإنّ غايته بقاء أثر النجاسة فيه بعد الغسلة الأُولى من النجاسة الأُولى فيطهر بالثانية، و لا يتسلسل؛ إذ لم تعرض للمحلّ نجاسة أُخرى من الغسالة، و يتخلّص منه بتوقّفه على مساواة النجس للمتنجّس، و أنّ حكم ما لاقاه البول من الماء حكم البول في اعتبار تعدّد غسل الملاقي، و هو ممنوع، بل لا ريب في أنّ مجاورة المحلّ لماء الغسل لا تزيد في نجاسته التي فيه قبل الماء فبالغسلة الأُولى تخفّ تلك النجاسة لا أنّ المحلّ يكتسب نجاسة أّخرى، فالملازمة واضحة السّقوط، و حديث التأثّر و التأثير بالمقام غير مربوط.

و منها: لزوم النجاسة للحرج المنفي، لكنّه منفي هنا بالبداهة، و أيضاً فالخروج عن التكليف بمثل هذا الحرج ما لم يعضده غيره لا تقبله المتشرعة.

و منها: استنباط المناط من نصوص الاستنجاء، أو شموله لغير الظاهر من أفراده؛ لصدقه لغةً على زوال مطلق الأخباث.

و يدفعهما وجود الفارق، و هو عسر الاجتناب عنه دون غيره، و ظهوره إن لم يكن حقيقة في خصوص هذا الفرد فلا يعمّ غيره.

و منها: أخبار (1) غسالة الحمّام القاضية بطهارتها.

و ردّها لمعارضتها بأخبار (2) نجاستها، و الجمع باختصاص أحد الطائفتين بالغسالة التي لم تشتمل على نجاسة عينيّة، و الأُخرى بالمشتملة، مع أنّ أخبار النجاسة أصرح، كقوله: «لا تغتسل من البئر التي فيها ماء الحمّام فإنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجُنب» (3)، و قوله: «لا

ص: 432


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 379 ح1172.
2- الكليني، الكافي: 3/ 14 ح1.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 373 ح1143.

تغتسل من غسالة الحمّام ففيها غسالة اليهودي» (1)، إلخ.

و منها: أخبار (2) الاكتفاء بصبّ الماء في بول الصبيّ الذي لم يأكل الطّعام، فإنّ الأمر بالصّب يزيد المحلّ نجاسة لو قيل بنجاسة الغسالة،

و فيه: إنّ هذا من المتخلّف المحكوم بطهارته كالمتخلّف بعد العصر (3)، فإن منع التفكيك اتّجه الاستدلال.

و مثلها: الأخبار (4) الدّالة على نفي البأس عمّا ينضح من غسالة الجنب، و الأخبار (5) الآمرة بالرّش و النضح فيما يظن فيه النجاسة كبيوت الكفّار، و ما ورد في الثوب يصيبه البول فينفذ إلى الجانب الآخر، و من الفرو و ما فيه من الحشو، قال: «اغسل ما أصاب منه، و من الجانب الآخر: فإنّ أصبت شيئاً فاغسله و إلَّا فانضحه» (6).

و ما ورد في أمر النبي صلّی الله علیه و آله بذنوب من الماء يصبّ في أرض المسجد ليطهر من بول الأعرابي (7).

و في الخلاف: إنّ النبي صلّی الله علیه و آله لا يأمر بما يزيده تنجساً (8)؛ فيلزم أن يكون الماء باقياً على طهارته، و ما ورد في غسل الثوب في المركن مرّتين إلّا في الماء الجاري (9) فمرّة (10).

ص: 433


1- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 12 ح16.
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 68 ح 156.
3- النجفي، جواهر الكلام: 6/ 142.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 378 ح1171.
5- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 75 ح168.
6- الكليني، الكافي: 3/ 355.
7- مسند أحمد: 20/ 132 ح12709؛ صحیح البخاري: 1/ 55 ح221.
8- الطوسي، الخلاف: 1/ 495، و نصُّ عبارته قدّس سرّه: (و النبي صلّی الله علیه و آله لا يأمر بطهارة المسجد بما يزيده تنجيساً).
9- في المخطوطة: (الحار) و الصحيح ما أثبتناه.
10- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 250 ح717.

و ما أورده زيد الشحّام: في الثوب الذي تكون فيه الجنابة فيبلّه المطر، قال: « لا بأس» (1).

و في الوسائل: لولا نجاسة الغسالة لم يكن وجه لنفي البأس (2).

و قصور كلّ واحد من هذه الأخبار عن إثبات المدّعى كلّية واضحٌ، لكن النظر في مجموعها ممّا يورث الظنّ بالطّهارة مطلقاً، إلَّا أنّ هذا الظهور لا يقاوم ما هو نص في النجاسة، نحو خبر العيص، و لو حملنا نفي البأس في الأُولى على صورة خلوّ بدن المجنب عن المَني و قلنا في الثانية بمنع التزام استحبابه و إلَّا لورد على القول بالطّهارة أيضاً؛ لتخصيصهم لها بالمستعمل في رفع الخَبَث، و في الثالثة كذلك، و في الرابعة أنّها غير معمول بها و لا معوّل عليها، و لو صحّت فغاية ما تدلّ على نجاسة تخوم أرض المسجد، و وجوب إزالة النجاسة عن غير البارز البيّن محلّ تأمّل. و عن الخامس بأنّ المركن كَيَدِ الغاسل، و السادس أنّ المطر أصاب غير محلّ النجاسة، لا أقلّ من الشك، أو نقول إنّ المطر بحكم الجاري، فلا نقض.

و بعد كلّ ما حرّرنا في المسألة تأمّل، فإن تمّ خبر العيص سنداً و دلالةً لا نمنع من حكومته على أصالة الطهارة، و إلَّا فلا معارض لها، مع صعوبة الفرق بين المتخلّف من الغسالة و بين المنفصل جدّاً، فينحصر التطهير من الأخباث بالكُر أو ما في حكمه لو بنينا على عموم انفعال القليل للمفروض، بل احتمل قويّاً أنّ السؤال في خبر العيص كان قبل تطهير المحلّ حين الاشتغال بالغسل، و لا نمنع النجاسة إذ ذاك.

و لم أدرِ من أيّ فقراتها فهموا أنّ السؤال عن الغسالة بعد تطهير المحلّ كي يتمحّلوا في حملها على المتغيّر، أو على الاستحباب، و تخصیصُ الطهارة التبعيّة في غير المنفصل ترجيح بلا مرجّح، فإنّ عسر التطهير لا يصيّر الشيء طاهراً شرعاً، و إلَّا لساغ مباشرة ما لا يمكن تطهيره مطلقاً، فإن قضى بالطهارة فليقض بهما في الأمرين معاً، لتفاوت ما يتخلّف الأجسام، و تفاوت العصر بين القوي و الضعيف و بقاء استصحاب النجاسة في ما يشكّ في

ص: 434


1- الكليني، الكافي: 3/ 53 ؛ الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 67.
2- لم أعثر عليه و ينظر الوسائل: 3/ 445 ح3.

اندراجه تحت المتخلّف المحكوم بطهارته.

و أيّ عسر أعظم من هذا؛ إذ لا تكاد تجزم بالطّهارة في الثوب و مثله حتّى بعد اليبس؛ لاحتمال تخلّف غير ما يعفى عن تخلّفه فيه، فلا رافع لاستصحاب النجاسة حينئذٍ، مع بقاء الطهارة في الشرعيّات على تمام السهولة حتّى اكتفى بعضهم بطهارة بعض الأجسام بمجرّد زوال عين النجاسة بلا غسل، فلا أقول إنّ المنجّس لا يطهّر؛ لعدم اطراده، و لا أقول بقول العماني؛ لتحقّق منعه، بل أقول: إنّ ما خرج من عموم انفعال القليل ليس بأتقن من هذا

دلیل.

نعم، لا بدّ من قصر الإجماعين على موردهما؛ إذ لا جرأة لي على المخالفة أو اتّهام الناقل، و لعلّي أُراجع المسألة مرّة فمرّة حتّى أدرك بحول الله الصّواب.

(و قيل): إنّ الغسالة كالمحلّ (بعدها) فلا يعتبر غسل ما لاقته إذا وجب غسل المحلّ مرة و فيما يجب فيه مرّتين ينقص مرّة فيها و يجب مرّة، و عزي القول للشيخ رحمه الله (1) لحكمه بنجاسة الأُولى دون الثانية، و الحلّي (2) قال في الولوغ كذلك، لكن من الجائز على الشيخ أنّه لا يرى وجوب الغسلة الثانية، و يرى أنّ غسالة الغسلة الأُولى كالمحلّ قبلها، فليس كلامهما نصّاً في هذا القول.

و مرجع هذا القول إلى طهارة الغسالة التي يطهر المحلّ قبلها، و دليله أنّها بعض الماء الذي بقي بعضه بالمحلّ، و لا يختلفان بالطهارة و النجاسة حين الاتّصال أو الانفصال؛ فالمنفصل حكمه حكم المتخلّف في المحلّ، و جوابه ظاهر ممّا مرّ من قيام الدليل على اختلاف الحكم بين المتّصل و المنفصل.

و الحاصل: خلاصة دليله أنّ عموم انفعال القليل سليم عن المعارض في ما لا يطهر المحلّ من الغسلات؛ لعدم تطهيرها المحلّ و عدم طهارة المتخلّف منها في المغسول وجوبها عدم الملازمة بينهما و بين المحلّ طهارةً و نجاسةً كما غبر.

ص: 435


1- الطوسي، المبسوط: 1/ 92.
2- ابن إدريس، السرائر: 1/ 92.

و زاد الشارح بروضه خامساً للأقوال، حاكياً له عن المصنّف بحكايته له عمّن لم يسمّه بحاشية الألفيّة، ما نصّه: هو أنّ ماء كلّ غسلة كمغسولها قبل الغسل و إن حكم بطهارة المحلّ، بل و إن ترامت الغسلات لا إلى نهاية، محتجّاً بأنّه ماء قليل لاقى نجاسة (1)، انتهى.

و أوضحَ سنده بأنّ تطهير القليل خلاف الأصل، فيقتصر فيه على المحلّ دون الماء.

و ردّه بحكم الشارع بالطّهارة عند تمام الغسلات فلا اعتبار بما يحصل بعد ذلك، و للزوم الخرج المنفي.

و قال في المهذّب: الثالث حكم المنفصل حكم المحلّ قبل الغسل، و يلزم منه نجاسة المنفصل و لو زادت المرّات عن الواجب، و هو اختيار المصنّف و العلّامة و الفخر (2)، انتهى .

و قال الأُستاذ في معناه: إنّ الماء إذا لم ينفصل عن المحلّ بالغسلة المطهّرة (3)، فهو نجس فإذا غسل مرّة أُخرى بماء آخر صار نجساً؛ لملاقاته للماء النجس في المحلّ و إنْ طهر، و أمّا كون الماء إذا ورد على المحلّ الطاهر بعد انفصال الغسالة و طهارته يكون نجساً فلا ينبغي حكايته للشهيد، و لا اختياره لغيره.

و قال الفاضل في النهاية: و المستعمل في مندوب الإزالة طهور (4)، انتهى.

و حمل الأُستاذ خلاف الظاهر من هذا القول كما يقضي به صريحاً ردّ الشهيد له، فإنّ مبناه على الملاقاة بعد الانفصال جزماً، فيحمل على ورود الماء عليه قبل جفاف (5) المحلّ و لو بعد انفصال الغسالة و وجوب الاجتناب حتّى يبس المحلّ.

و نسب في الحدائق (6) الطهارة إلى المشهور، و النجاسة إلى صاحب هذا القول، و العفو

ص: 436


1- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 425.
2- ابن فهد، المهذب البارع: 1/ 119.
3- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 323.
4- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 244.
5- في المخطوطة: (قبل خفاف).
6- البحراني، الحدائق الناضرة: 1/ 491.

مع النجاسة، و هو ظاهر مجمع الفائدة (1)، و التفصيل بطهارة المتخلّف قبل العصر و بعده بالنجاسة.

و نحن جازمون بالطّهارة فيه كشيخ أساتيدنا (2) مع إصراره على نجاسة الغسالة مطلقاً، و برهانه في المستثنى إطلاق الأمر بصبّ الماء من غير تقييد بشيء آخر بعد الصبّ من علاج لفصل الماء.

و أوضح ذلك برواية عمّار (3) الواردة في تطهير الإناء من إدخال الماء و إفراغه منه ثلاث مرّات حيث، دلّ على الطهارة بمجرّد إفراغ الماء منه، و الكوز لا ينفكّ بعد الإفراغ عن قطرات عالقة على فمه أو في أسفله، و تخصيصه هذه الإطلاقات بالدلالة على خصوص طهارة المتخلّف دون مطلق الغسالة محتاج إلى التفكّر؛ إذ لا ظهور على النجاسة من نفس الإفراغ.

و الحاصل: القائل بالنجاسة عليه أن يلتزم بلوازم مذهبه مطلقاً، و لو فتح باب التّصرف و الحمل في أخبار الطهارة لسرى ذلك بعينه إلى أخبار النجاسة.

فيظهر من ذلك أنّ المختار من بين أقوال النجاسة هو تخصيصها بنجاسة الغسالة التي لا تورِث طهارة المحلّ فيختص التنجيس بغير الغسلة المطهّرة، و یعتبر الجفاف قبل إيراد الغسلة المطهرة كي لا تتنجّس بملاقاة المتخلّف من التنجّس، فلا انفكاك بين المحلّ و الغسالة بالتطهير و التنجيس، و التبعيّة بحالها فيهما معاً، و الاعتبار يساعد عليه في غير ما وردت النجاسة عليه.

فالمطهّر للغسالة يخصّها بالغسلة المطهّرة للمحلّ مع ورودها عليه و لا يفرق في ما نجس منها غير ما قصر الطهارة عليه بين الانفصال و الاتّصال، و لا بين المتخلّف و غيره في ما وردت عليه النجاسة من الماء هو نجس و إن كان غسالة.

ص: 437


1- المحقق الأردبيلي، مجمع الفائدة: 1/ 287.
2- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 341.
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 3/ 497 ح4276.

و لا أظن أنّ القائل بطهارة الغسالة يعمّمها للفرض المزبور، و إن ظهر من المصنّف في الدّروس (1) وجود القول بذلك، حيث جعل التفصيل بين ورود الماء و غيره قولاً في ما يزول به الخَبَث، فيقضي بأنّ هناك قائلاً بعدم اعتبار الورود في الإزالة، و يلزمه أن يكون طاهراً؛ لأنّ النجس لا يطهر، و هو رحمه الله مالَ في الذكرى (2) إلى طهارة الغسالة و إلى عدم اعتبار الورود في إزالة النجاسات بها فيها.

و بالجملة، فالتعميم عارٍ عن الدّليل بعد ما عرفت من نجاسة القليل بالملاقاة، و حينئذٍ إما أن يقال بقصور ما دلّ على انفعال القليل بالملاقاة و عدم شموله لصورة ورود الماء على النجاسة، و قد تقدّم منّا عدم قصورها عن ذلك، و كلامنا في الغسالة بعد الفراغ من عموم أدلّة الانفعال لهما. و إمّا لتوقّف تحقّق عنوان الغسالة على الورود بناءً على توقّف التطهير عليه، و إمّا بأن يكون لأجل اختصاص ما دلّ على طهارة الغسالة بصورة الوارد مع عمومها موضوعاً للصورتين و أنّ التطهير لا يتوقّف على الورود.

و الأخبار (3) الناهية عن إدخال اليَد القَذرة في الماء يظهر منها غير الثلاث.

و الإنصاف أنّ القائل بالطهارة لا يفرّق في غسالة ما يحصل التطهير به للمحلّ، فالاختصاص المزبور بجهة الأخذ بالقدر المتيقّن فيما يحصل التطهير به في القليل دون غيره؛ لوقوع الاختلاف في حصول التطهير به لا يتمّ حجة للاختصاص بعد عدم اعتبار الورود في التطهير، فتأمّل.

ثمّ على فرض طهارة الغسالة مطلقاً أو بعضها ذكروا أنّه لا إشكال في عدم رفع الحَدَث بها كالمضاف الطاهر بالنّسبة للحدث، و في المعتبر (4) الإجماع عليه، و يظهر من المصنّف رحمه الله في

ص: 438


1- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 126.
2- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 84.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 37 ح100.
4- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 91.

غيره (1) عدم كونه إجماعيّاً.

و الظاهر أنّ حكم هذا الماء عندهم لا يزيد على ماء الاستنجاء و لا ينقص، لكن ظاهر بعضهم (2) وجود القائل برفعه للحدث هنا، و ساوى ابن حمزة (3) بينه و بين رافع الحَدَث الأكبر، و المراد بالتّسوية ظاهراً - كما فهمه غير واحد - هو كونه طاهراً و مطهّراً من الحَدَث و الحَبَث، و حينئذٍ فيتطرّق الوَهْن في الإجماع المزبور.

قيل: و في رواية ابن سنان (4) كفاية في أنّ ما يغسل به الثوب لا يجوز التوضؤ به و إن كان ابن هلال (5) في سندها، لكن اختصاصها بالثوب أوّلاً، و المساواة بينه و بين رافع الأكبر. ممّا يُوهِن الدّلالة.

و يندفعان بأنّ الثوب من باب المثال، و استعمال النّهي في القَدْر المشترك بين التحريم و الكراهة، لا أقلّ أنّ الإجماع المنقول قرينة التحريم.

قلت: لو كان في المسألة إجماعٌ محقّقٌ لما احتجنا للخبر، فلا دلالة فيها على التحريم إلَّا على القول بأنّ الشهرة تجبر الدلالة كالسند، فتأمل.

و أمّا الخَبَث، ففيه قولان، و تحقيق الحال فيه يعرف من ماء الاستنجاء؛ لمساواته له بكلّ معنی.

ثمّ إنّ الذي يظهر من تحديد الغسالة أنّ تمام معناها هو الماء المستعمل في إزالة النجاسة بقي في محلّه أو انفصل، لكن الشارح اعتبر الانفصال فيها، و غيره لم يعتبر ذلك، و ظاهر كلماتهم تقضي بشمولها للأمرين، و على أيّهما بني لا غموض في معناها.

ص: 439


1- الشهيد الأول، البيان: 102، ذكرى الشيعة: 1/ 82، غاية المراد: 1/ 76.
2- لم أقف عليه.
3- ابن حمزة، الوسيلة: 79.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 221 ح630.
5- هو أحمد بن هلال العبرتائي و قد نسب إلى الغلو و النصب ينظر رجال الطوسي: 384، الفهرس: 83.

و يظهر من الجواهر (1) استعظام ذلك، أنّى و أرباب النجاسة لا يتحاشون عن الالتزام بلوازم مذهبهم مطلقاً، فيقولون بنجاسة جميع مصاديق مفهوم الغسالة؛ لاتّحاد الدّليل كما اعترف به رحمه الله (2)، و لا حرج فيه كما يدّعى إلَّا المتخلّف في المحلّ بعد العصر، فهو تابع للمحلّ في الطهارة كيدِ الغاسل، فإنّه من لوازم الخطاب، و مثله ما يتعدّى إليه ذلك الماء من أطراف المحلّ عادةً، فإنّه و إن تنجّس بالماء لكنّه بطهارة المحلّ يطهر.

و أمّا ما يتعدّى إليه من باب الاتّفاق فلا يطهر عندهم جزماً؛ لأنّ النجس لا يطهر، و غاية ما خرج طهارة المحلّ و ما جعله الشارع - و لو بمساعدة العرف - كالمحلّ، أمّا غيرهما فيحتاج إلى مطهّر آخر عند إصابة الغسالة له.

فالردّ عليهم بما ينكرونه تمحّل بيّن، فلو تنجّس أعلى البدن طهّر الماء محلّ النجاسة و ما اكتنف به ممّا هو كالمحلّ عادةً، فإن جرى على غيره من الأعضاء عدّ منفصلاً و وجب غسله على القول المذكور، و قوّى شيخ أساتيدنا رحمه الله (3) في الغسل مراعاة حكم النجاسة في الغسالة و إن كان طهارة المحلّ متوقّفة على أقلّ من العدد؛ لاستيفاء بعض غسلاته، إلَّا أن يعلم إنّ التعدّد لأجل خفّة النجاسة فلا يزيد الفرع على الأصل، و لا يخلو هذا الحكم من صعوبة منافية للسّهولة في أمر الطهارة و النجاسة، لا أقلّ من القول بمقالة المصنّف، أو جعلها كما لا نصّ فيه من النجاسة.

و الحاصل : دليل نجاسة الغسالة و لوازمها إنْ لم يكن متقناً، فذهاب الوالد رحمه الله (4) مع عدم احتياطه في أغلب الموارد إلى النجاسة، و القطع بها عند الإمام المرتضى شيخ أساتيدنا رحمه الله (5)، ممّا يُرددُ القاطع بالطهارة.

ص: 440


1- النجفي، جواهر الكلام: 1/ 351.
2- الشهيد الأول، البيان: 102.
3- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 344.
4- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 86.
5- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 345.

لكنّي - و الله يعلم - لم يترجّح عندي القول بالنجاسة مطلقاً، أسأل الله تعالى كشف هذا الستر عن بصري و بصيرتي.

[ماء الاستنجاء]

(و يستثنى من ذلك) الحكم المذكور للغسالة (ماء الاستنجاء) مطلقاً المنفصل و الباقي في المحلّ و في الإناء قبل إيراده عليه، (فغسالته) أي الاستنجاء أو ماؤه [طاهرة] (1) مطلقاً) لا يجب الاجتناب منها و من ملاقيها نصّاً و فتوًى (2)، في الصلاة أو مطلقاً، و أمّا أنّها طاهرة أو معفوّ عنها فخلافٌ، خيرةُ الشرائع (3) و الفاضل في غير واحد (4) هو الأوّل، و عبارته في التحرير تؤذن بالاتّفاق عليه، قال: و استثنى أصحابنا ماء الاستنجاء فإنّه طاهر ما لم يتغيّر... إلخ (5)، انتهى.

و نسبه بمنتهاه (6) كالمحقّق بمعتبره (7) إلى الشيخين، و عليه المصنّف في الدروس (8)، و الشارح (9) كذلك، و نقل المحقّق الثاني (10) الإجماع عليه بعد أن اختاره، و الثاني وقع في كلام الفاضلين (11) و لم نتحقّقه لأحد من شيوخ المذهب كالأوّل، بل عبائرهم محتملة للأمرين معاً

ص: 441


1- أثبتناه من المصدر.
2- ينظر الصيمري، تلخيص الخلاف: 1/ 58.
3- المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 1/ 12.
4- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 52، تذكرة الفقهاء: 1/ 36.
5- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 52.
6- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 143.
7- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 91.
8- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 122.
9- الشهيد الثاني، الروضة البهية: 1/ 311.
10- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 129.
11- المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 1/ 12؛ العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 52؛ تذكرة الفقهاء: 1/ 36.

سوى المفيد رحمه الله بقوله : و لا ينجس شيئا من ثيابه (1). انتهى.

و الشيخ بقوله في الخلاف في خصوص المرّة الثانية من الغسالة غير ماء الاستنجاء بعد أن حكمَ بطهارتها قال: إنّ الماء على أصل الطّهارة و نجاسته تحتاج إلى دليل (2)، و ما روي في ماء الاستنجاء. انتهى. فعلم أنّه عمّم الحكم بطهارة الغسلة الثانية للاستنجاء.

فيظهر منهما فيها الطّهارة دون العفو، لكن الطهارة مقصورة على الثانية من الثاني، فإسناد الطهارة مطلقاً إليه كما ترى، و في المبسوط و النهاية عبارته تحتمل الأمرين.

و أمّا العفو فنسبه المعتب إلى السیّد، و هي كعبائر الشيخ و الحلّي لم يظهر منها تحقّق النسبة، قال في المصباح: لا بأس بما ينضح من ماء الاستنجاء على الثوب و البدن (3)، انتهى.

و في الذكرى و البيان اختاره و لم يستثنه هنا و في الألفيّة (4) عن الغسالة فيلحقان بهما، لكنّه في الأوّل قال: و في المعتبر ليس في الاستنجاء تصريح بالطهارة، إنّما هو بالعفو (5). انتهى.

و لم نجد فيه ذلك، بل صريحه إسناد الطهارة إلى الشيخين كالفاضل، و لم نظفر به صريحاً في كلامها، فالإسنادان محتاجان إلى التتبّع.

نعم، لا رَيْب أنّ الأشهر (6) هو الطهارة دون العفو بمعانيه و إن كان مطلقاً، فتثبت له أحكام الطهارة مطلقاً و المطهّرية كذلك حتّى في الحَدَث لإطلاق الأدلّة السليمة عن المعارض، فإنّ الظاهر عدم شمول الإجماعين المنقولين على عدم رفع الحَدَث فيما تزول به النجاسة له لتصريح من (7) ادّعاه بأنّه طاهر مطهّر، و ظهور جملة من العبارات به، و لا نصّ

ص: 442


1- المفيد، المقنعة: 47.
2- الطوسي، الخلاف: 1/ 180.
3- حكاه عنه في المعتبر: 1/ 91.
4- الشهيد الأول، البيان: 102، الألفية و النفلية: 50.
5- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 83.
6- ينظر السيد العاملي، مدارك الأحكام: 1/ 125.
7- ينظر الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 350.

لأصحابنا فيه سوى ما قاله الشيخ (1) من عدم ارتفاع الحَدَث من غسالة الجنابة و لا يعوّل عليه، و يجوز فيه الوضوء و الغسل الغير الرافعين أيضاً.

و لم أجد مشكّكاً في رفعه للحدث، لكن من نسبة ذلك إلى المشهور يُوهِم وجود القائل بعدمه، كلّ ذلك لاستفادة طهوريّته من كلمات الأصحاب و من أخبار الباب، فإنّ منها ما نفى البأس عن خصوص الثوب الملاقي لماء الاستنجاء كحسنة الأحول (2)، و روايته في العلل (3)، و منها ما صرّح بعدم تنجيسه للثوب الواقع فيه كرواية عبد الكريم (4)، فلو كان نجساً لزم فيه ثبوت البأس تكليفاً أو وضعاً في ما يلاقيه مطلقاً، فعلم من نفيه بهذه النّصوص

عدم النجاسة.

و دعوى: دوران الأمر بين تخصيص كلّ نجس منجس بناءً على استفادة هذه الكلّيّة من إجماع و غيره، و بين تخصيص أدلّة انفعال القليل مطلقاً، أو خصوص رواية العيص السابقة، و لا مرجّح لأحدهما، فيجب المصير إلى القدر المتيقّن من الالتزام بنجاسة أصل الماء و رفع اليد عن القاعدة المزبورة في طهارة الملاقي مطلقاً، أو خصوص الثوب، فيلتزم حينئذٍ بالعفو في المخصوص دون غيره من مطلق الاستعمال، فتتّضح الثمرة بين القولين و ينجم دليل العفو في البين.

مدفوعةٌ: بأنّ ذلك لو تمّ لما تبادر من نفي البأس في الأخبار عن ملاقاة الأشياء طهارة الملاقي مطلقاً، و لتوقّف الذهن بين الطهارة أو العفو عمّا يلاقيها، و العفو كذلك حكم جديد لم يعلم ثبوته، و الأصل عدمه عند الشك، خصوصاً بعد لحاظ التخصيص في غير المقام بمثل هذه الأخبار فيما قضى بالانفعال مطلقاً.

و ليس لحديث العفو فيها أثر، فهي بنفسها معارضة لأدلّة تنجيس القليل من غير

ص: 443


1- الطوسي، المبسوط: 1/ 16.
2- الكليني، الكافي: 3/ 13 ح5.
3- الصدوق، علل الشرائع: 1/ 287.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 86 ح228.

توسّط قاعدة التعدّي، فإنّ حقيقة النجاسة وجوب الاجتناب عن الشيء في الصلاة و الأكل أو في مطلق الاستعمال، فإذا حكم الشارع بجواز الصلاة و غيرها في ما لاقاه ماء الاستنجاء من الثوب أو مطلقاً لم يكن نجساً، و ثبتت له جميع أحكام الطهارة.

فالبأس المنفي راجع فيها إلى ماء الاستنجاء و لو بقرينة عدم اجتناب الملاقي القاضي بطهارة ما لاقاه؛ لأنه بالفرض لم يؤثِّر في ملاقيه تنجيساً، كذا أفاد الأُستاذ رحمه الله (1)، لكن سلب أحكام النجاسة عن الثوب لا يقضي إلَّا بطهارته، و أين هو من طهارة الماء الملاقي، و أيّ دليل يرفع أحكام النجاسة عن الماء مطلقاً، و [هل] هذا إلَّا عين الدّعوى. فرجوع النجاسة إلى الأحكام المذكورة مسلّم بلا شهادة الشهيد، لكن سلبها في غير موارد السلب ممنوع.

نعم، ظاهر مَن قال بالعفو لا يخصّه جزماً بالثوب دون ملاقيه، بل الدليل لا يساعد على الاختصاص، بل لا يلتزم به أحد، و متى عمّهما كان عبارة أُخرى عن طهارته إذ لا نعني بها في المقام إلَّا عدم وجوب الاجتناب عنه و عن ملاقيه بقول مطلق، و الالتزام بهذا لا أولويّة فيه على القول بطهارة أصل الماء الملاقي له، و تخصيص عمومات انفعاله مطلقاً حتّى الرّواية؛ لعروض العلم الإجمالي بطروّ التخصيص لها إمّا في الماء أو في ملاقيه.

لا تقول: عمومات انفعال القليل بحالها، و العلم الإجمالي إنّما خصّص القاعدة، و هي: إنّ كلّ نجس منجس.

فهو غير موجود بذلك العموم؛ لردّه بأنّه لو (2) أدلة انفعال القليل لما كان لعموم بذلك القاعدة وجه، و من أين ثبتت نجاسة الماء حتّى يحكم بأنه منجّس للقاعدة؟

نعم، هي سيّالة في غير الماء، و فيه متوقفة على فرض انفعاله القاضي به المفهوم المتقدّم، فلو فرض عدم تناول القاعدة للمفروض، و خروج هذا النجس عن كونه منجساً، كيف رجع إلى عموم انفعال القليل في الماء، و الحال أنّ المعلوم إجمالاً خروج الفرد المردد بين ماء الاستنجاء أو ملاقيه، فلا عموم للقاعدة مع فرض اعتصام الماء مطلقاً، و متى حصل التّوقف

ص: 444


1- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 346.
2- كذا في المخطوطة، و الصحيح: (الولا).

ثبت المدّعى.

قولك: كلّ نجس منجّس إلَّا هذا.

أقول: كلّ قليل منفعل سوى هذا، و لا يجدي رفع الأوّل؛ لتوقّفه على كلّية الثاني.

اللهُمَّ إلَّا أن يدّعى إحراز الكلّيّة الأُولى مع قطع النظر عن أدلّة الثانية، فعليه الدليل، مضافاً إلى أنّ المفهوم من قوله علیه السلام: «إن الماء أكثر » (1)، هو نفي البأس عن ماء الاستنجاء لا عن الملاقي له؛ لظهور البأس المنفي في النجاسة عند مظنّتها لا في الاجتناب عن الملاقي؛ لأنها بنفسها بأس في الأشياء، فلا معنى للقول بالعفو، كما لا معنى لأخذ العفو في كلامهم إلى ما يرداف الطهارة من غير حجّة.

و بعد تصريحهم بثمرة القولين في جواز التناول و عدمه أو إزالة النجاسة و عدمها قد وَقْع لردّ المحقّق الثاني (2)، و لا لتخيّل السيّد في المدارك (3)، فالمحقَّق حينئذٍ هو الطّهارة لكن ما لم يتغيّر غسالة الاستنجاء بالنجاسة في أحد أوصافها الثلاثة بلا خلاف أجده.

و في زيادة الوزن غيرها قول للفاضل (4) و المصنّف (5) و الشارح (6)، و الأخذ بعمومات التّغيير هنا مع أخصّیة أخبار الباب منها من وجه، فالمرجع الطهارة إنّما هو بملاحظة عدم الخلاف في نجاسة المتغيّر مطلقاً، و إلّا أشكلَ الأمر في الحكم هنا، و لا تقضي أخبار التغيير بغير الثلاثة في النجاسة، فلا أدري شرط عدم زيادة الوزن مِمَّ مأخذه سوى قوله علیه السلام: «إنّ الماء أكثر»، و لا دلالة فيه، و العلّة غير معمول بها عند المعتبر، مع استلزام ذلك قصر العفو على ما يزيل أثر النّجو لا نفسه، و هذا لا يَكاد يستقيم، فالأحرى عدم اعتباره.

ص: 445


1- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 222 ح566.
2- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 95.
3- السيد العاملي، مدارك الأحكام: 1/ 123.
4- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 4.
5- الشهيد الأول، البيان: 99.
6- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 374.

فظهر أنّه لا ينجس إلَّا إذا تغيّر، أو (يصيب) (1) غسالة الاستنجاء (نجاسة خارجة عن حقيقة الحَدَث المستنجى به) بولاً كان أو غائطاً (أو محلّه)؛ أي خارجة عن المفهوم المردّد بين الحَدَث و المحلّ، فلو أصابَ شيئاً آخر لم يثبت له الحكم سواء خالفه في الحقيقة كالدّم، أو وافقه كالحَدَث الملقى؛ لأنه ليس في محلّه و لا من محلّه، و بروضه و يشترط زيادة أن لا ينفصل مع الماء أجزاء من النجاسة متميِّزة؛ لأنها كالنجاسة الخارجيّة يتنجّس الماء بها بعد مفارقة المحلّ (2)، انتهى.

كلّ ذلك لعدم نهوض إطلاق بإثبات العفو و الطّهارة من هذه الجهات، فإنّ هذا الماء المستعمل ليس أقوى من غير المستعمل، لكن في خصوص ما يصاحب النجو من الدّم و الدّود و الحصاة و غيرها إشكال؛ لإطلاق الأخبار، و الغالب عدم انفكاك الغائط عن شيء، و في مصحّحة ابن النّعمان دلالة على العفو و إن كان على الذَّكَر شيء من المَنيّ؛ لقوله فيها: «و أنا جُنب، قال علیه السلام: لا بأس» (3).

و منه يظهر حال كلّ مصاحب حتّى غير النّجس، بل و أقول خلاف الرّوض (4) من طهارة المنفصل منه و إن اصطحب بعض الأجزاء المتميّزة؛ لعدم اتّضاح إلحاقه بالنّجاسة الخارجة، مع وجود الفرق بينهما من حيث تناول الإطلاق و عدمه.

نعم، لا يبعد النجاسة فيما لو كان الخارج أكثر من الماء كثرة عرفيّة، لكن معه لا بدّ من التغيير، و مثله ما لو تعدّى عن المخرج تعدياً فاحشاً، و لعلّه يستفاد من قوله: أو محلّه، فتأمّل.

و اشترط بعضهم (5) عدم سبق اليَد للماء، و عدم تنجّسها بنجاسة أُخرى قبل الاستنجاء، و أن يكون الخارج أحد الشيئين دون الدّم و القيح و نحوهما، و الأصل في هذه الشروط هو

ص: 446


1- في المصدر: (تصب).
2- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 428.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 86 ح227.
4- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 428.
5- نسبه إلى القيل في جامع المقاصد: 1/ 129؛ ذخيرة المعاد: 143.

الأخذ بالمتيقّن في ما خالف الأصل أو المتبادر من الإطلاق، و من هنا تختلف الآراء باختلاف الأنظار في مقدار الانصراف، و الله العالم.

ص: 447

[المطهّرات]

(الرابعة): (المطهّرات عشرة):

و في الدروس و البيان (1) كذلك، و تفصيله في الثاني يعطي تسعة، و في الأوّل لم يعدّ زوال العين، و تفصيله هنا يعطي أحد عشر، فلا معنى للعشرة.

أوّلها: (الماء) المنزل من السّماء، (و هو مطهّر) (مطلقاً) غير المضاف إنّ رجع للماء، و إن أُعيد إلى المطهّر كما هو ظاهر الشارح كان معناه أنّه مطهر من كلّ نجاسة، و حيث إنّه لا يشمل الأربعة مع عدم الاستحالة خصّه بأنّه مطهّر (من سائر النجاسات التي تقبل التطهير) به أو مطلقاً، و الأوّل عام لكلّ مطهّر الماء و غيره، و الثاني لا يتمّ في الأربعة؛ لقبولها التطهير بغير الماء.

و لو أراد بالقبول المصطلح عند أرباب المعقول و هو وجود القابل عند المقبول، فيكون قبول التطهير مع بقاء العين، و تخرج الأربعة لعدم قبولها له مطلقاً و عينها باقية، و يشمل القبول غيرها و إن بقيت الحقيقة حتّى المستهلك فيه؛ إذ الاستهلاك لا يحيل الحقيقة إلى غيرها و إن لم يتميّز للحسّ، فالنجاسة في غير الأربعة معلّقة على البول المتميّز مثلاً، و مع فَقْد التّمييز بغلَبَة المطهّر عليه يطهر و إن بقي شائعاً في أجزاء المطهّر، و في الكلب مطلقاً و الميتة معلّقة على نفس العين فلا تطهر إلَّا بانقلابها و استحالتها، لما جرى ذلك في المتنجّس؛ لعدم قبوله التطهير مع بقاء عين النجاسة فيه، إلّا أن يفسّر بما يقبل التّطهير بالقبول مع بقاء العين، أو ما يترتّب عليه حكم النجاسة مطلقاً، بقيت العين أم لا.

و يرد أيضاً أنّ (من) الجارة ظاهرة في أنّه مطهّر للأشياء من النجاسات، فلا دليل على تطهيره لنفس النجاسة إلَّا بجعلها كالمتنجّس تسامحاً، فالدّم نجس ما دام متميّزاً، فيكون التمييز علّة نجاسته، فيشمل ما كان نجساً بالذات أو العرض، و الأصوب أنّه لمّا كانت الأحكام معلّقة على الأسماء و دائرةً مدارها وجوداً و عدماً، بين رحمه الله أنّ كلّ ما يقبل التطهير مع بقاء اسمه مطلقاً، الماءُ مطهّر له، فيخرج ما لا يقبل التطهير مع بقاء اسمه و إن قبله بتبدل

ص: 448


1- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 125، البيان: 92.

اسمه عرفاً، و بعد انقلابه يكون ممّا يقبل التطهير إذا تنجس، و لا ينقض بالعصير و لا الدّم المنتقل إلى البعوض مما لا يقبل الطّهارة بالماء قبل انتقاله و ذهاب ثلثيه مع أنّه يقبل التطهير و الاسم باقٍ بهما؛ لمنع بقاء الاسم، أو قبولهما للتطهير بالماء عند غلبته عليهما بحيث لم يظهر للحسّ كما بيّنا، و لا كذلك الأربعة، فتدبّر.

(و) ثانيها: (الأرض) (تطهِّر) (باطن النعل)، و الخفّ مع صدق الاسم لا مطلقاً أو مطلق ما ينتعل (و) الباطن من النعل (هو أسفله الملاصق للأرض) الذي تستره حالة الاعتماد عليها، فلا يلحق به حافّتاه و جوانبه بروضه (1)، (و) مثله (أسفل القَدَم)، و لم يكتف المصنّف بالباطن كالإرشاد (2) لتوهّم العطف على المضاف فذكر الأسفل، و هما بمعنىً، و الحكم مشهور (3)؛ لصحيحتي زرارة في من وطأ العذرة (4)، و إطلاق جواز مسح الرّجلين (5)، و خبر الحلبي [في] مستطرفات السرائر (6) لنفي البأس إذا مشى بيابس الأرض بعد ملاقاة نداوة البول، و مثلها رواية المعلّى (7)، و رواية حفص ابن أبي عيسى في الخفّ (8)، و إطلاق رواية الأحول (9)، لكنّه حدّد المشي بعد التنجيس في خمسة عشر ذراعاً، و النبوي: «إذا وطأ أحدكم الأذى بخفّه فإنّ التّراب له طهور » (10)، إلى غير ذلك.

ص: 449


1- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 454.
2- العلّامة الحلي، إرشاد الأذهان: 1/ 240.
3- ينظر منتهى المطلب: 3/ 284.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 275 ح809.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 46 ح129.
6- ابن إدريس، مستطرفات السرائر: 555.
7- الكليني، الكافي: 3/ 39 ح5.
8- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 274 ح808.
9- الكليني، الكافي: 3/ 38 ح1.
10- ابن أبي جمهور، عوالي اللآلئ: 3/ 60 ح178؛ سنن أبي داود: 1/ 95 ح385.

فهي مع ضميمة إجماع ثاني المحقّقين (1) و عدم ظهور الخلاف إلَّا من ظاهر الخلاف (2)؛ لعدم اعتماده على النّبوي، و حمله جملة الأخبار على العفو عمّا لا تتمّ به الصلاة من النعل و الخفّ، يصيّر الحكم في الجملة ممّا لا غبار عليه، و الحمل لا يسري في أخبار القدم جزماً؛ و لأجله تردّد فيه الفاضل (3)، و الإجماع وجه المدّعي مع الإضافة، لكن طهارتهما ثابتة (مع زوال عين النجاسة) أو المتنجّس الملاقي (عنهما) دون أثرها، فلا يضرّ بقاؤه بنصّ الأكثر إلَّا ابن الجنيد (4) و إن ظهر منه كفاية المسح بغير الأرض في الطّهارة، و إشارة السّبق (5) أيضاً كذلك بشرط المسح بالتراب، و المصنّف في الذكرى لم يتعرّض لشيء، لكنّه في وجوب إزالة النجاسة مطلقاً قال: و الواجب ذهاب العين و الأثر (6)، و أظنّهم قاسوه على كفاية ذهاب العين بالأحجار في الاستنجاء، و الأقوى اشتراط ذهابهما للأصل، و قولُه علیه السلام في صحيحة زرارة: «حتّى يذهب أثرها» (7) كافٍ فيه.

نعم، الأثر الذي لا يضرّ بقاؤه في الإزالة بالماء كاللّون الذي لا يخرج هو كذلك، و أمّا مطلقه فلا، فإذا زالت العين و الأثر عنهما (بها بمشي و دلك و غيرهما) من مزيلاتها و لو بمجرّد الوضع حكم بالطهارة و إن أفادت رواية الأحول (8) المشي، لكن فيها «أو نحو ذلك» يعني ممّا تزول به النجاسة و ذكره المشي بخصوص العدد لعلّه لجهة الفرد الظاهر، فلا وقع لقول الدّروس: بمشي أو غيره، و في رواية: بمشي خمسة عشر ذراعاً (9) بعد ما عرفت.

ص: 450


1- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 179.
2- الطوسي، الخلاف: 1/ 480.
3- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 291.
4- حكاه عنه في المعتبر: 1/ 447.
5- ابن أبي المجد، إشارة السبق: 88.
6- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 129.
7- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 275 ح809.
8- الكليني، الكافي: 3/ 38 ح1.
9- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 125.

(و الحجر و الرّمل من أصناف الأرض) كغيرها ممّا صدق عليه الاسم، و عبّر المفيد (1) و غيره (2) بالتّراب، و جمع سلّار (3) بينهما، و نفى الفرق في المقداديّات (4) بين الأرض و الحجر و الآجر و الجصّ و النورة، قال: و غير ذلك إذا كانت متحجِّرة، و الإسكافي (5) طرد الحكم في الأجسام الطاهرة؛ لإطلاق المسح، و الظّاهر إحالة المقام على التيمّم و السجود فيقتصر على ما يصحّ فيه ذلك، فإن كان المقام أعمّ اتّجه اختيار الخافي، (و لو لم يكن للنجاسة) في ما يطهّر بها (جرم و لا رطوبة) كأن لم تكن أصلاً، أو زالت بنفسها قبل المسّ (كفى) في الطهارة (مسمّى الإمساس) بلا دلك و لا مشي، فإنّ اعتبارهما للإزالة، لكن لزوم الإمساس مع عدم الأثر كأنّه فاقد للحجّة بعد جعل الغاية عدم الأثر في الخبر.

و رواية المشي و إن شمل إطلاقها للمفروض، إلَّا أنّها ظاهرة بوطء النظيف بلا فصل. و قوله: و نحو ذلك، قرينة أنّ المشي لإزالة العين أو الأثر، فإذا لم يكن قاضياً بالتعبّدية و لا للعقل مَسرَح فيه، لم يلزم الإمساس، و يرجع فيه إلى ما تقتضيه القواعد.

(و) أيضاً (لا فرق في الأرض)؛ لإطلاق الأخبار (6) (بين الجافّة و الرّطبة) كالسبخة (ما لم يخرج (7)) بالرطوبة الفاحشة (عن اسم الأرض)، و كأنّه مستدرك لغناء التعليق على الأرض عنه، و حينئذٍ فلو كانت وَحْلاً أو طيناً لم تفدْ طهارة.

و فيه: إنّ غير الجافّة مشكوكة الحال، فالرجوع فيها إلى الأصل أَولى، مع اشتمال الأخبار على التراب الظاهر في اليبس، و اليبس في بعضها، فتقيّد تلك المطلقات، و عليه المهذب (8)

ص: 451


1- المفيد، المقنعة: 72.
2- منهم: المحقق في المعتبر: 1/ 248؛ و العلّامة في تحرير الأحكام: 1/ 163.
3- سلّار، المراسم العلوية: 55.
4- ينظر جوابات المسائل المقدادية، عن مجلة تراثنا: 8/ 373.
5- حكاه عنه في المعتبر: 1/ 477.
6- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 177 ح840؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 2/ 234 ح925.
7- في المصدر: (تخرج).
8- ابن البراج، المهذب: 1/ 260.

و المسالك (1).

و الظاهر أنّ اليبس الكلّي لا عِبرَة به على القولين، فيكفي مسمّاه.

(و هل يشترط طهارتها) في مطهريّتها مطلقاً، أو العينيّة، أو لا يشترط؟

(و جهان) من إطلاق الأرض فالعموم، و من ظهور القيد في الطاهرة بالخبر فالخصوص، و الأقوى الاشتراط؛ لظهور العلّة فيه فوق الإشعار، و لإجمال المطلقات بواسطة اشتباه العلّة أو إجمالها، فيرجع للقواعد و يتّجه الاستصحاب، أو للاتّفاق على طاهره المطهّر كما نفى الخلاف فيه البعض (2).

سلّمنا أنّه غير معلوم، فالظاهر كفاية الظنّ باعتباره في سقوط الإطلاق لدورانها مَدار الظنّ الخفي أو عدم الظنّ بالخلاف مطلقاً و لو كان من أمارة غير معتبرة كالاستقراء، فلا وقع لقوله: (و إطلاق النّص و الفتوى يقتضي عدمه)، أمّا حديث النّص فنقطع لا يكفي فيه أنّ النظيف في رواية الأحول من كلام السائل فلا إشعار فيه، و أنّ خبر التراب (3) الرُّشد في خلافه لو أشعر، أو أنّ إطلاق الطهور فيه مراد به نفس المطهّرية، و الإضافة بالخبر مُشعِرَة، أو أنّ إشعار التعليل في قوله علیه السلام: «يطهِّر بعضها بعضاً» (4)، موقوف على توسّط مقدّمة أُخرى، و هي أنّ كلّ طاهر مطهّر.

و هی ممنوعة، مع احتمال أن يكون البعض إنّما يطهّر البعض المتنجّس منها الملاصق للخُفّ، فلا دلالة لها على أصل المدّعى، فإنّ كلّ ذلك تمحلّ لا ترتضيه السليقة، بل ظاهر تطهير الأرض بعضها بعضاً بقرينة سوق الكلام أنّها تطهّر ما بحكمها ممّا یوضع علیها، و أُطلق الأرض علیها للمجاورة، أو لأن الخفّ و النعل بمنزلة الأرض للرِجْل و أسفل القدم؛ للمجاورة، أو أنّ الأرض (یطهّر) أثر النجاسة الحاصلة منها بالوطء.

ص: 452


1- الشهید الثاني، مسالك الأفهام: 1/ 130.
2- ينظر التفصيل في مشرق الشمسين: 339.
3- ابن أبي جمهور، عوالي اللآلئ : 3/ 60 ح178؛ سنن أبي داود: 1/ 95 ح385.
4- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 3/ 457 ح4166 .

على أنّ حمل التنوين على غير التمكين هو بعد تعذّر حملها عليه، فعسى أن يكون في بعض ليست للعوض فالمعنى: أنّ بعضها الذي هو الطاهر اليابس يطهِّر بعض الأشياء، فإنكار الإشعار غير لائق، و إلَّا لما توهّم، لا أقلّ من وَهن الإطلاق، و معه لا يتمّ المدّعى.

و أمّا إطلاق الفتوى، فأراد بها فتوى المصنّف هنا؛ لإطلاق فتوى الكلّ مع وجود المخالف مطلقاً كالخافي و أتباعه، أو الخالية من النجاسة العينيّة كابن فهد (1)، و المطلق الذي لم يتعرّض أحاله على باب التيمّم و الاستنجاء.

و منه يظهر عدم الاكتفاء بما يقتطع من الأرض و یزال به النجاسة و إن كان طاهراً؛ لبقائه على حكم الأصل من جهة الشك، فيقتصر حينئذٍ على يابس الأرض الطاهر مع المماسّة لها، و على المنصوص من النعل و غيره.

(و المراد بالنعل ما يجعل أسفل الرّجل للمشي) مطلقاً ليس خصوص ما تعارف في ذلك العصر بحيث يكون به (وقاية من الأرض و نحوها) ممّا يمشى عليه، (و لو) كان (من خشب) كالقبقاب، فيشمل جميع ما وضع ليمشى عليه حتّى اليَد و الركبة و البطن كما نصَّ عليه غير واحد (و خشبة الأقطع كالنعل) هنا و في المسالك (2)، و بروضه (3) تردّد؛ لعدم صدق الاسم المعلّق عليه الحكم، و هو جيّد؛ لما ذكرنا، فإنّ تطهير الأرض كتطهير الماء مجمل بالنسبة إلى كيفيّاته.

و النجس إذا قلنا لا بدّ له من مطهّر، و لا يكفي زوال العين فقط، نأخذ بالمتيقّن بما يحصل به هذا الأثر، و المشكوك به يبقى على أصله، فلا يلحق بالمنصوص أسفل العكاز و كعب الرّمح و سكّة الحديد للحرث و لباس الرجل من الجورب و غيره.

و أمّا الظلف و الحافر في غير الإنسان و نعل الحديد فيكفي فيها نفس زوال النجاسة بلا ريب، و ليس لها ربط في المقام، و الله العالم.

ص: 453


1- ابن فهد الحلى، المهذب: 1/ 260.
2- الشهيد الثاني مسالك الأفهام: 1/ 130.
3- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 454.

(و) ثالثها: (التراب في الولوغ) السابق بيانه، (فإنّه جزء علّة للتطهير) في القليل أو مطلقاً، و لا يطهر الإناء بدونه ( فهو) مع ضميمة الغسلتين أو الثلاث أو السّت (مطهّر في الجملة)؛ لعدم كونه علّة تامّة، و قد سلف أنّ الفاضل (1) احتمل أنّه للاستعانة، و عليه يقوم غيره مقامه مطلقاً، و على الأوّل لا ينوب عنه شيء، و لا بدّ أن يكون طاهراً، و عليهما تطلق عليه الطهارة توسّعاً، لكن على الأخير ترتفع الخصوصيّة و يكون كغيره.

(و) رابعها: (الجسم الطاهر) القالع للنجاسة (غير اللّزج و لا الصقيل)؛ فإنّهما لا يقلعانها، و غير الرطب أيضاً، و غير المنهي عنه في رأي (2) لم يبيِّن لنا وجهه، فإنّه بشرطه مطهّر (في غير المتعدّي من الغائط)، و يسمّى حجر الاستنجاء.

(و) خامسها: (الشّمس) مع عدم الحاجب تطهِّر (ما جفّفته) و لو بمعونة الهواء مطلقاً، أو من البول خاصّة، (بإشراقها عليه) دون ما كانت فيه سبباً للتجفيف بلا إشراق (و) قد (زالت عنه) لما أشرقت عليه (عين النجاسة ) من غير فرق بين زوالها بالإشراق، أو قبله و فيه بَلَل غير النجاسة .

و كان التطهير كذلك عليه الأكثر، بل الإجماع المنقول (3)، و ابن حمزة (4)، و الراوندي (5)، و المعتبر (6) في صدر كلامه يظهر منه العفو في السجود على الجاف بها دون الطهارة، و تظهر الثمرة في عدم جواز التيمم و ملاقاة الموضع برطوبة بعد الجفاف.

و المصنف تبع الأكثر في الطهارة، و أراد بالموصول العموم لكلّ ما جَفٌ بها (من الحصر

ص: 454


1- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 291.
2- ينظر: الشهيد الثاني، الحاشية على الألفية: 71؛ السيد العاملي، مدارك الأحكام: 1/ 221.
3- الطوسي، الخلاف: 1/ 219.
4- ابن حمزة الوسيلة: 79.
5- حكاه عنه في مختلف الشيعة: 1/ 482.
6- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 446.

و البواري) (من المنقول)، و اقتصر عليهما الراوندي (1) و ابن الجنيد (2)، و في المقنعة (3) هما فقط، و في الخبر (4) البواري، و كأنهما بمعنىّ، قال الجوهري: الحصير: البارية (5)

(و) كذا ما جَفّ بها من (ما لا ينقل) (عادةً) و إن أمكن نقله كما في الثلاثة (مطلقاً) لا يخص ببعض ما لا ينقل دون بعض كاختصاص المنقول بهما من بين ما ينقل، أو أنّ الإطلاق بالنسبة إلى الأرض و غيرها، فأراد به تعميم الحكم لما لا ينقل (من الأرض و أجزائها) من كلّ حَجر و مَدر (و) من (النبات) مطلقاً ليدخل غير الشجر (و) من (الأخشاب) مطلقاً (و) من (الأبواب المثبتة) و يلحقها أغلاقها و مساميرها و سائر ما اشتملت عليه.

و يمكن إرجاع القيد لهما فيلغو إطلاق الأخشاب، و حينئذ لا تطهِّر ما لم يثبت منهما من ألواح الحوانيت و سائر الخشب المنفصل، (و) أمّا (الأوتاد الداخلة) في البناء فتدخل في الأخشاب المثبتة، و ما كان منها غير خشب فحكمه حكمه، (و) كذا (الأشجار) مطلقاً و إن صغرت بل (و الفواكه الباقية عليها ) مطلقاً؛ إذ قبل أوان قِطافها هي ممّا لا يُنْقَل عادةً جزماً، و بعده كذلك (و إن حان أوان قطافها)؛ فإنّها ما دامت على الشجر يصدق عليها أنّها داخلة فيما لا يُنْقَل كورقها دائماً و إن ذوى، و الزرع في زمان حصاده.

فهنا دعويان:

الأولى: الطهارة، و يقضي بها - بعد الشهرة إن لم يكن الإجماع - عدّةُ نصوص كخبر الحضرمي: «كلّ ما اشرقت عليه الشمس فهو طاهر» (6)، أو «ما أشرقت عليه الشمس فقد

ص: 455


1- حكاه عنه في المعتبر: 1/ 446؛ و مختلف الشيعة: 1/ 484.
2- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 447.
3- المفيد، المقنعة: 71.
4- الكليني، الكافي: 1/ 273 ح90.
5- الجوهري، الصحاح: 2/ 631، (فصل الحاء).
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 2/ 377 ح1572.

طهر» (1)، و موثّقة عمّار (2) على المشهور من نسختها، فإنّها صرّحت بجواز الصلاة على الموضع؛ يعني صحّة السجود، بقرينة (على)، أو لأنه بعض أجزاء الموضع.

و اشتراط طهارته موضع وفاق، و المقابلة بالتمييز بالتجويز للمنع فيه على عدم العفو تُشرِف الفقيه. و كذلك صحيحة زرارة و الأزدي (3) و ما قضى بصحّة الصلاة مع يبس الموضع و غيرهما فيها يزول حكم الاستصحاب و لا يحتاج إلى مقالة المعالم (4) أنّ توهّم احتياج صفة النجاسة الثابتة إلى وجود الرافع و المزيل من الأغلاط، بل يكفي في رفعه إجمال المستصحب و عدم العلم به، و لا إلى مقالة الرّياض (5) بالمعارضة بطهارة الملاقي، فيرجع لأصل الطهارة؛ لدفعهما بما ثبت في محلّه من رجوع الأوّل إلى نفي حجّية الاستصحاب بمقدّمات باطلة تنزّه عنه أذهان العلماء.

و الثاني: على عدم الحكومة في الأُصول المتعارضة، إلَّا أنّه لا يثمر إلَّا طهارة دون جواز التيمّم أو الأكلّ من الثمر الجاف.

نعم، ربما يعارضها مصحّحة ابن بزيع: قال علیه السلام: «كيف تطهر من غير ماء» (6)، فإنّ التأويل فيها بحملها على كون النجاسة جافة فلا بدّ من إلقاء الماء حتّى يترطّب المحلّ فتجفّفه الشمس أو غير ذلك، ليس بأَولى من التصرّف في المعارض القاضي بالطهارة، فيجمع بالحمل على العفو.

لكنّه كلامٌ غير متين؛ إذ العفو إن كان عن جميع أحكام النجاسة تكليفاً و وضعاً فنحن

ص: 456


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 273 ح804.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 273 ح802.
3- هي رواية واحدة مروية بسند واحد ينتهي إلى حريز، و قد رواها عن زرارة و حديد بن حكيم الأزدي. الكليني، الكافي: 3/ 392 ح23؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 2/ 376 ح1567.
4- المحقق الشيخ حسن، معالم الدين (قسم الفقه): 2/ 768.
5- الطباطبائي، رياض المسائل: 2/ 412.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 273 ح805.

لا ننكره، و إن كان عن خصوص السجدة فممتنع بملاحظة سَوْق الكلام، ولا يجدي احتمال أنّ فاء التفريع في الخبرين بمنزلة الإشارة إلى صغرى القياس الذي لا بدّ فيه من ترتيب كلّ حكم على موضوعه لاحتياجه إلى الشاهد المفقود، و إطلاق الطّهر يأباه.

الثانية: في قصر الحكم على البول من النجاسات، و قصره على الحصر و البواري ممّا ينقل، و عدمه في ما لا ينقل مطلقاً أرضاً أو غيرها، أو اختصاص الحكم بالأرض فقط المنقول و غيره، و الوجه العدم في الأوّل؛ لفقد ما يصلح للقصر و إن ظهر ذلك من الشيخ رحمه الله (1) و استشمّ من المقنعة (2)؛ لأنه لم يذكر غيره.

و ردّ الشيخ (3) رواية عمّار (4) بعد الاعتراف بعمومها لغير البول بضعف السند، و بأن غيرها لا عموم فيه ينفعهما بعد اعتبار الموثّق عنده خصوصاً ما أسند لعمّار، و قوله علیه السلام: «خذوا ما رووا و ذروا ما رأوا » (5)، في المأخوذ من كتب بني فضّال، و هي منها.

أنه رحمه الله استند إليها في أصل المسألة فكيف أنكر العموم و اعترف بالخصوص، و إنكاره لعموم غيرها مع عموم رواية الحضرمي (6) و ابن بزيع (7) أغرب شيء، مع أنّه في المبسوط اختلف كلامه، ففي موضعين منه أطلق قال: و إن كانت النجاسة مائعة فإنّها تطهر بأن يتكاثر

ص: 457


1- الطوسي، الخلاف: 1/ 495.
2- المفيد، المقنعة: 71.
3- لم نعثر للشيخ الطوسي رداً لرواية عمار بالمذكور ههنا، و إنما وجدنا هذا الرد قد ذكره العلّامة الحلي فقال: (و رواية عمّار و إن دلّت على التّعميم، إلَّا أنّها لضعف سندها لم يعوّل عليها). منتهى المطلب: 3/ 279. و في المعتبر: 1/ 446، بيّن أنّ الشيخ الطوسي معتمد على هذه الرواية، فقال: (استدل الشيخ لما ذكره بإجماع الفرقة، و رواية عمار بن موسى عن أبي عبد الله علیه السلام قال: «إذا كان في الموضع قذراً من البول أو غيره...» الرواية).
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 272 ح802.
5- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 4/ 542.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 2/ 377 ح1572.
7- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 274 ح806.

عليها الماء أو يطلع عليها الشمس فتجففها و تزول عين النجاسة (1)، انتهى.

و قال: الحصر و البواري إذا أصابتها نجاسة مائعة مثل البول و شبهه و جفّفتها الشمس جازَ السجود عليها (2)، انتهى.

و في موضع آخر قال: و حكم الخمر حكم البول إذا أصاب الأرض، إلَّا إذا جفّفتها الشمس فإنّه لا يحكم بطهارته، و حمله على البول قياس (3)، انتهى.

و الفاضل في المنتهى (4) تبع الشيخ، و في المختلف (5) أنكره، و المعتبر (6) تردّد، و الوجه الجميل أسفر لثامه.

و أمّا الباقي فالأقوى ما عليه الأكثر؛ لأنّ النصوص خاليّة عن إعطاء الميزان في تمييز المنقول من غيره و التخصيص ببعض الأفراد منهما، و كلام العلماء مختلف، و حينئذٍ فما ذهب الحلّي (7) فيه إلى عدم لحوق حكم التطهير بالإشراق عليه خرج عن عموم ما أشرقت عليه، و اندرج فيه غيره مطلقاً.

و دعوى العهد في الموصول؛ لجهة كثرة التخصيص، مدفوعٌ برجوعه إلى إجمال الرّواية، و هو ينافي استدلالهم بها، مع منع كثرة التخصيص على وجه يكشف عن العهديّة المستلزمة للإجمال، فلا بدّ من القول بعدمه و عدم جواز الأخذ بعمومه من غير مراعاة عمل الأصحاب، فلا مناص عن العمل بقدر الجابر؛ لضعفه سنداً و دلالة كما في غيره، و يلتزم بعمومه حينئذٍ في ما اشتهر فيه الحكم بالطهارة، و في ما لم يشتهر، دون ما اشتهر فيه العدم.

ص: 458


1- الطوسى، المبسوط: 1/ 32.
2- الطوسي، المبسوط: 1/ 90.
3- الطوسي، المبسوط: 1/ 93.
4- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 279.
5- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 484.
6- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 447.
7- ابن إدريس، السرائر: 1/ 182.

و على ما قرّرنا يخرج من المنقولات الثياب و الفرش و المأكولات؛ لذهاب الأكثر (1) على أنّها لا تطهر بالشمس، و في لحوق الحكم لكلّ ما عمل من نبات الأرض غير القطن و الكتان كما عليه الشيخ (2) و المنتهى (3) و الجامع (4) إشكال، و على الميزان ينبغي عدم دخوله في العام؛ لأنّ أصله في برج الشك، فكيف الفرع الذي يُوهِم عدم تعرّضهم له أنّهم لا يرون تأثير الشمس فيه طهارة.

سلّمنا دخوله في العام، فأيّ معنى لاستثناء القطن و الكتان.

كما أنّ القدر المتيقّن لحوق الطهارة لكلّ ما ذكره المصنّف بإطلاقه، و الشارح بتفصيله، ممّا لا يُنْقَل، و هل العِبرَة فيما لا ينقل بملاحظة حال الأصل، أو حال التطهير، أو حال التنجيس؟ احتمالات أظهرها الوسط، و أحوطها الجمع بين الأخيرين، و إن كانت رواية السطح (5) شاملة للمنقول ممّا عليه من الطّين النجس، لكنّا نقصرها على الثابت منه أخذاً بالمتيقّن.

(و) بالجملة (لا يكفي تجفيف الحرارة) من الشمس و لا غيرها؛ لأنها غير مشمولة لما أشرقت عليه الشمس في رواية الحضرمي، و (لأنها لا تسمّى شمساً)، و لا يسمّى ما جَفّ بها أنّه جفّ بالشّمس، و عليه في شرح الألفيّة (6) الإجماع منقولاً، خلافاً لموضع من الخلاف (7) و للمعالم (8) فاكتفى بمجرّد التجفيف، و الروايات إنّما دلّت على الطهارة بضميمة الاتّفاق، و إلَّا فهي بنفسها قاصرة عن المدّعى بالشمس فكيف مطلق التجفيف، مع مخالفته لاتّفاق

ص: 459


1- ينظر الطوسي، المبسوط: 1/ 93؛ ابن حمزة، الوسيلة: 79.
2- الطوسي، المبسوط: 1/ 90.
3- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 279.
4- ابن سعيد، الجامع للشرائع: 24.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 274 ح806.
6- الشهيد الثاني، المقاصد العلية: 154.
7- الطوسي، الخلاف: 1/ 218.
8- المحقق الشيخ حسن، معالم الدين (قسم الفقه): 2/ 772.

المنتهی (1).

(و) حينئذٍ (لا) يكفي (الهواء المنفرد) عن الشمس، بل و إن انضمّت حرارتها إليه (بطريق أَولى)؛ لصدق التجفيف بحرارتها أنّه ممّا جفّفته الشمس في الجملة، فإذا لم يفد كيف يفيد نفس الهواء بلا ضميمة.

(نعم)، لا يضرّ) في ثبوت التطهير (انضمامه إليها)؛ لعدم خلوّها عنه عالماً (2)، إلَّا أن يكون مدخليّة الشمس ضعيفة لشدّة الهواء، فلا يكفي أيضاً و إن أشرَقَت عليه؛ للشك في كونها جزء علّة للجفاف فتبقى النجاسة، و ليس كالرِّيح غيره من الضمائم؛ جموداً على ظاهر الأدلّة.

(و يكفي في تطهير (3) الباطن) من الأشياء النّجسة التي تطهر بالإشراق نفس (الإشراق على الظاهر) لا مطلقاً، بل (مع جفاف الجميع) بها، و لا يجدي جفاف الظاهر بها و الباطن بغيرها منفرداً، و ظاهره إطلاق الطهارة حتّى في ما لو كان المتنجّس نفس الباطن دون ظاهره، فيكفي الإشراق على ظاهره.

و نحن في تردّد من ذلك؛ لقصور الأدلّة عن إفادة الإطلاق و الشّك في المزيل، بل لا يبعد القول ببقاء نجاسة الباطن؛ لأنه لم تشرق عليه الشمس، إلَّا أن يفهم من صحيحة زرارة تبعيّة طهر الباطن و صدق التجفيف بها و إنْ لم تشرق عليه فيؤخذ بإطلاقه، أو يقال بصدق الاشراق نظراً إلى اتّحادهما عرفاً، لكن ذلك كلّه (بخلاف المتعدّد الملاصق (4)) مع إمكان انفصاله و لو بعلاج، فإنّه (إذا اشرقت) الشمس (على بعضه) لم يطهر الآخر منه، و بخلاف ما إذا لاقَت النجاسة الوجهين بلا سراية من أحدهما، و في شرح الألفية (5) كذلك، و هو الأوفق

ص: 460


1- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 278.
2- كذا في المخطوطة، و الصحيح: (غالباً).
3- في المصدر: (طُهْر).
4- في المصدر: (المتلاصق).
5- الشهيد الثاني، المقاصد العليّة: 154.

بالأدلّة، لأنّ الملاصق الممكن إشراق الشمس عليه جسم آخر يحتاج إلى إشراق آخر بعد عدم كفاية الحرارة.

الفاضل (1) استند إلى الوجه الاعتباري في تطهير الشمس، و هو أنّ الشمس بحرارتها تفيد تسخيناً، و هو يوجب تبخير الأجزاء الرّطبة و تصعيدها، و الباقي تحيله الأرض إلى الأرضيّة فيطهر؛ لأنّ التراب طهور، و في النهاية (2) إنّه يتعذّر غسل هذه الأشياء فكانت طهارتها بزوال عين النجاسة؛ لزوال المعلول بزوال علّته، و أمّا إزالة الحكم بالماء ففي ما يمكن غسله، أمّا ما لا يمكن فلا، و مقتضاه عدم طهارة الباطن مطلقاً بها، و في التذكرة (3) صرّح بطهرهما.

(و) سادسها: (النار) تطهّر (ما أحالته) نجساً كان أو متنجساً و إن لم يقبل التطهير قبلها، (رماداً أو دخاناً) أو بُخاراً في المشهور؛ لخروجه عن مسمّى العين النجسة، و عدم المصرّح بأنّها لا تطهر أصلاً، فيكون المتيقّن من تطهيرها هو ما ذكروه، و اختلف كلام سلّار فلم يذكر النار في عِداد المطهّرات و حكم بنجاسة الخبز الذي عجن دقيقه بماء نجس و قال: إنّ النار تزيل حكم النّجاسة عن المَرَق الذي وقع فيه دم و غلى (4).

و الحكم في الأعيان النجسة لا شبهة فيه في غير البخار و لا قاضي بالتردّد فيه سوى توهّم استصحاب النجاسة، و لا إشكال في تبدّل موضوعه أو الشكّ فيه، و معه يسقط حديثه، مع ما قضى بطهارة الرّماد؛ لاندراجه في جملة الأشياء الطّاهرة فتأمّل، و لخصوص صحيحة ابن محبوب الناطقة بأنّ «الماء و النّار قد طهّراه » (5).

و ما في قرب الإسناد عن الجصّ يطبخ بالعذرة أ يصلح أن يجصّص به المسجد؟ قال:

ص: 461


1- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 276.
2- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 290.
3- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 8.
4- سلّار، المراسم العلوية: 212.
5- الكليني، الكافي: 3/ 330 ح3.

«لا بأس.» (1).

و نوقش بأنّ العذرة أعمّ من النّجس، و العظام طاهرة بالذات، فحمل العذرة على فضلة الإنسان أوّل الدعوى ليدلّ الجواب على طهارة الجصّ الملاقي لدخانها و رمادها، و أنّ ظاهر التعليل لا يطابق القواعد؛ لاشتماله على الماء الذي لا يفيد تطهير الجصّ بعد نجاسته.

ثمّ إنّ نجاسة الجصّ و تطهيره بالنار لا محصّل له، و هو ظاهر الخبر، فإنّ النار ما أحالت الجص لو فرض نجاسته، و لا يفيد نفي البأس عن السّجود عليه في الطّهارة؛ إذ صحّة السّجود عليه و لو كان طاهراً محلّ إشكال، و على فرضه فهو لم ينجس ليطهر؛ لأنه إنّما لاقى دخان العذرة، و هو غير منجس.

و تمحّل في حملها بأنّ غرض السائل نجاسة الجص إذا بلّل؛ لملاقاته لتراب العذرة، فأجاب بأنّ ذلك لا ينجّسه؛ لأنّ الماء و النّار شأنهما التطهير له إذا تنجّس فكيف ينجسانه، فيكون قوله علیه السلام: «قد طهّراه » (2)، المبالغة في عدم تنجيسه لا الحكم بأنّه متنجّس و قد طهر بهما، أو أنّ المراد بالتطهير مجرّد التسبّب للطهارة فيكون المعنى أنّ ما خالطه قبل الرّماديّة لا يؤثِّر فيه بعد الإحالة إليها أو أنّ المراد التنظيف من التطهير أو إزالة عين النجاسة عنه فسُمِّيَ تطهيراً للنار. و أمّا الماء فالتطهير فيه بمعنى التنظيف.

و كان الإنصاف أنّ الرّواية غير صالحة الدلالة على المدّعى، بل ظاهرها نجاسة الجصّ بعد استحالة العذرة و العظام و أنّه يطهر بالنار و الماء، فيؤخذ بالمدّعى و يعرض عن الدّليل؛ لإجماله، و لا يكفي مقالة البعض (3) بأن التطهير بالنّسبة إلى النار أُريدَ به معناه الشرعي و إلى الماء مجرّد النّظافة، و أنّه لا معنى مانع من الجمع بين المعنيين بقرينتهما.

فضرورة مطابقة الجواب للسؤال تعيّن الأوّل، و الإجماع يعيّن الثاني، أو أنّه من باب عموم المجاز، فإنّ هذا على خلاف التحقيق في المسألة الأصوليّة، مع أنّه لا يكفي؛ لعدم صحّة

ص: 462


1- الحميري قرب الإسناد: 290 ح1147.
2- الكليني، الكافي: 3/ 330 ح3.
3- ينظر البهبهاني، مصابيح الظلام: 5/ 214، 215.

رجوع الضمير إلى العذرة و الجص معاً و إن صحّ الجمع بين معنيين في استعمال واحد، فإنّه من خواص أسماء الأجناس لا الضمائر و سائر المبهمات، و لو خصّ الضمير برجوعه إلى الجصّ فقط و تصرّف في نسبة التطهير بأن يجعل المانع عن تلوّث الجصّ، و هو النار، و المطهّر للعذرة بمنزلة المطهّر له؛ إذ لو لا تطهيره للعذرة لتنجّس الجصّ، فالدافع و الرافع مشتركان في النتيجة كان تكليفاً آخر، فلا مناص عن حمل الرواية على أنّ التطهير مراد به التنظيف عن النفرة الحاصلة فيهما معاً، و ليس فيه شيء سوى حمل التطهير على غير معناه الشرعي، و لا بُعد فيه.

و أمّا المتنجّس المستحيل فقيل بطهارته للأولويّة، و بنجاسته لبقاء موضوعها، و هو الجسم المتنجّس، و أُجيب باحتمال مدخليّة الصورة النوعيّة في الموضوع فلا يحرز بقاؤه، و ردّ بالنقض إذا صار فحماً، أو صار حقيقة متوسطة بين الخشب و الفحم، فإنّهم لا يحكمون بالطّهارة فيهما.

فيؤيّد ذلك أنّ الموضوع هو الجسم، و يدلّ عليه أيضاً اختلاف النجاسة و سائر الأحكام الشرعيّة في بعض صور الانقلاب و التبدّل بقاءً و ارتفاعاً، كما لو صار الماء النجس خلاً أو عرقاً، فإنّه يبقى على النجاسة على الأقوى، و لا يجوز استعماله في الوضوء و رفع الحَدَث إذا انقلب كذلك، و هو طاهر بلا خلاف، و حينئذٍ فاعتبار الصور النوعيّة في الموضوع مطلقاً لا يخلو من إشكال و غموض.

نعم، في ظاهر إطلاق الإجماع في كلام المصنّف و غيره (1) على طهارة ما أحالته النار يقضي بشموله للمتنجّس، بل المفاتيح (2) استظهار ذلك، و صريح جامع المقاصد (3) الإجماع صريحاً، بل لم أعثر على مخالف صريحاً و إن كان عدم العلم بالخلاف لا يورث العلم بالوفاق، بل أقصاه الظنّ، و هو مشكل بعد ملاحظة اختصاص عنوان الاستحالة في نجس العين بجملة كلماتهم، و بعد احتمال تعويل المخبرين على اجتهادهم الناشئ من الأولويّة أو استنباط

ص: 463


1- كالمحقق في شرائع الإسلام: 1/ 44؛ و العلّامة في قواعد الأحكام: 1/ 194.
2- الكاشاني، مفاتيح الشرائع: 1/ 79، 80.
3- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 179.

المناط.

و حينئذٍ فإِنْ تَمّ الإجماع و إلَّا ففي الحكم إشكال؛ للاستصحاب، و الركون إلى صحيحة ابن محبوب (1) لا يجدي بعدما عرفت المناقشة، و لا ينفع أنّ عظام الموتى نجاستها عرضيّة بالعذرة، و قد حكم فيها بالخبر بالطهارة من جهة جواز السّجود على الجصّ المختلط برمادها؛ لانصراف العذرة لغير عذرة الإنسان، و لأنّ صيرورة العظام رماداً غير معلوم.

و على فرضه، فلعلّه طهر بمطر أو غيره، و أصالة بقائها لا يفيد إثبات عدم جواز السّجود على الجصّ؛ لأنه من الأُصول المثبتة على فرض صحّة السجود عليه، مع أنّ ملاحظة العلّة فيها تسقط الاستدلال بها رأساً، فلا تصلح برهاناً و إن ذهبنا إلى الطهارة في الرّماد مطلقاً، بل و الدّخان كذلك خلافاً للمبسوط (2) و النهاية، و في الأخير بعد الحكم بطهارة الدّخان قال: لو اشتمل الدخان على بعض الأجزاء النّجسة نجس؛ و لذا نهي عن الاستصباح بالدّهن النجس (3).

و فيه: إنّ الحكم إن عَمّ جميع الأزمنة باعتبار تأثير الحرارة لغا ما ذكره أوّلاً، و إن قصر على دخان الدّهن النجس سقط تعليله؛ لعدم الفرق بينه و بين غيره، مع منع كون مثل هذه الأجزاء تورث نجاسة لانتفاء الاسم الذي يدور مداره الحكم.

و أمّا لو صار فحماً فقد توقّف في الطهارة جماعة (4)؛ للشكّ في صدق الاستحالة، و فصّل بعض (5) بين النّجس فالطهارة و المتنجّس فالنجاسة، و كأنّ من بنى على الأوّل يزعم أنّ الدّليل في مسألة الاستحالة زوال الاسم لا الإجماعات، و معه الأوفق هو الطهارة، و إلَّا فالنجاسة أقوى؛ لانصراف الاستحالة إلى نحو ما مثلّوا به من الرّماد.

ص: 464


1- الكليني، الكافي: 3/ 330 ح3.
2- الطوسي، المبسوط: 6/ 283.
3- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 292. باختلاف يسير.
4- كالسبزواري في كفاية الأحكام: 1/ 70.
5- كالكركي في جامع المقاصد: 1/ 179.

و لذا تأمّل الشارح في غيره (1) في العجين إذا استحال خبزاً، فما حال الفحم! و طهّر هنا ما أحالته النار رماداً و دخاناً (لا) ما أحالته (خزفاً و لا أجراً) كذلك (في أصحّ القولين)؛ إذ لا استحالة فيهما مخرجة عن الحقيقة، و اختلاف الاسم لا يجدي، مع أنّ الحجر أقوى تصلّباً منهما و لم يخرج عن اسم الأرض مع اشتراكهما في العلّة التي هي عمل الحرارة في أرض أصابتها رطوبة، فهما بالطريق الأَولى، كذا علل الشارح.

و فيه منع يجيء في التيمّم، فالأقوى عدم الطهارة (و عليه المصنّف (2) في غير البيان)، (و فيه قوّى قول الشيخ بالطهارة فيهما).

أمّا عبارته في الذكرى و الدّروس (3) فلا یظهر منها الجزم بالمنسوب إلیه و إن اقتصر علی نسبة الّطهارة للشیخ فیهما، و مثلهما الفحم.

و أمّا النورة و الجصّ فكذلك إلَّا إذا حكمنا بطهارة دخان متنجّس الخشب، فيشكل الفرق بينها في الاستحالة، و كيفيّتها قد تؤيّد الطّهارة بإرجاع ضمير «طهّراه» إلى الجص في الخبر، على تقريب الأمارة في أنّ رسومات العظام و رطوبات العذرة تسري إلى حجر الجصّ لم يجز السّجود عليه و لا تجصيص المسجد به.

فمعنى تطهير النار للجصّ تطهيره لما لولاه لكان مانعاً من السّجود و التجصيص للمخالطة، و كأنّ ظاهر كشف اللّثام (4) و الرياض (5) ذلك، بل هو لازم كلّ من قال بطهارة الخزف و الآجر بالفحوى.

نعم، ليس في جواز التّيمم و منعه هنا دلالة على شيء من الطهارة و النجاسة، إذ لا منافاة بين بقاء صفة الأرضيّة المجوّزة له و زوال النجاسة؛ لجهة عروضها للصفة النّوعية لا

ص: 465


1- الشهيد الثاني، فوائد القواعد: 54.
2- الشهيد الأول، غاية المراد: 3/ 541.
3- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 124، الدروس: 3/ 18.
4- الفاضل الهندي، كشف اللثام: 1/ 470.
5- الطباطبائي، رياض المسائل: 2/ 414.

الشخصيّة حسبما قالوا بطهارة رماد الخشب المتنجّس، فتزول حينئذٍ بزوالها و تبقى الشخصيّة على حالها، أو لجهة تغيّر الموضوع عرفاً كما في الانتقال؛ لبقاء دم الإنسان على حقيقته في بطن البعوضة و مع ذلك لا يجري الاستصحاب؛ لتبدّل الاسم و إن بقت الحقيقة، فتشمله أدلّة طهارة دم ما لا نفس له و غيره من الأدلّة الخاصّة، و يرجع فيما لا يشمله دليل خاص إلى أصالة الطهارة لو كان له اسم ثان، و لا يعارضه استصحاب النجاسة؛ لأنّ العموم مقدّم عليه مزيل لحكمه، و ليس المقام ممّا تقدّم فيه الأُصول الموضوعيّة على العموم؛ لأنه من الشك في الشبهة الموضوعيّة كما أحكمناه في الأُصول.

و منه يظهر أنه لو شكّ في الاستحالة مع تبدّل الاسم عرفاً يتبع الحكم الاسم الثاني، و مع فقده يقوى القول بالنجاسة، و عليه فيشكل نجاسة الفحم و غيره؛ للتبدّل، و الشك فيها و حرمة الفحم فيما كان حلالاً قبله قد تعضد الاستحالة و تبدّل الحقيقة و إن أمكن حمل الحرمة فيها على هذا الصّنف نحو حرمة العصير بعد الغليان و لم يكن حقيقة أُخرى.

(و) سابعها: (نقص) ماء (البئر) المعهود الذي يكون (بنزح المقدّر منه)، و لو أبدله بالنزح لكان أَولى كي يعمّ ما يجب فيه نزح الكلّ أو جفافه كلّه بلا نزح؛ إذ الظاهر أنّ المصدر مضاف إلى المفعول، و أنّه من المتعدّي، و لو جعل من اللّازم و مضافاً إلى الفاعل شمل ما ذكرنا و انتقض بنقصان بعض مائها بنفسه من دون نزح، فإنّه يشمله مع أنّه غير مطهّر عنده.

و قد يقال: إنّ المطهّر في البئر ليس هو النقص، بل تجدّد الماء و نبعه، و بدفعه بعد منعه، و إن ظهر من المنجّسين ذلك أنّ الحكم علّق على نزح المقدّر و إن كان السّبب في الطّهارة حقيقةً شيئاً آخر، مع أن ظاهرهم أنّ نزح الجميع إذا وجب تطهر به البئر و إن لم يتجدّد النبع. و نحن في غنية عن ذلك، (و كما يطهر البئر بذلك) النقص و النزح مطلقاً حتّى المشتمل على الماء فيها (فكذا) يطهر (حافاته) و جدرانه إلى الأعلى إذا تنجس بماء النّزح أو قبله بمنجسه على إشكال، دون ما لو تنجّس بغير ذلك من النجاسات فإنّه لا يطهر، نحو ما لو تنجّس الدّلو خارجاً ثمّ ألقيَ في البئر، فإنّه بمنزلة عين النجاسة التي لا تطهر البئر إلَّا بعد إخراجها.

ص: 466

و نقل المصنّف في الذكرى (1) الإجماع على حكمه هنا، غير أنّ ظاهر العبارة أنّ الحافات تنجّس بماء النزح ثمّ تطهر عند إكمال المقدر.

و صرّح الفاضلان (2) بأنّها لا تنجس به و تظهر الثمرة فيها قبل الإكمال (و) كذا (آلات النزح) من الرشا و الدلو و غيرهما، (و المباشر) مطلقاً للنزح من إصابة مائه لا غيره، (و ما يصحبه حالته) من اللباس و غيره ممّا لا بدّ له عادة من مصاحبته؛ لعدم أمر الشارع بالغسل في الجميع كما نصّ عليه المصنّف في غيره (3)، و على اختيارهما في أحكام البئر يقوى القول بتنجيس الأخيرين؛ لعدم المشقّة و المتيقّن قصر التطهير على غيرهما، و مع الشك تستصحب النجاسة.

(و) ثامنها: (ذهاب ثُلثي العصير) مطلقاً، بنار أو غيرها من جفاف أو هواء أو طول مَكْث أو بإشراق الشمس عليه، فإنّه (مطهّر للثُّلث الآخر على القول بنجاسته) حتّى لو أصاب شيئاً و هو نجس ثمّ ذهب ثُلثاه عليه طهر المصيب و المصاب، و الحكم في الذّهاب بالنّار لا شبهة فيه نصّاً و فتوى (4)، بل نقل الإجماع (5) عليه ، و في غيرها يقتضيه إطلاق أكثر العبارات و الفتاوى لإطلاق النصّ إن لم يصرف إلى الغالب، و هو الذّهاب بالنّار، فيبقى أصالتا بقاء النجاسة و التحريم إلى أن يحصل اليقين بالرافع بحالها، لكن مخالفة المشهور ممّا تعظم.

و قوله علیه السلام: «إذا تغيّر العصير أو غلى فلا خير فيه حتّى يذهب ثلثاه» (6) عام للجميع، فالأظهر ما عليه الأكثر.

ص: 467


1- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 88، 89.
2- المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 1/ 10؛ العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 46.
3- الشهيد الأول، البيان: 99، الدروس: 1/ 119.
4- ينظر رسائل الشهيد الثاني: 1/ 570.
5- ينظر البهبهاني، مصابيح الظلام: 5/ 251.
6- الكليني، الكافي: 6/ 420 ح2.

كما أنه لا فرق بين الكَيْل و الوَزن في الحكم؛ لأنهما منصوصان في رواية عقبة بن خالد (1)، و روايتي عمّار (2) المتقدِّمتين و إن تبادر الوزن للذّهن، فإنّ غَلَبة اعتبار العصير الطّبخ بالكيل و المساحة الراجعة إليه و تعسّر الوزن غالباً ممّا يوهن ذلك التبادر، و في الجواهر (3) بعد إضافة المساحة إليهما أنّهما أحوط، و لم يعرف الفرق بين المساحة و الكيل، فإنّها ترجع إليه و يرجع إليها جزماً.

نعم، لا بدّ من تقديم الوزن إذا تعارض مع غيره؛ لتبادره من قوله علیه السلام: «ما زاد على الثلث فهو حرام» (4)، (و) الذّهاب كذلك يطهّر (الآلات) التي يعالج بها و الآنية و إن علقت بعض أجزائه بأطرافه الفوقانيّة، (و) كذا (المزاول) و ثياب العامل - إذا لاقى شيئاً من العصير قبل التّليث - (5) و أجزاء بدنه.

و المستند ظهور ما دلّ على طهارة العصير بشرطه في طهارتها من طريق لوازم الخطاب، و معناه ثبوت الحكم لموضوع آخر من جهة ملازمته الغالبيّة لموضوع ذلك الحكم؛ إذ لو لم يتّحدا في الحكم لوجب البيان على المتكلِّم و إلَّا يبطل الانتفاع بحكمه؛ لتعسّره و لا يحسن منه السّكوت عنه و إيكاله إلى ما تقتضيه القواعد العامّة أو إلى مقام آخر، و هو المعبّر عنه بالتبعيّة المطهّرة.

نعم، القدر المتيقّن منها في المقام نحو طهارة ما باشر العصير حتّى يذهب ثلثاه ممّا لا بدّ منه لا مطلقاً، فلو باشر العامل قدوراً متعدّدةً لا يطهر ما باشرها جميعاً بذهاب الثُّلثين من بعضها، و لو خرجت الآلة قبل الذهاب و رجعت بعده نجس الثُّلث الطاهر بها؛ لعدم إطلاق يقضي بكون التبعيّة المطلقة من المطهّرات إلَّا إذا قلنا بأنّ التبعيّة تدور مدار المتعارف

ص: 468


1- الكليني، الكافي: 6/ 421 ح11.
2- الكليني، الكافي: 6/ 425 ح1، 2.
3- النجفي، جواهر الكلام: 6/ 14.
4- الكليني، الكافي : 6/ 420 ح3.
5- كذا في المخطوطة. و لعل المراد: (قبل التثليث).

دون اللآبديّة، و المتعارف تكرار الإدخال و الإخراج في الآلة و عدم مسح الأجزاء العالقة بها عند الإدخال و إن لم يذهب ثُلثا العالق بها أو برجوعه للقدر.

نعم، يشكل الأمر في الآلة المشتركة إذا ذهب ثلثا أحد القدور، و الظاهر نجاسة الطاهر كذلك بعودها له.

و أمّا الأجسام الطّاهرة الموضوعة فيه غيرها فتطهر أيضاً تبعاً كما صرّح به غير واحد (1)، و استظهره القمي (2) من الأصحاب في جواب سؤاله، و هو ظاهر الشارح في المسالك، قال: و لا يقدح فيه نجاسة الأجسام الموضوعة فيه قبل ذهاب الثَّلثين، كما يطهر ما فيه من الأجسام بعد انقلابه من الخمريّة إلى الخلّيّة عندنا (3)، انتهى.

و عندنا إن رجع إليهما كان صريحاً بالإجماع أو إلى أنّ الأخير دلّ على الأوّل بالفحوى، و يقضي به ما دلّ على حلّ (4) العصير بذهاب ثليثه، و خصوص رواية الحصرم (5) في نجاسة العصير، فإنّها صريحة في حلّ اللّحم المطروح فيه المطبوخ معه إذا ذهب ثلثاه، لكن كاشف اللّثام حكم بأنّها لو أُعيدت فيه بعد إخراجها منه لم تطهر مطلقاً حتّى لو أُعيدت قبل طهارته و أُزيل ما عليها من الأجزاء.

و الأستاذ بشرح الإرشاد حكم بطهارتها كالآلة، و استظهره من كلّ من تعرّض للمسألة و قال بأنّ المتعارف وضع الأجسام في العصير عند طبخه من صدور الحكم؛ لرواية اللّحم التي لم يشترط فيها في طهارته عدم إخراجه قبل ذهاب الثُّلثين (6)، و هو كذلك بمعونة إطلاق الفتاوى.

ص: 469


1- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 439؛ المجلسي، ملاذ الأخيار: 14/ 372.
2- القمي، جامع الشتات: 1/ 42.
3- الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 12/ 76.
4- الكليني، الكافي: 6/ 420 ح6.
5- ابن إدريس، السرائر: 3/ 584.
6- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 5/ 319.

كما أنّه لا يشترط ذهاب ثُلثي ما على الأجسام من العصير بعد ذهاب ثُلثي المجموع حتّى عند من اشترط بقاء الأجسام في العصير و عدم إخراجها. و يحتمل الاشتراط؛ لأنّ إطلاق كلامهم مبنيّ على الغالب من الملازمة بينهما في ذهاب الثَّلثين، و على الأوّل فالظاهر أنّه لا غضاضة في نقل الأجسام من قدر إلى قدر و لو بعد الغليان، فيطهر بذهاب ثلثيه جميعاً.

و توقّف الأُستاذ من الطّهارة لو طرحت الأجسام مع ما علّق بها في القدر بعد نجاستها بالغليان قبل ذلك قال: ففي طهارتها و طهارة محلّها إشكال (1)، انتهى.

و مرامه رحمه الله إنّ الجسم إذا كان ما عليه من الأجزاء طاهرة لم تتنجّس بالغليان كان حالها حال قطرات الماء الواقعة في العصير، فيكفي ذهاب ثلثيه في الطهارة و إن علم بعدم ذهاب ثلثي الأجزاء، و إن كان ما عليه نجس من جهة غليان العصير السّابق الذي حلّ فيه الاستهلاك لا فائدة فيه، فيبقى على النجاسة.

و لم يتّضح لنا الفرق - بعد ما علمت ظاهر كلماتهم - في طهارة الأجزاء العالقة بالآلة أو بجسم آخر غيرها و طهارتها بذهاب ثُلثي ما لاقاهما من العصير سواء أخرجا و أُعيدا أو أُخرجا قبل ذهاب الثُّلثين و لم يرجعا إلى القدر.

و حينئذٍ فذهاب الثَّلثين مطهّر مطلقاً، و نفس الانتقال من قدر إلى قدر لا مدخليّة له في التطهير و التنجيس أخذاً بظاهر الإطلاق و الفتاوى، و لو أنّا نقول بمقالته رحمه الله لكان القول بتوقّف طهارة الأجزاء العالقة بالآلة و الجسم على ذهاب ثلثي تلك الأجزاء مطلقاً أَولى.

و في الجواهر (2) تبعاً للبهائي رحمه الله (3) اشتراط حضور المباشر وقت ذهاب الثُّلثين و اشتغاله بالعمل، فلو غاب أو أعرض عن العمل في أثنائه لم يطهر.

و فيه منع؛ لإطلاق الأدلّة و الفتاوى في تطهير الآلة و المباشر بدناً و ثياباً غاب أو حضر.

ص: 470


1- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 5/ 321.
2- النجفي، جواهر الكلام: 6/ 292.
3- لم أقف عليه. نعم، القول نسبه إلى جماعة في رياض المسائل: 12/ 247.

و من هنا حكمنا بطهارة الأجزاء الفوقانيّة تبعاً و معلوم عدم ذهاب ثلثيها، فإنّ اعتباره في كلّ جزء حَرَج و ضيق غير متعارف، فلو كان لازماً كان التنبيه عليه واجباً.

و مثل التطهير بذهاب الثُّلثين إذا صار خلّاً دون ما كان دبساً و لم يذهب ثُلثاه و إن احتمله الشارح في غيره (1) و مال إليه المحقّق الثاني بحاشية الإرشاد (2) نظراً إلى تغيير الاسم، و الحكمُ يتبعه، و هو ضعيف؛ لكونه كصيرورة الحنطة دقيقاً في بقاء الموضوع الأوّل.

(و) تاسعها: (الاستحالة)، و هي تغيير الأجزاء و انقلابها من حال إلى حال، أو هي تبدّل الصور النوعيّة. و الأوّل أنسب باللغوي (3)، و الثاني بالعرفي، و هي تفيد الطهارة جزما لتغيّر موضوع النجاسة في المستحيل لا لطهارة المستحال إليه؛ لعدم اطّراده أوّلاً، و أنّ أدلّة الطّهارة فيه مهملة، أو مجملة من هذه الجهة؛ إذ استحباب أكل الملح، و جواز التيمّم بالتراب لا عموم فيه ليشمل مفروض البحث، فلا جرم أن يكون الباعث على الطّهارة نفس الاستحالة سواء قلنا بأنّ الموضوع هو الصور النوعيّة أو أنّها واسطة في ثبوت الحكم و الموضوع هو الجسم الملموس الخاص؛ لأنّ ارتفاع الموضوع في باب الاستصحاب أعمّ من ذلك؛ و لذا عدّ الشرط أو السبب من الموضوع.

نعم، مجرّد تبدّل الاسم مع بقاء الموضوع لا يكفي إلَّا أن يكون هو الموضوع أو ملازماً له أو للعلّة المحدثة، ارتفع الحكم قطعاً بقي الاسم أو ارتفع، و متى بقيا بقي الحكم و إن تبدّل الاسم، و هذا في النجس لا كلام فيه؛ و لأجله حكمنا بطهارة دم ما لا نفس له بعد انتقاله من دم ذي النّفس؛ لأنّ كونه من ذي النّفس له دخل في الموضوع.

و أمّا المتنجّس فيشكل الأمر فيه، بل لا عبرة بانقلابه و تبدّل صورته، و حينئذٍ فبعد تبدّل موضوع النجس لا شكّ في ارتفاع حكم النجاسة قطعاً باستحالة أو غيرها، فمرجع

ص: 471


1- الشهيد الثاني، الروضة البهية: 9/ 203، روض الجنان: 1/ 439.
2- المحقق الكركي، رسائل الكركي: 2/ 9، 67.
3- ينظر الفائق في غريب الحديث: 1/ 288، مادة (الحاء و الواو)؛ المصباح المنير: 1/ 157، مادة (حولا).

الخلاف في خلاف بعض ما تبدّلت صورته النوعيّة، و حصلت فيه الاستحالة الظاهريّة إلى حصول ارتفاع موضوع النجاسة بهذا التغيير و عدمه، و المدّعي (1) لبقاء النجاسة قائل بعدم الارتفاع، كما أنّ المنكر (2) يرى الارتفاع.

و من هنا وقع الخلاف في بعض أفراد الاستحالة و إن اتّفقوا على طهارة بعض أفرادها، فالأوّل (كالميتة و العذرة تصير تراباً) (و) تكون (دوداً).

ففي المعتبر (3) في طهارتهما إذا استحالا كذلك تردّدٌ، و قبله الشيخ (4) و بعده الفاضل (5) في خصوص التراب و إن رجّح الأوّل الطّهارة، و الثاني في النهاية (6) و المنتهى (7) استقربها، و جزم بطهارة الدّود في المنتهى؛ لما دلّ على طهارة ما لا نفس له، و أنها تولّدت في النجاسة لا منها، و كلامهم يشمل بإطلاقه المتنجّس.

(و) الثاني: (النطفة و العَلَقة تصير حيواناً) طاهراً (غير الثلاثة) أو الأربعة على رأي.

(و) كذا (الماء النجس) و الغذاء (بولاً) أو روثاً (لحيوان مأكول) (و) (لبناً) له، و نحو ذلك.

(و) عاشرها: الانقلاب مثل (انقلاب الخمر خَلّاً) بالاتّفاق مطلقاً كما هو ظاهرهما، و هو المشهور (8) نقلاً و تحصيلاً، أو مقيّداً بما إذا صار خَلّاً بنفسه لا بعلاج؛ إذ الثاني فيه خلاف

ص: 472


1- ينظر الميرزا موسى التبريزي، أوثق المسائل في شرح الرسائل: 1/ 532.
2- المصدر السابق.
3- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 451.
4- الطوسي، المبسوط: 1/ 93.
5- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 8، تحرير الأحكام: 1/ 164.
6- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 291.
7- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 287.
8- ينظر السيد المرتضى، الانتصار: 422؛ ابن إدريس، السرائر: 3/ 133.

و تأمّل كما في الدّروس (1) و النهاية (2) و المجمع (3)، و الأقوى عدمه؛ لقوله علیه السلام: «لا بأس بمعالجتها» (4) في جواب أبي بصير عن علاج الخمر بالملح و غيره.

و قال الرِّضا علیه السلام في العصير يصير خمراً فيصبّ عليه الخلّ و شيء يغيّره حتّى يصير خَلّاً، قال: «لا بأس» (5).

و في مصحّحة جميل: «خذها و أفسدها و اجعلها خَلّاً» (6).

لكن في مقابلها عدّة أخبار ناهية عن العلاج بالخلّ (7) و غيره (8) و عن أكل ما أُفسد (9)، و حملوها (10) على الكراهة جمعاً، فهو ضعيف.

و يلحقه بالضعف اشتراط انقلاب ما يعالج فيه إلى الخلّية كانقلابه، فلو بقي على حالته تنجّس و نجّس الجميع؛ نظراً إلى عدم ما يوجب طهارة العين الباقية؛ لعدم الانقلاب.

و القياس على الآنية باطل؛ لإمكان التفكيك هنا و عدمه هناك، و مالَ إليه كاشف اللّثام (11) و السبزواري (12) و المقدّس الأردبيلي (13) و غيرهم (14).

ص: 473


1- الشهيد الأول، الدروس: 3/ 19.
2- النهاية و نكتها: 3/ 113.
3- المحقق الأردبيلي، مجمع الفائدة: 1/ 351.
4- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 25/ 372 ح32158.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 9/ 118 ح509.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 9/ 118 ح508.
7- الطوسي، تهذيب الأحكام: 9/ 118 ح510.
8- كالملح.
9- الصدوق، عيون أخبار الرضا علیه السلام: 2/ 44 ح127.
10- ينظر رياض المسائل: 12/ 244.
11- الفاضل الهندي، كشف اللثام: 1/ 486.
12- المحقق السبزواري، كفاية الأحكام: 2/ 623.
13- المحقق الأردبيلي، مجمع الفائدة: 11/ 296.
14- الطباطبائي، رياض المسائل: 12/ 247؛ المحقق النراقي، مستند الشيعة: 15/ 182.

لكن الحقّ العدم؛ لقضاء بعض الأخبار (1) بالطّهارة، و هي و إن ضعفت سنداً لكنّها منجبرة بالشهرة و الإجماع (2) المنقول.

نعم قال الشيخ: إذا وقع شيء من الخمر في الخلّ لم يجز استعماله إلَّا أن يصير بعد ذلك الخمر خَلّاً (3).

و الإشارة إلى الخمر الملقى، ويحتمل أن يريد فيه الاستهلاك و الانقلاب، و الأوّل مشكل، و الثاني أوفق بالقواعد، أمّا لو وقع الخَلّ على الخمر و استهلكه من دون انقلاب فالظاهر النجاسة، و بالانقلاب الطهارة، و لو وضع في الخمر شيء لا لعلاج و انقلب خَلّاً مع بقاء عينه ففيه إشكال، و الشارح (4) أطلق طهارة الأجسام الموضوعة في الخمر، و الاقتصار على ما يعالج به من الأجسام أوفق و أَولى لولا اتّحاد المناط.

أمّا لو عولج أو وضع فيه نجس أو متنجّس فانقلب خَلّاً، فظاهر الفاضل (5) و المصنّف (6) عدم الطّهر.

و التحقيق أنّ النجس إذا أمكن تنجّسه ثانياً فالحكم بالنجاسة متّجه إذا منعنا إطلاق طهارة ما يعالج به في الأخبار.

و أمّا إطلاق طهارة الخمر بالانقلاب فلا ينفع؛ لوروده في زوال النجاسة الخمريّة دون غيرها، و منه يظهر اشتراط عدم ملاقاة الخمر لجسم آخر نجس ممّا لم يعالج به.

و لو انقلب المتنجّس إلى الخمر ثمّ إلى الخلّ، فالظاهر إنّه لا فرق بينه و بين ما لم تتوسّط

ص: 474


1- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 3/ 509 ح4311.
2- ينظر: المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 462؛ العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 190، نهاية الإحكام: 1/ 296.
3- الطوسي، النهاية: 593.
4- الشهيد الثاني، الروضة البهية: 7/ 347.
5- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 292.
6- الشهيد الأول، الدروس: 3/ 20.

الخمريّة فيه خلافاً لبعضهم حيث قال: و لو استحال بغير المتنجّس إلى المحال ثمّ رجع هو و المحال إلى ما استحال منه طهر، و إن أحال و لم يستحل بقي على نجاسته (1).

و معناه أنّه لو انقلب المتنجّس - كالدّبس مثلاً - خمراً ثمّ خَلّاً طهر أيضاً، و هو محلّ تأمّل و إن وجّه بإطلاق ما دلّ على طهارة الخمر بالتخليل، لكن الظاهر انصرافه إلى الأفراد المتعارفة، و هي ما كانت خمراً في الأصل.

و من الانقلاب انقلاب الماء و البول النجسين بُخاراً بلا خلاف، أمّا لو عاد ذلك البخار إلى الماء ففي عَود حكم النجاسة وجهان، بل قولان؛ فالمنتهى (2) على النجاسة ، و قيل (3) بالطهارة.

و الأقرب النجاسة؛ لأنّ طهارة البخار لم تكن للانقلاب، بل الظاهر إنّ ذلك لجهة أنّه كالهواء لا يعدّ جسماً عرفاً، فإذا اجتمع و تقاطر كان المجتمع هو ذات البول الأوّل فيثبت له حكم النجاسة؛ لعموم أدلّة البول (و كذا العصير) العنبي يطهر إذا صار خَلّاً (بعد غليانه و اشتداده) إذا قيل بنجاسته قبل ذلك.

نعم، لو باشر الخمر و العصير كافر أو نجس فعولج بنجس فلا يطهران بالتخليل و إن خرجا عن النجاسة العينيّة، و في طهارة غير الملاقي لهما من ظرفهما عند التخليل لو تنجّس إشكال، من إطلاق الفتوى بطهارة الإناء فيطهر، و أنّه لو لم يطهر بالتخلّل لتعرّض لحكمها الشارع؛ لعموم البلوى، و للإجماع (4) الفعلي على تناول الخلّ المستحيل من الخمر على الوجه المعتاد مع أنّ الغالب تنجّس أعالي الإناء و لا سيّما بالغليان، و من أنّ المتيقّن طهارة الملاقي للخلّ، و أمّا الأعالي النّجسة فلا تبعيّة لها عرفاً. و كذا الجسم الطاهر الملقى فيه قبل التخليل، و الأظهر عدم طهارة بقيّة المسكرات غيرهما بالتخليل.

ص: 475


1- النجفي، جواهر الكلام: 6/ 291، و نسبه إلى أستاذه في كشف الغطاء.
2- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 221.
3- ينظر العاملي، مفتاح الكرامة : 2/ 208.
4- ينظر الشهيد الأول، الدروس: 3/ 18.

قال الفاضل في النهاية بعد الحكم بطهر الخمر كذلك: و لو خرج النبيذ عن الإسكار لم يطهر بذلك؛ للاستصحاب (1)، انتهى.

و ظاهره شمول ذلك للتخليل، و كأنّ ما أطلق عليه الخمر من النّبيذ و الفقاع يلحقه حكم الخمر.

(و) من المطهّرات (الإسلام)، و هو (مطهّر لبدن المسلم) أجمع ظاهراً و باطناً (من نجاسة الكفر) بإجماع (2) من قال بنجاسة الكافر، و كذا يطهر (ما يتّصل به) و يعدّ جزءاً منه (من شعر و نحوه) كالظفر و السّن و السَّلعة و الثالول و الرّطوبات الظاهرة كالعرق و الباطنة كالبصاق، فإنّ التبعيّة في جميع ما ذكرنا ظاهرة لا شبهة فيها، (لا) مطهّر (لغيره) ممّا لم يتّصل به حال إسلامه و باشره قبله (كثيابه) المنفصلة عنه حال إسلامه و كفُرشِه و أوانيه و غيرها.

و أمّا المتّصلة ببدنه فلا يبعد طهارتها عندنا، لكن الأكثر يطلقون النجاسة في غير المتّصل مطلقاً، فإن كان إجماعاً قبلناه، و إلَّا حكمنا بطهارة ما كان كآلات العصير من المباشر و الدّلو و الرشا؛ و الحكم في غير المرتدّ الفطري من جميع أقسام الكفّار لا إشكال فيه، و أمّا فيه فمختلف به.

و في الجواهر (3) أصرّ على بقاء النجاسة، و عسى ما لفّقه غير وافٍ بالجزم بالحكم بعد أن قضى العقل و النقل (4) بقبح التكليف بما لا يطاق، و قد أجمعوا (5) على تكليفه بعد توبته بالفروع، و أجمعو (6) أيضاً على وجوب قضاء ما فاته عند توبته، و هو مع الحكم بالنجاسة لا

ص: 476


1- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 273.
2- ينظر هداية الأمة: 1/ 371.
3- النجفي، جواهر الكلام: 296/6 ، 297.
4- الكليني، الكافي: 1/ 163 ح5.
5- ینظر رسائل الشريف المرتضى: 3/ 38.
6- ينظر السيد المرتضى، جمل العلم و العمل: 67.

يلتئم، و تشكيك الفاضل (1) في طهارته مع تصريحه بوجوب القضاء عليه مبنيٌّ على رجوعه و حكمه بالطّهارة.

و ما ركن إليه في الجواهر (2) من الاستصحاب و الإجماع المحكي على عدم قبول توبته و الخبر (3) في أنّه لا توبة للمرتدّ المحمول جمعاً على الفطري لا تنهض بإثبات المدّعى؛ إذ وجوب العبادة أداءً و قضاءً دليل على زوال نجاسته بالإسلام، فما أحسن حمل الشهيدين (4) للإجماع و الأخبار القاضية بعدم القبول بقصرهما على عدمه في سقوط القتل و عود أمواله و أزواجه إلى الحالة الأولى؛ إذ حكمها معلّق على من كفر لا على الكافر، مع أنّه لم يثبت للإسلام حقيقة شرعيّة غير كفاية الشهادتين فيه، و لو ركن لاستصحاب نجاسته لمنعناه بتبدّل الموضوع، لا أقلّ من الشك في بقائه و عدمه، و معهما لا مانع من الرّجوع لأصالة الطهارة فيه.

و الحاصل: أدلّة التكاليف العامّة حتّى للكافر الأصلي، و عموم معقد الإجماع المستفيض على وجوب قضائه، ممّا يعطي طهارته، و لا يمكن أن يحمل وجوب القضاء على الفطري ممّن تقبل توبته كالمرأة مثلاً؛ لتصريح الأساطين (5) بالتعميم، و لعدم الإطلاع على المخالف سوى ما يظهر من نقل الذكرى (6) مع أنّه رحمه الله صرّح بأنّ الخلاف في من لا تُقْبَل توبته، فلولا الإجماع على تكليفه بالعبادة أداءً و قضاءً لا كتكليف الكافر الأصلي الذي هو لمحض العقاب لكان التمسّك بالأخبار و الإجماع الواردين في عدم قبول توبته كافياً في نجاسة بدنه؛ إذ هو أخصّ ممّا دلّ على وجوب الصلاة و نحوها ممّا لا تصحّ من الكافر.

و أمّا غير الطهارة و النجاسة من أحكام الكفر الخارجة عن الثلاثة فالظاهر أنّها لا تثبت له أيضاً؛ إذ لمّا كان المتّجه قبولها في الصلاة و الصّوم دلّ ذلك على أنّ نفي القبول إضافيّاً مختصّاً

ص: 477


1- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 164.
2- النجفي، جواهر الكلام: 6/ 296، 297.
3- الكليني، الكافي: 6/ 174 ح2.
4- الشهيد الأول، الدروس: 2/ 51؛ الشهيد الثاني، الروضة البهية: 1/ 742.
5- ينظر الأردبيلي، مجمع الفائدة: 13/ 327.
6- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 430.

بالثلاثة، فيرجع فيما عداها إلى عموم الدّليل الشامل للكافر و المسلم، و يدلّ على الطهارة الإجماع على أنّ الإسلام من المطهّرات، و هو يعمّ الفطري، و يقدّم على إجماعهم (1) على عدم قبول توبته؛ لأنّ النّسبة بينهما عمومٌ من وجه، و الأوّل أقوى و أظهر و لو بملاحظة تكليفه بالعبادة، و على فرض التكافؤ المرجع أصالة الطّهارة، و أيضاً عمومات قبول التوبة التي يمكن أن يقال: إنّ العقل يمنع من عدم قبولها، و الله سبحانه قد أثبت الإيمان بعد الارتداد في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا) (2).

(و يطهر (3) العين و الأنف و الفم باطنهما) بتخفيف المضارع و رفع باطنهما بدل بعض، فلو شدّد و نصب الباطن مفعولاً لم يتّجه إسناد التطهير إلى زوال العين و لما صحّ عطفه، (و كلّ باطن) (كالأُذن و الفرج) على هذه الأشياء، و التمحّل له بتقدير حاصل أو خبر له غير محتاج إليه. و كيف كان فتطهر هذه الأشياء (بزوال العين) المنجسة لها نجاسة كانت أو متنجّسة، و فی جعل الفرج منها إشكال، و المرجع العرف.

و ظاهر المصنّف رحمه الله (4)، و مَنْ نحا نحوه (5) في العبارة أنّ زوال العين مطهّر، فيقتضي أنّ الملاقاة تنجّس، و صريح غيره عدم انفعال هذه البواطن بالملاقاة و عدم تنجّس البواطن و ما يحدث فيها من الرّطوبات بالنجاسة المتكوّنة فيها أو الداخلة من خارج إليها، للأخير ظهور عدم الخلاف فيه نقله الفاضل الثاني (6).

و انصراف دليل تأثير ملاقي النجس إلى غير البواطن لو كان دليلاً لفظيّاً، فكيف و هو منحصر بالإجماع المفقود هنا، بل ادّعي وجوده على العدم، و للأوّل عموم أدلّة تأثير الملاقي بالملاقي، غايته أنّ زوال العين من المطهّرات.

ص: 478


1- ينظر مجمع الفائدة: 13/ 322.
2- سورة النساء: 137.
3- في المصدر: (تطهر).
4- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 430.
5- حكاه عن جماعة في ملاذ الأخيار: 2/ 336، 337.
6- الفاضل الهندي، كشف اللثام: 1/ 210.

و الأظهر الطّهارة؛ لما دلّ (1) على طهارة المذي و الوذي و طهارة رطوبة فرج المرأة مع مرورها على مجرى البول، و ما دلّ على طهارة بصاق شارب الخمر، و ما ورد في كيفيّة الاستنجاء، و غير ذلك؛ و عليه فالدم المتكوّن في البواطن لا يجب إخراجه في الصلاة، و لا عن المسجد، و لا تنجس به البواطن، هذا حكم نفس الباطن.

و أمّا ما كان فيه فقسمان نبّه عليهما الشارح في قوله: (و لا يطهر بذلك (2))، و هو زوال العين، (ما فيه) أي الباطن (من الأجسام الخارجة عنه) سواء دخلت إليه نجسة أو تنجّست فيه؛ لفقد الدّليل على طهرها من نَصّ أو إجماع، و لعدم الحرج في تطهيرها.

لكن الأُستاذ رحمه الله بشرحه فصّل بين ما كان في مثل الأنف و الفم ممّا يمكن تطهيره فحكمَ بثبوت حكم النجاسة له، و بين ما كان في مثل الجوف و الدّماغ و نحوهما فحكمَ بالعدم، و نقل عن الموجز أنَّه لو وضع في جوفه در هماً نجساً أخرج للصلاة كسائر المحمول عنده (3)، انتهی.

و تفصيله رحمه الله يظهر ممّن فرّق بين شرب الخمر و إدخال الدّم النجس تحت الجلد بوجوب إخراج الثاني؛ لنجاسته دون الأوّل، و لكن الفاضل و المصنّف في التذكرة (4) و البيان قولاً و الذكرى و الدّروس (5) احتمالاً و تردّداً، على عدم الفرق؛ لأنهم أوجبوا إخراج الدّم النجس الذي أُدخل تحت الجلد، و صرّح في الحدائق (6) بذلك، بل ظاهره انفعال الباطن بالنجاسة الخارجيّة مطلقاً.

و عندي أنّ الحمل إن جاز جاز مطلقاً و إلَّا فلا، بل يحتمل قويّاً الجواز؛ إذ ما قضى بعدم تأثير النجاسة في الباطن من حيث الحمل يدلّ عليه مطلقاً، لا أقلّ من الشك في شمول أدلّة

ص: 479


1- الكليني، الكافي: 3/ 39 ح1.
2- في المخطوطة: (أي بزوال).
3- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 5/ 336.
4- العلّامة الحلی، تذکرة الفقهاء: 2/ 497.
5- الشهيد الأول، البيان: 94، ذكرى الشيعة: 1/ 144، الدروس: 1/ 128.
6- البحراني، الحدائق الناضرة: 5/ 343.

الحمل للمفروض، فيرجع للأصل، لكن الشارح غير مشكك في بقاء نجاسة الجسم الداخل من خارج مطلقاً (كالطعام) في الفم و البطن (و الكحل) في العين.

و (أمّا الرّطوبة الحادثة فيه) التي لم تدخل من خارج ( كالرِّيق) في الفمّ (و الدّمع) فی العین (فبحکمه) من طهره بزوال عین النجاسة کالباطن؛ و حکم ابن فهد فی کتابیه: أنّ بصاق الثمل و دمع المکتحل بالنجس طاهران (1).

(و) أمّا (طهر ما یتخلّف فی الفَم من بقایا الطعام و نحوه) المتنجّس خارجاً أو فيه فإنّما يكون (بالمضمضة مرّتين) من سائر النجاسات (على ما اختاره المصنّف (2) من التعدّد (3)) في الغسل، و غيره (4) مختاره وجوب الثلاث أو المرّة فقط في سائر أفراد النجاسة (و مرّة) واحدة (في غير نجاسة البول) و مرّتين فيها ( على ما اخترناه) سابقا من قصر المرّتين على البول.

و الحكم مشكل جدّاً؛ لعدم تحقّق شروط الغسل في المضمضة؛ و لأنّ النجاسة نافذة إلى باطن الغذاء فكيف يطهّرها القليل مع عدم خروج الغسالة لو فرض العلم بوصول الماء إلى الأعماق، و لا يمكن إحرازه، و الشك كافٍ في الحكم بعدم الوصول.

ص: 480


1- ابن فهد، الرسائل العشر: 60.
2- حكاه عنه في الروضة البهية: 1/ 316.
3- في المصدر: (العدد).
4- منهم الشارح في الروضة البهية: 1/ 316.

[فصول الطهّارة]

(ثمّ الطهارة) (على ما علم من تعريفها) من حيث الاشتراط بالنيّة لا جرم أنّها (اسم) شامل (للوضوء و الغسل و التيمّم) لا غير؛ إذ النيّة شرط فيها، ثمّ هي إن اختصّت بالقسم (الرافع للحدث)، (أو المبيح للصّلاة) كان تقسيمها لذلك (على) المذهب (المشهور) (1) (أو) أنّها تشمل ذلك و غيره (مطلقاً)، حصل رفع الحَدَث به أم لا كوضوء الحائض، كان ذلك (على ظاهر) التعريف و (التقسيم)، (فههنا (2) فصول ثلاثة):

[الفصل] الأوّل

(الأوّل: في الوضوء) (بضمّ الواو: اسم للمصدر)، فإنّ اسم المصدر له اصطلاحان:

أحدهما: أن يكون على وجه وزن المصدر و لم يكن بمعناه كالثوب لما يثاب به، و العطاء لما يعطى، و الكلام لما يتكلّم.

و الثاني: ما كان اسماً للمصدر، لا للحَدَث الذي هو معنى المصدر، و إن دلّ عليه بالواسطة، فمنه ما كان علماً للمصدر كفجارِ علماً للفَجرَة، و حمادِ للمَحْمَدَة.

و منه ما كان مبدوءاً بميم زائدة لغير المفاعلة، و هو المصدر الميمي كمضرب و مقتل.

و منه ما كان على وزن مصدر الثلاثي المجرّد و فعله من المزيد فيه كالوضوء (فإنّ) فعله توضّأ و (مصدره التوضّؤ على وزن التعلّم)، و قد يطلق عليه المصدر مجازاً.

(و أمّا الوَضوء بالفتح) (فهو الماء الذي يتوضّأ به) كالطهور لما يتطهّر به، و سيبويه (3) جعله كالمضموم اسم مصدر بمعنى التوضّؤ كما فعل في الطهور، و الوضوء بالضّم (أصله) أي بناء لفظه أو ذاته مأخوذ (من الوضاءة) و كذا المفتوح؛ لاتّحاد أصلهما، أو المراد بأصله التوضّؤ الذي جعل الوضوء اِسماً له، (و) الوضاءة (هي النظافة و النضارَة)، يُقال: فلانٌ وضيئ أي

ص: 481


1- ينظر: البهبهاني، مصابيح الظلام: 4/ 45؛ الميرزا القمي، غنائم الأيام: 1/ 69.
2- في المصدر: (هنا).
3- كتاب سيبويه: 4/ 42.

حسن الوجه، و سُمّيَ بذلك لما فيه من التنظيف الظاهري و الباطني، و هو الطهارة، (من ظلمة الذنوب) و النجاسات المعنويّة التي هي الأحداث، و النصّ (1) نطقَ بذلك.

[موجبات الوضوء]

(و موجبه: البول و الغائط و الرِّيح) و عرفيّها معروف بشرط خروجها (من المَوضِع المُعتاد) إجماعاً، فلو شكّ في الخروج مطلقاً، أو من المعتاد، أو في نوع الخارج، بني على الصّحة، كما لا فرق في موجبه بين خروجه في الأثناء أو بعد الانتهاء.

نعم، الظاهر تقييد الرّيح بما يُسْمَع و يُشَمّ كما ورد في خبر زرارة (2) المقيّد لغيره من المطلقات، و من الناس (3) من أطلق النقض فيه، و الصحيح حجّة.

و يتحقّق الاعتياد بتكرّر الخروج، و الطبيعي معتاد لكافّة النّاس فلا يشترط فيه التكرّر، بل المرّة منه تكفي في النقض، فلو خرجت الثلاثة من الطبيعي وجبَ الوضوء مطلقاً، (أو من غيره) فإمّا أن يكون (مع انسداده) أو لا، فالأوّل يجب له الوضوء بلا خلاف؛ لأنّ النّوع الإنساني لا بدّ له في العادة من مَنْفَذ تخرج منه الفضلات التي تدفعها الطّبيعة، فمتى انسدّ قام ما انفتح مقامه سواء انفتح فوق المعدة أو تحتها، فلو اعتاد أن يقيئ الغائط وجبَ الوضوء به.

(و إطلاق الموجب على هذه الأسباب) هنا دون السّبب و الناقض كما في غيره (4) (باعتبار إيجابها الوضوء عند التكليف بما هو شرط فيه) من الصلاتين و غيرهما، فهي موجبة بالشرط المذكور فسقط توهّم أنّ الموجب إمّا بمعنى المقتضي للوضوء أو لوجوبه، و أنّ مقتضى الشيء لا ينفكّ عنه، و لا يجب الوضوء بخروج أحد الثلاثة في الصّبي و المجنون، و إذا وجب المشروط به فإنّها بذاتها ليست موجبة، و إنّما يثبت لها ذلك إذا تحقّق الشرط. (كما يطلق عليها

ص: 482


1- الكليني، الكافي: 3/ 21 ح2.
2- الكليني، الكافي: 3/ 36 ح6.
3- حكاه عن البعض البهبهاني في الحاشية على مدارك الأحكام: 1/ 205.
4- ينظر: البحراني، الحدائق الناضرة: 2/ 93؛ الطباطبائي، رياض المسائل: 1/ 94.

الناقض أيضاً باعتبار عروضها) لتطهير المتوضّي.

(و) لكن (السّبب) الذي هو وجودي ظاهر منضبط يكون معرّفاً لحكم من الأحكام الشرعيّة (أعمّ منهما مطلقاً) إذا أُريد بالموجب سبب الوجوب النقلي لا فاعله؛ إذ هو الشارع بالوجوب شرعييه دون لغوييه وهو الثبوت في الشريعة و لو على جهة الاستحباب فإنّه يرادف السبب، و عليه فيجتمع السّبب معهما في الحَدَث في وقت وجوب مشروطه، و ينفرد عنهما في الحَدَث بعد الحَدَث، فإنّه سبب ناقض، و في الحَدَث قبل وجوب مشروطه.

(كما أنّ بينهما عموماً من وجه)؛ لاجتماعهما في الحَدَث المسبوق بالوضوء بعد وجوبه و انفراد الناقض فيه قبل اشتغال ذمّة المكلّف بواجب مشروط به و الموجب في الوضوء حين الاشتغال لا عن حدث، (فكان التعبير بالسّبب) لكونه أعمّ مطلقاً (أَولى) من الموجب، و لعلّه اصطلاحٌ منه؛ إذ الشأنيّة في الموجب و السبب سواء، أو تعتبر الفعليّة في كليهما فيترادفان، بل لا معنى لاقتضاء الحَدَث فعل الوضوء إلَّا أن يراد بالاقتضاء معنى الطلب فيؤول إلى تسببه

لوجوبه.

و إنّ من نواقض الوضوء ما ليس بسبب له كالجنابة، و وجود الماء ناقض للتيمّم و ليس سبباً له، و يستفاد من العبارة أنّه لا يجب الوضوء على من لم يحصل الحَدَث منه؛ لأنّه أمر وجودي، و الطهارة عدمه.

و قيل: إنّ الطّهارة أيضاً وجوديّة طارئة، فلا تُباح الصلاة للمكلّف إلَّا بوجودها، و هو ظاهر الآية (1) و الرّواية (2)، و حكمهم بأنّ الشاك في المتأخِّر من الحَدَث و الطهارة تجب الطهارة عليه دون الشّاك في المتأخِّر منها و الخَبَث، فلولا إنّها وصفٌ وجودي لكانا سَواء في الحكم و البناء على أصالة الطّهارة، و عليه يجوز الدخول فيما كان الحَدَث مانعاً منه دون ما كانت الطهارة شرطاً فيه، و هو جيّد؛ إذ المفهوم من الأدلّة أنّ الصلاة مع فقد الوضوء غير مطلوبة

ص: 483


1- قوله تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاۡ إِذَا قُمۡتُمۡ إِلَی ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغۡسِلُواْ وُجُوهَكُمۡ وَ أَيۡدِيَكُمۡ إِلَی ٱلۡمَرَافِقِ وَ ٱمۡسَحُواْ بِرُءُوسِكُمۡ وَ أَرۡجُلَكُمۡ إِلَی ٱلۡكَعۡبَيۡنِ). سورة المائدة: 6.
2- الكليني، الكافي: 2/ 36 ح1.

كهي بدون الفاتحة.

و قد ورد: «لا صلاة إلَّا بطهور» (1)، فإنّه مساوق ل-: «لا صلاة إلَّا بفاتحة الكتاب » (2)، من غير فرق، فكأنّه من مقوّماتها، و هو مساوٍ للنية، و ليس المقصود من تشريعه رفع الحَدَث فقط من غير مدخليّة له فيها، و لا ينافيه الاكتفاء بنيّة رفع الحَدَث عن نيّة الاستباحة؛ لأنّ الاستباحة لازمة لوجوده، فلو رفع الحَدَث بغيره لا تصحّ الصلاة مع التمكّن منه كما في التيمّم.

فلا نقول: إنّ إطلاق الناقض يقضي بكون المنقوض وجوديّاً؛ لشمول: «لا تنقض» في الخبر (3) للأُمور الوجوديّة و العدميّة، و نعتمد على الآية (4) لتفسيرها بالقيام من النّوم، و لاستناد التيمّم في غيرها إلى المجيء من الغائط، و هو بدل الوضوء.

نعم، الرواية ظاهرة في المدّعى؛ لأنّ وجوب الطهور عند دخول الوقت غير صريح، بل و لا ظاهر في المُحْدِث فقط، فدعوى الظهور مقلوبة.

و أمّا تالي الأدلّة فليس بشيء، بل هو لجهة أنّ الحَدَث مانع فلا بدّ من إحراز العلم بعدمه و لو بالأصل، و هو غير جارٍ في المثال؛ لتعارض الأصلين فيه من أصالة عدم سبق الحَدَث على الوضوء و الوضوء على الحَدَث، و يؤيّده حكمهم بوجوب الغُسل إذا لم يعلم المكلّف سبقه على الجنابة، و لا شكّ في عدم وجوبه على من لم يحصل منه موجبه.

(و) موجبه مضافاً إلى الثلاثة (النّوم) مطلقاً كما في بعض النصوص (5)، و تقيّده بالنّوم (الغالب) (غَلَبَة مستهلكة) ( على السّمع و البصر) (بل على مطلق الإحساس) هنا و بغيره (6)

ص: 484


1- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 58 ح129.
2- مسند ابن راهويه: 1/ 179 ح126؛ مسند الشاميين: 1/ 189 ح331.
3- الكليني، الكافي: 3/ 364 ح6.
4- سورة المائدة: 6.
5- الكليني، الكافي: 3/ 36 ح6.
6- ينظر المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 109.

لا يُراد به تقسيمه، فإنّ غيره لا يسمّى نوماً و إن أطلق عليه، و هو ناقض مطلقاً خلافاً لظاهر الصّدوق في من نام قاعداً بدون انفراج الرواية الحضرمي (1) و إرساله عن أبي الحسن علیه السلام (2)، و رواية ابن حمران (3) و عبد الله بن سنان (4)، فإنّ ظاهرها عدم لزوم الوضوء على النائم قاعداً، و هي معارضة بالأقوى ممّا صرّح فيها بالتّعميم (5)، أو ما ورد في خصوص (6) نقض النوم حالة القعود فينبغي حملها على التقيّة أو تأويلها على إرادة غير الغالب على السمع، مع أنّه لم يثبت عمل الصّدوق بها و لا غيره و إن رواها، و خلافاً لظاهر عليّ بن بابويه (7) في عدم نقضه مطلقاً استناداً إلى ما حصر نقض الوضوء في غير النّوم (8) من النصوص كصحيحة زرارة (9) و سالم (10)، و رواية زكريّا بن آدم (11)، فإنّ الحصر إضافي قطعاً.

و حينئذٍ فلا ريب في ناقضيّة النوم الذي يبطل به إدراك الحواس مطلقاً (و لكن الغلبة على) خصوص (السّمع) منها (تقتضي الغلبة على سائرها)، (فلذا) خُصّ في بعض النّصوص و (خَصّه) المصنّف بالذِّكر؛ إذ لا تبقى مع فقده حاسّة و تبقى مع غيره.

و (أما البصر فهو أضعف من كثير منها، فلا وجه لتخصيصه) بالذِّكر، و لا لتأخيره عن السّمع؛ لغنائه عنه من غير عكس، و إذا جعلت (واو) البصر حاليّة سلمت العبارة من الزَّيْغ.

ص: 485


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 7 ح7.
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 63 ح144.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 7 ح6.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 138.
5- ينظر السيد المرتضى، الناصريات: 134.
6- ينظر المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 109.
7- قال ابن بابويه في الرسالة 114: (و إن كان وضؤك من النوم و نسيت فأدخلت..).
8- علي بن بابويه: رسالة الشرائع: 123.
9- الكليني، الكافي: 3/ 36 ح6.
10- الكليني، الكافي: 3/ 35 ح1.
11- الكليني، الكافي: 3/ 36 ح2.

(و) كالنوم (مُزيلُ العقل) مطلقاً (من جنون و سُكر و إغماء) و خرف و وجَع و شدّة مرض و ما يعرض لبعض أهل الرياضات، و كأنّ نقض المزيل كذلك عليه الاتّفاق، بل الإجماع، و لولاه لأمكنَت المناقشة في دليله؛ لأنه استنباط لا يعوّل عليه في الحكم الشرعي، و لأنّ خبر ابن خلّاد (1) يفهم منه أنّ خفاء الصّوت من جهة الإغفاء و النّوم، لا أنّه بنفسه علّة للوضوء في الرجل المسؤول عنه.

نعم، لو أرجع ضمير (عنه) في الخبر للمكلّف مطلقاً صحَّ الاستدلال به، و هو منافٍ للأسلوب اللّفظي.

(و) أيضاً توجبه (الاستحاضة) مطلقاً، و هي الدّم المعهود الذي لا يثقب الکُرسُف (على وجه يأتي تفصيله)، فإنّ كلّ أقسامها يوجب الوضوء في الجملة.

و المقيّد (2) لها بالقليلة أراد وجوبه بلا غسل، فإنّ المتوسّطة و الكثيرة و إن أوجبت الوضوء فقط في الصبح و العصر، لكنّها توجب الغسل أيضاً دون القليلة، و لكلّ وجه؛ و هما أرادا القسم الموجب منها مطلقاً، و لم يعدّها الشيخ (3) و السيّد (4) من النواقض مطلقاً.

ص: 486


1- الكليني، الكافي: 3/ 37 ح14.
2- الطوسي، الاقتصاد: 243.
3- الطوسي، المبسوط: 1/ 26.
4- السيد المرتضى، جمل العلم و العمل: 51.

[واجبات الوضوء]

(و واجبه) (أي واجب الوضوء) الشرعي، و هو الذي يلزم تحقّقه في تحقّق الوضوء مطلقاً، أُمور:

الأوّل: (النّية)، و وجوبها فيه إجماعي (1) لا شبهة فيه، و استند غير واحد إلى الأصل في وجوبها؛ لأنّ الأصل في كلّ واجب أن يكون تعبّدياً، مستدلّاً عليه بآيتي الإطاعة (2) و الإخلاص (3) و ب-: «لا عمل إلَّا بنيّة » (4)، و «لكل امرئٍ ما نوى» (5)، و «إنّما الأعمال بالنّيات» (6).

و فيه: إنّ ما ذكر لا يثبت الأصل المزبور؛ لأنّ الإطاعة مطلوبة الله تعالى في أوامره حسب ما أمر؛ إنْ توصّليّاً فتوصّلي أو تعبّدياً فتعبّدي، إذ معناه الانقياد لأوامره بعد معلوميّة كيفيّة الأمر، و أين هو من أدائها إلى اعتبار نيّة التقرّب في كلّ أمر؛ لحصول الإطاعة قطعاً في نفس وجود المأمور به، و لا تبقى للمولى حجّة بعد إيجاد ما أمر به سواء كان بنيّة التقرّب أو لا.

و أمّا آية الإخلاص فما كانت لتدلّ على انحصار المأمور به في العبادة حتّى يقال: إنّ الأصل في كلّ واجب أن يكون عبادة، بل هي تقضي أنّ العبادة لم يأمر بها إلَّا على جهة الإخلاص.

و أمّا كون هذا الفعل عبادة فموقوف على دليله، و كأنّها ظاهرة في التوحيد و نفي الشرك، و إلّا لزم تخصيص العام بأكثر من الباقي، و على ذلك أكثر المفسِّرين (7).

ص: 487


1- ينظر: ابن زهرة، غنية النزوع: 54؛ الشهيد الأول، الألفية: 43.
2- قوله تعالى: (أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَ أَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ) سورة النور: 54.
3- قوله تعالى: (و ما أَمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَه الدِّينَ) سورة البينة: 5.
4- الكليني، الكافي: 2/ 84 ح1.
5- سنن أبي داود: 1/ 490 ح2201؛ السنن الكبرى: 1/ 298.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 83 ح218.
7- ينظر: الطوسي، التبيان في تفسير القرآن: 10/ 389؛ الطبرسي، جامع الجوامع: 3/ 822؛ الراوندي، فقه القرآن: 1/ 100.

و أمّا الأخبار فابقاؤها على ظاهرها ممتنع كحملها على نفي الصحّة، فلا جرم أن يكون المراد منها أنّ الفعل غير المقصود وقوعه من الفاعل لا يعدّ من الأعمال؛ لصدوره بلا قصد و إن اكتفى به الأمر.

نعم، لو دلّت على عدم اكتفاء المولى بحصول المأمور به من غير قصد التقرّب لاتّجه بها أصالة التعبّد به، و لا كذلك؛ إذ المكلّف لو أوجد ما أمر به بأيّ عنوان يكون يتبعه حصول العنوان المراد للشارع و إن لم يكتب له أو عليه، فمعنى النبويّين أنّ الجزاء موقوف على النيّة في العمل المأمور به، لا أنّ العمل فاسد غير مراد كما هو المدّعى، و حينئذٍ لا شبهة في البناء على التوصّليّة في مقام الشكّ حتّى يثبت من دليل خارج اعتبار النيّة فيه، و تمامه في الأصول.

(و هي) لغةً (1) و عرفاً و شرعاً إرادة الشيء و (القصد إلى فعله) من الوضوء و غيره، و هي مقارنة للمراد تارةً و منفصلة عنه أُخرى، و مقتضى تحديد الفقهاء لها كما في الإيضاح (2) بأنّها إرادة إيجاد الفعل المطلوب شرعاً على وجه يقتضي شمولها للإرادة التي لم تقارن العمل، و جماعة منهم المصنّف في الذكرى (3) جزموا بأنّ الإرادة المتقدِّمة عزم لا نيَّة، و خصّصوا النّية بالمقارنة لأوّل جزء من العمل، و فرّقوا بينها و بين العزم أنّه مسبوق بالتّردد دونها كما رآه المتكلّمون (4)، و هو الأوفق.

و هل هي الإرادة التفصيليّة التي تعد فعلاً للقلب التي تجب في أوّل العمل كما هو ظاهر المشهور (5)، أو هي الأمر المركوز في الذّهن إلى تمام العمل الذي يعبّر المتأخّرون (6) عنه بالدّاعي و يطلقون عليها النيّة كما عليه أكثر من تأخّر؟ خلاف بينهم.

ص: 488


1- الرازي، مختار الصحاح: 350.
2- فخر المحققين، إيضاح الفوائد: 1/ 34.
3- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 105.
4- ينظر الرسائل الفخرية في معرفة النية: 32.
5- ينظر الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 2/ 15.
6- ينظر الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 2/ 18.

و التحقيق: عدم توقّف العبادة شرعاً على أكثر [من] ما يتوقّف عليه عقلاً، فإنّ الزائد منفيّ بالأصل، فمتى صدقت الإطاعة في العمل صحَّ ذلك العمل، و لازمه استمرار النيّة في العمل المركّب من الأجزاء في كلّ أجزائه؛ إذ معه تحصل الإطاعة المرادة للآمر، فلو خلا بعض الأجزاء عنها لم تحصل الإطاعة المطلوبة فيه، و به تشهد جميع أخبار النيّة في العمل كالمتقدّمات لعدّ الجزء عملاً قطعاً، و لا عمل إلَّا بنيّة.

و عليه تتساوى نيّة الأجزاء من غير فرق بين أوّلها و أوسطها و آخرها؛ إذ كلّ جزء منها فعل اختياري للمكلّف، لكن حيث يتعذّر ذلك يكفي استمرارها الحكمي الآتي بيانه، و لا تخرج بقيّة الأجزاء عن أنّها أفعال اختياريّة؛ لأنّ الفعل الاختياري لا بدّ و أنْ يسبقه إرادة متّصلة به، باعثة عليه، منبعثة عن تصوّره، فهي في أوّل أجزاء العمل تامّة المرافق، و في الباقي يكتفى بما هو مركوز في الذّهن من الإرادة المتّصلة التي تستمرّ الحركة باستمرارها.

و حينئذٍ فإن كان رأي المتقدّمين من كفاية النيّة في أوّل العمل - و إن ذهل عنها في الأثناء - أنّ بقيّة أجزاء العمل الواحد خالٍ عنها بحيث لا يعدّ من الأفعال الاختياريّة فالحقّ مع المتأخِّرين، و إن أراد المتأخّرون بوجوب استمرارها تفصيلاً بحيث يتساوى أوّل العمل مع آخره و إن لم يخرج الفعل عن كونه اختياراً مع الذّهول مع النّية فهو ممنوع عليهم؛ لتعذّره أو تعشره، و الحصول الإطاعة المطلوبة منه؛ إذ لو سُئِلَ المكلّف في أثناء العمل ما تفعل؟ لقال

بالمنويّ.

و من الغرائب في الجواهر قوله في الفرق: إنّ الدّاعي يكتفى بوجوده و إن غاب عن الذّهن حال الفعل كما يظهر من بعضهم ممّا يقطع بفساده، و قوله بعد ذلك: فنقول حينئذٍ يكتفى بقيام الدّاعي في المكلّف، لكن لا بدّ من حصول الإرادة للفعل حين التّعقل و إن غفل عن الدّاعي له في ذلك الوقت، لكن بحيث لو سُئِل لقال: أُريد الفعل لذلك (1).

ثمّ جعل هذا هو الأولى مع أنّه لا فرق بين ما جعله الأولى و بين ما قطع بفساده، ثمّ ما فرّق به أوّلاً من أنّ القائل بالإخطار يعتبر العلم بالحضور وقت الفعل، و القائل بالدّاعي

ص: 489


1- النجفي، جواهر الكلام: 2/ 80.

يعتبر نفس الحضور بلا علم به ممّا لم نعثر عليه منهم، كما أنّ التفرقة بين غيبة الداعي عن الفعل و بين غيبة نفس الفعل لم نقف عليه في كلمات من قال إنّها الدّاعي، بل لا نعرف من القائلین به سوی ما جزم بفساده، و بأيّ معنى أُخذت يجب أن تكون (مقارنةً لغسل الوجه) الآتي بيانه.

نعم، الغسل (المعتبر شرعاً)، (و) المراد هنا (هو) غسل (أوّل جزء من أعلاه)، فالمقارنة تلزم فيه؛ (لأنّ ما دونه) و هو غسل غير الجزء الأعلى من باقي أجزاء الوجه (لا يسمّى غسلاً) شرعاً.

(و) لا يصحّ الوضوء به و إن انضمت إليه بقيّة الأجزاء بخلاف الأعلى مع الانضمام، و هو مراد المصنّف و إن أطلق غسل الوجه؛ (لأنّ المقارنة) في النيّة (تعتبر) عنده (لأوّل أفعال الوضوء) الواجبة شرعاً (و الابتداء) في الغسل (بغير الأعلى) من الوجه (لا يعدّ) في الشرع (فعلاً) من أفعاله، و حينئذٍ لا يجوز تأخّرها عن أوّل أجزاء الوضوء قطعاً قولاً واحداً، و لا يلتفت لمقالة ابن الجنيد (1) في أنّها تجزي في أثناء العمل كالصّوم، فإنّه قياس، مع أنّ ماهيّة الصّوم واحدة، و الطهارة متعدّدة.

أمّا تقدّمها عليه فاستحبّه الشيخ (2) و غيره (3) عند غسل اليدين الذي هو من أفعال الوضوء المندوبة، و بالأولى عند المضمضة و الاستنشاق، و هو إن أشكل من جهة أنّ ناوي الوجوب كيف يقارنه بما ليس بواجب، إلَّا أنّه سارٍ أيضاً في المندوب المتخلّل في أثناء الوضوء مثل تكرّر الغسل، غايته أوليّة هذا المندوب، و هي لا تضرّ قطعاً، و بروضه (4) كفاية نيّة الوجوب في الفرد المشتمل على الأجزاء المستحبّة، و هو مشكل لا يناسب اعتبار قصد الوجه في العبادة.

ص: 490


1- الاشتهاردي، فتاوى ابن الجنيد: 30 مسألة: 3.
2- الطوسي، الخلاف: 1/ 73.
3- منهم: المؤتلف من المختلف: 1/ 26؛ و الوسيلة: 51؛ و غنية النزوع: 61؛ و السرائر: 1/ 118.
4- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 90، 91.

فالمناسب على المذهب المشهور أن يقارن بنيّة الوجوب و الندب للواجب و المندوب، و ينوي السابق منهما على وجهه، و لا مانع من اجتماع النّيتين.

يبقى الكلام في مستند كون غسل اليدين من أجزاء الوضوء المستحبّة، فإنّه غير واضح.

بل غاية مفاد بعض الأخبار (1) أنّه مستحب تعبّدي نفسيّ؛ لوقوع الوضوء على الوجه الكامل، فهو أمر خارجي يوجب كمال أثر أفعال الوضوء بعده مثل التسمية و السّواك المجمع (2) على عدم الاكتفاء بالنّية المقارنة لهما، مع احتمال أنّ الأصل في وضوء رسول صلّی الله علیه و آله شرّع لرفع النجاسة المتوهّمة، فهو علّة الحكم لا حكمته كي يكون الاستحباب فيه غيريّاً نظير الغسلات، فالأولى تأخير النيّة إلى غسل الوجه و إن صحّ عندنا مقارنتها للمضمضة و الاستنشاق، فإنّهما من أجزائه قطعاً.

و يجب استدامة حكمها إلى عند الفراغ في كلّ أجزاء الوضوء اتّفاقاً (3)، و لا يقدح انقطاعها في الأثناء مع عدم الاشتغال بفعل آخر؛ أمّا الأوّل فيقضي به أدلّة اعتبارها في العبادة كي لا يخلو عنها جزء منها، و أمّا الثاني فلتعذّرها أو تعسّرها، فلا بدّ من الرّجوع إلى الاستدامة الحكميّة حتّى مع إمكان الفعليّة؛ إذ مراعاتها بقدر الإمكان أيضاً عُسر بيّن، فمتى لم ينتقل الناوي منها إلى نيّة أخرى بحيث إنّه كلّما توجّه ذهنه إلى الفعل المنوي حين اشتغاله به تجدّد له قصد تفصيلي إليه و عزم على الإيتان به صحّ العمل المنوي، فالفرق بين نيّة الابتداء و الأثناء أنّ الأُولى مشتملة على قيود الفعل و الغاية تفصيلاً، و الثانية إجمالاً؛ و لذا تجامع عدم الشعور.

و يظهر ممّا ذكرنا سقوط الكلام في المقارنة و الاستدامة على الدّاعي دون الإخطار وفاقاً لجملة من المحقّقين (4)، خلافاً للجواهر (5) لجعله مناط الفرق هو العلم فالحضور في الابتداء

ص: 491


1- الكليني، الكافي: 3/ 12 ح5، 6.
2- ينظر المحقق النراقي، معتمد الشيعة: 174.
3- ينظر العلامة الحلي تذكرة الفقهاء: 3/ 108.
4- ينظر المحقق الكركي، رسائل الكركي: 3/ 254.
5- النجفي، جواهر الكلام: 16/ 193.

من دون علم به معتبر على القول بأنّ النيّة الدّاعي و إن ذهل في الأثناء، و على الإخطار يعتبر العلم مضافاً إلى الحضور و عدم الذهول في الأثناء، و أنّ الغفلة في الابتداء مخلّة على القولين.

و نحن نقول: إنّ أهل الدّاعي يرون أنّ الإرادة المسبوقة بتصوّر الفعل و غايته المقرونة بأوّل جزء من الحركات المعدودة في العادة فعلاً النيّة عندهم؛ إذ لا يتوقّف صدور الأفعال الاختياريّة عندهم على أكثر من ذلك، فلا يقدح الغفلة و الذهول عن الفعل و الداعي حين الشروع و بعده، و حينئذٍ فالسقوط بيّن، و لا كذلك الإخطار؛ لالتزامهم وجوب الإرادة التفصيليّة لأوّل الفعل المأمور به، و لا يجوز عندهم الغفلة عنده و إن قارنته بعض مقدّماته المعدودة معه فعلاً واحداً، نعم هم يكتفون بعد ذلك بالإرادة الإجماليّة المنفكّة عن الشعور.

و بالجملة، فالاستدامة هنا تخالف الاستدامة في الصلاة، فلو نوى الانقطاع في جزء من أجزاء الزّمان الخالي عن بعض أفعال الوضوء لا يبطل الوضوء قطعاً و إن احتمله البعض (1) قياساً على الأكوان المتخلّلة بين أجزاء الصلاة التي يعتبر فيها ما يعتبر في الصلاة من الطهارة و السّتر و نحوه، و تمامه في محلّه.

[أجزاء النّية]

[الأوّل: قصد الوجوب]

و يلزم أن تكون في ظاهر كلام المصنّف هنا و بغيره (2) (مشتملة) (على قصد) (الوجوب) و جعله غاية كالقربة (إن كان) الوضوء (واجباً) حال القصد (بأن كان) فعله غير نذره أو (في وقت عبادة واجبة مشروطة به) لا تُقبَل بدونه، ( و إلّا) يكن كذلك (نوى النّدب) فيه نفسيّاً كان أو غيريّاً، (و لم يذكره) المصنّف؛ (لأنه خارج عن الفرض) أو ب-(الغين) (3)، فإن فرض كلامه في الواجب منه، و نقل الشارح الشهرة على ملاحظة الوجوب و الندب غاية

ص: 492


1- حكاه الشيخ الأنصاري عن البعض في كتاب الطهارة: 2/ 119.
2- الشهيد الأول، الألفية و النفلية: 43، البيان : 43، الدروس: 90.
3- يعني: (الغرض).

في روضه (1) و بصلاته، و هو صريح الفاضل (2)، و يظهر من الحلّي (3) و غيره (4) اعتبار أخذهما وصفاً مميّزاً و غاية.

و التحقيق: إنّ مَن أوجبهما غايةً إن أراد بهما الشّرعيين رجع كلامه إلى أنّ غاية الوضوء موافقة إرادة الله تعالى، و هذا عين القربة، فهي مغنية عنهما و هما مُغنيان عنها، و إن أراد بهما العقليين الثابتين للأفعال مع قطع النظر عن أمر الشارع كما صرّح به الشيخ رحمه الله في الشرائع من أنّ الشيء لا يجب بإيجاب موجب، و إنّما يجب بصفة هو عليها تقتضي وجوب ذلك الشيء (5)، انتهى.

فلا دليل عليه أبداً و إن كان إيجابه شرعاً لمصلحته الذاتيّة، و كونه كذلك لا يوجب جعله غاية؛ إذ ليس على المكلّف شيء بعد تصوّره الفعل المأمور به بجميع قيوده الداخلة في تعلّق الأمر به، و ليس منها كونه مشتملاً على مصلحة تقتضي إيجابه، بل ظاهر من اعتبر الوجوب و الندب غايةً أراد بهما الشرعيّين.

[الثاني: التّقرب]

(و) مشتملة أيضاً على (التقرّب) (به إلى الله تعالى) بلا خلاف أجده، و حصول التقرّب (بأن يقصد فعله الله) تعالى لا لغيره سواء قصده (امتثالاً) (لأمره أو موافقة لطاعته)؛ إذ بهما يحصل القُرب المعنوي و الامتثال و الموافقة؛ لأنه أهلٌ للعبادة، فلا داعي له على الفعل إلَّا القيام بما يستحقّه المطاع من حيث ذاته لا لجهة أُخرى؛ و دونه أن يقصد بالإطاعة أداء ما يستحقّه الله تعالى عليه من الشكر و إن لم تصل فائدة إليه؛ و دونه من يريد بهذا الشكر مزيد النعم ( أو ) يعمل (طلباً للرفعة) و مزيد المنزلة (عنده بواسطته).

ص: 493


1- الشهيد الثاني، الروضة البهية: 1/ 590.
2- العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 1/ 199، إرشاد الأذهان: 1/ 222.
3- ابن فهد، الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 40.
4- ابن حمزة، الوسيلة: 51؛ ابن إدريس، السرائر: 1/ 98؛ العلّامة الحلي، منتهى الحلي، منتهى المطلب: 2/ 15.
5- العبارة في العدة في أصول الفقه (عدة الاصول): 2/ 96.

و هذا أوّل مراتب من يطلب بإطاعته العوض، و إطلاق التقرّب على من حصل منه ذلك (تشبيهاً) للقرب المعنويّ (بالقرب المكاني)؛ إذ لا يتصوّر قُرب من الله تعالى حقيقةً، فلا بدَّ من ارتكاب المجاز فيه؛ لعدم صدق القرب حقيقةً على غير المكاني و دون ذلك كلّه يطلب بالعمل ما بذل الله عليه؛ و دونه من يطلب به نفس دخول الجنّة الموجب للبُعد من النار، فيكون التقرّب غير مقصود لذاته، بل لأجل الملّاذ النفسانيّة الآجلة.

و لأجل ذلك قيل بفساد العمل معها لكنّه ضعيف و إن صدر من الفاضل (1) فإنّ من يطيع لرجاء الثواب أو لخوف العقاب يحصل له التقرّب إلى مولاه لسبب خوفه منه و رجائه له، و تحصل له الإطاعة كما في سائر الموالي مع عبيدهم، و متى صدقت الإطاعة صحّ العمل.

نعم، لو طلب العامل العوض بإزاء العمل كالأجير لم يصحّ عمله جزماً (أو) كان قصده بفعله الله تعالى (مجرّداً عن) جميع (ذلك) من امتثال الأمر و غيره؛ (فإنّه تعالى غاية كلّ مَقْصَد)، فيجعل غاية للفعل، بطل عمله جزماً، و تصحيح الشارح لعمل الثاني كأنّه بالنظر إلى عوده لأحد المتقدّمات، و الذي أوهمه مقالة الحكماء (2) من أنّه تعالى غاية الغايات و غاية كلّ مقصد، و مرادهم بالغاية ما يكون سبباً لفاعليّة الفاعل، فإنّ فاعليّة كلّ فاعل تنتهي إليه كسببيّة وجوده، (و) الغاية المعتبرة في العبادة لا يكفي فيها مجرّد ذلك.

[الثّالث: الاستباحة]

و مشتملة على (الاستباحة) عنده (مطلقاً) في جميع أفعال الوضوء (أو الرفع) للحدث (حيث يمكن) في غير دائم الحَدَث، (و المراد رفع حكم الحَدَث)، و هو المنع من الصلاة معه في غير الضرورة المبيحة معه، (و إلَّا فالحدث إذا وقع لا يرتفع) بناءً على أنّه نفس الأسباب الموجب للوضوء و الغسل، فإنّ رفعها بعد حصولها غير معقول، و أمّا لو أخذناه بما فسّره به سابقاً من [أنه] الأثر المترتّب عليها المسمّى بالنجاسة المعنويّة، فرفعه بهذا المعنى ممكن، و كأنّه أشار لمذهب المصنّف في الحدث.

ص: 494


1- العلّامة الحلي، أجوبة المسائل المهنائية: 90.
2- ينظر صدر المتألهين، الحكمة المتعالية: 3/ 106.

(و لا شبهة في إجزاء النّية المشتملة على جميع ذلك) إلَّا عند من (1) يوجب الجمع بين الرفع و الاستباحة و بين الوجوب الوضعي و الغائي (و إن كان في وجوب) اشتمالها على (ما عدا القربة نظرٌ؛ لعدم نهوض دليل عليه).

أمّا الوجوب و النّدب فقد سبق بيانهما، و أمّا الاستباحة و الرّفع فأوضح؛ لأنهما أثران مترتّبان على إيقاع الوضوء بقيوده، فهما من أحكام امتثال الأمر بالوضوء لا من الوجوه التي يقع الوضوء عليها حتّى يجب أخذه قيداً للفعل ليقع الفعل المقيّد به قربةً إلى الله تعالى؛ إذ الوضوء الجامع لشروطه رافع و مبيح، و لو كان الوضوء الرافع و المبيح هو الذي يجب لسقط اشتراط القربة فيه، بل يكون مساوقاً للخبث يرتفع بأيّ نيّة تكون، و برفعه يسقط الأمر.

و حاصل الأمرين: إنّ إزالة النجاسة الحكميّة مبيحة للصلاة و رافعة للحدث، و هي لا تحصل إلَّا بهذه الأفعال المشتملة على القربة، فتكون مقدّمةً لها و سبباً فيها، و بحصولها يحصل المسبّب، و حينئذٍ كيف تكون من الأفعال المندوبة في الوضوء؛ إذ لو كانت من أفعاله لأغنت عن نيّة القربة مثل رفع الخَبَث على بعض الأفعال الخالية عن القربة من جهة حصول المراد بوجودها.

فاتّضح أنّ الفعل المأمور به على جهة التعبّد لم يؤخذ فيه رفع الحَدَث، مثل قوله علیه السلام: «إذا دخل الوقت وجب الطهور و الصلاة» (2)، لم يؤمر به على جهة العبادة؛ لعوده إلى لزوم حصول التطهير في الخارج، فهو من الواجب التّوصلي الذي بمجرّد حصوله و لو مع السّهو و النسيان يرتفع الأمر به، و واضح أنّ المأمور به بالأمر التعبّدي ليس إلَّا الأفعال التي تكون سبباً لحصول التطهير بعد إتيانها، فالأمر بالتطهير لم يقصد به إلَّا وجوده في الخارج بأيّ نحوِ يكون، و أين هذا من لزوم قصده في تلك الأفعال.

لكن يشكل على هذا الفرض أنّ الوضوء الصلاتي واجب بالأمر المقدّميّ فلا يجب إلَّا بوجوب ذيه، و مقدّميته موقوفة على رفعه الحَدَث الموقوف على الأمر به عبادة فيدور، فلا

ص: 495


1- الحلبي، الكافي في الفقه: 132؛ ابن البراج، المهذب: 1/ 45؛ ابن حمزة الوسيلة: 40.
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 33 ح67.

مَحيص إلَّا بالتزام أمر آخر غير أمره الغيري يحقّق أنّه مقدّمة ليجب من حيث المقدّمية أو التزام لحاظ الرّفع في الوضوء قبل الأمر الغيري، فيصير سبباً للأمر الغيري، و الأوّل خلاف فرض كونه واجباً بالوجوب الغيري، و الثاني مستلزم للغويّة القربة و عدم اعتبارها؛ لعدم توقّف الرّفع عليها، بل عاد رفع الحَدَث من لوازم الفعل كرفع الخَبَث اقترن بالقربة أم لا.

و يتخلّص بعدم توقّف كونه عبادة على الأمر الغيري بالوضوء، بمعنى أنّ كونه عبادة لا يقتضيه أمره المقدّمي، بل الأمر المقدّمي يوجب إيجاده مع نصب القرينة على إيجاده على وجه العبادة، بناءً على أنّ قصد التعبّد في الأوامر إنّما فهم من الخارج لا من نفس الأمر، فتأمّل.

و كيف كان، فلا قاطع يصلح لاعتبار ما عدا القربة في الوضوء.

و (أمّا القربى فلا شبهة في اعتبارها في كلّ عبادة) قضى بها الدّليل؛ لأصالة التوصّليّة في الأوامر، (و كذا) يعتبر (تميّز (1) العبادة) المتميّزة بنيّة القربة (عن غيرها) من العبادات (حيث يكون الفعل مشتركاً) بين عبادتين أو أكثر، فإنّه يجب جزماً نيّة إيقاع الفعل المأمور ب-ه و تشخيصه عمّا عداه بمشخّصاته، ليحصل الغرض من الأمر به؛ إذ لو لم يشخّصه في نفسه كان المتصوّر غير مأمور به، فلا يفيد.

و لا فرق بين أن يكون القيد المشخّص للفعل المأمور به محقّقاً لنفس الموضوع و مقوّماً له كصلاة النيابة إذا نويت، و كنيّة التأديب في ضرب اليتيم؛ إذ الموضوع حقيقةً هي النيابة عن الغير و التأديب، فلو لم يقصدا لم يأتِ الفاعل بالمأمور به، أو يكون مميّزاً له عن فرد آخر كغسل الجمعة و الجنابة، و نيّة الظهريّة عن العصريّة في الصلاة، و غيرها ممّا يكون المميّز مأخوذاً قيداً للعنوان في الأدلّة الشرعيّة أو غير مأخوذ، فإنّ الظاهر لزوم تعيين الفعل المنويّ مطلقاً لتحصل الإطاعة العرفيّة، و في المشخّص كأنّه لا خلاف فيه، و أمّا المميّز فالظاهر اعتباره سواء اتّحد مع المأمور به فعل آخر مأمور به كصلاة الظهر و المنذورة، أو لم يتّحد؛ إذ لو وقع الأوّل بلا قيده لم يكن امتثالاً لأحد من الأمرين بلا شبهة.

ص: 496


1- في المصدر: (التمييز).

و أمّا الثاني فهو و إن لم يشارکه مأمور به آخر متّحد معه، لكن كأنَّ القصد إلى مطلق الصلاة المقولة على أفراد عديدة لا يعيّن الواجب منها على المكلّف؛ لعدم وضعها للواجب مطابقة، فليس المحوج إلى المميّز هو الاشتراك حتّى يستغنى عنه في هذا الفرد، بل المحوج إليه لزوم تصوّر المأمور به على الكيفيّة التي بها صار مراداً للآمر.

نعم، لو ميّز المكلّف ما أمر به بنيّته بغير القيد الشرعي صحّ عمله، و لا يلزمه تعيّنه بشرعي القيد؛ لحصول الغرض و هو التمييز، و منه يظهر أنّ التمييز بين العبادات التي لم تقيّد بمميّز شرعي لو اشتركت قد يحصل بالوجوب النّدب و قد يحصل بغيرهما، فالواجب المميّز الأعمّ، و لو تعدّد تخيّر، و لو انحصر وجب ما انحصر فيه عيناً.

و كأنّ الشارح يرى أنّ الاشتراك هو المحوج إلى التمييز بين فردي العبادة (إلَّا أنّه لا اشتراك في الوضوء) عند الشارح (حتّى في الوجوب و الندب) ليجب تعيّنه بنيّة أحدهما؛ (لأنه) إن كان ( في وقت العبادة الواجبة المشروطة به لا يكون إلّا واجباً) (و) إن كان (بدونه ينتفي) عنه الوجوب الأصلي فلا يكون إلّا مندوباً، و كذا الكلام في بدله.

فهنا دعويان: إحداهما: اعتبار الوجوب و الندب في التمييز و إيجاب نيّة أحدهما مع الاشتراك. و الثانية: عدم جواز نيّة النّدب في الوضوء لو وجب ما وجب له.

أماّ الأُولى فقد قال غير واحد (1) بوجوب نيّة أحدهما لو انحصر المشخّص للفعل المأمور به به، و ظاهر الفاضلين (2) عدم الخلاف فيه؛ إذ اختلاف الأفراد في الوجوب و الندب لا يكون إلّا لخصوصيّة موجودة في أحدهما مفقودة في الآخر، فإذا اشتركت صلاة الظّهر بين المندوبة مثل المعادة جماعة و صلاة الصبح، و بين الواجبة فالموضوع للوجوب هو صلاة الظهر مع تلك الخصوصيّة، و حيث لم تعلم للمكلّف تفصيلاً، و كان وصف الوجوب معرّفاً لها و كاشفاً عنها، وجبَ القصد إلى الفعل المتّصف بالوجوب.

لكن غاية ما يثبت بهذا الوجه هو وجوب القصد إلى العنوان المذكور في الخطاب بوصف

ص: 497


1- كالشهيد في ذكرى الشيعة: 2/ 108.
2- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 138؛ العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 149.

أنّه مطلوب و واجب بطلب شخصي، ليكون قصد هذا الوصف المعرّف للخصوصيّات المأخوذة في فعله المميّزة له عن الفرد المستحبّ بمنزلة قصدها، و هو لا يتمّ، فإنّ اشتغال الذّمة في زمان واحد بفعلين مختلفين في نظر الآمر متّحدين في جميع الخصوصيّات غير صحيح؛ لأنهما إن كانا مأموراً بهما على جهة الوجوب و أمكنَ ترتبهما ترتّبا في الوجود.

فلو قال: صُم يوماً وصُم يوماً كان المآل إلى الأمر بصوم يومين، و إن كان أحدهما واجباً و الآخر مندوباً اختصّ الأوّل بالوجوب، فلا اشتراك ليجب التّمييز، و إليه يشير اتّفاقهم (1) على صحّة نيّة القُربة في صوم رمضان، فما هو إلّا لكفاية كون المأمور به مطلوباً و راجحاً، فيكفي حينئذٍ توصيفه بالطلب الشخصي الموجود لا وجوب استحضار وصف الوجوب أو النّدب.

و عليه، فلو نوى الوجوب في المندوب و بالعكس جهلاً صحّ عمله؛ لأنه أتى بالفعل المطلوب للمولى بالطلب الثابت له واقعاً و إن أخطأ في الكيفيّة، و كذلك لو نوى الندب في الواجب أو الوجوب في المندوب مع الشكّ في دخول الوقت و خروجه لأجل الاستصحاب، فبانَ الخلاف، فإنّه أَوْلى بالصحّة؛ لوجود الأمر الظاهري الشرعي، لكن حكم الفاضل (2) بالصّحة؛ إذ لم يمكنه الظّن و إلّا فالإعادة و بالعمل على الظّن إذا تعذّر العلم عليه، فإن لم يستعلم و عمل بالظّن أعاد، و هو مبنيٌّ على عدم منافاة الإعادة للعمل بالاستصحاب و عدم التعويل على الظنّ حيث يمكن العلم، و هما وجيهان عندنا خصو صاً الثاني، و يتّجه البطلان في تعمّد نيّة الخلاف لكونه من التّشريع.

و أمّا الثانية فقد جوّز بعض (3) المتأخِّرين نيّة النّدب في الوضوء مطلقاً، و الأكثر لا يصحّحونه في وقت الواجب المشروط به، بل لا بدّ من نيّة الوجوب، و يشكل لو نوى الغاية المستحبّة سواء كان الوجوب على جهة التوصيف أو كان غاية؛ إذ الدّاعي هو جهة الندب

ص: 498


1- ينظر الرسائل العشر: 211؛ الطوسي، المبسوط: 1/ 276.
2- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 182، 183.
3- ينظر التعليقات على الروضة البهية: 1/ 30.

و الإتيان به لوجوبه خلاف مقصود العامل، و كذا قصد إتيان الوضوء الموصوف بالوجوب لأجل غاية لا يوقعها، و لعلّهم لا يصحّحونه أيضاً.

و نحن حيث بنينا على عدم جواز نيّة الوجوب إلّا عند إرادة الواجب لا جرم إنّه يجوز عندنا نيّة ندب الوضوء و إن وجب لوجوب ذيه؛ لأنّ ملاحظة جهة الطلب حاصلة فيه، و هي تكفي في الصّحة، فيكون له حكم المندوب و إن كان واجباً لانطباقه على ما أمر به وجوباً.

و لا يأبى العرف و لا العقل استحقاق الثواب بهذه الملاحظة فليس هو من باب إسقاط الواجب بالمستحبّ لأنّ ذلك نوع اجتماعهما فيه و المفروض وحدة حقيقة الوضوء فإنّ مندوبه لو رفع الحَدَث لا يجوز الإتيان بواجبه و متى اتّحدت حقيقته تعذّر اجتماعهما فيه و هو مبنى حصر الشارح له بالوجوب عند وجوب ذيه و لا وقع للردّ عليه بأنّه في كلّ وقت مستحبّ لأنّ هذا المستحب إن عرضت له حالة الوجوب فهو المطلوب و إن كان الواجب غيره فينفي إنّه يجوز الإتيان بهما و هو ممنوع بعد ارتفاع الحَدَث بالمندوب.

نعم، في المندوب الذي لا يرفع الحَدَث يجوز التكرار، بل يجب لما وجب له؛ لتغاير الوضوئين كما أنّه لا يحسن التفصّي عنه بأنّ ذلك على رأي (1) من لا يصحّح الإتيان بالمندوب في وقت الواجب كالمتنفّل وقت الفريضة؛ لأنه خلاف مذهبه، بل نقول: إنّ هذا الوضوء له حكم المندوب و إن وجب فيصحّ لملاحظة جهة الطلب فيه كما غبر، و عند إرادة الواجب ينوي الوجوب، فإن عمل ما وجب لأجله فيها و إن عدل عنه أو صدّه عن فعل ذي المقدّمة صادٌّ فقد قيل (2) ببطلان الوضوء و عدم اتّصاف المقدّمة بالوجوب، و لعلّ نظر الأوّل إلى أنّ الوضوء جزء من الصلاة لما دلّ (3) أنّه ثُلث الصلاة، فإذا لم تلحق باقي أجزائه بطل.

و الثاني أنّ وجوب المقدّمة مراعى حتّى يتحقّق ذوها في الخارج، مثل اتّصاف لوازم

ص: 499


1- ينظر الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 2/ 63، 64.
2- المصدر السابق.
3- الكليني، الكافي: 3/ 273 ح8.

الوجوب به أنّها متى لوحظت مجرّدة عنه لم تكن مطلوبة له، و كلاهما مزيّف بأصالة عدم اشتراط الصحّة بتعقّب المشروط و بحصول الشهرة المحققة على عدم اشتراطه؛ إذ جمع الوضوء سائر الشرائط غيره، و بأنّ وجوب المقدّمة لمعنى موجود فيها بالفعل غير معلّق على حصول ذيها، بل غاية ما ثبت هو توقّف الواجب عليها وجوداً و عدماً، و تمامه في الأُصول، و لا أظنّ أنّ أحداً يلتزم ببطلان غايات الوضوء التي عملت قبل الغاية المنويّة لو لم تعمّل، بل ظاهرهم (1) أنّ الوضوء متى جمع الشرائط ارتفع به الحَدَث و استُبيحَت به كلّ غاياته.

نعم، بناءً على اشتراط نيّة رفع الحَدَث فيه لا يستباح بما لا يمكن نيّته فيه بشيء من الغايات المتوقّفة على الطّهارة، كالوضوء المجامع للأكبر، مثل وضوء الحائض.

و هل تختصّ نيّته فيما يشترط فيه الطّهارة أو مطلقاً فيشمل الوضوء لغير ما يتوقّف على الطّهارة نحو التلاوة و دخول المساجد، فلا تترتّب غايتها بدون نيّة الرّفع عند معتبره، خلاف و إشكال.

و ما تلقّيناه من شيخ أساتيدنا المرتضى (رضوان الله عليه) تقريراً أنّ الوضوء بأقسامه مطلقاً رافع للحدَث و مُبيح للصلاة سواء كان لغاية لا يجب لها مثل: دخول المساجد و ما بحكمها، و كقراءة الفرقان، و كلّ عمل توقّف فضله على ارتفاع الحَدَث، أو كانت غايته ارتفاع الحَدَث فقط و الكون على الطّهارة، أو كان لا لغاية مثل الوضوء عقيب التقبيل و المذي، أو كان منوياً به التجديد، أو أتى به احتياطاً فانكشف سبق الحَدَث فيهما، أو مأتياً به باعتقاد الحيض فيبين عدمه و سبق الحَدَث الأصغر، فإنّ هذه الوضوءات بعد ثبوت مشروعيّتها لا مانع من صحّتها في نفسها و استباحة جميع غايات الوضوء في كلّ فرد من أقسامها؛ لأنّ رفع الحَدَث من قبيل الخاصّيّة للوضوء بشرائطه، و هو المنشأ للأمر به.

فحينئذٍ ماهيّة الوضوء التي لا يفارقها رفع الحَدَث أمر بها لا أنّ الرافع هو الوضوء بضميمة أنّه مأتي به للصلاة، و إلّا لأشكلَ الأمر في أُمور تُعرَف بالتأمّل.

قال الرِّضا علیه السلام: «و إنّما أمر بالوضوء و بدئ به ليكون العبد طاهراً إذا قام بين يَدي

ص: 500


1- ينظر الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 2/ 64.

الجبّار ... إلخ» (1).

مضافاً إلى بعض الأخبار التي يظهر [منها] هذا المعنى ظهوراً بيِّناً بالمعنى الأعمّ، ففي موثّقة ابن بكير: «إذا استيقنت أنّك توضّأت فإياك أن تحدث وضوءاً حتّى تستيقن أنّك أحدثت» (2).

و قوله علیه السلام: «لا ينقض الوضوء إلّا حدث» (3)، و غيرهما (4)؛ فإنّهما دلّا على النّهي عن الوضوء الرافع بالقصد إذا تعقّب وضوءاً رافعاً من دون تفصيل بين أقسام الوضوء، و على أنّ الحَدَث ناقض مطلقاً، فيقضي أنّ الوضوء رافع مطلقاً.

ولكن مع ذلك فقد خالف في ذلك جماعة من أصحابنا ممّن يرى عدم كفاية القربة في الوضوء، إذ مَن يرى كفايتها و اعتبارها في كلّ أقسامه يلزمه القول برافعيّة الحَدَثَ لجميع الأقسام، فإنّ الشيخ (5) و الحلّي (6) فرّعا عدم ارتفاع الحَدَث على هذه الوضوءات من جهة اعتبار الاستباحة و الرّفع في الموضوع، و الفخر (7) و المحقّق (8) نفيا الإشكال في صحّتها بناءً على كفاية القُربة، فينجم من هذين ما يروق في العين.

و أمّا ما نقله سيّد المدارك (9) من نسبة القول المختار إلى المعروف بين الأصحاب المحكي

ص: 501


1- الصدوق، عيون أخبار الرضا علیه السلام: 2/ 111.
2- الكليني، الكافي: 3/ 33 ح1.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 6 ح5.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 7 ح8.
5- الطوسي، المبسوط : 1/ 25.
6- ابن فهد، الرسائل العشر: 53.
7- فخر المحققين، إيضاح الفوائد: 1/ 34، 35.
8- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 140.
9- السيد العاملي، مدارك الأحكام: 1/ 260.

الإجماع عليه من بعضهم، فالظاهر أنّ كثيراً منهم على خلاف ما استظهره رحمه الله (1) و إن كان هو الأقوى في النّظر، فليحمل كلامه على الإجماع ممّن يرى كفاية القربة؛ لوجود المخالف المعتدّ به في الوضوءات المندوبة مطلقاً، بل أفرط بعضهم فرأى عدم كفاية وضوء النافلة في الدخول في الصلاة، و المسألة محتاجة إلى التتبّع و التأمّل.

[الواجب الثّاني: جري الماء]

(و) الثاني من واجباته وجوباً شرطيّاً أو شرعيّاً (جريُ الماء) ( بأن ينتقل كلّ جزء من الماء) انتقالاً عرضيّاً (عن محلّه إلى غيره) من الأجزاء التي يلزم جري الماء عليها، و اعتباره من حيث تحقّق الغسل الواجب فيه مذكور في بعض الأخبار (2) و معروف بين الأصحاب، لكن الظاهر أنّهم لا يوجبون فيه إلّا إيصال الماء إلى جميع العضو اللازم غسله، لا إزالة الوسخ عنه بالماء المنفصل منه، و به يفترق عن الغسل المعتبر في الخَبَث.

لكن في بعض العبارات كالفاضلين (3) - لحوقاً لبعض النصوص - التشبيه للغسل هنا بالدّهن، و الشيخان و الصدوق رحمهم الله في الفقيه (4)، و النهاية (5) قيدا الاجتزاء بمثل الدّهن بحال الضّرورة، و بعضُ (6) أطلق الاجتزاء به غير مشبّه و لا مقيّد، فإنّ كان مرادهم بالدّهن هو الاجتزاء بقليل الماء أو بمجرّد الإمساس للعضو دون الانفصال أمكن الجمع؛ لعدم منافاة هذا المعنى للجريان المراد.

و إن أُريد به الأعمّ من كونه على وجه التمسّح أو الإجراء المومئ التقييد بحال الضّرورة، رددناهم بأنّ فهم ذلك من النّصوص غيرُ مرضيّ بعد اعتبار الجريان في غيرها

ص: 502


1- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 129.
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 387 ح1021، 1022.
3- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 182؛ العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 230.
4- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 38 ح78.
5- الطوسي، النهاية: 28.
6- ينظر الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 4/ 88.

و إمكان اشتراطه بها، فلا داعي إلى رفع اليد عن أدلّة الغسل الظاهر منها الجريان و التعسّف و التأويل لها بحملها على بيان الفرد الغالب من فَرْدَي الواجب، بل هذا الحمل لا يَسري في جميعها، فلا بدّ من طرح ما هو نصّ في اعتبار الجريان مثل حسنة زرارة (1) و صحيحة ابن مسلم (2)، فالأحرى حمل أخبار الدّهن على ما يجري كما صنعه عَلَم الهُدى (3)، و لو أنّ ذلك من الفرد الخفي للغسل.

نعم، لو كان للغسل في العرف معنى لا يصدق على مثل الدّهن و إن تحقّق به الجريان، فيعتبر فيه انفصال الماء عن المحلّ المغسول، تحصلُ المعارضة بين الأخبار و النظر إلى المرجّحات الخارجيّة و الداخليّة، و لا ريب أنّها معنا، بل لا ريب في شمول الغسل وَضعاً لمثل الدّهن المفروض، فيكون منشأ التردّد في شموله له و عدمه التردّد بين التبادر الوضعي و الإطلاقي، فيعمل فيه بموجبه.

و لا فرق في الجري المعتبر بين أن يكون (بنفسه أو بمُعِين) كاليَد، و ما في الوضوءات البيانيّة من إمرار اليد في الغسل لعلّه للعادة في استيعاب الماء القليل للعضو، و لو استفيد منها الوجوب لا تعارض إطلاق ما دلّ على كفاية الوصول و الجريان و الإصابة، و عليه فيكفي غمس العضو في الماء إلّا غمس ما يمسح به، فالأحوط تركه؛ لأنّ المسح شرع باليد المغسولة، و هذه مغموسة.

ص: 503


1- الكليني، الكافي: 3/ 21 ح2.
2- الكليني، الكافي: 3/ 21 ح1.
3- السيد المرتضى، الناصريات: 145.

[أفعال الوضوء]

[الأوّل: غسل الوجه]

و الجري المزبور (على ما دار عليه الإبهام) بكسر الهمزة (و الوسطى) (من الوجه) (عرضاً) بأن يقع بينهما إذا انفرجا، فلو وضع طرفاهما منضمين وسط الناصية ثمّ يفترقا و يجري الإبهام من اليمين و الوسطى من اليسار إلى أن يجتمعا ثانياً في آخر الذّقن فهو عرض الوجه.

(و ما بين القصاص) (مثلّث القاف) و الضمّ أعلى (و هو منتهى مَنْبَت شعر الرأس) حدّ الناصية (إلى آخر الذّقن) (بالذال المعجمة و القاف المفتوحة)، و هو مَجْمَع اللحيين الذي ينحدر منه الشعر و يسترسل (منه) (طولاً)، و هذا الحدّ هو الجاري في لسان الأصحاب (1)، المتلقّى يَداً بيَد من الشارع، المنفيّ فيه الخلاف، المشتمل عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر علیه السلام، و فيه: «إنّ ما دارت عليه الإبهام و الوسطى من قصاص الشعر إلى الذقن و ما جَرَت عليه الاصبعان مستديراً فهو الوجه، قال: قلت: الصدغ من الوجه ؟ قال: لا» (2).

و قولُه علیه السلام: «و ما جَرَت عليه... إلخ»، بيانٌ للخطّ الطويل الفاصل بين الوجه و غيره، فهو في قوّة التأكّد، و شرط أن يكون الغاسل (مراعياً في ذلك) الطول و العرض حال (مستوي من البشر الخلقة) من البشر (في الوجه و اليدين) أو اليمنى فحسب؛ لانصراف المطلق إلى المتعارف الغالب على الخصوص ما وقع ضابطاً و ميزاناً، و الرجوع إلى المستوي في الطّول باعتبار القصاص فقط و في الوجه فقط، فالأغمّ و الأنزع يرجعان إليه، فلا عِبرة بالاستواء طولاً أو شكلاً؛ لوجوب الغسل و إن تجاوز الغاسلُ المستويَ في طول الوجه أو فارقه بالشكل.

و أمّا بالعرض فيعتبر الاستواء في مجموع الوجه و اليدين، بمعنى اعتبار نسبة يَد المستوي إلى وجهه فمن كانت يده و وجهه مثل يد المستوي بالنّسبة إلى وجهه و إن تجاوز عنه

ص: 504


1- ينظر: العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 153؛ الشهيد الأول، الدروس: 1/ 91؛ المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 212.
2- الكليني، الكافي: 3/ 28 ح1.

أو قصر بالطول و العرض يلزمه ما يلزم المستوي، و لو راعى المستوي لم يؤدِّ الغرض.

نعم، لو زادت يده على المتعارف أو نقصت عنه مع بقاء وجهه عليه راعاه و لم يغسل الزائد و أتمّ الناقص وجوباً، و حينئذٍ فلو أطلق الشارح الاستواء كان أَولى؛ لأنّ استواء اليدين منفرداً لا يعتبر في شيء من الطول و العرض، فيحتمل أن تكون (واوه) بمعنى (مع) و معه لا يسلم أيضاً من الإشكال فتأمّل.

(و يدخل بالحَدّ (1)) المزبور (مواضع التحذيف)؛ لأنها دون القصاص و يشتمل عليها الإصبعان، (و هي) ما ينبت عليه الشعر الخفيف (ممّا (2) بين منتهى العذار و النزعة المتّصل بشعر الرأس) بحيث لو وضع طرف خيط على رأس الأُذن و طرفه الثاني على زاوية أعلى الجبين تقع مواضعها في جانب الوجه.

و نفى الفاضل في المنتهى و التذكرة و ابن فهد (3) بموجزه وجوب غسلها؛ ففي الأوّل قال: و لا التحذيف، و هو الشعر الدّاخل في الوجه ما بين انتهاء العذار و النزعة؛ لأنّ التكليف بهذه شرعيّ، و لا شرع يدلّ على التكليف بها، فلا تكليف (4). انتهى.

و جَعْلُه من الوجه مع إنكاره الدّليل عليه تهافتٌ، لكن في الثاني قال: إنّه ليس من الوجه؛ لنبات الشعر عليه، فهو من الرأس (5). انتهى.

و الحقُّ ما عليه الشارح (6) من الدخول؛ إذ الرأس مائل إلى التدوير، و عند ابتدائه في التّسطيح الذي هو من عند الجبهة يكون مبدأ الوجه طولاً و عرضاً، و لا بدّ أن يدخل كلّ ما دخل تحت الإصبعين ممّا اشتملتا أو دارتا عليه، (و) كذا يخرج (العذار و العارض) خلافاً

ص: 505


1- في المصدر: (في الحدّ).
2- في المصدر: (ما).
3- ابن فهد، الرسائل العشر: 41.
4- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 2/ 24.
5- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 153.
6- الشهيد الثاني، الروضة البهية: 1/ 323.

لمن (1) أدخلهما.

و في الحدائق (2) المشهور خروج الأوّل، و المنتهى (3) صرّح بخروجهما، و صريح المبسوط و الخلاف (4) و المرتضى (5) و الإسكافي (6) الدخول، و على التّحديد المزبور يدخل بعض العذار و أكثر العارض؛ إذ الأوّل هو الشعر النابت على العظم الناتئ، الذي هو سَمت الصماخ، المتّصل أعلاه بالصّدغ و أسفله بالعارض، و الثاني هو الشعر المنحطّ عن القدر المحاذي للأُذن إلى الذّقن.

و فُسِّر أيضاً بما تحت العذار (7) من غير ذكر الانتهاء، و في صدق العارض على ما قارب لذّقن تأمّل، و أدخل بعض (8) في الأوّل البياض المتّصل بالأُذن و بعض (9) أخرجه.

فالوجه أن يراعى الحدّ المرقوم في الدّاخل و الخارج منهما، كما هو الشأن في كلّ ضابط معتبر، فإنّه لمكان نتوء الأنف لا تحيط الإصبعان به جزماً و (لا) يدخل فيه (النَّزَعَتان بالتحريك) جمع نَزَعَة، ( و هما البياضان المكتنفان للناصية) المتصاعدان في جانبي الرأس، و لا الصدغان؛ للنص (10)، و لعدم دخولها في الحَدّ المشهور (11)، لكن شيخنا البهائي رحمه الله (12) ضرب

ص: 506


1- كالسبزواري في ذخيرة المعاد: 1/ 27.
2- البحراني، الحدائق الناضرة: 2/ 229.
3- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 2/ 24.
4- الطوسي، المبسوط: 1/ 20، الخلاف: 1/ 77.
5- السيد المرتضى، الناصريات: 46.
6- حكاه عنه في ذكرى الشيعة: 2/ 122.
7- الفاضل الهندي، كشف اللثام: 1/ 528.
8- حكاه عن الزهري في تذكرة الفقهاء: 1/ 150.
9- المحقق الحلي، النهاية و نكتها: 1/ 217، الرسائل التسع: 336.
10- الكليني، الكافي: 3/ 28 ح1.
11- الحلبي، الكافي في الفقه: 132؛ ابن زهرة، غنية النزوع: 54.
12- البهائي، الحبل المتين: 14.

صَفْحاً عن تحديد المشهور مُورِداً بدخول النَّزَعتين و الصدغين فيه بأربعينه، و ردّه شيخنا (1)

[بما] (2) لا مزيد عليه.

و لا يجب غسل ما استرسل من اللحيّة؛ لخروجه عن حَدّ الجبهة المحدّد بالذّقن بلا خلاف، و استحبّه بعض (3) تسامحاً، و عليه لا يجوز المسح بمائها؛ لأنه ليس بماء وضوء يمسح به، و كون الوضوء معه أفضل ممّا فقده لجهة اشتماله على هذا الفعل لا من جهة تركّبه منه و من غيره، فهو قيد لا جزء، و التقييد داخل و القيد خارج.

(و) يلزم عنده هنا و بغيره (4) (تخليل خفيف الشعر) مطلقاً و إيصال الماء خلاله، (و) حَدَّه الشارح (5) تبعاً لغيره (6) بأنّه (هو ما تُرى البشرة من خلاله في مجلس التخاطب) و غيره، (دون الكثيف) فلا يجب تخليله، (و هو خلافه) لا ترى من خلاله البشرة، تبع المصنّف (7) في ذلك ابن الجُنيد (8) و [ابن] أبي عقيل (9) و ظاهر الناصريات (10) و الفاضل و ابنه (11) و غيرهم (12).

(و المراد بتخليله) في كلام المصنّف ليس إيصال الماء إلى منابته بل (إدخال الماء خلاله)

ص: 507


1- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 2/ 165.
2- زيادة يقتضيها السياق.
3- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 121.
4- الشهيد الأول، البيان: 45 ؛ الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 1/ 36.
5- الشهيد الثاني، الروضة البهية: 1/ 323.
6- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 36؛
7- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 124.
8- حكاه عنه في مختلف الشيعة: 1/ 276.
9- حكاه عنه في تذكرة الفقهاء : 1/ 16؛ رياض المسائل: 1/ 67.
10- السيد المرتضى، الناصريات: 184.
11- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 57، تحرير الأحكام: 1/ 9؛ فخر المحققين، إيضاح الفوائد: 1/ 46.
12- البحراني، الحدائق الناضرة: 2/ 239؛ المحقق الأردبيلي، مجمع الفائدة: 1/ 102.

بين الشعرات (لغسل البشرة المستورة به)؛ فإنّ لفظ الوجه بعد أنْ كان موضوعاً للعضو المخصوص يجب غسل ما صدق عليه ألبتّة إلّا أن يثبت بقاطع عدم وجوبه، و حيث قام الإجماع على قيام الشعر الكثيف الساتر في جميع أحواله مقام الوجه، و نطق به خبر زرارة بقوله علیه السلام:

«كلّ ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يغسلوه» (1)، الخبر، قلنا بعدم وجوبه.

(أمّا الظاهرة خلاله فلا بدّ من غسلها) بدليل وجوب غسل الوجه (كما يجب) عند من لا يوجب غسل المستورة (غسل جزء آخر من البشرة ممّا جاوزها (2)) من العضو (المستور (3) من باب المقدّمة) كما هو الشأن في نظائر الباب، (و) لكن (الأقوى) عند الشارح (4) - تبعاً للمبسوط و الخلاف (5) صريحاً و ظاهراً و الفاضلين (6) كذلك و غيرهم (7) - (عدم وجوب تخليل الشعر مطلقاً) خفيفاً و كثيفاً بالمعنى المراد (وفاقاً للمصنّف في الذكرى و الدروس (8))، و النسبة للأوّل غير بيّنة فلاحظ الذكرى، (و) وفاقاً (للمعظم) من الأصحاب المجمع عليه في الخلاف و المشهور في الذكرى.

أقول: محلّ الخلاف إن كان فيما إذا كان الشعر بملاحظة بعض الأحوال دون بعض كالخفيف الذي يستر بعض المواضع، و يمكن رؤية البشرة منه، و كان الشعر غير ملتّف بعضه ببعض، فالظاهر وجوب غسل ما تحته كالبشرة التي في خلاله ممّا لا شعر عليها أصلاً، بل حواليها و ليس عليها و هي وسطه كاللّمعة.

و إن كان الخلاف فيها التفَّ بعضه ببعض حتّى عاد كالثوب الحاكي الخفيف لسعة

ص: 508


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 364 ح 1106.
2- في المصدر: (جاورها).
3- في المصدر: (المستورة).
4- الشهيد الثاني، الروضة البهية: 1/ 323.
5- الطوسي، المبسوط: 1/ 20، الخلاف: 1/ 76.
6- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 142؛ العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 57، تحرير الأحكام: 1/ 09
7- البحراني، الحدائق الناضرة: 2/ 239.
8- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2 / 124، الدروس: 1/ 91.

منافذه فكذا يجب غسل ما تحته مع الظهور في مجلس التخاطب و المواجهة المتعارفة؛ لعدم صدق الإحاطة و التغطية، و لصدق الوجه عليه عرفاً، إلَّا أن يقصر الوجوب على إجراء الماء على الوجه من دون تنقير و بحث و إدخال أنملة فيه يزيد على جري الماء كما ادّعي (1) من استفادة ذلك من الرواية و من كلمات أصحابنا فقهائنا في وجوب غسل الوجه، لكنّه موجود بأنّ ذلك لو كان لجرى في الحائل مطلقاً، و لا يلتزمه أحد، و الإحاطة التي في الخبر تنزّل على يعسر ولوج الماء فيه كالحائل الذي يعسر إزالته؛ إبقاءً لإطلاق وجوب غسل الوجه على حياله فتأمّل.

و أمّا ما ستر من الشعر بالاسترسال فإنّ ستر ما تحته دائماً كشعري الشارب و العنفقة إذا كان على المعتاد فلا يبعد عدم تخليله و رفعه؛ لصدق الإحاطة فيه، قَلَّ استرساله أو كثر، أمّا لو كان مَنْبَت الشعر خارجاً عن الوجه فاسترسل عليه مطلقاً، فإمّا أن يمكن غسل الوجه بدونه أو لا، و الأوّل لا ريب في وجوب إزالته كالمتدلّي من الرأس على الوجه، و الثاني يتبع الصدق، فإنْ صدق الوجه على ما تحته تعيّن غسله، و إنْ لم يصدق بأن صدق عليهما بناءً على اعتبار المواجهة الشخصيّة في الوجه فالأظهر عدم لزوم تخليله، و عند الشك في الصّدق و عدمه و التغطية و عدمها يرجع إلى الاحتياط؛ لأنه من دوران الأمر بين المتباينين، لكن قد يدّعى بأنّ المشكوك فيه هو غَسل البشرة و عدمه بعد الفراغ من لزوم غسل الشعر على الحالين؛ لأنه من التّوابع، فيعمل بالبراءة.

(و) كيف كان، (يستوي في ذلك) كلّه (شعر اللّحية و الشارب و الخدّ و العذار و الحاجب و العنفقة و الهدب) بالضَمّ ما ينبت على الأشفار، و من الناس (2) من فرّق بين اللحيّة و غيرها.

ص: 509


1- لم أقف عليه.
2- ينظر الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة 2/ 231.

[الثّاني: غسل اليدين]

(ثمّ) يجب بعد الوجه (غسل اليد) (اليمنى من المِرفَق) (بكسر الميم و فتح الفاء أو بالعكس، و هو: مَجْمَع عَظمي الذراع و العضد)، و بروضه (1) العظمان المتداخلان، و يريد به المركّب من طرفَي العظمين (لا نفس المفصل) كما قيل (2) و هو الفرقة التي بينهما؛ لتفسير اللّغويين (3) له بالموصل، و يُراد به الحَدّ المشترك الذي يطلق عليه الموصل و المفصل الذي لا يقوم إلّا بطرفين، و قد يطلق على السابق، فإن ثبت من إجماع و نحوه إرادة الأوّل منه فيها و إلّا فقوله علیه السلام: «لا صلاة إلّا بطهور» (4)، يقضي بوجوب إحراز الظهور فلا تجري معه البراءة و لا برهان قاطع على الاقتصار على غسل الذراع، فالاحتياط مطلوب، و غسل المرفق واجب بمعنييه إجماعاً و أصالةً، كما عليه المعظم المطلقون وجوب غسله و الجازمون بأنّ (إلى) بمعنى (مع) في الآية، و إن ظهر من الشارح (5) و ثاني المحقّقين (6) وجود الخلاف بين وجوبه الأصليّ و المقدّمي، فمن نفى وجوب غسل طرف العضد في الأقطع قال بالمقدّمية كالفاضلين و المصنّف في المعتبر (7)، و المنتهى (8)، و النفليّة (9).

و مَن أوجبه قال بالأصالة، و هذا حسن لو لم يكن الخلاف؛ للخلاف في المرفق من جهة دخول طرف العضد فيه و عدمه لغةً في الأقطع، و حينئذٍ فالخلاف في وجوب غسل طرف العضد أصالة و عدمه بعد الفراغ من لزوم غسل المرفق، و ما في النفليّة من استحباب غسل ما

ص: 510


1- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 101.
2- ينظر الخوانساري، مشارق الشموس: 110.
3- كما في المغرب: 194، مادة (رفق)؛ و الصحاح: 4/ 482، مادة (رفق).
4- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 58 ح129.
5- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 101.
6- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 215.
7- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 144.
8- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 2/ 37.
9- الشهيد الأول، الألفية و النفلية: 93.

بقي من المرفق في وضوء الأقطع محمولٌ على أنّه المفصل عنده فتسامح بأن جعل أحد طرفيه المقوّم له بمنزلة الجزء؛ لأنّ المفصل هو الحدّ المشترك الذي لا يقوم إلّا بطرفين.

و الحاصل: لا شبهة في وجوب غسل اليَد مع المرفق (إلى أطراف الأصابع) عندنا و لو طال الظفر فخرج عن المعتاد من حَدٌ اليد؛ لدخوله في اليد، و ليس هو كمسترسل اللّحية الخارج عن حدّ الوجه.

(ثمّ) يجب (غسل) (اليسرى كذلك) (و) يجب (غسل ما اشتملت عليه الحدود) في اليدين من المرفق و أطراف الأصابع و (من) كلّ (لحم زائد أو شعر) و إن طال، و في وجوب تخليله و عدمه الكلام السابق.

و في الذكرى (1) قرّب وجوب التخليل و الغسل؛ للتبعيّة و غسل اليد، و أنّ البشرة هي اليد، و بشرة الوجه المستورة بالشعر خرجت بالدليل فلا يقاس عليه، و قوله علیه السلام: «إذا مَسَّ جلدك الماء فحسبك» (2)، دليلٌ واضح عليه لا يعارضه قوله علیه السلام: «ما أحاط به الشعر فليس للعباد أن يطلبوه » (3)؛ لاختصاصه بشعر الوجه، فالموصول للعهد، و القرينة واضحة مع عدم الخلاف ظاهر (4) في ذلك.

(و) في غسل كلّ ما زاد في عضو الوضوء من (شعر) أو (يَد) زائدة (و إصبع) تجاوز الخمس (دون ما خرج) عن المحدود بأن كان فوق المرفق و إن امتدّ فساوى المغسول، بل (و إن كان) الخارج (يَداً) زائدةً بلا مرفق أو معه ثابتتين من المنكب أو من بعض العضد فلا شبهة في عدم وجوب غسله؛ إذ هو لا يدخل في اليد و لا التابع، و يلحقه أيضاً ما سامَتَ المرفق بمعنييه في الأقوى، و يتفرّع عليه أن لو انكشطت جلدة من اليد حتّى تجاوز كشطها المرفق من الطرفين ثمّ تدلّت لحق كلّ جزء حكمه في الغسل، كما لو خرجت اليد الزائدة من

ص: 511


1- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 131.
2- الكليني، الكافي: 3/ 22 ح7.
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 476 ح1265.
4- كذا في المخطوطة، و لعل المناسب: (ظاهراً).

دون المرفق فتغسل للتبعية، كذا يفهم منه.

و لم يظهر لي دليل صالح لعدم وجوب غسل اليد الزائدة بعد مساواتها الأصليّة و لو تأخّر بروزها عنها، فإنَّ غايته انصراف الأدلّة إلى الأصليّة.

و فيه: إنّ الانصراف المزبور لا يقطع معه بعدم الإرادة، و لا يتبع بعد صدق اليد حقيقةً عليها و إلّا لما بقى مطلق على إطلاقه؛ لأنّ مثل هذا الانصراف موجود فيه.

سلّمنا انصرافها للأصليّة، نقول: إنّ هذا الانصراف لا يوجب ظهور المطلق فيها، بحيث لو أراد المطلق الأعمّ يلزمه نصب القرينة، بل أقصاه أنّه في الأصليّة بمنزلة مشهور المجاز فيتوقّف في الشمول و عدمه، و ينجم الاحتياط للشكّ في الجزئيّة، و تقطع البراءة في الرواية.

نعم، لو ثبت عدم وجوب غسل الزائدة مطلقاً لا تغسل (إلَّا أن تشتبه) اليد (الأصليّة) بها بحيث لم تتميّز عنها و تساويها في البطش و نحوه (فتغسلان معاً من باب المقدّمة)؛ لتوقّف إحراز غسل الأصليّة على ذلك، و يمسح بهما معاً مقدّمةً، و الحقُّ أنّ الوجوب أصلي مطلقاً، و هنا أولى؛ لعدم الانصراف قطعاً.

[الثّالث: مسح الرأس]

(ثم) يجب بعد غسلهما (مسح) بشرة (مقدم الرأس) (أو شعره الذي لا يخرج بمدّه) إذا طال (عن حدّه) المضروب في الخبر أو المؤلّف منهما، فلا يجزي المسح على الشعر الملقى عليه من غيره، و لا على ما تجاوزه منه، و لا مسح المؤخّر، و لا أحد الجانبين؛ للإجماع (1) و الأخبار (2) المقيّدة لإطلاق المسح ببعض الرأس.

(و اكتفى المصنّف بالرأس) من غير تعرّض للشَّعر (تغليباً لاسمه على ما نبت)، أو

ص: 512


1- ينظر: السيد المرتضى، الانتصار: 103؛ ابن حمزة، غنية النزوع: 55؛ المحقق الحلي، المختصر النافع: 6.
2- الكليني، الكافي: 3/ 30 ح4.

لصدقه على الشعر كالبشرة، و الحكم كذلك ثابت بالثلاثة؛ لإفادة الباء في الآية (1) التبعيض بتفسير أهل الذكر في حديث (2) زرارة رحمه الله، و لنفي الخلاف في أغلب العبارات.

و نوقش (3) في الأوّل بعدم ورود الباء للتبعيض.

و ردّ بتقديم المثبت.

كما أنّه يكتفى من المسح (بمسمّاه) (أي مسمّى المسح)، فلو بلغ حَدّ الغسل السابق لم يجز.

و يجزي (و لو) كان (بجزء من إصبع)، أمّا إجزاؤه المسح فلا خلاف و لا شبهة فيه، و أمّا عدم إجزاء الغسل في مقامه فلمخالفة الأمر، و عدم صدق أحدهما على الآخر؛ لاعتبار عدم الجريان المحقّق لمفهوم الغسل في المسح، فبينهما تباين كلّي. و قيل (4): لا يشترط في المسح عدم تحقّق أقلّ الغسل، فالنسبة بينهما عمومٌ من وجه؛ لاجتماعهما فيما يصدق أقلّ الغسل عليه، فيتميّز المسح حينئذٍ بالنّية.

و ردّ (5): بمخالفته الإجماع و ظهور التباين الكلّيّ.

و الردّ غير وجيه لو أُريد تلاصقهما بالنسبة إلى المحلّ، بحيث إنّ المكلّف يمسح يبلّة وضوئه و إن صدق في المحلّ الممسوح أنّه غسل من حيث انتقال الماء فيه، فإنّه مع عدم قصده و لا قصد جزئيّته لا يوجب بطلان أن يكون المحلّ مغسولاً و ممسوحاً.

و بتقرير آخر: يلزم أن لا تكون بلّة اليد ممّا يمكن الغسل فيها، فلو كان على المحلّ من بقيّة ماء وضوئه و مسح المكلّف ببلّته انتقل الماء بذلك المسح و تحقّق المسح؛ لأنّ البَلَل

ص: 513


1- قوله تعالى: (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاٰةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ. سورة المائدة: 6.
2- الكليني، الكافي: 3/ 30 ح4.
3- ينظر الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 2/ 208، 209.
4- المحقق الأردبيلي، زبدة البيان: 18.
5- ينظر الخوانساري، مشارق الشموس: 117.

المغسول فيه غير ما مسح به.

نعم، يشكل ذلك بأنّ المسح بتلك البلّة مع جريان الماء على الممسوح لا يكاد يتحقّق؛ لاستهلاكه فيه، و الظاهر من الحلّي (1) و المحقّق (2) عدم قدحه، فتأمّل.

و لو أُريد بتصادقهما إجزاء الغسل عن المسح مطلقاً فهو غير وجيه ألبتّة، و أمّا الاجتزاء بالمسمّى و البعضين من الماسح و الممسوح ففيه خلاف، و المشهور (3) على الاجتزاء؛ لعدم ثبوت التكليف بالزائد.

لكن ظاهر النّهاية (4) و الفقيه (5) و المحكي عن مسائل الخلاف للسيّد (6) عدم الاجتزاء بما دون الثلاث إلَّا في الخوف فيجزي الواحد في الأوّل، أو مطلقاً كما عن الراوندي بفقه القرآن (7)، و الشيخ في التهذيب (8)، و غيرهم (9)، مستندين إلى: رواية ابن خلّاد عن أبي جعفر علیه السلام: «يجزي من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع، و كذا القدمين» (10).

و ما ورد في صحيح زرارة عنه علیه السلام: «المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدّمه قَدْر ثلاث أصابع...إلخ» (11).

ص: 514


1- ابن إدريس، السرائر: 1/ 103.
2- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 146.
3- ينظر: المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 1/ 17؛ العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 289.
4- النهاية و نكتها: 1/ 219.
5- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 45.
6- حكاه المحقق الحلي، في المعتبر: 1/ 145.
7- الراوندي، فقه القرآن: 1/ 10.
8- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 60 ح167.
9- الفاضل الهندي، كشف اللثام: 1/ 540 ؛ البحراني، الحدائق الناضرة: 2/ 266.
10- الكليني، الكافي: 3/ 29 ح1.
11- الكليني، الكافي: 3/ 30 ح5.

و الإجماع (1) يساوي الرجل و المرأة في المسح، و إلى إفتاء (2) حريز به و هو ثقة لا يفتي بغير ما سمع، و إلى رواية حمّاد عن أبي عبد الله علیه السلام: «في رجلٍ توضّأ و هو معتمّ فثقل عليه نزع العمامة، قال: ليدخل إصبعه» (3). و هي سندُ مَن (4) خصّ ذلك بحال الضرورة أو مطلقاً .

لكن نوقش (5) في الجميع بضعف السّند، و بمساواة القدمين للرأس في الثلاث المجمع على عدمه في الأُولى و إنَّ ذكر الثلاث لجهة الخمار حتّى تحرز المسح، فلو كانت بلا خمار أجزأها البعض كما في الثانية، و رواية حريز (6) لعلّه استنباط و اجتهاد من جهة الخبرين و غيرهما، و لا شاهد بخبر حمّاد على التفصيل، بل هو للإطلاق أقرب، و حينئذٍ فنحمل الأخبار على الاستحباب، و التعبير بالإصبع لبيان آلة المَسح فيجتمع مع مَسح المعتمّ بالأقلّ، أو لأجل غلبة تحقّق المسمّى به لا بدونه، أو لغَلَبَة التعبير عن الأقلّ بذلك، و لا يصلح تقييد المطلقات بخبر حمّاد.

و مع ذلك فلي فيه شبهة؛ لخلوّ أخبار الثلاث عن المعارض بعد تأويله، فإنّه أقرب من حمل الآخر على الندب، و على فرض المعارضة فالظاهر رجحانها؛ لموافقتها للاحتياط المطلوب في العبادة، لكن مخالفة المعظم تعظم فيجزي الإصبع أو دونه (ممّراً له على الممسوح) من مقدّم الرأس (ليتحقّق) بالإمرار (اسمه).

و (لا) يصحّ الاكتفاء (بمجرّد وضعه) عليه من غير إمرار؛ لعدم صدق المسح بلا خلاف، و بذكراه (7) و لو وضع يده بالبلّة على المحلّ و لم يمسح فالأقرب عدم الإجزاء، و هي تومئ إلى الخلاف فيه، و لم نظفر بقائله.

ص: 515


1- ينظر: الطوسي، الخلاف: 1/ 221؛ المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 362.
2- ينظر مستطرفات السرائر: 134.
3- الكليني، الكافي: 30/3 ح3.
4- ينظر الكاشاني، الوافي: 6/ 282 ح4297.
5- ينظر: العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 2/ 44؛ المحقق السبزواري، ذخيرة المعاد: 1/ 30.
6- الكليني، الكافي: 3/ 31 ح8.
7- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 141.

(و لا حدّ لأكثره) شرعاً من حيث الماسح، فيجوز بكلتا اليدين، و الممسوح فيجوز مسح بعض مقدّم الرأس أو كلّه أو كلّ الرأس إذا عاد الضمير للمسح كما هو الظاهر، و لو عاد للممسوح فلا إطلاق من حيث الماسح.

و على الأوّل يجزي بالأصابع و الكفّ و الذراع و اليمنى و اليسرى ظاهراً و باطناً، انفراداً أو لا عنده، خلافاً لمن (1) قصره على الأصابع أو الكفّ و على بطن اليمني و باطنها؛ لتبادر ذلك من أدلّة المسح للغلبة، و لبعض الوضوءات البيانيّة، أو الحصول الشك في الإطلاقات؛ لإجمال الغلبة لها، فاللّازم الرجوع إلى الاحتياط اللازم من «لا صلاة إلّا بطهور» (2).

و بخصوص الثلاث تقضي صحيحة زرارة: «و تمسح ببلّة يمناك ناصيتك» (3)، لكن كلّ ذلك لا يقيّد المطلقات الواردة في مقام البيان، و من هنا استحبّه بعض (4) محقّقي الأصحاب، و التبادر الذي منشؤه غلبة الوجود لا يصلح أن يكون دليلاً؛ لأنه مجرّد سبق الفرد الغالب إلى الذهن و خطوره فيه لا أنّه المراد؛ و لذا لا يعوّل عليه في غسل الوجه و اليدين، فتأمّل. و الاحتياط مطلوب و الوجوب فلو تعذّر المسح باليمنى أو بباطن الأصابع تخيّر العامل بين بقيّة الأفراد في المسح، و لا ترجيح لأحدها.

و فرّق شيخنا (5) بدرسه بين ما يكون القيد مشخّصاً للمطلق، كالانصراف الذي يعيّن المطلق في فرده، أو كالمقيّد الخارجي الذي يفهم منه أنّ وروده لبيان تشخيص المطلق بحيث يعلم أن لا يراد بالمطلق غيره تجوّزاً، و بين ما [يكون] تقييده نشأ من تكليف آخر في بعض أفراده.

فإذا تعذّر ذلك التكليف لم يرتفع الأمر بالمطلق، بل يبقى على حياله في وجوب الإتيان

ص: 516


1- ينظر الكيدري، إصباح الشيعة: 51.
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 58 ح129.
3- الكليني، الكافي: 1/ 25 ح4.
4- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 2/ 119.
5- ينظر تقرير بحث المجدّد الشيرازي للروزدري: 1/ 130.

بفرد ممّا صدق عليه؛ فراراً من المجازيّة المخالفة للأصل، فحكم بعدم العمل بالمطلق في الأوّل لقيام الانصراف، و معلوميّة إرادة الفرد من القيد، و هما قرينتان للتجوّز فيه، و بنى على العمل بالمطلق في الثاني، و منه الثابت بالوضوءات البيانيّة، فإنّها و إن صحّ العمل على طبقها، لكنّها لا تفيد قصر المطلق على فرده كالأوّلين، فلو تعذّر الفرد طبقها بقي المطلق في غيره على إطلاقه، و هو جيّد لو لم يكن التكليف المستقلّ بالفرد من المطلق قرينة التجوّز.

فتمّ إلى هنا أنّه ليس في المقام ما يصلح لتقييد المطلقات في الماسح و الممسوح.

(نعم، يكره الاستيعاب) بالمسح للرأس خلافاً لابن حمزة (1) فحرَّمه صريحاً، و لغيره (2) ظهوراً، و مع الشكّ في جوازه و عدمه فالجواز إن لم نعتبر الموالاة، و إلّا فالحرمة، و لزوم مسح بعض مقدّم الرأس، لكنّ الموجبين لذلك عبّر بعضهم لحوقاً لبعض النصوص بوجوب مسح الناصية، و به أفتى الصدوق (3)، و نطق به صحیح زرارة (4)، و بذكراه (5): يجوز المسح بكلّ من البشرة و الشعر المختصّ بالمقدّم؛ لصدق الناصية عليها (6)، انتهى.

فإن أرادوا من الناصية المقدّم و يعدها من معانيه في القاموس (7) و غيره فلا إشكال، و إن أرادوا بها ما هو أخصّ من المقدّم؛ لتكون مقيّدة لإطلاقه، فلا برهان لذلك؛ لخلوّ ما أثبت الوضوء قولاً و فعلاً عنها إلَّا الصحيحة (8) و حديث عبد الله بن الحسين في المرأة (9)،

ص: 517


1- ابن حمزة، الوسيلة: 50.
2- الشهيد الثاني، الروضة البهية: 1/ 567.
3- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 45.
4- الكليني، الكافي: 1/ 25 ح4.
5- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 141.
6- الشيخ الأنصاري ، كتاب الطهارة: 2/ 222.
7- حكاه عنه البحراني في الحدائق: 2/ 260، و ينظر: الطريحي، المجمع: 3/ 1795، ابن عباد، المحيط: 8/ 192.
8- الكليني، الكافي: 1/ 25 ح4 .
9- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 415 ح1077.

و هما قاصران عن إفادة التقييد، فيحملان على النّدب، و الأحوط الاقتصار على مقدم الناصية جمعاً.

ثمّ إنّ كراهة الاستيعاب؛ لأنه تكلّف ما لا يحتاج إليه - كما في الذكرى و الدّروس (1) - لا وجه له؛ فإنّ الكراهة حكم شرعي لا تناط بمثل ذلك، فهو إمّا محرّم و إمّا مباح (إلّا أن يعتقد) الماسح في ابتداء النيّة (شرعيّته) وجوباً أو استحباباً (فيحرم) قطعاً، و هل يبطل ذلك الوضوء أم لا؟ نقل المصنّف في غيره (2) الأوّل عن الإسكافي و أبي الصّلاح.

و ردّه تبعاً للمختلف (3) بأنّه مشتمل على الواجب فلا يؤثّر فيه الإثمّ باعتقاده وجوب الزائد.

و فيه: إنّ الوضوء مركّب حينئذٍ من مشروعٍ و غيره، فهو غير مشروع، و لو اعتقد

المشروعيّة و عدم الجزئيّة صحّ إن لم يخل بالموالاة، و إلّا بطل.

و الحاصل: رأي المصنّف أنْ لا حَدٌ لأكثره (و إن كان الفضل) أو الاستحباب (في مقدار ثلاث أصابع) في المسح مضمومة عرضاً كما صرّح به غيره (4) في غيره، و إعراضه عنهما لخلوّ النصوص منهما، أو إفادة التثليث لهما لزوماً.

و احتمل في الثاني وجوهاً من ملاحظة هذا المقدار في عرض الرأس أو طوله أو أحدهما و يؤدّى الفضل بكلّ منهما، أو ملاحظة الممسوح بأن يكون عرضه عرض ثلاث و طوله كذلك الذي هو طول إصبع (5) سواء كان مقدار العرض من عرض الرأس و الطول من طوله، أو العكس.

ص: 518


1- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 142، الدروس: 1/ 92.
2- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 142.
3- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 289، 290.
4- كابن البراج في المهذب: 1/ 44.
5- في المخطوطة: (أصبح) و الصحيح ما أثبتناه.

و الأشهر (1) الذي عليه العمل منها هو الأوّل؛ لظهور رواية ابن خلّاد (2) فيه من حيث التشبيه بالرِّجل، و عليه فيحصل الفضل بمقدار الثلاثة سواء كان بإصبع كما هو ظاهره، و غيره اعتبر بالفضل الثلاثة لا المقدار، و عند موجبها لا يجزي الإصبع و لو مسح مقدار الثلاث.

و مراده بالفضل: إمّا الندب و إمّا أفضل فَردَي الواجب، و في الجماليّة (3) استظهر الأوّل، و ردّه بأنّ ذلك مبنيّ على ثبوت الجزء الذي لا يتجزّأ؛ إذ لا حَدّ لأقلّ مسمّى المسح، و هو كما ترى. نعم، لو تميّز الزائد كمواضع التخيير أمكن استحبابه.

و فيه: إمكان حمل كلامه على إرادة أفضل فردي الواجب، فالمسح بما دون الثلاث مطلقاً يسقط الأمر، و بالثلاث أفضل، و لا مانع من اجتماع الوجوب و الاستحباب في الفعلين، هذا في الدّفعي.

و أمّا التدريجي ففي كون الزائد مستحبّاً محضاً خلاف، و الأقوى أنّه أحد فَردي الواجب و إن فضل (4)، و يقضي به إطلاق المستحبّ نصاً و فتوى (5) على مجموع الثلاث، و لا شك أنّ المجموع غير مستحبّ يجوز تركه، فيعلم أنّه أفضل الفردين، و لا مانع منه، و لم يثبت من الأدلّة استحباب ما زاد على المسمّى و إن لم يعيّنه العامل.

ص: 519


1- ينظر الجامع للشرائع: 34؛ الفوائد الملية: 56.
2- الكليني، الكافي: 3/ 29 ح1.
3- مخطوط سبقت الإشارة إليه.
4- كذا في المخطوطة، و لعل المقصود: (أنه أفضل).
5- المفيد، المقنعة: 44؛ الطوسي، الجمل و العقود: 40، المبسوط: 11/ 21.

[الرّابع: مسح القدمين]

(ثمّ) يجب (مسح) بشرة ظهر الرّجل (اليُمنى) دون باطنها، و دونها، و دون الشعر لو كان، و في الرأس للنص كما ذكره الشارح في غيره (1)، و لعلّه أراد به صدق الناصية عليه لغةً (2) فيشمله ما قضى (3) بجواز المسح عليها، و جوّز في الجماليّة (4) المسح على شعر القدم كالرأس، و أنكر النّص الفارق، و القائل المفرق من القدماء.

و فيه: إنّ إطلاق المسح لا يعمّ الشعر، و إلَّا لجاز مع مطلق الحائل، فلولا اقوله علیه السلام: «امسح ببلّة يمناك ناصيتك» (5)، لما سوّغناه فيه، و لا شاهد بما ورد من قوله علیه السلام: «كلّ ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه أو يبحثوا عنه» (6)؛ لقصره بمورد الغسل القاضي به ذيل الخبر و هو: «ولكن يجري الماء عليه».

و في رواية الشيخ رحمه الله أنّه: «ليس للعباد أن يغسلوه» (7)، فظهر الفارق و اتّجه جواز المسح على شعر الرأس دون القدم.

نعم، لو كان سند الجواز في الرأس هو التعذّر المنفي لجرى ذلك هنا، لكنّه لا مطلقاً كما في غسل الجنابة، فقياسه على الرأس مطلقاً لا وجه له؛ لجواز المسح على الشعر و إن لم يتعذّر التخليل.

و الإنصاف أنّ وجود الشعرات الضعيفة المتفرّقة لا يمنع من صدق المسح على الرِّجل، و إيجاب إزالتها دائماً حرج، و التخليل في المسح لا معنى له، فإن أراد المجوّز هذا المقدار اتّجه

ص: 520


1- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 108.
2- ينظر الثعالبي، فقه اللغة و سرّ العربية: 100؛ النويري، نهاية الارب: 2/ 16.
3- المحقق السبزواري، ذخيرة المعاد: 1/ 35؛ البحراني، الحدائق الناضرة: 2/ 255.
4- مخطوط سبقت الإشارة إليه.
5- الكليني، الكافي: 1/ 25 ح4.
6- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 476 ح1265.
7- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 364 ح1106.

قوله، و إن زعمه مطلقاً و لو طال و تجاوز تجاوزاً فاحشاً فلا نقبله، بل الأحوط إزالته مطلقاً أو المسح على الخالي منه و لو معوجّاً أو منكوساً لكن لا بحيث أن يكون من الباطن أو حافّتيه.

و على كلّ حال فَحَدُّ ما يقع عليه المسح أن يكون (من رؤس الأصابع إلى الكعبين) بمعنى استيعابه مسحاً؛ لظهور حَرفَي الجرّ فيه لا في تحديد الممسوح، فلا يكفي إيقاع المسح على جزء من الأجزاء الواقعة بين المخفوضين من الحدّين، و ليس التحديد لبيان المحلّ الذي لا يجوز المسح على غيره.

لكن المصنّف في الذكرى (1) تردّد فيه على وجه يظهر منه المَيل إلى عدم وجوب الاستيعاب الطّولي، و لم نعثر على متأمِّلٍ فيه من القدماء و الأواسط غيره و غير المحقّق (2) إذ جعله أشبه، لكن الوضوءات البيانيّة و عمل الأصحاب يردّه، و استناده لحديث الأخوين (3) و مساواة المعطوف للمعطوف عليه لا وجه له؛ لمخالفة ظاهر الفقهاء، مع أن الحديث المزبور لا بدّ من التصرّف فيه، فإنّ الإمام علیه السلام بعد أن استشهد على وجوب الاستيعاب في الغسل بصدر الآية ثمّ قال: «(وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ) (4) فإذا مسحت بشيء من رأسك أو بشيء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف أصابعك فقد أجزأك» (5).

ففرّعه على التبعيض في الآية، و هو من سَمت العرض كما سيجي؛ لكون إلى فيها بمعنى مع لما تسمع، فلا بدّ من جعل ما في الحديث بدلاً من شيء، و هي موصوفة، فيكون المعنى: إذا مَسحت من القدمين شيئاً يكون من أطراف الأصابع إلى الكعب بأن يكون أوّله أحدهما و آخره الآخر فيقضي بالمراد، و هو و إن خالف الظاهر من حيث إنّ بدليّة الموصول من القدمين أظهر إلَّا أنّه لا محيص عنه، و لا بدّ من جعل الباء للتبعيض؛ إذ لو حكمنا بأنّها

ص: 521


1- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 143، 144.
2- ينظر البهائي، الحبل المتين: 22؛ مشرق الشمسين: 286.
3- الكليني، الكافي: 3/ 25 ح5.
4- سورة المائدة: 6.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 90 ح237.

للإلصاق، أو أنّها زائدة خالف الخبر الآية؛ لقضائه حينئذٍ باستيعاب الطّول و العرض، و التمحّلُ بخروج العرض بدليله فيبقى الاستيعاب الطولي ليس بأَوْلى ممّا حملنا الخبر عليه.

و أظهر معاني الآية بعد عدم كون الكعبين فيها غاية للمسح أنّهما غاية للأرجل، فيكون الممسوح بعض العضو المغيّى، فلا بدّ للاستيعاب الطّولي من دليل آخر.

(و) الكعبان في المشهور (هما: قبّتا القدمين) اللّتان ارتفعتا من اجتماع طَرفَي العظمين أمام الساقين ما بين المفصل و المشط، و هو معقد الشراك دون العظمين اللذين في جانبي أسفل السّاق (على الأصحّ) المنقول عليه الإجماع (1)، (و قيل) و قائله الفاضل (2) في كتبه إلّا المدنيّات: إنّ الكعب هو المفصل بين الساق و القدم، فيجب المسح (إلى أصل الساق)؛ ليدخل فيه.

هذا مراد الشارح، و إن أو همت عبارته أنّ الخلاف ليس في معنى الكعبين، بل في منتهى المسح، فلو أسقط الجارّ سلم من العثار؛ للمشهور بعد إجماع الجمهور خصوصاً عند من لحقه المصنّف (3) في التعبير، كالمفيد (4) و الشيخ في التهذيب (5) الوضوءات البيانيّة و الأخبار الظاهرة و الصريحة ..

منها: ما رواه التغلبي و الشيخ رحمه الله عن أبي الحسن علیه السلام قال: «فوضع كفّه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم» (6)؛ فإنّ قوله: «إلى ظاهر القدم» إمّا بَدَل أو بيان للكعبين.

و منها: ما رواه الشيخ عن ميسرة عن أبي جعفر علیه السلام في حكاية وضوء رسول الله صلّی الله علیه وآله إلى أن قال: «ثمّ مسح رأسه و قدميه ثمّ وضع يده على ظهر القدم»، ثمّ قال علیه السلام: «هذا هو

ص: 522


1- ينظر المفيد، المقنعة: 44؛ المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 1/ 17؛ ابن سعيد، الجامع للشرائع: 36.
2- العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 1/ 203، مختلف الشيعة: 1/ 293.
3- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 149.
4- المفيد، المقنعة: 44.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 75.
6- الكليني، الكافي: 3/ 30 ح6.

الکعب...إلخ» (1).

و منها: حسنة الشيخ قال: الوضوء واحد، و وصف مسح الكعب في ظهر القدم (2).

و منها: النّهي عن استبطان الشراك (3) و غير ذلك.

و الحاصل: لا إشكال و لا خلاف بين الإماميّة في أنّهما في ظهر القَدَم و ليسا العظمين اللذين في جانبَي أسفل الساق.

و للفاضل (4) صحيحة الأخوين.

و فيها: «قلنا: أصلحك الله، فأين الكعبان؟ قال: ههنا. يعني المفصل دون عظم الساق» (5)، و يعني من كلام الرّاوي دون دون (6) ظاهراً، و الأخبار الدّالة بظواهرها على استیعاب ظهر القدم بالمسح.

قال رحمه الله في المنتهى: و قد تشتبه عبارة علمائنا على بعض مَن لا تحصيل له في معنى الكعب، و الضابط فيه ما رواه زرارة في الصحيح عن الباقر علیه السلام، و ذكر الخبر (7).

و وافقه ابن الجنيد (8) و المقداد في الكنز (9) و ابن فهد في كتابيه (10)، (و هو) مختار المصنّف

ص: 523


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 75 ح190.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 75 ح189.
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 291 باب 23 من أبواب الوضوء ح3، 4، 8.
4- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 170، مختلف الشيعة: 1/ 293.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 126.
6- كذا في المخطوطة.
7- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 2/ 74.
8- حكاه عنه في مختلف الشيعة: 1/ 293.
9- المقداد السيوري، كنز العرفان: 1/ 11.
10- ابن فهد المهذب: 1/ 132، الرسائل العشر: 138.

في ظاهر الدروس (1)، و (مختاره في الألفيّة) (2) صريحاً و بشرحها (3) للشارح، و قد بالغ المصنف في إنكار ما اختاره هنا في الذكرى (4) و جعله إحداث قول ثالث رافع لما أجمع عليه الأُمّة؛ لأنّ الخاصّة أجمع و جماعة من العامّة على أنّهما قُبّتا القدم، انتهى.

و الذي يظهر من الفاضل رحمه الله أنّه لا خلاف بينه و بين غيره في تفسير الكعب؛ ففي المنتهى: ذهب علماؤنا إلى أنّ الكعبين هما العظمان الناتئان في وسط القَدَم، و هما معقد الشراك (5)، انتهى.

و في التذكرة بعد الشراك قال: أعني مَجْمَع الساق و القدم، ذهب إليه علماؤنا أجمع (6)، انتهى.

و هذا بعينه هو الذي نقل الإجماع عليه السيّد (7) و الطّبرسي (8) و الشيخ (9) و الحلّي (10) و غيرهم (11)، و الأقوى ما عليه الجمهور فإنّ بعض (12) من عبّر بمثل ما عبّر به الفاضل ذكر أنّ الكعبين قُبّتا القَدَم، فدلّ على أن المراد واحد عنده، و مَنْ تَصَفَّحَ جلّ كلماتهم وجدها ظاهرة

ص: 524


1- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 92.
2- الشهيد الأول، الألفية و النفلية: 29.
3- الشهيد الثاني، المقاصد العليّة: 99.
4- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 149.
5- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 2/ 71.
6- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 170.
7- السيد المرتضى، الانتصار: 28.
8- الطبرسي، مجمع البيان: 1/ 167.
9- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 75.
10- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 151.
11- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 2/ 71، تذكرة الفقهاء: 1/ 170؛ المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 220.
12- الطباطبائي، الشرح الصغير: 1/ 22، رياض المسائل: 1/ 239.

في خلافه بلا شبهة، و لا يصرفها عن ظاهرها إلى مقالته كلّ ما ركن إليه، فإنّ التفسير في خبر الأخوين من كلام الراوي.

و زيادة الكافي إمّا مبهمة أو منطبقة على مذهب المشهور، و الاستيعاب غير مراد من بقيّة الأخبار جزماً، بل هي مهملة بالنّسبة إلى تحديد الكعب.

نعم، ما ورد في حَدّ السارق ربّما يؤيّد مذهب العلّامة؛ إذ الجمع فيها و إرجاع الظاهر إلى النّص يوجب حمل الكعب على إرادة المفصل، و أنّه الذي يجب قطعه؛ إذ منها ما أوجب القطع من الكعب كصحيحة زرارة (1)، و رواية عبد الله بن هلال (2)؛ و منها ما قضى بكونه من المفصل كرواية معاوية بن عمّار (3)، فبضميمة الأخبار القاضية في أنّه يقطع الرجل و يبقى العقب، المؤيّد بفتوى المقنعة (4) و النهاية (5) بأنّه يقطع من أصل الساق و يترك له العقب، أنّ المراد بالكعب المفصل دون العكس الموجب لإرجاع النصّ إلى الظاهر.

لكنّه موهون بعدم اتّحاد موضوع المسألتين، و أيّ برهان يقضي بأنّ الكعب في الطهارة هو الكعب في القطع، اللهُمَّ إلَّا أن يدلّ دليل بأنّ محلّ المسح مطلقاً لا يجوز قطعه، بل يقطع ما عداه، و إن انتقل فرضه أو سقط وجوبه لارتفاع محلّه.

و مع ذلك فمن نظر إلى تقرير كلمات العلماء و بعض الأخبار يحصل له الجزم بما عليه المشهور، خصوصاً اشتهار عدم استبطان الشراك بالمسح في الأخبار، إذ ما دلّ على الاستيعاب طولاً مع ما قضى بخروج معقد الشراك لا يجتمع إلَّا بجعلٍ آخر محلّ المسح قبل معقد الشراك

ص: 525


1- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 4/ 64 ح5115.
2- الكليني، الكافي: 7/ 225 ح17.
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 28/ 254 ح34692.
4- المفيد المقنعة: 802.
5- النهاية و نكتها: 3/ 327.

و لا يتم ذلك على مذهب العلّامة المصرّح في المنتهى (1) و غيره (2) بدخول الكعب فيما يلزم مسحه و بانتهاء المسح لمعقد الشراك.

(ثمّ) يجب (مسح ظهر) الرجل (اليسرى) باليد اليسرى (كذلك) في جميع ما ذكر في اليمنى من وجوب كونه على البشرة، و كونه من رؤوس الأصابع إلى الكعبين على القولين، و كونه (بمسمّاه) فيهما (في جانب العرض) دون الطول، و يندب أن يكون بالثلاث المضمومة، و بالوجوب أفتى بعض (3)، و بعض (4) بوجوبه بجميع الكفّ؛ لرواية معمّر (5) الماضية و لصحيح البزنطي، و فيها: بعد أن مسح رجله بكفّه، فقلت جُعِلْتُ فداك: لو أنّ رجلاً قال باصبعين من أصابعه، قال: «لا، إلَّا بكفّه كلّها» (6). و قد عمل بظاهرها في الفقيه (7).

و نحوها رواية عبد الأعلى (8) حيث أمره الإمام علیه السلام بالمسح على جبيرة الإصبع، فلو كفى المسمّى لما أمره.

و ردّ الجميع؛ أمّا رواية معمّر فيما عرفت من حملها على الاستحباب كما أفتى به الفاضل (9)، و أمّا الصحيحة فلمعارضتها بحسنة زرارة بابن هاشم (10) السالفة، فإنّ المفرّع فيها على التبعيض في الآية هو الجانب العرضي؛ إذ كفاية المسمّى في الطول لم يزعمه أحد فهي كالصريحة في عدم وجوب المسح بكلّ الكفّ، مضافاً إلى ما قضى في إجزاء المسح بالثلاث و ما

ص: 526


1- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 2/ 71.
2- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 170.
3- النهاية و نكتها: 1/ 217؛ ابن حمزة، الوسيلة: 52.
4- البهائي، مشرق الشمسين: 296؛ ابن طاووس، مفتاح الفلاح: 17.
5- الكليني، الكافي: 3/ 29 ح1.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 64 ح179.
7- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 45.
8- الكليني، الكافي: 3/ 33 ح4.
9- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 2/ 43.
10- الكليني، الكافي: 3/ 26 ح5.

قضى بجواز إدخال اليد في الخفّ المخرّق.

و أمّا رواية عبد الأعلى فيمكن أنّ العصابة المسؤول عنها كانت على كلّ الأصابع، و لو ظهر خلاف هذا فلا يبعد أن تكون دليلاً على جريان قاعدة نفي الحرج حتّى في المستحبّات؛ لأنه مطلوب أيضاً كالواجب، فالأقوى هنا ما عليه هما من الاكتفاء بالمسمّى عرضاً مطلقاً.

نعم، لو مسح من الخنصر جاز و وجب تحريف خط المسح؛ لكي ينتهي للكعب أو المفصل.

و لا بدّ أن يمسح (ببقيّة البَلَل) الذي في يَده من الماء (الكائن على أعضاء الوضوء) مطلقاً إذا كان (من مائه) و لو بحكم الأصل، فلو شكّ في غسل اليسرى أنّ ما في يده من الغسلة المحضورة أم لا، نفاها بالأصل و استباح ببلّتها المسح إجماعاً، فكأنّ المقام مستثنى من بطلان الأصل المثبت، فتأمّل.

و لا فرق في ذلك بين مسح الرأس و الرّجلين، بل يلزم (فيهما) (أي في المسحين) بلا خلاف يعتد به فلا يصحّ بأخذ ماء جديد.

و قولُ الإسكافي: إذا كان بيَد المتطّهر نداوة يستبقيها من غسل يديه مسح بها، و إن لم يستبق ذلك أخذ ماءً جديداً لرأسه و رجليه (1)، محمولٌ على صورة الضرورة، أو أخذ الماء بقيّة الأعضاء غير اليد.

و لو فرض إطلاقه فلا يخلّ بالإجماع المنقول في الانتصار (2) و الغنية (3) و فقه القرآن (4)، و هو العمدة في نفي دعواه، و إلَّا فما كانت الأخبار البيانيّة، و لا خبر ابن يقطين (5)، و لا

ص: 527


1- حكاه عنه في مختلف الشيعة: 1/ 296.
2- السيد المرتضى، الانتصار: 19.
3- ابن زهرة، غنية النزوع: 554.
4- الراوندي، فقه القرآن: 1/ 17.
5- المفيد، الإرشاد: 2/ 229؛ الإربلي، كشف الغمة: 2/ 227.

الصحيح المتضمّن الوضوء النبيّ صلّی الله علیه و آله في المعراج (1)، و لا الأخبار القاضية بالإعادة لمن فَقَدَ نداوة الوضوء و الآمرة بالأخذ من اللّحية في ناسي المسح؛ فإنّ كلّها لا تنهض بالمدّعى فيها اختصاص بعضها بصورة وجود النداوة، فهي ساكتة عن حكم الفاقد، و خبر ابن يقطين محمول على الغالب، و الأمر بالإعادة عساه لفوات الموالاة بالجفاف و إن بَعُدَ أنْ يكون مفوّتاً.

نعم، روايَتا أبي بصير و معمّر بن خلّاد (2) صريحتان في تعيين المسح بماء جديد و إن أمكن البَلَل، لكنّهما محمولان على التقيّة، فإنّ مذهب الإسكافي أخصّ ممّا أفادا، فلا عامل بهما.

كما أن روايتي منصور (3) و أبي بصير (4) الظاهرتين في جواز المسح بغير نداوة الوضوء لمن نسيه حتّى دخل في الصلاة بناءً على عدم فوات الموالاة ببقاء البَلَل الذي لا يمكن الأخذ منه يلزم أن يقيّدا بغيرهما من النّصوص، و المراد من البَلَل و البلّة في كلامهم و الأخبار هو تأثيرها في الممسوح نداوة و بَلَلاً و إن ضعف.

و في النهاية: و هل يشترط في حال الرّفاهيّة التأثير في المحلّ؟ الأقرب ذلك (5)، انتهى.

و عليه فلو لم يتأثر الممسوح بها لمانع من رطوبة في الماسح أو الممسوح فسد الوضوء؛ الفوات شرطه، فالمسح بالبَلَل كالمسح بالدّهن لا يجزي إلَّا حيث تكون اليَد آلة في إيصال الماء للممسوح مطلقاً، لا وصول اليَد المبلولة إليه.

و يظهر من المعتبر الإجزاء مطلقاً سواء كان المانع من إيصال البلّة رطوبة خارجة في الماسح بحيث يستند التأثير إليها أو في الممسوح، فصحّح الوضوء مع المسح ببلّة الغسلة الثالثة مع اعترافه بعدم مشروعيّتها، قال: لا ينفكّ عن ماء الوضوء الأصلي. و صحّحه أيضاً

ص: 528


1- الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام: 80؛ الإربلي كشف الغمة: 1/ 88.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 59 ح164، 1/ 58 ح163.
3- الطوسى، التهذيب: 1/ 88 ح233.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 59 ح164.
5- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 43.

إذا كان المتوضّي في الماء، قال: و لا يضرّه ما كان على قدميه من الماء (1)، انتهى.

و علّله الحلّي (2) قبله بصدق المسح عليه، و أنّ عموم ظواهر الآيات و الأخبار تشمله، و الأوجه المنع مطلقاً، و عليه معظم من تأخّر، بل ألزمَ الفاضل في التذكرة (3) بتنشيف محلّ المسح قبله ليتحقّق إيصال البلّة، و مرامه كما في الذكرى (4) تحقّق غَلَبة ماء المسح على ما كان قبله لا وجوب التنشيف بمعنى اليبس.

و كأنّ هذا ممّا لا إشكال فيه أخذاً بالمتيقّن المبرئ للذمّة في المشروط به، إنّما الإشكال فيما لو انتقل ماء الممسوح بواسطة بلّة الماسح و الممسوح من مكان إلى آخر سواء كانت البلّة قبل المسح من ماء الوضوء أو غيره، فإنّه حينئذٍ يكون غسلاً، فهل يجزي ذلك أم لا؟

ظاهر الرّوض (5) العدم و إن وصلت بلّة الوضوء للممسوح، لا من جهة استهلاك رطوبة الماسح المانع من صدق المسح مع البَلل، بل من جهة صدق الغسل، و هما متباينان، فيعتبر في المسح عدمه.

و ظاهر الذكرى الجواز؛ لعدم صدق الغسل، و لصدق الامتثال بالمسح، و الحقّ مع الثاني لو تحقّق المسح و لم يستهلك ماؤه مع جريان البَلَل المنتقل في المحلّ من مكان إلى آخر، و لو لحق الحلّي انتقل مفروض البحث و غيّر بيانه.

ثمّ المفهوم من إطلاقه جواز المسح ببلّة الوضوء مطلقاً من أيّ عضو يكون سواء في ذلك اليد و غيرها اختياراً عملاً بظاهر الإطلاق في صدر مرسلة الصّدوق (6) و خبر ابن

ص: 529


1- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 160.
2- ابن إدريس، السرائر: 1/ 104.
3- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 171.
4- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 153.
5- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 106.
6- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 60 ح134.

يقطين (1).

لكن مع وجود البَلَل بها لا يحتاج المكلّف إلى الأخذ من الخارج، فلذا ذكرت في الأخبار و الفتاوى، و هو ظاهر كلّ من أطلق، بل في الألفيّة (2) و زبر الشارح (3) التّنصيص على الجواز، و خالف فيه الصدوق (4) و المفيد (5) و عَلَم الهُدى بانتصاره (6) و الشيخ في النهاية (7) و ابنا زُهرة (8) و إدريس (9)، فأوجبوا أن يكون ببلل اليَد مع وجوده لحسنة زرارة عن الباقر علیه السلام قال: «و تمسح ببلّة يمناك ناصيتك... إلخ» (10)، و للوضوءات البيانيّة (11) المتضمّنة لهذا الفعل، و لا قاضٍ بجواز التعدّي، و لذيل مرسلة الصدوق رحمه الله: «فإن لم يكن بقي في يديك من نداوة وضوئك شيء فخذ مما بقي منه في لحيتك... إلخ» (12)؛ إذ لا معنى لهذا الترتيب إذا كان الأخذ جائزاً مطلقاً، و بأنّه لا معنى لاشتراط جفاف ما على اليد في الأخذ من غيرها في عبائرهم، و يتوقّف الموالاة الحقيقيّة عليه.

و ردّ الجميع بأنّ اليد جاءت في الخبرين من حيث إنّها ظرفٌ للبَلَل لا أنه مقيّد بكونه من اليد، و إلاَّ لجاء الترتيب أيضاً بين اللحيّة و ما بعدها، و لا قائل به.

ص: 530


1- المفيد، الإرشاد: 2/ 229؛ الإربلي، كشف الغمة: 2/ 227.
2- الشهيد الأول، الألفية و النفلية: 44.
3- الشهيد الثاني، المقاصد العليّة: 97، 108.
4- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 60 ح134.
5- المفيد المقنعة: 47.
6- السيد المرتضى، الانتصار: 103.
7- النهاية و نكتها: 1/ 225.
8- ابن حمزة، غنية النزوع: 58.
9- ابن إدريس، السرائر: 1/ 99.
10- الكليني، الكافي: 1/ 25 ح4.
11- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 387 باب كيفية الوضوء.
12- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 36 ح134.

فالتالي مَسُوق لبيان الأسهل، فالأسهل و المقدّم لمحض الظرفيّة، و ما بينهما لا يثبت الحكم جزماً، و إلَّا لوجب الأخذ بسائر الحركات و السكنات في الفعل، و دعواه جزاف.

و بأنّ المشروط بجفاف اليد وجوب الأخذ من سواها لا جوازه. و بأنّ تعدّد العنوان للإشارة إلى عدم الاستيناف لو جفّ ما على اليد خلافاً لموجبه (1)، و بروضه (2): إنّ ما دلّ على الأخذ من اللّحية لناسي المسح مطلق، فيجوز و إن كان في اليد بَلَل، و إلَّا لقيّد بعدمه.

و الردود و إن أمكنَ الخدشة فيها إلَّا أنّ الإنصاف أنّ إطلاق البَلَل في بعض النّصوص و الفتاوى أقوى ممّا زعم تقييده لها باليد؛ لظهور حمل اليد عرفاً على الظرفية مثل الغسل بها في بعض المواضع لو نصّ عليه الذي يحصل بالغمس أو بفعل الغير مطلقاً، و لو تصادم الاحتمالان كان المرجع إطلاق الآية وا لرّواية، و هي لا تقضي بأكثر من وجوب مجرّد مسح اليد مصاحبة لبلل الوضوء.

أمّا خصوص بللها فلم يثبت، فإن ذكرت فهو من جهة الترتيب العادي لا الشرعي، لكن الاحتياط لا يترك.

و على الوجوب فهل يقصر الحكم على ما كان في باطنها من البَلَل؛ لأنه المعتاد، أو يؤخذ بإطلاق اليد في المقيّدات؟ وجهان أوجههما الانصراف إلى ما يجب المسح به.

و عليه فيقصر الحكم على البَلَل الذي في باطن الأصابع، و لا يجوز التعدّي إلى ما على اليد غيره و يتخيّر في الباقي لو تعذّر فيه مطلقاً أو مرتّباً، فظهُر اليَد مقدّم مطلقاً، و الذراع بعده، و اللّحية بعدهما، و هكذا.

و هل يخصّ الأخذ منها ممّا يجب غسله من الداخل في حدّ الوجه أو مطلقاً؛ للإطلاق؟ وجهان يدخل في أحدهما كلّ ماء أطلق عليه ماء وضوء و إن غسل به غير ما يجب مقدّمةً أو ندباً، فيشمل كلّ ما شكّ في وجوب غسله، أو وجب بقاعدة الاحتياط، أو ندب غسله مطلقاً و لو بفتوى فقيه؛ لعود الوضوء مطلوباً ندباً من حيث اشتماله على جزء مندوب، و الاحتياط

ص: 531


1- المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 1/ 20.
2- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 113.

مطلوب فيه و في أمثاله كالأخذ من بَلَل اليسرى مطلقاً لو جاز مسح الرأس بها، أو مقصور على تحقّق المسح فيها، فإذا لم يكن امتنع نقل بلّتها لماسح آخر.

و كما لو أمَرَّ يده على ذراعه الأيسر زائداً على ما يتحقّق به الاستظهار في الغسل و لو ندباً؛ لاحتمال كونه بمنزلة البَلَل الذي خالطه غيره فلا يتّصف بالمطلوبيّة، بل يعود لغواً محضاً.

و كما لو جرى ماء الوضوء لغير الجزء المراد غسله، أو عليه غير غسله، فيقوى في الأوّل الصّحة، فلا يجوز الأخذ من ماء العنق و الصّدر لو جرى من الوجه إليهما؛ و في الثاني الجواز؛ لعدم أجنبيّة العضو، و أجنبيّة الماء لا تضرّ.

و كما لو بقي لمعة فغسلها و جرى الماء للمغسول قبلها منها و لم يكن قليلاً فيعدّ من التوابع، بني الحكم فيه على جواز المسح ببلل الغسلة الثالثة و عدمه.

و كما لو غمس أعضاء الوضوء، فإن نواه بخروجها صحّ وضوؤه، أو بدخولها أشكل؛ لكونه كالغمس بعد الغسل، و قوّاه في الذكرى (1).

و الحاصل: التحرّي في جميع ذلك هو الأوفق و إن أفتى الجدّ و الوالد (طاب ثراهما) بصحّة بعض ما ذكر في الكشف (2) و الأنوار (3).

(و فهم من إطلاق (4) المسح) هنا (أنّه لا ترتيب فيهما) مطلقاً عنده (في نفس العضو) الممسوح سواء في ذلك الرأس أو القدم (فيجوز النكس فيه)، و لا يتعيّن الابتداء من الأعلى فيهما (دون الغسل)، فإنّ المفهوم منه التّرتيب في نفس العضو المغسول بأن يبدأ من أعلى الوجه و اليدين؛ (للدلالة عليه) في النّصوص، أو في عبارة المصنّف (ب-:من و إلى) في غسل اليدين، و بإلى وحدها في الوجه، أو بهما في الجميع بناءً على إشراب بين معنى (من) أو تقديرها في الكلام على الثاني، و ما أفاده المصنّف من الجواز (و) عدمه (هو كذلك) مختار الشارح

ص: 532


1- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 154.
2- الشيخ جعفر، کشف الغطاء: 2/ 27.
3- الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 198.
4- في المصدر: (اطلاقه).

(فيهما) بناءً (على) أنّ ذلك (أصحّ القولين) لديه، و لكنّه في الغسل نعم؛ لذهاب المعظم إليه في الوجه واليدين و لقضاء الدليل به، و في المسح لا مطلقاً.

لنا، شهرة الأوّل، و الوضوءات البيانيّة، و قوله علیه السلام في المرسل: «فقد أكمَلَ وضوءه و هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلَّا به» (1)، و رواية قرب الإسناد، ففيها: «ولكن اغسله أعلى وجهك إلى أسفله مسحاً» (2).

و لرواية ابن يقطين (3) المشتملة على المعجزة، و ما عن صفوان عن أبي الحسن علیه السلام قال: «قلت له: هل يردّ الشعر؟ قال: إن كان عنده آخر و إلَّا فلا، و الآخر من يبقى منه» (4).

و لصحيحة زرارة و بكير لمّا سألا أبا جعفر علیه السلام عن وضوء رسول صلّی الله علیه و آله إلى أن قال: «فغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكفّ لا يردّها إلى المرفق... إلخ» (5)، و رواية الهيثم بن عروة (6) النّاصة على أنّ (إلى) بمعنى (من) في الآية.

و عليه فلا يجوز الغسل حينئذٍ منكوساً و صاعداً فيهما و إن أشكل ثبوت الوجوب بالوضوء البياني؛ لاشتماله على المندوب، و خروجه بدليل فرع ظهور الوجوب فيهما، و هو أوّل الدّعوى، مع أنّ ما اشتمل على الأعلى ليس من البياني في خصوص الوجه، و المشار إليه في مرسل الصّدوق (7) مردّد بين نوع الوضوء و شخصه.

و لو تبادر الثاني لزم تخصيص الأكثر؛ لعدم وجوب جميع مشخّصاته، فالواجب فيه منها ما علم من غيره دونه فلا يقيّد فيه مطلقات الكتاب و السّنة؛ لعدم بقائه على عمومه

ص: 533


1- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 38 ح76.
2- الحميري، قرب الإسناد: 312 ح1215.
3- المفيد، الإرشاد: 2/ 229.
4- تفسير العياشي: 1/ 300 ح54، مع تفاوت؛ و عنه في مستدرك الوسائل: 1/ 311 ح2.
5- الكليني، الكافي: 3/ 26 ح5.
6- الكليني، الكافي : 3/ 28 ح5.
7- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 60 ح134.

فيشك في تقييده بغير المتيقّن وجوبه فيه من الأجزاء، و بأنّ عدم الردّ في الصحيحة ليس بنصٍّ بالوجوب؛ لتعارض الأصل و العمومات، و بأنّ الحديث يعارض المتواتر من القرآن، مع ضعفه و معارضته بصحيحة حمّاد بن عثمان (1)؛ و لأجل ذلك خالف في الغسلين جماعة من الأفاضل مثل السيّد (2) و الحلّي (3)، بل هو ظاهر كلّ من أطلق الغسل فيهما، ولكن كلّ ذلك لا يفيد بعد الشهرة المحصلّة و يقين البراءة و قاعدة الاحتياط و إحراز الطهوريّة و ظهور النّصوص.

و أمّا الثاني فكذلك عندنا من دون فرق؛ لما ذكرنا، و لضعف برهان المجوّز و إن كان الخلاف فيه أشدّ خصوصاً في الأخير، استناداً إلى عدم بيانه في البياني، و الأصل الجواز، و إلى صحيحَتي حمّاد بن عثمان (4) فيهما و رواية يونس (5) في خصوص الرّجلين، و لشهرة جوازه فيهما.

و ضعف الجميع ظاهر ممّا قدمنا، و الأصل فيه وجوب إحراز الطهور المبرئ للذمّة. لكن في خصوص مسح القَدَم قد يقال بقوّة دليله من حيث تنزيل كلّ ما أعمّه و الرأس من الأدلّة على خصوصه، بل الظاهر عدم تعدّد صحيحتي حمّاد و مناسبة الإقبال و الإدبار للقدم دونه، و مركّب الإجماع لم يثبت، فيقوى المنع فيه دون القدم؛ و الأحوط تجنّب ذلك فيهما كما اخترنا وفاقاً لجمع.

(و) لكن المصنّف (في الدّروس (6) رجّح منع النكس في الرأس دون الرِّجلين) كذا استظهر الشارح منه فيه؛ فإن كان من قوله: و لا يجوز استقبال الشّعر على المشهور، و قوله: و لا يجزي النكس في الرِّجْلَين على الأولى فيه، فلا وقع لما استظهره، بل لو عكس الترجيح لكان

ص: 534


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 58 ح 161.
2- السيد المرتضى، الانتصار: 18.
3- ابن إدريس، السرائر: 1/ 99.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 58 ح 161.
5- الكليني، الكافي: 3/ 31 ح7.
6- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 92.

أجدر، (و في البيان) (1) كذلك عندنا و عند الشارح (عكس) قال به، و الأفضل الاستقبال في الرأس و في الرِّجلين، و لو نكس فالأقرب المنع، (و مثله في الألفيّة) بل و الذكرى (2)، مستدلّاً بالخروج عن عهدة التكليف به يقيناً، و الدليل يقضي بهما، فلا وجه لتخصيصه بالثاني.

[الواجب الثالث: التّرتيب]

كما أنّه لا يخرج عن العهدة أيضاً حتّى يفعل ما ذكر (مرتباً) - بكسر التاء و فتحها - و كأنّه تأكيد للدلالة عليه ب- (ثمّ) في سابق كلامه، و عليه الإجماع (3) و السنّة (4) و الكتاب (5) إذا أفادت (الواو) ذلك أو (الفاء).

و الترتيب اللازم (بين أعضاء الغسل و المسح) بعد النيّة يحصل (بأن يبتدئ بغسل الوجه) من أعلاه (ثمّ باليد اليمنى)، (ثمّ باليسرى) بشرطهما، (ثمّ بمسح الرأس، ثمّ الرِّجل اليمنى ثمّ اليسرى) كلّ عضو بعد سابقه، (فلو عكس) في فعل واحد أو أكثر من الأفعال المرتّبة (أعاد) الوضوء خطأ أو عمداً، إن جفّ ماؤه؛ لعدم إمكان تدارك الترتيب فيه. و أطلق الفاضل (6) الإعادة، و لعلّه لتعمّد نيّة خلافه في الابتداء، و هو كذلك. و أمّا إذا بقي البَلَل اقتصر (على) إعادة (ما يحصل به (7) الترتيب) سواء نسي أو اعتمد المخالفة في الأثناء، فإذا قدّم شيئاً على شيء أعاد المتقدّم فقط (مع بقاء الموالاة) و إلَّا استأنف على المشهور (8) فيهما.

ص: 535


1- الشهيد الأول، البيان: 48.
2- الشهيد الأول، الألفية و النفلية: 44، ذكرى الشيعة: 2/ 155.
3- ينظر رسائل الشريف المرتضى: 2/ 120؛ الحلبي، الكافي في الفقه: 132؛ الطوسي، الخلاف: 1/ 95.
4- الكليني، الكافي: 3/ 4 ح5.
5- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤوسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ.) سورة المائدة: 6.
6- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 79.
7- في المصدر: (معه).
8- ينظر المفيد المقنعة: 47؛ الطوسي، المبسوط: 1/ 19.

و في رواية منصور بن حازم بعد كلام: «ألا ترى أنّك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك» (1).

و كذا في موثّقة ابن أبي يعفور عن نوادر البزنطي قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «إذا بدأت بيسارك قبل يمينك و مسحت رأسك و رجليك ثمّ استيقنت بعدُ أنّك قد بدأتَ بها غسلت يسارك ثمّ مسحت رأسك و رجليك» (2). و غيرهما من الأخبار.

لكن قضى بعضها بأنّ تقديم المتأخِّر مفسد للباقي مطلقاً، فلو غسل ذراعيه قبل وجهه أعاد غسل وجهه و إن تمّ غسله مرّة أُخرى، و بذا نَطَقَت موثّقة أبي بصير (3)، و كذا باقي الأعضاء.

و نوقش فيها: إنّ ذيلها موافق للناس، فيوهن الركون إلى صدرها، و لا يجري فيه أصالة عدم التقيّة، فتحمل على الندب، أو أن تذكّر المتقدّم كان قبل غسله لا بعده، و ظاهر الصّدوق هو التخيير بين أن يعيد المقدّم و المؤخّر أو المقدّم وحده، قال: روي فيمن بدأ بيساره قبل يمينه أنّه يعيد على يمينه ثمّ يعيد على يساره. و قال أيضاً: و قد روي أنّه يعيد على يساره (4)، انتهى.

و على الأوّل يجتزئ بغسل الوجه المؤخّر، ثمّ إذا لم يحصل خَلَل في النّية إمّا لجعلها الدّاعي أو الإخطار المستمرّ إلى غسله؛ فلو غسل اليسرى بعده ثمّ غسل اليمني أعاد غسل اليسرى و مسح بها؛ لاستهلاك بلّة وضوئه الصّحيح.

(و أسقط المصنّف في غير الكتاب) كالدّروس و البيان و الذكرى (5) (التّرتيب بين) خصوص (الرِّجلين)، و جعله في الأوّل أحوط؛ و يظهر من المقنعة (6) لزوم المعيّة فيهما، و ما

ص: 536


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 5/ 130 ح327.
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 454 ح1199.
3- الكليني، الكافي: 3/ 35 ح7.
4- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 46 ح90.
5- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 92، البیان: 48، ذكرى الشيعة: 2/ 155.
6- المفيد، المقنعة: 49.

حكم به هنا أبرأ للذّمة، و حسنة ابن مسلم تدلّ عليه، فعن الصادق علیه السلام فيها أنّه ذكر المسح فقال: «امسح على رأسك و امسح على القدمين و ابدأ بالشقّ الأيمن» (1).

[الواجب الرّابع: الموالاة]

و كيف كان، فيجب مضافاً إلى الترتيب أن يكون المتوضّي (موالياً) (في فعله) لأفعال الوضوء، و الموالاة لغةً (2): المتابعة، (بحيث لا يجفّ السابق) (من الأعضاء) المغسولة و الممسوحة (على العضو الذي هو فيه) متشاغل (مطلقاً) و إن جَفّ بعضها لو تعدّد السّابق، بلا فرق بين المتّصل بالعضو الذي هو فيه أو المتّصل بالمتّصل به، أو بهما.

و يحتمل أن يكون التعميم في إطلاقه للسابق على أن تكون (من) الجارّة بيانيّة لا للتبعيض، فيوافق ابن الجنيد (3) في عدم الموالاة مع جفاف بعض الأعضاء، لكن يوهنه القرينة على خلافه، فإنّه ليس بمشهور، و يمكن أن يكون الإطلاق لحالتي الاضطرار و الاختيار، و لا خلاف في إجزاء ذلك في الضرورة قطعاً، فيحمل تعليل المبسوط (4) و المعتبر (5) و المنتهى (6) لعدم جواز المسح في ما لو زال عذر الماسح على الخفّ بفوات الموالاة أنّهم أرادوا بالفوات الجفاف التي تفوت به الموالاة و إن كان المسح مع الجفاف مطلقاً لا يجوز، لكن لا مانع من التعبير عنه بفوات الموالاة.

و أمّا في الاختيار فهو كذلك مجزٍ (على أشهر الأقوال) و أقواها برهاناً، فلا يجب غير

ص: 537


1- الكليني، الكافي: 3/ 29 ح2.
2- الجوهري، الصحاح: 6/ 2530، (فصل الواو).
3- حكاه عنه في ذكرى الشيعة: 2/ 167.
4- الطوسي، المبسوط: 1/ 22.
5- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 154.
6- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 2/ 84.

ذلك لا شرطاً و لا شرعاً، و هو خيرة الجمل و العقود (1) و النافع (2) و المصنّف (3) في الثلاثة، بل عليه أكثر من تأخّر، فكأنّهم لاحظوا التواصل و عدم الانقطاع المأخوذ في معنى الموالاة لغةً و عرفاً بالنسبة إلى الأثر لا إلى تواصل الأفعال بعضها ببعض، خلافاً لمن اعتبر ذلك في حال الاختيار كالشيخين في المبسوط (4) و ظاهر المقنعة (5) و غيرهما (6).

فالوضوء الاختياري عندهم مشروط بالمتابعة الحقيقيّة، و الاضطراري بعدم الجفاف، فلا يصحّ الأوّل بشرط الثاني و يصحّ الثاني بشرطه، و يظهر من الخلاف (7) و المعتبر (8) و غير واحدٍ من زبر الفاضل (9) و غيرهم (10) صحّة الوضوء مع وجود شرط الثاني و إن كانت (10) الموالاة بالمعنى الثاني واجبة، لكن وجوبها مستقلّ غير معتبر في صحّة الوضوء، فتظهر الثمرة في الإثمّ و عدمه.

و قيل (11) بكفاية أحد الأمرين من المتابعة و مراعاة عدم الجفاف، فأيّهما حصل كفى في الموالاة، فلو تابع و جفّ السابق لم يخلّ كما لو فرّق و لم يجف السّابق، و بعضهم (12) راعى

ص: 538


1- الطوسي، الجمل و العقود: 159.
2- المحقق الحلي، المختصر النافع: 6.
3- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 164.
4- الطوسي، المبسوط: 1/ 23.
5- المفيد، المقنعة: 48.
6- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 164.
7- الطوسي، الخلاف: 1/ 94.
8- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 157.
9- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 2/ 116، قواعد الأحكام: 1/ 204، إرشاد الأذهان: 1/ 223.
10- المقداد السيوري، التنقيح الرائع: 1/ 85؛ المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 225؛ الصيمري، كشف الالتباس: 1/ 157.
11- ينظر مفتاح الكرامة: 2/ 466.
12- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 2/ 313.

الجفاف و عدمه بالعضو المتّصل دون غيره من الأعضاء، و الأقوى الأوَّل كما قرّرنا.

نعم، لا ينافيه صحّة الوضوء بالتتابع الحقيقي أيضاً و إن ظنّ المصنّف في الذكرى أنّ الأخبار الكثيرة على خلافه، فإنّك ستعرف ما فيه، إذ بذا يجمع بين الأخبار من كون الوضوء لا يتبعّض، و من جواز أخذ البَلَل من اللّحية و الحاجب إذا تذكّر في أثناء الصلاة، فلا محيص عن القول بعموم المتابعة المعتبرة، لتواصل الأفعال بعضها ببعض، و لتواصلها من حيث الأثر بحيث يشرع في اللّاحق قبل محو أثر السابق مطلقاً، فأیّهما حصل كفى في الصّحة.

توضيح ذلك: إنّ قوله علیه السلام: «اتبع وضوءك بعضه بعضاً» (1)، و قوله علیه السلام: «الوضوء لا يتبعّض» (2)، إذا حملا على اشتراط المتابعة الحقيقيّة عارضهما ما قضى من الأخبار من أنّ (3) الناسي يأخذ من بَلَل لحيته و لو ذكر في حال الصلاة، فإنّ المتابعة هنا غير حاصلة.

فيلزم إمّا تعميم المتابعة بمعنييها، أو قصرها على اعتبار عدم الجفاف حتّى يتفرّع عليه بطلان الوضوء مع الجفاف و المتابعة، لا سبيل إلى الثاني؛ لما فيه من سقوط المتابعة الحقيقيّة الظاهرة من لفظ المتابعة رأساً، و لا دليل يقضي به.

بل لعلّ المتابعة في الآثار هنا أُعطيت حكم المتابعة تجوّزاً؛ إذ ليس ذلك من معناها و لم يثبت النقل فيها، فمطلقات الأخبار و الوضوءات البيانيّة تقتضي إرادة معناها الحقيقي.

لكن ظهر من بعض الأخبار (4) و كثير من عبائر (5) العلماء أنّ المتابعة هنا عدم الجفاف، و ظاهرهم (أنّها أنه) (6) من معانيها لذلك جعلنا هذا المعنى مساوقاً لمعناها الحقيقي في المقام لا مطلقاً، فكان الأخذ بأيّ المعنيين مبرئاً للذّمة، و التحديد في خبر أبي بصير بالجفاف تحديد

ص: 539


1- الكليني، الكافي: 3/ 34 ح4 .
2- الكليني، الكافي: 3/ 35 ح7.
3- (بأنَّ، بدل)، (منه قدّس سرّه).
4- الطوسي، الاستبصار: 1/ 72 ح220.
5- ينظر السيد العاملي، مدارك الأحكام: 1/ 230؛ البحراني، الحدائق الناضرة: 2/ 351.
6- كذا في المخطوطة.

لصورة فوات المتابعة بين الأفعال بتفريق الغسلات لا من حيث الجفاف و عدمه، و لم يثبت عندنا إجماع على الأخذ بأحد المعنيين بعد كون المجمعين مختلفين في المراد بها هنا.

نعم، وجوب اشتراطها في الوضوء في الجملة واجب و مجمع (1) عليه، و أمّا تشخيص المراد بها فيه فلم يثبت، فإنَّ كلّ فريق ذهب إلى معنىً نقل الإجماع عليه، و مقتضى التقابل التخيير.

سلّمنا تبادر معناها الحقيقي من لفظها و من لفظ الموالاة الواقعة في كلامهم المنصرفة إلى التتابع الحقيقي.

نقول: قامت الأدلّة على لحوق المتابعة في الأثر أيضاً بها حكماً، و لا داعي لطرحها أو صرفها لحال الضّرورة بعد إمكان العمل بهما. و ممّا حرّرنا لا يصدّك عن إبطال أدلّة بقيّة الأقوال صادٌّ.

(و المعتبر في الجفاف) المعتبر في فساد الوضوء هو (الحسّي) المشاهد، (لا) الجفاف (التقديري) بحيث إنّه لولا برودة الهواء أو غَلَبَة البَلَل لَجَفَّ ما على الأعضاء، فيقدّر عدمه و يحكم بالبطلان كما يقدر عدم حرارة الهواء الموجبة لجفاف العضو، فيحكم بالصّحة مع الجفاف، و يكون الميزان و العبرة بالجفاف و عدمه هو زمان اعتدال الهواء، فالخارج عنهما لا عبرة به بعد تقدير الزّمان، فإنّ ذلك لا دليل عليه و إن قيّد في كثير من العبارات عدم الجفاف بصورة اعتدال الهواء.

و استظهر غير واحد (2) من هذا القيد ذلك الميزان فحكموا بأنّ سرعة الجفاف لشدّة الحرارة لا تضرّ في الموالاة، و تأخيره لرطوبة الهواء لا تنفع، و المصنّف في الذّكرى (3) جعل القيد للاحتراز عن الإفراط في الحرارة فقط، فصحّح الوضوء مع بقاء البَلَل مطلقاً و مع الجفاف لشدّة الحرارة.

ص: 540


1- ينظر السيد المرتضى، الناصريات: 126؛ الطوسي، الخلاف: 1/ 93؛ ابن البراج، المهذب: 1/ 45.
2- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 2/ 313، 314.
3- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 169.

و الحقّ أنّ كلامهم في المقام لا يظهر منه الأمران ظهوراً بيّناً و إن حَدّدوا التّفريق المبطل بمقدار حصول الجفاف في معتدل الهواء؛ إذ كما يحتمل قصد المقدار النّوعي لهم - و هو إرادة الزمان الموازي لزمان الجفاف - كذا يمكن إرادة نفس الزّمان الشخصي للجفاف، فمرامهم بيان حكم بالتفريق مع اعتدال الهواء و ليس نظرهم إلى شيء وراء ذلك.

نعم، صرّحوا بالجفاف مع شدّة الحرارة لا عِبرَة به، فيُطالَبُون بالفرق بين المقامين، و يدفع بما حرّرنا من عدم منافاة الجفاف للمتابعة الحقيقيّة، فحكمهم بصحة الوضوء مع صحّة الجفاف للمتابعة لا لأنّ الميزان اعتدال الهواء فيدور الحكم مداره و يقدّر في غيره مطلقاً ليتمّ البطلان في التفريق مع بطء الجفاف.

فتلخّص: أنّ العبرة بالجفاف و إن طال زمانه لكن لا بحيث يؤدِّي إلى التّهاون المرفوض في الشّريعة، و الاحتياط لا يُتْرَك.

(و) بعد الحكم بوجوب الموالاة بمعنييها على جهة الشّرطيّة (لا فرق) في بطلان الوضوء في الإخلال بها (بين العامد) المختار و المضطرّ (و) لا بين (الناسي) لعضو حتّى جَفّ السابق، أو لوجوب الموالاة، أو للموالاة، أو لبطلان الوضوء في الإخلال بها، (و) لا بين (الجاهل) بحكمها الشرعي، و هو وجوب الموالاة، أو الوضعي، و هو الشرطيّة؛ لقضاء إطلاق وجوبها بذلك جميعاً. هذا نهاية القول في واجبه.

[سنن الوضوء]

(و) أما (سننه) فكثيرة، و لعلّ جمع سننه مع أفراد واجبه هنا إيماء إلى تنزيل الواجبات منزلة الواجب الواحد من حيث عدم الإخلال بشيء منها و وجوب الإتيان بالجميع، بخلاف السّنن.

[الأولى]

فمنها: (السّواك)، (و هو) هنا و بغيره (دَلْك الأسنان) مطلقاً (بعُود و خرقة و إصبع) و نحوها لإزالة الوسخ الذي فيها، مخيّراً بينها، (و أفضله) من جميعها (الغصن الأخضر)

ص: 541

غير الطرفة؛ لورود النصّ بلفظ قضبان الشجر، (و أكمله) من بين القضبان (الأراك) لفعل السّلف.

و أنشدوا:

قيل: (قال)لي: استكْ بسواكٍ قلتُ: لا أهوى سواكا

لستُ أهوى ك-----لّ ع--------ود إِنَّما أهوى أراكا (1)

(و محلّه) لمُرِيْد الطّهارة (قبل غسل الوضوء الواجب) من الوجه و اليدين (و الندب) من المضمضة و الاستنشاق و غسل اليدين، فهو (كالمضمضة) في الندب أو القبليّة، (و لو) قدّم الوضوء عليه و (أخّره عنه) تماماً، أو عن المندوب من أجزائه مطلقاً (أجزأ)؛ لأنه شُرِّع لتكميل طهارة الصلاة الحاصل بالتقدّم و التأخّر.

[مواضع استحباب السواك]

(و اعلم أنّ السواك سُنّة مطلقاً) في الوضوء و غيره، و النّصوص ناطقة به إلَّا في الخلاء و الحمّام (2)، فجعله من سُنن الوضوء كما هنا فيه تسامحٌ، و المصنّف (3) لحق الفاضل (4) في كونه من سُنن الوضوء و الثمرة تظهر في النذر. (و لكنه) في رأي الشارح (يتأكّد) استحبابه (في مواضع) صرّحت بها الأخبار و أفتت بمضمونها الأخيار، و أحدهما يكفي في أدلّة السنن:

منها: (الوضوء) مطلقاً حتّى غير الرافع منه، (و) منها: (الصلاة) لروايَتي عبد الله بن ميمون القدّاح (5)، و صحيحة معاوية بن عمّار (6)، و غيرهما (7)، (و) منها: (قراءة القرآن)،

ص: 542


1- لم أقف على قائله.
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 52 ح110.
3- الشهيد الأول، البيان: 199.
4- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 67.
5- الكليني، الكافي : 3/ 22 ح1.
6- الكليني، الكافي: 8/ 79ح 33.
7- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 480 ح1390.

(و) منها: (اصفرار الأسنان) لروايتي البرقي (1)، (و) منها: ( غيره) كندبه في السحر و صلاة اللّيل؛ لروايتي الكليني (2) و معاوية بن وهب (3).

[الثّانية]

(و) كذا من سننه (التسمية)؛ للنصّ، و قيل (4): بوجوبها لنبويّ (5) مُرسَل أو محمول على الندب، فلا تخصيص بياني للوضوء.

(و صورتها) المأثورة بالصحيح: (بسم الله و بالله، و يستحبّ إتباعها بقوله: اللهمَّ اجعلني من التوّابين و اجعلني من المتطهّرين) (6)؛ لخبر زرارة عن الصادق علیه السلام، و في آخر صورتها: بسم الله الرحمن الرحيم. و في ثالث: بسم الله و الحمد لله الذي جعل الماء طهوراً و لم يجعله نجساً (7).

و في رابع: بسم الله و بالله و خير الأسماء و أكبر الأسماء الله، و قاهر من في السّماء، و قاهر مَن في الأرض، الحمدُ لله الذي جعل من الماء كل شيء حَيّ، و أحيى قلبي بالإيمان، اللهُمَّ تُب عَلَيَّ و طهّرني و اقض لي بالحُسنى و افتح عَلَيَّ بالخيرات من عندك يا سميع الدّعاء (8). فمَن أتى بأيّها أدّى السّنة.

(و لو اقتصر على بسم الله أجزأ) كما في خامس (9)، و في اقتصاره على لفظ الجلالة فقط

ص: 543


1- البرقي، المحاسن: 562 ح953، 954.
2- الكليني، الكافي: 3/ 23 ح7.
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 4/ 270 ح5131.
4- نسبها الرافعي في فتح العزيز: 1/ 386، إلى أحمد بن حنبل.
5- قوله صلّى الله علیه و آله: «لا وضوء لمن لم يسم الله». ينظر: المجموع للنووي: 1/ 346؛ و الاقناع للشربيني: 1/ 42.
6- الكليني، الكافي: 3/ 445 ح12؛ الصدوق، الخصال: 628.
7- الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام: 69.
8- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 43 ح87.
9- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 358 ح1073.

إشكال؛ لظهور التسمية في بسم الله، (و لو نسيها ابتداءً تداركها حيث ذَكَر قبل الفراغ) و عنده، (كالأكل) لو نسيها في ابتدائه، (و كذا لو تركها عمداً) خلافاً للفاضل حيث تردّد فيها في العَمد في النهاية (1)، و في التحرير: و لو فعلها خلال الطّهارة لم يأتِ بالمستحبّ (2)، انتهى.

و كأنّ منشأه إيرادها بنيّة ندبها في ذلك المحلّ، فحيث لم يتحقّق تلغى النّية، فإن قام القاطع على جواز ذكر الله في الصلاة مطلقاً لا مانع من الإتيان بها؛ للدليل، و إلَّا كانت من الزيادة، و جعلها في خلال فاتحة الكتاب أو السّورة أو غيرهما من الأجزاء مشكل كما قال فلا معنى لردّه بأنّ هذا التردّد كاد يكون بارداً.

[الثّالثة]

و من السنن الثابتة: (غَسل اليدين) (من الزّندين) إلى أطراف الأصابع لا من المرفق؛ لإطلاق اليد عليه في التيمّم و الديّة، فيغسل (مرّتين) إذا كان الوضوء (من حَدَث النّوم و البول و الغائط) جميعاً أو أشتاتاً (لا من مطلق الحَدَث) غيرها (كالرّيح على المشهور (3)) بين الأصحاب من أنّ مطلق الحَدَث لا غسل فيه.

(و قيل) (4): يستحبّ غسلهما (من) النّوم و البول (الأوّلين مرّة) واحدة؛ للإطلاق، و الاقتصار عليه في الصحيحة، بل هو المشهور (و به قطع في الذكرى (5))، فإطلاقه الاثنين منفيّ بها مُثبت في صحيحة حريز (6)، و حملها من جهة غلبة اجتماع البول و الغائط كحمل رواية ابن سنان (7) على ذكر أقلّ المستحبّ بعيدٌ فيهما.

ص: 544


1- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 55.
2- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 68.
3- ينظر: الاقتصاد: 243؛ الكيدري، إصباح الشيعة: 31.
4- الطوسي، الجمل و العقود: 38؛ العلّامة الحلي، إرشاد الأذهان: 1/ 224.
5- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 175.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 36 ح97.
7- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 46 ح91.

(و قيل) (1): إنّما يستحبّ (مرّة في الجميع)، (و اختاره [المصنف] (2) في) البيان (3) و (النفليّة) (4) و لم أعثر عليه لغيره، (و نَسبَ) فيهما (التفصيل إلى المشهور، و هو الأقوى)؛ لوجوده في النّصوص (5)، فلو انفرد كلّ من الثلاثة لحقه حكمه، (و لو اجتمعت الأسباب) الموجبة للاستحباب (تداخلت إن تساوَت) في الحكم النّدبي مثل اجتماع الأوّلين (و إلَّا) كأحدهما و الغائط (دخل الأقلّ تحت الأكثر)؛ لامتناع العكس.

(و ليكن الغسل) المندوب في اليدين (قبل إدخالهما الإناء) (الذي) يندب وضعه على اليمين و الاغتراف بها حيث (يمكن الاغتراف منه)، و القبليّة المزبورة (لرفع (6) النّجاسة الوهميّة) المعلّل ندبيّة الغسل به في الخبر، (أو تعبّداً)؛ لروايتي الحلبي (7) و عبد الكريم (8)، و بهما يثبت تقدّمه على سائر الأفعال لو فقد الإناء أيضاً؛ إذ لا يزول التقدّم بزوال الإدخال.

(و لا يعتبر) في استحباب الغسل (كون الماء) المتوضّأ به (قليلاً؛ لإطلاق النّص) في بعض الأخبار (خلافاً للعلّامة) و ظاهر المصنّف في الثلاثة (9)، (حيث اعتبره) صريحاً في المنتهى (10) و ظاهراً في غيره (11)؛ للتصريح في الصحيح إنّه قبل إدخالها الإناء، و لكلّ وجه.

ص: 545


1- البهبهاني، مصابيح الظلام: 3/ 454.
2- أثبتناه من المصدر.
3- الشهيد الأول، البيان: 49.
4- الشهيد الأول، الألفية و النفلية: 92.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 36 ح97.
6- و في المصدر: (لدفع).
7- الكليني، الكافي: 3/ 12 ح5؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 36 ح96.
8- الكليني، الكافي: 3/ 17 ح10.
9- الشهيد الأول، الألفية و النفلية: 96، البيان: 49، اللمعة الدشقية: 18.
10- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 293.
11- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 68، تذكرة الفقهاء: 1/ 193.

[الرّابعه]

(و) منها: (المضمضة): (و هي إدخال الماء الفَم و إدارته فيه) سواء مجّه أم لا، و الأفضل أن يبالغ في إبلاغ الماء إلى جميع أطراف الفم مع إمرار الإبهام و الوسطى على الأسنان، إلَّا في الصّائم فلا يبلغه إلى أقصى الحنك، و في بعض الأخبار (1) لا تندب للصائم.

[الخامسة]

(و) منها: (الاستنشاق) (و هو جذبه إلى داخل الأنف)، و ينبغي المبالغة فيه بالإبلاغ إلى أقصى المنخر إلَّا المستثنى قبل، (و تثليثهما) ذكره الأصحاب (2) و نفوا فيه الخلاف (بأن يفعل كلّ واحد منهما ثلاثاً و لو بغرفة واحدة) فيها أيضاً (و) إن كان (بثلاث أفضل)؛ لأنه أبلغ في التنظيف، و أفضل منه إذا كانت بسّتٍ لهما.

(و كذا يستحبّ تقديم) مرّات (المضمضة أجمع على) مرّات (الاستنشاق) أجمع؛ للترتيب الذكري (3)، و لوضوء أمير المؤمنين علیه السلام (4)، (و) لا يفهم ذلك من كلام المصنّف هنا؛ لأنّ (العطف بالواو لا يقتضيه)؛ فإنّها لا تدلّ على الترتيب، و يحتمل عود الضمير إلى تقديمه فيفيد إنكار الترتيب ردّاً على معتبره، بتقرير أنّ العطف وقع بالواو في الأخبار (5) و هو لا يوجبه، لكنّه مبيّن بما وقع بها بثم، فيؤخذ به و إن ضعف سنداً؛ للتسامح.

[السّادسة]

(و) منها: (تثنية (6) الغسلات) الثلاث، و هي فعلها مرّة ثانية (بعد تمام الغسلة الأُولى

ص: 546


1- الكليني، الكافي : 4/ 107 ح2.
2- سلّار، المراسم العلوية: 38؛ الطوسي، الجمل و العقود: 40.
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 387، باب كيفية الوضوء.
4- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 41 ح 84.
5- الكليني، الكافي: 3/ 24 ح3.
6- في المصدر: (و ثنية).

فی المشهور) المنقول عليه الإجماع بلسان الحلّي رحمه الله (1)، و لصحيحة ابن وهب (2) «الوضوء مثنى مثنى»، و غيرها (3).

(و أنكرها الصدوق (4)) و الكليني (5) رحمهما الله؛ لقول الصادق علیه السلام: «ما كان وضوء رسول

الله صلّی الله علیه وآله إلَّا مرّة» (6)، و لرواية يونس بن عمّار: عن الوضوء للصلاة؟ فقال: «مرّة مرّة» (7)، و خبر ميسرة (8) و حمّاد بن عثمان (9) و عبد الكريم (10)، و هو الأقوى إن لم يقم على التعدّد إجماع، نعم، لا ريب في ندبيّة تحصيل الإسباغ بغرفتين.

[السّابعة]

(و) منها: (الدّعاء عند كلّ فعل) (من الأفعال الواجبة و المتقدِّمة بالمأثور)، و عند الفراغ بأوّل آية من الفاتحة أو آية الكرسيّ أو القَدْر مخيّراً بينها، و الجمع أفضل مع المأثور غيرها.

[الثّامنة]

(و) منها: (بدأة الرجل) (في غسل اليدين) (بالظهر ) في (الغسلة) الأُولى، (و في الثانية) لهما (بالبطن، عكس المرأة )؛ (فإنّ السُّنة لها البدأة بالبطن و الختم بالظهر، كذا ذكره الشيخ)

ص: 547


1- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 159.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 80 ح208.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 8 ح209.
4- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 41، 47، ذيل الحديث 83، 92.
5- الكليني، الكافي: 3/ 27، ذيل الحديث 9.
6- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 38 ح76.
7- الكليني، الكافي: 3/ 26 ح6.
8- الكليني، الكافي: 3/ 26 ح7.
9- الكليني، الكافي: 3/ 27 ح8.
10- الكليني، الكافي: 3/ 27 ح9.

في المبسوط (1)، (و تبعه عليه المصنّف هنا)، و في البيان (2) و الدّروس (3) (و جماعة) منهم: ابنا زهرة (4) و إدريس (5).

أمّا البدأة لهما بما ذكر فللنّص، و أمّا العكس في الثانية؛ فلأنّ المقصود منها الإسباغ و المبالغة في الاستيعاب، و لا يحصلان إلا إذا عكس فيهما.

قال الإسكافي رحمه الله في غسل اليدين: إنّه لو أخذ بظهر ذراعه غرفة و ببطنها أُخرى كان أحوط (6)، انتهى.

فكأنّ الإسباغ الكامل لا يحصل إلَّا بالصّب من الطرفين، (و) لكن (الموجود في النصوص) كرواية محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن الرِّضا علیه السلام أنّ «بدأة الرّجل بظهر الذّراع، و المرأة بباطنه» (7)، (من غير فرق فيهما بين الغسلتين).

(و عليه الأكثر) كالفاضلين (8) و غير هما (9)، بل يظهر من الذكرى (10) رجحانه، و نحن لم نعثر على غير هذا النّص في هذا المندوب، فعسی جمعه لعثوره على غيره، أو لأنّ نصّه موجود في جملة النّصوص، نحو هذا موجود في الكتب، و الخبر غير شامل للغسلة الثانية فلا ينفى العكس، فلعلّه مستحبّ آخر في الثانية لقصد تكميل الإسباع، فتأمّل.

ص: 548


1- الطوسي، المبسوط: 1/ 20.
2- الشهيد الأول، البيان: 50.
3- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 93.
4- ابن زهرة، غنية النزوع: 61.
5- ابن إدريس، السرائر: 1/ 101.
6- حكاه عنه في ذكرى الشيعة: 2/ 193.
7- الكليني، الكافي: 3/ 28 ح6.
8- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 167؛ العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 202 ، منتهى المطلب: 1/ 308.
9- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 125؛ السيد العاملي، مدارك الأحكام: 1/ 250؛ المحقق السبزواري، كفاية الأحكام: 1/ 17.
10- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 185.

(و) على ما ذكرنا (يتخيّر الخُنثى) المشكل (بين البدأة بالظّهر و البطن على المشهور) الموجود في النّص، (و) يتخيّر أيضاً (بين الوظيفتين)، و هما البدأة في الأوّلى بالظهر أو البطن، و في الثانية بالعكس (على المذكور) في الكتاب.

[مكروهات الوضوء]

(1)

و مكروهاته: إيقاعه في المسجد من حدث البول و أخيه (2)، و الاستعانة كرفع كُمّ المتوضّي، و تجفيف موضع المسح و غيرهما من مقدّماته القريبة الّتي يكون المعين فيها كالشريك، و مسح بلله من الأعضاء بمنديل و غيره، فإنّ الرّشد في خلافه، و الأمر (3) به للتقيّة.

[أحكام الوضوء]

و أمّا أحكامه فذكر المصنّف بعضها في ضمن مسائل:

[الشّك في النّية]

(و) منها: أنّ (الشاك فيه) (أي في الوضوء) لا في أجزائه إذا وقع (في أثنائه يستأنف) وضوءه، (و المراد بالشك فيه نفسه في الأثناء) هنا هو (الشكّ في نيّته)؛ (لأنه إذا شكّ فيها فالأصل عدمها) بتفسيرها إذ هو ليس من الشكّ بعد الفراغ؛ لوجوب استمرار حكمها كما غبر، (و مع) عدمها للأصل الجاري عند (ذلك) الشك (لا يعتدّ) المتوضِّي (بما وقع من

الأفعال بدونها)، بل يلحق فعله فعل النائم و السكران، و لم تكن من أفعال الوضوء أفعاله.

(و بهذا) التقرير (صدق الشك به (4) في أثنائه)؛ لاستلزام الشك في النيّة للشك فيه، (و أمّا) لو رجعت مقالته إلى (الشك في أنّه هل توضأ) أم لا؟ (أو) في أنه (هل شرَعَ فيه أم لا)؟ (فلا يتصوّر تحقّقه في الأثناء)، بل المتصوّر فيه ذلك بعد الفراغ.

ص: 549


1- هذا المبحث غير موجود في اللمعتين.
2- أي: الغائط.
3- الكليني، الكافي: 6/ 291، باب التمندل.
4- في المصدر: (فيه).

(و قد ذكر المصنّف في مختصريه) البيان و الدّروس (1) (الشكّ في النيّة في أثناء الوضوء، و أنّه يُستأنف) على البناء للمفعول أو الضمير للشاك على البناء للفاعل، (و لم يعتبر رحمه الله بالشك في الوضوء إلّا هنا) تنبيهاً على ملازمة الشك في أثنائه به للشكّ فيها و مراعاةً للإيجاز، كذا حمل إطلاقه الشارح (2)، و أقرّه المحشّون عليه.

و يحتمل أنّ مراده من الشكّ في الوضوء هو الشكّ في التلبّس من جهة احتمال طروّ الحَدَث، فإنّ جماعة منهم هو في البيان (3) حكموا بوجوب الاستيناف و إن بنينا أنّ أصالة عدم الحَدَث حاكمة على الأدلّة القاضية بإحراز أجزاء الوضوء و شروطه إلى حين الفراغ؛ إذ الشكّ في الصحّة مسبّب عن الشك في صدور الحَدَث، و قد ارتفع بالأصل، فتبقى صحّة تلك الأجزاء جميعاً سليمة من الشك، و نحوه الشك في طهارة الماء أو إطلاقه أو إباحته بعد إحراز حالته السابقة.

(و الشاكّ فيه بالمعنى المذكور)، و هو عوده إلى الشك في النيّة؛ لعدم تصوّر الشكّ في أنّه هل توضّاً أو شرع فيه، و لو تُصوِّر تجري فيه أصالة العدم قطعاً.

و قوله: (بعده) (أي بعد الفراغ) قرينة المراد؛ إذ لو بقي على ظاهره لا معنى للبعديّة.

لكن فيه: إنّ الشكّ في النيّة تنفى أيضاً بالأصل فلا وضوء كالشك فيه.

و جوابه: إنّ هذا الشكّ بعد الأفعال الصّادرة التي هي بصورة الوضوء، و قد حكموا بدخول ذلك في الشكّ بعد الفراغ للفاعل، و أنّه (لا يلتفت) (كما لو شك في غيرها من الأفعال)؛ لعدم الفرق شرطاً كانت أو جزءاً.

ولي في الأوّل توقّف، و لو حملنا الشك فيه على ما احتملناه كان الحكم بالصّحة بطريق أَولى.

ص: 550


1- الشهيد الأول، البيان: 52 ، الدروس: 1/ 94.
2- الشهيد الثاني، حاشية شرائع الإسلام: 36.
3- الشهيد الأول، البيان: 52.

[الشّك في بعض أفعال الوضوء]

(و) منها : إنّ (الشّاك في البعض) من أفعال الوضوء، بل مطلق الطّهارة الشاملة للغسل، يلزمه أن (يأتي به) (أي بذلك البعض المشكوك فيه) و إن تعدّد و بما بعده (إذا وقع) ذلك (الشكّ) من الشاك و هو (على حاله) التي كان عليها؛ (أي حال الوضوء) من التلبّس و الاشتغال بالطّهارة (بحيث لم يكن فرغ منه و إن كان قد تجاوز ذلك البعض) (إِلَّا) إذا شكّ أو تيقّن التّرك (مع الجفاف) (للأعضاء السابقة عليه)، أو مع عدمه و القطع بعدم المتابعة المطلوبة فيه، (فيعيد) حينئذٍ؛ (لفوات الموالاة).

كلّ ذلك لأصالة عدم الإتيان به، و عدم إباحة الدّخول في العبادة إلَّا بعد إحراز جوازه، و عدم ارتفاع الحَدَث، و لصحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام: «إذا كنت قاعداً على وضوئك فلم تدرِ أَغَسَلْت ذراعيك أم لا فأعد عليهما و على جميع ما شككت أنّك لم تغسله أو تمسحه ممّا سمّى الله ما دمت في حال الوضوء... إلخ» (1)، الخبر.

فيخصّص بها كلّما قضى بقاعدة الشكّ بعد الفراغ نحو قوله علیه السلام فيها بعد ذلك: «فإذا قمت من الوضوء و فرغت منه، و قد صرت في حال أخرى في الصلاة أو في غيرها، فشكّكت في بعض ما سمّى الله مما أوجب الله عليك فيه وضوء لا شيء عليك فيه، و إن شككت في مسح رأسك فأصبت في لحيتك بَلَلاً فامسح بها عليه وعلى ظهر قدميك، فإن لم تُصِب بَلَلاً فلا ينقض الوضوء بالشكّ و امض في صلاتك، و إن تيقَّنت أنّك لم تتمّ وضوءك فأعد على ما تركت يقيناً حتّى تأتي على الوضوء... إلخ» (2).

و ما فيها من المسح على الرأس و الرِّجلين من بَلَل اللّحية مع الشك حملوه على النّدب، وك قول الصادق علیه السلام في موثّقة ابن أبي يعفور: «و إذا شككتَ في شيء من الوضوء و قد دخلتَ في غيره فليس شكّك بشيء، إنّما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه» (3).

ص: 551


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 100 ح261.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 100 ح261.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 101 ح262.

و قوله علیه السلام أيضاً في صحيحة زرارة: «إذا خرجت من شيء و دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء» (1).

و مقتضى الجمع في الأخبار إنّ الوضوء فعل واحد، فما دام المكلّف فيه لم يصدق الخروج بفعل جزء من أجزائه، فيلتفت إلى الشك المتعلّق بأحد أجزائه، و بذا يفارق الصلاة؛ لأنها أفعال متعدّدة؛ فحال الوضوء كحال الشك في القراءة مثلاً في وجوب الالتفات كما قاله جماعة (2)، و نظير الأذان و الإقامة في أنّهما لا يلغى الشك في أجزائها إلَّا بعد الفراغ، و كأنّه من جهة أنّ الوضوء المركّب من هذه الأجزاء مقدّمة واحدة لاحظها الشارع مجتمعة فأمر بها مقدّمة بأمرٍ واحد.

و منه يظهر أنّ ذلك يجزي في الغسل أيضاً و إن اختصّت الأخبار بالوضوء؛ لاتّحاد المناط المفهوم من: «لا صلاة إلَّا بطهور» (3)، فلا تنافي بين الصّحيحتين و غيره بل القاعدة على حالها ما خرج الوضوء منها.

و حينئذٍ، فضمير «غيره» في الثانية راجع إلى الوضوء لا إلى «الشيء»، و تعارض مفهوم ذيلها مع منطوقه غير ضارّ بعد وضوح المراد، و الشرط يلحق الجزء في الحكم المزبور، فلو شك في إطلاق الماء أو نجاسته بعد الفراغ من غسل العضو به التفت لشكّه، فإنّ الصحيحة و إن اختصّت بالأجزاء لكن كشفت عن كون الوضوء فعلاً واحداً، فالشّك في ما يتعلّق به من شروطه و أجزائه من الشك قبل الفراغ. و قيل (4) بعدم الالتفات مطلقاً، و خصّه بعض (5) بما مضى فيستأنف للباقي ماءً جديداً؛ لأصالة الصّحة و ثبوت حكم الإطلاق مطلقاً؛ لأنه شك في إطلاق الماء بعد التجاوز عن محلّه، فإنّ محلّه بحكم العرف و العادة قبل الشروع في

ص: 552


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 2/ 352 ح1459.
2- ينظر الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 2/ 470، 471.
3- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 58 ح129.
4- ينظر الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 2/ 470.
5- ينظر البحراني، الحدائق الناضرة: 2 / 284.

الوضوء، و حينئذٍ فيتوضّأ به في المستقبل، و يبني على الصّحة في الماضي.

نعم، لو انتقض ذلك الوضوء و وجبَ عليه وضوء آخر لزمه الاستظهار و إحراز الإطلاق و الطهارة و الإباحة، و لو شك في الأثناء جرى فيه الكلام السّابق.

و فيه: إنّ أصالة الصّحة في الماضي لا مستند لها غير تلك العمومات التي لا تثبت المطلوب، و إنّ إحراز إطلاق الماء ليس أمراً مغايراً للغسل بالماء المطلق حتّى يلاحظ محلّه الشرعي و العادي، بل هو بالنسبة إلى سائر الأجزاء سواء، و أراد بالشكّ المذكور هو زوال اليقين بالإطلاق و عدمه لا الشكّ على الإطلاق و عدمه؛ لأنه مجرى الاستصحاب دونه، يتفرّع عليه وجوب إعادة الصلاة لو شك في أثنائها إنّه مُحدِث أم لا، كما نطقت به رواية علّي ابن جعفر (1)، و صحّحها قوم (2) فنفوا الإعادة و أدخلوها بقاعدة الشك بعد الفراغ.

و يستثنى من هذا الحكم كثير الشك فلا يلتفت وفاقاً للحلّي (3)؛ لظهور النّصوص به، و نعني به كثير الخيال، و الاحتمال في مقام يخالف به الجَمّ الغفير بحيث لا يحتمله غيره، راجحاً كان احتماله أم مرجوحاً أم مساوياً.

و أمّا كثير القطع فيعمل بقطعه وجوباً، و لا ينفعه حكم غيره بعدم اعتیاد قطعه؛ لعدم جواز العمل على خلاف معتقده.

و كاشف الغطاء جدّنا (رضوان الله عليه) (4) يظهر منه خلاف ذلك، و نحن إلى الآن لم نصل إلى كُنه مراده (نوّر الله تعالى مرقده).

هذا تمام الكلام على الشك في أثناء الوضوء.

(و) أمّا (لو شك) ( في بعضه) (بعد انتقاله) (عنه و) هو (فراغه منه) دون انصرافه

ص: 553


1- مسائل علي بن جعفر: 206.
2- الحر العاملي، هداية الأمة: 1/ 75؛ المحقق النراقي، مستند الشيعة: 2/ 227؛ النجفي، جواهر الكلام: 1/ 350.
3- ابن إدريس، السرائر: 1/ 104.
4- الشيخ جعفر، کشف الغطاء: 1/ 278.

الظاهر من انتقاله، القاضي بلحوق الحكم الأوّل و إن فرغ قبله؛ لاحتمال الفراغ مع البقاء على حاله كما هو ظاهره في غيره.

و الشارح هنا و بروضه (1) حكمَ بأنّه مع الفراغ (لا يلتفت)، و به فسّر الانتقال، و هو كذلك؛ للمقابلة بين الحكمين، و لذيل الموثّقة، حيث حصرَ الشك الملتفت إليه بما وقع حال الاشتغال، و مفهومه إنّه متى تمّ لم يلتفت، و في رواية بكير: في الرجل يشكّ بعدما يتوضأ؟ قال: «هو حين يتوضّأ أذكَر منه حين يشك» (2).

بل كلّ ما سبق من الأخبار القاضية بعدم الالتفات لو انتقل من جزء إلى جزء يقضي به؛ لأنّ الخارج من عمومها بالنّص (3) و الإجماع (4) هو الوضوء فقط، الذي مرّ وجوب الالتفات في أجزائه قبل الفراغ منه مطلقاً و لو حصل الانتقال فيها، فيبقى الباقي تحت العام.

نعم، يظهر من صدر الموثّقة و ذيل الصحيحة المتقدّمتين اعتبار الدّخول في غير الوضوء، فيعارض ما ذكرناه، مع أنّ العمومات التي صرّحت بعدم الالتفات بعد الدّخول في غير المشكوك فيه لا تعمّ أجزاء الوضوء؛ لما ذكرنا من ملاحظته بتمامه فعلاً واحداً لا يلغى الشك فيه إلَّا بعد الدخول في غيره، فهي على خلاف المطلوب أدل.

و يتخلّص بورود القيد مورد الغالب في الخبرين، وهو قوله علیه السلام في صدر الموثّقة: «و دخلت في غيره» (5)، و قوله في ذيل الصحيحة: «و فرغت منه و صرت في حال آخر في صلاة» (6)، و غيرها (7).

ص: 554


1- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 131.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 101 ح265.
3- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 342.
4- المفيد المقنعة: 50.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 2/ 352 ح1459.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 100 ح261.
7- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 8/ 238 ح10526.

و هو أَولى من صرف صدر الصحيحة و ذيل الموثّقة إلى غير ظاهرهما؛ لصراحتهما في كون الالتفات لا بدّ منه في حال الاشتغال لا مطلقاً، و المرجح لذلك دون العكس أنّ صدر الصّحيحة اشتمل على شرط هو علّة للحكم بالالتفات، و هو الدّوام في حال الوضوء.

و مقتضى سَوْق العبارة أنّ الشرط الآخر هو نقيض الأوّل، و مضمونه عدم الأوّل، لا أنّه أمرٌ وجودي آخر يدور الحكم مداره، و كذلك كلّ شرط تعقّب شرطاً، فلو قال: (إن لم يقم زيد لا تفعل كذا) و (إن قام و قصد السوق افعله)؛ كان قصد السوق وارداً مورد الغالب لا قيداً تعلّق به الحكم، و إلَّا لتخلّف الحكم في القيام المجرّد عن القصد، و هو خلاف الظاهر.

و أمّا ذيل الموثّقة فأظهر؛ لأنه بمنزلة القاعدة لصدرها، فهو يتفرّع عليها، و أمّا وحدة الوضوء فيقتصر فيها على المتيقّن من أجزائه أخذاً بالمتيقّن من موضوعه، كما هي القاعدة في كلّ موضوع ترتّب عليه حكم و على عدمه حكم آخر، فهو كما لو استثنى من الحكم موضوعاً لولا استثناؤه لدخل في كون الحكم العام يلحق ما شكّ في دخوله في المستثنى.

و حينئذٍ الخارج من قاعدة الشكّ بعد الفراغ يقيناً الوضوء عند الفراغ لا عند الدّخول في غيره إلَّا أن يكون شكّه في الجزء الأخير منه، فإنّ تحقّق الفراغ من الوضوء لا يكون إلَّا بالدّخول في شيء آخر من فعل أو تبدّل حال، بخلاف ما تقدّمه من الأجزاء؛ لحصول الفراغ منها به، فيجب الالتفات حينئذٍ و إن تيقّن قبل الشكّ أنه فعل الوضوء، فإنّه لا ينفع بعد طروّ الشك المزيل لذلك الاعتقاد، و لا يجري فيه عدم نقض اليقين بالشكّ؛ لتوقّف تلك القاعدة على اعتبار اليقين السابق.

و أمّا اليقين الذي لم يقم دليل على اعتباره قبل الشك لا مجرى لها فيه أبداً؛ لأنّ الجزء المشكوك فيه لم يحصل اليقين به بخصوصه، و يقين جملة الوضوء لا يسري في جميع أجزائه ليبنى عليه في مقام الشكّ، فالشكّ بالنسبة إليه شكّ بدويّ غير مسبوق بيقين سابق.

نعم، لو كان مجرّد اعتقاد شيء في زمانٍ ما دليلاً شرعيّاً يرجع إليه عند الشكّ فيه المزيل لذلك الاعتقاد، تمّ هذا الكلام، و لكنّه ممنوع، و المسلّم في عدم نقض اليقين بالشك هو الشكّ في الارتفاع بعد اليقين بالحدوث.

ص: 555

و ظاهر حال المعتقد باستيفاء أفعال الوضوء بأسرها لا يثبت تحقّقها في الخارج، إمّا لأنه من الظنّ النّوعي فلا يحصل منه الظنّ الشخصي، فلا يعتبر، أو لأنّ اعتبار هذا الظاهر موقوف على إحراز الشك بعد الفراغ، و مع الشك في الجزء الأخير لا يتحقّق ذلك، و إثباته بنفس الاعتقاد به في زمان ليس عليه برهان قويّ، كما أنّ الاشتغال بالفعل الذي لا ينافي الوضوء الحاصل حالة الشكّ فيه لا يجدي؛ لعدم إحراز الفراغ به.

فما في كلام غير واحد (1) من: أنّ قاعدة عدم نقض اليقين بالشكّ تشمل فردين: أحدهما البناء على ما تيقّن حدوثه و شك في ارتفاعه بعده، و ثانيهما البناء على اليقين السابق عند طروّ الشك في نفس ذلك المتيقّن. فمنشأ الشك التردّد بين صحّة ذلك الاعتقاد و عدمه من غرائب الأوهام؛ للفرق الواضح بينهما.

[الشّك في الطّهارة]

(و الشاك في الطهارة) (مع تيقّن الحَدَث) (محدثٌ) لا يجوز له فعل المشروط بها بعد الشك و قبله إذا كان في أثناء العمل؛ (لأصالة عدم الطهارة)، و أمّا بعده فلا، لحكومة قاعدة نفي الشك بعد الفراغ على الاستصحاب، (و الشاك في الحَدَث) (مع تيقّن الطهارة) مطلقاً و لو في أثنائها (متطهِّر) مطلقاً (أخذاً بالمتيقّن) و إن ظنّ ارتفاعها.

و يظهر من البيان (2) إلحاق الشكّ في الحَدَث قبل الفراغ بالشك في أفعال الوضوء تبعاً الظاهر المقنعة (3) و المبسوط (4)، و ردّه تقدّم، و من البهائي (5) عدم الطهارة إذا ظنّ ارتفاعها، فيعتبر حصول الظنّ الشخصي بالطّهارة.

و لا وجه له حتّى لو بني الحكم بالطّهارة للاستصحاب لا للأخبار خاصّة، فإنّ من

ص: 556


1- ينظر فرائد الأصول: 3/ 305.
2- الشهيد الأول، البيان: 52.
3- المفيد، المقنعة: 49.
4- الطوسي، المبسوط: 1/ 24.
5- البهائي، الحبل المتين: 37.

قال بحجيّة الاستصحاب من باب الظنّ لا يعتبر إفادة الظّن الفعلي أبداً، بل هو ظن خاص قام به قاطع خاصّ، فالحكمان مطلقاً ثابتان بالإجماع (1) و قاضٍ بهما الاستصحاب المتّفق عليه في مثل المقام.

إنّما الكلام (و) الإشكال في أنّ (الشاك فيهما) (أي في المتأخَّر منهما مع تيقّن وقوعهما) منه سابقاً و الجهل بالتاريخ لاحقاً أ هو (مُحْدِث) حكمه حكم المُحْدِث في عدم استباحة المشروط بالطّهارة قبل أن يتطهّر و في وجوبها عليه لو وجب، أم هو متطهّر ينظم في سلك متيقّن الطَّهارة؟ وجهان، و المعتمد الأوّل، و لا مرجّح في البين فلا يتعيّن بالطهارة، و هو يكفي بوجوب التطهير؛ إذ «لا صلاة إلَّا بطهور» (2)، لكن ذلك لا مطلقاً، بل (إن لم يستفد من الاتّحاد) في الحَدَث و الوضوء بأن يكونا واحدين أو مثنیّين فما فوق ذلك، (و) كذا (التعاقب) بأن يتلو الحَدَث الطهارة أو العكس مع علم الشاك بحاله قبل شكّه (حكماً آخر)؛ إذ لو استفدنا حكماً آخر أهدى الاتّحاد و التعاقب لزمنا الأخذ به.

مثاله: لو تيقّن المكلّف أنّه لا يأتي إلَّا بطهارة رافعة، و شكّ في سبق الحَدَث و لحوقه لها، فإنّه إن كان متطهِّراً قبل شكّه وجب توسط الحَدَث بين الطهارتين، فيكون متطهّراً؛ لنفي احتمال وقوع الطهارة بعدها، لقطعه بالتّعاقب النوعي فيهما بالتزامه الرافعيّة بها، و إن كان محدثاً في سابق حالته فهو محدث بعد الشكّ؛ للزوم توسّط الطهارة بينهما، وهو معنى التّعاقب.

و هكذا في المتّحد في العدد منهما مطلقاً (هذا) هو الذي يقتضيه النظر و إن شمله إطلاق المصنّف ظاهراً، فإنّه بعد التروّي ملحق باليقين، ثمّ الحكم بالحَدَثيّة مع عدم القيد (هو الأقوى)؛ للتكافؤ، بل (و) هو (المشهور ) (3).

(و) يظهر من إطلاقاتهم (4) أن (لا فرق) في الحكم بالحدثيّة (بين أن يعلم) الشاك في

ص: 557


1- ينظر: ابن أبي المجد، إشارة السبق: 71؛ العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 85.
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 58 ح129.
3- ينظر: العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 85؛ الشهيد الأول، البيان: 44.
4- ينظر البحراني، الحدائق الناضرة: 2/ 114.

المتأخّر من الحَدَث أو الطّهارة (حاله قبلهما )، أو يظنّ (بالطهارة أو بالحدث أو يشكّ) في حاله مع عدم التعاقب الموجب للحكم الآخر.

أُورد عليه بأن اليقين الباعث عليه التكافؤ إن كان مطلق اليقين بها الذي لا ينافيه الشك في الحَدَث فهو موجود في الصّورة المفروضة و إن كان غيره، بمعنى استمراره كحدوثه إلى حين التلبّس بالمشروط بها، انتقضت الصّحة في الفرض الأوّل؛ إذ الطّهارة غير مستمرّ تيقّنها فيه إلى الفراغ من العمل، و إلَّا لما حصل الشك في حدوث الحدث بعدها و عدمه.

و أُورد أيضاً بأنّ الأصل براءة الذّمة براءة الدّمة من التكليف بالوضوء.

و ثالثاً بأنّ عدم تيقّن الحَدَث يكفي في صحّة الصلاة لا اليقين بعدمه؛ و لذا تصحّ مع الشكّ فيه و تيقّن الطّهارة.

و أُجيب (1) بأنّ المراد وجوب يقين التّطهر من الحدث، و هو غير حاصل، و بأنّ الفرض ليس من مجاري البراءة؛ لأنه شكّ في وجود الشرط لا في شرطيّته، و بأنّ الحَدَث مانع و الطهارة عدمه، و عدم المانع شرط، على أنّ هذا المانع يجب إحراز عدمه و لو بالأصل، فلا يكفي عدم اليقين بوجوده، بل الواجب اليقين بعدمه.

و الأصل في دليل الحكم المزبور ما ورد في فقه الرضا علیه السلام: «و إن كنت على يقين من الوضوء و الحَدَث و لا تدري أيّهما أسبق فتوضّأ» (2). المنجبر بظهور الاتّفاق المفهوم من نسبة المصنّف في الذكرى (3)، و استند بعضهم (4) إلى عموم (فَاغْسِلُوا) في الآية، فإنّه تعالى أوجب الوضوء عند كلّ صلاة، فيشمل الفرض إطلاقها، و لا دليل على خروجه.

و يدفع: بأنّ هذا العام مخصّص بالمتطهّر قطعاً، و مع الشك في دخول هذا الفرد في عنوان المخصّص أو العام لا يمكن شمول العام له، فيدفع اندراجه في المخصّص من جهة

ص: 558


1- ينظر النجفي، جواهر الكلام: 2/ 375.
2- الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام: 67.
3- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 104.
4- الصيمري، غاية المرام: 1/ 61.

نفس العموم؛ إذ شمول عموم العام له ليس بأولى من دخوله في عموم المخصّص، فلا يكفي عدم العلم بخروج هذا الفرض من الآية، و لا دليل يورث العلم بكونه من مصاديق عنوان العام.

و بهذا يرد جميع ما انتهض للمشهور به من قوله علیه السلام: «إذا دخل الوقت وجب الصلاة و الطهور» (1)، و قوله علیه السلام: «إذا استيقنت أنّك أحدثت فتوضّأ» (2). و كذا عمومات وجوب الوضوء بعد حصول أسبابه، فإنّ الأصل يقتضي أن يكون لكلّ سبب وضوء، و لم يخرج عنه إلّا تعاقب السّبيين الذي اكتفى الشارع في رفعهما بوضوء واحد.

و ما نحن فيه ليس كذلك فيلحقه حكم العام، فإنّ ما حرّرناه يجري في جميعها، مضافاً إلى معارضتها بقوله علیه السلام: «إذا توضأت فإيّاك أن تحدث وضوءاً حتى تستيقن أنك قد أحدثت» (3)؛ فإنّ ظاهره إرادة الحَدَث بعد الوضوء و هذا المتوضّي لم يعلم حدثه بعده و عدمه فلا يتوضّأ، فالعمدة هو الشهرة و قاعدة الاحتياط الموجبة لإحراز الطّهور إلَّا ما خرج.

(و ربّما قيل) نظراً إلى ما حرّرناه من عدم قاطع ضروري في الحكم (بأنّه) حال شكّه في التأخّر و التقدّم (يأخذ) الشاك (مع علمه بحاله) قبلهما (ضدّ ما علمه)، و مع الجهل بحاله قبلهما فكالمشهور و ذلك؛ (لأنه إن كان متطهّراً) قبل وقوعهما (فقد علم نقض تلك الحالة) غاية الأمر أنه تردّد (و شكّ في ارتفاع النّاقض)، و الأصل عدم الارتفاع؛ (لجواز تعاقب الطّهارتين)، (و إن كان محدثاً فقد علم انتقاله عنه بالطّهارة) الرافعة له (و شكّ في ارتفاعها (4) بالحدث) الثاني؛ ( لجواز تعاقب الأحداث) فيعود الأمر إلى تيقّن الحَدَث و الشكّ في الطّهارة في الأوّل، و إلى العكس في الثاني، و الحكم فيهما تقدّم.

ص: 559


1- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 33 ح67.
2- الكليني، الكافي: 3/ 33 ح1.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 102 ح268.
4- في المصدر: (انتقاضها).

و في المعتبر (1) و جامع المقاصد (2) المَيل إليه، و بشرح الجعفرية (3) نسبته لمشهور المتأخّرين، و في فوائد القواعد (4) للشارح أنّه جيّد إن ثبت كون الأحداث من قبيل المعرّفات و لا تأثير للّاحق منها لمثله.

(و يشكل) هذا القول (بأنّ المتيقّن حينئذٍ ارتفاع الحَدَث السّابق) لو علم به قبل الشك، و (أمّا اللّاحق المتيقّن وقوعه) بعد ذلك الحَدَث ( فلا) رافع له، و هو سبب تامّ في عدم الطهارة كسابقه (و) احتمال (جواز تعاقبه لمثله) فترفعهما الطهارة المتيقنة، يدفع بأنه (متكافئ)؛ (لتأخّره عن الطّهارة) فلا يرتفع، (و لا مرجّح) لأحدهما على الآخر.

و كذا الكلام فيما لو علم سبق الطّهارة و تركه؛ لأنه يعلم بالمقايسة، أو لعدم الفائدة؛ لوجوب التطهير على القولين حيث انتفى المرجّح، و حينئذٍ فظنّ رجوعه إلى الشك في الحَدَث بعد الطّهارة أو العكس المعلوم عدم الاعتناء به كما يظهر من الذكرى (5) أنّ هذا التفصيل ليس خلافاً في المسألة كما ترى؛ ضرورة أنّ الشكّ هنا في تأثيره بعد حدوثه المعلوم، و هناك في الحدوث فقط كما نبّه عليه.

و لو أراد أيضاً بعدم الفارق أنّ دليل السابق، و هو استصحاب المتيقّن و نفي المشكوك، جارٍ هنا فيتّحدان دليلاً و حكماً، بتقرير وجوب إبقاء الواقع للحالة السابقة من الحَدَث و ضده في المفروض؛ للاستصحاب الذي لا يعارضه استصحاب حكم الآخر المعلوم وجوده أيضاً؛ لأنّ معلوميّة وجوده لا تكفي في استصحابه، بل لا بدّ من العلم بتأثيره كالرافع المعلوم وجوده و تأثيره، و هو مع احتمال وقوعه قبل ذلك الرافع و عقيب مثله يشكّ في تأثيره ألبتّة، فلا يساوي المؤثِّر.

ص: 560


1- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 170.
2- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 87.
3- حكاه عنه في كشف الالتباس :1/ 181.
4- الشهيد الثاني، فوائد القواعد: 69، 75.
5- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 205.

و فيه: إنّ المستصحب ليس ذلك الأثر الذي هو غير متيقّن، بل الأثر الموجود حال حدوثه، و هو متيقّن؛ إذ كما أنّ الصلاة الطّهارة الرافعة للحدث السابق متيقّنة الوجود و إن لم يعلم تأثيره لأنّ القطع بتأثيره و عدمه لا يورث خَلَلاً في استصحاب مانعيّته، و هو يكفي في المعارضة نظير المتنجّس المغسول بطاهر و نجس و إن افترقا في الرجوع إلى قاعدة الطهارة في الأخير و عدمه في الأوّل، و تسلم قاعدة الشغل عن المعارض فلا بدّ من التطهير، فتأمّل.

فحاصل مرامه: أنّ الحَدَث يقينيّ التأثير فيما لو كان متطهِّراً قبله، فلا بدّ له من رافع، و كذا العكس، و إذ لم يعلم رافعهما يقيناً يبنى عليهما، و مع الجهل بالحالة السابقة لا مؤثِّر بخصوصه يقيناً، فيرجع (إلى تكافؤ الاحتمالين)، و النتيجة الحَدَث، لكن التكافؤ مقيّد بعدم استفادة الحكم الآخر.

[نعم] (1) و حينئذٍ (لو كان المتحقّق) المتيقّن للشاك أنّه أوجد (طهارة رافعة) شكّ في تأخّرها عن الحَدَث اليقيّن، (و قلنا بأنّ المجدّد) من الوضوء (لا يرفع) الحَدَث بناءً على اعتبار نيّة الوجه (أو قطع بعدمه)، و أنّه ليس للتجديد مع القول برافعيّته؛ إذ لو كان المجدّد رافعاً و لم يقطع بعدمه اجتمع تيقّن الرافعيّة مع التجديد، فلا تتمّ الاستفادة، و لا يكفي نفس تيقّن الرافعيّة فيه، فإذا حصل ذلك (توجّه الحكم بالطهارة في) الفرض (الأوّل)، و هو كونه متطهّراً قبلهما.

و في الجماليّة (2) أنّ مراده بالطّهارة الرافعة لتلتئم كلماته من إضافة الوضوء التجديدي و القطع بعدمه؛ إذ لا فرق بين الرّفع الفعليّ للوضوء و القطع بعدم التجديد إلَّا بالعبارة، و هو بعيد.

و (كما) يحكم بالتطهير في هذا الفرض كذا يظهر (أنّه لو علم عدم تعاقب الحَدَثَين بحسب عادته) بحيث إنّه مهما أحدث تطهّر، (أو في) خصوص (هذه الصّورة)، (تحقّق الحكم بالحدث في) الفرض (الثاني)، و هو تيقّن الحَدَث قبلهما (إلَّا أنّه)، أي الحكم بهما،

ص: 561


1- أثبتناه من المصدر.
2- مخطوط سبقت الإشارة إليه.

(خارج عن موضع النزاع)، و ملحق بما ذكر أوّلاً، (بل ليس من حقيقة الشكّ في شيء إلَّا بحسب ابتدائه)، فلو تروّى انقلب شكّه إلى اليقين، (و بهذا ) الذي ذكره من الرّد على الأخذ بالصّحة، و بخروج هذه الصّور المفسّرة لقوله: إن لم نستفد... إلخ، (يظهر ضعف القول) الذي جزم به الفاضل (1)، و هو أنّ الطهارة و الحَدَث قد تعارضا و تساقطا، فيرجع إلى سابق حاله المعلوم عنده أخذاً (باستصحاب الحالة السابقة).

(بل) يتّضح بعد التروّي (بطلانه) إن بقي على ظاهره؛ لارتفاع موضوعه قطعاً، و إن أراد بالطهارة خصوص الرافعة، و بالحدث خصوص الناقض، و بالاستصحاب التزام نوع الحالة السابقة، فيخرج فرضه عن المتنازع فيه، و يكون إطلاق الشّك هنا باعتبار أصله قبل التروّي، و بعده ينتهي إلى اليقين، فالفاضل لم يخالف المشهور و يفهم من عدوله عن الوضوء إلى الطّهارة جريان الحكم المذكور في الشاك في المتأخِّر من الغسل و الجنابة، بل الظاهر أنّه لا خلاف فيه كما نبّه عليه غيره.

و هنا (مسائل) تتعلّق بالبول و الغائط من أحداث الوضوء:

[واجبات التخلي]

[الأوّل] منها: (يجب على المتخلِّي) و غيره (ستر العورة) (قُبلاً و دُبراً) إن خصصنا بهما، و إلَّا فمطلقاً، (عن) كلّ (ناظر محترم) عدا الزوجة و المملوكة لا مطلقاً بالأدلّة الثلاثة، و ما يظهر من الكراهة في بعض النّصوص كما في الفقيه عن الصادق علیه السلام قال: «أنا أكره النّظر إلى عورة المسلم، فأمّا النّظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار» (2)؛ فمحمولة على الحرمة.

نعم، الاختصاصُ بالمسلم، و بالقضيب و الدُّبر، و البيضتين منه، لا بُعد فيه للنصُ

ص: 562


1- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 211، منتهى المطلب: 2/ 141.
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 114 ح236.

العامل بظاهره الصّدوق (1) و غيره (2)، فيقيّد به عموم النّبوي، ففيه: «يا عليّ، إيّاك و دخول الحمّام بغير مئزر، ملعون ملعون الناظر و المنظور إليه» (3).

مع أنّ شموله للمدّعى مشكل؛ و لقوله علیه السلام في رواية محمّد بن حكم: «إنّ الفخذ ليس من العورة» (4)؛ و لحكاية الصدوق عن الصادق علیه السلام: «أنّه يلفّ إزاره على طرف إحليله و يدعو قيّم الحمّام فيطلي سائر بدنه» (5).

لكن الحلبي (6) و القاضي (7) خالفا، فحكم الثاني أنّها من السُّرّة إلى الركبة، و الأوّل أنه لا يتمّ إلَّا بستر نصف الساق؛ للعمومات الناهية عن دخول الحمام إلَّا بمئزر؛ و لخصوص رواية قرب الإسناد، و فيها: «و العورة ما بين السّرة و الركبة» (8)، و خبر الخصال: «أنّه ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذه و يجلس بين القوم» (9). و هما محمولان على الاستحباب.

ثمّ المدار في الحرمة و وجوب السّتر المفروضين هو اللّون و الحجم معاً، و خصّهما بالأوّل قوم (10)؛ لرواية النّورة (11) و إطلاق وجوب السّتر، و عدم التجرّد يردّه، فلا يكفي صبغ العورة و النظر إليها، و إلَّا لكفى في المرأة، و لا قائل به، و يفهم من إطلاقه وجوب السّتر عنه.

(و) [الثّاني] منها: (ترك استقبال القبلة) عيناً أو جهةً (بمقاديم بدنه) لا بفرجه فقط،

ص: 563


1- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 117 ح250.
2- الكليني، الكافي: 6/ 497 ح7.
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 33 ح1399.
4- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 119 ح253.
5- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 117 ح250.
6- الحلبي، الكافي في الفقه: 139.
7- ابن البراج، المهذب: 1/ 83.
8- الحميري، قرب الإسناد: 103 ح345.
9- الصدوق، الخصال: 630.
10- منهم: الصيمري في غاية المرام: 1/ 135؛ و المحقق الكركي في رسائله: 1/ 101.
11- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 377 ح1164.

(و) ترك (دبرها) (كذلك) حال التخلّي، و الحكم بهما مشهور (1) معروف، و هو العمدة في الحرمة لا ظاهر بعض النّصوص، فإنّها غير نقيّة السند و لا صريحة الدّلالة، و النّهي فيها كالنّهي عن استقبال الرِّيح و استدبارها.

فلذا تبعناهم في الحرمة و كون التّرك بمقاديم البدن دون البول، فجعلوا ترك الاستقبال مثل وجوبه في الصلاة، و أعرضوا عن ظاهر مرفوعة عليّ بن إبراهيم عن الكاظم علیه السلام قال: «و لا تستقبل القبلة بغائط و لا بول» (2)، القاضية بجواز الاستقبال عند التخلّي مع انحراف الذكر و البول لغيرها.

و هو ظاهر الألفيّة (3)؛ لصدق الانحراف بإمالة طرف القضيب و اختصاص منع الاستقبال بالعورة التي يتخلّى بها دون البيضتين، لكنّهم جزموا بأنّ الباء بمعنى (في) (4)؛ في الخبر، أي في حال البول، أو القيد فيه و في غيره وارد مورد الغالب من جهة الملازمة و ندرة الانحراف بخصوص الفرج، مضافاً إلى عدم معقوليّة هذا المعنى في المستدبر، و الحكم فيهما سواء و إن كانت التسوية تورث جواز انحراف طرف الذَكَر إلى القبلة لو لم يستقبل بمقاديم بدنه.

فالأحوط ترك الاستقبال بهما (في البناء و غيره)؛ لإطلاق النّص (5) و ضعف برهان المفصّل، و هو الصحيح المروي في المحاسن عن ابن بزيع قال: دخلت على أبي الحسن علیه السلام و في منزله كنيف مستقبل القبلة و سمعته يقول: «من بال حذاء القبلة ثمّ ذكر فانحرف عنها لم يقم من مقعده ذلك حتى يغفر له» (6)؛ لتوقّف الاستدلال به على كون البناء بإذن

ص: 564


1- ينظر: الطوسي، المبسوط: 1/ 16، الخلاف: 1/ 151؛ ابن البراج، المهذب: 1/ 4؛ الكيدري، إصباح الشيعة: 27.
2- الكليني، الكافي: 3/ 16 ح5.
3- الشهيد الأول، الألفية و النفلية: 49.
4- حكاه في كشف اللثام: 1/ 216.
5- الكليني، الكافي: 3/ 16 ح5.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 352 ح1043.

الإمام علیه السلام، و أنّ المراد بالكنيف المقعدة دون بيت الخلاء، و لو سلّمنا فما كان ليقضى بالجواز؛ لتطرّق احتمال الضّرورة و غيرها في بنائه.

نعم، هو مُشْعِر بكون الترك مندوباً، لكن الإشعار لا يخصّص ظواهر الأخبار، و له و لشبهه أفتى المفيد (1) بالكراهة فيهما مطلقاً، و سلّار (2) بالحرمة بالصّحاري و الكراهة في الدّور، و ابن الجنيد (3) بكراهة الاستقبال و لم يذكر الاستدبار، و الفاضل في النّهاية (4) خصّ النّهي عن الاستدبار بالمدينة و ما سامتها؛ لأنّ المستدبر فيها مقابل لبيت المقدس.

و الوجه الحرمة مطلقاً إلَّا للضرورة فيجوز مطلقاً، و عليه يجب الفحص لو اشتبهت القبلة و أمكَنهُ الفحص؛ لوجوب الاجتناب، و لا يحصل إلَّا بالفحص، و يتبع الظّن لو تعذّر العلم أو الخاص منه؛ لعدم سقوط التكليف، و إطلاقه يأبى عن تخصيصها بحالة العلم.

و لو التجأ المتخلّي إلى المحرّمين عليه قدّم الاستدبار، و قدّم ستر العورة عن الناظر المحترم لو دار الأمر بينه و بين الاستقبال؛ لأهمّيّته، و يجوز له أن يستبرئ و يستنجي مستقبلاً أو مُدبراً؛ لقصر التحريم على المتيقّن في النّص و الفتوى.

(و) [الثالث] منها: وجوب (غسل البول) و إن خرج من غير سبيله (بالماء) و إن كان مضافاً عند تعذّر المطلق (مرّتين كما مرّ)؛ لعدم كفاية غيره مطلقاً، و تجب إزالة العين لو تعذّر الماء بما أمكن؛ لقاعدة الميسور، و لاجتزاء الشارع في غيره من النجاسات بالنقاء و إزالة العين، و لأنّ الواجب إزالة العين و الأثر، و تعدّر الثاني لا يسقط الأوّل، و لقوله علیه السلام: «كلّ يابس ذكي» (5)، في جواب مسح الذكر بالحائط، و لرواية سماعة قال: «قلت لأبي الحسن موسى علیه السلام: إنّي أبول ثمّ أتمسّح بالأحجار، فيجيء منّي البَلَل بعد استبرائي أو ما يفسد سراويلي، قال:

ص: 565


1- المفيد، المقنعة: 41.
2- سلّار، المراسم العلوية: 32.
3- حكاه عنه في مختلف الشيعة: 1/ 266.
4- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 79.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 49 ح141.

لیس به بأس» (1).

و به أفتى الفاضلان (2) و غيرهما (3)، و لكن جماعة من المتأخِّرين (4) نفوا الوجوب؛ لأنّ التطهير أمرُ وجداني لا جزء له، فلا تجري فيه قاعدة سقوط المعسور بالميسور.

و ردّه: بأنّ الشارع اكتفى بالبقاء في حسنة ابن المغيرة (5)، و جعله حدّاً للاستنجاء، و هو أعمّ من الغائط و البول، و لا ريب في حصوله بإزالة العين، فوجوب إزالة الأثر بالماء أمر آخر قضى به الدليل، فلو تعذّر سقط وجوبه فقط، فلا معنى للتمحّل في منع الأدلّة الظاهرة في الاجتزاء بإزالة العين لو فقد الماء، و أقلّ ما يجزي منه مِثلا ما على الحشفة من البَلَل كما نطق به الخبر.

و في الذكرى: و أمّا البول فلا بدّ من غسله، و يجزي مِثلاه مع الفصل؛ للخبر (6)، انتهى.

فكأنّهم استظهروا التعدّد منه؛ لأنه حكم مطلق البول، و يكون المراد بالبلل القطرة المتخلّفة غالباً على الحَشفة لا مجرّد البَلَل؛ للقطع بعدم تحقّق الغسل المعتبر به إجماعاً (7)، لا بمثليه و لا بأربعة أمثاله.

و قيل (8): إنّ الرواية تفيد وجوب الغسلة الواحدة و إنّ المثلين فيها بيان لأجل ما يتحقّق به استيلاء الماء على النجس، فإنّ الغسل و الجريان و إن لم يحصل بمثلي البَلَل، إلَّا أنّ اعتبار تضاعف البَلَل لا يبعد أن يجعل كناية عن الغلبة و الاستيلاء، و إليه يميل قول المحقّق في

ص: 566


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 51 ح150.
2- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 126؛ العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 86.
3- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 170.
4- حكاه في مفتاح الكرامة: 1/ 41.
5- الكليني، الكافي : 3/ 17 ح9.
6- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 169.
7- ينظر: ابن إدريس، السرائر: 1/ 97؛ ابن حمزة، الوسيلة: 47.
8- ينظر الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 443.

المعتبر (1) بأنّ اليقين بغلبة المطهّر لا يحصل إلَّا بالغسل بالمثل.

و قيل (2) بتعبّدية التحديد بالمثلين و عدم كفاية مطلق الغسل و لو حصل بأقلّ منهما.

و قيل (3): إنّ المثلين فيهما لتحقّق الغسل مع الواجب غسلتان، فهي متعرِّضة لبيان أقلّ ما يعتبر في كلّ غسلة، و يفهم التعدّد من غيرها.

و أظهر الاحتمالات إرادة المرّتين كما فهمه أساطين (4) الفنّ، و لا يعارضه الإ ظاهر مرسلة نشيط بن صالح: «إنّه يجزي من البول أن يغسله بمثله» (5). بناءً على إخراج الاستنجاء منه بدليله القاضي بالمرّتين عند إصابة البول الجسد مثل صحيحة البزنطي (6)، فتكون نصّاً فيه، لكن المرسلة بعد ضعفها، و أنّ المثل فيها مشتبه، مخالفة للمشهور فلا تصلح للمعارضة، و لو صلحت فالرجوع إلى استصحاب النجاسة الذي لا ينقطع يقيناً إلَّا بالمثلين.

(و) [الرّابع] (كذا يجب غسل) (الغائط) (بالماء)، و لا يجزي غيره (مع التعدّي) (للمخرَج) و إن لم يتعد (بأن تجاوز حواشيه) مطلقاً (و إن لم يبلغ الإلية) فبغسله به حتّى ينقى إجماعاً (7)، و في تعيين الغسل لو بلغ الإلية و مشهوراً فيما إذا لم يبلغ بأن بلغ الحواشي أو الشرج - بتحريك الراء - و هو الحلقة، و عليه الشارح، و نسبه إلى الأصحاب في الحدائق (8) لقول عليّ علیه السلام: «و اليوم تثلطون ثلطاً فاتبعوا الماء الأحجار» (9). و قوله علیه السلام: «يكفي أحدكم

ص: 567


1- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 126.
2- ينظر النجفي، جواهر الكلام: 2/ 18.
3- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 31، الهداية (الجوامع الفقهية): 48.
4- ينظر الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 1/ 443.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 35 ح94.
6- الكليني، الكافي: 3/ 20 ح7.
7- ينظر: الهداية: 77؛ المؤتلف من المختلف: 1/ 38.
8- البحراني، الحدائق الناضرة: 2/ 7.
9- ابن أبي جمهور، عوالي اللآلئ: 2/ 181.

ثلاثة أحجار إن لم يتجاوز محلّ العادة» (1)؛ فإنّ المحقّق من محلّها الحلقة فلا تشمل ما تعدى الحواشي منه، و هما و إن رواهما الجمهور (2) إلَّا أنّ اندراجهما في زبر أصحابنا كافٍ في الأخذ بهما، فيخصّص بهما أخبار الاستجمار المطلقة في الاجتزاء بالاحجار إلَّا في المتفاحش، أو يقال بانصراف تلك إلى غير التعدّي مطلقاً إمّا لمنع انجبار الأخبار العامّيّة فتطرح، أو لظهور الندب من أحدهما و عموم الثانية لما تعدّى المخرج في الجملة؛ لأنه لم يتجاوز محلّ العادة.

و عليه، فلا يعدّ غسل المتعدّي من ماء الاستنجاء، و لا يجري به حكمه، و الأخذ بالانصراف في أحدهما دون الآخر تشهّي، فالأَحْرى الحكم بكفاية الأحجار إلَّا مع التّفاحش إذا كان المتعدّي من النجاسة بنفس الخروج، فلو اتّفق بعده وجب غسله، و عند الشك في التعدّي الذي يجب له الغسل، و عدمه الذي يكفي فيه الأحجار ، يعارض أصالة عدم التعدّي استصحاب النجاسة الثابتة فيزيله أو يتساقطان، فيجب الغسل لتيقّن النقاء به، و به حكم الوالد طاب ثراه في الرسالة؛ لأنّ الحكومة فيه غير واضحة؛ لاختلال بعض الشرائط.

و أفتى أيضاً بعدم جواز التبعيض، فلا يزيل غير المتعدّي بالأحجار و المتعدّي بالماء، بل لو تعدّى ينحصر النقاء بالماء و إلَّا يتعدّى حواشي المخرج، و لو تعدّاه إليها فقد حكم كما هنا إنّه إذا كان كذلك (فثلاثة أحجار) يجزي، و لا يجزي ما دونها، أو الماء مخيّراً، و هو أفضل حتّى لو نقى بواحدٍ استعمل الثلاثة سُنّة، و هو ظاهر الأكثر.

و نقل الحلّي (3) عن عن المفيد رحمه الله الإجزاء إذا حصل الإنقاء بواحد، و أطلق المرتضى (4) و الشيخ (5) في بعض كتبهما الأحجار و لم يذكرا العدد، و يظهر ذلك من ابني حمزة (6) و زهرة (7)

ص: 568


1- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 128. و لم نقف عليه في مصادرنا قبل المعتبر.
2- الإمام مالك، الموطأ: 1/ 28 ح27؛ مسند أحمد: 5/ 215 ح21879.
3- ابن إدريس، السرائر: 1/ 96.
4- السيد المرتضى، الناصريات: 108.
5- الطوسي، المبسوط: 1/ 16.
6- ابن حمزة، الوسيلة: 47.
7- ابن إدريس، السرائر: 1/ 97.

و من الفاضل في المختلف (1)، و بعض من تأخّر كصاحبي المدارك (2) و الذخيرة (3)؛ تمسّكاً بإطلاقات الاستنجاء، و حصوله بالماء و الحجر، و بحصول النقاء. و لا حدّ للاستنجاء غيره، ففي حسنة ابن المغيرة: «قلت: هل للاستنجاء حَدّ؟ قال (4): لا ينقى ما ثمة. قلت: ينقى ما ثمة و يبقى الرّيح؟ قال: الرّيح لا ينظر إليه» (5)، و في موثّقة يونس بن يعقوب قال: «يغسل ذكره، و يذهب الغائط، و يتوضّأ مرّتين مرّتين» (6)، الخبر، و بجواز التوزيع بالأحجار لو نقى (بأحدها) (7) بعض المحلّ و عدم وجوب الرّجوع عليه، فعلم كفايته، و بأنّ الزائد لا يفيد تطهيراً؛ لحصول الطّهارة بالإزالة لعين النجاسة الحاصلة بالحجر الأوّل، فلا معنى لإيجاب الزائد.

و ردّ: بأن ذكر الاستنجاء تطفّلاً، و عدم سَوْق الكلام لبيان تفاصيله لا عِبرة بإطلاقه، بل ينزّل على المعنى المعهود المعلوم تفاصيله من مقام آخر، و بأنّ التحديد للاستنجاء بالماء لأنه أكثر استعمالاً في الزمن المتأخِّر، و عموم الموصول لنقاء العين و الأثر يقضي به؛ إذ لا يذهبان معاً بالأحجار، و كذا بقاء الرّيح لحصوله في اليد بعد الغسل.

و أمّا بعد المسح فلا وجود له، و لو وجد لوجود أجزاء لطاف كانت أولى بالسؤال، و مع الإغضاء و شمول الاستنجاء للاستجمار و إن كان نادراً، فهي معارضة بما قضى بوجوب التثليث.

و الجمع إمّا بحمل الحسنة على ما هو الغالب من عدم حصول النقاء، فكأنّهما بأقلّ من الثلاثة، أو على نفي التحديد بها إذا لم يحصل النقاء، فكأنّها مقيّدة لما قضى بالاكتفاء بالثلاثة

ص: 569


1- مختلف الشيعة: 1/ 268.
2- السيد العاملي، مدارك الأحكام: 1/ 170.
3- المحقق السبزواري، ذخيرة المعاد: 1/ 18.
4- (قال إلى أن ينقى. بدل)، (منه قدّس سرّه).
5- الكليني، الكافي: 3/ 17 ح9.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 2/ 47 ح134.
7- (ببعضها. بدل). (منه قدّس سرّه).

الشامل لصورتي حصول البقاء و عدمه، مثل صحيحتي زرارة (1) و مرسلة ابن عيسى (2) و غيرها (3).

و إمّا بحمل تلك الأخبار علی الغالب من عدم النقاء بما دون الثلاثه، و لا مرجّح لأحد الحملین فیتکافآن، و یرجع بعد التساقط إلى الأصل القاضي بعدم الاجتزاء بما دون الثلاثة و إن حصل النقاء؛ لعدم إحراز الطّهور بالأقل، فإن تكرّر الثلاثة في الخبر و ما هو أن يكون للكناية عن حصول النقاء غالباً به فقط.

و أمّا الموثّقة ففي الغسل أظهر و إن عبّر بالذهاب في الغائط و بالغسل في غيره بها؛ إذ حقيقة الذّهاب لا تحصل يقيناً بالماء، و لا ظهور له حتّى في الإذهاب بغير الماء مطلقاً، و لو كان فلا يزاحم ظهور لفظ الوضوء في إرادة التنظيف بالماء، و لو تزاحما فلا حجّة للخصم بها.

و أمّا حديث التوزيع فلا نقول به، و لو جوّزناه فهو خارج بدليله، و أمّا حصول الشرعيّة بمجرّد ذلك فأوّل الدعوى، (و يجري) هنا بعض ما سبق في تثنية الغسلات لو حصل النقاء في الأولى فراجع.

فالأقوى ما عليه المصنّف من اشتراط التثليث، و أن تكون كلّها (طاهرة جافّة قالعة للنجاسة)، فلو كانت متنجّسة أو رطبة، أو رخوة، أو لزجة، أو ملساء، أو صقيلة، أو هشّة كالتراب، فلا عِبرَة بها، و لو أزالت النجاسة عن موضعها تعيّن الغسل بالماء و لو قلعتها تعيّن أيضاً في الأوّل، فإنّ النجس لا يطهّر.

و في الثاني على تردّد من إطلاق الأحجار فتجزي، و من احتمال ورود نجاسة أجنبيّة على المحلّ من جهة الرطوبة التي فيها فلا تجزي، و الإجزاء أوفق؛ لكونها كالغسالة المنفصلة، لكن المشهور (4) عدم الإجزاء فيهما و الاكتفاء بغير القالع لو حصل به القلع للنجاسة. خلافاً

ص: 570


1- الطوسي، الاستبصار: 1/ 55 ح160، تهذيب الأحكام: 1/ 46 ح 144.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 46 ح130.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 50 ح147.
4- ينظر: الطوسي، المبسوط: 1/ 17؛ ابن سعيد، الجامع للشرائع: 27.

لنهاية الفاضل، و فيها: و لو استنجى بما لم يقلع لم يسقط الفرض به و إن أنقى العين خاصّة، و تعيّن بعده الماء إن نقل النجاسة من موضع إلى آخر، و إن لم ينقل جاز الاقتصار على الحجر (1)، انتهى.

و فيه نظر؛ لعدم تضمّن هذا القيد في نصّ من النصوص حتّى يكون له مفهوم و يعلّق الحكم عليه، بل إنّما ذكر للتوضيح ليس إلَّا.

نعم، لا ريب في دوران الحكم مدار كونها (أبكاراً) (لم يُسْتَنج بها) قبل ذلك (بحيث تنجّست به)، فلا يجزي المتنجّس به حتّى مع الانحصار فيه، و لا يغني اشتراط طهارتها مطلقاً عنه كما سبق؛ لاحتمال أن يجوّزه المصنّف في غير المتنجّس بالغائط، لجهة عدم اشتراطه في النصّ، و كون النجس لا يطهر ممنوع على إطلاقه، فلو زال المانع بأنّ شكّ في تنجّسها به و عدمه، (أو) أُريد الاستنجاء بها (بعد طهارتها) (إن لم تكن أبكاراً و تنجست) به جاز استعمالها؛ لزوال المانع، (و) هو النّجاسة إن لم يستفد من البكارة في الخبر حكماً آخر فلا يجزي المستعمل مطلقاً حتّى (لو لم تتنجّس)، بأن استعمل بعد نقاء المحلّ اقتصاراً على النّص، و كأنّ ظاهر كلماتهم يأبى ذلك، فيجعلون ما زال تلوّثه بتطهير و غيره بمنزلة غيره.

و صرّح ثاني المحقّقين (2) بجواز استعمال الحجر الذي كسر محلّ النجاسة منه، مع أنّ الرواية لا تفيد الشرطيّة؛ لضعفها فتحمل على النّدب، و حينئذٍ لو لم تنجس بالتلوّث (كالمكملة للعدد بعد نقاء المحلّ كَفَت) في الاستنجاء (من غير اعتبار الطهر) أو البكارة، فإنّ اعتباره موقوف على التنجيس لا مطلق الاستعمال.

كما أنّ الثلاثة مثال أقلّ المجزي، فلو لم تفد استعملها (فصاعداً) حتّى تزول العين النجسة وجوباً في الزائد (عن الثلاثة) إذا عدم الماء أو اختار الأحجار (إن لم ينق المحلّ بها) بأن تنفصل عنه نقيّة ليس عليه أثر، كذا في النّهاية (3)، و إذا حصل النقاء جاز التجاوز و عدمه،

ص: 571


1- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 284.
2- المحقق الكركي، رسائل الكركي: 1/ 67.
3- النهاية و نكتها: 1/ 213.

و يستحبّ أن لا يقطعَ إلَّا على وترٍ؛ للاتباع (1).

و في الاكتفاء بطهارة المحلّ بنفس زوال العين عنه دون الأثر بالأحجار (أو شبهها) (من ثلاثة خِرق أو خرقات أو أعواد و نحو ذلك من) سائر (الأجسام القالعة للنجاسة) إذا لم نقتصر على النّص في الأحجار، أو عملنا برواية الكرسف (2) و لم نقصرها على موردها؛ قولان أوجهها الطّهارة لا العفو؛ لاحتياج إزالة الأثر إلى المبالغة، و هو حرج منفيّ، و لظهور الأخبار في مساواة الاستجمار للغسل المطهّر.

نعم، جواز استعمال مطلق المزيل للعين مقصد على (غير المحترمة) ممّا ذكر، و غير المغصوبة و المشرّفة كالتّربة المشرّفة، و ما كتب اسم الله عليه مطلقاً، و حَجَرُ الحِجر و المقام لو لم تجرِ عليها أحكام المسجديّة، و ما على الضرائح المشرّفة، و غير ذلك، و يدخل في المحترم مطلق المطعوم، و منه الرّوث و العظم؛ لأنهما من طعام الجِنّ، و هو منصوص

(3).

و هل يطهر المحلّ بالنقاء بها و لو فعل حراماً، أم يحتاج إلى الغسل أو المسح بالمباح ثانياً؟ وجهان أقواهما عدم الاحتياج و الإثم؛ لعدم كونه من التعبّديات فيفسده النّهي، بل هو من سقوط الواجب بالحرام.

و مثله: إزالة الخَبَث بماء زمزم، أو المغصوب الطّاهر دون النجس، و المضاف مطلقاً على الأقوى. (و) حيث (يعتبر العدد) في الأحجار لا في المسح (في ظاهر النّص) (4)، و صريح الإجماع (5) المنقول، و عدم الاستناد إلى إطلاق النقاء و إذهاب الغائط في الخبرين، و إنكار

ص: 572


1- ينظر: الطوسي، المبسوط: 1/ 16؛ المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 130.
2- الكليني، الكافي: 3/ 18 ح13.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 354 ح1053.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 45 ح127.
5- ينظر: المفيد، المقنعة: 62؛ السيد المرتضى، الناصريات: 107.

ظهور أخبار الثلاث في تثليث المسح، و هو ظاهر الفقيه (1) و المبسوط (2) و الجمل (3) و السرائر (4) و الشرائع (5)، (و هو الذي يقتضيه إطلاق العبارة) هنا (فلا يجزي حينئذٍ ذو الجهات الثلاث)؛ لكون المراد بالبِكر الحجر الغير المنفعل بهذا الاستنجاء، فلو مسح به ثانياً لم يكن بِكراً، خلافاً للعلّامة رحمه الله (6) من الاجتزاء به.

(و) به (قطع المصنّف في غير الكتاب (7)) و حكم فيها (بإجزائه)، (و يمكن) التطبيق بين ما هنا و باقي مصنّفاته بأن يرتكب (إدخاله على مذهبه في) قوله: أو (شبهها)، فيكون المراد بالمشابهة ما يعمّ المشابه في الجنس أو العدد، و الأحوط الأول إذا ضعف القول بالاجتزاء بما يحصل به النقاء.

(و اعلم أنّ الماء مجزٍ) في الاستنجاء (مطلقاً) مع التعدّي و عدمه بالضرورة، (بل هو أفضل من الأحجار) و شبهها ( على تقدير إجزائها) لما ورد: «أنّ الناس كانوا يستنجون بالكرسف و الأحجار ثمّ أحدث الوضوء، و هو خُلقٌ كريم» (8).

(و) مع ذلك (ليس في عبارته هنا ما يدلّ على إجزاء الماء في غير المتعدِّي)؛ لتقييده الإزالة فيه بالمتعدِّي من الغائط.

(نعم، يمكن استفادته من قوله سابقاً) في عِداد المطهّرات (الماء مطلقاً).... إلخ، (و لعلّه اجتزأ به) فيقدر بعد فاء الثلاثة يجزي، و يمكن أن يعمّ الماء شبهها فيكون الشبه من جهة قطع

ص: 573


1- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 29.
2- الطوسي، المبسوط: 1/ 16.
3- شرح جمل العلم و العمل : 60.
4- ابن إدريس، السرائر: 1/ 96.
5- المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 1/ 14.
6- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 272.
7- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 89.
8- الكليني، الكافي: 3/ 18 ح13.

النجاسة بهما، و لا ضَيْر فيه و إن كان العكس أَولى في الشبه.

[مستحبات التّخلي]

[الأوّل]

(و) منها: (يستحبّ) للمتخلّي (التباعد) ( عن الناس)، أو يدخل بيتاً أو حفيرةً (بحيث لا يُرى؛ تأسّياً بالنبي صلّى الله علیه و آله، فإنه لم يُرَ قَطّ على بول و لا غائط ) (1).

[الثّاني]

(و) يستحبّ أيضاً (الجمع بين المطهّرين) (الماء و الأحجار) على الشرائط السابقة (مقدِّماً للأحجار في المتعدّي و غيره) لا في الأوّل فقط كما قيل (2)؛ و ذلك لكونه (مبالغة في التنزيه)، إذ فيه عدم مباشرة اليد لعين النجاسة، (و لإزالته) بالجمع مع المبالغة (العين و الأثر) في غير المتعدّي (على تقدير إجزاء الحجر).

فالمبالغة تعُمّ صورة التعدّي و عدمه، و الزّوال يخصّ الثاني فنبّه عليهما، (و يظهر من إطلاق المطهّر) المثنى بالنسبة إلى الحجر و شبهه (استحباب عدد من الأحجار تطهّر (3))؛ ليصدق الإطلاق.

(و) فيه: إنّه (يمكن تأدّيه بدونه) فيحصل الاستحباب و إن لم يكمل العدد المطهّر؛ (الحصول الغرض) الباعث على النّدب، و هو عدم مزاولة اليد للنجاسة، أو إزالة العين و الأثر مطلقاً.

فمن نقّى المحلّ بحجر واحد أو اثنين ثمّ أتبعه بالماء فقد فعل المسنون، لكن خبر

ص: 574


1- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 305، ح802.
2- ينظر الخوانساري، مشارق الشموس: 82.
3- في المصدر: (مطهّر).

استحباب الجمع كما ذكر المصنّف، و هو اقتفاه، فلا وجه للردّ إلّا فيما زاد على الثلاثة إذا لم

يحصل بها النّقاء.

[الثّالث]

(و) منها: (ترك استقبال) (جرم) (النيّرين)، و المفيد (1) أوجبه (بالفرج) لا بالبدن، لقوله علیه السلام: (نهى رسول الله صلّى الله علیه و آله أن يستقبل الرجل الشمس و القمر بفرجه و هو يبول» (2).

و رواية الكاهلي: قال صلّى الله علیه و آله: «لا يبولنّ أحدكم و فرجه بادٍ للقمر» (3).

(أمّا جهتهما فلا بأس) مطلقاً سواء فقدا أو حِيْلَ بين الجرم و الفرج و لو بغيم؛ اقتصاراً على النّص في الفرج و الجبهة؛ و إجراءً لأصالة الإباحة في غيرهما حتّى الاستدبار لهما و إن كرّهه البعض (4) أو استحبّ عدمه.

[الرّابع]

(و) منها: (ترك استقبال) (الرِّيح) (و استدبارها) للمستنجي (بالبول و الغائط)، أو الأوّل وحده؛ (لإطلاق الخبر) و هو مرفوعة محمّد بن يحيى (5) أو مرسلة الصّدوق (6) المسؤول فيهما عن حدّ الغائط: «لا تستقبل الريح و لا تستدبرها»، و هما و إن اختصّا بالثاني صريحاً إلَّا أنّ التعميم في كلماتهم يفهم منه أنّ الغائط فيهما مثله في قوله تعالى: (جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ) (7).

ص: 575


1- المفيد، المقنعة: 39.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 34 ح91.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 35 ح92.
4- حكاه عن الصدوق في روضة المتقين: 1/ 108.
5- الكليني، الكافي: 3/ 15 ح3.
6- الصدوق، المقنع: 20.
7- سورة النساء: 43.

(و من ثمّ أطلق المصنّف) هنا (و إن قيّد في غيره (1) بالبول)، و في الذكرى (2) و الدّروس (3) كما هنا، و لعلّ إطلاق الخبر إشارة إلى الخبرين و إلى ما ورد في الخصال عن عليّ علیه السلام: «إذا بال أحدكم فلا يستقبل ببوله الرّيح، فإنّ الاستقبال مظنة ردّ البول إليه» (4)، و الجمع يقتضي الإطلاق.

و الأخير حجّة من خصّ الكراهة في البول كما في الخلاف (5) و الألفية (6)، مضافاً إلى استفادته من وجه كراهية البول في الأرض الصّلبة المنصوص عليه في رواية ابن مسكان (7)، مع استضعاف ما أفاد الكراهة في الغائط و الإطلاق المتّجه.

[الخامس]

(و) يستحبّ أيضاً (تغطية الرأس) لا مطلقاً، بل (إن كان مكشوفاً) اتفاقاً؛ (حذراً من وصول الرائحة الخبيثة إلى دماغه)، (و روي) في مرسلة البرقي (8) ندبيّة (التقنيع (9)) ، و هو التغشّي بثوب (معها). قال عليّ بن أسباط الواقفي: كان الصادق علیه السلام إذا دخل الكنيف يقنّع رأسه (10).

و ظاهر الشّارح وجود خبرين بهما، و لم نعثر عليهما، نعم عبّر بكلّ واحد منهما غير

ص: 576


1- الشهيد الأول، البيان: 43.
2- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 164.
3- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 89.
4- الصدوق، الخصال: 614.
5- الطوسي، الخلاف: 1/ 101.
6- الشهيد الأول، الألفية و النفلية: 91.
7- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 33 ح87.
8- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 24 ح41.
9- في المصدر: (التقنع).
10- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 24 ح62.

واحد (1)، و ظاهرهم أنّ المراد بالتقنيع هو التغطية، و لعلّ هناك خبراً آخراً (2).

[السّادس]

(و) يندب (الدّخول) (بالرِّجل اليسرى)، ذكره الشيخ (3) و جماعة (4) (إن كان ببناء و إلَّا جعلها في غير البناء آخر ما يقدّمه) عند الجلوس للتخلّي و لو على بناء متّسع من سطح و نحوه، (و الخروج) (بالرِّجل) (اليمنى)، (كما وصفناه عکس المسجد)، و الشّرطيّة مستفادة من الدّخول و الخروج.

[السّابع]

(و) مثلهما في النّدبيّة (الدّعاء في أحواله) لا مطلقاً، بل (التي ورد استحباب الدّعاء فيها)، (و هي) حالة (عند الدّخول و عند الفعل و رؤية الماء) المعدّ للاستنجاء لا مطلقاً في حاله (و الاستنجاء، و عند مسح بطنه إذا قام من موضعه، و عند الخروج بالمأثور)، و تجزي التّسمية في جميع ذلك.

[الثّامن]

(و) يندب حالة الجلوس للبول و أخيه (الاعتماد على) (الرِّجل) (اليسرى) (و فتح اليمنى)؛ للاتباع.

[التّاسع]

(و) منها: استحباب (الاستبراء) في البول خاصّة (و هو طلب براءة المحلّ) المعتاد (من البول بالاجتهاد الذي) فصّل في نصوصه التي استظهر منها البعض وجوبه فحكم به كابني

ص: 577


1- كالمحقق في المعتبر: 1/ 133.
2- علي بن بابويه، رسالة الشرائع: 57، 112.
3- الطوسي، المبسوط: 1/ 18، النهاية و نكتها: 1/ 212.
4- ابن البراج، المهذب: 1/ 78؛ ابن إدريس، السرائر: 1/ 278؛ ابن أبي المجد، إشارة السبق: 69.

زُهرة (1) و حمزة (2)، و كأنّهم يرون عدم جواز الدّخول في الصلاة قبله بعد غسل البول؛ لعدم اكمال الطّهارة، و لو أرادوا غير ذلك لم يكن لوجوبه معنىً يحصل، و إرادة هذا المعنى ينافي إطباقهم على طهارة المحلّ قبل خروج البَلَل لغير المستبرئ، فالمتعيّن فيه الندب.

كما أنّ المتيقّن من كيفيّته (هو مسح ما بين المقعدة و أصل القضيب ثلاثاً، ثمّ نتره ثلاثاً، ثمّ عصر الحشفة ثلاثاً) صحّ؛ عَملاً بأخباره، ففي صحيحة ابن البختري: (ينتره ثلاثاً، ثم إنْ سال حتّى يبلغ الساق فلا يبالي) (3).

و في رواية محمّد بن مسلم: «يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات، و ينتر طرفه، فإن خرج بعد ذلك شيء فليس من البول» (4).

و في حسنة عبد الملك: «إذا بال فخرط ما بين المقعدة و الانثيين ثلاث مرّات، و غمز ما بينهما، ثمّ استنجى، فإن سالَ حتّى يبلغ الساق فلا يبالي» (5).

و هي و إن اختلفت من حيث الاكتفاء بجذب الذَّكَر ثلاثاً في الأوّلى، و عصره ثلاثاً و جذب طرفه في الثانية، و خرط ما بين المقعد و الانثيين مع الغمز في الثالثة، لكن من فعل العصرات التّسع عمل بها توافقت أم لا؛ و لذا اختاره المصنّف (6) و الشارح (7) هنا و بغيره، و المفيد رحمه الله (8) جمع كذلك لكنّه ثنّى المسح و النتر و اكتفى بعصر متّصل إلى رأس الحشفة كبني

ص: 578


1- ابن زهرة، غنية النزوع: 36.
2- ابن حمزة، الوسيلة: 47.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 27 ح70.
4- الكليني، الكافي: 3/ 19 ح1.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 20 ح50.
6- الشهيد الأول، الألفية و النفلية: 89، البيان: 42، الدروس: 1/ 89.
7- الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 1/ 54.
8- المفيد، المقنعة: 40.

زهرة (1) و إدريس (2) و حمزة (3) في الأخير، و اقتصر ابن بابويه (4) على خرط الثالثة، و عَلَم الهُدى (5) على عصر الثانية، و الأوجه الأوّل.

[العاشر]

(و) استحباب (التنحنح ثلاثاً) (حالة الاستبراء) لا قبله و لا بعده، و غيره لم يوقّت، (نسبه المصنّف في الذكرى (6) إلى سلّار (7)؛ لعدم وقوفه على مأخذه)، و عبارته غير صريحة في العدد.

[الحادي عشر]

(و) يندب (الاستنجاء باليسار) منها بالماء و الأحجار؛ للتأسّي، و (لأنها موضوعة للأدنى، كما أنّ اليمنى للأعلى كالأكل) في الثاني، (و الوضوء) من الغائط في المقدّم، و يمكن جعلهما مثالاً للأعلى.

ص: 579


1- ابن زهرة، غنية النزوع: 36.
2- ابن إدريس، مستطرفات السرائر: 132.
3- ابن حمزة، الوسيلة: 47.
4- علي بن بابويه، رسالة الشرائع: 112.
5- حكاه عنه في المعتبر: 1/ 134.
6- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 168.
7- سلّار، المراسم العلوية: 32.

[مكروهات التخلي]

[الأوّل]

(و) حينئذٍ (يكره) الاستنجاء (باليمنى (1)) (مع الاختيار)؛ لشرافتها، و (لأنه من الجفاء) و البُعد عن الآداب، و لو اعتاد الأكل و الوضوء باليسار انقلبت الكراهة و إن تمكّن من التّرك كما في بعض الناس؛ للعلّة في شرفها، و لا يغني الاستحباب الأوّل عن الكراهة الثانية؛ لأنهما حكمان محتاجان إلى نهي و أمر ، فلا مؤاخذة عليه في ذكرها.

[الثّاني]

(و يكره البول قائماً)؛ لأنه من الجفاء، و (حَذَراً من تخيل الشيطان)؛ للنصّين (2).

[الثّالث]

(و) يكره أيضاً (مطمحاً به) بأن يكون مُرميّاً (في الهواء) من السّطح أو كلّ مرتفع؛ (للنّهي عنه) في قول الصّدوق (3) و خبر مسمع (4)، و هو ينافي استحباب تحرّي المرتفع فيه؛ للأمن من الردّ، و الجمع أنّ المكروه إيجاد سبب يورِث الطمح كرفع ذكره بيده و غيره، لا مجرّد البول على مرتفع في الهواء، أو يجمع باختصاص الكراهة حال الهواء و الندب في السكون.

[الرّابع]

(و) كذا يكره (في الماء) (جارياً و راكداً)، أو في الثاني فقط، دون التغوّط فيهما أو في الأوّل على قوله؛ (للتعليل في أخبار النّهي بأنّ للماء أهْلاً فلا تؤذوهم)، الشامل بإطلاقه لهما، لكنّه عليل؛ لعدم معلوميّة الاشتراك، و لأنه ورد في خبر مسمع ، و هو في خصوص الجاري،

ص: 580


1- في المصدر: (باليمين).
2- الكليني، الكافي: 6/ 533 ح2.
3- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 27 ح50.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 34 ح90.

فقوله صلّی الله علیه و آله: «إنّ للماء أهلاً» (1)، ظاهر في العهد؛ لرجوعه إلى صدر الخبر و هو: (نهى رسول الله صلّی الله علیه و آله أن يبول الرّجل في الماء الجاري)... إلخ، فتأمل.

[الخامس]

(و) نهى عن (الحَدَث في الشارع) (و هو الطّريق المسلوك) لا ما أُعدّ للسّلوك من دون استطراق، و الكراهة مقصورة على المسلوك النافذ؛ إذ المرفوع ملك أربابه فيحرم إلَّا بإذنهم فيه، إلَّا أن تكون بعض منازله وقفاً عامّاً فيلحق النافذ على إشكال.

[السّادس]

(و) مثله في الكراهة (المشرع ) (و هو طريق الماء للواردة)، و في المقنعة (2) عدم الجواز فيهما، و لعلّه لجهة الإيذاء المحرّم، و هو متين إن استلزمه لمرور الخلق فيه ليلاً و نهاراً، و عدم إمكان التحرّز المورث للإيذاء المحظور، فيكون حكمه التّحريم في غير ما يحصل به الإيذاء، و القصر أولى.

[السّابع]

(و) مثلها (الفناء) [بكسر الفاء] (3) مطلقاً، (و هو) في الصّحاح (4) (ما امتدّ من جوانب الدار، و هو حريمها خارج المملوك منها) المحرّم في غير داره و الجائز فيها، و فناء المسجد كذلك بالنّص.

[الثّامن]

(و الملعن) كذلك (و هو مجمع الناس، أو منزلهم) في السفر، (أو قارعة الطريق) أي أعلاه، (أو أبواب الدّور) أو جميعها؛ لأنها مظنّة للعن المتخلّي فيها.

ص: 581


1- الكليني، الكافي: 6/ 390 ح3.
2- المفيد، المقنعة: 41.
3- أثبتناه من المصدر.
4- حكاه عنه في المطلع على ألفاظ المقنع للبعلي: 333.

[التّاسع]

(و) يكره (تحت) (الشجرة) (المُثْمِرَة) مطلقاً و لو حذف التاء منهما كان أحسن؛ لعدم الفائدة، (و هي) تعمّ غير المثمر حين الاستنجاء، فالمراد بها (ما من شأنها أن تكون مثمرة و إن لم تكن كذلك بالفعل).

و يدخل في الكراهة النخلة العقيمة أيضاً، (و محلّ الكراهة ما يمكن أن تبلغه الثمار عادةً و إن لم يكن تحتها) بأن امتدّت أغصانها إليه إن فهم الإطلاق من النّص كما فهم.

[العاشر]

(و) يكره في (فيء النُّزُال)، (و هو موضع الظلّ المُعدّ لنزولهم، أو ما هو أعمّ منه كالمحلّ الذي يرجعون إليه و ينزلون به)؛ لأنه (من فاء يفيء إذا رجع) ثمّ شاع استعماله في الظلّ بعد الزّوال؛ لأنه يفيء إلى الزّيادة، فيشمل المعنيين.

[الحادي عشر]

(و) في (الحَجرَة) (بكسر الجيم) المعجمة و (فتح الحاء و الراء المهملتين جمع) (حُجْر) (بالضمّ و السّكون، و هي بيوت الحشار) و ثقوبها.

[الثّاني عشر]

(و) يكره (السواك) لا مطلقاً في الخلاء، بل (حالته) أي الحَدَث؛ لما (روي أنه يورث البخر) في التهذيب (1).

[الثّالث عشر]

(و) مثله (الكلام إلَّا بذكر الله تعالى)؛ لرواية الحلبي (2).

ص: 582


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 32 ح85.
2- الكليني، الكافي: 2/ 497 ح6.

[الرّابع عشر]

(و الأكل و الشرب)؛ (لما فيه من المهانة) للطّعام الذي هو من النِّعم، (و للخبر) الذي أرسله الصّدوق رحمه الله (1) الظاهر منه تأخير الأكل إلى الخروج (و) العمدة الشهرة، و لأجلها أيضاً.

[مباحات التّخلي]

[الأوّل]

(يجوز حكاية الأذان) (إذا سمعه) في الخلاء مطلقاً، و للنصوص التي تقضي بالجواز ( على) ما فهمه منها (المشهور) و إن لم تكن نقيّة السند، و لا يرد دخوله بذكر الله تعالى فيكون تكريراً كدخول جملة من المكروهات غيره في الملعن، فإنّ (ذكر الله تعالى لا يشمله أجمع؛ لخروج الحيعلات منه) التي لا تشتمل عليه في اللّفظ دون المعنى المراد الذي لأجله أطلق الفاضل الذكر عليه أجمع.

و الحاصل: لم يظهر استثناؤه أجمع من مكروه الكلام، (و من ثمة (2) حكاه المصنّف في الذكرى (3) بقوله: و قيل)، فنسبَ استثناء مطلقه إلى القيل المُشعِر بتمريضه.

و الشارح استثنى من استثنائه الحيعلات بكتبه (4)، و بروضه (5) احتمل تبديلها بالحوقلات، ولكن لو أخذ بخبري حكايته فظهورها بحكايته أجمع، و التعليل في رواية أبي بصير (6) محمول على التغليب.

ص: 583


1- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 27 ح49.
2- في المصدر: (ثم).
3- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 166.
4- الشهيد الثاني، الفوائد الملية: 152، حاشية شرائع الإسلام: 30.
5- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 87.
6- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 314 ح827.

[الثّاني]

(و) يجوز (قراءة آية الكرسي) (و كذا مطلق حمد الله و شكره و ذكره؛ لأنه حسن على كلّ حال)، (و) يجوز الكلام (للضّرورة (1)) كما تجوّز غيره من حرام و مكروه بشرط أن لا تندفع بغيره مطلقا، فيتعيّن.

(و يستثنى أيضاً الصلاة على النبي صلّی الله علیه و آله و آله علیهم السلام عند سماع ذِكره)، (و) يستثنى (الحمدلة عند العطاس منه، و العطاس (من غيره، و هو من الذكر) فلا حاجة إلى استثنائه بعده، و كرّروه للتوضيح، و للخبر بخصوصه، (و ربّما قيل) - كما في النهاية (2) و المنتهى (3) (باستحباب التّسميت منه أيضاً) بالمهملة و المعجمة، و الاختيار للسين للأخبار - بندبيّته مطلقاً، فتخصّص أخبار كراهة الكلام، هذا.

[وجوب ردّ السّلام على المتخلي]

(و لا يخفى وجوب ردّ السلام) فيدخل بالجواز؛ للضرورة (و إن كره السّلام عليه) من غيره، أو منه على غيره؛ للخبر في الأوّل، و لكونه من الكلام في الثاني، إلَّا أن يكون من الذَّكْر، (و في كراهة ردّه مع تأدّي الواجب بردّ غيره وجهان) من استحباب الردّ مطلقاً فكالتسميت، و من عموم كراهة الكلام.

(و اعلم أنّ المراد بالجواز في حكاية الأذان و ما في معناه) ممّا يشبه الحكاية في الندب من قراءة آية الكرسي و مطلق الذِّكر هو (معناه الأعمّ) الشامل للأحكام الثلاثة المقابل للكراهة و الحرمة، لا معناه الأخصّ، أعني المباح؛ (لأنه مستحبّ) كما ذكرنا، و المندوب (لا يستوي طرفاه) ليمكن إرادة الأخصّ منه، و قد وقع مقابلاً للكراهة هنا فلم يرد منه ما يعمّها، فالأعمّ بالنسبة إلى الثلاثة للقرينة.

ص: 584


1- عبارة الشارح في الروضة بعدها: (كالتكلّم لحاجة يخاف فوتها لو أخره إلى أن يفرغ). الروضة البهية: 1/ 344.
2- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 84.
3- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 41.

(و) حينئذٍ (المراد منه) أي الجواز (هنا الاستحباب) في ما ذكر، أو الوجوب، و الثاني ظاهر و الأوّل (لأنه عبادة، و العبادة لا تقع إلّا راجحة و إن وقعت مكروهة) بالنّسبة إلى مكان خاص أو زمان كذلك، و معنى كراهتها أنّها دون غيرها في الثواب (فكيف إذا انتفت الكراهة)، فلا بدّ من صرف النظر عن المعنى الأخصّ و إرادة الأعمّ الخارج فرده للقرينة، فتأمّل.

ص: 585

(الفصل الثاني في الغسل)

[موجبات الغسل]

بالضمّ أو الفتح، و الأوّل أظهر، و هو: فرض، و نفل، و محرّم. (و موجبه) إذا كان فرضاً (ستّة) بالإجماع (1) في غير الخامس و النّص (2) فيها، و زاد سلّار (3) غسل التارك لصلاة الكسوف تعمّداً عند احتراق الجرم كلّه سابعاً، و غيره (4) غسل الساعي لمصلوب عامداً بعد أقلّ جمع الكثرة من الأيّام ثامناً، و هما مزيّفان بما سيجيء كوجوب غسل الجمعة و الإحرام تاسعاً و عاشراً.

أوّلها: (الجَنابة) (بفتح الجيم)، (و) ثانيها: (الحيض) مطلقاً، (و) ثالثها: (الاستحاضة) لا مطلقاً، بل (مع غمس القطنة) و ثقب الكُرسُف (سواء سالَ عنها أم لا؛ لأنه) مع فَقْد السّيلان (موجب) لغسل واحد، فهو (حينئذٍ) يصدق عليه أنّه موجب (في الجملة)، (و) الرابع: (النّفاس) بضمّ أوله و فتحه.

(و) الخامس: (مسّ الميّت النجس) [في حال كونه] (5) (آدميّاً)؛ (فخرج الشهيد و المعصوم)؛ لعدم نجاستها الملازم لسقوط الغسل عن الماسّ.

لكن يظهر من خبر تغسيل رسول الله صلّی الله علیه و آله ما يقضي بعدم الملازمة؛ ففيه النّبي صلّی الله علیه و آله طاهر ولكن أمير المؤمنين علیه السلام اغتسل و جَرَت به السنة (6)، فعساه غير منوط بنجاسة الميّت، بل هو حكمٌ تعبّديّ كنفس تغسيله، بل هو ظاهر الخبر: اللهُمَّ إلَّا أن يكون ذلك من الأوصاف المنقصة لعلوّ شأنه فيحرم غسل ما مسّه؛ و يلحق به في الحكم ابنته علیها السلام و ولِدُها المعصومون؛

ص: 586


1- ينظر: العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 183.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 108 ح283.
3- سلّار، المراسم العلوية: 41.
4- الحلبي، الكافي في الفقه: 135.
5- أثبتناه من المصدر.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 107 ح281.

لعدم الفارق.

و أيضاً لا ملازمة بين سقوط الغسل و وجوبه في المسّ، و لا بينه و بين طهارة من لا يجب تغسيله؛ فالشهيد و إن لم يجب تغسيله إلَّا أنّ الحكم بطهارته و عدم وجوب الغسل لماسّه محتاج إلى البرهان، فكما أنّ بعض الطاهر يغسل كالنبيّ و المعصوم، فكذا بعض النجس لا يغسل كالشهيد، و سيجيء له مزيد بيان.

(و) خرج عن الحكم (من تمّ غسله الصحيح و إن كان مقدّماً (1) على الموت كمَن) اغتسل و تحنطّ و (قدّمه ليقتل) بعده في قود أو رَجم اتّفاقاً (2) فيهما، و مختار جملة في سواهما، (فقتل بالسّبب الذي اغتسل له) لم يغسل بعد، فإن مات حتف أنفه أو قتل بسبب آخر لم يكفه ذلك الغسل.

و في سقوط غسل المسّ حينئذٍ وجهان، من طهارته فالسقوط، و هو مختار هما (3) بعد الفاضل (4) و مستقرب المحقّق (5) بعد التردد، و من عدمه و إن سقط تغسيله، و به جزم الحلّي (6)، و لعلّه أوفق؛ لأنّ الطهارة لا يدور مدارها، بل المحقّق في سقوطه أن يكون بعد التغسيل الذي هو بعد الموت لا مطلقاً، و غيره مشكوك فيه، فيلحقه حكم الماس لميت قبل تغسيله بعد الموت.

نعم، لو استفيد من النصوص سقوطه بعد الغسل مطلقاً اتّجه الآخر .

(و خرج بالآدمي غيره من الميتات الحيوانيّة) مطلقاً، (فإنّها و إن كانت نجسة إلَّا أنّ مسّها لا يوجب غسلاً، بل هي كغيرها من النجاسات) التي ينجس ملاقيها مع الرطوبة (في

ص: 587


1- في المصدر: (متقدماً).
2- ينظر: تذكرة الفقهاء: 1/ 379، نهاية الإحكام: 2/ 238.
3- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 97؛ الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 299.
4- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 117، منتهى المطلب: 2/ 457.
5- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 352.
6- ابن إدريس، السرائر: 1/ 166.

أصحّ القولين) (و قيل: يجب على ما مسّها و إن لم يكن برطوبة)، و قد سلف ضعفه.

(و) السّادس: (الموت) (المعهود) إيجابه للغُسل (شرعاً) و إن أوجب تقدّم الغسل كما مرّ، (و) الموجب للغسل من مطلقه ( هو موت المسلم) أو خصوص المؤمن منه (و من بحكمه) من الطفل و المجنون المحكوم عليهما بحكم الإسلام (غيرَ الشهيد) (1)، إمّا حال من المسلم و ما عطف عليه، أو استثناء، أو صفة لا بأس في تنكيرها؛ لأنّ لام المسلم للعهد فهو بمنزلة المنكر كما في «غير المغضوب»، و عليها فتفيد الغيريّة استثناء من أحرز الشهادة، فهذه ستّة.

[موجبات الجنابة]

(و) تفصيلها: إنّ (موجب الجنابة) (شيئان):

(أحدهما:) (الإنزال) (للمنيّ) المقطوع به مطلقاً (يقظةً و نوماً) من الموضع المعتاد أم من غيره، قارنَ الفتور و أخويه (2) أو لا، من الرّجل أو المرأة أو المشتبه على الأصحّ و المشهور و المروي في الصّحاح.

و يظهر من المقنع (3) الخلاف في خصوص المرأة إذا أنزَلَت، و هو خلاف الصّواب إن أراد ما يعمّ المنيّ المقطوع به، و إن أراد به المشتبه أو المذّي فكذلك .

نعم، في بعض النّصوص ما يقضي بقول الصّدوق (4) ظاهراً، نحو صحيحة ابن يزيد (5)

ص: 588


1- (بالنصب على أنَّه حال من المسلم أو استثناء، و بالجرّ صفة له. صح، بدل)، (منه قدّس سرّه).
2- أي: الشهوة و الدفق.
3- الصدوق، المقنع: 42.
4- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 72 ح 167.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 121 ح322.

و غيرها (1)، فلا بدّ من أن تؤوّل أو تُطرَح؛ لمخالفتها للصّحاح المعمول بها كصحيحة و (2) ابن سنان (3) و محمّد بن إسماعيل (4) عن السادس و الثامن، فهو في المقطوع به منه مقطوع به مقطوع به مطلقاً. و في المشكوك به المشتبه منه تعتبر المقارنة للفتور و الشهوة و الدّفق، فيحكم به معها في القول الأسدّ.

و زاد بعضهم (5) الرائحة كرائحة الطلع أو العجين رطباً، أو بياض البيض جافّاً، معها، فاعتبر الأربعة، و يظهر من المحقّق الثاني (6) و روض الشارح (7) كفاية الأخير، و من النهاية (8) كفاية الثالث فحسب، و من القواعد (9) الاكتفاء بالثاني و الثالث فقط، و من النافع (10) كفاية الأوّل و الثالث، و من الشارح في المسالك (11) كفاية أحدها.

و لمّا كان الحكم هنا على خلاف الأصل لا جرم بأن نقتصر فيه على القدر المتيقّن، و هو اجتماع الثلاثة فيما شك في كونه منيّاً، فنبني الحكم عليه و يكون مخصّصاً لقاعدة عدم نقض يقين الطّهارة.

إنّما الإشكال في أنّ معتبر الثلاثة أو الأربعة يقول بكفاية الرائحة في المنيّ المشكوك به على الثوب مع جهل الإنزال، بأن وجد في ثوبه شيئاً شك فيه أنّه ماء أو بول أو منيّ و لم يذكر

ص: 589


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 123 ح329.
2- كذا في المخطوطة.
3- الكليني، الكافي: 3/ 48 ح6.
4- الكليني، الكافي: 3/ 46 ح2.
5- الفاضل الهندي، كشف اللثام: 2/ 5.
6- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 255.
7- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 143.
8- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 98.
9- العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 1/ 208.
10- المحقق الحلي، المختصر النافع: 7.
11- الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 1/ 49.

الإنزال حتّى يراعي بقيّة الأوصاف، أو ابتاعَ ثوباً رأى فيه ذلك، و في الخارج ممّن شكّ في بلوغه بحيث لا يميّز الثلاثة؛ فإذا اكتفى بالرائحة فقط في المقامين و حكم به و وجب غسل الثوب منه الذي يختلف غسله لو كان ما عليه غيره. و اغتسال الصّبي الشاك في بلوغه للرائحة، فهم من ذلك أنّها من لوازم وجود المنيّ يدور معها الحكم وجوداً و عدماً، فينبغي أن تكون هي المرجع عند الشكّ فقط، مع أنّ معظمهم لا يعتبرها في المقام؛ فهم بين من جعلها رابع العَلامات و بين من ألغاها أصلاً، فإمّا أن يخصّص كلامهم هنا في من وجد الثلاث من نفسه حين الإنزال لكنّه فقد عين النازل منه، أو يقضى ببطلان قولهم هناك بالاكتفاء بالرائحة فيهما، أو يكتفى بأحد الأمرين تخييراً أو ترتيباً فيلحق الحكم الثلاث مع وجود الرائحة و عدمه أو العكس.

و عسى أنّ منشأ الخلاف أنّ كُلاً يرى ملازمة ما جعله عَلامَة للمنيّ وجوداً و عدماً فيؤول الأمر إلى وجوب اختبار تلك العلائم بالنسبة إلى المكلّفين؛ فممّن قطع بملازمة بعضها للمني لحقه حكمه في الغَسل و الغُسل؛ و مَن جزم بعدم الملازمة إلَّا باجتماع الجميع انتفى عنه الوجوب لو وجد البعض، و من يرى أنّ الجميع علامة غالبيّة رجع إلى قطعه و عدمه.

لكن يظهر من غير واحد (1) اعتبار الثلاثة عند الاشتباه و إن لم يفد اليقين بكون الخارج منيّاً؛ و لعلّه للصحيح قال: «سألته عن الرجل يلعب مع المرأة و يُقبّلها و يخرج المنيّ ما عليه؟ قال: إذا جاءت الشهوة و دفع و فتر لخروجه فعليه الغُسل، و إن كان إنّما هو شيء لم يجد له فترة و لا شهوة فلا بأس» (2). دلّت على اعتبار الثلاث و الاكتفاء بها.

و لا يقدح فيها ظهورها في اشتراط الثلاث مع كون الخارج منيّاً الذي لا يقوله أحد، و لا تخيّل معارضة صدرها الظاهر في عدم الجنابة لو فقد أحد الثلاث؛ لذيلها القاضي بنفي الجنابة بنفي الفترة و الشهوة و إن تحقّق الدّفق، و ثبوتها بحصول أحدهما بالمفهوم لإبدال المَنيّ

ص: 590


1- كالمحقق في المعتبر: 1/ 177؛ و العلّامة في منتهى المطلب: 2/ 166.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 120 ح317.

بالشيء في بعض النسخ (1)، أو لظنّ خروج المَنيّ بقرينة الملاعبة التي لا تفيد القطع فجاء الجواب مفصّلاً، و لتلازم الفترة و الشهوة فهو من عطف التفسير.

فبانتفاء أحدهما ينتفي الآخر، و لذلك قال بعضهم: الأقوال خمسة؛ لجهة التلازم (2)، فيعلم بهذا أنّ الشرط الثاني بعض ما يقتضيه الأوّل لا أنّه شرط مستقلّ، فالأقوى اعتبار الثلاثة في الحكم بالغَسل و الغُسل، و لو انتفى أحدها يرجع إلى الأصل أو الرائحة مع فقدها و عدمه؛ لعدم الخلاف في الاكتفاء بها كما في جامع المقاصد (3)؛ لأنها علامة معيّنة للمني دون غيرها لو انفرد، لكن في الجواهر: لم نعثر على اعتبار الوصف الرابع - و هو الرائحة - في شيء من الأخبار، فيقوى الظنّ بعدم مدخليّته؛ لضعف القول به منضّماً و منفرداً (4)، انتهى. ثمّ استغرب ما نقلناه عن المحقّق الثاني.

و فيه: إنّ نفي خلافه مستظهر من جملة مسائل حكم بها الأصحاب و إن لم ينبّهوا عليه بخصوصه، فقد ذكروا أنّ من وجد في ثوبه أو بدنه منيّاً وجب الغَسل و الغُسل إذا لم يشاركه فيه أحد، و لم يذكر الاحتلام كما في المبسوط (5).

و في التذكرة: و لو رأى المَنيّ على جسده أو ثوبه وجب الغسل إجماعاً؛ لأنه منه و إن لم يذكر الاحتلام (6)، و هو نصّ موثقتي سماعة (7)، فإنّ وجدان المَنيّ و رؤيته و الحكم به مع الجهل بالاحتلام مقصور على استفادته من الرائحة أو اللّون، و الثاني لا يفيد قطعاً؛ لاشتراكه مع غيره، فتعيّن الأوّل و عادت الرائحة من العلائم اللّازمة التي يتميّز بها.

ص: 591


1- الحميري، قرب الإسناد: 181.
2- النجفي، جواهر الكلام: 3/ 9.
3- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 255.
4- النجفي، جواهر الكلام: 3/ 11.
5- الطوسى، المبسوط : 1/ 27.
6- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 223.
7- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 367 ح1118.

لا يقال: إنّ الحكم هنا بالمني لجهة القطع به الحاصل من أيّ سب-بٍ كان لا من جهة الرائحة المعيّنة له.

لأنّا نقول: حيث استفدنا من خارج انحصار سبب العلم بكونه منيّاً بالرائحة تحقّق أنّ الرائحة كذلك مفيدة للعلم العادي به، و هو المطلوب، فكأنَّ كون الشيء الذي له رائحة الطلع و العجين و البيض هو المَنيّ أمرٌ مفروغ منه؛ للسبر (1) بأنّ ما له هذه الرائحة من المائع ليس إلَّا المنيّ، و حينئذٍ هي و الثلاث عَلامات أيُّها حصل كفى في الحكم بكون الشيء مَنيّا، بل هي أقوى منها، فلا معنى للتعجّب، و عليٌّ مع الحقّ.

(و) الموجب (الثاني) للجنابة (غيبوبة الحشفة) في قُبُل المرأة و إن لم يكن في المحلّ المعتاد بالإجماع، و هو المعبّر عنه بالتقاء الختانين بالنصّ الصحيح، و في صحيحة محمد بن إسماعيل: «قلت: التقاء الختانين هو غَيبُوبَة الحَشفة؟ قال: نعم» (2).

و عليه لا بدَّ من التجوّز في الختان إنْ أُريد به ما يمسّه الذَّكَر عند دخوله؛ لأَنّ مَدْخَل الذكر أسفل منه و بينهما ثقبة البول، أو في الالتقاء إنْ أُريد به التحاذي.

فظهر أنّ مجرّد الالتقاء من دون إدخال لا يقضي بوجوب الغسل، و أنّ الأخبار المتضمّنة للالتقاء كلّها كناية عن الإدخال المستلزم له؛ لتفسير الإمام علیه السلام له بذلك، فلا يحكم بالجنابة إلَّا بعد إدخال الحشفة كلّاً (و ما في حكمها) ممّا لا يصدق عليه اسمها (كقدرها من مقطوعها) بعد تكوّنها، أو فاقدها بأصل الخلقة.

أمّا ابتناء الجنابة على غيبوبتها فللنصّ كما عرفت، و أمّا ابتناؤها على مقدارها لو فقدت دون تمام الباقي أو المسمّى منه فللدليل؛ إذ بعد فرض كون نصوص الالتقاء كناية عن الإدخال، و نصوص الإدخال مقصورة على دخول الحشفة، فيدور الأمر بين الحكم بعدم الجنابة عند فَقْد الحشفة لتعلّق الحكم عليها، و لم يزعمه أحد، و بين الأخذ بإطلاق الالتقاء أو الإدخال في غير واجد الحشفة، و هو باطل أيضاً؛ لعدم الدّليل عليه، بل هو تصرّف غير

ص: 592


1- في هامش المخطوطة هذه العبارة: (للقطع. بدل).
2- الكليني، الكافي: 3/ 46 ح2.

مرضيّ، و لم لا يجري ذلك فيهما فيلغى اعتبار دخول الحشفة فيتعيّن اعتبار قدر الحشفة؛ حملاً له على الصحيح الظاهر في أنّ حصول الجنابة يكفي فيه غيبوبة هذا المقدار من الذكر و إن بقي منه ذلك المقدار، و أنّ الحشفة في الخبر لتحديد ما يحصل به الجنابة الموجبة للغسل.

و يعتبر مقطوع الحشفة حشفته قبل القطع كمّاً و كيفاً، و يكفيه الظّن، و يعمل بالأصل في الشك، و يرجع فاقدها لمستوي الخلقة فيها، و لو بقي من الذكر أقل منها لا جنابة في الغيبوبة.

بل لا تتحقّق إلَّا بالإدخال بشرطه مطلقاً (قُبلاً أو دبُراً) إجماعاً و مشهوراً سواء كانا (من آدمي و غيره) مأكول اللّحم و غيره، و سواء كان الواطئ (حَيّاً) (و) الموطوء (ميّتاً) أو العكس بأن كان الميّت (فاعلاً ) (و) الحَي (قابلاً)، توسّعاً في حمل الفاعل على الميّت بالتغليب أو التشبيه، فيشمل تعميمه الإيلاج في دُبر المرأة و دُبر الذكر و الخُنثى، و قُبُل الحيوان مطلقاً و دُبره قبل الموت و بعده في الجميع، و استدخال آلة الميّت مطلقاً في القُبل و الدُّبر مطلقاً، و حصول الجنابة للوالج أو المولوج فيه مطلقاً؛ إذ لو حملنا إطلاقه على حصولها للمكلّف فقط انتقض علينا بالصّبي و المجنون المحكوم بجنابتهما في الأصحّ عندهما، و التفكيك منافٍ لتعميمه، و هو على عمومه مشكل.

و الدليل المتّبع و الأصحّ الأقوى تحقّق الجنابة و وجوب الغسل بالإدخال في دبر الأُنثى و الذكر و الخُنثى مطلقاً (أنزل) المولجُ (الماءَ) (أو لا)، و عدم تحقّقها في غيرها من دون إنزال مطلقاً.

لنا على الأوّل الإجماع (1) بسيطاً أو مركباً، و صدق اسم الفرج، و قوله علیه السلام: «هو أحد المأتيين، فيه الغُسل» (2)، فتحكم على الأصل، و على ظاهر مرفوعة البرقي (3) و صحيحة

ص: 593


1- ينظر العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 325.
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 2/ 200 ح1921.
3- الكليني، الكافي: 3/ 47 ح8.

الحلبي (1) في نفي الغسل، و روايتي عليّ بن الحكم (2) و أحمد بن محمد (3) في عدم فساد الصّوم العامل بها البعض (4)، بل هو صريح الاستبصار (5) و النزهة (6)، لكن مع إعراض الجَمّ الغفير عنها لزم طرحها أو تأويل بعضها على عدم غيبوبة الحشفة أو إرادة التفخيذ من الدُّبر؛ لأنه من معانيه لغةً (7).

نعم، لا يجب الغسل على غير المكلّف من المجنون و شبهه (8) و الميّت و نحوه (9) فاعلاً و قابلاً، فإنّ الإدخال مقتضٍ للوجوب ما لم يمنع مانع، بل و لا يجب على الوليّ، بل و لا سائر المكلّفين؛ للأصل، لكن تجري عليهم أحكام الجنب من عدم إدخالهم المسجد و عدم مَسّ المصحف بشيءٍ من أبدانهم؛ لأنه من لوازم الجنابة، و هي محقّقة فيهم.

و الحكم كأنّه لا شبهة فيه و إن تردّد في المعتبر (10) و جعل العدم أشبه بالنسبة إلى دُبُر الغلام كالفاضل في المنتهى (11) دون باقي كتبه، و تردّد الأخير و المصنّف دون غيرهم في استدخال آلة الميِّت، و ربّما جنحوا لعدم تحقّق الجنابة بذلك، و لا أرى لهم برهاناً واضحاً عليه بعد حكمهم بحصول الجنابة بالإدخال في الميّت للفاعل و المفعول فيه، و حكمهم بحصولها باستدخال آلة السكران و المغمى عليه.

ص: 594


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 124 ح335.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 319 ح977.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 319 ح975.
4- ينظر جمل العلم و العمل: 54.
5- الطوسي، الاستبصار: 1/ 112 ح373.
6- ابن سعيد، نزهة الناظر: 13.
7- ابن منظور، لسان العرب: 13/ 138، (فصل الخاء المعجمة).
8- السكران.
9- المغمى عليه.
10- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 181.
11- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 2/ 185.

و لنا على الثاني الأصل مع عدم المعارض؛ لانصراف الحكم الناطق في كلّ مطلق يحتمل فيه العموم لغيره؛ لأنه الغالب، بل في بعض النّصوص التصريح بالإنسان، فتكون قرينة على إرادته في غيرها، ثمّ التفكيك بين الفاعل و المفعول في تحقّق الجنابة بأحدهما دون الآخر لا دليل عليه سوى رفع التكليف عن الآخر، و هو لا يوجب عدم الحكم بالجنابة كما غبر، و لا قائل بعدم جواز إدخال الحيوان المسجد لأجل الإيلاج فيه، بل و لا ادّعى أحد بحصول الجنابة له، ثمّ المعظم عليه كالشيخ في موضع من المبسوط (1) و الفاضلين (2)، و هو ظاهر سلّار (3) و ابني حمزة (4) و إدريس (5)، حيث اشترطوا الإيلاج في فرج الآدمي.

نعم، تردّد في النهاية (6) و البيان (7)، و في الدّروس: وجوب الغسل أحوط (8)، و في الذكرى قوّاه (9)، و في الجواهر (10) نسب العدم إلى الشارح في المسالك (11) و الرّوض (12) و هو من خطأ القلم؛ للتصريح بموافقة الذكرى في الأوّل، و لميله إليه في الثاني، فإنّه استدلّ بالفحوى و بما ورد في خبر آخر عنه علیه السلام: ما أوجبَ الحدّ أوجب الغسل (13)، حتّى قال: و لفظة (ما) و إن

ص: 595


1- الطوسي، المبسوط: 1/ 27.
2- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 181؛ العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 1/ 208، منتهى المطلب: 2/ 186.
3- سلّار، المراسم: 41.
4- ابن حمزة، الوسيلة: 55.
5- ابن إدريس، السرائر: 1/ 107.
6- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 97.
7- الشهيد الأول، البيان: 54.
8- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 95.
9- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 223.
10- النجفي، جواهر الكلام: 3/ 38.
11- الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 1/ 50.
12- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 142.
13- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 469 ح4. نقلاً بالمضمون.

كانت من صيغ العموم، إلَّا أنّها مخصوصة بأحد الأسباب الموجبة للحدّ الذي أجمع على عدم إيجابها الغسل، فيدخل ما نحن فيه في العموم، أو يكون المعنى ما أوجب الحدّ من الوطء بقرينة مقاميّة أو مقاليّة، و هذا الدليل قويّ إنْ صحّت الرّواية (1)، انتهى.

فهو ظاهر في الخلاف، كالشيخ في صوم المبسوط (2)، و الفاضل في المختلف (3)، و ربّما استظهر من المرتضى (4) الإجماع إليه (5)، و مع ذلك فالعدم أوجه و أقوى، مثله في قُبل الخُنثى؛ للشكّ في أنّه قُبل أم لا، فهو بالعدم أَولى.

[المحرّمات على الجنب]

(و متى حصلت الجنابة لمكلّف) مسلم أو كافر تقدّم تكليفه عليها أو تأخّر (بأحد الأمرين) أو بهما (تعلّقت به الأحكام المذكورة) هنا:

[الأول]

(فيحرم عليه قراءة العزائم الأربع)، و هي السّور المشتملة على السجدات كألم تنزيل و حم السّجدة و النجم و اقرأ (و أبعاضها) لا آية السّجدة فقط و لا مجموعها فحسب، و إن أوهمه إطلاق العزيمة في بعض الكلمات و إطلاق السّور من دون ذِكر الأبعاض؛ إذ الظاهر عدم إرادة نفس الآية و لا شرطيّة الاتمام للسورة، بل لا فرق في الحرمة بين سائر الأجزاء، ( حتّى البسملة و بعضها) لا مطلقاً، بل (إذا قصدها) أو قصد بالبعض المقروء إنّه (لأحدها)، و لو تبعّض القصد حرم البعض و جاز الباقي كأن قال: بسم الله، قاصداً إنّه من بسملة أحدى الأربع ثمّ قال: الرحمن الرحيم، ناوياً أنّها من بسملة الفاتحة أو غيرها.

ص: 596


1- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 142. باختلاف يسير.
2- الطوسي، المبسوط: 1/ 27.
3- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 330.
4- حكاه عنه في مختلف الشيعة: 1/ 328.
5- في المخطوطة: (عليه. بدل).

و الحكم كذلك مشهور و منقول عليه الإجماع و به نصوص، و رواه المحقّق في المعتبر (1) عن البزنطي في جامعه، فلا مَسرَح للتأمّل فيه و إن استثنى الباقر علیه السلام في خبر العلل (2) السجدةَ، فإنّهم فهموا منها عموم السورة، لكن لولا الإجماع لكان قصر الحرمة على قراءة تمام السورة له وجهٌ قويّ؛ حيث لم تتّضح حرمة البعض من غيره، و الاحتياط لا يُترَك.

[الثّاني]

(و) يحرم أيضاً على المُجْنِب (اللّبث في المساجد) الواقعة في أراضي الخراج (مطلقاً) لا أخصّ المسجدين، و يحتمل أنّ الإطلاق لشمول المساجد الواقعة في أرض الخراج أيضاً، لكنّه بعيد أو مشكل، و الحكم متفق عليه، قال الفاضل: إنه مما اتفق عليه الأصحاب سوى سلّار (3) فإنّه كرهه، و للمفيد رحمه الله (4) كلام يحتمل الأمرين.

و المراد باللّبث هنا و بغيره كالمَكث مطلق الدّخول لغير الاجتياز كما قال الباقر علیه السلام في خبر العلل: «الحائض و الجنب لا يدخلان المسجد إلَّا مجتازين» (5)، ثمّ ذكر الآية (6).

فاستفيد من تفسيره أنّ المراد بالنسبة إلى الجنب مواضع الصلاة و هي المساجد مضافاً إلى عدّة أخبار فُهمَ منها الحرمة و إن اشتملت على لفظ الكراهة كما ورد عن النبي صلّی الله علیه و آله: «إنّ الله كره لي ستّاً و كرهتهن» (7) و عَدّ منها إتيان المساجد جُنباً، و لعلّ سلّار فهم من الأخير الكراهة و من الآية أنّ المراد بعبور السّبيل هو السّفر، فكأنّه تعالى قال: لا تقربوا الصلاة جُنباً إلَّا في السفر مع التيمّم، و جُمعَ بين خبر الباقر علیه السلام السابق و رواية ابن القاسم عن أبي الحسن علیه السلام:

ص: 597


1- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 187.
2- الصدوق، علل الشرائع: 1/ 288.
3- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 104.
4- المفيد، المقنعة: 51.
5- الصدوق، علل الشرائع: 1/ 288.
6- قوله تعالى: (وَ لاٰ جُنُباً إِلاّٰ عٰابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا) سورة النساء: 43.
7- الصدوق، الأمالي: 118، الخصال: 327.

«عن الجنب ينام في المسجد؟ فقال علیه السلام: يتوضّأ، و لا بأس أن ينام في المسجد و يمرّ فيه» (1)؛ بالحمل على الكراهة.

و لكنّه غير مَرضيّ بعد ذهاب المعظم إلى عدمه و إمكان حمل الرواية على التّقية، و لبُعد إرادة هذا المعنى من الآية، فلو حمل أوّلها عليه كان تكراراً و للزوم الإضمار فيها، و هو كون المسافر عادماً للماء و قد تيمّم، و لا يلزمنا إلَّا التجوّز في الصلاة فهو أَولى إلى غير ذلك، فالمتّجه الحرمة فيها و في الضرائح المشرّفة مطلقاً؛ للحوقها بها مطلقاً حتّى في أرض الخراج.

و لم أعثر على مخالف ممّن ذكر ذلك، إنّما الإشكال في لحوق الحائض و النفساء للجنب في الحكم المذكور و إن تساووا في جملة من الأحكام، و إذا كانت العلّة هي التعظيم جَرَت، فهما سواء إلَّا أنّ الإلحاق أشبه شيءٍ بالقياس، كعدم إلحاق غير الروضة بها من الرواق و غيره.

[الثّالث]

(و) لا يجوز (الجواز في المسجدين) (الأعظمين بمكّة و المدينة) للجُنب أيضاً إجماعاً كما في الغنية (2) و التذكرة (3) و المعتبر (4)، و لم نظفر في كلام الصدوقين (5) و المفيد (6) بالفرق بينهما و بين غيرهما، و سلّار (7) أطلق الكراهة و لم يستثنِ، ولكن كان ذلك لا شبهة فيه؛ لصراحة النصوص به المقيّدة لإطلاق الاجتياز في المساجد المعمول بها، و للمعتبرة المجوّزة للاجتياز في المساجد إلَّا هما.

بل يفهم من مطاوي كلماتهم مع بعض الأخبار عدم جواز الدخول مطلقاً حتّى لأخذ

ص: 598


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 371 ح1134.
2- ابن زهرة، غنية النزوع: 37.
3- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 238.
4- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 187.
5- علي بن بابويه، رسالة الشرايع: 139؛ الصدوق، الهداية: 97.
6- المفيد، المقنعة: 51.
7- سلّار، المراسم العلوية: 42.

المتاع الجائز في غيرهما، و في الغنية (1) ليس له دخولها على حال، إلَّا أنّه مشكل؛ لعدم قضاء المنع من الاجتياز للمنع من التناول الجائز في المساجد مطلقاً، و لا مخرج له غيره، و هو يقصر على مورده من حرمة الاجتياز فقط أو تخصّ حرمة الاجتياز بهما بما قضى بجواز تناول المتاع في المساجد مطلقاً.

و ردّه أنّ الاجتياز إذا حرم فالدخول للتناول يُحرَم بالأولويّة، فيلزم صرف ما ظاهره الجواز لغيرهما، فتأمل.

[الرّابع]

(و) يَحرُم ( وضع شيء فيها) (أي في المساجد) و إن كان من أجزائها (مطلقاً) في المسجدين و غيرهما بالنصّ و الفتوى و إجماع الغنية (2)، خلافاً لسلّار (3) إذ كرهه، و لظاهر الخلاف (4) المحجوج بصحيحة ابن سنان، ففيها: «ولكن لا يضعان في المسجد شيئاً» (5). و صحيحة زرارة (6) كذلك، فلا شبهة في الحرمة (و إن لم يستلزم الوضع اللّبث) أو الدخول، (بل لو طرحه من خارج) لم يجز أيضاً؛ لصدق الوضع المحرّم عليه.

و يُردُّ بعدم الصدق أوّلاً، و بدعوى الإجماع كما في المهذّب (7) على عدم الحرمة لو ألْقَت الحائض في المسجد شيئاً من وراء الجدار أو حذفته من الباب، و هو المستفاد من الشيخ (8)

ص: 599


1- ابن زهرة، غنية النزوع: 37.
2- ابن زهرة، غنية النزوع: 37.
3- سلّار، المراسم العلوية: 42.
4- الطوسي، الخلاف: 1/ 518.
5- الكليني، الكافي: 3/ 51 ح8.
6- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 2/ 213 ح 1957.
7- ابن فهد، المهذب البارع: 1/ 166.
8- الطوسي، الجمل و العقود (الرسائل العشر ): 160، الاقتصاد: 244، المصباح: 8.

حيث اعتبر الدخول، و المنتهى (1) كالمعتبر (2) استدلّا على الحرمة بقوله تعالى: (إِلاّٰ عٰابِرِي سَبِيلٍ) (3)، فيظهر منهما الدّخول لغير العبور محرّم لا الإلقاء من خارج، و حينئذٍ فيجوز الإلقاء فيهما من خارج، (و يجوز الأخذ منهما (4))؛ للأخبار الناهية عن الوضع المشتملة على جواز الأخذ كالصحيحتين الغابرتين، و لعلّه لا خلاف فيه.

[الخامس]

(و) يحرم أيضاً على الجنب و تابعه في الحكم (مسّ خطّ المصحف) دون غيره من الكتب المنزلة، و هو ما بين الدّفتين لا غيره ممّا ورد إنّه من القرآن إذا لم يحتوِ على اسم الله تعالى (و) خطّه (هو كلماته) المنقوشة فيه (و حروفه المفردة و ما قام مقامها كالشدّة) و المدّة (و الهمزة) دون الإعراب و الحروف التي تخالف رسم المصحف في رأي (5)، و الحرمة معروفة عندنا و عند غيرنا (6) بل الإجماع (7) عليه، و تحمل الكراهة في كلام ابن الجنيد (8) على الحرمة فلا مخالف.

و استند أيضاً إلى الآية (9)، و إلى النصوص القاضية بعدم جواز الَمسّ لمن فقد الطهور بناءً على رجوع الضمير في (يمسّه) إلى القرآن و أنّ النفي بمعنى النّهي، لكن لولا هذا الاتّفاق لكان للكلام مجال فلا يصلح غيره دليلاً، فإنّ الآية و ما رووا عن النَّبي صلّی الله علیه و آله: «لا يمسّ القرآن

ص: 600


1- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 2/ 227.
2- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 189.
3- سورة النساء: 43.
4- في المصدر: (منها).
5- ينظر المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 267.
6- ينظر: أحكام القرآن للجصاص: 3/ 555؛ تفسير السمر قندي: 3/ 376؛ تفسير السمعاني: 5/ 359، 360.
7- حكاه في المعتبر: 1/ 175.
8- العلّامة الحلي، المختلف: 1/ 353.
9- قوله تعالى: (إِنَّهُۥ لَقُرۡءَانٌ كَرِيمٌ فِی كِتَٰبٍ مَّكۡنُونٍ لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ) سورة الواقعة: 79.

إلَّا طاهر» (1)، لا ينهض بالمدّعى؛ لعدم العلم بالمراد من الطهارة، فلو أُريد بها رفع الخَبَث سقط من أصله.

و هل يختصّ المنع (بجزء من بدنه تحلّه الحياة) أم يعمّ حتّى ما لا تحلّه الحياة من البدن؟ وجهان، اختار ابن فهد (2) و جماعة منهم الشارح الأوّل، و استقرب الفاضلان (3) الأخير، و تردّد فيه في التذكرة (4) و يقوى ابتناء الحرمة على ما يجب غسله من حدث الجنابة و لو ممّا لا تحلّه الحياة، بل لا يبعد الإطلاق.

[السّادس]

(و) يجوز مَسَّ غير القرآن سوی (اسم الله تعالى) (مطلقاً) فيه و في غيره، قُصدَ بالكتابة أو لا، بأن كان جزء علم كعبد الله، أو يريد بإطلاقه إدخال مثل الرّحمن ممّا لم يكن علماً و كان مختصّاً، و الحكم في لفظ الجلالة كأنّه لا إشكال فيه، بل الإجماع عليه، و هو صريح الموثّقة: «لا يمسّ الجنب درهماً و لا ديناراً عليه اسم الله تعالى» (5)، بل هو المناسب للتعظيم.

و توقّفُ البعض (6) فيه - للمعارضة برواية الحسن بن محبوب (7) - لا يُعتنى بها (8) بعد ذهاب الكلّ إلى الحرمة، إنّما الكلام في لحوق غير لفظ الجلالة من أسمائه مطلقاً، (أو) لحوق (اسم النبي صلّی الله علیه و آله)، أو بلا لام، (أو أحد الأئمة علیهم السلام) الاثني عشر بالحكم بها.

ص: 601


1- الطبراني، المعجم الصغير: 2/ 139، المعجم الكبير: 12/ 242؛ البيهقي، شعب الإيمان: 2/ 380 ح2111.
2- ابن فهد الحلي، الرسائل العشر: 138، 140.
3- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 175، شرائع الإسلام: 1/ 23، المختصر النافع: 1/ 7؛ العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 92، منتهى المطلب: 1/ 220.
4- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 135.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 31 ح82.
6- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 188.
7- الكليني، الكافي: 3/ 106 ح3.
8- كذا في المخطوطة، و المناسب: (به) أي: التوقف.

و هل تقصر الحرمة على مَسّ نفس الاسم فيجوز مَسّ ما عليه الاسم من الجسم أو لا؟ إشكالٌ نَصَّ ابن فهد (1) على اختصاصها بلفظ الجلالة اقتصاراً على مورد الرواية، و طرد غيرُه الحكمَ في أسمائه مطلقاً كما في النهاية (2) و المصباح (3) و غيرهما (4)، حيث عبّروا باسم من أسمائه لزعمهم عموم الاسم المضاف إليه لجميع ذلك، و بعضٌ (5) قصره على ما اختصّ الله به مثل الرّحمن دون الرّحيم، و عبارة المصنّف هنا و بغيره (6) كعبارة الشيخ في المبسوط و الجمل (7)و الفاضلين (8) في جملة من كتبهما تحتمل الثلاث.

و الظاهر احتياج التعدّي إلى غير لفظ الجلالة من أسمائه تعالى و اسم النبيّ صلّی الله علیه و آله و الأئمّة علیهم السلام إلى الدّليل، و ليس هناك نصّ صحيح يوجد به و إن كان الأحوط هو التعدّي؛ لذهاب جملة من الأصحاب إليه، و لأنه المناسب لجلالة قدرهم، بل لا يبعد الحرمة في المختصّ من أسمائه تعالى غير الله جلّ اسمه في كلّ لغة.

كما أنّ الظاهر حرمة مَسّ نفس الاسم لا مطلق الجسم و إن اقتضاه إطلاق الخبر؛ لوجوب صرفه إلى ما قلنا. و المحرّم مَسّه من اسم النبيّ صلّی الله علیه و آله و ولده هو (المقصود بالكتابة) منها لا مجرّد الاسم المطابق.

و يمكن إرجاع القيد إلى الجميع فلا يشمل التحريم لما جعل جزء اسم كعبد الله علماً، و الأوّل أظهر، و يظهر من الشارح إطلاق حرمة المَسّ (و لو) كان خطّ الفرقان أو هذه الأسماء

ص: 602


1- ابن فهد، الرسائل العشر: 138، 140.
2- النهاية و نكتها: 1/ 229.
3- الطوسي، مصباح المتهجد: 8.
4- ابن البراج، المهذب: 1 / 41؛ ابن زهرة، غنية النزوع: 37؛ القمي، جامع الخلاف: 21.
5- نعمة الله الجزائري، كشف الأسرار: 3/ 179.
6- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 270.
7- الطوسي، المبسوط: 1/ 23، الجمل و العقود: 42.
8- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 188؛ العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 92، منتهى المطلب: 2/ 220.

(على درهم أو دينار) خلافاً لمن استثناهما الخبري البزنطي (1) و ابن محبوب (2)، و كأنّ منشأه الجمع بين الموثّقة و بينهما بجعل الحرمة في غيرهما.

لكن هذا و إن قيل: لا وجه له؛ لأنه لا يجري على قواعد الجمع في المتباينين؛ إذ بعد التكافؤ و الطّرح يتجه الجواز مطلقاً لو كان الدليل على الحرمة الموثّقة، و إن كان الإجماع اتّجهت الحرمة كذلك، فالقصر غير متّجه.

و نحن و إن لم يتّضح لنا دليل الحرمة لكنّا نحكم بها تبعاً لها، و لأنّ الحكم كذلك (في المشهور) فلا نزيغ عن الجمهور.

[يكره للجنب أمور:]

[الأول و الثّاني]

(و يكره) للجنب (الأكل و الشرب) و إن تيمّم (حتّى يتمضمض و يستنشق)، نسبه في المعتبر (3) إلى الخمسة و أتباعهم، (أو) حتّى (يتوضّأ)، و هو أكمل للنّصوص (4)، و الفضل في التّرك حتّى يغتسل، (فإن أكل قبل ذلك خِيفَ عليه البرص) (5)، و في الخبر «الوضح» (6).

(و روي) أن النبيّ صلّى الله علیه و آله نهى عن الأكل على الجنابة، و قال صلّى الله علیه و آله: «إنّه يورث الفقر» (7).

و ظاهر الرّواية أنّه يورث ذلك و لو كان بعد الوضوء، أو بعدهما، فلا يرتفع ذلك إلَّا بالغسل، و لعلّ الشارح أو ما إليه و إن أوهَم سَوْقَه الارتفاع بهما.

ص: 603


1- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 188.
2- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 188؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: 2/ 215 ح1963.
3- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 191.
4- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 83 ح179.
5- الصدوق، الأمالي: 746.
6- الكليني، الكافي: 3/ 51 ح12.
7- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 83 ح178.

(و يتعدّد) الوضوء أو ما قبله بتعدّد الأكل و الشرب) عُرفاً الحاصل (مع التّراخي عادةً لا مع الاتّصال) الذي لا تعدّد فيه عرفاً، و احتمل بعضهم (1) التعدّد عند تخلّل الحَدَث لا تعدّد الأكل، و اجتزأ آخر (2) بواحد مطلقاً، و زعم ثالث (3) التعدّد للأكل و الشرب الممتزج، و اكتفى رابع (4) بواحد للمتّصلين، و الأمر سهل.

[الثّالث]

(و) يُكرَه أيضاً (النوم) على الجنابة (إِلَّا بعد الوضوء)؛ لصحيحة الحلبي (5)، و الظاهر أنّه يخفّف الكراهة لا يرفعها لرواية عبد الرحمن و فيها: «إذا فرغ فليغتسل» (6).

(و) يصحّ أن يكون (غايته) المنويّة (هنا) هي (إيقاع النوم على الوجه الكامل)؛ لتوقّفها عليه مثل الاستباحة في الوضوء المبيح، و لو نوى مكانها رفع الحَدَث أو جمع بينهما جاز له، و قد نصّ الفاضلان (7) على جعله غاية، لكن في الذكرى (8) و في نيّة النوم للوضوء نظر؛ لأنه نوى وضوءاً لحدثٍ.

و فيه: إنّ المنوي هو رفع الحَدَث قبل النوم أو استباحته ليقع على الوجه الأكمل، و تحصل هذه النّية بنيّة الوضوء للنوم، فالناوي إن جمع بينهما فقد نوى الغاية و غاية الغاية و هي الرفع، و إن أفرد نوى نفس الغاية، و كون الحَدَث لا يرفعه غير الغسل غير مضرّ؛ لأنّ المراد به الحكم المترتّب على الجنابة من الممنوع، و المنع من النوم على وجه الكراهة يرتفع

ص: 604


1- ينظر التفصيل في ذخيرة المعاد: 1/ 53.
2- المصدر السابق.
3- ينظر: العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 2/ 234؛ الفوائد الملية: 83.
4- ينظر: روضة المتقين: 1/ 235؛ المحقق النراقي، مستند الشيعة: 2/ 296، 297.
5- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 83 ح179.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 372 ح1137.
7- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 94.
8- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 111.

بالوضوء، و يصحّ نيّة رفعه أو رفع شدّته على ما اخترنا، فهو رافع و مبيح بهذا المعنى، (و هو غير مبيح) للصلاة و نحوها ممّا كان شرطه الطهارة.

(إمّا لأنّ غايته) المنويّة هي النوم الذي هو (الحَدَث) المراد إيقاعه، فلا يراد به رفع الحَدَث المبيح، و الاستباحة لا تحصل إلَّا برفع تمام الحَدَث، (أو لأنّ المبيح للجنب هو الغسل خاصّة) لا الوضوء و الغسل كما في الحائض، فلو منع كون الغاية هنا حَدَثاً، بأن كانت الغاية كمال النّوم لا نفسه ليكون حدثاً أيضاً لا ينفع؛ لانحصار المبيح للجنب بالغسل فقط، هذا مراده.

و فيه: إنّ نيّة إيقاع النّوم لا يلزمها عدم إمكان نيّة رفع الحَدَث؛ إذ لا مانع من أنّ ينوي رفع حدثه ليستبيح به إيقاع النوم، و لا فساد في أن يكون رفع الحَدَث شرطاً لإباحة حدث آخر، و لو أراد بعدم الإباحة نفي أن يكون مبيحاً للعبادة المشروطة بالطهارة من جهة هذا الحَدَث المراد إيقاعه يتوجه عليه أنّه لا مانع من أنّ ينوي رفع تمام أحداثه؛ ليوقع النوم على الوجه المباح، فيكون حينئذٍ مبيحاً قبل إيقاعه لكلّ عبادة؛ لأنّ الناقض وجوده لا نفس نيته، و على الأخير إنَّ المبيح للجنب في الصلاة منحصر بما ذكر، و أمّا مبيح النّوم فالوضوء، فلا مانع من كونه مبيحاً بالاعتبارين، و لا موجب للحصر.

[الرّابع]

(و) يُكرَه للجُنب (الخضاب) (بالحنّاء و غيره)؛ لإطلاق النصّ (1)، و خصّه سلّار (2) بها، (و كذا يكره له) بعلاقة الأول نحو: من قتل قتيلاً (أن يجنب و هو مختضب)، إلَّا أن يأخذ الخضاب مأخذه كما في النّص (3)، و الحكم معلن به، مجمع (4) عليه، مطلق بالنسبة إلى الكفّ

ص: 605


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 181 ح518.
2- سلّار، المراسم العلوية: 42.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 181 ح517.
4- ينظر: العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 236؛ المحقق الشيخ محمد العاملي، استقصاء الاعتبار: 2/ 219.

و غيره، و هو الذي يقتضيه الجمع بين النّصوص، إلَّا أنّه في الأوّل آكَد و أجلى، لكن احتمل في عبارة المفيد (1) الحرمة، و الصدوق (2) عدم الكراهة، و التأمّل فيهما يُعطي غير المحتمل.

[الخامس]

(و) لا إشكال أيضاً في كراهة ([ قراءة] ما زاد على سبع آيات) من غير العزائم، بل هو المشهور (3)، فلا كراهة في السبع.

و يظهر من المفيد (4) و النهاية (5) وجود البأس في السبع و عدمه في السّت ممّا دون، و هو محتمل الكراهة و الحرمة، و في الذكرى (6) عن سلّار تحريم القراءة مطلقاً، و عن ابن البرّاج (7) تحريم الزائد على العدد المذكور، و الشيخ (8) نقله عن بعض الأصحاب، و في التهذيب (9) قصر الإباحة على السبع من أيّ سورة عدا الأربع و بذلك فسّر الأخبار، و الفاضل (10) نقل حرمة ما زاد على السبعين عن بعض الأصحاب في المنتهى، و أطلق جواز قراءة غير العزائم، و هو ظاهر الحلّي (11)، فترتقي لستّ أشهرها ما عليه هما بعد الفاضلين، و أقواهما الحرمة فيما زاد على السبعين، و الكراهة فيما زاد على السبع، و الجواز فيها.

ص: 606


1- المفيد، المقنعة: 58.
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 48.
3- ينظر: المحقق الحلي، المختصر النافع: 9، المعتبر: 1/ 190، شرائع الإسلام: 1/ 22.
4- المفيد، المقنعة: 58.
5- النهاية و نكتها: 1/ 229.
6- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 286.
7- ابن البراج، المهذب: 1/ 34.
8- الطوسي، الخلاف: 100.
9- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 371 ح1132.
10- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 2/ 220.
11- ابن إدريس، السرائر: 1/ 117.

لنا على الأوّل موثّقة سماعة (1) و رواية زرعة (2)، فيقيّد بها جميع ما دلّ على جواز قراءة ما شاء من القرآن إِلَّا السجدة، و الجمع بينهما يوجب تحكيم الثانية على الأُولى بعد تعارض مفهوميهما.

و في المعتبر: إنّ زرعة و سماعة واقفيّان، و إنّ الرّواية مرسلة منافية لعموم الروايات (3).

و فيه: إنّ ذلك موهن أيضاً لدلالتهما على الكراهة، و لا دليل سواهما عليها، فيلزمه أن يجوّز مطلقاً، أو يحرّم كذلك.

و لنا على الثاني خروج الزائد عن السبعة عن الاستحباب، فهو إما مباح أو مكروه، و الإباحة في العبادة تجامع الاستحباب، فيساوي السبعة ما زاد و يلغى العدد الخاص، فإذا انتفت المساواة بين العددين كان الزائد إمّا مكروهاً أو حراماً، لا سبيل إلى الثاني؛ للشك في الحرمة من حيث احتمال أنّ المحرّم هو الزائد على السبعين، فيجري الأصل و ينجم الجواز مع الكراهة، و بذلك يجمع بين ما قضى بالحرمة و الجواز من النصوص مطلقاً.

و لنا على الثالث قوله علیه السلام: «ما بينه و بين سبع آيات» (4)، الظاهر في كراهة ما زاد (في جميع أوقات جنابته) على السبعة إلى السّبعين، و جواز السّبعة كذلك بضميمة رواية السبعين، فلا فرق بين قراءة ما زاد مجتمعاً أو متفرِّقاً بعد جنابة واحدة و إن بعد الفاضل (5).

و لو أجنب و كان فرضه التيمّم عدّ ما قرأه في غير حال التيمّم كراهة و حرمة، فلو تخلّل تيممّ بين القراءتين يعدّ السابق و اللّاحق عليه دون ما كان في حاله؛ لكون الجنابة واحدة، (و هل يصدق العدد بالآية المكرّرة سبعاً) فيكره تكريرها زائداً أو قراءة غيرها بعد التكرير المزبور؛ (وجهان) من صدق العدد مع التماثل، و من أنّ الظاهر في السّبع التغاير، و المعتمد

ص: 607


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 128 ح350.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 128 ح351.
3- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 190.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 127 ح345.
5- كذا في المخطوطة، و لعل الصحيح: (... و إن بَعُدَ الفاصل).

الثاني؛ للانصراف، فيجوز التكرير مطلقاً و إن كرّرت السبع. و لا فرق بين طوال الآيات و قصارها، و آية الكرسي آية في الأثر غير آية؛ للفصل، فإن كان آية جاز قراءتها و تكريرها.

و غلّظ المحقّق (1) كراهة السّبعين، و غيره قال: إنّ ما زاد على السّبع في مرتبة واحدة من الكراهة و إن كثُر فعل المكروه (2)، و مدرك الأوّل غير واضح.

[السادس]

(و) يجوز (الجواز) للمجنب (في المساجد) مطلقاً على كراهة (غير المسجدين) المعهودين فإنّه محرّم كما غبر، و يظهر من الشيخ في المصباح (3) و ظاهر المقنع (4) الحرمة مطلقاً.

و منه في ظاهر الخلاف (5) كالفاضل في النهاية (6) الكراهة إن لم يتعلّق بالجواز غرض و عدمها لغرض لا يبلغ حدّ الضرورة، و حكى في المعتبر (7) الإباحة مطلقاً عن السّيد و الشيخ في المبسوط (8) و المصباح (9)، و أشهر الأربعة الكراهة، و عليه الفاضلان (10) و المصنّف (11) و ظاهر

ص: 608


1- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 190.
2- الصيمري، كشف الالتباس: 1/ 194؛ الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 148.
3- الطوسي، مصباح المتهجد: 10.
4- الصدوق، المقنع: 41.
5- الطوسي، الخلاف: 1/ 513.
6- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 103.
7- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 189.
8- الطوسي، المبسوط: 1/ 29.
9- الطوسي، مصباح المتهجد: 10.
10- المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 1/ 22؛ العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 92، تذكرة الفقهاء: 1/ 239.
11- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 96، غاية المراد: 1/ 42.

البيان (1) و الشارح في زبره (2).

لكنّي لم أقف على نصّ صريح بها، بل و لا ظاهر سوى خبر محمّد بن يحيى، قال أبو جعفر: «إذا كان الرّجل نائماً في المسجد الحرام أو مسجد الرسول فأصابته جنابة فليتيمّم، و لا يمرّ في المسجد إِلّا مُتيمِّماً» (3)، الخبر، بناءً على عموم المسجد و أنّ التيمّم لرفع الكراهة، و لكنّه ذلك لا يصلح لإثباتها، فالأقوى جواز الجواز بلا كراهة للنصوص التي لا تفيد غيره.

و يصدق الجواز (بأن يكون للمسجد بابان فيدخل من أحدهما و يخرج من الآخر) و كذا المرور، (و في صدقه بالواحد) فيخرج السالك من حيث دخل، (من غير مكث) بين الحركتين ينافيه (وجه) استوجهه بروضه (4) إمّا لرواية جميل: «اللجُنب أن يمشي في المساجد كلّها» (5)، أو لصدق الجواز فيه.

(نعم)، صرّح الفاضل في النهاية (6) بأنّه (ليس له التردّد في جوانبه) بأن يطوف به (بحيث يخرج من (7) حدّ المجتاز)؛ لعدم الصدق، فيشمله النّهي، و الأوجه المنع فيهما إذا (8) الجواز لا يرادف المشي، بل هو أخصّ منه، و كذا المرور، لا أقلّ من الشك في صدقه لو اتّحد المدخل و المخرج فيحرم؛ لإطلاق النّهي في غير ما يصدق عليه الاجتياز يقيناً.

و الحقّ أنّ الخارج من عموم النّهي إن كان مطلق الاجتياز فلا يدخل المشكوك فيه بالعام؛ لأنّ شمول العام له ليس بأَولى من شمول الخاص، فتعارض أصالة عدم دخوله في

ص: 609


1- الشهيد الأول، البيان: 56، 62.
2- الشهيد الثاني، الروضة البهية: 1/ 351.
3- الكليني، الكافي: 3/ 73 ح14.
4- الشهيد الثاني الروضة البهية: 1/ 352.
5- الكليني، الكافي: 3/ 50 ح3.
6- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 3/ 103.
7- في المصدر: (عن).
8- كذا في المخطوطة، و لعل الصحيح: (إذ).

الخاص لأصالة عدم اندراجه في العام، و مجرّد شمول العام للمشكوك غيرُ كافٍ بعد خروج ما يحتمل صدقه على هذا الفرد. و لا قبح على الحكيم في عدم بيانه بعد استثنائه لشيء يمكن معرفته، فلا مناص عن الرّجوع حينئذٍ إلى أصل آخر من إباحة أو حظر، و إن كان الخارج فرداً خاصّاً يصدق الاجتياز عليه لا مطلقه اتّجه دخول غيره المشكوك في لحوق حكم ذلك الفرد له بالعام الصادق عليه قبل الشك.

و لعلّ المقام من الثاني؛ لظهور الاتّفاق على عدم جواز السّلوك مطلقاً إلَّا للمجتاز الظاهر في اختلاف المخرج و المدخل في المسجد فلا يولج المسجد ذو الباب الواحد إلَّا بعد الغسل.

[واجبات الغسل]

[الأوّل]

(و واجبه النّية)، (و هي القصد إلى فعله متقرِّباً) إلى الله تعالى كالوضوء (و في اعتبار) نيِة (الوجوب و الاستباحة (1) و الرفع) فيه و عدم اعتبارها مطلقاً أو أحدها (ما مرّ) في نيّة الوضوء.

و الظاهر عدم وجوب غير القربة مطلقاً فتكفي إلَّا في المشترك فيلزم التعيين، و قوّى بعضهم (2) هنا اعتبار نيّة الوجه و الرفع أو الاستباحة حتّى في مستدام الحَدَث فينوي رفع الحكم المترتّب على المانع لا نفس المانع، و فرّق آخر (3) بهذا فلم يعتبر نيّة الرفع في المستدام من المستحاضة و المبطون و يجوز للحائض أن تنوي استباحة الوطء؛ لأنها متوقّفة على ارتفاع حَدَثها.

ص: 610


1- في المصدر: (أو).
2- المحقق النراقي، مستند الشيعة: 1/ 61.
3- النجفي، جواهر الكلام: 2/ 111.

[وقت النّية]

و لا بدّ أن تكون النيّة مطلقاً (مقارنةً) (لجزء من الرأس) لا الأعلى منه، أو لجزء الوجه، أو الرّقبة؛ إذ منه الوجه (و منه الرّقبة)؛ لإطلاقه عليهما و على منابت الشعر اشتراكاً لفظياً.

و خصّها الشارح بالذِّكر؛ لأنّ في إدخالها به يدخل الوجه و الأُذنان و ما فوق الصماخين، فتكفي المقارنة لأيّ جزء من الثلاثة (إن كان) الغسل أو المغتسل (مرتّباً) - بفتح التاء و كسرها - و صحّحنا البدأة فيهما.

(و) مقارنةً (لجزء من البدن) (إن كان) المغتسل (مُرتمِساً) أو الغسل مرتمَساً - بفتح رابعه - به أو فيه مصدراً اسميّاً منصوباً على الظرفيّة؛ أي يكفي مقارنتها لجزء البدن حال الارتماس (بحيث يتبعه) - بفتح أوّله و الباء أو كسرها و ضَمّ حرف المضارعة - (الباقي) من أجزاء البدن (بغير مُهلة) ليصدق الارتماس و الدّفعة عرفاً، و اعتبر بالنيّة المقارنة لتمام البدن إن كان مرتمساً، و هو أبرأ للذَّمّة و أحوط، و يكون معنى الوحدة مقارنة النيّة لشمول الماء.

لكن الشارح بشرح الألفيّة قال: إنّ المعنى مقارنتها الجزء البدن أيّ جزء كان، و حيث كان الواجب مراعاة الوحدة عرفاً، و التعجيل باتباع الباقي، و كان جميع أجزاء البدن سواء في النيّة، تجوّز المصنّف في جعل النيّة مقارنة لجميع البدن.

و لمّا كانت جميع أجزاء البدن سواء في جواز إيقاع النيّة عندها أطلق المقارنة لها، و لا بُعد في إرادة هذا المعنى و إن تأخّر بعض أجزاء البدن عن النيّة؛ لأنّ الوحدة ملحوظة على كلّ حال (1). انتهى ملخّصه.

و فيه: إنّ مراد المصنّف ما ذكرناه من مقارنة النيّة للشمول، لا كما ظنّه من وجوب أن يقع الارتماس لا عند شمول الماء كان كما ظنّه من وجوب أن يقع الارتماس من أوّله إلى آخره في آنٍ واحد، و هو غير ممكن، ففزع إلى التأويل.

نعم، لو أوجبنا النيّة أوّل أزمنة الارتماس لا عند شمول الماء كان كما قال من عدم

ص: 611


1- الشهيد الثاني، الحاشية الأولى على الألفية: 449.

إمكان الوحدة، لكنّا لا نقوله و لا برهان على اعتباره، بل متى اعتقد المغتسل أو ظنّ شمول الماء لبدنه نوى ارتماسي الغسل.

و في جواز مقارنة النيّة لما يستحبّ من غسل اليدين أو المضمضة في الغسلين و عدمه وجهان سبق المختار منهما في الوضوء.

[الثّاني]

(و) يجب بعد النيّة في الترتيبي (غسل الرأس و الرقبة) معاً (أوّلاً) قبل الجانبين إجماعاً (1) في وجوب تقديم الأوّل على سائر الأعضاء، و هو المستفاد من النصوص (2) و المصرّح الأكثر، فلا ينبغي الشكّ فيه، و ما يُوهِم من كلام الصّدوقين (3) من العدم لا يلتفت إليه أو يؤوّل.

(و) أمّا أنّ الرأس و الرقبة (لا ترتيب بينهما) بحيث لا يجب غسله قبلها و لا يبدأ بالأعلى منه و منها؛ و ذلك (لأنهما فيه) أي البدن (عضو واحد)، كما نصّ عليه جماعة منهم المفيد (4) و ابنا زُهرة (5) و إدريس (6) و الفاضل في التحرير (7)، و المصنّف هنا و في غيره (8) عطف عليه الرّقبة، و هو يقتضي المغايرة إلَّا أن تكون (الواو) بمعنى (مع).

و الشارح في شرح الألفيّة (9) زعم أنّ العطف إشارة إلى أنّ الرأس ليس مقولاً في باب

ص: 612


1- ينظر: الشهيد الأول، الألفية و النفلية: 45؛ المحقق الكركي، رسائل الكركي: 1/ 66.
2- الكليني، الكافي: 3/ 43 ح3.
3- علي بن بابويه، رسالة الشرايع: 136؛ الصدوق، الهداية: 93، من لا يحضره الفقيه: 1/ 82.
4- المفيد، المقنعة: 52.
5- ابن زهرة، غنية النزوع: 61.
6- ابن إدريس، السرائر: 1/ 118.
7- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 93.
8- الشهيد الأول، الألفية و النفلية: 45.
9- الشهيد الثاني، الحاشية الأولى على الألفية: 450.

الغسل على المجموع، بحيث يكون مشتركاً بين هذا المعنى و بين منابت الشعر بالاشتراك اللّفظي؛ لأنه خلاف الأصل، و المفهوم من الرأس المعنى الثاني.

و التجوّز في إطلاقه على الجميع في عبارة بعض الأصحاب، حيث يجعلون أعضاء المغتسل ثلاثة: الرأس و الجانبين أَولى؛ لأنّ المجاز أرجح من الاشتراك، و لو ثبت الاشتراك أمكن تنزيل العبارة على كونه من باب عطف الخاص على العام، لا لكونه أشرف أفراده، بل لدفع توهّم إرادة بعض أفراد المشترك غير المقصود، انتهى ملخّصه.

و فيه: - بعد عدم كون المشترك اللّفظي عامّاً بالنسبة إلى معانيه أو معاني أفراده - إنّه لا اشتراك للفظ الرأس بين ما فوق الرّقبة و الرقبة، و إنّما هي جزء لبعض أفراده، فإنّما هو من عطف الجزء على الكلّ، لا الخاص على العام.

و يمكن أن يريد بالعام الكلّ و بالخاص الجزء خلاف الاصطلاح، و له وجه، و محطّ نظره - كغيره - ظهور شمول الرأس للرقبة هنا، و عساه لظهور حسنة زرارة، و فيها: «ثمّ صب على رأسه ثلاث أكفّ، ثمّ على منكبه الأيمن مرّتين، و على منكبه الأيسر مرّتين» (1).

و موثّقة سماعة و فيها: «ثمّ يصبّ على رأسه ثلاث مرّات ملء كفّه، ثمّ يضرب بكفّ من ماء على صدره و كَفّ بين كتفيه، ثمّ يفيض الماء على جسده كلّه» (2)، فإنّ الصبّ و الضرب بعد الرأس على غير الرّقبة يقضي بدخولها فيه.

و بمثلها عبّر كثير من أساطين (3) الفقهاء، لكن ذلك موقوف على لزوم الترتيب في أعضاء الغسل؛ إذ من الجائز أن يصبّ الماء على الكتف ثمّ يغسل الرّقبة، فلا نصّ فيهما على المراد، بل و لا ظهور.

فالأَحْرى وجوب غسلها مع الرأس أولاً ثمّ تنصيفها مع الجانبين إن حكمنا بالترتيب بينهما، و إلَّا فلا ضَيْر في عدم إعادة نصفها الأيسر، و في الإشارة: اغسل الرأس حتّى يبلغ الماء

ص: 613


1- الكليني، الكافي: 3/ 43 ح3.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 132 ح364.
3- ينظر: الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 218؛ الخوانساري، مشارق الشموس: 169.

أُصول شعره، و غسل الجانب الإيمن من رأس العنق، و كذا الأيسر (1)، انتهى. و ظاهر رأسه أعلاه لا أصله.

و لعلّ شهرة جواز غسلها قبلهما ليس ناظراً إلى كونها من الرأس بل هي كالرأس، في جواز التقديم لا لزومه، و لو قصرنا الرأس على منابت الشعر فقط جرى ذلك في الوجه و الأُذنين و ما فوق الصّماخين، لكن كأنّ دخولها في الرأس مسلّم عندهم؛ إذ لم يذكر أحد الإشكال في غير الرقبة.

و الأبرأ للذّمة قصر الرأس على منابت الشعر و تنصيف ما عداه مع الجانبين، بل هو الأقوى، (و) على الأوّل لا ترتيب بين الرقبة و الرأس عنده؛ و ذلك لأنه (لا ترتيب في نفس أعضاء الغسل) و إن ندب غسل الأعلى فالأعلى؛ للاتباع، و لأنه أقرب إلى التحفّظ من النسيان، بل استظهر وجوبه من المفيد حيث قال: ثمّ يغسل جانبه الأيمن من أصل عنقه إلى تحت قدمه اليمنى، ثمّ يغسل جانبه الأيسر كذلك (2).

و نحوه عبارة الشيخ في النهاية و ابن الجنيد، و زاد: و لا ضرر في نكس غسل اليد هنا (3)؛ لظهوره في عدم جواز النكس في غيرها القاضي بالتّرتيب، لكن الأشهر العدم، و من و إلى في كلام الأوّلين لتحديد المغسول لا للغسل، و الثالث لا يضرّ خلافه، و لا صراحة في كلامه على الوجوب.

و يكفي في العدم صحيحة ابن سنان الناطقة: «بمسح اللّمعة المنسيّة بعد تمام الغسل» (4)، حكى ذلك الصّادق علیه السلام عن أبيه علیه السلام، فيقوى عدم لزوم التّرتيب في نفس الأعضاء، (بل) الترتيب اللازم (بينها) فيغسل الرأس قبل الشقّ الأيمن، و هو قبل الأيسر، فهي (كأعضاء مسح الوضوء) في إصابة الماسح للممسوح من أيّ طرف كان، (بخلاف أعضاء غسله) من

ص: 614


1- ابن أبي المجد، إشارة السبق: 72.
2- المفيد، المقنعة: 52.
3- حكاه عنهم في المعتبر: 1/ 143.
4- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 34.

الوجه و اليدين؛ (فإنّه) يجب التّرتيب (فيها) بأن يغسل الأعلى فالأعلى، و يجب (بينها) مطلقاً كما سَلَف بيانه و الدّليل [هو] المفرّق.

لكن الظاهر أنّ ذلك في غير الرأس و الرقبة متّجه، و أمّا فيهما فلا، بل يلزم البدأة في الغسل به و لو كانت الرّقبة منه؛ للنّصوص المبيّنة لكيفيّة الغسل، و لم يظهر من ظاهر نصّ فضلاً عن صريحه جواز البدأة في الرقبة حتّى الخبرين اللذين استظهر منهما شمول الرأس، فيتعيّن الابتداء بالغسل فيه.

[الثّالث]

( ثمّ) [يجب] (غسل الجانب) (الأيمن) من أي جزء منه ابتداء فيه (ثمّ الأيسر) (كما وصفناه) من عدم الابتداء بالأعلى فيه، و يلزم أن لا يقدّم الأيسر على الأيمن من غير عذر و إن جوّزه جماعة (1) مطلقاً.

إلَّا أنّ الأشهر عدمه؛ للإجماع المركّب بين الطهارتين، و لأنّ كلّ مَن أوجب تقديم الرأس على الجانبين أوجب الترتيب بينهما، و لظهور الوضوء البياني فيه إذ لو كان في غيره لذكر، و لأنّ غسل الميّت كغسل الجنابة في النصّ (2)، و الترتيب واجب في الأوّل فيلزم في الثاني؛ و لحسنة زرارة (3) التي فيها عطف الأيسر بالواو على الأيمن لا على الرأس؛ لبُعده.

و هي مفيدة للترتيب بنصّ جماعة (4)، و للاحتياط، و تحصيل اليقين بزوال الحَدَث و تحصيل شرط الصلاة، فالأوجه لزوم الترتيب بين الأعضاء الثلاثة خلافاً لمن (5) نفاه مطلقاً، أو بين الجانبين؛ استضعافاً لما قضى به.

(و العورة) التي هي قُبل المرأة و قَضيب الرّجل و أنثياه و حَلَقة الدُّبر كالسّرّة (تابعة

ص: 615


1- ينظر الفاضل الهندي، كشف اللثام: 2/ 17.
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 2/ 685 ب3 من أبواب غسل الميت.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 137 ح384.
4- البحراني، الحدائق الناضرة: 3/ 455.
5- لم أقف عليه.

للجانبين) فلا داعي لذكرها، و حينئذٍ فتُغْسَل معهما، و ليست بأعضاء منفردة ليجوز غسلها قبل الجانبين، أو بعدهما، أو في أثنائها، كما صحّحه البعض (1)، بل المتّجه أنّ نصفها ملحق بالميامن و نصفها بالمياسر، لكن في الألفيّة: و يتخيّر في غسل العورتين مع أيّ جانبٍ شاء، و الأَولى غسلهما مع الجانبين (2).

و في الذكرى: لا مفصل محسوساً في الجانبين، فالأَولى غسل الحَدّ المشترك معهما، و كذا العورة، و لو غسلها مع أحدهما فالظاهر الإجزاء؛ لعدم المفصل المحسوس، و امتناع إيجاب غسلها مرّتين (3)، انتهى.

و هو يعطي إمّا إلحاقها بأحد الجانبين، أو كونها عضواً منفرداً.

و فيه نظر؛ فإنّ النصوص و كلام الأصحاب يأبى ذلك و إنْ ظهر من أخبار (4) غسل الميّت.

[الرابع]

(و يجب إدخال جزء من حدود كلّ عضوٍ) في المتّصل به إذا لم يكن بين العضوين مفصل محسوس؛ ليحصل القطع بغسله (من باب المقدّمة كالوضوء)، و يلزم أيضاً تكرير شقّ الرقبة المغسولة مع الرأس في اليسار؛ لاحتمال أنّها ليست منه فيفوت الترتيب، بل الأَولى تكرير شقّ الوجه معها من منابت الشعر عند غسل الجانب الأيسر؛ لاحتمال انصراف الرأس إلى أقصى منابت الشعر كما غبر.

[الخامس]

(و) يجب (تخليل مانع وصول الماء ) (إلى البشرة) من شعر أو خاتم، مقدّمة لحصول

ص: 616


1- المجلسي ملاذ الأخيار: 1/ 478؛ المولى النراقي، معتمد الشيعة: 242؛ المحقق النراقي، مستند الشيعة: 2/ 325.
2- الشهيد الأول، الألفية و النفلية: 45.
3- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 228.
4- الكليني، الكافي: 3/ 140 ح4.

غسلها المدلول عليه بالسُّنة (1) و الإجماع المحصّل، فلا يجتزئ بعشر الشعر عنها كالوضوء خفيفة و كثيفة، و لا يتحقّق الغسل و لا يصح إلَّا (بأن يدخل الماء خلاله إلى البشرة على وجه الغسل) دون المسح بلا شبهة في ذلك، و لا فرق في ذلك بين سائر شعر البدن.

[مستحبات الغسل]

[الأوّل]

(و يستحب) عند عَلَم الهُدى (2) و الحلّي (3) و الفاضلين (4) و أكثر من تأخّر (5) (الاستبراء ) (للمُنزِل لا لمطلق الجُنب) إلَّا أن يحتمل الإنزال كما في البيان (6)، و نفاه بروضه (7) في المحتمل، و أوجبه الشيخ (8) و بنو حمزة (9) و زهرة (10) و البرّاج (11) و سلّار (12).

و الأوجه الأوّل، فإنّ ما قضى بوجوب إعادة الغسل لغير المستبرئ بخروج البَلَل المشتبه ما كان ليقضي بالوجوب مع وجود الأصل السالم عن المعارض القاضي بعدمه، و يلزمه أن

ص: 617


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 364 ح1106.
2- حكاه عنه في مختلف الشيعة: 1/ 335.
3- ابن إدريس، السرائر: 1/ 118.
4- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 185؛ العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 63، تذكرة الفقهاء: 1/ 232.
5- المجلسي، ملاذ الأخيار: 1/ 514؛ الفاضل الهندي، كشف اللثام: 2/ 26؛ المولى النراقي، معتمد الشيعة: 247.
6- الشهيد الأول، البيان: 55.
7- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 160.
8- الطوسي، المبسوط: 1/ 29.
9- ابن حمزة، الوسيلة: 55.
10- ابن زهرة، غنية النزوع: 61.
11- ابن البراج، المهذب: 1/ 45.
12- سلّار، المراسم العلوية: 41.

يستبرئ (بالبول) مع إمكانه؛ (ليزيل) به (أثر المَنيّ الخارج) و عينه نحو غسل المخرَج بالماء الذي يزول به العين و الأثر (ثمّ بالاجتهاد بما تقدّم من الاستبراء) لا بعده كما تُوْهمه العبارة.

و إن استحب بعد البول أيضاً فالمراد أنّ من لا يمكنه البول يستبرئ، و هو [و] إنْ زال به العين دون الأثر إلّا أنّه يفيد مفاده، أو فيه إشارة [إلى] استحباب الاستبراء مطلقاً، و هو مع عدم التمكّن من البول و بعده مصرّح به، و أمّا مع التمكّن من البول و الإعراض عنه فقد يظهر من بعض العبائر استحبابه مطلقاً كعبارة المبسوط، قال: الاستبراء بالبول أو الاجتهاد (1)، إلَّا أنّ الأظهر عدمه.

(و في استحبابه للمرأة قولٌ) مَرضيّ به عنده، و حينئذٍ (فتستبرئ عرضاً) بالاجتهاد، و (أمّا) استبراؤها (بالبول فلا) يفيد و لا يندب عنده و إن صرّح به غيره (2)، بل عساه أشهر من ندبيّة الاجتهاد لها، لكنّه نفاه؛ (الاختلاف المخرجين)، مع أنّ العلّة مشتركة لكنّها في الرّجل أقرب، فلو عبّر بالأقربيّة كان أَولى، و الأوجه اختصاصه بالرّجل مطلقاً.

[الثاني]

(و) تستحبّ (المضمضة و الاستنشاق) (كما مرّ)؛ الصحيحة زرارة (3).

[الثّالث]

(بعد غسل اليدين ثلاثاً) في الثلاثة أو الأوّل، و يستحبّ أن يكون (من الزندين، و عليه المصنّف في الذكرى (4)) و الفاضل في زبره (5)، (و قيل: من المرفقين، و اختاره في النفليّة (6)) تبعاً

ص: 618


1- الطوسي، المبسوط: 1/ 29.
2- ينظر: المفيد، المقنعة: 54؛ النهاية و نكتها: 1/ 230.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 78 ح 199.
4- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 238.
5- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 233، منتهى المطلب: 2/ 207.
6- الشهيد الأول، الألفية و النفلية: 98.

للجُعفي (1)، (و أطلق) المصنّف (في غير هما (2) كما هنا)، (و كلاهما مؤدِّ للسنّة و إن كان الثاني أَولى)؛ لأنه أبلغ في التنظيف و العمل بالاحتياط.

[الرّابع]

(و) تندب أيضاً (الموالاة) (بين الأعضاء) الثلاثة (بحيث كلّما فرغ من عضو شرعَ في الآخر)، بل (و في غسل نفس العضو) بأن يشرع في الجزء اللّاحق بعد الفراغ من سابقه بلا مُهْلَة أو يغمره في الماء جملةً، و ندبيّته بالخصوص و إن فقدت نصّاً مخصوصاً، لكنّها تندب (لما فيه من المسارعة إلى الخير)، (و) لما فيه من (التحفّظ من طريان المفسد)، و لأنّ المعلوم فعله للقائمين بالشرع.

(و) حينئذٍ (لا تجب) قطعاً (في المشهور (3))، بل لم نقف على خلاف فيه (إلَّا لعارض كضيق وقت العبادة المشروطة به) ما لم ينتقل التكليف إلى التيمّم و خوف فوت الماء على رأي (4).

(و خوف فجأة الحَدَث) مطلقاً إن أبطل الأصغر الغسل أو الأكبر فقط، كخوف طروّ الحيض (للمستحاضة و نحوها) كالجنب الذي يخاف فجأة الجنابة أو الحيض أو الاستحاضة محافظة على سلامة العمل من الإبطال إن تحقّق موضوعه؛ إذ هو بالبطلان أشبه.

نعم، إذا كان مستمرّاً فالأقوى اشتراطها في صحّة العمل؛ لعدم العفو عمّا سوى الضروري، وفاقاً للشيخ علي (5) و الحدائق (6) و غيرهما (7).

ص: 619


1- حكاه عنه في ذكرى الشيعة: 2/ 238.
2- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 96.
3- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 243؛ الشهيد الثاني، الفوائد الملية: 76.
4- الدر المنضود في معرفة صيغ النيات: 23.
5- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 274.
6- البحراني، الحدائق الناضرة: 3/ 84.
7- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 2/ 222؛ الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 229.

(و قد تجب) أيضاً (بالنذر) بلا شبهة؛ (لأنه راجح)، و كلّ راجح يشرع نذره.

[الخامس]

(و) يندب أيضاً (نقض المرأة الظفائر) (جمع ظَفيرة، و هي العقيصة) و الخصلة المجموعة (المجدولة) المُحْكَمَة الفَتل (من الشَّعر)، (و خَصّ المرأة) بالذِّكر للتنبيه على خلاف المفيد (1) فيها حيث أوجبه في ظاهر كلامه، فنفاه و أبطله؛ (لأنها مورد النّص) القاضي بالندبيّة مثل حسنة جميل (2) و خبر محمّد بن مسلم (3) المُشْعِرَين بعدم النقض، و القاضي بعدم الوجوب كقول الصادق علیه السلام في رواية الحلبي و غياث: «لا تنقض المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة» (4).

(و إلَّا فالرجل كذلك) يستحبّ له و يندب في كلّ غسل إلَّا غسل الميّت، و إنّما لم يجب النقض فيها (لأنّ الواجب غسل البشرة دون الشعر) كما مرّ، و رواية نقض الحائض الشعر بالمشط محمولة على تأكّد الاستحباب فهو علّة لأصل الحكم لا المساواة و إن اقتضاه سَوْق الكلام.

و يحتمل أن يكون دليلاً على المساواة؛ إذ المدّعى مشتمل على المساواة في أمرين:

عدم الوجوب و الرّجحان، فاستدلّ على أحد الجزأين و يكون قوله: و إنّما استحب النّقض للاستظهار و النصّ، مفصولاً عمّا قبله و دليلاً على أصل المسألة.

و يمكن أن يكون المجموع دليلاً على المساواة، و معناه أنّ الرجل كالمرأة في عدم وجوب النقض عليه و استحبابه له؛ لوجوب غسل البشرة فقط (و[إنما] (5) استحباب (6)

ص: 620


1- المفيد، المقنعة: 54.
2- الكليني، الكافي: 3/ 45 ح17.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 147 ح419.
4- الكليني، الكافي: 3/ 45 ح16.
5- أثبتناه من المصدر.
6- في المصدر: (استحب).

النقض للاستظهار و النّص) لا لشيء آخر يخصّ المرأة، و الاستظهار شامل لهما، و النّص و إن اختصّ إلَّا أنّه لا يفيد نفي الحكم عن غير المرأة، و اختصاصه لكونه مورد السؤال، و أوجه الاحتمالات الأوّل، و هو إبطال توهّم الوجوب أوّلاً، ثمّ إثبات الرجحان؛ للاستظهار و النّص.

[السّادس]

(و) يستحبّ (تثليث الغَسل) بالفتح (لكلّ عضو من أعضاء البدن الثلاثة)، و هي الرأس و الجانبان (بأن يغسله ثلاث مرّات) كاستحباب المرّتين في الوضوء، و لا نصّ يفيد إلَّا ظاهراً، لكن صرّح به جماعة (1) فتبعناهم.

[السّابع]

(و) كذا يندب (فعله) (أي الغُسل) بالضمّ لا التثليث و إن سبق إلى الذهن، فيفعل واجباً أو ندباً (بجميع سُننه) الواجبة و المندوبة (الذي من جملته تثليثه) إمّا خبر لمحذوف أو صفة للجميع إن جوّزنا أنّ الظرف صفة له، و الضمير الأخير عائد للغُسل بالضمّ لا له بالفتح، و إن ذكر كضمير فعله و إن صلح المعنى بعودهما له بنوع تمحّل.

فحاصل المعنى أنّه يندب الغسل ثلاثاً (بصاع) من ماء كما قَضَت به جملة من الأخبار (2)، بل الاتّفاق (3) على استحبابه بالصاع لا أزيد منه، و قد ورد عن النبي صلّی الله علیه و آله قال: «الوضوء بمُدّ و الغسل بصاع، و سيأتي أقوام يستقلّون ذلك فأُولئك على خلاف سُنّتي، و الثابت على سُنّتي معي في حظيرة القدس» (4).

و الصاع ستّة أرطال بالمَدَني و تسعة بالعراقي؛ لخَبري عليّ بن بلال (5) و جعفر بن إبراهيم

ص: 621


1- كالشهيد الأول في النفلية: 100؛ و المحقق الكركي في جامع المقاصد: 1/ 371.
2- الصدوق، من لا يحضره الفقه: 1/ 34 ح69.
3- نظر المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 186.
4- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 34 ح70.
5- الكليني، الكافي: 4/ 172 ح8.

الهمداني (1).

و قال البزنطي: الصاع خمسة أرطال، و غيره سنّة برطل الكوفة (2)، و هو خلاف المشهور في تقديره كتصريح جماعة (3) بندبيّته بصاع فما زاد، و الخبر يردّهم.

[أحكام الجنابة]

(و لو وجد) (المجنبُ) مطلقاً (بالإنزال) لا بالإيلاج (بَلَلاً) بعد الغُسل، فإن عيّنه مَنيّاً وجب إعادة الغسل، أو عيّنه غيره لم يلتفت استبرأ أو لا، و إن وجده و كان (مشتبهاً) و مشكوكاً فيه عنده؛ فإن كان ذلك البَلَل بوصفه (بعد الاستبراء) (بالبول، أو الاجتهاد) مع إمكان البول أو (مع تعذّره) (لم يلتفت) بل يجزم بصحّة غسله، و هو مع البول مقطوع به، و مع الاجتهاد و تعذّر البول مصرّح به في زبر جملة من المحقّقين (4) غير الصدوق، فإنّه لم يذكر الاجتهاد، بل نَصَّ على الإعادة إن لم يَبُل.

و المتّجه الإعادة مع التعذّر و الإمكان؛ لعدم مستند صالح لعدمها، و قياس المني على البول لا ينجم، فالقول بالتفصيل بين البائل و المجنب أحوط و أَولى، فإنّ الأخبار الناصّة على عدم الإعادة عند عدم البول غير نقيّة السّند فلا تصلح سنداً للحكم، مع معارضتها بما قضى بالإعادة إن [لم] (5) يبل مطلقاً، مضافاً إلى الفرق بين البول و المَنيّ؛ إذ الأوّل تزول أجزاؤه بالجفاف دون الثاني.

(و) أمّا إن كان (بدونه) (أي بدون الاستبراء بأحد الأمرين) البول أو الاجتهاد مع

ص: 622


1- الكليني، الكافي: 4/ 172 ح9.
2- نقله عنه في ذكرى الشيعة: 2/ 241.
3- الطوسي، الجمل و العقود: 43؛ ابن البراج، المهذب: 1/ 46؛ ابن حمزة، الوسيلة: 56؛ ابن أبي المجد، إشارة السبق: 73؛ المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 186.
4- العلّامة الحلى، مختلف الشيعة: 1/ 335؛ الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 3/ 229؛ الفاضل الهندي، كشف اللثام: 2/ 28؛ البحراني، الحدائق الناضرة: 3/ 35.
5- زيادة يقتضيها السياق.

تعذّره (يغتسل) وجوباً و يحكم بمنيّه المشتبه، و تلحقه باقي أحكام المَنيّ من نجاسته و نجاسة ملاقيه، كالخارج بعد البول و قبل الاستبراء سواء تعمّد ذلك أو نسيه، و يظهر من بعض الأخبار (1) عدم إعادة الناسي.

و يظهر من الشيخ في النهاية (2) أنّه مع التعرّض للبول و لم يبل لا يعيد و إن لم يجتهد، و هما مزيّفان، أو محمولان على غير الظاهر.

(و) أمّا البَلَل المشتبه (لو وجده بعد البول) و الغسل (من دون الاستبراء) بالاجتهاد (بعده) أي البول (وجب الوضوء خاصّة)؛ إذ هو حكم مَن لم يستبرئ مِن البول، و النصوص (3) ناطقة بالحكم المزبور.

و (أمّا الاجتهاد بدون البول مع إمكانه فلا حكم له)؛ إذ المتيقّن من شرعيّة الاجتهاد أنّه مع تعدّر البول، فيقتصر عليه و يجب إعادة الغسل، ( و ) لا تُعاد (الصلاة السابقة) (على خروج البَلَل المذكور)، بل هي (صحيحة)، خلافاً لبعضهم (4) فأفسدها لخبر (5) متروك، و إنّما صحّت (لارتفاع حكم) الحَدَث (السابق) بالغسل، و (الخارج حَدَث جديد) آخر يقتضي الغسل، و من خروجه لا قبله.

(و إن كان قد خرج عن محلّه إلى محلّ آخر)؛ إذ تبدّل المحلّ لا يثبت الغسل الموقوف

ص: 623


1- ينظر الطوسي، الاستبصار: 1/ 119 ح405.
2- النهاية و نكتها: 1/ 230.
3- نظر الطوسي، الاستبصار: 1/ 118 ح399.
4- حكاه عن البعض في ذخيرة المعاد: 1/ 58.
5- واية أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الله بن مسكان، فإنّ في التهذيب و الكافي: أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن عبد الله بن مسكان؛ فالسند حينئذٍ ليس بصحيح؛ لاحتمال السقوط هنا سهواً، بل هو الظاهر. راجع: استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار: 2/ 239. و نص الخبر: «عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله علیه السلام، قال: سألته عن الرجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شيء؟ فقال: يعيد الغسل، قلت: فالمرأة يخرج منها بعد الغسل؟ قال: لا تعيد، قلت: فما الفرق بينهما؟ قال: لأنّ ما يخرج من المرأة إنّما هو ماء الرجل». راجع: الكافي : 3/ 49 ح1؛ تهذيب الأحكام: 1/ 143 ح404.

على الخروج من المعتاد.

(و) منه يظهر أنّ (في حكمه ما لو أحَسّ) المجنب قبل إنزاله المَنيّ بخروجه (فأمسك عليه و صلّى ثمّ أطلقه) صحّت صلاته زمن المدافعة و اغتسل بعد إطلاقه.

و الأَولى أن يرتّب في غسل الجنابة و غيره؛ إذ هو أفضل.

نعم (يسقط التّرتيب) فيه و في غيره (بين الأعضاء) مطلقاً أو (الثلاثة) فقط (بالارتماس) (و هو) ما يتحقّق به (غسل البدن أجمع) غير الشعر (دفعة [واحدة] (1) عرفيّة)؛ لعدم إمكان الحقيقية، فإنّ الدفعة بهذا المعنى تنافي الترتيب، فيسقط اعتباره، و يكون الغسل بالارتماس في عرض المرتّب منه.

و احتمل الشيخ رحمه الله (2) اعتبار التّرتيب في الارتماس بأن ينويه المرتمس مرتّباً أو أنّ ارتماسي الغسل في حكم المرتّب منه قبل.

و تظهر الثمرة في مَن أغفلَ لمعة من بدنه، فإنّه يعيد على المشهور (3) من سقوط الترتيب رأساً؛ لعدم الوحدة، و يعيد ما بعدها على الترتيب الحكميّ و في النذر و اليمين.

و نوقش بمتابعة النّذر و اليمين للقصد، و مع فقده لا ينصرف الإطلاق إلى مثل ذلك و بأنّ الترتيب الحكميّ على القول به متفرِّع على صدق الارتماس، و مع بقاء اللّمعة المنسية لا يصدق، فلا ثمرة.

و قد يرد بصدق الارتماس العرفي مع بقاء اللّمعة؛ لعدم منافاته للدّفعة العرفيّة.

و الظاهر لزوم إعادة الغسل الارتماسي مع بقاء اللّمعة؛ لعدم وقوع المنوي على وجهه،

ص: 624


1- أثبتناه من المصدر.
2- الطوسي، المبسوط: 1/ 29.
3- ينظر: الشهيد الثاني المقاصد العليّة: 117؛ المحقق السبزواري، ذخيرة المعاد: 1/ 142؛ البحراني، الحدائق الناضرة: 3/ 84.

و عدم صدق غسل البدن بارتماسة واحدة و إن صدق الارتماس، و عليه جملة من تأخّر (1)، و قوّى الفاضل (2) الاكتفاء بغسلها مطلقاً و ثاني المحقّقين (3) التفصيل بين طول الزمان و قصره، فيعيد في الأوّل، و غيرهما (4) بانقلاب الغسل إلى الترتيبي حينئذٍ فيغسل ما بعدهما، و الجميع منظور فيه؛ لوَهْن برهانه. نعم إن ثبت الترتيب الحكمي فالأخير متّجه، و إلَّا فلا معنى للانقلاب.

(و كذا) يسقط التّرتيب غير الارتماس من (ما أشبهه كالوقوف تحت المجرى و المطر) مطلقاً، وفاقاً للشيخ في المبسوط (5) و كتابي الحديث (6) و ظاهر ابن الجنيد (7) و الصدوق في الأمالي (8) و الفاضل في كتبه (9) مع إلحاق الميزاب و شبهه بهما أو (الغزيرين) كما هو مختار الشارح هنا و بغيره (10)، و أنكره مطلقاً الحلّي (11) و المحقّق (12) و المصنّف في البيان و الدّروس (13)، لكن في الذكرى (14) توقّف.

ص: 625


1- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 97، البيان: 55.
2- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 84.
3- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 280.
4- المحقق النراقي، مستند الشيعة: 2/ 336.
5- الطوسي، المبسوط: 1/ 29.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 149 ح424.
7- حكاه عنه في ذكرى الشيعة: 2/ 226.
8- الصدوق، الأمالي: 746.
9- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 93، تذكرة الفقهاء: 1/ 232.
10- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 156.
11- ابن إدريس، السرائر: 1/ 121.
12- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 185.
13- الشهيد الأول، البيان: 55، الدروس: 1/ 96.
14- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 226.

و التفصيلُ حسنٌ؛ لتحقّق الوحدة العرفيّة، فتشمله نصوص الارتماس؛ إذ لا معنى له إلَّا التغطّي بالماء دفعة، و هو صادق هنا، و حينئذٍ فلا فرق بين المجرى و المطر بشرطهما و بين ما ينصبّ من الإناء و الميزاب إذا ساواهما، و لعلّه داخل بما أشبهه.

و الحاصل: كلّ ما يغمر البدن دفعة واحدة يسقط الترتيب و يدخل في الارتماس؛ (لأنّ البدن يصير به عضواً واحداً)، فلا يمكن رعاية الترتيب فيه مطلقاً، كأحد الثلاثة في الترتيبيّ. و يعاد غسل الجنابة بقسميه إن أمكن في الثاني و غيره من الأغسال بالحَدَث الأكبر في خلاله، و هو في المجانس لا شبهة فيه، و في غيره (1) مع الجنابة لا نقض، كما لو اجتمع موجبان للغسل.

و قيل (2): الحيض ناقض للجنابة؛ لقوله علیه السلام: «قد جاءها ما يفسد الصلاة» (3)، في الخبر الاكتفاء بغسل واحد لهما.

و الحقّ جريان الأقوال الثلاثة الآتية في غير المجانس إذا اجتمع مع الجنابة؛ لإمكان إغنائها عنه كالوضوء، و مع غيرها لا، بل لكلٍّ غسل.

(و) كذا (يُعاد) (غُسل الجنابة) دون غيره من الأغسال (بالحدث) (الأصغر) (في أثنائه) من غير دائمه (على الأقوى) (عند المصنّف) في الثلاثة (4) (و جماعة) كالصدوقين (5) و الشيخ (6) و الفاضل (7) و الفخر (8) و غيرهم (9).

ص: 626


1- ينظر الشيخ حسن، أنوار الفقاهة: 1/ 214.
2- ينظر النجفي، جواهر الكلام: 3/ 130.
3- الكليني، الكافي: 3/ 83 ح1.
4- الشهيد الأول، البيان: 55، الدروس: 1/ 97.
5- علي بن بابويه، رسالة الشرائع: 138؛ الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 49، الهداية: 21.
6- الطوسي، المبسوط: 1/ 29، 30.
7- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 95، تذكرة الفقهاء: 1/ 246 و 2/ 136.
8- فخر المحققين، إيضاح الفوائد: 1/ 48.
9- منهم: ابن سعيد في الجامع للشرائع: 40؛ و ابن فهد في المقتصر: 50؛ و الفاضل المقداد في التنقيح: الرائع: 1/ 98.

و كونه بالنيّة السابقة أو بنيّة أُخرى، وجهان، و ظاهر إطلاقه الثاني، و الأقوى التخيير على هذا القول؛ لعدم الإخلال بالنيّة.

(و قيل) و القائل ابنا إدريس (1) و البرّاج (2) (لا أثر له مطلقاً) لا في إعادة الغسل و لا إيجاب الوضوء.

(و في) قول (ثالث) جازم به عَلَم الهُدى (3) و المحقّق (4) في بعض كتبه أنّه (يوجب الوضوء خاصّة) مخيّراً فيه بين أن يقدّمه على غسل باقي الأعضاء أو بعد تمام الغسل، (و هو الأقرب) الذي يساعده الدليل.

(و قد حقّقنا القول في ذلك برسالة مفردة) ملخّص ما فيها استضعاف أدلّة القولين الأوّلين و قوّة الثالث؛ للجمع بين ما دلّ على صحّة مثل هذا الغسل من الاستصحاب و الإطلاقات، و بين ما قضى بإيجاب الأصغر للوضوء مطلقاً إلَّا ما خرج قطعاً، و ليس هذا منها.

و الأقوى ما عليه المصنّف؛ إذ جعْلُ هذا الحَدَث كالمتأخِّر ليس بأَوْلى من جعله كالمتقدّم، مع ثبوت جميع أحكام الجنابة لهذا المُحْدِث من حرمة المسّ و لو بالعضو المغسول، و من عدم المَكْث في الجامع و غيرهما، فلا يجري أحكام غير المجنب على ما غسله من الأعضاء قبل الإتمام، و لا يجامع الوضوء الجنابة مع بقائها المفروض، و هو و إن اقتضى أن يخلو هذا الحَدَث من أثر فيقضي بالوسط، فإنّه حَدَث جامع الجنابة و لو قبل آخر الأجزاء؛ لفرض بقائها في جملتها قبل الانتهاء، لكن حيث قَضَت فحاوى الأدلّة بسقوط أثر الأصغر لو وقع قبل نيّة الغسل لزمنا الإعادة و نيّة الغسل مجدّداً كي يسقط، و بعروضه تكون الأعضاء المغسولة كأنّها من غير نيّة غسلت، فلا عِبرَة بها، فحدوثه كالقاطع للعبادة من نجاسة أو غصب أو جنون لو

ص: 627


1- ابن إدريس، السرائر: 1/ 119.
2- ابن البراج، جواهر الفقه (الجوامع الفقهية): 473.
3- حكاه عنه في المعتبر: 1/ 196.
4- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 196.

وقع في الأثناء؛ لإفادته لغويّة ما سبق منها.

و حينئذٍ لزوم إعادة الغسل مقدّمة؛ لحصوله قبله كالحاجب المشكوك في حجبه لا في أصله، و لو أعرضت عمّا حرّرنا و زَعَمت أنّه ضَرْبٌ من الاستحسان الذي لا يناط به الحكم الشرعي قلنا: الإعادة تعبّديّة؛ لخبر عرض المجالس (1) و الفقه الرضوي (2)، و كلام من (3) ينزّل قولهم منزلة الأخبار عند إعواز النّصوص، و لو احتيطَ بالوضوء بعده معاداً لم يكن به بأس.

و (أمّا) لو تخلّل الحَدَثُ في (غير غسل الجنابة من الأغسال) الرافعة له (فيكفي إتمامه مع الوضوء قطعاً) من غير خلاف معروف.

(و ربّما خرّج بعضُهم)، كظاهر المصنّف هنا و في البيان (4) و الفاضل في التحرير (5) (بطلانه كالجنابة)، بدعوى أنّ الرافع للحَدَث فيها هو مجموع الغسل و الوضوء، فكلّ منهما علّة ناقصة في رفعه.

و عليه، فالمتخلّل لا بدّ له من رافع، و الوضوء مع بعض الغسل لا يكفي في رفعه؛ لنقصان أحد العلّتين، فلا بدّ من الإعادة حتّى لو حدث بعد تمام الغسل قبل الوضوء؛ لوجود التخريج فيه، (و هو ضعيف جدّاً)؛ لما مرّ في دليل الثالث.

و يعضده عدم رفع هذه الأغسال للحَدَث الأصغر فلا مَدْخَل له فيها، فلا يبطلها، و لا يرتفع بغير الوضوء.

قال الشارح في الرّسالة: و يمكن بناء الخلاف هنا على أنّ الأحداث الموجبة للوضوء و الغسل هل هي حَدَث واحد أكبر لا يرتفع إلَّا بالوضوء و الغسل، أم حَدَثان أكبر و أصغر فوجب لذلك الوضوء و الغسل؟ و على التقدير هل الوضوء منصرف إلى الأصغر و الغسل

ص: 628


1- حكاه عنه في ذكرى الشيعة: 2/ 248؛ جامع المقاصد: 1/ 274.
2- الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام: 82.
3- علي بن بابويه، رسالة الشرائع: 138.
4- الشهيد الأول، البيان: 55.
5- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 95.

إلى الأكبر هما معاً يرفعان الحَدَثَين على سبيل الاشتراك؟ كلّ من الثلاثة محتمل و ربّما كان به قائل، و قد نصّوا (1) عليه في مواضع:

منها: هذه المسألة؛ و منها: نيّة الوضوء على تقدير تقديمه، أو مطلقاً، فقد قيل (2): إنّه ينوي الاستباحة؛ لأنه ليس برافع للحَدَث الأكبر، و إنّما الرافع له الغسل. و قيل (3): يتخيّر فيهما.

و منها: إباحة ما يتوقّف على الطهارة الكبرى خاصّة، كالصّوم و دخول المساجد و قراءة العزائم، و في البيان (4) في نيّة الوضوء المضموم إلى غسل الاستحاضة مع تقدّمه كالمختلف (5)، ففي توزيع الوضوء و الغسل على الحَدَثَين، و أنَّ كلّ واحد منها كجزء الطهارة، و هو محتمل للوجهين الأخيرين، و ظاهرهما اختيار الحَدَثَين، و أنّ كلّ واحد منهما علّة ناقصة لرفعهما.

و يظهر من الذكرى (6) اختيار التوزيع، و يؤيّده اتّفاقهم على جواز الصّوم من منقطعة الدّم إذا اغتسلت و إن لم تتوضّأ (7).

و الحق أنّه إن ثبت الاتّفاق على صحّة الأفعال الموقوفة على رفع الأكبر بدون الوضوء و القول بالتوزيع متعيّن إذ لولاه لم يتم هذا الحكم و إلَّا فإثبات الحَدَثَين بمجرّد وجوب الطَّهارتين غير واضح، و لكنّا علمنا يقيناً تحقّق الحَدَث بالأسباب المذكورة و وجوب الطهارتين و ارتفاع الحَدَث بهما، و ما زاد على ذلك لا دليل عليه، و يتفرّع على ذلك القول بإجزاء غُسل الجنابة عن غيره، و إجزاء غيره عنه أو عدمه مع اجتماعهما، فإنّهم ادّعوا أنّ غُسل

ص: 629


1- السيد العاملي، مدارك الأحكام: 1/ 362.
2- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 141.
3- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 2/ 110.
4- الشهيد الأول، البيان: 65.
5- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 208.
6- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 251 و 2/ 215، 216.
7- رسائل الشهيد الثاني: 1/ 153، و ما بعدها.

الجنابة أقوى من غيره؛ حيث رفع الحَدَث من غير انضمام إلى الوضوء و توقّف غيره في رفعه على انضمام الوضوء.

فيمكن أن يُقال هنا: إنّ مُوجِب الطهارتين حَدَثُ واحد توقّف رفعه عليهما، فهو أقوى من الجنابة، فإنّها ترتفع بالغسل خاصّة، و غير حَدَثها لا يرتفع إلَّا بهما، و إن جعلناهما حَدَثين لا يرتفعان إلَّا بالوضوء و الغسل على سبيل الاشتراك فغير الجنابة أقوى أيضاً فإطلاق كون غسل الجنابة أقوى غير واضح و إن كان لإجزائه دليل آخر.

إذا تقرّر ذلك فنقول: إن قلنا بتوزيع الوضوء و الغسل على الحَدَثَين و صرف كلّ منهما إلى ما يناسبه قوي القول بالاجتزاء بالوضوء بعد الغسل بتخلّل الحَدَث الأصغر؛ لأنه يوجب الوضوء و يدخل مع الواجب الآخر؛ لتماثلهما، و إن قلنا بأنّه حَدَث واحد يوجب الوضو و الغسل احتمل عدم الاجتزاء بالوضوء المتأخِّر؛ لأنه ليس هنا حدث أصغر حتّى يدخل مع هذا الحَدَث المتخلّل، و يحتمل الاجتزاء؛ لما أسلفناه من أنّ المتداخل إنّما هو الطّهارات لا الأحداث، و هنا اجتمع عليه وضوءان أحدهما بسبب الحَدَث الأكبر السابق، و الآخر بسبب الأصغر اللّاحق، فيتداخلان، و إن قلنا بأنّهما حَدَثان لا يرتفعان إلَّا بالطّهارتين، فالوجهان أيضاً من حيث اجتماع الوضوءين.

و كون أصل الوضوء له مدخل في رفع الأكبر كما أنّ للغسل مدخلاً في رفع الأصغر كغسل الجنابة المجامع للأصغر، فدخول الحَدَث اللّاحق في الوضوء غير مناسب؛ لأنه لا يرفع الحَدَث اللّاحق بانفراده، و لا في الغسل لذلك، و إذا لم يدخل و وجب له وضوء آخر لزم وجوب وضوءين مع غسل، و هو غير معهود، أو غير جائز، فبقيت الإعادة؛ أو نقول: الجزء السابق على الحَدَث من الغسل ارتفعت رافعيّته بالنسبة إلى الحَدَث الأصغر المرتفع به و بالوضوء، و ما بقي من الغسل و ما معه من الوضوء ليس علّة تامّة في الرفع أو الإباحة بالنسبة إلى هذا الحَدَث، فلا بدّ لرفعه من وضوء و غسل تامّين، فبقيت الإعادة.

فظهر أنّ للقول بالإعادة مطلقاً وجهاً و إن كان الاكتفاء بالوضوء مطلقاً أقوى، و القول

ص: 630

بعدم تأثير الأصغر مع الأكبر محتمل هنا أيضاً، انتهى (1). و فيه مواقع للنظر (2).

ص: 631


1- انتهى ما نقله عن الشهيد في رسائله مع اختلاف غير يسير.
2- تقدم منه في صفحة قوله: (فهاهنا فصول ثلاثة: الأول: الوضوء)، و قال في صفحة: (الفصل الثاني في الغسل) و الملاحظ أنه لم يذكر الفصل الثالث و الذي هو في التيمم.

[مبحث الحيض]

[تعريفه]

(و أمّا الحيض) ففي اللّغة: السّيل مطلقاً (1) أو بقوّة (2) و مثله المحيض (3)، و أمّا في الاصطلاح (فهو ما) (أي الدّم)؛ ليكون بمنزلة التعريف دون أخذها بمعنى الشيء، لكن الأَوْلى حذف لام الدّم؛ لأنّ متعارف التعاريف التعبير بالجنس الموصوف بفصله، و كأنّه عرّفه لدرج جميع الخصوصيّات في لفظة (ما) حتّى يكون المعنى أن الدّم المعروف بين الفقهاء هو (الذي) (تراه المرأة) مطلقاً (بعد) (إكمال) (تسع) (سنين هلاليّة) لا شمسيّة، تحقيقيّة لا تقريبيّة، حتّى لو كان ما بين رؤية الدّم و استكمال التسع ما لا يسع الحيض و الطّهر يحكم بعدم الحيض إذا تجاوز يومين و في الثلاثة يحكم بالحيضيّة؛ إذ الإجماع قائم على استكمال التسع، و لا يكفي الظنّ في التاسعة؛ له و لخبر عبد الرحمن (4) و روايته (5)، و لعدم صدقها حقيقة بدون الكمال.

بل صريح جماعة (6) أنّ شرط الحيضيّة إكمال التّسع فيشكل جعلهم الحيض علامة أُخرى للبلوغ؛ للزوم الدّور، و التخلّص بانحصار العلامة ببلوغ التّسع، و الحيض كاشف عنه في مجهولة التاريخ، لا عَلامة مستقلّة، لا يجدي بعد فرض كون الشرط فيه إكمال التسع، أو المانع بقاء الصغر، و المشروط عدم عند فقد شرطه، فيرجع في نفي الشرط و المشروط إلى أصالة عدم تحقّقها، و أصالة استمرار المانع، و عدم تحقّق الحيض.

و احتمالُ إجراء قاعدة الإمكان فيه التي لا يحكم عليها قاعدة عدم الحيض قبل التّسع؛

ص: 632


1- الفيروزآبادي، القاموس: 2/ 341.
2- كما في المعتبر: 1/ 197؛ ذكرى الشيعة: 1/ 227؛ جامع المقاصد: 1/ 281.
3- كما في المبسوط: 1/ 41؛ السرائر: 1 / 143؛ ذكرى الشيعة: 1/ 227.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 2/ 292 ح1172.
5- الكليني، الكافي: 6/ 88 ح10.
6- منهم: المجلسي، روضة المتقين: 8/ 137.

إذ بالدّم المرئي المحكوم بأنّه حيض يستكشف فيه بلوغ العدد، مدفوعٌ بأنّ عموم الحكم بالتحيّض بعد إحراز عدم الصّغر فهو في المرأة، و الفرض وجود الشكّ في كون ذات الدّم (مرأة)، فمفاد أخبار الأوصاف هو الرّجوع إليها عند الاشتباه بالاستحاضة لا مطلقاً، فهي و إن قضت بالوجود عند الوجود لكن موردها غير الفرض المرقوم؛ فالأوجه عدم توقّف الحكم بالحيضيّة على التسع بعد تحقّق الأوصاف، فهو أحد عَلامَتي البلوغ مثل: خروج المنيّ و العدد في الذكر.

(و) كذا يحكم بالحيض إذا وجدته (قبل) (إكمال) (ستّين) سنة (إن كانت المرأة قرشيّة) في المشهور كما في الحدائق (1)، (و هي المنتسبة بالأب) فقط، أو مع الأمّ، لا بالثاني فحسب (إلى النضر بن كنانة) ثاني عشر أجداد النبيّ صلّی الله علیه و آله، و منه تقرّشت قريش، (و هي أعمّ من الهاشميّة) لكن لا يعرف منهم الآن إلَّا الخاص.

و حينئذٍ (فمن عُلِمَ انتسابها إلى قريش بالأب) بما يفيد العلم أو الظنّ الذي ينزّل منزلته (لزمها حكمها)، و هو بلوغ الستّين، (و إلّا) بأن علم العدم أو كان الانتساب مشكوكاً، (فالأصل عدم كونها) مع الشك فيها (منها) فتلحق بغير قريش؛ إذ الأصل عدم الانتساب مع الشكّ فيه، المزيل لأصالة عدم ارتفاع الحيض، مع أنّه لا يثبت أنّ الدّم دم حيض و إن ثبت به وجوب الاعتداد؛ لأنه من آثاره، لكن ذلك بعد البناء على إجراء الأُصول العدميّة في الموضوعات الخارجيّة كما هو الحقّ، و بعد تحقّق أخذ العلم موضوعاً في القرشيّة، إذ لو كان طريقاً فاندراجها في غيرها ليس بأَولى من اندراجها فيها، فيتعارض الأصلان، و يفزع حينئذٍ إلى غير أصالة عدم الانتساب؛ و لعلّه لذلك قرّر الأصل في الجماليّة (2) طوراً أنّه بمعنى الظاهر الحاصل من غَلَبة عدم كون الشخص قرشيّاً، و أُخرى بأصالة عدم سقوط العبادة الرّاجع إلى استصحاب الحكم مطلقاً قبل رؤية الدّم، و تارةً بأصالة عدم وجوب العدّة. ثمّ أشكل على الجميع و أطال بالنقض و الإبرام.

ص: 633


1- البحراني، الحدائق الناضرة: 3/ 171.
2- مخطوط سبقت الإشارة إليه.

و حيث كان العمدة في استثناء القرشيّة من حكم اليأس بالخمسين دعوى الشهرة الناشئة من مرسلة ابن أبي عُمير (1)، و لم يؤخذ العلم فيها قيداً، لا مسرح للأصل المزبور؛ لمعارضته بمثله، فتبقى قاعدة الإمكان سليمة عن المعارض خصوصاً على تفسيره الإمكان بمسالکه (2).

و عليه، فالستون غاية اليأس لو كانت قرشيّة (أو) كانت (نبطيّة) (منسوبة إلى النّبط) و الجمع أنباط (و هُم) - على ما في المغرب (3) - قومٌ ينزلون سواد العراق، و (على ما ذكره الجوهري) (4) و ابن الأثير (5) (قومٌ ينزلون البطائح بين العراقين).

(و الحكم فيها مشهور) بين المتأخِّرين (6)، (و مستنده غير معلوم) إلَّا ما رواه المفيد مرسلاً في عدد المقنعة (7) أنّ القرشيّة و النبطيّة تَرَيان الدّم إلى ستّين سنة، ولكن (المصنّف رحمه الله اعترف) في الذكرى (8) (بعدم وقوفه فيها على نصّ)، فكأنّه استضعف رواية المفيد رحمه الله بها.

(و الأصل يقتضي كونها كغيرها) من النساء؛ إذ خروج هذا الفرد من العام غير محقّق و لا تفيد أصالة عدم اليأس كما يتّضح في شرح قوله: (و إلّا) (تكن) المرأة (كذلك) من أحدهما، (فالخمسون) (سنة مطلقاً) من دون تفصيل بين العبادة و العدّة، و لا بين الطوائف و لا الأمزجة، و لا البلاد، و لا بين مَن ترى دَماً و عدمه، (غاية إمكان حيضها) و بعدها يحكم باليأس كالتسع بالبلوغ في المشهور بعد الاستثناء.

ص: 634


1- الكليني، الكافي: 3/ 107 ح3.
2- الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 1/ 59.
3- المطرزي، المغرب: 453 مادة (نبط).
4- الجوهري، الصحاح: 3/ 1162 مادة (نبط).
5- ابن الأثير، نهاية الأثر: 5/ 9 مادة (نبط).
6- الفاضل الهندي، كشف اللثام: 8/ 92؛ الشيخ جعفر، كشف الغطاء: 2/ 194.
7- المفيد، المقنعة: 82.
8- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 229.

و عليه ابن حمزة (1) و الراوندي (2)؛ للجمع بين ما قضى بالخمسين مطلقاً كصحيحة ابن الحجّاج قال: «حَدّ التي يئست من المَحيض خمسون سنة» (3)، و رواية أبي نصر (4)، و بين غيرها ممّا قضى بالسّتين مطلقاً و مقيّداً.

و قيل بها مطلقاً، و عليه الشيخ في النهاية (5) و الحلّي (6)، و قيل بالستين مطلقاً، و عليه المحقّق و الفاضل في المنتهى (7) و الشرائع (8)، و بعضهم قَصَرَها على القرشيّة فقط، و ألحق النبطيّة بغيرها، و هو ظاهر المبسوط (9) و المقنعة (10).

و مقتضى الأُصول تقييد إطلاق الخمسين و الستّين بمرسلة ابن أبي عمير الظاهرة في استثناء القرشيّة فقط، و إلحاق النبطّية بغيرها؛ لضعف ما قضى باستثنائها من الخمسين؛ و توهّم انجبار الضّعف ببعض الأُصول، و دعوى الشهرة، و إطلاق رواية الستّين لا يفيد؛ إذ الأُصول لا تصلح للجبر، مع أنّها منقطعة بالنّص المخرج للقرشيّة فقط، و الشهرة لا أثر لها.

و إطلاق رواية الستّين مخصّصة بالمرسلة، و معارضة بإطلاق رواية الخمسين.

ص: 635


1- ابن حمزة، الوسيلة: 60.
2- الراوندي، فقه القرآن: 1/ ص
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 397 ح1237.
4- الكليني، الكافي: 3/ 107 ح2.
5- الطوسي، النهاية: 516.
6- ابن إدريس، السرائر: 1/ 145.
7- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 96.
8- المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 3/ 35.
9- الطوسي، المبسوط: 1/ 42.
10- المفيد، المقنعة: 532.

[أقلّ الحيض]

(و) الحيض (أقلّه ثلاثة أيّام) بالإجماع (1)، المحقّق فلا حيض إذا انقطع قبلها، و في وجوب كونها (متوالية) خلافٌ، الأكثر الأشهر (2) على التوالي؛ لإطلاق ظرفيّة الثلاثة القاضي بالاستمرار في الخبر المعتضد بما في فقه الرِّضا (3) من التصريح به، و أصالة عدم الحيض السّليمة عن المعارض.

و نوقش (4) بعدم فهم الاستمرار من الإطلاق، و إلَّا لجرى في مثل نذر الصوم ثلاثاً.

و ردّ (5) بأنّ المدّة إذا وقعت ظرفاً للفعل الذي من شأنه الاستمرار يفهم منه أنّ ذكر القيد لبيان مقدار استمراره، كما في الاعتكاف و صوم الكفّارة.

و عورض (6) بجريانه في العشر الذي هو حدّ الأكثر، مع تصريحهم بعدم اعتبار التّوالي و الاستمرار فيها.

و أُجیب (7) بالتسليم، لكن الشارح (8) جعل النقاء المتخلّل بين الدّمين في العشرة في حكم أيّام الدّم.

و أمّا الرّضوي فأنكر جماعة (9) العمل به، فلا ينهض بإثبات الحكم.

ص: 636


1- ينظر الجمل و العقود (الرسائل العشر): 163.
2- حكاه في المعتبر: 1/ 202.
3- الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام: 21.
4- ينظر الأردبيلي، مجمع الفائدة: 1/ 143.
5- ينظر الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 3/ 156.
6- ينظر السيد العاملي، مدارك الأحكام: 1/ 319.
7- ينظر الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 176.
8- الشهيد الثاني، الروضة البهية: 1/ 377.
9- حكاه الخاجوئي في الرسائل الفقهية: 1/ 414.

و ردّ (1) بانجباره بالشهرة العظيمة، فيعمل به.

و منع الثاني بمعارضته بأصالة البراءة و استصحابها، و أوهن بحكومة أصالة عدم الحيض عليهما، أو معارضتهما باستصحاب الأحكام مطلقاً الثابتة قبل رؤية الدّم، فيتساقطان و يبقى أصالة عدم الحيض سليمة عن المعارض، و أبطل بمعارضته بأصالة عدم الاستحاضة و لا مرجّح، و زيّف بثبوت الواسطة بينهما فلا تنافي بين الأصلين.

و لو سلّم التنافي في الدّم المردّد بينهما المعلوم أنّه ليس بدم قرحة أو عذرة أو نفاس فلا مانع من حكومة أصالة عدم الحيض على أصالة عدم الاستحاضة؛ إذ المستفاد من الفتاوى (2) و النّصوص (3) أنّه متى حكم على الدّم بأنّه غير حيض شرعاً و لو بالأصل، و لم يعلم أنّه من أحد الثلاثة فهو استحاضة.

لكن فيه: إنّ غاية مفاد الأصل عدم إجراء أحكام الحيض عليه، لا أنّه غير حيض.

و يدفعه كفاية ذلك في ثبوت أحكام الاستحاضة؛ لعدم الواسطة، أو يجري الأصل في أحكامها فيكون من آثار أصالة عدم الحيض و بقاء التكليف بالعبادة الذي لا يرفعه إلَّا تحقّق الحيض، و الرافع مشكوك فالأصل عدمه، و إن وجب حينئذٍ إجراء أحكام الاستحاضة؛ لبطلان الصلاة بدون ذلك من حيث إنّها لوازم لوجوب الصلاة، و متى ثبت الملزوم ثبت اللّازم.

کما ينتفي اللازم بانتفائه و لو بالأصل دون العكس، فلا ينفى بأصالة عدم الاغتسال وجوبُ الصلاة الثابت بأصالة عدم الحيض الموجب لبقاء التكليف؛ إذ نفي اللازم لا يقتضي نفي ملزومه، بل يلغي أثره.

ص: 637


1- الخاجوئي، الرسائل الفقهية: 1/ 426.
2- ينظر ابن سعيد، الجامع للشرائع: 43.
3- الكليني، الكافي: 3/ 75 ح1، 2، 3.

كذا قرّر شيخ أساتيدنا (1) بحلقة درسه، خلافاً لسيّد الرياض (2) و غيره (3) ممّن لم يعتبر الأصل المزبور.

لكن بعد ثبوت قاعدة الإمكان مطلقاً يشكل الركون لهذا الأصل، مع أنّ ما جزم [به] أخيراً من بقاء التكليف بالصلاة مع رؤية الدّم لا يجري على مذهبه في الموضوع المستصحب بأنّه متى فقد بعض الخصوصيّات تغيّر، و لا ريب في تغيير حال المكلّف بالرؤية، فكيف تبقى أحكامه السابقة عليها، لا أقلّ من الشك في بقائه، و هو يكفي في عدم استصحابه، و بذلك أبطل الاستصحاب في البقاء على تقليد الميّت.

ثمّ لازم كلامه رحمه الله أنّه بعد إجراء أصالة عدم الحيض أنّ الأصل في هذا الدّم أن يكون استحاضة حتّى يتبيّن خلافه، و هو كما ترى لا يساعده شيء من الأدلّة، لكن حيث ذهب المعظم إلى التوالي كالصّدوقين (4) و السيّد (5) و الشيخ (6) و الإسكافي (7) و الحلبي (8) و الحلّي (9) بل و أكثر من تأخّر كالمحقّق (10) و هما هنا، لم نجد بدّاً من اعتباره، مضافاً إلى استظهار نفي الخلاف فيه من السّرائر (11) و الجامع (12) و الرّوض (13) و إن أمكن حمله على اعتبار الثلاثة من غير قيد.

ص: 638


1- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 3/ 154، 155.
2- الطباطبائي، رياض المسائل: 1/ 35.
3- المولى النراقی، معتمد الشيعة: 272، المحقق النراقی، مستند الشيعة: 2/ 434.
4- علي بن بابويه، رسالة الشرائع: 138؛ الصدوق، المقنع: 46، الهداية: 98.
5- رسائل الشريف المرتضى: 3/ 26.
6- الطوسي، الاقتصاد: 247، الخلاف: 1/ 236.
7- حكاه عنه في مختلف الشيعة: 1/ 354.
8- ابن حمزة، الوسيلة: 56.
9- ابن إدريس، السرائر: 1/ 145.
10- المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 1/ 24.
11- ابن إدريس، السرائر: 1/ 145.
12- ابن سعيد، الجامع للشرائع: 41.
13- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 178.

و على المختار (فلا يكفي كونها في جملة عشرة) في الحامل و غيرها، و لا خلوّ بعض آنات الثلاثة عنه مطلقاً ليلاً و نهاراً (على الأصحّ) من الدليلين فيها؛ إذ لو حكم بحيضية الثلاثة المتفرِّقة للزم كون المتخلّل طهراً، فينقص عن أقلّه إلَّا أن يكون مرادهم أقلّ المرئي من الدّم ثلاثة و إن كانت العشرة بحكم الحيض شرعاً لا أقلّ الحيض ذلك و الباقي طهر.

لكن صريح روضه (1) تبعاً لابن سعيد (2) و الفاضل في النهاية (3) و فخر الإسلام (4) إنّ المتخلّل بينها طهر، و استظهره في الحدائق (5) من مرسلة يونس (6)، و الظهور ممنوع، بل على خلافها الكلّ كما في الجامع لو ظهر.

و حينئذٍ فغير الأصحّ قول الشيخ في النّهاية (7) و كتابي الحديث (8) و القاضي (9) و كاشف اللّثام (10) و الأردبيلي (11) و الحُرّ برسالته (12) و الحدائق (13) بعدم اعتبار التوالي؛ لأصالة البراءة، و قاعدة الإمكان، و إطلاق الأخبار.

و الجواب: بطلان البراءة و الإمكان بما يزيلهما من أصالة عدم الحيض و الدّليل القاضي

ص: 639


1- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 178.
2- ابن سعيد، الجامع للشرائع: 41.
3- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 118.
4- حكاه في كشف اللثام: 2/ 67.
5- البحراني، الحدائق الناضرة: 3/ 159.
6- الكليني، الكافي: 3/ 76 ح5.
7- النهاية و نكتها: 1/ 236.
8- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 388 ح1196، الاستبصار: 1/ 140 ح9.
9- ابن البراج، المهذب: 1/ 34.
10- الفاضل الهندي، كشف اللثام: 2/ 65.
11- المحقق الأردبيلي، مجمع الفائدة: 1/ 143.
12- حكاه عنه في جواهر الكلام: 3/ 153.
13- البحراني، الحدائق الناضرة: 3/ 159.

بالتّوالي، و الإطلاق منصرف للتوالي، أو مقيّد بالرضوي.

نعم، يعارضه خصوص مرسلة يونس؛ لصراحتها بعدمه، ففيها: «و إن انقطع الدّم بعد ما رأته يوماً أو يومين اغتسلت و صلّت و انتظرت من يوم الذي رأت الدّم إلى عشرة أيّام، فإن رأت في تلك العشرة أيّام من يوم رأت الدّم يوماً أو يومين حتّى يتم لها ثلاثة أيّام فذلك الذي رأته من أوّل الأمر هو الذي رأته بعد ذلك في العشرة، هو من الحيض» (1)، الحديث.

و التّرجيح للمقيد المنجبر بالفتوى؛ لضعف المرسلة سنداً و شذوذها.

و أمّا موثّقة ابن مسلم (2) و حسنته (3) فما كانا ليدلّان على ذلك كما نبّه عليه في المعتبر (4)، و قول الراوندي (5) المفصّل بين الحبلى و غيرها فيخّص المرسلة بالحبلى و غيرها بغيرها، بناءً على ظهورها بالتّوالي ثلاثاً، و حجّته خبر إسحاق بن عمّار: «عن الحبلى ترى الدّم اليوم و اليومين، قال: إن كان دماً عبيطاً فلا تصلّی» (6)، ... إلخ.

و فيه: إنّ الأمر بترك الصلاة لا يرفع القضاء لو انقطع الدّم عليه أو عليهما، فتترك بالرّؤية، و تقضي إذا لم يتوال الثلاثة.

و قول الشارح من كفاية وجود الدّم في كلّ يوم، و قول غيره (7) من وجوده في الثلاثة في الجملة، فإنّهم صرّحوا بأنّه رجوع إلى ما ليس له مرجع، بل قضيّة الاستمرار الذي فهمناه من نصوص أقلّه هو الاتّصال بحيث كلّما وضعت الکُرسُف خرج متلوّثاً و لو باليسير، و هو

ص: 640


1- الكليني، الكافي: 3/ 76ح 5.
2- الكليني، الكافي: 3/ 76 ح4.
3- الكليني، الكافي: 3/ 77 ح1.
4- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 216.
5- الراوندي، فقه القرآن: 2/ 152.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 387 ح11920.
7- ينظر: الطباطبائي، رياض المسائل: 1/ 343؛ السيد العاملي، مدارك الأحكام: 1/ 322؛ البحراني، الحدائق الناضرة: 3/ 169.

الذي عليه جماعة الفقهاء (1).

أجاب الشارح في هامش روضه (2) بأنّ المرجع هو حكمهم بعدم الاستمرار في العشرة بل يكفي المسمّى في جملتها و إن انقطع، فكذلك الأقلّ؛ لتساويهما في التعبير.

ثمّ أورد على نفسه بأنّ اللازم من ذلك عدم اشتراط وجوده في كلّ يوم من الثلاثة و لو لحظة؛ لصدق العشرة مع خلوّ ما بعد الثلاثة من الدّم، و هو باطل اتّفاقاً.

و أجاب بخروج ذلك بالنّص الخاص حتّى قال: و نزيده بيانا ما روي عن أبي عبد الله علیه السلام في كلام من جملته: «و لا يكون الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام، فإذا رأت الدّم في أيّام حيضها تركت الصلاة» (3).

فاعتبر في ترك الصلاة المسبّب عن تحقّق الحيض وجود الدّم في أيّام الحيض، و هو أعمّ من الاتّصال المدّعى؛ لصدق وجوده في أيّامه وجوده في كلّ يوم لحظة، انتهى.

و زاد بعضهم (4) اعتبار الرؤية في أوّل الأوّل و آخر الآخر و في أيّ جزء من الوسط، و أنكرَ جماعة (5) دخول اللّيالي في الأيّام.

و الكلّ واهٍ، بل المعتمد ما عليه الجلّ (6) و ما نطقت به زُبرهم من أن وجود الدّم في كلّ من الثلاثة ساعة لا يكفي في تحقّقها.

ص: 641


1- كابن فهد في الرسائل العشر: 140؛ و الكركي في جامع المقاصد: 1/ 287.
2- الشهيد الثاني، الروضة البهية: 1/ 372.
3- الكليني، الكافي: 3/ 76 ح5.
4- حكاه دون تحديد النسبة في ملاذ الأخيار: 2/ 29؛ كشف اللثام: 2/ 66.
5- حكاه في كتاب الطهارة: 3/ 166.
6- ينظر: الطوسي، المبسوط: 1/ 67؛ المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 256؛ العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 334.

و ما في النّهاية (1) و المنتهى (2) و التذكرة (3) من أنّ الفترات المعتادة بين دفعات الحيض لا ينافي التوالي إجماعاً، لا ينافي ما ذكرنا؛ لأنّ المراد بالتوالي استمرار التقاطر من الرّحم عُرفاً و لو لم يخرج في الخارج، فالمراد بالتلوّث هو ما كان بعد الصّبر هُنيئةً.

نعم، لا شبهة في عدم دخول ليلة اليوم الأوّل، و دخول اللّيلتين؛ لتحقّق الاستمرار و لعدم دخولها في أيّام الإقامة و الاعتكاف إلَّا إذا رأت الدّم في أثناء النّهار اعتبر ثلاث ليال و تمام اليوم النّاقص، و عليه ينزّل إجماع التذكرة (4) و المنتهى (5) في دخول اللّيالي في الأيّام، فلا إشكال حينئذٍ في أنّ أقلّ الحيض ذلك بشرطه.

[أكثر الحيض]

(و أكثره عشرة) (أيّام) متوالية كذلك و إن تخلّل النقاء بعد الثلاثة، لكنّه ما استمرّ للعشرة فإنّه محكوم عليه شرعاً بالحيضيّة و ملحق بالثلاثة، و الإجماع (6) كالأخبار (7) مستفيضة على التحديد بالعشرة (فما زاد عنها ليس بحيض إجماعاً)، و الرواية الواردة بالثمانية غير معمول بها.

قال الشيخ: هو حديث شاذ أجمعت الصحابة على ترك العمل به أو محمول على غير الظاهر منه لو صحّ (8).

ص: 642


1- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 164.
2- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 2/ 338.
3- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 322.
4- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 1/ 256.
5- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 282.
6- ينظر المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 201.
7- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 156 ح449.
8- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 157 ح450.

نعم، يظهر من الحدائق (1) عدم اعتبار التوالي فيها مطلقاً، و مستنده إطلاق ما حدّد الحيض و الطَّهر من الأخبار و عدم المانع من تخلّل الطَّهر بين أجزاء الحيضة الواحدة فهو أقلّ من عشرة لو وقع بينها بأنْ رَأت خمسة ثمّ طهرت مثلها ثمّ رأتها عدّ المرئي أولاً و آخراً حيضة واحدة و المتخلّل طهراً و إن نقص عن العشر، فإنّ أقلّ الطّهر الذي لا ينقص في الأخبار هو ما كان بين الحيضتين لا مطلق حال الطّهارة للمرأة ركوناً لبعض الأخبار التي لا تنهض بتنوير دعواه من حيث ضعف السّند، أو الدّلالة، أو تنافي الصّدر و الذّيل.

فالمعتمد ما عليه الجمهور (2) من أنّ المراد من الأيّام ما يعمّ أيّام الدّم و أيّام النّقاء المتخلّلة بين الثلاثة و العشرة.

[صفات الحيض]

(و هو أسود) غير حالك (أو أحمر) كما في الأخبار، و اقتصر في المبسوط (3) و الشرائع (4) و بعض زبر الفاضل (5) على الأوّل، و الفقيه (6) على الثاني، و عسى أن يكون السّواد ما يقابل الصّفرة و الأحمر مطلقه حتّى المائل إلى السّواد في كلامهم، و هو أيضاً (حارّ) يخرج بحرقة و (له دفع) (و قوّة عند خروجه) كما في حسنة ابن البختري (7) و صحيحة معاوية بن عمّار (8) و موثّقة إسحاق بن جرير (9) و غيرها (10).

ص: 643


1- البحراني، الحدائق الناضرة: 3/ 159.
2- ينظر الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 3/ 336.
3- الطوسي، المبسوط: 1/ 41.
4- المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 1/ 23.
5- العلّامة الحلي، إرشاد الأذهان: 1/ 226، تبصرة المتعلمين: 23، تحرير الأحكام: 1/ 96.
6- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/ 91 ح197.
7- الكليني، الكافي: 3/ 91 ح1.
8- الكليني، الكافي: 3/ 91 ح2.
9- الكليني، الكافي: 3/ 91 ح3.
10- القاضي النعمان، دعائم الإسلام: 1/ 127.

لكن ليست هذه الصّفات معرّفات شرعيّة للحيض بحيث يدور مدارها وجوداً أو عدماً إلَّا ما خرج بدليله؛ لعدم مساعدة القاطع عليه، و لتخلّفه في كثير من الموارد، بل تلك عَلامات لا تتخلّف عن دم الحيض (غالباً) كما هو ظاهر المصنّف هنا تبعاً للمشهور (1) إذ قد يحكم بالاستحاضة مع وجود هذه الصّفات و بالحيضيّة و إن فقدت في ما تراه في أيّام العادة مع فقده الصفات فلا تطّرد، فقول الشارح حينئذٍ و إنّما (قيّد بالغالب؛ ليندرج فيه ما أمكن كونه حيضاً) مطلقاً حتّى ما لم يكن بصفاته المذكورة؛ (فإنّه يحكم به و إن لم يكن كذلك) فيه خفاء؛ لعدم معلوميّة الإمكان بدون الصّفات بعد كونها ميزاناً للحيض في كلامه.

و كما يقتضيه سَوْق الأخبار الظاهرة في إعطاء الميزان الفارق بين الحيض و غيره، و كما يشهد له قوله في الذكرى: و لو اشتبه دم الاستحاضة اعتبر بالسواد و الحمرة و الغلظ و الحرارة و أضدادها. ثمّ استشهد بالنّبوي و برواية ابن جرير، ثمّ قال: و بالثلاثة و العشرة اللذين هما أقلّ الحيض و أكثره باتّفاق (2)، انتهى.

فإنّ ظاهره عدم الحكم بقاعدة الإمكان في فاقد الصّفات المزبورة، فيلزم قصرها على غير الفاقد، أو الفاقد المنصوص، أو المجمع عليه، و لأجله حكم بعض (3) من تأخّر بكون هذه معرّفات شرعيّة للحيض، لكن الحكم بذلك مضافاً إلى أنّه خلاف المشهور أنّ تلك الأخبار لا يظهر منها التنصيص على المدّعى، بل هي لبيان لزوم الحكم بالحيضيّة إذا اشتبهت بالاستحاضة لا نفيها حيث تنتفي، و إلَّا لما تخلّفت في كثير من الموارد.

و لعلّ عبارة ذكراه لبيان كون هذه الصِّفات معرّفات في الجملة عند الاشتباه لا مطلقاً، و يعضده ظهور ذلك منه هنا، فإنّه أطلق الحكم بالحيضيّة؛ لقاعدة الإمكان (كما نَبّه عليه بقوله: (و متى أمكن) في الدّم و لم يمتنع شرعاً (كونه) [أي الدم] (4) (حيضاً) (بحسب حال

ص: 644


1- ينظر الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: 3/ 122.
2- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 230.
3- البحراني، الحدائق الناضرة: 1/ 326.
4- أثبتناه من المصدر.

المرأة بأن تكون بالغة غير يائسة) أو مشتبهة الحال بأحدهما.

[اعتبارات الحيض]

(و) كذا بحسب (مدّته بأن لا ينقص عن ثلاثة) أيّام (و لا يزيد عن عشرة)، (و) بحسب (دوامه كتوالي الثلاثة) على القول به (و) بحسب (وصفه كالقويّ مع) اعتبار (التمييز)؛ فإنّه بعد اعتباره لا يكون الضّعيف حيضاً، (و) بحسب (محلّه كالجانب) الأيسر أو الأيمن (إذا (1) اعتبرناه) وفاقاً للصدّوق (2)، و الشيخ (3)، و ابنَي حمزة (4) و إدريس (5)، و الفاضل (6)، و ابنه (7)، و المصنّف في البيان (8)، و حواشي القواعد (9) في الأوّل، و ابن الجنيد (10) و الدروس (11) و الذكرى (12) و جدّنا الأكبر (13) في الثاني. و الاختلاف لاختلاف متن الرّواية التي هي مستند الحكم، و لأجله توقّف بعض (14) من تأخّر فيه.

ص: 645


1- في المصدر: (إن).
2- الصدوق، المقنع: 52.
3- الطوسي، المبسوط: 1/ 43.
4- ابن حمزة، الوسيلة: 57.
5- ابن إدريس، السرائر: 1/ 146.
6- العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 1/ 356، منتهى المطلب: 2/ 269.
7- فخر المحققين، إيضاح الفوائد: 1/ 51.
8- الشهيد الأول، البيان: 57.
9- للشهيد زين الدين العاملي، مخطوط، كما في الذريعة: 6/ 171.
10- حكاه عنه في مختلف الشيعة: 1/ 355.
11- الشهيد الأول، الدروس: 1/ 97.
12- الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 234.
13- الشيخ جعفر، كشف الغطاء: 2/ 189.
14- ينظر السيد العاملي، مدارك الأحكام: 1/ 316.

و الظاهر أنّ الأيسر أشهر (1)، و هو و إن لم يفد الظَّن بأنّ الرواية كذلك؛ إذ ليس المقام مقام الانجبار، و لا من قبيل تعارض الأخبار، لكن الشهرة تكشف عن صدور رواية ظنّيّة على طبقها، فالعمل حينئذٍ بخبر التهذيب (2)؛ لانجباره بها بين أهل الرواية و الفتوى، مع تخصيصه بما إذا اشتبه بالقرحة لا مطلقاً؛ لأنه نصّ الخبر و أوفق.

و عليه فلو خرج الدّم من الأيمن جامعاً للشرائط غيره مع عدم القرحة لا مانع من الحكم بكونه حيضاً (3)، خلافاً لمن جعله عَلامَة مطلقاً (4)، و لمن ألغى اعتباره مطلقاً (5)، فإنّ الاقتصار على ما في الخبر بجميع قيوده بعد اشتهار العمل به المصحّح لسنده ممّا ينفيها؛ إذ لا ريب في (من) (6) الحكم بصدور إحدى العبارتين من الإمام علیه السلام، فيفزع حينئذٍ إلى الترجيح لا الطّرح.

كما أنّ المتيقّن الأخذ بمنطوق الخبر و عدم التعدّي عنه، فهو مخصّص لأدلّة الصّفات (و نحو ذلك) ممّا يحقّق الحيض شرعاً؛ لتخلّل أقلّ الطّهر، و الموافقة لأيّام العادة، و عدم المجامعة للحمل مطلقاً، أو المستبين منه على القولين، فإنّه متى أمكن كون الدّم حيضاً بأن جمع الشرائط و خلا من الموانع (حُكم به) و إن لم يكن بصفة الحيض إجماعاً مستفيضاً حتّى عادت قاعدة الإمكان في كلامهم من المسلّمات التي يستدلّ بها لا عليها.

و لمّا كان الإمكان هنا ليس مجرّد الاحتمال في مقابل العلم؛ لعدم وفاء شيء من الأدلّة فيه، و عدم الامتناع ليس عدمه من جميع الجهات، و لكون الحيضيّة حينئذٍ واجبة لا ممكنة، بل یراد به عدم الامتناع من جهة الموانع المقرّرة شرعا، فإذا خلا من تلك الموانع الشرعيّة حكم

ص: 646


1- ينظر: الصدوق، المقنع: 52؛ الطوسي، المبسوط: 1/ 43؛ ابن البراج، المهذب: 1/ 35.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 385 ح1185.
3- الكليني، الكافي: 3/ 94؛ الشهيد الأول، الدروس: 1/ 97.
4- حكاه الشيخ الأعظم في كتاب الطهارة: 3/ 143، 144.
5- المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 198، 199؛ العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 95؛ المحقق الأردبيلي، مجمع الفائدة: 1/ 141.
6- كذا في المخطوطة.

بالحيضيّة و إن فقد بعض الخصوصيّات التي لا يعلم بها إلَّا العالم بالأرحام فلا تنقض كلّيّة الحكم بيَوْمَي الاستظهار بعد العادة، و لا بأوّل ما تراه المرأة قبل الثلاثة؛ لإمكان جعلهما حيضاً قبل عبور العشرة و الثلاثة، مع عدم جريان القاعدة؛ إذ المعتبر لم يعتبر الإمكان المطلق.

(و إنّما يعتبر الإمكان) الخاص (بعد استقراره) الذي يؤول إلى الإمكان النفس الأمري (فيما يتوقّف) الحكم بكون الدّم حيضاً (عليه) أي على ذلك الاستقرار (كأيّام الاستظهار؛ فإنّ الدّم فيها يمكن) بالإمكان العام (كونه حيضاً)، (إلَّا أنّ الحكم به) لقاعدة الإمكان (موقوف على عدم عبور العشرة) إذ العبور من الموانع الشرعيّة للحكم بالحيضيّة.

و نحن قد اعتبرنا بالإمكان عدم المانع الشّرعي (و مثله القول في أوّل رؤيته)؛ فإنّه ليس بحيض (مع انقطاعه قبل الثلاثة)، و لا تجري فيه القاعدة؛ لعدم استقرار الإمكان إلَّا بعد الثلاثة لذات العادة و غيرها، فبانَ بهذا التقييد مراد المصنّف من الإمكان مطلقاً هنا.

انتهى قلمه الشريف (دام بقاؤه). و يتلوه المجلّد الثاني في أحكام الحيض.

ص: 647

ص: 648

مصادر الكتاب

القرآن الكريم

الفقه المنسوب للإمام الرضا

تحقيق: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث - قم المشرّفة، نشر: المؤتمر العالمي للإمام الرضا علیه السلام المشهد المقدسة، الطبعة: الأولى شوال 1406ه-.

(أ)

الآبي، المحقق زين الدين أبي علي الحسن بن أبي طالب (ق 7ه-)

1- كشف الرموز في شرح المختصر النافع

طبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرّفة.

ابن بابويه، علي بن الحسين القمي (329ه-)

2- رسالة الشرائع، تحقيق و جمع: الشيخ كريم مسير و الشيخ شاكر المحمدي، منشورات مجلة دراسات علمية، سنة الطبع 1435ه-، مطبعة دار المؤرخ العربي بيروت - لبنان.

ابن البراج، الفقيه الأقدم القاضي عبد العزيز الطرابلسي (ت: 481ه-).

3- المهذب

مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرّفة، إيران.

4- جواهر الفقه

تحقيق و اعداد: إبراهيم البهادري، مؤسسة سيد الشهداء، إشراف: العلّامة الشيخ جعفر السبحاني، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة: الأولى: 1411ه-، مؤسسة النشر

ص: 649

الإسلامي، التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

الأردبيلي، الفقيه المحقق المولى أحمد (ت: 993ه-)

5- مجمع الفائدة و البرهان في شرح إرشاد الأذهان

صححه و نمقه و علّق عليه و أشرف على طبعه: الحاج آقا مجتبى العراقي و الحاج شيخ علي پناه الاشتهاردي و الحاج آقا حسين اليزدي الأصفهاني، قم المقدسة.

الأنصاري، العلّامة مرتضى بن محمد أمين (ت: 1281ه-)

6- كتاب الطهارة

اعداد: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الطبعة: الثالثة، 1428ه-، الناشر: مجمع الفكر الإسلامي، المطبعة: خاتم الأنبياء، قم.

(ب)

البحراني، العالم البارع الفقيه المحدّث الشيخ يوسف (ت: 1186ه-)

7- الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة

حقوق الطبع محفوظة للناشر، قام بنشره الشيخ علي الآخوندي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، بقم المشرّفة، إيران.

بحر العلوم، السيد محمد مهدي الطباطبائي المعروف (ت: 1212ه-)

8- مصابيح الأحكام (كتاب الطهارة)

تحقيق: مهدي الطباطبائي، الناشر: منشورات ميثم التمار.

البرقي، الشيخ أبو جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقي (ت: 274ه-)

9- المحاسن

عُني بنشره و تصحيحه و التعليق عليه: السيد جلال الدين الحسيني، نشر: دار الكتب الإسلامية.

ص: 650

البهائي، بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي (ت: 1031 ه-)

10- الحاشية على كتاب من لا يحضره الفقيه

تحقيق: فارس حسون کریم، باهتمام د. سيد محمود المرعشي النجفي، قم، مكتبة آية العظمى المرعشي النجفي، الخزانة العالمية للمخطوطات الإسلامية، 1424ه-، 2003م، 1382ش.

11- رسائل الشيخ البهائي، الوجيزة، انتشارات بصيرتي، قم، خیابان ارم، چاپ مهر قم.

البهبهاني، محمد باقر الوحيد (ت: 1206ه-)

12- الحاشية على مدارك الأحكام

تحقيق مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، مشهد مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، مشهد، 1419ه-، 1377 ه- ش.

13- مصابيح الظّلام في شرح مفاتيح الشّرائع

تحقيق و نشر: مؤسسة العلّامة المجدّد الوحيد البهبهاني، الطبعة: الأولى، محرّم الحرام 1424ه-.

(ج)

الجزائري، السيد نعمة الله الجزائري (ت: 1112ه-)

14- كشف الأسرار في شرح الاستبصار

تحقيق: مؤسسة علوم آل محمد علیهم السلام، إشراف: السيد طيّب الجزائري، الطبعة: الأولى عام 1413ه-، المطبعة: أمير، قم المقدسة، الناشر: مؤسسة دار الكتاب، قم، شارع ارم.

(ح)

الحميري، الشيخ أبو العباس عبد الله الحميري (ت: 304ه-)

15- قرب الإسناد

ص: 651

تحقيق و نشر: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، قم، الطبعة: الأولى، 1413ه-، المطبعة: مهر، قم.

الحلبي، الفقيه الأقدم أبو الصلاح الحلبي (ت: 447ه-)

16- الكافي في الفقه

تحقيق: رضا أستادي، طبع: الهيئة التأسيسية لمكتبة الإمام أمير المؤمنين العامة أصفهان، 1403ه-.

الحلبي، الفقيه البارع السيد حمزة بن علي بن زهرة (ت: 585 ه-).

17- غنية النزوع إلى علمي الأصول و الفروع

تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري بإشراف: سماحة العلّامة جعفر السبحاني (دام ظله) تنضيد الحروف: مؤسسة الإمام الصادق علیه السلام للتحقيق و التأليف، المطبعة: اعتماد، قم، الطبعة: الأولى: 1417ه-.

الحلبي، الفقيه الجليل أبو الحسن علي بن الحسن، (ت: ق6)

18- إشارة السبق إلى معرفة الحق

تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري، الطبعة: الأولى، 15 شعبان المعظم 1414ه-، مؤسسة النشر الإسلامي، التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرّفة.

الحلي، أحمد بن محمد بن فهد (ت: 841ه-)

19- الرسائل العشر

تحقيق: السيد مهدي الرجائي، نشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي العامة قم المقدسة، طبع: مطبعة سيد الشهداء علیه السلام، تاريخ الطبع: 1409ه-، الطبعة: الأولى.

20- المقتصر من شرح المختصر

تحقيق: السيد مهدي الرجائي، نشر: مجمع البحوث الإسلامية إيران مشهد، طبع:

ص: 652

مطبعة سيد الشهداء علیه السلام، قم، تاريخ الطبع: 1410ه-، الطبعة: الأولى.

21- المهذب البارع في شرح المختصر النافع

تحقيق: الحجة الشيخ مجتبى العراقي، طبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرّفة.

الحلي، الفقيه أبي جعفر محمد بن منصور بن أحمد بن إدريس (ت: 598ه-)

22- السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي

الطبع: مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة: الثانية،1410ه-، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، بقم المشرّفة.

الحلي، الفقيه البارع يحيى بن سعيد الحلي الهذلي (ت: 690ه-)

23- الجامع للشرائع

تحقيق و تخريج: ثلة من الفضلاء. الناشر: مؤسسة سيد الشهداء العلمية، بإشراف: الأستاذ الشيخ جعفر السبحاني، 1405ه-، المطبعة العلمية، قم.

الحلي، فخر المحققين محمد بن الحسن بن يوسف بن المطهر (ت: 771ه-).

24- إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد

نمقه و علّق عليه و أشرف على طبعه: السيد حسين الموسوي الكرماني و الشيخ علي پناه الاشتهاردي و الشيخ عبد الرحيم البروجردي، الطبعة الأولى، 1387ه-، المطبعة العلمية، قم.

الحلي، العلّامة الحسن بن يوسف بن المطهر (ت: 726ه-)

25- أجوبة المسائل المهنائية

مطبعة الخيام، قم، 1401ه-.

ص: 653

26- إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان

العلّامة الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر (ت726ه-)، تحقيق: فضيلة الشيخ فارس الحسون، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرّفة، الطبع: مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الأولى: 1410ه-.

27- تبصرة المتعلمين في أحكام الدين

تقديم: الشيخ حسين الأعلمي، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، الشيخ هادي اليوسفي، تاريخ الطبع: 1368 ه- ش الناشر: انتشارات فقیه، تهران خیابان سعد.

28- تحرير الأحكام الشرعيّة

إشراف: آية الله جعفر السبحاني، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، الطبعة: الأُولى، 1420ه-، المطبعة: اعتماد، قم، الناشر: مؤسسة الإمام الصّادق علیه السلام.

29- تذكرة الفقهاء

تحقيق: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث. قم، مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث تاريخ الطبع: 1414ه- 1372ش.

30- تلخيص المرام في معرفة الأحكام

تحقيق: هادي القبيسي، مركز الأبحاث و الدراسات الإسلامية، قسم إحياء التراث الإسلامي، مركز انتشارات دفتر تبليغات إسلامي حوزة علمية قم، 1379ه-.

31- قواعد الأحكام في معرفة الحلال و الحرام

تحقيق و نشر: مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة: الأولى، التاريخ: ربيع الثاني 1413ه-، مؤسسة النشر الإسلامي، التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرّفة.

32- مختلف الشيعة في أحكام الشريعة

تحقيق و نشر: مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الأولى، التاريخ: 1412ه-، مؤسسة

ص: 654

النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرّفة.

33- منتهى المطلب في تحقيق المذهب

تحقيق: قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية، الناشر: مجمع البحوث الإسلامية، إيران، مشهد، الطبعة: الأولى 1412ه-، الطبع: مؤسسة الطبع و النشر في الآستانة الرضوية المقدسة، تقديم: الدكتور محمود البستاني.

34- نهاية الإحكام في معرفة الأحكام

الناشر مؤسسة إسماعيليان، قم، الطبعة الثانية، تاريخ النشر 1410ه-، الطباعة و التجليد مؤسسة إسماعيليان، مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث.

الحلي، المحقق، أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن (ت: 676ه-)

35- الرسائل التسع

تحقيق: رضا الأستادي، الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي بقم، الطبعة: الأولى، تاريخ النشر: 1371ه-، 1413ه-.

36- المختصر النافع في فقه الإمامية

منشورات: قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة، الطبعة الثانية: طهران 1402ه- الطبعة الثالثة: طهران 1410ه-.

37- المعتبر في شرح المختصر

حققه و صححه: عدة من الأفاضل، المطبعة: مدرسة الإمام أمير المؤمنين، الناشر: مؤسسة سيد الشهداء، تاريخ الطبع: 1364 ه- ش.

38- شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام، مع تعليقات السيد صادق الشيرازي

طبع: انتشارات استقلال، تهران، ناصر خسرو، حاج نائب، الطبعة الثانية، 1983م، 1403ه-، طبع بموافقة مؤسسة الوفاء.

ص: 655

39- النهاية و النكت

تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدسة، الطبعة: الأولى، 1412ه-.

(خ)

الخوانساري، المحقق حسين بن جمال الدین محمد (ت:)

40- مشارق الشموس في شرح الدروس

نشر: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث.

(د)

الديلمي، الشيخ أبو يعلى حمزة بن عبد العزيز (ت: 448ه-)

41- المراسم العلوية

تحقيق: السيد محسن الحسيني الأميني، الناشر: المعاونية الثقافية للمجمع العالمي لأهل البيت علیهم السلام، و تاريخ الطبع: 1414ه-، المطبعة: أمير، قم.

(ش)

الشهيد الأول، محمد بن مكي العاملي (ت: 786ه-)

42- الألفية و النفلية

المحقق: علي الفاضل القائيني النجفي، الناشر: مركز النشر: مكتب الإعلام الإسلامي الطبعة و الطبع: الأولى، مكتب الإعلام الإسلامي، تاريخ النشر: 1408ه-.

43- البيان

تحقيق: الشيخ محمد الحسّون، الناشر: محقق، الطبعة: الأولى سنة 1412ه-، ترتيب الحروف: بهروز، طهران، المطبعة: صدر، قم.

ص: 656

44- الدروس الشرعية

تحقيق و نشر: مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة: الثانية، 1417ه-. مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، قم المقدّسة.

45- اللمعة الدمشقية

الناشر: دار الفكر، إيران، قم، الطبعة: الأولى، 1411ه-، المطبعة: قدس، قم.

46- ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة

تحقيق مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، قم 1418ه-.

47- غاية المراد في شرح نكت الإرشاد

مركز الأبحاث و الدّراسات الإسلامية، قم 1414ه-.

الشهيد الثاني، زين الدين الجبعي العاملي (ت: 965ه-).

48- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية

الطبعة الأولى، 1386ه-، التصحيحات و الأشكال محفوظة ل- ( جامعة النجف الدينية).

49- الرسائل

تحقيق: مركز الأبحاث و الدراسات الإسلامية، قسم إحياء التراث الإسلامي مركز انتشارات دفتر تبليغات إسلامي الحوزة العلمية، قم، 1379 ه- ش.

50- روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان

تحقيق: مركز الأبحاث و الدراسات الإسلامية، قسم إحياء التراث الإسلامي، قم، بوستان کتاب قم انتشارات دفتر تبليغات إسلامي الحوزة العلمية قم، 1380ه-.

51- فوائد القواعد

تحقيق: السيد أبو الحسن المطلبي، مركز الأبحاث و الدراسات الإسلامية، قسم إحياء التراث الإسلامي، قم: دفتر تبليغات إسلامي الحوزة العلمية، قم، مركز انتشارات.

ص: 657

52- مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام

تحقيق و نشر: مؤسسة المعارف الإسلامية، الطبعة: الأولى 1413ه-، المطبعة: چاپ و گرافيك بهمن، قم.

(س)

السبزواري، العلّامة المحقق ملا محمد باقر (ت: 1090ه-)

53- ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد

نشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث.

54- كفاية الفقه المشتهر ب-: (كفاية الأحكام)

تحقيق مرتضى الواعظي الأراكي. المؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرّفة 1381هش.

(ص)

الصدوق، محمّد بن علي بن بابويه، (ت: 381ه-).

55- المقنع

تحقيق: لجنة التحقيق التابعة لمؤسسة الإمام الهادي علیه السلام، الناشر: مؤسسة الإمام الهادي علیه السلام،

المطبعة: اعتماد، التاريخ: 1415ه-، قم، شارع بهار، زقاق آية الله النجفي، رقم 48.

56- الهداية

تحقيق و نشر: مؤسسة الإمام الهادي علیه السلام، الطبعة: الأولى، رجب المرجب 1418ه-، المطبعة: اعتماد قم.

57- الخصال

صححه و علّق عليه: علي أكبر الغفاري، منشورات: جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم المقدسة.

ص: 658

58- علل الشرائع

منشورات المكتبة الحيدرية و مطبعتها في النجف، 1966.

59- عيون أخبار الرضا

صححه و قدم له و علّق عليه: الشيخ حسين الأعلمي، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت لبنان.

60- من لا يحضره الفقيه

صححه و علّق عليه: علي أكبر الغفاري، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة، الطبعة الثانية.

61- الأمالي

تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة، قم الطبعة: الأولى 1417ه-، التوزيع: مؤسسة البعثة، طهران، شارع سمية.

الصفار، أبو جعفر محمد بن الحسن بن فروخ (ت: 290ه-)

62- بصائر الدرجات الكبرى

الناشر: مؤسسة الأعلمي، طهران المطبعة: طبع في مطبعة الأحمدي، طهران سنة: 1404ه-.

الصيمري، الفقيه المحقق الشيخ المفلح الصُيمري (ت: 900 ه-)

63- غاية المرام في شرح شرائع الإسلام

تحقيق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي، دار الهادي للطباعة و النشر و التوزيع، الطبعة الأولى: 1420ه-، 1999م، بيروت.

64- كشف الالتباس عن موجز أبي العباس

تحقيق و نشر: مؤسسة صاحب الأمر (عج)، الطبعة: الأولى، 13 رجب 1417ه-، المطبعة:

ص: 659

ستاره، قم.

(ط)

الطبرسي، أمين الإسلام فضل بن الحسن (ت:)

65- المؤتلف من المختلف بين بين أئمة السلف

تحقيق: جمع من الأساتذة، راجعه: السيد مهدي الرجائي، نشر: مجمع البحوث الإسلامية إيران، مشهد، ص ب 92735366، طبع: مطبعة سيد الشهداء علیه السلام قم، 1410ه-، الطبعة: الأولى.

الطباطبائي، الفقيه المدقق السيد علي الطباطبائي (ت: 1231 ه-)

66- رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل

تحقيق و نشر: مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الأولى، 1412ه-، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، قم المقدسة.

الطوسي، شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن المتوفى (ت: 460ه-).

67- الخلاف

التحقيق: جماعة من المحققين، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرّفة، جمادى الآخرة 1407ه-.

68- المبسوط في فقه الإمامية

صححه و علّق عليه: السيد محمد تقي الكشفي، عنيت بنشره المكتبة المرتضوية، لإحياء الآثار الجعفرية.

69- الاستبصار فيما اختلف من الأخبار

حققه و علّق عليه: السيد حسن الموسوي الخرسان، الناشر: دار الكتب الإسلامية، طهران، بازار سلطاني، تصحيح: الشيخ محمد الآخوندي 1390ه-.

ص: 660

70- تهذيب الأحكام

حققه و علّق عليه: السيد حسن الموسوي الخرسان، الناشر: دار الكتب الإسلامية، طهران بازار سلطاني.

71- مصباح المتهجد

طبع: مؤسسة فقه الشيعة بيروت لبنان، الطبعة الأولى، 1411ه-، 1991م.

الطوسي، أبو جعفر المعروف بابن حمزة (ت: 460 ه-)

72- الوسيلة إلى نيل الفضيلة

تحقيق: الشيخ محمد الحسون، نشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، قم، طبع: مطبعة الخيام، قم، 1408ه-، العدد: 1000 نسخة، الطبعة: الأولى.

(ع)

العاملي، السيد محمد بن علي الموسوي (ت: 1009 ه-)

73- مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام

تحقيق: مؤسسة آل البيت علیه السلام لإحياء التراث، مشهد المقدسة، الطبعة: الأولى، محرم 1410ه-، المطبعة: مهر، قم.

74- نهاية المرام في شرح مختصر شرائع الإسلام

تحقيق: الحاج آقا مجتبى العراقي، الشیخ علی پناه الاشتهاردي، آقا حسين اليزدي، طبع و نشر: مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة: الأولى، التاريخ: رجب المرجب 1413ه-، مؤسسة النشر الإسلامي، التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرّفة.

العاملي، السيد محمد جواد الحسيني العاملي (ت: 1226ه-)

75- مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة

حققه و علّق عليه الشيخ محمد باقر الخالصي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة

ص: 661

المدرّسين، قم المشرّفة.

علي بن جعفر بن محمد (ت: ق2)

76 - مسائل علي بن جعفر و مستدركاتها

تحقيق: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، قم المشرّفة، نشر: المؤتمر العالمي للإمام

الرضا علیه السلام، مشهد المقدسة، الطبعة: الأولى، ذو القعدة 1409ه-. المطبعة: مهر، قم.

(ف)

الفاضل الهندي، بهاء الدين محمد بن الحسن (ت: 1137ه-)

77- كشف اللثام عن قواعد الأحكام

تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة.

(ق)

القمی، الفقيه المحقق الميرزا أبو القاسم القمي، (ت: 1221ه- )

78- غنائم الأيام في مسائل الحلال و الحرام

تحقيق مكتب الإعلام الإسلامي، فرع خراسان.

(ك)

الكاشاني، المحدّث و الحكيم العارف الكامل المولى محمد محسن (ت:)

79- الوافي

الناشر: مكتبة الامام أمير المؤمنين علي علیه السلام ب- «أصفهان»، عني بالتحقيق و التصحيح و التعليق عليه و المقابلة مع الأصل: ضياء الدين الحسيني «العلّامة» الأصفهاني، الطبعة: الأولى، تاريخ النشر: 1406ه-.

80- مفاتيح الشرائع

تحقيق: السيد مهدي الرجائي نشر: مجمع الذخائر الإسلامية، طبع: مطبعة الخيام، قم،

ص: 662

تاريخ الطبع: 1401ه-.

كاشف الغطاء، العلّامة الشيخ جعفر بن خضر (ت: 1228 ه-)

81- كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء

تحقيق مكتب الإعلام الإسلامي، فرع خراسان، قسم إحياء التراث، مركز انتشارات دفتر تبليغات إسلامي الحوزة العلمية قم، 1380ه-.

كاشف الغطاء، الشيخ حسن بن الشيخ جعفر (ت: 1262ه-).

82- أنوار الفقاهة (كتاب الطهارة)

نشر: مكتبة كاشف الغطاء العامة.

الكاظمي، العلّامة الفاضل الجواد (توفي أواسط القرن الحادي عشر)

83- مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام

علّق عليه و أخرج أحاديثه، المحقق البارع سماحة الحجة الشيخ محمد باقر شريف، أشرف على تصحيحه السيد محمد تقي الكشفي، عنيت بنشره المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، سوق بين الحرمين الشيخ عبد الكريم التبريزي.

الكركي، المحقق الشيخ علي بن الحسين (ت: 940ه-)

84- رسائل المحقق الكركي المجموعة الأولى

تحقيق: الشيخ محمد الحسون، الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي قم، الطبع: مطبعة الخيام قم، الطبعة: الأولى، 1409ه-.

85- جامع المقاصد في شرح القواعد

تحقيق: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، قم المشرّفة الطبعة: الأولى، ربيع الأول 1408ه-، المطبعة: المهدية، قم.

الكليني، ثقة الإسلام أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق (ت: 329ه-)

ص: 663

86- أصول الكافي

مع تعليقات نافعة مأخوذة من عدة شروح، صححه و علّق عليه علي أكبر الغفاري، نهض بمشروعه، الشيخ محمد الآخوندي، الناشر: دار الكتب الإسلامية مرتضى آخوندي، تهران بازار سلطاني، الطبعة الثالثة سنة (1388) هش.

(م)

المحقق، العلّامة الشيخ محمد بن الحسن بن الشهيد الثاني (ت: 1030ه-)

87- استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار

تحقيق: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث.

المجلسي، وحيد عصره المولى محمد تقي (ت: 1070ه-)

88- روضة المتّقين في شرح من لا يحضر الفقيه

نمقه و علّق عليه و أشرف على طبعه: السيد حسين الموسوي الكرماني و الشيخ علي پناه الإشتهاردي، الناشر بنياد فرهنك اسلامي حاج محمد حسین کوشانپور.

المجلسي، العلّامة الحجة الشيخ محمد باقر (ت:)

89- ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الاخبار

تحقيق: السيد مهدي الرّجائي، باهتمام السيّد محمود المرعشي، أعاد النظر فيه و أشرف على طبعه السيّد أحمد الحسيني، نشر: مكتبة آية الله المرعشي قم، طبع: مطبعة الخيام، قم.

المرتضى، علي بن الحسين الموسوي البغدادي (ت: 436ه-).

90- الانتصار

تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة، شوال المكرم 1415ه-.

ص: 664

91- مسائل الناصريات

تحقيق: مركز البحوث و الدراسات العلمية، الناشر: رابطة الثقافة و العلاقات الإسلامية، مديرية الترجمة و النشر، المطبعة: مؤسسة الهدى، تاريخ النشر: 1997 م 1417ه-، إيران - طهران.

92- مُجَملُ العِلْمِ و َالْعَمَلِ

تحقيق: السيد أحمد الحسيني، الطبعة الأولى، 1378ه-، مطبعة الآداب في النجف الأشرف.

93- رسائل الشريف المرتضى

تقديم: السيد أحمد الحسيني، إعداد: السيد مهدي الرجائي، نشر: دار القرآن الكريم قم، طبع: مطبعة سيد الشهداء، قم ، 1405ه-.

المغربي، الشيخ أبو حنيفة النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد (ت: 363ه-)

94- دعائم الإسلام

تحقيق: آصف بن علي أصغر فيضي، دار المعارف، مصر، سنة 1963م.

المفيد، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي (ت: 413ه-)

95- المقنعة

مؤسسة النشر الإسلامي، التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة، الطبعة: الثانية، التاريخ 1410ه- ق.

المقداد، جمال الدين أبو عبد الله المقداد بن عبد الله بن محمد بن الحسين السيوري (ت: 826ه-)

96- التنقيح الرائع لمختصر الشرائع

تحقيق: السيد عبد اللطيف الكوهكمري، نشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي، طبع:

ص: 665

مطبعة الخيام، قم، 1404ه-.

(ن)

النجفي، شيخ الفقهاء و إمام المحققين محمد حسن (ت: 1266ه-)

97- جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام

حققه و علّق عليه الشيخ عباس القوچانی، تاریخ انتشار: پائیز 1367 هش، دار الکتب الإسلامية.

النراقي، الفاضل المحقق المولى أحمد (ت: 1245ه-).

98- عوائد الأيام

تحقيق: مركز الأبحاث و الدراسات الإسلامية، الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، المطبعة: مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الأولى، 1417ه-.

99- مستند الشيعة في أحكام الشريعة

تحقيق مؤسسة آل البيت علیهم السلام الإحياء التراث، مشهد المقدسة، مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، 1415ه-.

النراقي، المولى مهدي النراقي (ت: 1209ه-)

100- معتمد الشيعة في أحكام الشريعة

تحقیق: مؤسسة العلّامة المجدّد الوحيد البهبهاني، الناشر: مؤتمر المولى مهدي النراقي، الطبعة: الأولى، 1380ش، 1422ه-، المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي.

ص: 666

الفهرس

ص: 667

ص: 668

فهرس الموضوعات

مقدمة المركز... 7

مقدمة التحقيق... 15

مقدمة المصنّف... 29

كتاب الطهارة... 31

[تعريف الحدث]... 46

[تعريف الخبث]... 48

[تعريف النجاسة].... 49

[كيفية تطهير الماء المتغير بالنجاسة]... 86

[اللمعة] الأُولى:... 89

اللمعة الثانية... 99

اللمعة الثالثة... 101

[تقدير الكر بالوزن]... 128

[تقدير الكر بالمساحة]... 133

[ماء البئر]... 147

[كيفية تطهير البئر]... 189

[موت البعير]... 194

[موت الثور]... 195

[الخمر]... 196

[المُسكِر المائع]... 196

ص: 669

[دم الحَدث]... 196

[الفُقاع]... 197

[العصير العنبي]... 197

[مقدار النزح]... 198

[العذرة الرّطبة]... 203

[التراوح و كيفيته]... 219

[مبحث الماء المضاف]... 227

[تعريف الماء المضاف]... 227

[خلاصة الأقوال]... 250

القول في الأسآر... 255

[الأسآر المكروهة]... 261

[التباعد بين البئر و البالوعة]... 270

[صور التباعد بين البئر و البالوعة]... 271

[أنواع النجاسات]... 275

[حكم مكروه اللحم]... 282

[حكم ما لا نفس]... 284

[طهارة دم النَّبي صلّی الله علیه و آله و الأئمّة علیهم السلام]... 285

[حكم منيّ ما لا نفس له]... 287

[حكم الدم المسفوح]... 288

[المستثنيات من أصل نجاسة مطلق الدم]... 290

[أقسام ذي النّفس]... 304

[الانتفاع بالميتة]... 305

[استثناء جسد النبي و الأئمة و البتول علیهم السلام]... 313

ص: 670

[طهارة الإنفحة ]... 320

[نجاسة الجنين]... 323

[ما تولد من الكلب و الخنزير]... 326

[ضابط الكفر]... 330

[نجاسة أولاد الكفار]... 334

[النّواصب و الخوارج]... 344

[المجسّمة و المجبّرة]... 345

[العصير العنبي]... 351

[طهارة عصير الزبيب و التمر]... 358

[وجوب إزالة النجاسة ]... 359

[المعفو عنه من النجاسات: الدم]... 367

[مقدار الدم المعفو عنه]... 373

[عدم استثناء الدماء الثلاثة]... 375

[إلحاق دم نجس العين بالدماء الثلاثة]... 377

[كيفية غسل الثوب]... 393

[بول الرضيع]... 402

[طرق ثبوت النجاسة]... 418

[ماء الغسالة]... 419

[ماء الاستنجاء]... 441

[المطهّرات]... 448

[فصول الطهّارة]... 481

[الفصل] الأوّل... 481

[موجبات الوضوء]... 482

ص: 671

[واجبات الوضوء]... 487

[أجزاء النيّة]... 492

[الأوّل: قصد الوجوب]... 492

[الثّاني: التّقرب].... 493

[الثّالث: الاستباحة]... 494

[الواجب الثّاني: جري الماء]... 502

[أفعال الوضوء]... 504

[الأوّل: غسل الوجه]... 504

[الثّاني: غسل اليدين]... 510

[الثّالث: مسح الرأس]... 512

[الرّابع: مسح القدمين]... 520

[الواجب الثالث: التّرتيب]... 535

[الواجب الرّابع: الموالاة]... 537

[سنن الوضوء ]... 541

[مواضع استحباب السواك]... 542

[مكروهات الوضوء]... 549

[أحكام الوضوء]... 549

[الشّك في النّية]... 549

[الشّك في بعض أفعال الوضوء]... 551

[الشّك في الطّهارة]... 556

[واجبات التخلي]... 562

[مستحبات التّخلي]... 574

[مكروهات التخلي]... 580

ص: 672

[مباحات التّخلي]... 583

[وجوب ردّ السّلام على المتخلي]... 584

(الفصل الثاني في الغسل)... 586

[موجبات الغسل]...586

[موجبات الجنابة]... 588

[المحرّمات على الجنب]... 596

[يکره للجنب أمور:]... 603

[واجبات الغسل]... 610

[وقت النّية]... 611

[مستحبات الغسل]... 617

[أحكام الجنابة]... 622

[مبحث الحيض]... 632

[تعريفه]... 632

[أقلّ الحيض]... 636

[أكثر الحيض]... 642

[صفات الحيض]... 643

[اعتبارات الحيض]... 645

مصادر الكتاب... 649

ص: 673

إصدارات مركز تراث سامراء

1. کتاب «رسالة حدوث العالم» تأليف الشيخ محمد باقر الاصطهاباناتي قدّس سرّه (طبع لأول مرة).

2. کتاب «معالم العبر في استدراك البحار السابع عشر»، للميرزا حسين النوري قدّس سرّه (طبع لأول مرة).

3. كتاب «مقدمة الذريعة إلى تصانيف الشيعة»، للشيخ آقا بزرك الطهراني قدّس سرّه، تحقيق مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

4. كتاب «رسائل من إفادات المجدّد الشيرازي قدّس سرّه»، تحقيق الشيخ مسلم الرضائي (طبع لأول مرة).

5. کتاب «رسالة في أحكام الجبائر»، بقلم السيد محمد الساروي، تحقيق مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

6. كتاب رسالة في «حكم الخلل الواقع في الصلاة» تقريراً لبحث السيد المجدّد الشيرازي قدّس سرّه، بقلم

الشيخ آقا رضا الهمداني قدّس سرّه. (طبع لأول مرة).

7. كتاب «مآثر الكبراء في تاريخ سامراء»، للشيخ ذبيح الله المحلاتي رحمه الله (طبع لأول مرة).

8. كتاب «مجموعة رجالية و تاريخية»، للشيخ آقا بزرك الطهراني قدّس سرّه ( طبع لأول مرة).

9. كتاب «نزهة القلوب و الخواطر في بعض ما تركه الأوئل للأواخر»، تاليف الميرزا محمد بن عبد الوهاب الهمداني، الملقب بإمام الحرمين. (طبع لأول مرة).

10. كتاب «الإمام علي الهادي علیه السلام عمر حافل بالجهاد و المعجزات» للشيخ علي الكوراني، أعده و خرج مصادره مركز تراث سامراء.

11. کتاب «سامراء في الأرشيف الوثائقي العثماني»، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة ).

12. کتاب «سامراء في السالنامات العثمانية»، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

13. كتاب «سامراء في لغة العرب»، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

14. كتاب «سامراء في مجلة سومر»، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة ).

15. كتاب «قوافي الولاء من الكاظمية إلى سامراء»، للأستاذ عبد الكريم الدباغ (طبع لأول مرة).

16. كتاب «زيارة أئمة سامراء علیهم السلام» من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

17. كتيب «دليل معرض فاجعة سامراء»، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

18. كتيب «مناقب أئمة سامراء علیهم السلام من الطرق العامة»، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

19. كتيب «نصائح سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني دام ظِله للشباب المؤمن»، من

إعداد مركز تراث سامراء.

20. كتيب «نصائح سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني دام ظِله للمقاتلين في ساحات الجهاد»، من إعداد مركز تراث سامراء.

ص: 674

21. كتيب «قبسات من حياة أئمة سامراء علیهم السلام»، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة ).

22. كتيب «تعريفي بمركز تراث سامراء»، من إعداد المركز (طبع لأول مرة).

23. كتيب «دليل الزائر لمرقد الإمامين العسكريين علیهما السلام في مدينة سامرّاء المقدسة»، إعداد مركز تراث

سامراء.

24. كتاب عصمة الحجج، تأليف السيد علي الحسيني الميبدي. (طبع لأول مرة).

25. مباحث من كتاب الطهارة، تأليف آية الله السيد إبراهيم الدامغاني قدّس سرّه، تقريراً لبحث آية الله المجدّد السيد محمد حسن الشيرازي قدّس سرّه. (طبع لأول مرة).

26. ذخيرة في تحقيق دليل الإنسداد، من إفادات السيّد المجدّد الشيرازي، بقلم المحقق الآخوند الخراساني (صاحب الكفاية). (طبع لأول مرة).

27. كتاب «العتبة العسكرية المقدسة في الأرشيف الوثائقي العثماني»، جمع و ترجمة د. سامي المنصوري، تدقيق و مراجعة مركز تراث سامراء.

28. كتاب «مقدمة الذريعة إلى تصانيف الشيعة»، للشيخ آقا بزرك الطهراني قدّس سرّه، تحقيق مركز تراث سامراء (طبعة منقحة).

29. كتاب البيع، تأليف آية الله السيّد إبراهيم الدامغاني قدّس سرّه، تقريراً لبحث آية الله المجدّد السيّد محمد

حسن الشيرازي قدّس سرّه.

30. كتاب «سامرّاء في مجلة سومر / ج 2»، إعداد مركز تراث سامرّاء.

31. شرح اللمعتين، تأليف آية الله الشيخ عباس بن حسن آل كاشف الغطاء قدّس سرّه.

الكتب التي ستصدر قريباً

1- ببلوغرافيا (ما كتب في حوزة سامراء).

2- كتاب وقائع المؤتمر العلمي الأول «الإمام الهادي علیه السلام عبق النبوة و عماد السلم المجتمعي».

3- مباحث من كتاب الزكاة، من إفادات آية الله العظمى السيد المجدّد الشيرازي قدّس سرّه، تقرير الشيخ أسد الله الزنجاني قدّس سرّه.

4- اللوامع الحسنية، تأليف السيد حسن صدر الدين الكاظمي.

5- العسكريان علیهما السلام في الشعر العربي.

6- ببليوغرافيا الإمامين العسكريين عليها السلام.

7- مكتبات سامراء الرائدة: و تتضمن:

أ- مكتبة المجدّد السيد محمد حسن الشيرازي.

ب- مكتبة الشيخ محمد تقي الشيرازي.

ج - مكتبة الإمام المهدي العامة.

د- مكتبة الشيخ محمد حسن كبة.

8- خطب منبر الجمعة.

ص: 675

كتب قيد التحقيق و التأليف

1- مقدمة الواجب، تأليف السيد هاشم بحر العلوم قدّس سرّه، تقريراً لبحث آية الله المجدّد السيد محمد حسن

الشيرازي قدّس سرّه.

2- مآثر الكبراء ج 5، تأليف العلّامة الشيخ ذبيح الله المحلاتي قدّس سرّه.

3- مآثر الكبراء ج 6، تأليف العلّامة الشيخ ذبيح الله المحلاتي قدّس سرّه.

4 - مآثر الكبراء ج 7، تأليف العلّامة الشيخ ذبيح الله المحلاتي قدّس سرّه.

5- مآثر الكبراء ج 8، تأليف العلّامة الشيخ ذبيح الله المحلاتي قدّس سرّه.

6- مآثر الكبراء ج 9، تأليف العلَّامة الشيخ ذبيح الله المحلاتي قدّس سرّه.

7- مآثر الكبراء ج 11، تأليف العلّامة الشيخ ذبيح الله المحلاتي قدّس سرّه.

8- نكت الرجال على كتاب منتهى المقال، تأليف آية الله السيد صدر الدين الصدر قدّس سرّه.

9- علماء تتلمذوا في سامرّاء.

ص: 676

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.